إسلام ويب

يعتبر علم التجويد من العلوم الإسلامية المرتبطة بأداء القرآن الكريم، وقد استدل العلماء على ذلك بآيات وأحاديث بينت كيفية قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وصفة القراءة المطلوبة شرعاً، واختلفوا في دلالات هذه الآيات والأحاديث على معانٍ عدة.

دراسة في علم التجويد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

فكرة هذا الموضوع أننا سنناقش بذور وأصول هذه القضية، ونناقش أيضاً الكتب التي طرحت علم التجويد قبل أن يترسخ هذا العلم عند المتأخرين بعد ابن الجزري ؛ لأنه بعد ابن الجزري بالذات، صار علم التجويد له لبنات معينة ومعروفة، وموضوعات معروفة، استمرت واستقرت على وتيرة واحدة، وسنناقش أيضاً هذه القضية، ونأخذ أيضاً من خلال فهارس بعض الكتب موازنة بين طريقة طرح بعض العلماء المتقدمين، وطريقة طرح المتأخرين الذين جاءوا بعد ابن الجزري بالذات، ونبين الموضوعات التي كان يعنى بها المتقدمون، ولا نجدها في كتب المتأخرين.

ومن القضايا التي ستدخل في تأصيل هذا العلم وهي مهمة جداً قراءة بعض الفقرات من بعض الكتب، ومن الكتب التي سنقرأ منها فقراً: الكتاب لسيبويه ، وكتاب الإقناع في القراءات لـابن الباذش ، وقد يكون من غيرها، لكن المقصد من هذا هو الاطلاع على تدوين هذا العلم عند هؤلاء العلماء المتقدمين، وكيف كانت بذور هذا العلم؛ لأنه من الإشكاليات عندنا وجود انقطاع وانفصال بين علمنا وعلم هؤلاء المتقدمين وكتاباتهم، فإذا اطلع واحد منا على علوم هؤلاء صار يخطئهم؛ لما استقر عنده من العلم المتأخر، الذي هو قد يكون فيه غيره وهو صحيح لكنه لم يطلع عليه.

علاقة علم التجويد بالعلوم الإسلامية

إذاً: قد يقول قائل: لماذا نناقش علم التجويد؟

أولاً: نتفق على مسألة هل التجويد من العلوم الإسلامية أو لا؟

والجواب: أن التجويد من العلوم الإسلامية، ولا أحد يخالف في ذلك.

ومثال ذلك أننا لو أردنا أن نوازن بين علم المنطق وعلم التجويد من ناحية النشأة، فهل علم المنطق من العلوم الإسلامية أم لا؟

نجد أنه ليس من العلوم الإسلامية، بل هو طارئ على العلوم الإسلامية، أما علم التجويد فهو من العلوم الإسلامية، وهذا بحد ذاته سبب يجعلنا نناقش هذا الموضوع ، ونحاول أن نؤصله مادام من العلوم الإسلامية، إذاً: فنحن بحاجة إلى معرفة أصول هذا العلم.

ومن جهة أخرى ما دام علم التجويد من العلوم الإسلامية، فإننا ننظر في ارتباط هذا العلم بغيره من العلوم الإسلامية الأخرى؛ لأن العلوم الإسلامية إما ترجع إلى الكتاب وإما ترجع إلى السنة.

فنجد أن هذا العلم يرجع إلى الكتاب، ولكن الكتاب فيه جملة من العلوم، وهذا العلم بالذات يرجع إلى نوعٍ معين من العلوم المرتبطة بالقرآن وهو علم أدائه.

أي: أداء القرآن، وهذا مهم جداً؛ لأنه عندما نقول: علم الأداء فإننا سنبني عليها معلومة، أو فائدة فيما بعد.

إذاً: علم التجويد في الأصل يرجع إلى هذا المعنى، كيف يتلى القرآن؟ كيف يؤدى القرآن؟

ما يعتمد عليه التجويد من حيث المشافهة والكتابة

وما دام أن هذا العلم من العلوم الإسلامية ومرتبط بالقرآن من جهة الأداء، فهل يمكن لهذا الأداء أن يدون أو يكتب؟

أو أن بعضه يمكن كتابته وبعضه لا يمكن إلا من طريق التلقي؟

لو تأملنا علم الأداء هذا، فإننا نجد أنه يمكن وصفه من طريقة الكتابة، فنقول مثلاً: الآية الفلانية، أو الكلمة الفلانية تقرأ هكذا، أو الحكم الفلاني يقرأ هكذا وصفاً، لكن الأصل فيه هو المشافهة، وضبط هذه المشافهة بالكتابة فرع عن ذلك، فالخلاف الذي يقع بين العلماء فيما بعد في قضية المشافهة، بمعنى: أن كل واحد منهم أراد بأن يضبط المشافهة بالمكتوب، فوقع خلاف بينهم في توصيف هذه المشافهة، إذاً: من المهم جداً أن ننتبه لهذه الحيثية، لأن علم التجويد في الحقيقة قائم على المشافهة، وأن قضية ضبط هذه المشافهة جاءت متأخرة، ووقع فيها خلاف؛ لأن المشافهة يصعب ضبطها، لكن على الأقل بقيت هذه المشافهة باختلافاتها، ويمكن القول: بأن القراءة النبوية بأحد هذه الأوجه الموجودة من اختلافات القراء فيها.

تحرير مصطلح العلم

ومن الأمور التي تدعونا إلى نقاش هذا الموضوع وجود أناس ينددون بعلم التجويد -على مراتب في تنديدهم- فمنهم من لا يعده من العلوم أصلاً ويخرجه، ولا نريد أن نناقش هنا مفهوم العلم؛ لأن مفهوم العلم أصابه إشكالية المنطق في قضية التصورات والتصديقات، فعندما نأتي للعلوم الإسلامية ونريد أن نطبقها عليه فإننا نقع في إشكالية في مفهوم العلم، فلن ندخل في هذه القضية، لكن العلم عندنا هو ما يتعلم، وما يكون له مسائل مضبوطة ضبطاً خاصاً، بمعنى أنه إذا قلنا مثلاً: الفاعل مرفوع.

فهذه قضية علمية وإذا وضعنا له إجابات متعددة فقلنا: الفاعل مرفوع، هل هو من علم النحو، أو من علم البلاغة، أو من علم التجويد، أو من علم اللغة، فإنه سيضعها في علم النحو؛ لأن هذه العلوم صارت مضبوطة ضبطاً خاصاً، وصار طالب العلم يعرف انتساب هذه المسائل إلى هذه العلوم، ويستطيع أن يميز هذا الانتساب، فيقول: إن هذه المسألة من علم النحو، وهذه المسألة من علم التجويد، وهذه المسألة من علم اللغة، وهذه المسألة من علم البلاغة؛ لأن هذه العلوم ضبطت ضبطاً خاصاً، فأي ضبط خاص لشيء من المسائل المتكاثرة فإنه يجعلها علماً مستقلاً، وهذا مرادنا بالعلم، فلكي نخلص من هذه الإشكالية التي دخل فيها بعض العلماء رحمهم الله كـالطاهر بن عاشور لما ناقش علم التفسير هل هو علم أو ليس بعلم؟ فهو لم يجعله علماً بناءً على مفهوم أن العلم إما أن يكون من قبيل التصورات أو التصديقات، وكذلك الزرقاني أيضاً لما ناقش مفهوم العلم، فلن ندخل في هذه القضية، وإنما نريد أن نعرف أن العلوم الإسلامية هذه طبيعتها ويطلق عليها أنها علوم، إذاً فعلم التجويد علم مستقل قائم بذاته، له مسائله المضبوطة ضبطاً خاصاً.

الإفراط والتفريط في علم التجويد

وسؤالنا عن علم التجويد: هل هو من العلوم الإسلامية أم لا؟ مدخل يجعلنا نعتني بهذا العلم ولو كان على الأقل اعتناءً قليلاً، ولا نرفضه رفضاً تاماً، فما دام من العلوم الإسلامية فإن أي معترض عليه يحتاج إلى أن يأتي بدليل يخرجه من هذه العلوم الإسلامية، حتى لا يكون من العلوم التي يعتني بها طالب العلم، وهذا أمر صعب، صحيح أن بعضهم أنكر أن يكون التجويد من العلوم أصلاً، وقال: يقرأ القرآن كل واحد منا، وكلنا عرب والإنسان يقرأ القرآن بسليقته العربية، وألغى شيئاً يسمى علم التجويد، ويوجد أيضاً في المقابل أناس من أهل التخصص والإقراء تشددوا وبالغوا في قضايا، هي في الحقيقة داخلة في باب الاجتهاد، أو أحياناً تدخل فيما يفوق الطاقة البشرية، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأه وهو يتتعتع فيه وهو عليه شاق فله أجران )، ودلالته أن الرسول صلى الله عليه وسلم يبين لنا أن هناك أناساً بلغوا المهارة التامة، وهناك آخرون يصعب عليهم التعلم وقراءة القرآن.

إذاً فالصواب أن نتعامل مع هذه الطبقات كل بحسبه، وقد نجد بعض من يدخل في علم التجويد يزعم أنه يتمنى أن لو قطع الصلاة بسبب أنه قرأ وراء الإمام الفلاني كذا أو كذا، وهذا ليس بصواب؛ لأننا لما ننظر الآن العالم الإسلامي بهذه الكثرة المتكاثرة، والمسلمون من نعمة الله سبحانه وتعالى صاروا يعودون إلى المساجد، فهل نستطيع عقلاً أن نعلم كل إمام في كل مسجد في أي مكان التجويد كما نعلم التجويد اليوم؟ لا يمكن، فإذاً: نحن نطلب من المسلمين شيئاً على قدر طاقتهم، لكن الذي يقصر وهو في محل الإمامة وهو يستطيع أن يتعلم فهذه قضية أخرى، لكنا نتكلم عن العموم والجمهور؛ لأننا نسمع بعضاً من أهل التخصص يكون عندهم عيب شديد ونقد شديد لبعض الأئمة، أو لبعض من يقرأ القرآن، ونحن نريد أن نوازن بين هذين الطرفين، الطرف الذين لا يرونه؛ والطرف الذين يبالغون ويشددون فيه، مع أن بعض القضايا التي يشددون فيها قد تكون خارجة فوق طاقة الإنسان، أو قد تكون قضايا خلافية اجتهادية يسوغ فيها تعدد القراءة، أي: تعدد الأداء، كما سيظهر إن شاء الله لاحقاً.

وهناك سبب أخير من أسباب مناقشة هذا الموضوع وهو دفع أهل التخصص إلى الرجوع إلى أصول هذا العلم؛ لأن فيه كنوزاً نحتاج إلى إبرازها، ونحتاج إلى أن نعيد الناس إلى قراءة القرآن كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم، وكما كان الصحابة، وكما كان التابعون والقراء الكبار يقرءونه سهلاً ميسراً، دون التعقيدات التي نسمع بها الآن مثل أن فلان من الناس قرأ الفاتحة سبعة أشهر حتى ضبطها، يعني أن هذا الذي قرئ عليه الفاتحة سبعة أشهر حتى ضبطها فيه إشكال إما في المقرئ؛ وإما في القارئ؛ لأن هذا غير معقول ولا يمكن تصوره، أو ما نسمعه أيضاً عن الضاد وإشكالياتها المعروفة، وقولهم: إنه لم يقرأ بها على وجهها إلا الرسول صلى الله عليه وسلم و عمر ، لو ناقشنا هذا الأمر عقلياً، من الذي وقف أمام الأمة هذه كلها على صعيد واحد وخبرها من بداية عصر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا وعرف هذه القضية، وسمع كل هؤلاء الخلائق، وعرفوا أنه ما ضبط الضاد إلا الرسول صلى الله عليه وسلم و عمر ! هل يمكن يقبل هذا؟! الرسول صلى الله عليه وسلم قبلناه لأنه عربي ونزل عليه القرآن، لكن العرب الآخرون ما كانوا يعرفون الضاد؟! بل الضاد عندهم معروفة ما فيها أي إشكال، فكيف يسوغ أن نقول هذا القول؟ وكأننا نلغي عقولنا في مثل هذه القضية التي ليس لها سند ولا شيء، ولا ندري من قالها؟ فهل يعقل ألا يضبط الضاد أحد إلا اثنين، إذاً: ما صارت ضاد عربية.

فالمقصود أن ننتبه إلى مثل هذه القضايا، ونؤصل لهذا العلم، ونخرج منه هذه الشوائب، ونعيد إليه أشياء من المهم أن تعود، ومن المهم أن يلتفت إليها التفاتاً تاماً، وأن يعرف أن هناك في قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيما كان بين الصحابة أشياء نحن غفلنا عنها بسبب طريقة التعلم.

العلاقة بين علم المتقدمين وعلم المتأخرين وكيفية المواءمة بينهما

وهنا قضية مهمة جداً أيضاً وهي أن هناك بعض الناس يجعل موازنة بين علم المتقدمين وعلم المتأخرين، وهذه الموازنة في الحقيقة تحتاج إلى ميزان؛ لأن بعض الناس ينسب نفسه إلى علم المتقدمين، ومعلوم أنه لا يمكن أن نصل إلى علم المتقدمين إلا بعلم المتأخرين، وليست كطفرة النظام ، لأنه لا يمكن أن ينتقل من مكان إلى مكان وفي الوسط مكان عبور ولا يمر عليه، إذاً: لا نستطيع أن نعبر إلى علم المتقدمين إلا بالمرور بعلم المتأخرين، وذلك بأن نأخذ علم المتأخرين ونفهمه ثم ننظر في علم المتقدمين حتى يحدث عندنا موازنة في الذهن، ولنضرب مثالاً لذلك: هل الأخبار تنسخ؟ يعني إذا أخبر الله بخبر، فهل ينسخ؟ الجواب عن ذلك أن الأخبار لا تنسخ، وهذه قاعدة من قواعد النسخ: أن الأخبار لا تنسخ، ما تأصلت هذه القاعدة إلا فيما بعد، في القرن الثالث وما بعد، ولا أحد يخالف هذه القاعدة، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى إذا قال: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [السجدة:4]،هذا خبر، هل يمكن أن نجد نسخاً لهذا الخبر؟ فنقول: إنه يأتي خبر من الله أنه لم يخلق السموات والأرض؟ لا يمكن ذلك؛ لأن نسخ الخبر يدل على التكذيب، والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك، اتفقنا على هذا، وقوله سبحانه وتعالى: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشعراء:224]، يقول ابن عباس : نسخها قوله: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [الشعراء:227]، فهل قوله تعالى: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشعراء:224]، خبر أوليس بخبر؟ و ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، يقول: نسخها قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا [الشعراء:227].

فكيف نقول: إن الأخبار لا تنسخ ، و ابن عباس يقول: هذا الخبر نسخ؟ صار فيه تعارضاً ذهنياً ونحتاج إلى الموازنة، فإما أن تكون القاعدة التي أسست خطأً؛ وإما أن يكون مفهوم النسخ الذي أراده ابن عباس غير مفهوم النسخ الذي قلنا فيه: إن الأخبار لا تنسخ وهذا هو الحل الوسط، فإذا تدرجنا بهذا الأسلوب لم يصر هناك إشكال بين علم المتقدمين وعلم المتأخرين بل يكون فيه نوع من التواؤم، وعموماً فإنه قد يكون في بعض العلوم إشكالية، ولكن نحتاج دائماً إلى محاولة الموازنة والمواءمة فيما بينها.

أهمية معرفة مصطلحات العلماء

ومن المسائل المهمة أيضاً قضية المصطلح والتي تعتبر أشكل شيء في العلم، فنجد كثيراً من الخلافات ترد بسبب المصطلح، ومثال ذلك الخلاف في قولهم: لفظي بالقرآن مخلوق، فالمشكلة فيه هي في مفهوم المصطلح، ولهذا إذا تحررت المصطلحات فإننا نستطيع أن نوائم بين هذه المعلومات ولا يكون عندنا إشكال، وهناك كثير من القضايا في علم التجويد تكون مرتبطة أصلاً بالمصطلح، فلما لا نفهم المصطلح الذي تكلم به من كان في القرن الخامس عن قضية من قضايا التجويد، ونحن تقرر عندنا المصطلح بمفهوم آخر فإنه سيقع هذا التصادم.

فإذاً: نحتاج إلى أن نعرف ماذا يريد هؤلاء المتقدمون بهذه المصطلحات؟ وهذا من المهم جداً معرفته.

الآيات الواردة في كيفية أداء القرآن الكريم

ومن الموضوعات المهمة معرفة الآيات والأحاديث التي وردت فيها قضايا مرتبطة بالقراءة، يعني: كيفية قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك المصطلحات التي وردت في هذه الآيات والأحاديث والتي نحتاج إلى أن نعرف معناها والمراد بها.

ولنأخذ بعض الآيات المرتبطة بالأداء، وأشهر آية مرتبطة بالأداء هي قوله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4]، وقوله تعالى: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا [الإسراء:106]، وقوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ [القيامة:16]، إذاً: الآن عندنا مجموعة من الآيات نحتاج أن ندير النقاش فيها، وقبل نقاش هذه الآيات، هل يمكن أن نأخذ من اسم القرآن شيئاً يتعلق بالأداء؟ الجواب: نعم؛ لأن القرآن مصدر لقرأ، يعني: قرأ.. يقرأ.. قراءة.. قرآناً، وكذلك اسم الكتاب فإنه يؤخذ منه: كتب .. يكتب ..كتاباً، ولو قلنا مثلاً: علم الرسم يرتبط باسم الكتاب، وعلم الأداء -التجويد- يرتبط باسم القرآن، فهل هذه الفائدة معتبرة؟

الجواب: لو تأملناها فسنجد أن لها حظاً من النظر؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أسماء هذا الكتاب، ومعلوم أن الأسماء مرتبطة بالأوصاف، يعني مثلاً: سمي القرآن؛ لأنه يقرأ، وسمي الكتاب؛ لأنه يكتب، وسمي الذكر؛ لأنه يذكر.. وهكذا، فلما سمي الكتاب، هل القرآن كان مكتوباً كاملاً؟ لم يكن مكتوباً كاملاً، وهذا فيه إشارة إلى أنه سيكتب، ومادام سيكتب فإنه يحتاج إلى نوع من الرسم، يعني يرسم هذا الملفوظ فيكتب به، فنشأ من اسم الكتاب ما يتعلق بعلم الرسم، وأيضاً أول آية نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم: اقْرَأْ [العلق:1]، دلت على أنه مقروء، فسينشأ عنه ما يتعلق بالقراءة.

فلو قيل لإنسان على سبيل المثال: وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا [هود:41]، بدون إمالة، فإنه يقول: لا، ويقرأ: وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا [هود:41]، مع الإمالة، إذاً لماذا جعلني أميل هنا؟ لأننا نتكلم على قراءة حفص ، إذاً فهذه قضية أدائية مرتبطة بالأداء، إذاً: أنا أقرأ، هذه مرتبطة بالأداء، لأنه مرتبط بالقرآن، وكذلك نلاحظ قوله سبحانه وتعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، وقرآن الفجر المراد به الصلاة، وقيل: المقروء، كما في بعض الأقوال، والمقروء في صلاة الفجر هو القرآن، فإذاً: هذا أيضاً يشير إلى أن اسم القرآن يمكن أن نستنبط منه ارتباط علم التجويد بهذا الاسم، وهذه القضية واضحة يمكن أن نتفق عليها.

بيان معنى الترتيل وذكر اختلاف العلماء في ذلك

وسنأخذ الآية المشهورة، في قوله سبحانه وتعالى: أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4]، إذا رجعنا إلى الترتيل، ما هو مفهوم الترتيل في قوله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4]؟

فالترتيل: هو تحسين الصوت بالقراءة، ولو أخذنا المعنى اللغوي للترتيل، يقول صاحب العين: الرتل: تنسيق الشيء، وثغر رتل: حسن التنضيد، ومرتل: مفلج، ورتلت الكلام ترتيلاً: إذا أمهلت فيه، وأحسنت تأليفه، وهو يترتل في كلامه ويترسل إذا فصل بعضه عن بعض.

ويقول الأصمعي : وفي الأسنان الرتل وهو أن يكون بين الأسنان فروج، لا يركب بعضها على بعض، يقال: ثغر رتل، والفلج: تباعد ما بين السنين، وإن تدانت أصولها.

ويقول ثابت بن أبي ثابت اللغوي يقول: وفي الأسنان الرتل وهو: اتساق الأسنان واستواؤها.

و الزجاج أيضاً يقول: وفي الأسنان الفلج، وهو: تباعد ما بين الأسنان وإن تدانت أصولها، وفي الأسنان الرتل وهو دون الفلج، وهو: الفروج بين الأسنان لا يركب بعضها بعضا ]

وهناك أقوال كثيرة من أقول اللغويين، فماذا يمكن أن نحرر من مفهوم مادة الترتيل في اللغة؟

يمكن تحرير أن الترتيل: هو التباعد؛ لأن الأسنان توصف بأنها مرتلة إذا كانت متباعدة فيما بينها، لثغر مرتل،

إذاً: نلاحظ أن مفهوم التباعد هو المفهوم الموجود في مادة رتل، يعني التباعد والفصل هذا هو المعنى اللغوي، فإذا رجعنا إلى الآية في قوله سبحانه وتعالى: أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4]، ما هو الترتيل المراد بالآية؟

المراد به: أن يكون درجة من درجات القراءة؛ لأنهم يقولون القراءة إما حدر وإما تدوير وإما ترتيل وإما تحقيق، فيجعلون الترتيل هو المنزلة الثالثة، وهذا الكلام يحتاج أن يحتج له، أي: قضية ترتيب هذه المراتب، فالنص على الحدر موجود والنص على الترتيل موجود، لكن النص على التحقيق والتدوير يحتاج إلى دليل، وبعضهم يستدل للتحقيق بأنه يقرأ الآية حتى تكون هي أطول من التي هي أطول منها، وهذا يذكرونه عند مرتبة التحقيق، وهو محتمل، أما التدوير فتحتاج إلى دليل، وليس هناك ما يدل عليها.

فالمقصود أنهم يجعلون الترتيل أحد مراتب القراءة.

القول بأن الترتيل هو التجويد

وهناك أيضاً قضية أخرى في قوله: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4]، وهي أن الترتيل هو التجويد، والإشكالية هنا في قضية المصطلح، فالتجويد المراد في قوله: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4]، هو التجويد الذي نقرأه الآن، إذاً: فالرسول صلى الله عليه وسلم مأمور بتفاصيل هذا التجويد وبالتالي فإن التجويد واجب، بدليل قوله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4]؛ لأن الترتيل بمعنى: التجويد، فهل بالفعل الترتيل هو التجويد؟

الجواب: ليس الترتيل هو التجويد؛ لأن مفهوم التجويد عند هؤلاء الذين يقولون: إنه واجب، ويستدلون بهذه الآية، فيه إشكال يعني: دخلنا في مشكلة المصطلح كما ذكرنا سابقاً، فإذا كان المراد بالتجويد هذه التفاصيل الموجودة فإنه سيقع إشكال، ولكن علينا أن نرجع إلى قول السلف في قوله سبحانه وتعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4]، ولنأخذ بعض النصوص لنستنبط منها ما يتعلق بالترتيل.

قال ابن عباس : الترتيل: التبيين، وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4]، أي: بينه بياناً، وعن مجاهد أنه قال: الترتيل: الترسل، وعن قتادة أنه قال: الترتيل: المد، وأيضاً رواية أخرى عن قتادة : أنه التثبت. ورواية عن ابن عباس أيضاً وقال بها الكلبي ، قال: اقرأه على هينتك، وأيضاً عن الضحاك أنه قال: القراءة، حرفاً حرفاً، والنبذ حرفاً حرفاً، وعن عطاء أنه قال: النبذ: الطرح.

ومن خلال استعراض كل هذه الأقوال فإننا نلاحظ أن هذه العبارات ما جاءت بلفظة التجويد، وهؤلاء العلماء هم الذين يؤخذ عنهم بيان معاني القرآن، لكن لما ننظر إلى هذه العبارات التي أخذوها، نجد أن هناك عبارات أخرى مرتبطة بآية أخرى هي قوله سبحانه وتعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا [الفرقان:32]، فيحتمل أن يكون الترتيل هنا هو المرتبطة بالقراءة، ويحتمل المرتبط بالتنزيل، بمعنى: إنما فصلناه تفصيلاً في التنزيل، يعني: فرقناه، كما وردت رواية عن ابن عباس ، ويحتمل القراءة أيضاً؛ ولهذا بعض من يفسر الترتيل هنا بالقراءة، يفسرها هناك بالقراءة، وبعضهم لا، يجعل آية المزمل للقراءة، والآية الأخرى للنزول التفصيلي، النزول المنجم.

وعموماً فإن هذه الآية واضح جداً أنها مرتبطة بالقراءة؛ لأنها مرتبطة بقيام الليل، وقيام الليل عمدته القراءة يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:1-4]، فهي لا تحتمل غير القراءة، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم مأموراً بالترتيل، فما هو الترتيل المقصود من النصوص المذكورة؟

الملاحظ أن المراد هو لو أن واحداً حدر حدراً سريعاً، فهذا لا تتبين قراءته؛ لأننا نلاحظ أن القراءة بالعجلة خلاف التبيين، ولهذا لما قال من قال: التبيين كأنه يشير إلى هذا المعنى إلى القراءة التي تكون بتؤدة وترسل، فهي القراءة التي تفسر الكلام وتبينه، فلو أن شخصاً رزقه الله لساناً سريعاً أحياناً تتداخل الحروف بعضها على بعض، والكلمات بعضها على بعض، فنقول له: ما فهمناك أعد، فعندما يتكلم بهدوء وبترسل نفهمه؛ لأن من مقاصد قراءة القرآن أن يسمع سماعاً بيناً؛ لأن مجرد السماع مقصود، وهذه مهمة جداً، إذاً فالمقصد من ذلك أننا نضع أصلاً مهماً جداً في أن قراءة القرآن لها مزية معينة، وأنه مجرد السماع بهذه الصورة مقصودة قصداً عينياً؛ ولهذا الله سبحانه وتعالى يقول: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4]، فإذا رتل ترتيلاً، يعني: قرأ بتؤدة وترسل، فإنه يسمع ويفهم الكلام، ويدركه السامع، بخلاف قراءة الحدر، فلا يمكن أن يدرك فيها السامع المعاني.

ولهذا ارتباط بالتفسير؛ لأن إدراك المعاني يكون بالقراءة المترسلة، إذاً يمكن أن نخلص إلى أنه يجب ألا يكون الترتيل هو التجويد، أي: التجويد التفصيلي؛ لأننا أخذنا المصطلح هذا المتأخر: التجويد التفصيلي وجعلناه تفسيراً لهذا، ولا يكون هو إلا بلوازم معينة، وسيأتي إن شاء الله.

فإذا قلنا: إن الترتيل هو الترسل في القراءة، فإذاً الترسل في القراءة شيء مرتبط بإبانة اللفظ وإظهاره وتفسيره ليسمع، أما القدر الزائد الذي هو التجويد، فهذا نأخذه من آثار أخرى وليس من هذه الآية، فهذه الآية لا يلزم أن تكون دالة على التجويد التفصيلي على القدر الزائد، وإنما تدل على الأمر بقراءته بتؤدة وترسل؛ لكي يسمع، ولكي يكون بيناً واضحاً فقط، أما القدر الزائد فستأتي أدلة أخرى تدل عليها، فإذاً: لا يصلح أن نستدل بهذه الآية على التجويد التفصيلي.

المقصود بقوله تعالى: (لتقرأه على الناس على مكث)

أما الآية الأخرى في قوله سبحانه وتعالى: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا [الإسراء:106]، فإن الدلالة في قوله تعالى: لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ [الإسراء:106] وفي معنى هذه الكلمة أيضاً أقوال، فقد أشار بعض المفسرين إلى المراد بقوله: عَلَى مُكْثٍ [الإسراء:106]، على ترسل وعلى تؤدة، يعني: كأنه رد قوله: عَلَى مُكْثٍ [الإسراء:106]، إلى القراءة، ولم يرده إلى التفصيل، يعني تقرأه على الناس مرة بعد مرة، إنما قال عَلَى مُكْثٍ [الإسراء:106]، أي: على تؤدة وترسل، ثم قال بعد ذلك: وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا [الإسراء:106]، أي: نزل منجماً؛ لكي يقرأ على هذه الصورة.

المقصود بقوله تعالى: (فإذا قرأناه فاتبع قرآنه)

وأما قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:16-18]، أيضاً فيها خلاف في المراد بالآية، لكن أحد وجوه هذا الخلاف أيضاً مرتبط بالقراءة، ونلاحظ أن الآية كل مساقها في القراءة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما كان ينزل عليه الوحي، ويعالج شدة الوحي كان يحرك لسانه يخشى أن ينسى هذا المنزل، فقال له الله سبحانه وتعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:16-18]، يعني: نجمعه في صدرك وأنت تقرأه، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ [القيامة:18]، يعني: قرأه جبريل عليك: فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:18]، معناه: إما اعمل به كما هو في بعض التفاسير، أو اقرأ كما قرئ عليك، وإذا أخذنا بالمعنى الثاني: اقرأ كما قرئ عليك، فهذا يكون مرتبطاً بالقراءة، وهذا هو سياق الآيات، يعني: أن معنى الآيات مرتبطة بالقراءة، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بأن يتبع المقروء كما قرئ عليه؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم ليس له في القرآن أي شيء، فلا يزيد حرف ولا ينقص حرف، وإنما يؤديه كما سمعه، وقد ضمن الله سبحانه وتعالى له ذلك في قوله سبحانه وتعالى: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى [الأعلى:6]، وهذه أيضاً من الآيات المرتبطة بالقراءة.

هذه بعض النصوص فيما يتعلق بقراءة القرآن، وهناك مجموعة من الآيات لها ارتباط بالأداء، لكن نلاحظ أن كل هذه النصوص لا تشير إلى القضايا التفصيلية.

ولنضع سؤالاً هنا: هل قوله سبحانه وتعالى: أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:4]، بناءً على المفهوم الذي ذكرناه من تفسير السلف للترتيل، هل يمكن أن نقول: إنها تدل على القدر الزائد الذي نسميه التجويد؟

وقوله تعالى: وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ [الإسراء:106]، إذا قلنا: إن معناه: على ترسل وتؤدة فإنه أيضاً لا يدل على القدر الزائد، وكذلك في قوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ [القيامة:16] إنما تشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بأن يقرأ القرآن كما أنزل عليه، وسيأتي في الآثار ما يشير إلى مثل هذه القضايا وهي أن القرآن له كيفية نزل بها، ويقرأ بها.

إذاً: فمجموع هذه الآيات وأيضاً ولو استقرأنا القرآن قد نخرج آيات مرتبطة بالقراءة، لكن لا يمكن أن نجد فيها نصاً واضحاً صريحاً يدل على القدر الزائد الذي نتكلم عنه، وهو ما يتعلق بالأحكام التفصيلية، كقولنا: إن المد يمد كذا، والنون إذا التقت بالميم يكون لها كذا، هذه الذي نقصد بها الأحكام التفصيلية.

الحكم على أثر علي: لما سئل عن الترتيل، فقال: (تجويد الحروف ومعرفة الوقوف)

هناك أثر مهم جداً عن الخلفاء الأربعة، في تفسير الترتيل وتركته، فقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال لما سئل عن الترتيل، ما الترتيل؟ قال: تجويد الحروف ومعرفة الوقوف. فما العمل في مثل هذا الحديث الذي حدد لنا مصطلح أو كلمة تجويد؟ كيف نتعامل مع هذا؟

قد يقول قائل: يقصد بالتجويد هنا: التحسين وهذا ليس بصحيح لأنه كما قلنا: كل الآيات السابقة لا تشير إلى هذه القضية أي: التحسين، بل تشير إلى القراءة بتؤدة وترسل، أما التحسين فسيأتي بيانها فيما بعد من آثار أخرى، ليس من هذه الآثار؛ لأن التؤدة والترسل طريق إلى التحسين، وليس هو نفس التحسين.

لكن كيفية التعامل مع الأثر الذي نقل عن الإمام علي رضي الله عنه في معنى الترتيل؟

معلوم أن الأمة الإسلامية أمة إسناد، فما هو إسناد هذا الأثر؟ لأننا نبني قضية علمية، ونحدد مفهوماً، نبني عليه مسائل علم كامل، فهل هناك إسناد لهذا الأثر؟ إلى الآن لم نجد له إسناداً، أعلى من أورد هذا الأثر هو الهذلي في كامله، و الهذلي توفي سنة أربعمائة وخمسين، وذكره من دون إسناد، وتنوقل فيما بعد وصار كأنه أصل، وهذه من إشكاليات هذا العلم، أنهم يعتمدون على مثل هذا الأثر، على أنه علياً رضي الله عنه قد قال: إن الترتيل: هو تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف.

فهذا الأثر يحتاج إلى إسناد؛ لأنه إذا ثبت فإننا نأتي ونناقش هذه القضية، وما هو مفهومه في التجويد؟ لكن مادام أنه ليس له إسناد، فنتوقف في هذه القضية؛ لأننا نبني عليها مسألة علمية، وسنبني عليها علماً كاملاً.

الآثار الدالة على كيفية قراءة القرآن ونزوله

فلو سأل سائل وقال: هل القرآن لما ينزل له كيفية أداء معينة مخصوصة، أو هو كلام عاد كأي كلام آخر؟ أي: هل يمكن أن نأخذ من الآثار أن القرآن له كيفية قرائية مخصوصة؟

هناك عبارة في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد )، وفي رواية ابن مسعود، فقوله صلى الله عليه وسلم: ( من أحب أن يقرأ القرآن كما أنزل )، يدل على أن لإنزاله كيفية قرائية معينة، لكن من الذي يعرف هذه الكيفية أو الذي يستطيع أن يقرأ هذه الكيفية القرائية؟ ذكر النبي عليه الصلاة والسلام ابن مسعود ، يعني: اختص ابن مسعود بأن عنده هذه المزية، ( من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل )، إذاً: فالقرآن له كيفية معينة، وروي عن ابن مسعود أنه لما جاء إليه رجل وقال له: إني قرأت المفصل في ركعة، فقال له: أهذاً كهذّ الشعر.

نريد أن نعرف كلام العرب، فما هو الكلام الذي كان عند العرب؟ هناك ما يسمى الكلام الجاري بينهم والخطب، والأشعار، إذاً كلام العرب ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الكلام الجاري بينهم، والخطب، والأشعار.

فهل الخطب والأشعار في طريقة أداءها مثل الكلام الجاري بينهم؟ لا، الخطب لها كيفية معينة، والأشعار لها كيفية معينة في الإلقاء. ولو ضربنا مثالاً على ذلك فنقول: هل نستطيع أن نعرف بالمشافهة كيف كان قس بن ساعدة يلقي خطبته الشهيرة: أيها الناس! من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت؟

كيف كان يقطع هذا الكلام؟ وهل نستطيع أيضاً أن نعرف كيف كانوا يلقون الشعر؟ وجدت بعض العبارات لبعض العلماء، في أنه يمد الصوت في الأخير أو كذا، لكن لا يوجد مشافهة في ذلك، بخلاف القرآن، فالمقصود من هذا أنه هل يمكن أن نقول: إن الخطب التي كانت هي من أجود كلام العرب والأشعار، كان لها كيفية خاصة في الإلقاء أو لا؟ الجواب أن لها كيفية خاصة في الإلقاء، ولهذا ابن مسعود لما أراد أن يوازن بين قراءة الرجل وازنها بالكيفية التي يعرفها عن إلقاء الشعر وإذا كان الشعر له كيفية خاصة في الإلقاء يخالفها القرآن، فإذاً القرآن له كيفية خاصة في القراءة خالفها هذا الرجل، ولهذا قال له: أهذاً كهذّ الشعر!

إذاً نستطيع أن نستنبط من هذا الأثر أن القرآن له كيفية خاصة في القراءة، ومادام له كيفية في القراءة و ابن مسعود يعرف هذه الكيفية الخاصة في القراءة كما أنزل، فمن المهم أن نحاول أن نعرف هذه الكيفية.

وقضية أخرى في هذا الموضوع، أنه لو قال شخص: أنا أريد أن أقرأ القرآن، فلو افتتح المصحف وقرأ، فإن قراءته تعتبر عبادة، والعلماء لما تكلموا عن قضية العبادات، هل العبادات عندهم توقيفية أو اجتهادية؟

معلوم أن العبادات توقيفية، وقراءة القرآن عبادة، إذاً فقراءة القرآن توقيفية، ومعلوم أن لها هيئة معينة، وكيفية معينة، وأن الذي يعرف الكيفية لما جاء إنسان يقرأ عنده قال له: أهذاً كهذِّ الشعر؟ إذاً فنحتاج إلى أن نعرف كيفية هذه العبادة التوقيفية؛ لأنه مادامت العبادات توقيفية، فلا يمكن أن تكون هذه العبادة ليس لها أصول يرجع إليها، ويعرف كيف يقرأ القرآن، هل يتصور أنه لا يمكن أن نعرف كيف يقرأ القرآن؟ لا بد أن له كيفية معينة، وهذه الكيفية هي التي صارت في النهاية علم التجويد.

ننتقل في الكلام على حديث مهم جداً في هذا الباب، وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( اقرأوا القرآن على أربعة ـ وفي رواية: خذوا القرآن على أربعة: وذكر منهم ابن مسعود )، فمن المقصود بالخطاب في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( اقرأوا القرآن على أربعة

المقصود بالخطاب الصحابة، ولما كان النبي عليه الصلاة والسلام يأمر الصحابة رضي الله عنهم بقوله: ( اقرأوا القرآن على أربعة )، فهل الصحابة عرب أو لا؟ الصحابة عرب، ويسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه القرآن يأمرهم أن يأخذوا القرآن عمن ذكر في الحديث، فلماذا خص هؤلاء الأربعة دون غيرهم مع أن فيهم: أبا بكر و عمر و عثمان و علياً ، ومجموعة من الصحابة المتقدمين حتى في العلم؟ هذا يدل على مزية عند هؤلاء فلو جاء واحد وقال: يا أخي! كلنا عرب، كل واحد يقرأ على سليقته العربية!

نقول له: لا، حسبك، عندنا حديث ينبهنا على أنه مع أننا عرب نستطيع أن نقرأ هذا الكلام العربي، إلا أن هناك مزية لبعض الناس في القراءة، فإذا كان الصحابة، وهم الصحابة! الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لهم: ( اقرأوا القرآن على أربعة )، ( خذوا القرآن من أربعة )، بمعنى أن هناك مزية عند هؤلاء المذكورين في الحديث على غيرهم، ونحتاج أن نعرف ما هي هذه المزية عندهم؟ وكيف يقرأون؟ لكي نقرأ عليهم.

فإذا كنا قد عرفنا أن القراءة عبادة، والعبادة توقيفية، ولها كيفية معينة، ولها كيفية في الإنزال، ويعرفها ابن مسعود ، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم مع كون الصحابة عرباً أيضاً قال لهم: ( اقرأوا القرآن على أربعة)، فإن بعض الصحابة تميز وتخصص بالإقراء، مثل: زيد بن ثابت وغيرهم، ومعلوم حادثة سرية القراء فهي مشهورة جداً، فقد كانوا تميزوا وتخصصوا بقراءة القرآن، وأيضاً فلفظ القراء في الغالب يطلق بمصطلح الصحابة رضي الله عنهم على الفقهاء بكتاب الله وبسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنها قضية قراءة القرآن؛ لأنهم ذهبوا يعلمون الناس الدين وكان يطلق عليهم القراء.

كيفية قراءة النبي صلى الله عليه وسلم

نذكر بعض الآثار التي تبين لنا كيفية معينة للقراءة، فقد ورد عن قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه: ( كان صلى الله عليه وسلم يقرأ السورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها )، فيظهر من مفهوم الحديث أنه يقرأ السورة ولنفترض السورة هذه ثلاثين آية والأخرى خمسين آية، يقرأ السورة التي هي ثلاثين آية أطول من السورة التي هي خمسين آية، إذاً له كيفيتان في القراءة: قراءة معتادة، وقراءة مترسلة، وهي ما سميناها التحقيق، فمن أشار إلى مرتبة التحقيق يستدل بهذا، وعموماً هي داخلة في محيط الترتيل، إلا أن هناك زيادة في ذلك يسمى التحقيق، وهو الذي يكون بتؤدة واطمئنان ووقفات، وفواصل فيما بين الآيات وتفهم للمعاني.

دلالة حديث أبي موسى: (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود)

ننتقل إلى حديث آخر وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم عن أبي موسى الأشعري : ( لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة! لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود )، هكذا رواه البخاري و مسلم و الترمذي ، زاد البيهقي بإسناد مسلم نفسه، قال : قال أبو موسى : ( لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيراً )، وهذا الحديث أيضاً ورد مع أمهات المؤمنين. والشاهد في قول أبي موسى : ( لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيراً ).

من وجهين هما: أولاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصف صوت أبي موسى الأشعري بقوله: ( لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل دواد )، إشارة إلى حسن الصوت، لأن داود عليه السلام لما كان يقرأ مزاميره، كانت الطير تقف لقراءته من حسن صوته، فالرسول صلى الله عليه وسلم يشبهه بـما أوتي داود عليه السلام، فإذاً: هذا هو الصوت الفطري الذي وهبه الله لـأبي موسى ، و أبو موسى يقول: ( لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيراً ).

ثانياً: هذا التحبير المذكور في الحديث يعتبر زيادة في القدر، بدليل أنا لو قولنا: إن إنساناً معروفاً خصه الله سبحانه وتعالى ووهبه صوتاً حسناً، والناس معجبة بصوته، لكن لو أتاه أستاذ، وعلمه طريقة القراءة الصحيحة لزاد في الحسن، ولصارت قراءته أفضل، وأداؤه أفضل، فإذاً قول أبي موسى هذا يدل على القدر الزائد على القراءة.

المقصود بقوله: (زينوا القرآن بأصواتكم)

ثم ننتقل إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( زينوا القرآن بأصواتكم )، فلو أن إنساناً قرأ القرآن قراءة مرسلة من دون أحكام وآخر يحاول أن يجود صوته، ويضبط حنجرته ويخرج هذا القرآن إخراجاً حسناً بديعاً، أيهم المتبع لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( زينوا القرآن بأصواتكم

لا شك أنه الثاني، هناك من ناقش هذا الحديث من جهة الاعتقاد، أنه كيف يزين القرآن بأصواتنا والقرآن كلام الله، وكلام ذكروه في هذا، وهذا الإشكال ليس بدقيق؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن نجعل القرآن هذا المقروء حسناً جيداً، بدليل أنا نسمع قارئاً للقرآن ونعجب به وقارئاً آخر لا نعجب به؟ بل القارئ نفسه تعجبنا قراءته أحياناً ولا تعجبنا قراءته أحياناً إذاً: هذا هو التزيين، وهذا هو المراد بهذا الحديث: ( زينوا القرآن بأصواتكم )، وهذا هو مفهومه، فلما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( زينوا القرآن بأصواتكم )، فإن هذا يدل على القدر الزائد، وهذا القدر الزائد يحتاج إلى تكلف، وهو أن نزين المقروء بالأصوات.

المقصود بالتغني في قوله: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن)

ثم ننتقل إلى قوله صلى الله عليه وسلم :( ليس منا من لم يتغن بالقرآن )، ولن ندخل في الخلاف في مفهوم التغني؛ لأنه طويل، لكن الصحيح أن المراد بالتغني: هو تحسين الصوت، والتغني يحتاج إلى تكلف إذاً الرسول صلى الله عليه وسلم يرشد إلى تحسين الصوت، وتزيين هذا المقروء بألسنتنا، وكذلك ينبه على التغني، وحديث التغني هذا الكلام فيه طويل، ومن أفضل ما كتب فيه ما كتبه ابن القيم رحمه الله تعالى في زاد المعاد.

دلالة قوله: (لم يأذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن)

ثم ننتقل إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لم يأذن الله لشيء ما أذن لنبيٍ يتغنى بالقرآن )، رواه أحمد و البخاري و مسلم رحمهم الله، نلاحظ في قوله: ( ما أذن الله )، أن أذن بمعنى استمع، فمادام الاستماع مرتبط بالقراءة، وبشيء مسموع، فإن معنى الكلام: ما استمع الله لشيء مثل استماعه لنبي يتغنى بالقرآن.

فكل هذه الآثار التي ذكرناها مرتبطة بكيفية القراءة، وهناك آثار كثيرة لكن نكتفي بهذه الآثار التي تدل على تأصيل هذا الموضوع الذي نناقشه وهو علم التجويد.

أهم النتائج المستوحاة من الآثار الواردة في كيفية القراءة

ومن أهم النتائج التي توصلنا إليها من خلال دراستنا لهذه الآثار:

أنه ثبت أن هناك قدراً زائداً على القراءة المعتادة.

وأن المسلم مأمور بتحسين صوته وتغنيه بالقرآن.

وينتج عن هذا سؤال مهم جداً وهو: من يؤخذ عنه هذا القدر الزائد؟ وكيف يعرف هذا القدر الزائد؟

وهذه هي إشكالية علم التجويد، أنه إذا ثبت أن هناك قدراً زائداً على القراءة فإنا نحتاج أن نعرف هذا القدر وكيف نأخذه؟

ولاحظنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم خص بعض الصحابة بحسن القراءة، أو بحسن الأداء، وأنه أمر الصحابة أن يأخذوا عمن خصهم، فهذا يدل على أن كوننا عرباً لا يكفي في أن نعرف الأداء التام للقرآن.

ومن الآثار التي وردت في كيفية أخذ القرآن، وإن كان هذا الأثر فيه ضعف، لكن نذكره من باب الاستئناس به، الحديث المشهور عن ابن مسعود أنه كان يقرئ رجلاً، قوله سبحانه وتعالى: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60]، قال : قرأها مرسلة، فقال ابن مسعود : ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن ؟ فقال أقرأنيها: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ [التوبة:60]، قال: فمدّها، يعني: مد الفقراء، نلاحظ مصطلح مرسلة، ومصطلح المد في هذا الأثر الذي يمكن أن نستفيد منه، وإن كان ليس بحجة، لكنه من باب الاستئناس به، كأحد الآثار الموجودة، وإن كان بمعنى الآثار الأولى، لكن هذا فيه تفصيل زائد، في التنبيه على كيفية نطق لفظ: الفقراء، أنه يمد بها، لكن ما مقدار المد؟ هذا ما تشير إليه مثل هذه الآثار.

أيضاً ما رواه زر بن حبيش أن رجلاً قرأ عند ابن مسعود : طه [طه:1]. لم يكسر، فقال ابن مسعود : طه [طه:1]، وكسر، ثم قال: هكذا علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومراده بالكسر وعدم الكسر في هذا الأثر هي الإمالة يعني طه [طه:1]، قال: لم يكسر، يعني لم يمل.

ومن خلال ما سبق نلاحظ أن ابن مسعود يناقش قضايا تفصيلية، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد )، فهذا ابن أم عبد يعلم تعليماً تفصيلياً، ونحن نعرف أن طه [طه:1]، فيها وجهان، لكن ابن مسعود كيف قرأها على الرسول صلى الله عليه وسلم؟ قرأها بالإمالة، فهو يقرئ بما سمع، ولو اعترض على القراءة الثانية لا يعني ذلك أن القراءة الثانية غير صحيحة، لكن هكذا بلغه، وهكذا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم فيقرأ بما سمع، ولهذا قرأ ثم قال: هكذا علمني رسول الله. وهذا مما نستفيده من قول ابن مسعود وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقرأوا كما علمتم )، أن القراءة تعلم، والذي يعلم القراءة هو الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك في حديث الأحرف السبعة، لما حدث ما حدث بين عمر و هشام وكذلك أبي ، عندما قرأ هشام فصوب النبي صلى الله عليه وسلم قراءته، ولما قرأ عمر صوب النبي صلى الله عليه وسلم قراءته، وكذلك لما قرأ أبي في حديث آخر أيضاً صوب النبي صلى الله عليه وسلم قراءته، ثم قال: ( اقرأوا كما علمتم )، بمعنى: أن كل قضية مرتبطة بأن يقرأ كما علم من الرسول صلى الله عليه وسلم، ولهذا قعد علماء القراءة قاعدة: أن القراءة سنة متبعة، يأخذها الآخر عن الأول، لا مجال فيها للرأي ولا الاجتهاد، وهذه قاعدة تجدونها في بعض كتب القراءات، مثل كتاب ابن مجاهد السبعة، أوردها عن بعض التابعين.

إذاً فهذان الأثران يمكن أن يستأنس بهما في تأصيل تصحيح الأخطاء، التي قد يقول بعض الناس: إن هذا تشدد من علماء التجويد في رد القارئ إذا أخطأ، حتى ولو كانت مثل هذه الدقائق الصغيرة فيمكن أن تصحح قراءة من يقرأ على المقرئ.

التلازم بين معرفة الحرف وكيفية أدائه

نشير إلى قضية مهمة جداً، مرتبطة بقضية الاعتراض على علم التجويد، فنقول: بما أنه ثبت عندنا أن القراءة الأساسية معينة، وهيئة معينة، وأن هناك بعض الصحابة أعرف من بعض في هذه الكيفية والهيئة المعينة، وأن هؤلاء الصحابة قد نقلوا هذه القراءة إلى من جاء بعدهم، وأن علم القراءة علم مشافهة يأخذه الآخر عن الأول، والذين نقلوا لنا هذه القراءة، وهيئات القراءة، وكيفية القراءة، نقلوا لنا الحروف، وكيفية نطق الحروف، أم أنه يمكن أن نجزئ الأخذ عنهم، فنأخذ الحروف ونترك كيفية الحروف؟

لا يمكن ذلك، وهو ما يسمى بالأداء، فتحسين الأداء مرتبط بالحرف نفسه، فهم ينقلون لنا الحرف نفسه، وينقلون أيضاً كيفية أدائه، مثلاً: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، هذه مقروءة عندنا، وهي عربية، لكن كيفية القراءة؟ فأي إنسان يفرق بين نقل الحرف، وكيفية، وهيئة نقل الحرف؛ لأنه يكون فرق بين متلازمين، فلو أن إنساناً قرأ: بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا [هود:41]، نقول له: اكسر، أي: أمل؛ لأن هذه تمال، إذاً (مجراها) صحيحة من جهة العربية، حرف عربي ليس فيه إشكال، لكنه أداءً قرآنياً من طريق حفص ليس بصحيح؛ لأن الصواب فيه الإمالة، إذاً: لا يكفي العربية، ولا يكفي أننا نقرأها من الرسم فقط؛ لأن هناك تلازم بين نقل الحرف، وهيئة النطق بهذا الحرف.

حكم تعليم التلاوة مع الدليل

السؤال: ما هو حكم تعليم التلاوة مع الدليل؟

الجواب: تعليم التلاوة سنة قائمة من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ودليله قوله صلى الله عليه وسلم: ( خذوا القرآن عن أربعة ).

نكتفي بهذا القدر، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , التأصيل في علم التجويد [1] للشيخ : مساعد الطيار

https://audio.islamweb.net