إسلام ويب

الجمع بين الصلاتين لعذر السفر جائز، واختلفوا في غير ذلك من الأعذار كالمرض والوحل والحاجة، والذين جوزوا الجمع لهذه الأعذار ونحوها اشترطوا للجمع شروطاً ينبغي العلم بها. وكل هذا الاختلاف مبني على اختلافهم في مفهوم حديث ابن عباس في الجمع بالمدينة من غير سفر ولا مطر، وفي رواية (ولا مرض) وقد ذهب العلماء في هذا الحديث إلى خمسة مذاهب مختلفة.

شروط جواز الجمع بين الصلاتين في وقت الأولى

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته إخوتي المشاهدين والمشاهدات، وحيا الله الإخوة الكرام الذين معنا في الأستوديو، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أهل طاعته، ومن الذين ينتفعون بما يسمعون، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

كنا قد توقفنا عند مسائل متعلقة بالجمع بين الصلاتين، وذكرنا الجمع لأجل السفر، وقلنا: إن مذهب أبي حنيفة منع الجمع لأجل السفر إلا في عرفة ومزدلفة خاصة، وذهب جمهور الفقهاء إلى جواز الجمع لأجل السفر، وهو مذهب مالك و الشافعي و أحمد ، وقلنا: هذا هو الراجح.

ذكرنا أيضاً جواز الجمع لأجل المطر، وهذا قول جماهير أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة.

وكذلك قلنا: يجوز الجمع لأجل الوحل، والوحل هو: الطين الذي يحصل به أذية للناس ولو لم يكن ثمة مطر، وقلنا: إن الراجح جوازه، وهو مذهب الحنابلة وقول عند المالكية خلافاً للمذهب للشافعية وبعض فقهاء المالكية.

وقلنا أيضاً: إنه يجوز الجمع لأجل المرض، وهو مذهب الحنابلة وقول عند المالكية خلافاً للشافعية، وذكرنا أدلة كل قول.

وذكرنا أن العلماء الذين قالوا بجواز الجمع لأجل المطر في وقت الأولى اختلفوا هل يجوز الجمع بين الظهر والعصر لأجل المطر؟

وقلنا: الراجح -والله أعلم- جوازه شريطة أن يوجد العذر، أو يغلب على الظن وجود العذر في وقت الثانية، وعلى هذا فالجمع بسبب المطر في الصيف لا وجه له، لأن الوقت بين الظهر والعصر طويل، وبالتالي فإن المطر الذي يأتي في وقت الصيف -كما نسميه- سحابة صيف، فليس ثمة مشقة، ولكن إذا غلب على الظن وجوده في الشتاء، ويغلب انتشاره بحيث لا يستطيع الإنسان أن يرى الأفق لشدة المطر، وكذلك يغلب على الظن استمراره إلى الليل، فإن في هذا عذراً يبيح له ترك الصلاة في أوقاتها.

وقد نقلنا قول عمر بن الخطاب أنه جمع بين الظهر والعصر في وقت مطير، وثبت عن ابن عمر أنه جمع بين المغرب والعشاء مع الأمراء في ليلة مطيرة، فدل ذلك على أنه متى وجد العذر جاز.

لكن السؤال الذي نحن بصدد تفصيله هو: هل القائلون بجواز الجمع بين المغرب والعشاء في وقت المغرب، هل يشترطون للجمع شروطاً؟

نقول: نعم. ذكر جمهور الفقهاء أنه يشترط في الجمع بين المغرب والعشاء في وقت المغرب أربعة شروط:

نية الجمع قبل السلام من الأولى

الشيخ: الشرط الأول: وجود النية للجمع، وهذا هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، فقالوا: لا يصح للإنسان أن يجمع إذا سلم من الأولى ولم يكن قد نوى أن يجمع؛ لأن من شروط الجمع النية لهما؛ هذا مذهب الأئمة الثلاثة: مالك و الشافعي و أحمد في المشهور عنهم، إلا أن هؤلاء الأئمة اختلفوا: متى يجوز له ابتداء النية؟

فذهب مالك وأحمد إلى أنه يجب عليه أن ينوي الجمع من ابتدائه للصلاة الأولى، فإذا أراد أن يدخل ويكبر للمغرب فيجب أن ينوي المغرب والعشاء، وكذلك في السفر، فإذا أراد أن يجمع فلابد أن ينوي الجمع من ابتداء الأولى، في الظهر والعصر أو المغرب والعشاء.

وذهب الشافعي القائل بوجوب نية الجمع إلى أنه لا يلزم أن ينوي الجمع من ابتداء الأولى، لكن يشترط أن ينوي قبل انتهاء السلام من الأولى، فلو أنه نوى الجمع أثناء الصلاة الأولى فلا بأس أن يجمع، لكن اتفق الأئمة الثلاثة على أنه إن سلم ولم يكن قد نوى الجمع فإنه لا يجمع.

واستدلوا على ذلك بأن قالوا: إن الجمع عمل، والعمل يشترط فيه النية، فإذا لم يكن ثمة نية فلا جمع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: ( وإنما لكل امرئ ما نوى ).

والجواب على هذا أن يقال: أما كون الجمع عملاً فهذا لا شك فيه، وأما كون العمل لابد فيه من نية فهذا أيضاً لا إشكال فيه، لكن من أين لكم في هذا الحديث أنه يشترط النية قبل انتهاء الأولى؟ فإن الأصل أنه يجوز له أن يجمع، فلا يصح أن يصلي الثانية من غير نية الفرض، أما إذا أراد أن يجمع ونوى أن يصلي الثانية في وقت الأولى لوجود هذا العذر فإنه يصلح له ذلك.

واستدلوا أيضاً بأن قالوا: ولأنه تصلى الثانية -وهي العشاء- في وقت الأولى إما سهواً وإما لأجل الجمع، فلابد من التفريق بين ذلك بوجود النية.

والجواب على هذا أن يقال: أما التفريق بين الفرض والنفل أو السهو والقصد فهذا لابد فيه من نية، لكن أنَّى لكم أنه يشترط وجود النية منذ ابتداء الصلاة الأولى، أو قبل السلام منها؟

ولهذا ذهب بعض المالكية وبعض الشافعية، وبعض الحنابلة، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية، قال: وهو مقتضى نصوص الإمام أحمد: أنه لا بأس بالجمع بين الصلاتين ولو لم ينو الجمع إلا بعد الانتهاء من الأولى.

قالوا: أولاً: لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين المغرب والعشاء في مزدلفة، وجمع بين الظهر والعصر في عرفة، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أصحابه أنه نوى الجمع من حين دخوله في الصلاة، ولو كان ثمة واجب فلابد من بيانه؛ لأن هذا مما يخفى، فلابد من توفر الدواعي لنقله، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صلى معه أصحابه، ولم يكونوا يعلمون أنهم سوف يجمعون الظهر مع العصر؛ لأنه لم يخبرهم إلا بفعله صلى الله عليه وسلم، فإنه قد قال بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام: ( خذوا عني مناسككم )، فلو كان ثمة نية لابد من بيانها فلابد أن يبينها للصحابة، فلما لم يبين ذلك للصحابة دل على أن أصل الوجوب يحتاج إلى دليل، ولا دليل.

ثالثاً: أنهم قالوا: إن الجمع بين الصلاتين إنما هو جمع للوقت وليس جمعاً لأجل الصلاة الأولى، فإنما جاز أن يجمع الظهر مع العصر لوجود العذر، فصار الوقتان وقتاً واحداً، فإذا جاز له أن يصلي الثانية في وقت الأولى لوجود العذر فلا أثر حينئذٍ لوجود نية الجمع من عدمه؛ لأن القصد إنما كان لأجل العذر وقد وجد، وأنت ترى أن هذا الدليل قوي؛ ولهذا نقل أبو العباس بن تيمية عن أحمد : أنه سئل عن رجل صلى المغرب، ثم أراد أن يخرج للسفر قبل مغيب الشفق، يعني: قبل مغيب الحمرة، فقال: له أن يجمع.

فـأحمد رحمه الله جوز له في السفر أن يصلي العشاء؛ لأنه نوى السفر ولأجل وجود الحاجة، فدل ذلك على أنه لا يلزم وجود النية.

وعلى هذا فإذا صلى الإمام صلاة المغرب مثلاً، ثم ظن قبل دخوله أن المطر قد توقف، ثم لما سلم وجد المطر أشد مما كان عليه قبل الدخول، فعلى مذهب الجمهور ليس له أن يجمع، وهذه مما تخفى على بعض الناس، فإن بعض الناس إذا سلم الإمام وهو لم ينو الجمع، قال: هل أجمع؟ فعلى مذهب الجمهور ليس له أن يجمع؛ لأنه لم ينو الجمع من ابتداء الأولى على مذهب أحمد و مالك ، أو في أثنائها على مذهب الشافعي .

والراجح: أنه لا يشترط النية، وعلى هذا فلو أن إماماً سلم من الصلاة، ولم تكن السماء قد أمطرت، فلما سلم قالوا له: إن المطر قد ازداد ولا نستطيع أن نخرج من مسجدنا، فإنه يجوز له حينئذٍ أن يجمع، وهذا هو الراجح، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الترتيب بين الصلاتين

الشيخ: الشرط الثاني الذي ذكره جمهور الفقهاء في جواز الجمع بين العصر والظهر في وقت الأولى، أو بين المغرب والعشاء في وقت الأولى: هو الترتيب بين الصلاتين فإذا أراد أن يصلي جمع تقديم فلا يصح أن يصلي العصر قبل الظهر، ولا أن يصلي العشاء قبل المغرب، وهذا باتفاق الأئمة الثلاثة حتى الشافعي الذي يقول: لا يجب الترتيب بين الصلوات في القضاء، فإنه يوجب الترتيب في جمع التقديم.

وعلى هذا فإنه لا يصح أن يصلي العشاء قبل المغرب، ولا أن يصلي العصر قبل الظهر؛ لأن الترتيب بين الصلوات واجب، وقد ثبت في الصحيحين من حديث علي بن أبي طالب وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غزوة الأحزاب: ( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً، فصلى العصر، ثم صلى بعدها المغرب )، فدل ذلك على وجوب الترتيب.

ومما يدل على ذلك ما ثبت في الصحيح من حديث جابر أن عمر رضي الله عنه قال: ( يا رسول الله! قاتلهم الله! فوالله ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فوالله ما صليتها )، يعني: أنت صليت يا عمر في وقتها، أما أنا فما صليتها، فصلى العصر، ثم صلى بعدها المغرب، وهذا هو الثابت.

وأما ما جاء عند النسائي ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب ثم صلى بعدها العصر ) فهي رواية شاذة مخالفة لرواية الصحيحين، ولا يعول عليها، ولا يمكن أن يقال: هذه فعلها مرة، وهذه فعلها مرة؛ لأن غزوة الأحزاب وقعت مرة واحدة.

يقول ابن القيم رحمه الله: واعلم أن بعض الناس إذا وجد حديثين مختلفين، قال: فُعل هذا مرة وهذا مرة، وهذه حيلة المضطر، وليس هذا على إطلاقه؛ لأنك عندما تقول: هذا مرة وهذا مرة يستلزم وقوع الحادثة مرتين، مع أنها منتفية حساً. والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الموالاة بين الصلاتين

الشيخ: الشرط الثالث من شروط الجمع الموالاة بينهما، وقد اختلف العلماء في هذا على قولين:

القول الأول: ذهب المالكية والحنابلة والشافعية إلى اشتراط المولاة، فقالوا: لا يصح أن يصلي الظهر ثم يكون بينه وبين العصر فاصل، فلو سلم مثلاً وهو ناو للجمع فإنه لا يصح له أن يؤخر الصلاة الثانية إذا كان جمع تقديم، فإذا وجد فاصل بينهما لم يصح الجمع.

وعلى هذا قالوا: لو أن إماماً صلى المغرب وهو ناو للجمع، ثم قال للجماعة: ما رأيكم أن أجمع؟ فاختلفوا، فقال بعضهم: لا. وقال بعضهم: اجمع. فطال الفصل مقدار أذان، أو مقدار إقامة، أو مقدار الصلاة فإنهم قالوا: لا يصح في هذه الحال أن يجمع؛ لأنه قد طال الفصل.

والأئمة الثلاثة يقولون: إذا طال الفصل سواء وجد عذر أم لم يوجد فلا يصح له أن يجمع؛ لأنهم اشترطوا الموالاة.

واستدلوا على هذا بأن قالوا: إنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الصلاتين جمع تقديم وفصل بينهما، فدل ذلك على وجوب الموالاة، ولأن الثانية فرع عن الأولى وتتبع لها، والأصل أن التابع يلحق المتبوع، فإذا وجد الفصل لم تكن الثانية تابعة، بل صارت أصلاً، فلم يصح الجمع إذاً. هذا هو مذهب الجمهور.

القول الثاني: هو قول لبعض فقهاء الشافعية والحنابلة، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله: أنه لا تشترط الموالاة بينهما، فيجوز أن يصلي الظهر ثم يفصل بفاصل فيصلي العصر، ويجوز أن يصلي المغرب ثم يفصل بينهما بفاصل فيصلي العشاء، قال: وهو منصوص كلام الإمام أحمد. وهذا القول أظهر.

واستدل أصحاب هذا القول بأدلة، فقالوا: إن الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقت الأولى ليس لأن الثانية فرع عن الأولى أو تابعة لها ولكن لأن وقت الثانية هو وقت الأولى، فإذا جاز أن يصلي الأولى في أي وقت شاء فله أن يصلي الثانية متى شاء ما دامت في وقت الأولى.

وأنت ترى أن هذا الدليل قوي؛ فإذا جاز أن يصلي الظهر في أول وقتها أو وسطه أو قريباً من آخره فكذلك يجوز أن يصلي الثانية شريطة ألا يخرج وقت الأولى وبشرط الترتيب بينهما، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

وأما الاستدلال بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل، فإنا نقول: غاية ما في ذلك هو الفعل، والفعل لا يدل على الوجوب، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

ولهذا فإن الراجح -والله أعلم- أنه لا تشترط الموالاة.

ومع القول بأنه لا تشترط الموالاة ينبغي عدم التهاون في مثل هذا الأمر؛ لأن غالب أهل العلم على هذا القول، فإن بعض الناس وهو مسافر يصلي الظهر في وقتها، أو يصلي المغرب في وقتها، ثم بعد ذلك يجلس، ثم يقول لصاحبه: ما رأيك أن نجمع؛ لأنني أريد أن أنام.

فنقول: الأولى ألا يكون ذلك إلا في وقت ضيق، يعني في حاجة ماسة لأجل الجمع، مثل كونه لا يعلم أنه يجوز له الجمع، فقال له أصحابه بعد أن جاء وخشي أن يفوت وقت الثانية لشدة إرهاقه وتعبه، أو أراد أن يسافر بعد ذلك أو غير ذلك من الأعذار، فحينئذٍ لا بأس أن يصلي.

ومما يدل على عدم وجوب الموالاة: ما ثبت في الصحيحين من حديث أسامة بن زيد : ( أنه كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فلما نزل في الشعب بعد عرفة توضأ وضوءاً ليس بالبالغ، فقال: يا رسول الله! الصلاة. قال: الصلاة أمامك. قال: فلما نزلنا مزدلفة أسبغ الوضوء فصلى المغرب، ثم أمر براحلته فأنزلها، ثم صلى العشاء )، فدل ذلك على عدم الموالاة بينهما.

ولكن الراجح أن هذا الدليل إنما يصلح في الموالاة بين الصلاتين في وقت الثانية وليس في وقت الأولى؛ ولهذا ذهب الشافعية إلى أنه لا بأس بترك الموالاة في وقت الثانية، والخلاف القوي إنما هو في وقت الأولى.

والراجح أنه لا تشترط الموالاة لا في وقت الأولى ولا في وقت الثانية، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

وجود العذر قبل الانتهاء من الأولى وفي بداية الثانية

الشيخ: الشرط الرابع: وهو مذهب الحنابلة والشافعية قالوا: يشترط وجود العذر قبل الانتهاء من الأولى.

فعلى هذا: لو أنه نوى الجمع في ابتداء الصلاة الأولى، فلما سلم لم تكن السماء ممطرة، وليس ثمة وحل، فإنه لا يجوز له أن يجمع. هذا القول الأول.

والقول الثاني في المسألة: أنه لا يشترط وجود العذر في ابتداء الأولى، ولا عند الانتهاء من الأولى.

والراجح: أنه متى ما وجد العذر فلا بأس أن يجمع الثانية مع الأولى.

وعلى هذا فإننا نقول: هب أن المطر قد توقف، لكن هناك عذر آخر غير المطر، وهو الوحل، وقد قلنا: إن الراجح وهو مذهب الحنابلة وقول عند فقهاء المالكية: جواز الجمع لأجل الوحل، خلافاً للشافعية فلربما توقف المطر لكن الوحل باق.

ولو علم أو غلب على الظن -خاصة في وقت الشتاء- أن توقف المطر إنما هو توقف معتاد ثم يعاود فلا حرج أن يجمع بينهما على الراجح، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم، وقد رجحه بعض فقهاء الحنابلة وبعض فقهاء الشافعية.

إذاً: شروط الحنابلة والشافعية أربعة:

الأول: النية.

الثاني: الترتيب.

الثالث: الموالاة.

الرابع: وجود العذر قبل الانتهاء من الأولى.

وعلى الراجح فإن الشرط إنما هو اثنان:

الأول: الترتيب.

والثاني: وجود مطلق العذر الذي يبيح صلاة الثانية في وقت الأولى، فإذا لم يوجد العذر فلا يصح.

الجمع لأجل الخوف

الشيخ: إذا ثبت هذا فإننا بعد أن ذكرنا الجمع لأجل السفر ولأجل المرض ولأجل المطر والوحل، فقد بقي القسم الخامس وهو:

الجمع لأجل الخوف، فهل يجوز للإنسان أن يجمع لأجل الخوف؟

مثال: الآن إخواننا في سوريا يقصفون ليلاً ونهاراً، ويخافون من دخول بعض الشبيحة عليهم، أو بعض الذين يريدون هتك أعراضهم فهم حذرون قلقون، فهل لهم في بعض الفترات أن يجمعوا بين الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، خوفاً من أن يباغتوهم ولا يستطيعون الهروب، أو لأجل أن يستعدوا؟

فنقول: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية: إلى أنه لا يجوز الجمع لأجل الخوف، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع لأجل الخوف، ولم يثبت دليل بخصوصه.

قالوا: فما تقولون في قول ابن عباس : ( جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة من غير خوف ولا مطر )، وفي رواية: ( من غير خوف ولا سفر

قالوا: إن قوله: (من غير خوف ولا سفر) أو (من غير خوف ولا مطر)، إنما كان ذلك لأجل عذر المرض، فما كان كذلك فإنه لا يجوز.

فالجواب على هذا قلنا: إن تقييده بعذر المرض محل نظر؛ وذلك لأن هذا يحتاج إلى دليل، ولهذا عندما سئل ابن عباس عن ذلك ، قال: أراد ألا يحرج أمته.

ولهذا فإن القاعدة التي جاز أن يجمع لها هو: وجود الحرج، وعلى هذا فمتى وجد الحرج الذي يشق معه أن يصلي الصلاة لوقتها، فإنه يجوز حينئذٍ أن يجمع.

وعلى هذا فمتى وجد الحرج الذي يبيح ترك الجمعة والجماعة أو يبيح الجمع في مثل المطر أو المرض، فإن ثمة أعذاراً أشد من المرض؛ ولهذا فإننا نقول حينئذٍ: إن المناط واحد، وهو العذر، ولكن الشأن في تطبيقه.

وعلى هذا فالقول الثاني في المسألة هو مذهب الحنابلة، فإنهم قالوا: يجوز الجمع لأجل الخوف؛ لأن الخوف عذر، وقد قال ابن عباس : ( جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير خوف ولا سفر)، وفي رواية: (من غير خوف ولا مطر)، وجه الدلالة أن الخوف والسفر والمرض والمطر جعلت أعذاراً يباح لها الجمع بين الصلاتين. وأنت ترى أن هذا القول قوي، وهذا هو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله.

إلا أن الحنابلة قيدوا الخوف بأعذار محصورة، كما أنهم قيدوا الأعذار بأشياء محصورة، وعلى هذا فإنهم لا يرون مطلق الخوف، إنما الخوف الذي يخاف على نفسه أو ولده أو ماله، أو هلاك قريبه. وهذا هو الراجح والله أعلم.

الجمع لأجل الحاجة

الشيخ: والمسألة الأخرى: الجمع لأجل الحاجة، فهل يجوز للإنسان أن يجمع لأجل الحاجة؟

ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية: إلى أنه لا يجوز له أن يجمع إلا بأعذار محصورة، وكل مذهب قيدها بعدد، وقالوا: إن الشغل والحاجة ليست بعذر، وعلى هذا فلا يجوز له أن يجمع مطلقاً.

ودليلهم في هذا، قالوا: لأن الأصل أن الصلاة إنما شرعت في أوقاتها، وهذا أمر مفروض على الأمة: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103]، فلا نخرج عن هذا الأصل إلا بدليل ثابت كثبوت الشمس، وإلا فإن الأصل بقاء ما كان على ما كان، وهو بقاء الوقت على ما هو عليه.

والقول الثاني: هو مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهو: أنه يجوز له الجمع لأجل الشغل والعذر، يقول أبو العباس بن تيمية رحمه الله: وأوسع المذاهب في الجمع بين الصلاتين هو مذهب الإمام أحمد، فإنه يجوز الجمع لأجل الشغل والحاجة.

إذا ثبت هذا فإن الحنابلة القائلين بجواز الجمع لأجل الشغل والحاجة لم يطلقوا، إنما جعلوا الحاجة في أمور محصورة؛ ولهذا نستطيع أن نقول: إن الجمع بين الصلاتين هل هي لأعذار محصورة أم لأعذار موصوفة؟

وهذا القول أيضاً هو قول لبعض فقهاء الشافعية، وهو قول ابن سيرين و ابن المنذر والقفال الشاشي و أبي علي بن أبي هريرة من فقهاء الشافعية، فمتى وجدت الحاجة وكان يشق تركها فإنه يجوز له حينئذٍ أن يجمع، قالوا: وهو أيضاً قول ابن عباس و أبي هريرة .

قالوا: من أين لكم أنه قول ابن عباس ؟

قالوا: ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن شقيق قال: ( خطبنا ابن عباس قبل أن تغرب الشمس حتى غربت وخرجت النجوم، فخرج رجل من تيم يقول: الصلاة الصلاة يا ابن عباس ! الصلاة الصلاة يا ابن عباس ! فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة لا أم لك! جمع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة من غير خوف ولا مطر )، قال عبد الله بن شقيق : فحاك في صدري ما قال ابن عباس ، فذهبت إلى أبي هريرة فأخبرته خبر ابن عباس ، فقال: صدق ابن عباس .

وجه الدلالة: أن ابن عباس جمع لأجل حاجة التعليم الذي يخشى معه أن يتفرق الناس ولا يسمعوا علمه، فإذا كان الجمع لأجل العلم والخوف من فوات هذا الأمر، فدل ذلك على أنه لا بأس بالجمع لوجود الحاجة، وهذا القول قوي كما ترى.

لكن يجب ألا يقدر العذر إلا أهل العلم، حتى لا يقع الناس في حيص بيص، وحتى لا يخالفوا ما هو مجمع عليه، وهو الصلاة لوقتها.

اختلاف العلماء في تأويل حديث ابن عباس في الجمع

الشيخ: ومسألة الأعذار والجمع إنما اختلف العلماء فيه بسبب حديث ابن عباس وهو: ( جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر )، هذه رواية مالك و سفيان بن عيينة و زهير بن معاوية و هشام بن سعد ، كلهم عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، ورواها حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بلفظ: ( من غير خوف ولا مطر ).

ولهذا ذهب مالك إلى أن الصحيح هو وجود السفر وليس المطر، وهو اختيار البيهقي رحمه الله، و أبو العباس بن تيمية يرجح الجميع وأنهما روايتان ثابتتان، فإن ابن عباس مرة رواها بهذا اللفظ، ومرة رواها بهذا اللفظ، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

على كل قول سعيد بن جبير لـابن عباس : ما أراد بذلك؟ قال: (أراد أن لا يحرج أمته)!

واختلف العلماء في هذا اللفظ، ما هو العذر؟

فأجمع العلماء على أنه لم يجمع صلى الله عليه وسلم من غير عذر، وأما من يجمع الصلاة من غير عذر فقد أتى كبيرة من كبائر الذنوب، فلابد أن تصلى صلاة الظهر في وقتها والعصر في وقتها والمغرب في وقتها والعشاء في وقتها، إلا لأجل العذر، ولكن اختلفوا ما هو هذا العذر الذي في حديث ابن عباس!

القول الأول: حمل حديث ابن عباس على الجمع لأجل المطر

الشيخ: فذهب الترمذي رحمه الله إلى أن حديث ابن عباس منسوخ، وأنه لا يعمل به؛ ولهذا قال: وكل حديث ذكرته في كتابي هذا فقوي معمول به، وقد عمل به أهل العلم إلا حديثين:

الحديث الأول: حديث ابن عباس ، يعني: ( جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. إلخ ).

والثاني: حديث جابر : (من شرب الخمر فاجلدوه، فإن شرب فاجلدوه، فإن شرب فاجلدوه، فإن شربها فاقتلوه في الرابعة )، فقال: فإنهم لم يعملوا بهما.

وقد خالف الترمذي رحمه الله كثير من أهل العلم، فقد قال النووي رحمه الله: ليس الأمر كما قال، فإن الخلاف في هذا أمر معلوم مشهور.

وعلى هذا فإن القول بأنه منسوخ يحتاج إلى دليل، وليس كل دعوى تقبل إلا ببرهان ودليل.

الأمر الثاني: ما هو العذر؟

ذهب مالك و الشافعي إلى أن العذر إنما هو لأجل المطر.

وكيف هذا! وفي حديث حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : ( من غير خوف ولا مطر

قالوا: إن الرواية الصحيحة عن ابن عباس إنما هي رواية مالك و هشام بن سعد و سفيان بن عيينة و زهير بن معاوية وغيرهم، كلهم عن محمد بن مسلم بن تدرس المكي المكنى: بـأبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : ( من غير خوف ولا سفر )، وأن رواية: ( من غير خوف ولا مطر)، رواية منكرة خالف فيها حبيب بن أبي ثابت، و حبيب بن أبي ثابت وإن كان ثقة إلا أنه يخالف الثقات أحياناً، ولربما روى عن الثقات مالم يسمع منهم كما هو معروف عنه بما يسمى بالمرسل الخفي.

القول الثاني: حمل حديث ابن عباس على الجمع لأجل المرض

الشيخ: القول الثاني في حديث ابن عباس ، قالوا: إنما جمع لأجل المرض، وهذا اختاره الخطابي .

والأقرب -والله أعلم- أنه يحتاج إلى دليل، فإذا وجد المرض في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل يجوز له أن يجمع بالناس جميعاً لأجل مرضه هو؟! فهذا القول فيه بعد.

فالراجح -والله أعلم- أنه ليس لأجل مرض؛ لأنه لم يعرف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مرض عم الصحابة إلا في أول الإسلام حينما هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة فاجتووا المدينة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم حول حماها إلى الجحفة ) ، وابن عباس هو الذي أدرك الجمع، وكان صغيراً آنذاك فلا يمكن أن يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم جمع وقد أدرك ابن عباس ذلك، والمرض الذي أصاب المدينة إنما كان في أول الهجرة وليس في آخرها، وكان ابن عباس حينما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صغيراً لم يناهز الاحتلام، فيبعد أن يكون ذلك في مرض عام، فدل على أن القول بأن ذلك لأجل المرض محل نظر.

القول الثالث: حمل حديث ابن عباس على الجمع الصوري

الشيخ: القول الثالث قالوا: إن المراد بالجمع هو الجمع الصوري، وهو أن يؤخر الظهر إلى قبيل العصر، فإذا سلم يكون قد دخل وقت العصر فيصلي العصر، فحينئذٍ يصلي الظهر في وقتها والعصر في وقتها.

وقالوا: ومما يدل على ذلك: ما رواه عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء قال: لعله أخر الظهر إلى وقت العصر فجمعهما جميعاً، وأخر المغرب إلى قريب من وقت العشاء فجمع بينهما، قال: لعله!

وهذا ليس فيه ما يدل، بدليل أن أبا الشعثاء نفسه سأله أيوب السختياني كما عند البخاري قال: لعله في ليلة مطيرة، قال: عسى!

فلم يحفظ عن ابن عباس أنه لأجل المطر ولا لأجل الجمع الصوري، فدل ذلك على أن ذلك فهم فهمه عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء ، فدل ذلك على أن هذا يحتاج إلى دليل.

ثم إن الحرج في الجمع الصوري أشد، فيقال للناس: لا تخرجوا إلا في مثل هذا الوقت، فإن ذلك فيه حرج عليهم، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

ولهذا فإن الجمع إنما جوز لأجل رفع الحرج، فإذا قيل لهم: لا تجمعوا إلا جمعاً صورياً، فإن الحرج في هذا الجمع وليس في وجوده.

ولهذا الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أخر صلاة العشاء حتى نام من في المسجد وقال: ( إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي )، فكيف يقال: إن هذه المشقة هي: (أراد ألا يحرج أمته)، بل هي الحرج بعينه.

ولهذا فالذي يظهر -والله أعلم- أن القول بأنه جمع صوري وإن استحسنه القرطبي و الصنعاني و الشوكاني، وهو قول الحنفية، فإن هذا القول فيه بعد، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

حمل حديث ابن عباس على عموم الحاجة

الشيخ: القول الرابع قالوا: إنما جمع لأجل الحاجة، فمتى ما وجدت جمع، وهذا هو الحرج الذي أراد أن يرفع عن أمته وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، وهذا هو ظاهر قول ابن عباس .

فإنه رحمه الله ورضي عنه جمع لأجل التعليم، فدل ذلك على أنه لحاجة، وقد استدل على هذا الجمع بفعله صلى الله عليه وسلم حينما جمع في المدينة من غير خوف ولا سفر، ومن غير خوف ولا مطر، فدل ذلك على أن الجمع إنما هو لأجل الحاجة، وهذا هو قول ابن سيرين و ابن المنذر، وظاهر كلام النووي وهو اختيار أبي العباس بن تيمية ، وهو ظاهر قول ابن عباس و أبي هريرة ، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم. وهذا هو الراجح، وهو أن الجمع لوجود العذر، فمتى وجد عذر يخشى معه ألا يصلي الثانية في وقتها مع اكتمال حرصه ودواعي ذلك فإنه لا بأس بالجمع.

وعلى هذا فإننا نقول: الأطباء الذين يقومون بالعمليات الجراحية التي تستغرق أكثر من عشر ساعات، أو تستغرق أكثر من ست ساعات، إذا دخلوا غرفة العمليات الساعة الحادية عشرة صباحاً مثلاً، وهم يعلمون أنهم لن يصلوا الظهر في وقتها، فلا مانع أن يؤخروا صلاة الظهر إلى وقت العصر.

وإذا دخلوا غرفة العمليات الساعة الواحدة ظهراً ويغلب على ظنهم أن العملية سوف تستمر عشر ساعات أو ست ساعات حتى ربما يخرج وقت العصر، فإننا نقول للأطباء والفريق الطبي معه: أن يجمع الظهر والعصر جمع تقديم من غير قصر؛ لأنهم مقيمون فيجمعوا الظهر والعصر في وقت الأولى، ولا يؤخرون صلاة العصر حتى يخرج وقتها.

وكذلك نقول للطلبة الذين يدخلون غرفة الامتحانات، أو مكان الاختبارات الدراسية، ويشق مع ذلك تغيير الجدول؛ لأنهم ربما يعيشون في بلاد غير إسلامية، فإننا نقول لهم: إذا كنتم سوف تدخلون الامتحان الساعة الواحدة فلا حرج أن تصلوا الظهر والعصر جمع تقديم حتى لا تخرجوا صلاة العصر عن وقتها، ويدلك على هذا أن الامتحانات لا تتكرر كل يوم؛ ولهذا جوزوا الجمع للحاجة شريطة ألا يكون دائماً.

وهذا هذا اختيار ابن تيمية ، فإنه جوز للخباز الذي يخبز وقد استعد بعجينه وأشعل تنوره، فيخشى أن يذهب الحطب بلا فائدة، فقال: لا مانع أن يجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم قبل أن يحمي هذا التنور؛ فإذا كان كذلك فهذا يدل على جوازه في حق بعض الناس.

بعض الناس مريض فيه أرق، فهو لم ينم يوماً كاملاً وهو طالب أعزب في شقته، أو طلبة في شقتهم، فإنهم لما أذن لصلاة الظهر فإنهم يخشون أنهم لو ناموا لن يوقظهم أحد، أو ربما لم يسمعوا أي منبه، فهل لهم أن يصلوا الظهر والعصر جمع تقديم لأجل الحالة المرضية، أو لأجل الحالة الطارئة في حقهم؟

الأقرب -والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم- أنه يجوز لهم ذلك، وهذا قول لبعض فقهاء الحنابلة، أنهم إذا خشوا أن يفوت وقت الثانية بسبب النوم الذي يصعب معه القيام فإنهم يجوز لهم ذلك، أما من كان متعباً، لكن يستطيع أن يقوم أو يغلب على ظنه أنه يقوم أو يجد أحداً يوقظه، فإنه لا ينبغي له أن يتساهل في مثل هذا.

لكن الأعذار إذا كانت دائمة فإنه لا يصح، مثل الذين عندهم المطر يومياً، كالذين هم على خط الاستواء مثلاً، أو على أحد خطوط الطول في الكرة الأرضية حتى أصبح الأمر عندهم معتاداً، فهل نقول لهم: اجمعوا دائماً؟

لا؛ لأن هذا مدعاة إلى أن تغير الصلاة عن أوقاتها، ولهذا فرق كبير بين العذر الدائم وبين العذر الطارئ، وبين المشقة المعتادة والمشقة غير المعتادة.

فأما هؤلاء أصحاب البلد الذين عندهم المطر يومياً، أصبحت هذه مشقة معتادة عندهم وبالتالي لا يجوز لهم الجمع، فأنت تجد أن ألبستهم لها خاصية معينة لا يضيرهم ولا يشق عليهم معها وجود المطر، فهؤلاء لا يجوز لهم أن يجمعوا؛ لأن جمعهم على سبيل الدوام مداعاة إلى أن تغير الصلاة عن أوقاتها.

خاتمة البرنامج

الشيخ: لعل في هذا كفاية، وحينئذٍ نكون قد انتهينا من باب الجمع بين الصلاتين، ولعلنا إن شاء الله في درس قادم نتحدث عن صلاة المسافر، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، ونقول لكم: إلى لقاء يتجدد معكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فقه العبادات - الصلاة [31] للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

https://audio.islamweb.net