إسلام ويب

ما ترك الإسلام شيئاً فيه مصلحة للعباد إلا وأرشدهم إليه، ولا شيئاً فيه مفسدة عليهم إلا ونهاهم عنه، حتى جعل لقضاء الحاجة آداباً وأحكاماً، منها الدعاء عند دخول الخلاء والخروج منه، وتقديم اليسرى عند الدخول واليمنى عند الخروج، والبعد عن الناس والاستتار منهم، ويكره الكلام لغير حاجة، أو إدخال ما فيه ذكر الله تعالى، واستقبال القبلة أو استدبارها بغائط أو بول، أو الاستجمار بأقل من ثلاثة أحجار، أو الاستجمار بروث أو عظم.

آداب قضاء الحاجة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

وها نحن قد عدنا والعود أحمد، فنسأله سبحانه وتعالى المزيد من فضله، وأن يعيننا على الصواب في القول والعمل.

أيها الإخوة في الله! كنا قد شرحنا في الدرس الماضي مسائل في باب المياه، ثم تحدثنا عن باب الآنية، وذكرنا آنية الكفار، وذكرنا الأحاديث التي يفهم منها بعض القراء التعارض بينها وبين ما قررناه، فأجبنا عن كثير من المسائل، وتحدثنا عن آنية الذهب والفضة، وذكرنا أقسام هذه المسائل، أما اليوم فإننا بإذن الله سوف ندلف إلى باب آداب قضاء الحاجة.

جريان الأحكام الخمسة في آداب قضاء الحاجة

الشيخ: من المعلوم أن آداب قضاء الحاجة يذكرها الفقهاء رحمهم الله بهذا العنوان أحياناً في باب آداب قضاء الحاجة، وأحياناً يذكرونها في باب الاستنجاء، ومن المعلوم أن الاستنجاء هو: إزالة الخارج من السبيلين بالماء أو بغيره كالاستجمار، لكن أحياناً من عادة الفقهاء -رحمهم الله- أنهم يذكرون في هذا الباب مسائل أخرى داخلة في ضمن هذا الباب، ولهذا فإن آداب قضاء الحاجة لا يلزم أن يكون كل أدب منها مستحباً، فيمكن أن يكون مستحباً، ويمكن أن يكون واجباً، ويمكن أن يكون مكروهاً، ويمكن أن يكون محرماً، ويمكن أن يكون مباحاً، فكلمة آداب يقصد بها الأشياء التي تفعل عند قضاء الحاجة مما هو واجب أو مستحب أو محرم، أو منع استعماله كمحرم أو مكروه، أو أن ذلك مباح، والله تبارك وتعالى أعلم.

حينما نتحدث عن آداب قضاء الحاجة فإنه من المعلوم أن الإنسان لا يقضي الحاجة إلا في مكان، وهذا المكان إما أن يكون قد خصص له كالحش ونحوه، أو يكون في فضاء، فإذا أراد الإنسان أن يقضي حاجته في مكان ما، فإن هذا المكان الذي سوف يقضي فيه حاجته يكون في حكم دخوله للحش، وعلى هذا فيستحب للإنسان أولاً أن يقول شيئاً عند دخول الخلاء، وقلنا: إن الخلاء هو المكان الذي تقضى فيه الحاجة.

فإذا أراد أن يأتي مكان قضاء الحاجة فيقول الدعاء الوارد عند دخول الخلاء، كما في الصحيحين من حديث أنس بن مالك أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يدخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخُبْثِ والخبائث )، والحديث متفق عليه.

وفيه فائدة: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك قبل الدخول، ( كان إذا أراد أن يدخل الخلاء )، وعلى هذا فإذا أراد أن يدخل الخلاء وهو دورات المياه فإنه قبل أن يدخل يقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث - أو من الخبث- والخبائث.

فإن كان في فضاء فإنه إذا رأى أن هذا المكان يحسن أن يقضي حاجته فيه فإنه يقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث.

ضبط لفظة (الخبث) ومعناها

الشيخ: إذا ثبت هذا فإنه من المعلوم أن أهل العلم اختلفوا في مسألة النطق هل هي الخبث-بضم الخاء وسكون الباء- أم هي الخبث -بضم الخاء وضم الباء- بعض أهل العلم وهو أكثر المحدثين يرون التسكين، وبعضهم يقول: إن الأصح هو الضم، وكل واحد له وجهة نظر، والذي يظهر -والله أعلم- أن الأشهر هي الخُبُث بالضم، وإن كان يجوز فيها التسكين من باب التخفيف عند علماء اللغة، كما تقول: رُسُل ورُسْل، كُتُب وكُتْب، كل ذلك جائز، فالأصل هو كُتُب بالضم، ولكن يجوز أن تقول: كُتْب، وعلى هذا فإذا قلت: الخبث أو الخبث كل ذلك جائز، فما معنى الخبث؟

الخبث قال بعضهم: إنه بالضم ذكران الشياطين، والخبائث إناث الشياطين.

وقال بعضهم: إنه بالتسكين يكون المقصود به الشر، الخبْث اللي هو الشر، والخبائث هي الذوات الشريرة، إذاً الأول بالتسكين الشر، وبالخبائث المقصود بها الشريرة، والذي يظهر والله أعلم أننا إذا قلنا: الخبث والخبائث فالمقصود به ذكران الشياطين والشر نفسه، والخبائث إناث الشياطين والأنفس الشريرة كلها، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

فائدة دعاء دخول الخلاء وحكم البسملة قبله

الشيخ: ومن المعلوم أن الإنسان إذا أراد أن يقضي حاجته فإنه لا بد فيه من ذكر؛ لأنه بحاجة إلى من يعينه وهو الله سبحانه وتعالى، وهذه فائدة فلا يلزم أن نأخذ الفقه فقط بطريقة غير معلقة بالله سبحانه وتعالى، العبد حينما يريد أن يقضي حاجته فهو يعلم أن هذا الذي استجمعه هو الله سبحانه وتعالى، والذي يخرجه بعونه وتسهيله هو الله سبحانه وتعالى، فهو إذا أراد أن يقضي حاجته يتعوذ من الشياطين الذين ربما رأوا عورته، فربما آذوه، فهو يتعوذ بالله من شرهم، فيقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث؛ لأنه يعلم أنه لا حول ولا قوة له إلا بالله سبحانه وتعالى، فناسب ذلك هذا الدعاء.

إذا علم هذا فإن بعض الناس يقول: بسم الله، فأقول: إنه لو قال: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث فجائز، ولكن كل الأحاديث الواردة بالبسملة أحاديث ضعيفة، من ذلك ما رواه الترمذي و ابن ماجه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ستر ما بين الجن وعورات بني آدم أن يقول إذا دخل الكنيف: بسم الله )، وهذا الحديث ضعيف، في سنده رجل يقال له: الحكم النصري وهو ضعيف، فإذا لم يقل: بسم الله، فهذا هو الذي جاءت السنة به.

فإن قال ذلك فنقول: لا حرج شريطة ألا يظن أنها سنة، أو أن يداوم عليها، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

إذا ثبت هذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه: ما سبب هذا الذكر؟

مداخلة: أن الشخص إذا أراد أن يقضي حاجته لا بد له من معين، فيكون هذا الدعاء معيناً له بإذن الله.

الشيخ: ويتعوذ بالله من الذي يكشف وينظر إلى عورته، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الغائط فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث )، فلأجل أنها محتضرة، يعني حاضرة فإنه ينبغي له أن يتعوذ بالله من شرها، والله أعلم.

الدعاء بعد الخروج من الخلاء

الشيخ: إذا ثبت هذا فماذا يقول عند الخروج من الخلاء؟

عند الخروج من الخلاء يقول: غفرانك، كما ثبت ذلك عند أهل السنن من حديث عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يخرج من الخلاء قال: غفرانك )، وهذا الحديث صححه ابن خزيمة ، و ابن حبان ، و النووي ، وغير واحد من أهل العلم.

ولو قال: ( الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني ) فهذا حديث رواه ابن ماجه ، فإن قاله فلا حرج، لكن الحديث فيه ضعف، والله أعلم، والصحيح أنه من قول أبي ذر كما ذكر ذلك الدارقطني ، فإن قاله أحياناً فلا حرج ولو لازمه؛ لأنه قول صحابي فلا حرج إن شاء الله، لكن السنة أن يقول: غفرانك. ما الحكمة بأن يقول الإنسان: غفرانك؟

الحكمة -والله أعلم- هو أنه لما يسر الله له إزالة ما في بطنه، فهو يسأل ربه أن يزيل ما علق من الذنوب، أي: فلما زال ما علق من الأوساخ الحسية ناسب أن يسأل ربه أن يزيل عنه الأوساخ المعنوية، وهذا هو الظاهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

من نسي دعاء الدخول وتذكره بعد الدخول

الشيخ: إذا ثبت هذا فإنه من المعلوم أن الإنسان يقولها وهو ذاكر قبل دخول الخلاء، لكن ماذا لو دخل الإنسان الخلاء ولم يتذكر قول ذلك؟

فالجواب: أنه لا حرج أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث وهو يقضي حاجته، لماذا؟ الجواب: سوف نتحدث عن مسألة ذكر الله في الخلاء أنه مكروه، لكن يقال: ذكر الله العام مكروه، وقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث مستحب، والقاعدة: إذا تعارض مأمور ومحظور فيقدم المأمور. وإذا تعارض واجب ومحرم فالمقدم الواجب؛ لأن الواجب أعظم، وهذا غير ما لو تعارض مباح ومحرم، فيقدم المحرم.

وإذا اجتمع مبيح ومحظور فيقدم المحظور، أما الواجب فيقدم على المحرم، والمستحب يقدم على المكروه، وعلى هذا فلو قال: ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) وهو في دروة المياه فلا حرج في ذلك؛ لأن المستحب أقوى من المكروه، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

تقديم اليسرى عند دخول الخلاء واليمنى عند الخروج منه

الشيخ: إذا ثبت هذا فإنه يستحب له قبل أن يدخل الخلاء أن يقدم رجله اليسرى، وإذا أراد أن يخرج قدم رجله اليمنى، وذلك لما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( كان رسول صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله إذا انتعل، وفي ترجله إذا ترجل )، وفي رواية: ( وفي شأنه كله )، فدل ذلك على أن كل ما كان فيه إكرام لليمين قدم اليمنى، وكل ما فيه عدم إكرام لليمين قدم اليسرى، وقل مثل ذلك في دخول المسجد، فدخول المسجد إكرام لليمين، فيقدم اليمنى، وعند الخروج بقاء الرجل بالمسجد أبرك من بقائها خارج المسجد، فيقدم اليسرى، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

ما فيه ذكر الله .. أنواعه وحكم دخول الخلاء به

الشيخ: إذا ثبت هذا فعندنا مسألة وهي: هل يكره الدخول إلى الخلاء بشيء فيه ذكر الله

الجواب: الشيء الذي يدخل به إلى الخلاء وفيه ذكر الله أنواع:

أولاً: المصحف: ما حكم الدخول بالمصحف إلى الخلاء؟

الجواب: لا يجوز، بل قال بعض أهل العلم كـالمرداوي صاحب الإنصاف ولا أظن عاقلاً يخالف في ذلك؛ لأن المصحف مأمور فيه الإكرام، ودخول الخلاء به فيه الإهانة له، إلا إذا كان ذلك خوفاً عليه، فإذا كان ذلك خوفاً عليه فأصبح ضرورة فلا حرج، مثل أن يكون في دورات مياه غير أهل الإسلام، أو يخاف على مصحفه من الضياع فنقول: احفظه خارج الحمام، ولكن لا ينبغي أن تدخل به إلى الحمام إلا إذا خفت عليه من سرقة ونحوها، فاجعله في داخل الجيب، ومع ذلك يجب على الإنسان أن يتوقى ولا يدخله إلى الخلاء، والله أعلم.

ثانياً: دخول شيء فيه ذكر الله، كصحيفة فيها اسم الله، فنقول أولاً: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح في هذا الباب، واستدل بعض أهل العلم على الكراهة بما جاء من حديث أنس بن مالك : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدخل الخلاء خلع خاتمه، وكان نقشه محمد رسول الله )، فقالوا: كلمة (الله) ذكر، فكان الرسول يخلع خاتمه لأجل ألا يدخل به الخلاء.

والجواب على هذا أن هذا الحديث لا يصح مرفوعاً، فقد ضعفه النسائي و أبو داود وقال: منكر، وهذه هي طريقة أهل العلم من المتقدمين، وصححه بعض أهل العلم من المتأخرين، والصحيح أن الحديث موقوف على أنس.

فإن خلع ما كان فيه ذكر الله عند دخوله الخلاء فهذا أفضل إلا إذا كان قد وضعه في جيبه فلا حرج في ذلك؛ لأنه في حكم ما في قلبك، فلما جاز أن تدخل أنت لأن قلبك في حكم الصندوق، فكذلك يجوز دخولك بما فيه ذكر الله تعالى وقل مثل ذلك دخول الأجهزة الالكترونية، كالجوال والأيفون، وغير ذلك مما فيها مصاحف، فإذا كانت مقفلة وهي داخله فهذه حكمها كحكم ما لو دخل الإنسان وفي قلبه القرآن كاملاً، فلا حرج في ذلك، لكن إذا كان سوف يظهره أو يقرأ فيه فلا ينبغي له ذلك، والله أعلم.

من آداب قضاء الحاجة البعد

الشيخ: إذا ثبت هذا فإن أهل العلم ذكروا من آداب قضاء الحاجة إذا أراد أن يقضي الحاجة أن يبتعد، وهذا كما جاء في الصحيح من حديث المغيرة بن شعبة أنه قال: ( حتى توارى عني في سواد الليل ) يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهذا يدل على أن الرسول كان قد ابتعد.

إذاً: الابتعاد غير الاستتار، فأنت ربما تقضي حاجتك وقد استترت من زملائك وأصحابك، لكنك لم تبتعد، فالسنة أن تبتعد، وقد جاء في ذلك حديث: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يقضي حاجته أبعد )، ولكنه حديث ضعيف، وأحسن شيء هو حديث المغيرة بن شعبة. إذاً يستحب للإنسان أن يبتعد.

من آداب قضاء الحاجة الاستتار

الشيخ: الثاني: الاستتار، والاستتار نوعان: الاستتار عن كشف العورة، فهذا واجب، فبعض الناس أحياناً لا يبالي فيقضي حاجته في دورات المياه والناس ينظرون عورته، وهذا لا يجوز؛ لما جاء عند أهل السنن: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: ( يا رسول الله! عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك، إلا من زوجك أو ما ملكت يمينك. قال: يا رسول الله! يكون أحدنا وحده؟ قال: فالله أحق أن يستحيا منه )، فدل ذلك على أن الإنسان إذا كان مع إخوانه فيجب أن يحفظ عورته إلا من زوجته أو ما ملكت يمينه، هذا هو القسم الأول.

القسم الثاني: الاستتار بمعنى ألا يراه أصحابه حال قضاء الحاجة، يعني يختفي، الآن عندنا ابتعاد والثاني اختفاء، فكان من سنته صلى الله عليه وسلم أن يستتر؛ لما جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن جعفر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحب ما استتر لحاجته هدف أو حائش نخل )، الهدف: يعني الشيء المعترض، مثل تل صغير، أو شجرة ليس فيها ظل ينتفع به، فيقضي حاجته بحيث لا يراه أحد، ولو كان قريباً، هذا هو الأفضل.

فهذا ينبغي أن يكون عليه الإنسان، وإذا كان ليس هناك مكان فلا حرج إن شاء الله شريطة ألا يظهر منه شيء من العورة، وفي الصحيحين قال حذيفة رضي الله عنه: ( فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سباطة قوم، فبال قائماً وأنا خلف عقبه )، يعني أنه قريب منه، فإذا كان هناك حاجة وضرورة فلا حرج إن شاء الله، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

من آداب قضاء الحاجة ألا يتكلم

الشيخ: من المسائل أيضاً: أنه يستحب للإنسان عند قضاء الحاجة ألا يتكلم؛ لأن بعض أهل العلم يرى أن الكلام ممقوت؛ واستدلوا على ذلك بما جاء من حديث ابن عمر : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول، فجاء رجل فسلم عليه فلم يرد عليه السلام، ثم قال: إني كرهت أن أذكر الله وأنا على غير طهر )، فقالوا: يكره ذلك، والصحيح أن هذا الحديث فيه دلالة على أنه يكره حال قضاء الحاجة، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كره ذلك لأجل أنه يقول: وعليكم السلام، ففيه ذكر الله وهو في حال قضاء حاجته، فدل ذلك على أن النبي إنما امتنع لأجل عدم الطهر.

ومما يدل على أن الكلام إن كان لحاجة فلا بأس به ما جاء في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال له: ( ائتني بثلاثة أحجار، قال: فأتيته وهو يقضي حاجته بحجرين وروثة، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: إنها رجس )، وفي رواية عند ابن خزيمة : ( ائتني بغيرها )، فدل ذلك على أنه إذا كان يحتاج إلى الكلام فلا حرج، فإذا كان الإنسان في دورات المياه، وطرق عليه الباب فلا حرج أن يتنحنح أو يقول: أنا فيه، أو قد ينادى به فيقال: يا فلان، فيقول: نعم، بحيث يخبر الناس.

أما الحديث الوارد (لا يخرج الرجلان يضربان الغائط كاشفين عن عورتهما يتحدثان، فإن الله يمقت على ذلك)، فهذا الحديث ضعيف، ولو صح فإن النهي إنما هو لأجل أن الرجل يرى عورة أخيه، والرجل الآخر يرى عورة صاحبه، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الاستقبال والاستدبار حال قضاء الحاجة

الشيخ: إذا ثبت هذا فمن المعلوم أن الإنسان حين إرادة قضاء الحاجة ربما يستقبل القبلة أو يستدبرها، فما حكم استقبال القبلة واستدبارها؟

الجواب: أولاً في هذه المسألة مسائل:

استقبال بيت المقدس حال قضاء الحاجة

الشيخ: الأولى: استقبال بيت المقدس، ما حكمه؟

مداخلة: مباح.

الشيخ: استقبال بيت المقدس يلزم منه استدبار مكة، وذلك إذا كان الإنسان في المدينة، فنقول: الصحيح أن استقبال بيت المقدس ليس فيه نهي.

استقبال النيرين حال قضاء الحاجة

الشيخ: الثانية: استقبال النيرين، والنيران هما الشمس والقمر، فاستقبال النيرين جائز ولا حرج، وبعض الفقهاء يرى أنه يكره، والصحيح أنه جائز؛ لأنه إذا منع الإنسان أن يستقبل القبلة وأن يستدبرها، فإن الشمس إما أن تكون في الجهة الثانية أو القمر، فالراجح -والله أعلم- أن استقبال النيرين جائز ولا حرج.

استقبال القبلة حال قضاء الحاجة

الشيخ: الثالثة: استقبال القبلة، الراجح -والله أعلم- أنه لا يجوز استقبال القبلة حال قضاء الحاجة، ولا فرق في ذلك بين البنيان والصحراء؛ لأن الإنسان حال البنيان وإن كان بينه وبين القبلة جدار فكذلك الصحراء بينه وبين القبلة مفاوز، وجبال، وغير ذلك.

فعلى هذا فاستقبال القبلة حال قضاء الحاجة لا يجوز، والدليل ما جاء في الصحيحين من حديث أبي أيوب الأنصاري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها بغائط أو بول، ولكن شرقوا أو غربوا. قال أبو أيوب : فذهبنا الشأم -يعني الشام- فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة، فننحرف عنها ونستغفر الله )، فهذا لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استقبل القبلة لا في البنيان، ولا في الصحراء، فدل ذلك على أنه محظور لا يجوز.

استدبار القبلة حال قضاء الحاجة

الشيخ: الرابعة: استدبار القبلة: الراجح -والله أعلم- أن الاستدبار حال قضاء الحاجة يجوز، وإن كان الأفضل ترك ذلك.

ودليل ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أنه قال: (رقيت على ظهر بيت لـحفصة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً على لبنتين مستقبل بيت المقدس)، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة مستقبل بيت المقدس فإنه يكون مستدبر الكعبة، وجه الدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها )، وجاءنا حديث عبد الله بن عمر وهو أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم مستدبر القبلة، فدل ذلك على أن هذا فعل يدل على الجواز، وهذا نهي، فكان النهي في الاستدبار أخف من النهي في الاستقبال، ولا فرق بين البنيان وغيره، وإن كان في ذلك حديث ابن عمر : (أنه كان يضع ناقته في ذلك)، فالراجح -والله أعلم- أن ذلك إنما يجوز في الاستدبار، ولكن الأفضل ألا يستدبر، وأما الاستقبال فلا يجوز.

وأما ما جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أوقد فعلوها؟ حولوا مقعدتي إلى القبلة )، فهذا حديث جابر وهو حديث ضعيف والله تبارك وتعالى أعلم، وحديث عائشة ضعيف أيضاً الذي يرويه عنها عراك بن مالك، فهو منقطع، والله تبارك وتعالى أعلم.

وأما قول جابر: ( ولقد رأيته قبل وفاته بعام مستدبر أو مستقبل القبلة ) فهذا أيضاً حديث ضعيف؛ لأن في سنده محمد بن إسحاق، و محمد بن إسحاق لا يقبل حديثه إذا أتى بما ينكر، وهذا مما استنكر عليه الأئمة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

فعلى هذا فحكم استقبال القبلة محرم، وليس مكروهاً، وحكم استدبار القبلة جائز، والأفضل الترك، والله أعلم.

إذا ثبت هذا فإننا نقول في هذا الأمر: إنه ينبغي للإنسان إذا كان يريد أن يبني منزلاً في بيته فلا يجعل مكان الحش وقضاء الحاجة مستقبل القبلة ولا مستدبرها؛ لأجل أن القبلة ينبغي أن تكون معظمة، وقد قال الله تعالى: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا [البقرة:144]، فهذه القبلة التي رضيها الله لنبيه، ورضيها النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، لا ينبغي أن تهان باستقبال أو استدبار، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

من آداب قضاء الحاجة الاستنجاء أو الاستجمار

الشيخ: المسألة الأخرى: حكم الاستنجاء بالماء، أو الاستجمار بالحجر، أو بهما معاً.

من المعلوم أن الاستنجاء هو إزالة الخارج من السبيلين بالماء. والاستجمار هو إزالة الخارج من السبيلين بغير الماء كحجر، أو خرقة، أو شيء مباح، والله أعلم.

أما الحال الأولى وهي الاستنجاء بالماء فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستنجي بالماء عند قضاء الحاجة، وهذا أمر مجمع عليه، والله أعلم، وقد نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم كـابن قدامة وغيره، وذلك لما جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك أنه قال: ( كنت أنا وغلام نحوي نحمل إداوةً من ماء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا قضى حاجته أعطيناه إياه )، أو كما قال رضي الله عنه.

فكان ذلك دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قضى حاجته يعطى هذه الإداوة ليستنجي بها، ولهذا جاء في الصحيحين من حديث المغيرة ( حينما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوارى ويستنجي أخذ إداوةً من ماء )، أي: لأجل أن يستنجي بالماء، والله أعلم.

الحال الثانية: الاستجمار، والاستجمار هو إزالة الخارج من السبيلين بغير الماء، كالمناديل، والخرقة، والحجر، والتراب، ونحو ذلك.

فيجوز للإنسان أن يزيل الخارج من السبيلين بهذه الأحجار، أو بهذه المناديل، ولو كان الماء موجوداً عنده، وإن كان الأفضل أن يستخدم الماء، لكنه يجوز الاستجمار ولو كان عنده ماء، والله أعلم.

وسوف نتحدث عن مسألة الاستجمار، وطريقة الاستجمار إن شاء الله، فعلى هذا فيجوز للإنسان في البر مثلاً أو في البيت أن يتمسح من الخلاء بمنديل أو بخرقة.

الحال الثالثة: أن يستخدم الاثنين، فيمسح السبيلين بالمناديل، ثم يستخدم الماء، وهذا أيضاً جائز، ولكن لم يرد حديث صحيح بأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بينهما، وإنما جاءت أحاديث: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأهل قباء في قوله تعالى: فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة:108] قال: إنكم تتبعون الحجارة الماء )، وهذا الحديث جاء من حديث أبي هريرة ، وجاء من حديث ابن عباس ، وجاء من حديث عائشة ، ولا يصح في الباب حديث، والله أعلم.

ولكنه إذا جاز الماء وجاز الاستجمار، فالجمع بينهما جائز، والله أعلم، وأحسن شيء إنما هو من قول عائشة ، والله أعلم، وعلى هذا فلو استخدم الجميع فلا حرج، ونقول للمرضى الذين في المستشفيات، ويشق عليهم الذهاب دائماً إلى دورات المياه: قد جعل الله لكم الرخصة والعافية والسعة بأن تستخدموا المناديل عند قضاء الحاجة وأنتم في أسرتكم، ولا حرج في ذلك، لكن يجب أن تعلموا أن هذا التمسح بالمناديل وغيرها لا بد فيها من أحكام، وهو باب الاستجمار.

أحكام الاستجمار

العدد المجزئ من الأحجار للاستجمار

الشيخ: أولاً: لا يجوز الاستجمار إلا بثلاثة أحجار، أو بثلاث مسحات منقية، فلو مسح السبيلين بحجرين وأنقى فهل يجزئ أم لا يجزئ؟

مداخلة: لا يجزئ حتى يكون ثلاثاً.

الشيخ: نعم حتى يكون ثلاثاً، وهذا مذهب الشافعية والحنابلة خلافاً للمالكية والحنفية، فإنهم قالوا: يجزئ ولكن الأفضل الثلاث، والصحيح أنه لا يجزئ إلا بثلاثة أحجار ولو أنقى بمرة أو مرتين.

ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما عند الإمام أحمد وأهل السنن: ( أيها الناس! إنما أنا لكم بمنزلة الوالد، فإذا أراد أحدكم أن يقضي حاجته فإنه يجزئ من ذلك ثلاثة أحجار )، فقوله: (يجزئ) دليل على أن غير الثلاثة لا يجزئ، وهذا من باب المأمور، والقاعدة: أن باب المأمور لا يجوز تركه، والله أعلم، هذا المسألة الأولى.

الاستجمار بروث أو عظم

الشيخ: المسألة الثانية: أنه لا يجوز أن يتطهر أو يتمسح بروث أو عظم، ولو كانا طاهرين، الآن إنسان يريد أن يستجمر فيستجمر بروثة، هذه الروثة إما أن تكون روثة حمار، وإما أن تكون روثة ما يؤكل لحمه، فلا يجوز، لماذا؟ لأنها لو كانت روثة حمار فإنها نجسة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري : ( إنها رجس )، أو ( ركس ).

كذلك العظم لا يجوز، لأن ( النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستجمر بالروث والعظم إذا كانا يؤكل لحمهما؛ قال: لأنه طعام إخوانكم من الجن ).

( وقال صلى الله عليه وسلم حينما قالت اليهود: قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة، يعني: حتى قضاء الحاجة، فقال سلمان الفارسي رضي الله عنه: أجل، نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة بغائط أو بول، أو نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم ).

واليوم تجد بعض الناس إذا قيل له: إن الشرع عندكم في الإسلام كذا؛ تجده يكون على استحياء ويخاف أن ينقد لأجل دينه، أما سلمان فقال: أجل! علمنا صلى الله عليه وسلم حتى الخراءة، فإذا كان الحبيب صلى الله عليه وسلم علمنا كيف نقضي الحاجة، فهل يعقل ألا يخبرنا كيف نتقاضى؟

بل أخبرنا بها من باب أحرى وأولى، فإذا كان هذا علاقة بين الإنسان ونفسه، فعلاقته مع إخوانه، وعلاقته مع ربه، وعلاقته مع الناس أجمعين من باب أولى، مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:38]، والله أعلم، على هذا فلا يجوز أن يستنجي برجيع أو عظم.

والسؤال: إذا استنجى برجيع أو عظم ومسح ثلاث مرات بالعظم، أو ثلاث مرات بالروثة الطاهرة، فهل يصير طاهراً؟

اختلف العلماء في ذلك، فذهب الشافعي و أحمد إلى أنه لا يكون طاهراً، فيجب عليه الإعادة، أي: لابد أن يتمسح بثلاثة أحجار، أو بثلاثة أشياء طاهرة منقية، ولو تطهر المكان!

وذهب أبو حنيفة و مالك، وهو اختيار ابن تيمية رحمهم الله، أنه لو تمسح بروث أو عظم فإنه آثم، ولكنه يكون طاهراً، قالوا: لأن النهي إنما هو من باب اجتناب المحظور، واجتناب المحظور يأثم صاحبه ولكن الفعل صحيح، والله أعلم.

وأما الحديث الوارد فيه وهو حديث أبي هريرة عند الدارقطني : ( إنهما لا يطهران ) يعني: الروثة والعظم فقالوا: بأنه حديث ضعيف، ضعفه غير واحد من أهل العلم رحمهم الله جميعاً.

وجوب أن يكون المستجمر به طاهراً

الشيخ: ثالثاً: أن يستجمر بطاهر، فلو استجمر بنجس فإنه لا يزيد المكان إلا نجاسةً، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( إنها رجس )، والله أعلم.

الأسئلة

استخدام الآنية المطلية بالذهب والفضة

السؤال: هذا علي بن خميس الجعفري يسأل يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جزاكم الله خيراً يا شيخ، ما حكم استخدام الآنية المطلية بالذهب والفضة؟

الجواب: أننا قلنا: إن استعمال آنية الذهب والفضة، أو المطلية بهما، بحيث لو عرض على النار لبقي فيه شيء أن ذلك محرم.

وأما لو عرضت الآنية على النار فلم يبق شيء فإننا نقول: لا حرج في ذلك؛ لأن هذا نوع من بقاء اللون، ولا حرج فيه كما مر معنا، والله أعلم.

النية في الطهارة الشرعية لا بد فيها من أمرين

السؤال: هذه أم سارة وعمران من المغرب تقول: ذكرت يا شيخنا بارك الله فيك: أن الطهارة الشرعية لا بد فيها من نية، وهذه النية لا بد لها من أمرين: الأول: استعمال الماء، والسؤال ما هو الأمر الثاني؟

الجواب: أنا قلت: هذه النية لا بد فيها من استعمال وفعل فهي لا تخلو من حالين.

الحال الأولى: إما أن ينوي الإنسان حال استعمال الماء.

الحال الثانية: أن ينوي قبل استعمال الماء، فقبل استعمال الماء إن كان قد خرج لأجل الطهارة فإن هذه النية كافية، ولا يلزم النية إلا أن يكون حال إرادة الوضوء، فيكفي أنه من خروجه أو من قيامه من منامه وهو يريد رفع الحدث، والله أعلم.

حكم الماء إذا سقط فيه فأر حي ثم خرج

السؤال: رأفت يقول: سقط فأر حي في الماء ثم خرج فما الحكم؟ وجزاكم الله خيراً.

الجواب: الفأر الحي الراجح فيه -والله أعلم- أنه في حكم الطاهر؛ وذلك لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم من حديث أبي قتادة عند أهل السنن في الهرة: ( إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات )، فكذلك الفأرة.

فالأصل أن سؤر الفأرة طاهر، وعرقها طاهر، إلا أنه يشق التحرز منه، فإذا وجد شيء من نجاستها على الماء فالأصل أنه إن كان قد غير شيئاً من أوصافه فإنه يكون نجساً، وإن لم يغير فالأصل فيه الطهورية، والله أعلم.

حكم الوضوء بماء دخلت فيه فأرة حية

السؤال: هذا سعيد توفيق الشريف يقول: ما حكم طهارة الماء الذي دخل فيه فأرة حية، هل يجوز الوضوء منه؟

الجواب: نعم، قلنا: يجوز الوضوء فيه إذا لم يغير طعمه أو لونه أو ريحه.

استعمال الماء المشمس

السؤال: حسين مصطفاوي من الجزائر يقول: ما حكم الماء المشمس؟ فإن بعض الشافعية يقولون: بأنه لا يجوز استعمال الماء المسخن بالشمس؟

الجواب: أولاً الشافعية لا يقولون: لا يجوز استعماله، يقولون: يكره استعمال الماء المشمس وهو مذهب الحنابلة، وقد جاء في ذلك أحاديث وهي ضعيفة أنه يورث البرص، والصحيح أن استعمال الماء المشمس لا حرج فيه، والله أعلم؛ لأن هذه المسائل تحتاج إلى دليل، ولا دليل في ذلك، والله أعلم.

الطهارة بالماء الذي خالطه الصابون

السؤال: هذا رشيد يسأل من المغرب يقول: ما حكم الماء الذي خالطه الصابون فغلب عليه؟

الجواب: الماء الذي خالطه الصابون إذا كان ماءً موجوداً فلا حرج في ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في قصة بنته حينما ماتت: ( اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، واجعلن في الآخرة كافوراً أو شيئاً من كافور )، ومن المعلوم أن الكافور إذا كان مطحوناً ربما غير، فلا حرج في ذلك، والله أعلم.

قوله: (غلب عليه الصابون)، لا يؤثر في الماء في الغالب، والله أعلم.

اشتباه ثياب طاهرة بنجسة

السؤال: هيثم من الأردن يقول: إن اشتبهت ثياب طاهرة بنجسة وأراد الصلاة فماذا يفعل؟

الجواب: هذا سؤال جيد: اشتباه الثياب الطاهرة بالثياب النجسة بعض العلماء قال: إذا كان يعلم عدد النجس فإنه يصلي عدد الثياب النجسة وزيادة صلاة واحدة، فلو كان عنده مائة ثوب خمس وثوبان طاهران، واختلطت مع بعضها البعض قالوا: لا بد أن يصلي مائة مرة ومرة، فلا بد أن يلبس ثوباً ويصلي، ثم يلبس الثاني ويصلي، حتى يكمل مائة وواحداً؛ قالوا: لأننا نعلم حينئذ أنه قد صلى في ثوب طاهر؛ لأنه صلى بعدد النجس وزيادة، وهذا فيه كلفة، وقد قال الله تعالى: مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، وقال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286]، وهذا من التكليف بما يطاق، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

والجواب على هذا أن نقول بقاعدة التحري، فيتحرى الثياب الطاهرة فيأخذ واحداً ويصلي ولا حرج عليه، وهل صلاته صحيحة؟

نقول: صلاته صحيحة؛ لأنه اجتهد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد )، لكنه لو أخبر بعد ذلك أنه صلى في ثوب نجس، فالراجح -والله أعلم- أنه لا حرج عليه ولا يلزمه الإعادة، لما جاء عند أهل السنن ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي سعيد الخدري صلى وفي نعليه أذى، فلما أخبره جبريل خلعهما ).

وجه الدلالة: أنه لو كانت النجاسة في الثوب إذا كان جاهلاً أو ناسياً تبطلها لبطلت من أول الصلاة، فلما أكمل صلى الله عليه وسلم دل على أن الناسي بوجود نجاسة في ثوبه لا بأس بذلك، والله أعلم.

كيفية تطهير الماء النجس

السؤال: هذه وفاء محمد عبد القادر مرسي تقول من مصر: في المثال الذي ضربته فضيلتكم عن البناء على الأصل واليقين لا يزول بالشك، الماء إذا كان نجساً، وجاء شخص وسكب عليه ماء آخر، قد يغير من طهوريته، ولا أعلم إن كان طهوراً أم نجساً، فبنى على الأصل، والسؤال: هل الماء الطهور إذا صب على النجس للنجس هل يجعله طاهراً؟

الجواب: هذا السؤال جيد، كيف نطهر؟ الماء النجس؟ هو أننا نضيف إليه ماء طهوراً بحيث يصير كثيراً وتزول النجاسة.

ولهذا يسميها العلماء مكاثرة، أي: تطهير الماء النجس إما أن يضاف إليه ماء طهور بحيث يزيل الماء النجس، فهذا يطهره، لكن ينبغي أن يكون ماءً طهوراً كثيراً، فيكون وقوع نجاسة في ماء كثير فلا يؤثر فيه النجاسة، والله أعلم.

إذا ولغ الكلب في أحد إناءين واشتبها فهل يستعملان معاً

السؤال: هذا محمد من الجزائر أيضاً يقول: السلام عليكم، في المثال الثالث عند ولوغ الكلب في أحد الإناءين، هل يجوز الوضوء من كليهما، أو الوضوء الكامل من أحدهما ثم الآخر؟

الجواب: قلنا: إنه على مذهب بعض أهل العلم يجب أن تتركهما جميعاً، والراجح -والله أعلم- أنه يتحرى أي الإناءين طهور، فإن لم يكن عنده شيء من التحري فإنه حينئذ يتركهما ويتيمم.

أسئلة البرنامج والخاتمة

الشيخ: ونذكر بعض الأسئلة للأسبوع القادم أو يوم الأحد القادم إن شاء الله، فنقول:

السؤال الأول: هل يذكر دعاء الخلاء وهو في مكان الخلاء؟ الجواب: لا يذكر، أو يذكر.

السؤال الثاني: حكم دخول المصحف للخلاء؟ هل الجواب: لا يجوز، الثاني: لا يجوز إلا لحاجة، الثالث: يجوز لحاجة. والله أعلم.

لعل في هذا كفاية، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على طاعته، وأن يلهمنا الصواب في القول والعمل. وإلى درس قادم. نستودعكم الله، وعلى أمل اللقاء بكم في برنامج يتجدد في شرح الفقه على القول الراجح إن شاء الله، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فقه العبادات - الطهارة [3] للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

https://audio.islamweb.net