إسلام ويب

غالب اختلاف السلف في التفسير يندرج تحت اختلاف التنوع أما اختلاف التضاد فقليل، وقد قسم شيخ الإسلام ابن تيمية اختلاف التنوع إلى أربعة أقسام: من حيث اختلاف الاسم مع اتحاد المسمى، وذكر بعض أفراد العام، وكون اللفظ محتملاً لكونه مشتركاً أو متواطئاً، وتعبير المفسرين عن المعنى بألفاظ متقاربة. والسبب في اختلاف السلف هذا: تنوع الأسلوب العربي، واختلاف القراءة، وغير ذلك.

اختلاف السلف في التفسير

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.

اختلاف السلف في التفسير، هذا الموضوع من الموضوعات المهمة جداً، وأرى أنه لا يصلح لطالب علم التفسير أن يخوض في هذا العلم دون أن يعرف هذا الباب بالذات: الذي هو اختلاف التنوع، واختلاف التضاد، فمن ضبطه ضبطاً جيداً فإنه يسهل عليه القراءة في الكتب التي تحكي الاختلاف، وقد أشار شيخ الإسلام رحمه الله تعالى إلى أن الغالب على تفسير سلف الأمة هو اختلاف التنوع، وأما اختلاف التضاد عندهم فقليل، وهذا صحيح.

اختلاف التنوع

وقبل أن نشرع في تعريف اختلاف التنوع واختلاف التضاد نذكر نصاً مهماً، وتبرز أهميته بأنه منقول عن طبقة التابعين ومن بعدهم من أتباع التابعين، وأنهم كانوا يعون أهمية هذه القضية: قضية اختلاف التنوع، هذا النص أورده الإمام المروزي في كتابه السنة، قال محمد بن نصر المروزي : وسمعت إسحاق يقول في قوله تعالى: وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، (قد يمكن أن يكون تفسير الآية على أولي العلم، وعلى أمراء السرايا؛ لأن الآية الواحدة يفسرها العلماء على أوجه وليس ذلك باختلاف)، والمقصود بـإسحاق هو إسحاق بن راهويه ، وله تعليقات في التفسير وإن كانت قليلة لكنها ثمينة في كتابه المسند، فـإسحاق يخبرنا أن السلف اختلفوا في المراد بأولي الأمر في قوله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]، فبعد أن ذكر أقوال السلف قال: وليس ذلك باختلاف، يعني ليس اختلافاً يحتاج إلى ترجيح أحد القولين على الآخر بل يشمل ذلك جميعاً.

يقول: وقد قال سفيان بن عيينة : (في تفسير القرآن اختلاف إذا صح القول في ذلك)، أي: صح القول عن السلف في ذلك، فالأصل أنه ليس من باب الاختلاف، يعني وكأن هذه قاعدة: فإذا صح القول في التفسير عن السلف فالأصل أنه ليس من اختلاف التضاد.

(وقال: أيكون شيء أظهر خلافاً في الظاهر من الخنس؟ قال عبد الله بن مسعود : هي بقر الوحش. وقال علي : هي النجوم.

قال سفيان بن عيينة : وكلاهما واحد؛ لأن النجوم تخنس بالنهار وتظهر بالليل، والوحشية إذا رأت إنسياً خنست في الغيطان وغيرها، وإذا لم تر إنسياً ظهرت، قال سفيان : فكلٌ خنس)، فنقول: أقسم الله بالنجوم، وأقسم ببقر الوحش، فهذا كله صحيح وليس بينهما تضاد، صحيح أن بينهما تغايراً لكن ليس بينهما تضاد، فيكون هذا صحيح وهذا صحيح.

(قال إسحاق : وتصديق ذلك ما جاء عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الماعون، يعني أن بعضهم قال: الزكاة، وبعضهم قال: عارية المتاع.

قال: وقال عكرمة : الماعون أعلاه الزكاة، وعارية المتاع منه).

فقوله تعالى: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:7]، قيل: يمنعون الزكاة. وقيل: يمنعون القدر. وقيل: يمنعون الفأس. فالماعون هو عموم ما يدل على المعونة، فالزكاة ينطبق عليها أنها ماعونة، ولما يأتي إنسان ويستعير منك الفأس ينطبق عليه أنه معونة، ولما يطلب منك قدراً ينطبق عليه معونة وهكذا، فالخلاصة أن الماعون يشمل كل هذه الأشياء، فكأنه لفظ عام تدخل فيه أفراد كثيرة، وإنما هذه أمثلة له.

(قال إسحاق : وجهل قوم هذه المعاني، فإذا لم توافق الكلمة الكلمة قالوا: هذا اختلاف)، فهؤلاء أناس من عهد إسحاق يعني في القرن الثاني وبداية الثالث، كانوا إذا رأوا أن الكلمة لا توافق الكلمة قالوا هذا اختلاف، يعني مثل ما سبق وأشرت إليه في قوله تعالى: يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً [الطور:9]، فبعضهم يقول: مورها تموجها، وقال بعضهم: مورها تشققها، فيأتي أحدهم فيقول: هذا اختلاف محقق، والحقيقة أنه ليس باختلاف محقق بل يمكن الجمع بين هذه الأقوال، وما دام يمكن الجمع بين هذه الأقوال فلا يدخل في باب الاختلاف.

يقول: (وقد قال الحسن وذكر عنده الاختلاف في نحو ما وصفنا، فقال: إنما أتي القوم من قبل العجمة)، يعني صاروا كالأعاجم أو هم أعاجم ولا يعرفون اتساع اللغة ولا اتساع التفسير، فإذا لم تتوافق الكلمة مع الكلمة قالوا: هذا اختلاف)، انتهى هذا النقل وهو نقل عزيز مهم.

فهذه المسألة فصلها شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في كتابه في أصول التفسير، وكذلك الشاطبي، وكلامه مهم جداً، قال الشاطبي : ومن الخلاف ما لا يعتد به وهو ضربان: أحدهما: ما كان من الأقوال خطأً مخالفاً لمقطوع به في الشريعة.

والثاني، وهو الذي نريده: ما كان ظاهره الخلاف وليس في الحقيقة كذلك، وأكثر ما يقع ذلك في تفسير الكتاب والسنة، فتجد المفسرين ينقلون عن السلف في معاني ألفاظ الكتاب أقوالاً مختلفةً في الظاهر، فإذا اعتبرتها وجدتها تتلاقى على العبارة كالمعنى الواحد، والأقوال إذا أمكن اجتماعها والقول بجميعها من غير إخلال بمقصد القائل فلا يصح نقل الخلاف فيها عنه، يعني لأنها في النهاية مؤتلفة ومتفقة.

والشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى أيضاً له تقسيم في اختلاف التنوع واختلاف التضاد بناه على اللفظ والمعنى، وهو ما بناه ابن جزي وإن كانوا اختلفوا في طريقة ترتيب اللفظ والمعنى.

اختلاف التضاد

ننتقل إلى تعريف اختلاف التنوع واختلاف التضاد، كما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.

فاختلاف التضاد! هما القولان المتنافيان اللذان لا يمكن الجمع بينهما.

ومن أشهر الأمثلة قوله سبحانه وتعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، فلو قلنا: إن القروء هي الحيض، فلا يمكن أن نقبل القول الثاني وهي أنها الأطهار.

كذلك قوله تعالى: إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:237]، فالذي بيده عقدة النكاح قيل: الولي، وقيل: الزوج، فإذا قلنا: إنه الزوج فلا يمكن أن نقول: إنه ولي المرأة؛ لأن من يعفو واحد فإذا قلنا: إنه الزوج انتفى ولي المرأة، وإذا قلنا: إنه ولي المرأة انتفى الزوج.

كذلك قوله تعالى: فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا [مريم:24]، ناداها قيل: هو عيسى ، وقيل: هو جبريل، والمنادي واحد، فإذا كان المنادي عيسى فلا يمكن أن يكون جبريل، وإذا كان المنادي جبريل فلا يمكن أن يكون عيسى.

كذلك قوله تعالى: وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:107]، قيل: المفدى هو إسماعيل، وقيل: إسحاق، ولا يكون إلا واحداً، فإن قيل: إنه إسحاق فلا يمكن أن يكون إسماعيل، وإن قيل: إنه إسماعيل فلا يمكن أن يكون إسحاق، كذلك في قوله سبحانه وتعالى: يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ [الأنفال:6]، قيل: المجادل هم الصحابة، وقيل: المجادل هم المشركون، والحدث واحد، والمجادل واحد فإن قيل: إنهم المسلمون فلا يمكن أن يكونوا الكفار المشركين، وإن قيل: هم المشركون فلا يمكن أن يكون المجادل هم الصحابة رضي الله عنهم، فهذه بعض أمثلة اختلاف التضاد التي لا يمكن القول بهما معاً.

أنواع اختلاف التنوع

اختلاف التنوع على قسمين:

القسم الأول هو ما ذكره شيخ الإسلام : وهو أن ترجع الأقوال إلى معنىً واحد، وإن اختلفت العبارة، يعني: اختلاف عبارة فقط.

القسم الثاني: أن ترجع الأقوال إلى أكثر من معنى غير متناقضة، فإن كانت متضادة دخلت في اختلاف التضاد.

فالقسمة ثلاثية:

1- أن ترجع الأقوال إلى معنىً واحد.

2- أن ترجع الأقوال إلى أكثر من معنى وهي غير متضادة.

3- أن ترجع إلى أكثر من معنى وهي متضادة.

ففي الأول والثاني يجوز حمل الآية على ما قيل فيها من الأقوال، وفي الثالث لا بد من تصويب أحدها.

أفضل طريقة للتعامل مع اختلاف السلف

وأفضل طريقة للتعامل مع الاختلاف أن ننظر في الأقوال هل تعود إلى معنىً واحد أو تعود إلى أكثر من معنى؟ لأن عمل المفسر يحتاج إلى أن يعرف ما هو القول الصواب في الآية؟ فإذا كانت كل الأقوال صواباً فإنه يحتاج إلى أن يعرف ما هي العبارة الجامعة لهذه الأقوال الموجودة في الآية، أو ما هي الأقوال التي تحتملها هذه الآية وهي صحيحة؟

وهنا قاعدة في اختلاف التنوع وهي: أنه يمكن الترجيح بين الأقوال لكن على سبيل اختيار القول الأولى وليس على إبطال القول، ويصح أن أبطل قولاً في اختلاف التنوع إذا ظهرت قرينة ما.

وأما اختلاف التضاد فظاهر أنه لا بد من ترجيح أحد القولين؛ لأنه لا يمكن الجمع بينهما.

هذا بإيجاز ما يتعلق باختلاف التنوع واختلاف التضاد.

تقسيم شيخ الإسلام اختلاف التنوع في التفسير

نأخذ تقسيم شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في هذا، ونبني هذا التقسيم على ما ذكرناه، فـشيخ الإسلام رحمه الله تعالى لما ذكر اختلاف التنوع ذكر أربعة أنواع، فذكر نوعين ثم ثنى باثنين بعدهما:

النوع الأول: اختلاف الاسم واتحاد المسمى

النوع الأول: قال: أن يعبر كل واحد من المفسرين عن المعنى المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى في المسمى غير المعنى الواحد مع اتحاد المسمى، وضرب لهذا مثالاً بالصراط المستقيم، وضرب له بأمثلة مثل: الحسام والمسول والصارم، فالذات واحدة وهي السيف، وعبر عنه بمسميات متعددة، وهذه المسميات فيها معان، فمعنى أنه مسلول غير معنى أنه صارم، وغير معنى أنه مهند إلى آخره، فكل واحدة من هذه المسميات فيها معنى غير المعنى الآخر، لكنها في النهاية تدل على معنى واحد، فهو من باب اختلاف الصفة، فأخذ من هذه الأوصاف أسماء.

فقوله سبحانه وتعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، فالصراط المستقيم قيل: الإسلام، وقيل: القرآن. وقال: إنه يشعر بوصف ثالث، بل إن في الصراط المستقيم أكثر من قول، قيل: إنه السنة والجماعة، وبعضهم قال: طريق أبي بكر و عمر ، وبعضهم قال: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه التعبيرات عن الصراط المستقيم من حيث الألفاظ متغايرة لكنها ترجع إلى معنىً واحد؛ لأنها متلازمة، فالقرآن هو كتاب الإسلام، وعليه أبو بكر و عمر ، وهو طريق أهل السنة والجماعة، التلازم بين هذه الأقوال لا تنفك، فالإسلام والقرآن ترجع إلى ذات واحدة وإن كانت المعاني مختلفة، فمعنى الإسلام غير معنى القرآن وجميع الأقوال هنا صحيحة.

مثال آخر: نقل عن الشاطبي في تفسير (السلوى) قال: إنه طائر يشبه السمان. وقيل: طير حمر صفته كذا. وقيل: طير بالهند أكبر من العصفور. فهذه الأوصاف لهذا الطير الذي هو السمان وهو ذات واحدة والأوصاف ترجع إلى أكثر من معنى.

وأما قوله تعالى: يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً [الطور:9]، فالأصل أنه لا علاقة له بهذا الموضوع؛ لأن هذا يرجع إلى جزء المعنى، قال بعض السلف: يعني تدور السماء دوراً، وقال آخر: مورها تحريكها، وقال آخر: مورها استدارتها وتحريكها لأمر الله. وقال بعضهم: مورها موج بعضها في بعض. وقال بعضهم: مورها تشققها. وحين ننظر إلى هذه المعاني نجد أن كلاً منها جزء من معنى المور.

مثال آخر: قوله تعالى: وَكَأْساً دِهَاقاً [النبأ:34]، فبعض السلف قال: ممتلئة. وقال آخر: متتابعة. وقال آخر: صافية. وجميع الألفاظ ترجع إلى أكثر من معنى، مع أن الموصوف فيها واحد وهو الكأس.

هذا هو النوع الأول عند شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.

النوع الثاني: ذكر بعض ألفاظ العام

النوع الثاني عنده قال: أن يذكر كل مفسر من الاسم العام بعض أنواعه ومثل له بقوله سبحانه وتعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ [فاطر:32]، فذكر ثلاثة أصناف، ولما ترجع إلى تفسير السلف تجد أنهم ذكروا هذه الأصناف الثلاثة في نوع من أنواع الطاعات، فبعضهم قال: الظالم لنفسه هو الذي يؤخر الصلاة عن وقتها، والمقتصد هو الذي يصلي الصلاة في وقتها، والسابق بالخيرات هو الذي يصلي الصلاة في أول وقتها.

ولما جعلوها في الأموال قالوا: الظالم لنفسه هو الذي يفرط في أداء الزكاة، والمقتصد هو الذي يؤدي زكاة ماله، والسابق بالخيرات هو الذي يؤدي زكاة ماله ويزيد على ذلك الصدقة.

فهذا تمثيل لهذا المعنى العام فكل واحد منهم ذكر نوعاً من أنواع الطاعات.

مثال آخر: قوله تعالى: لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ [التكاثر:8]، قيل: النعيم الأمن والصحة والأكل والشرب، وقيل: النعيم تخفيف الشرائع فبدل أن تكون الصلاة خمسين صلاة صارت خمس صلوات، وحين يعجز الإنسان عن الصلاة قائماً يصلي قاعداً، وقيل: النعيم الإدراك بحواس السمع والبصر، والنعيم هو كل ما يتنعم به الإنسان، فهو اسم عام يشمل جميع ما ينعم به الله على عبده، فالعلاقة بينها مثال للفظ العام.

مثال آخر ذكره الشاطبي، يقول: كما نقلوا في (المن) أنه خبز رقاق، وقيل: زنجبيل، وقيل: الترنجبين. وقيل: شراب مزجوه بالماء. قال: فهذا كله يشمله اللفظ؛ لأن الله من به عليهم، ولذلك جاء في الحديث: ( الكمأة من المن الذي أنزل الله على بني إسرائيل )، فيكون (المن) جملة نعم ذكر الناس منها آحاداً، فلما اشتهر اسم المن على ما ينزل من السماء ويكون على هيئة الطير وهو حلوى يؤكل تصور بعض الناس أن هذا هو المراد بالمن دون غيره، ولما ترجع إلى تفسير السلف تجد أنهم ذكروا ما يسمونه بالصمغ من المن، وذكروا أيضاً هذه الأقوال الأخرى، والرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى معنى المن فقال: ( الكمأة من المن الذي أنزل على بني إسرائيل )، وهذا من باب الاستفادة من السنة، فنفهم منها أن المن هنا ليس قوله سبحانه وتعالى: (أنزل عليكم المن)، بل نوع يسمى المن، مما من به، وذكر السلوى بعد المن من باب الخاص بعد العام والمراد به التشريف، ومثله قوله تعالى: مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ [البقرة:98]، ثم قال: وَجِبْرِيلَ [البقرة:98] مع أنه من الملائكة لكن خصه لفائدة معينة.

وهذا مثله إما تشريفاً وإما تنبيهاً للفضل الزائد فيها إلى آخره على ما سيأتي في محاولة استنباط سبب ذكر السلوى فقط، وعلاقة جميع ما ذكر بالمن علاقة المثال والعموم.

ثم قال: ويدخل ضمن هذا النوع ما يذكره المفسرون من أسباب النزول، فهي كالمثال، فإذا قيل: نزلت هذه الآية في كذا، وقيل: غير ذلك من الأسباب فإنها كالأمثلة تدخل في حكم الآية، وهذه قاعدة مهمة جداً، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والتعامل مع تعدد أسباب النزول يكون على ضوء هذه القاعدة.

فهذه أمثلة للعموم، فإن اختلفت هذه الأمثلة فينظر فيها من باب اختلاف التنوع ورجوعها إلى قول أو إلى أكثر من قول، مثال ذلك قوله سبحانه وتعالى: وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195].

فقال بعضهم: نزلت بسبب ترك النفقة، وقيل: بسبب ترك الجهاد، ونحن لا نحرر في أيهما هو المباشر في سبب النزول، إنما نحرر في صحة المعنى، فالمفسر يعنى بصحة المعنى أكثر من عنايته بتصحيح أسباب النزول؛ لأن تصحيح أسباب النزول منشؤها تاريخي إلا إذا اختل المعنى، فما دام المعنى لا إشكال فيه فإنه يدخل في باب اختلاف التنوع، وهذه قاعدة نفيسة ومهمة حينما تتعامل مع أسباب النزول.

ويدخل في هذا الباب فيما لو قالوا: نزلت هذه الآية في فلان وآخر يقول: نزلت في فلان، ويتعدد ذكر الأشخاص الذين نزلت فيهم، مثل قوله تعالى: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:3]، قيل: نزلت في العاص بن وائل . وقيل: نزلت في أبي جهل . وقيل: نزلت في نفر من قريش.

قال شيخ الإسلام : إن هذين النوعين هما الغالب على تفسير سلف الأمة، وما قاله في هذا صحيح.

وهنا ملحوظة مهمة جداً في قضية العموم أشير إليها إشارة سريعة جداً وهي أن من كتب في العموم والخصوص في علوم القرآن لم يدخل هذه المسألة في العموم والخصوص مع أنها من أخص ما يرتبط بعلم التفسير، وإنما نوقش باب العموم والخصوص في التفسير أو في علوم القرآن على أنه مبحث أصولي بحت ومتكامل، وتجد فيه أمثلة أصولية، ومن القصور في هذا الباب أن مثل هذا الموضوع الذي يقول عنه شيخ الإسلام: إنه غالب على تفسير سلف الأمة لا تجد له إشارة في باب العموم والخصوص في كتب علوم القرآن.

النوع الثالث: احتمال اللفظ

النوع الثالث قال عنه شيخ الإسلام : أن يكون اللفظ محتملاً لأمرين: إما لأنه مشترك في اللغة، وإما لأنه متواطئ.

فالمشترك هو: الكلمة التي تأتي لأكثر من معنى عند العرب مثل: العين حيث أطلقوها على العين الباصرة، وأطلقوها على عين الماء، وأطلقوها على الجاسوس، فهذا نسميه لفظاً مشتركاً.

ومثله (عسعس) حيث أطلقوه على أقبل، وأطلقوه على أدبر، وكذا (قسورة) حيث أطلقوه على الأسد، وأطلقوه على الرامي.

وأما المتواطئ فهذا لفظ منطقي وهو: نسبة وجود معنىً كلي في أفراده وجوداً متوافقاً غير متفاوت، كالإنسانية لزيد وعمرو فإنها لا تختلف.

ومثل هذا بياض الثلج واللبن فهو متواطئ، لكن لو دخلت في نسبة البياض أيهما أكثر بياضاً فهذا يسمونه مشككاً، وهو جزء من المتواطئ، لكن لا يعنينا هذا الموضوع في التفسير، إنما يعنينا أنهم يتفقون في الوصف توافقاً غير متفاوت، فما دام يوجد اتفاق فإننا نسميه متواطئاً.

ثم ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى مثالاً للمشترك في (قسورة) قوله: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ [المدثر:50-51]، فمعنى (كأنهم حمر) أي: وحش (مستنفرة) يعني: هاربة قد نفرت، فرت من قسورة فيصح أن يكون المعنى فرت من الأسد، ويصح أن يكون المعنى فرت من الرامي؛ لأن العرب عبرت عن الرامي وعن الأسد بأنه قسورة، إذاً فهذا مشترك لفظي، وهذا كثير جداً في تفسير السلف.

ومثل هذا قوله تعالى: وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ [التكوير:6]، أو وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ [الطور:6]، قيل: (المسجور) الموقد. وقيل: الممتلئ. وقيل: الفارغ. وقيل: المحبوس. وسبب الاختلاف هو أن لفظة (المسجور) تطلق في اللغة على كل هذه المعاني.

ومثله قوله سبحانه وتعالى: وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر:2]، قيل: (مستمر) بمعنى ذاهب، وقيل: بمعنى قوي، من أمر الحبل إذا جدله وربطه بإحكام، ولفظة (مستمر) تحتمل هذا وهذا.

أما المتواطئ فشيخ الإسلام مثل له بنوعين:

الأول: الضمير.

الثاني: والأوصاف التي يشترك فيها أكثر من موصوف.

فالضمير مثل له بقوله سبحانه وتعالى: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى [النجم:8-9]، ومعروف الخلاف بين السلف فيمن هو الذي دنا فتدلى قيل: دنا الرب سبحانه وتعالى، وقيل: دنا جبريل عليه السلام، والجمهور على أن الذي دنا هو جبريل، فالضمير في دنا إما أن يعود إلى الله أو إلى جبريل، النسبة إلى الضمير واحدة لا يتميز فيها صاحب الضمير.

ومن الأمثلة على الضمير أيضاً قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6]، يحتمل فملاق ربك، ومحتمل فملاق كدحك.

وأما الأوصاف فمثل الخنس الذي سبق التمثيل به، فقوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِي الْكُنَّسِ [التكوير:15-16]، لم يقل سبحانه وتعالى: فلا أقسم بالبقر الخنس، أو فلا أقسم بالنجوم الخنس، فهذا الوصف يمكن أن يكون للنجوم، ويمكن أن يكون للبقر.

كذلك قوله تعالى: وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً [النازعات:1]، قيل: هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق. وقيل: هي السفن تنزع من مكان إلى مكان. وقيل: هم الملائكة ينزعون روح الميت. فهذه الأقوال وغيرها تتفق كلها في معنى النزع، فنسبتها إلى النزع واحدة، فهذه الأوصاف المذكورة لم يذكر موصوفها، فتدخل في باب المتواطئ؛ لأنها تحتمل أكثر من موصوف.

والفرق بين المشترك والمتواطئ أن المشترك لا بد أن يكون محكياً عن العرب، وأما المتواطئ فقضية عقلية اتفقت جميعاً في نسبتها إلى هذا المعنى.

النوع الثالث المثال وقلنا: إنه يرجع إلى معنىً واحد وهو المعنى الكلي الذي هو العموم.

النوع الرابع: التعبير عن المعنى بألفاظ متقاربة

النوع الرابع والأخير قال: أن يعبر المفسرون عن المعنى بألفاظ متقاربة، مثل أَنْ تُبْسَلَ [الأنعام:70]، قيل: تحبس، وقيل: ترتهن، أو مثل وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38] قيل: نصب، وقيل: عناء، وقيل: سآمة، وهذا أيضاً كثير في تفسير السلف التعبير عن اللفظ بمعان متقاربة.

من أسباب اختلاف السلف

تنوع الأسلوب العربي

تنوع الاستعمال العربي هذا يسمى بالحقيقة والمجاز، فمن يثبت الحقيقة والمجاز يقول به، ومن لا يثبته يقول: إنه استعمال عربي، فقوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، قيل المراد بالثياب: النفس، وقيل: العمل. وكلها بسبب الاحتمالات البعيدة والقريبة، وأول ما يرد على الذهن عند قراءة قوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، أنه الثوب الملبوس فهذا أقرب ما يتبادر إلى الذهن، فسبب الاختلاف هو تنوع الاستعمال العربي في هذه اللفظة.

ومثلها قوله تعالى: وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ [هود:91]، فقد يكون المقصود الرجم بالحجارة أو الرجم بالسب، وذلك لتنوع الاستعمال العربي لهذه اللفظة.

النسخ

النسخ عند السلف: رفع جزء من معنى الآية سواءً كان تخصيصاً، أو بيان مجمل، أو تقييد مطلق، أو نسخاً اصطلاحياً، كل هذا يدخل في هذا الباب، والسبب أنه يختلف في أن الآية محكمة، أو أن فيها رفعاً لجزء من معناها.

مثال ذلك قوله: سبحانه وتعالى: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [البقرة:221]، قيل: إنها منسوخة بقوله: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [المائدة:5]. وقيل: إنها محكمة وليست منسوخة.

فمن جعلها محكمة وليست منسوخة غلب مصطلح الإشراك على كفار قريش، وغلب مصطلح أهل الكتاب عليهم، فمن قال: إن المشركات هنا يدخل فيهن أهل نساء الكتابيات؛ لأنهن مشركات، يجيز نكاح الكتابيات بالآية الأخرى (والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب) ويقول: هذه الآية مخصصة أو ناسخة على حسب القولين الواردين؛ لقوله: وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ [البقرة:221]، ومن لا يرى أنها لا مخصصة، ولا ناسخة يقول: إن الآية هذه محكمة، والمشركات المراد بهن عابدات الأوثان، ولا تدخل فيها الكتابيات، وأن قوله: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [المائدة:5] آية مستقلة وحكم مستقل.

وهذا يدخل في الباب الواسع عند السلف في النسخ، سواء كان تخصيص عام، أو تقييد مطلق، أو بيان مجمل، أو النسخ الاصطلاحي، فهو سبب من أسباب الاختلاف.

اختلاف القراءة

الاختلاف في القراءة، مثل قوله تعالى: وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ [التكوير:24] بالضاد قيل: ببخيل، وقال الفراء : الضنين بمعنى ضعيف، من قولهم: حبل ضنين إذا كان ضعيفاً، والمعنى ليس ضعيفاً في حمل الوحي، وأما الظاء فالمعنى متهم.

الأسئلة

حال تفسير الشوكاني

السؤال: الشوكاني هل تفسيره مستقل؟ وهل فيه معاني جديدة مثل تفسير الطبري ؟

الجواب: هذا يرجع إلى وجود اختيارات للشوكاني رحمه الله تعالى في كتابه، وهذا يحتاج إلى استقراء خاص، لكن قل أن يكون هناك مفسر يعرض للأقوال، ويناقش الأقوال ولا يكون له رأي.

إدخال الرافضة في التفسير مع مخالفة أصولهم لسائر أصول الفرق الإسلامية

السؤال: لماذا ندخل الرافضة في التفاسير وأصولهم غير الأشاعرة والمعتزلة والفرق الإسلامية؟

الجواب: هذه ترجع إلى تحليل الشخص في كونه يخرج أو لا يخرج، لكن لهم أصول يعتمدون عليها، ولهم كتب في التفسير، وكذلك بعض تفاسيرهم دخلت في كتب أهل السنة، ومن هنا تناقش هذه الكتب أو تذكر وينبه على أنها تفاسير باطلة، وهم ينتسبون إلى الإسلام عموماً، سواءً أخرجتهم بما توصلت إليه، أو لم تخرجهم، فهم في النهاية ينتسبون إلى الإسلام.

القول بأن أهل الطب وبعض أصحاب الإعجاز العلمي يشوهون صورة القرآن لتذبذب آرائهم

السؤال: لماذا لا نقول: إن أهل الطب وبعض أصحاب الإعجاز العلمي يشوهون صورة القرآن، فقد يذكرون معجزة وآية في القرآن، ثم يكون غير ذلك، فيكون من الكذب على القرآن، وهل هناك ضابط في الإعجاز؟

الجواب: هذه المسألة من باب لزوم ما لا يلزم، وهي عدم فهم لطريقة التفسير، فمن يتصدون لما يسمى بالإعجاز العلمي يلزمون أنفسهم بألا يفسروا القرآن إلا بالحقائق العلمية التي ثبت أنها حقائق، ويسمون ذلك إعجازاً، فهذا ليس تفسيراً، هذا لزوم بما لا يلزم؛ لأنهم يفرقون بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي، فالتفسير العلمي عندهم أقل من الإعجاز العلمي، فالإعجاز العلمي لا يجوز أن يفسر فيه إلا بما ثبت على أنه حقيقة لا تقبل الشك والجدل، أما التفسير العلمي فقد يفسر ببعض النظريات والفرضيات، وهذا التقسيم لا يصح من جهة التفسير فالمفسر حين يفسر الآية لا ينظر إلى هذا الضابط.

فلو سألت: هل معنى ذلك أنك لو فسرت يمكن أن تربط قضيةً أو فرضيةً من الفرضيات الموجودة في العلم المعاصر بالقرآن؟ فالجواب: نعم؛ لأن العمل التفسيري لا يؤثر على قدسية القرآن من هذه الجهة، فهؤلاء ألزموا أنفسهم بما لا يلزم، وجعلوا هذا الذي توصلوا إليه حقائق لا تقبل الجدل، فلهذا يقعون في الإشكال إذا اختلفت هذه الحقيقة، ولهذا لا بد أن نعلم أن التفسير اجتهاد بشري، فالخطأ في التفسير لا يعني الخطأ في القرآن فهم بطريقتهم هذه يلزمون النص القرآني ما ليس بلازم، وهي جهة بالنسبة لأهل التفسير منفكة، ولهذا المفسرون يفسرون المعنى بالقصص، ويفسرون بالبيت الشارد من أقوال العرب؛ لأن المراد بيان المعنى، فإذا تبين المعنى بمثل هذا تم، وكون هذه حقيقة أو غير حقيقة هذه قضية أخرى، والخلاصة أن اشتراط التفسير على سبيل الإعجاز بالحقيقة الثابتة هو لزوم بما لا يلزم وليس من طريق المفسرين.

المنهج التدريجي في التفسير

السؤال: يسأل عن منهج تدريجي في هذا العلم؟

الجواب: عدم الاقتصار على قراءة كتب أصول التفسير مرة واحدة ثم تطبيق هذه القواعد؛ لأن التطبيق هو الذي يثبت هذه المعلومات، فإذا كانت هذه المعلومات كافية فأفضل شيء أن يبدأ الإنسان ويقرأ تطبيقاً، فيقرأ في تفسير ابن كثير ، أو في تفسير البغوي ، أو في تفسير ابن جرير التي تعنى بتفسير السلف، ويحاول أن يطبق هذه القضايا التي أخذها، وأحياناً قد يصطدم ببعض الأمثلة، ولا يستطيع أن يعرف كيف يتصرف معها، وهذا طبيعي؛ لأنه تدرج في العلم، العلم لا يأتي مرةً واحدة، لكنه لو لم يحل الإشكال في هذه المرة فقد يحله في مرة أخرى.

مراجع في الإعجاز العلمي وعدم موافقتها لأصول التفسير

السؤال: لو تذكر لنا مراجع للاستزادة في مسألة الإعجاز العلمي وعدم موافقته لأصول التفسير؟

الجواب: بهذه الحيثية غير موجود، وأغلب من تكلم عنه فيه شيء صحيح، ولكن فيه جوانب مهمة لم يتكلم عنها فيما يتعلق بالإعجاز العلمي وربطه بالتفسير.

القول بأن أهل السنة اعتقدوا أولاً ثم فسروا

السؤال: ما الرد على من يقول: إن أهل السنة والجماعة اعتقدوا اعتقادات مسبقة، ثم فسروا القرآن بناءً على هذه الاعتقادات كغيرهم من أهل البدع؟

الجواب: أهل السنة والجماعة إما أن يكونوا أخذوا المعتقد من الكتاب والسنة، وإما أن يكونوا أخذوه بأهوائهم وأرائهم العقلية، فإن كانوا أخذوه من الكتاب والسنة فلم يعتقدوا أولاً، وإنما أخذوه من النص مباشرةً، وهذا هو حالهم، بخلاف أهل البدع، فلا تجد واحداً من أهل البدع إلا وهو منقطع السند عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمثلاً: الأشاعرة طريقة أبي الحسن الأشعري ، فحين نقول: طريقة أبي الحسن الأشعري فإنها تنقطع إليه.

فأهل البدع دائماً إما أن يرتبطوا بمقولة مثل المعتزلة، أو بفرقة أو بشخص، أما أهل السنة والجماعة فلا يرتبطون إلا بما نص عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، والجماعة: جماعة المسلمين من الصحابة والتابعين وأتباعهم، فهذا هو الفرق وهناك فروق تظهر بالمقارنة.

معنى قول شيخ الإسلام: إن الرسول صلى الله عليه وسلم بين القرآن كاملاً

السؤال: يقول شيخ الإسلام في المقدمة في رده على أهل البدع: بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين القرآن كاملاً؟

الجواب: معنى قول شيخ الإسلام : إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بين القرآن كاملاً، وهو يريد أن يرد على أهل البدع في أن هذا الكلام الذي جئتم به من التفسيرات الباطنية وذات العقلية المنحرفة ليس لكم فيها أصل، بل التفسير واضح ومنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

لكن تبقى الإشكالية: هل مراد شيخ الإسلام أن الرسول صلى الله عليه وسلم فسر القرآن آيةً آية، هذا فيه إشكالية إن كان يريد هذا، وإن كان يريد البيان العام، أي أنه بين لهم حروفه وقرأه عليهم، وما كان منه واضحاً لهم من جهة العربية لم يبينه لهم؛ لأنهم يعرفونه، وما كان من الأحكام وغيرها فإنه بينه لهم فهذا صحيح.

ولهذا سألوا عن حياة الشهداء لما أخبر الله سبحانه وتعالى عنهم بأنهم (أحياء عند ربهم يرزقون) وسألوا عن أشياء كانت غامضة عليهم، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم، وما لم يسألوه عنه فالأصل أنه معلوم عندهم لا يحتاجون فيه إلى بيان فكأنه بمثابة المبين، وكونه وقع بعد النبي صلى الله عليه وسلم اختلاف في فهم بعض آيات الكتاب فهذا راجع إلى الاجتهاد، وقد يكون النص مع أحدهم، وقد يكون كل ما قالوه صحيحاً وإنما الخلاف خلاف تنوع.

والخلاصة أن القرآن من الله لفظاً ومعنىً، فإذا عرض للتفسير فإنه يقع فيه الاختلاف لاختلاف المجتهدين، وليس للاختلاف في النص.

الرد على ما يسمى بالإعجاز العددي

السؤال: كيف نرد على أصحاب التفسير العددي وزعمهم أنه من الإعجاز؟

الجواب: الشيخ خالد المزيني حفظه الله له رد مفصل على هذا، يمكن أن يرجع إليه، لكن لا أدري هل هو منشور أو لا، والذي يصح منه عن السلف لا يعدو أن يكون من الملح، وليس من متين العلم.

تعليم المبتدئين تفسير جزء عم لابن عثيمين

السؤال: هذا يسأل عن تفسير الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في جزء عم هل يصلح للمبتدئين؟

الجواب: نعم.

المقصود بجمهور العلماء

السؤال: المقصود بجمهور العلماء؟

الجواب: هذه كلمة مجملة، فالمقصود بجمهور العلماء: أغلب العلماء وأكثرهم، وهي إحالة على العموم، فمعنى قول الجمهور، يعني: عامة العلماء.

قراءة آية واستنباط فوائد منها

السؤال: ذكر آية، واستنباط فوائد منها؟

الجواب: إذا وقف الواعظ مثلاً وذكر آية ثم استنبط منها فوائد، فهذه الفوائد لا بد أن تكون الآية دلت عليها.

الأمور التي من خلالها يصدر الحكم على كتابات المعاصرين في التفسير

السؤال: حال كتاب في ظلال القرآن؟

الجواب: هذه الفوائد سواء كانت في كتاب ظلال القرآن أو غيره من الكتب التي فيها استنباط مثل: مجالس الذكر لـابن باديس ، أو غيره ممن ينحو منحى الاستنباط والفوائد أياً كان نوع هذه الفائدة لا بد أن ننظر فيها من عدة مسائل:

المسألة الأولى: هل الفائدة المذكورة بذاتها صحيحة أو لا؟ فإذا كانت الفائدة بذاتها صحيحة مقبولة من جهة الشرع، فقد جاوزت القنطرة الأولى.

المسألة الثانية: هل دلت الآية عليها أو لا؟

فإن دلت عليها فهو استنباط صحيح، وإن لم تدل عليها فنقول: الكلام صحيح، لكن ربطه بالآية خطأ، سواء سميناه في ظلال القرآن، أو تحت ظلال آية، أو نظرات في آية، أو نظرات في سورة، أو خواطر أو نحو ذلك؛ لأن هذه التسميات ليس لها أثر، بل الأثر في الفكرة نفسها، كيف عالج الكاتب هذه القضية، أما إن كان الكلام غير صحيح في ذاته فربطه بالقرآن غلط، وأما إن كان صحيحاً في ذاته لكن القرآن لم يدل عليه فنقبله من حيث هو، ولا نقبل ربطه بالقرآن، هذا مقياس الحكم على ما كتب في التفسير، سواء كتاب الظلال لـسيد قطب أو غيره ولا يتأتى أن تحسب كل الأخطاء، لكن من كان عنده بعض الكتب التي أظهرت أخطاؤه أو أخطاء غيره فيمكن أن يدونها على نسخته ويستفيد من الصحيح، فقد أسقط بعضهم النووي ، وأسقط ابن حجر ، وأسقط العز بن عبد السلام إلى آخره، من أجل قضايا موجودة عندهم معروفة، ولهم أخطاء فيها مشهورة، فيعلق عليها والحمد لله، ويبقى ما لهم من خير وفضل وعلم صحيح يؤخذ عنهم ويتلقى.

سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , التعليق على كتاب فصول في أصول التفسير [6] للشيخ : مساعد الطيار

https://audio.islamweb.net