إسلام ويب

يشترط في غسل الميت أن يكون الغاسل مسلماً عاقلاً، وأن يكون الماء طهوراً، وإذا شرع الغاسل في الغسل ستر عورة الميت، وجرده من ثيابه، ولا بد أن يستره من العيون، ثم يعصر بطنه برفق، ويلف يده بخرقة فينجيه، ولا يحل للغاسل أن يمس عورة من له سبع سنين فصاعداً، ويبدأ بمواضع الوضوء عند غسله، ثم يصب الماء على باقي جسده.

ذكر ما يشترط لغسل الميت

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم ربي أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويشترط لغسله طهورية ماء وإباحته وإسلام غاسل إلا نائباً عن مسلم نواه وعقله، ولو مميزاً، أو حائضاً، أو جنباً. وإذا أخذ أي: شرع في غسله ستر عورته وجوباً، وهي ما بين سرته وركبته، وجرده ندباً؛ لأنه أمكن في تغسيله، وأبلغ في تطهيره، وغسل صلى الله عليه وسلم في قميص؛ لأن فضلاته طاهرة فلم يخش تنجيس قميصه، وستره عن العيون تحت ستر في خيمة أو بيت إن أمكن؛ لأنه أستر له، ويكره لغير معين في غسله حضوره؛ لأنه ربما كان في الميت ما لا يجب اطلاع أحد عليه، والحاجة غير داعية إلى حضوره بخلاف المعين، ثم يرفع رأسه أي: رأس الميت غير أنثى حامل إلى قرب جلوسه، بحيث يكون كالمحتضن في صدر غيره، ويعصر بطنه برفق؛ ليخرج ما هو مستعد للخروج، ويكون هناك بخور، ويكثر صب الماء حينئذٍ؛ ليدفع ما يخرج بالعصر، ثم يلف الغاسل على يده خرقة فينجيه، أي: يمسح فرجه بها. ولا يحل مس عورة من له سبع سنين بغير حائل كحال الحياة؛ لأن التطهير يمكن بدون ذلك، ويستحب ألا يمس سائره إلا بخرقة؛ لفعل علي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فحينئذ يعد الغاسل خرقتين إحداهما للسبيلين والأخرى لبقية بدنه، ثم يوضئه ندباً كوضوئه للصلاة؛ لما روت أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غسل ابنته: ( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ) رواه الجماعة، وكان ينبغي تأخيره عن نية الغسل كما في المنتهى وغيره ].

الشرط الأول: أن يكون الماء طهوراً

ذكر المؤلف رحمه الله ما يشترط لغسله، فذكر أول شرط وهو (طهورية ماء)، وهذا أمر ثابت؛ لأنه لما وجب على المسلمين غسل الميت فلا يحصل الغسل الشرعي إلا بطهارة الماء، إلا أن المؤلف قال: (بطهورية ماء)، فيقصد بالطهورية: الذي هو ليس بطاهر وليس بنجس، وقد قلنا سابقاً: إن الصحيح تقسيم المياه إلى قسمين: طهور ونجس، وأن الطهور يدخل فيه ما ألقي فيه الطاهر الذي لم يغير وصف المائية عنه، كما هو مذهب مالك في قول، ورواية عند الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله.

الشرط الثاني: أن يكون الماء مباحاً

المسألة الثانية: وهي قوله: (وإباحته) وذلك لأن الماء ربما يكون طاهراً أو طهورياً، لكنه يكون مغصوباً، والحنابلة لا يرون رفع الحدث بالماء المغصوب؛ لأنهم يقولون: إن هذا منهي عنه، والنهي يقتضي الفساد، وهو قول عند مالك .

وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية، ورواية عند الإمام أحمد إلى أن الماء المغصوب يرفع الحدث، وإن كان ذلك محرماً، وذلك لأن هذا النهي ليس عائداً إلى ماهية العبادة، فالممنوع من استعمال الماء المغصوب شامل للوضوء وللأكل وللسقي ولغير ذلك، فلم يكن ذلك مخصوصاً في رفع الحدث، وعلى هذا فهذا هو الراجح، ولهذا فاشتراط ذلك محل نظر؛ لأن معنى الاشتراط: هو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود، ولا عدم لذاته، والراجح والله أعلم أن ذلك على سبيل الوجوب، لكنه ليس على سبيل الشرطية، فلو تخلف فالطهارة رافعة للحدث ونافعة.

الشرط الثالث: أن يكون الغاسل مسلماً

قال المؤلف رحمه الله: (وإسلام غاسل).

قالوا: يشترط أن يكون الغاسل مسلماً؛ لأن الغسل لا بد فيه من نية، والكافر لا نية له، فالغاسل ينوي عن المغسول عنه؛ لأنه لما كان الميت لا نية له جبر ذلك الغاسل، فينوي عنه، والكافر لا نية له، وهذا هو مذهب الحنابلة، والمالكية، خلافاً للشافعي ، فإن الشافعي يقول: لا يشترط إسلام كافر، فيجوز أن يغسله كافر.

وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الأصل ألا يغسل الميت إلا مسلم، لكن إذا لم يوجد إلا الكافر فإن الكافر يغسله، ولعل هذا القول وسط بين هذه الأقوال، فإن غسل المسلم الميت مقصود لأمرين:

المقصود الأول: طهارته، يعني: تنظفه بدليل أنك تصنع بالميت بأشياء لا علاقة لها برفع الحدث، وهذا هو الذي يظهر، وعلى هذا فتنظف الميت حاصل في حق الكافر، وفي حق المسلم؛ ولأنه لم يرد دليل بخصوصه.

وغسل المرأة للرجل أولى بالمنع من غسل الكافر للمسلم، وعليه فلو وجد رجل مسلم مع نساء مسلمات، ورجل كافر في سفر فمات المسلم، فإن الكافر هو الذي يقوم بغسله أولى من النساء؛ فربما يكشف عورته أمام النساء، وهذا مشكل، ولو قيل كما هو قول عند الحنابلة: أو يغسله الكافر بحضرة مسلم، فينوي المسلم، فإذا كان هناك نساء وكافر ومات المسلم فإن النساء يكن قريبات من هذا الميت فينوين عن غسله، كما سوف يأتي إن شاء الله.

قال المؤلف رحمه الله: (إلا نائباً عن مسلم نواه).

يعني: كافر قام بغسل مسلم والمسلم الحي حاضر ونوى عن الكافر؛ لأن الكافر لا نية له، فنقول: إذا وجد هذا فالأولى أن تقوم النساء بالنية عن المغسول.

وأما قول المؤلف رحمه الله: (إلا نائباً عن مسلم نواه) الذي يظهر والله أعلم أن ذلك لا يصح، أو لا ينبغي في حال وجود مسلم، كما هو مذهب أبي حنيفة ، وأما في حال العجز فنعم، أما أن يقوم كافر بغسل مسلم بحضرة مسلم ينويه فهذا لا ينبغي، وذلك لأن الأصل أن المسلم هو الذي يغسل المسلم، وعلى هذا فينبغي أن يعتنى في اختيار الغاسلين؛ لأنه يوجد في بعض المغاسل لا أقول في هذه البلاد لكن في بلاد أخرى، يوجد أناس مجوس من الوثنيين الذين لا يعبدون الله سبحانه وتعالى، يقومون بغسل الموتى فينبغي أن يتقى مثل هؤلاء، وألا يختار إلا المسلم.

الشرط الرابع: أن يكون الغاسل عاقلاً

قال المؤلف رحمه الله: (وعقله ولو مميزاً).

يعني: يشترط أن يكون عاقلاً؛ لأن المجنون لا نية له كما سبق معنا، ويقول المؤلف: (ولو مميزاً) لأن المميز له نية، ولهذا ذكر العلماء أن المميز تصح صلاته وتطوعه وصدقته؛ لأن له نية.

غسل الحائض أو الجنب للميت

قال المؤلف رحمه الله: (أو حائضاً أو جنباً).

يعني: أن الحائض لو قامت بغسل امرأة، أو الجنب لو قام بغسل امرأة، أو رجل فإن غسله صحيح، والجنب يطلق على الرجل والمرأة، تقول: رجل جنب وامرأة جنب، فالجنب إذا قام بغسل امرأة فإن الجنب يكون امرأة، وإذا كان جنباً وقام بغسل رجل فالجنب رجل، فهذا لفظ جامد يطلق على الذكر والأنثى، هذا هو الذي يظهر والله أعلم.

واستدل الحنابلة على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( إن المؤمن لا ينجس )، ولما جاء في الصحيحين من حديث عائشة ، وعند مسلم من حديث أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعائشة : ( إن حيضتك ليست في يدك ).

وذهب بعض أهل العلم وهم المالكية إلى أن الحائض يصح غسلها أما الجنب فلا؛ لأن الجنب يمكن رفع حدثه بنفسه بخلاف الحائض.

والقول الثالث بمنع الحائض والجنب.

والراجح والله أعلم هو جواز ذلك يعني: جواز أن يقوم الجنب بغسل الميت، أو أن تقوم الحائض بغسل الميت؛ لأنه لا دليل على المنع، ولا كراهة في ذلك، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

كيفية غسل الميت

ستر عورة الميت

قال المؤلف رحمه الله: (وإذا أخذ أي: شرع في غسله ستر عورته وجوباً).

المؤمن واجب عليه أن يستر عورته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لـمعاوية بن قرة عندما قال: ( يا رسول الله! عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك )، وهذا حاصل حال الحياة وحال الممات، فإن الإنسان واجب عليه أن يحفظ عورته، وإذا لم يستطع الإنسان أن يحفظها فواجب على غيره أن يحفظ له؛ لأن حرمة المسلم حياً كحرمته ميتاً؛ لقول عائشة رضي الله عنها وروي مرفوعاً والأقرب وقفه على عائشة : ( كسر عظم الميت ككسره حياً )؛ لأن له حرمة والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: (وهي ما بين سرته وركبته).

أي: فعورة الرجل ما بين السرة والركبة، وقد ورد فيه أحاديث منها حديث جرهد ، ومنها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهي أحاديث يشد بعضها بعضاً، والله أعلم.

تجريد الميت من ثيابه

قال المؤلف رحمه الله: (وجرده ندباً).

يعني: الأفضل حال غسل الميت أن يجرد من ثيابه، إلا العورة، فيخلع ثيابه، وتغطى العورة، والباقي من فوق السرة ودون الركبة أو تحت الركبة يكشف، هذا هو مذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة، وهو أن الميت يجرد من ثيابه، قالوا: لما روى أبو داود و أحمد من حديث محمد بن إسحاق قال: حدثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: سمعت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: ( لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الصحابة: والله ما ندري! أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا أم نغسله في ثوبه؟ قالت: فألقى الله عليهم النوم، فما منهم رجل إلا وذقنه على صدره، فسمعوا منادياً من ناحية البيت يقول: غسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثيابه ) الحديث، وهذا حديث إسناده جيد، فإن محمد بن إسحاق قد صرح بالتحديث، وهو صاحب المغازي، وإسناده لا بأس به، والله أعلم.

وجه الدلالة قالوا: إن الصحابة قالوا: ( والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا )، قالوا: فهذا معلوم أنهم كانوا يصنعون التجريد بالميت، وكان ذلك على محضر من النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يأتمرون بأمره، ويبعد أن يكون ذلك اجتهاداً من عندهم من غير علم من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا القول قوي كما ترى.

وأما فعل الصحابة بالنبي صلى الله عليه وسلم فلأن ذلك من خصوصياته والله أعلم، وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم منع أن يتزوج بنسائه بعد وفاته بخلاف غيره، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام طاب حياً وميتاً، كما قال أبو بكر : طبت حياً وميتاً يا رسول الله! ولأن تجريد الثياب أمكن في غسل الميت من حيث التنظيف، وغير ذلك.

وسبب غسل النبي صلى الله عليه وسلم في قميصه أن ثيابه مأمونة من أن تصاب بشيء من البول أو القذر بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، فكان عرقه طاهراً، بل كانوا يجعلون ذلك من أطيب الطيب، كما قالت أم سليم عندما عرق النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت تعصر عرقه بقارورة، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( ما هذا يا أم سليم ! قالت: عرقك نطيب به صبياننا، وهو من أطيب الطيب، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم )، وهذا إقرار لها، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، وهذا لا يتأتى في حق غيره، هذا هو الذي يظهر والله أعلم خلافاً للشافعية الذين استحبوا أن يغسل الميت في ثوب.

قال المؤلف رحمه الله: (وغسل النبي صلى الله عليه وسلم في قميص، لأن فضلاته طاهرة).

الذي يظهر والله أعلم إن كان يقصد بالفضلات العرق فهذا لا شك أنه ليس بطاهر فقط، بل هو من أطيب الطيب، وإن كان يقصد البول والغائط فقد قال به بعض أهل العلم أن فضلات النبي صلى الله عليه وسلم طاهرة، والراجح والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر، وقد قال: ( إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من البول ولا القذر )، والنبي صلى الله عليه وسلم فضلاته نوعان:

النوع الأول: الفضلات الطاهرة من بني آدم، فهذا كالنخامة والريق والعرق، فهذا بركة، وطهورية وطيب، ولهذا قال الراوي في حديث المسور بن مخرمة ، كما عند البخاري : ( والله! ما تنخم نخامة إلا جعلوا يقتتلون عليها )، اللهم صل وسلم على رسول الله.

وأما النوع الثاني: وهي البول والعذرة، فالراجح والله أعلم أن ذلك نجس لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من البول )، والبول يدل على الاستغراق في كل بول، والله أعلم.

ستر الميت عن العيون

قال المؤلف رحمه الله: (وستره عن العيون).

يعني: ينبغي ألا يراه أحد إلا ما يحتاج إليه من غاسل وحامل وحاضن وصاب الماء، أما غيرهم فلا ينبغي حضورهم.

قال المؤلف رحمه الله: (وستره عن العيون تحت ستر في خيمة أو بيت إن أمكن)؛ لأن ذلك أستر، واستحب بعض السلف كـمحمد بن سيرين أن يجلل بثوب، بأن يغطى ويغسل من تحت مثل تغطية العورة دون الوجه، فإن تغطية الوجه لا يستحب إلا إذا سجي، كما هو مذهب الأئمة الأربعة خلافاً لمن قال بتغطية وجهه، وأرى والله أعلم أن تغطية الجسد حتى مع السرة والركبة وأن تدخل اليد مع الثوب أرى أن ذلك أنفع وأطيب لحال الميت، فلو أن المسلم رأى كيفية غسل الميت لربما كره أن يصنع به هكذا، ولكن لا حيلة، ولهذا فإن الأولى كما قال محمد بن سيرين : والأولى أن يجلل بثوب؛ لأن بعض الناس يستحي أن يخرج على الناس بالثياب الداخلية حتى ولو كان مع أقرب أقربائه، وينبغي أن تراعى مثل هذه النفوس الطيبة صاحبة الخلق والمروءة، هذا الذي يظهر والله أعلم، فهو أنقى ولو كان حياً لما رضي إلا بمثل ذلك، والله أعلم.

كراهة حضور من لا يحتاج إلى حضوره

قال المؤلف رحمه الله: (ويكره لغير معين في غسله حضوره)، يعني: يكره حضور من لا يحتاج إلى حضوره، والذي يحتاج إلى حضوره حال الغسل هو الصاب الماء، والحاضن الذي يرفع، والثالث الذي يقوم بالتنظيف، فلا ينبغي أن يزاد عن ثلاثة، وقلنا بثلاثة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد قام بغسله ثلاثة، كما جاء في الحديث المرسل الذي رواه البيهقي ، وغيره من حديث محمد بن جعفر ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بغسله علي بن أبي طالب فقد ولي سفلته علي ، و الفضل محتضنه، و العباس يصب الماء، فجاء الفضل يقول: أرحني قطعت وتيني إني لأجد شيئاً يترطل عليّ ) يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو أمي صار يتثقل شيئاً فشيئاً بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام فهو بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، قد طاب حياً وميتاً، وهذا الحديث وإن كان مرسلاً لكنه يدل على أن أفاضل الصحابة كـأبي بكر و عمر وغيرهما لم يحضرا، فهذا هو الأفضل.

ولهذا قال المؤلف رحمه الله: (لأنه ربما كان في الميت ما لا يجب اطلاع أحد عليه، والحاجة غير داعية إلى حضوره بخلاف المعين)؛ لأنه يحتاج إلى ذلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو مأمور به، هذا الذي يظهر، والله أعلم، أنه لا ينبغي أن يحضر كل أحد، لكنه إذا انتهى من غسله يدخل من شاء فيقبله إن شاء، وهذا كما قلنا: ليس سنة، ولكنه جائز.

رفع رأس الميت غير الأنثى الحامل

قال المؤلف رحمه الله: (ثم يرفع رأسه أي: رأس الميت غير أنثى حامل).

يعني: يرفعه قليلاً كما صنع بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإن الفضل احتضنه، وهذا لأجل إن كان ثمة بعض الفضلات القريبة للخروج، فإن ذلك يعين على إخراجها، فإن ذلك نوع من عصر بطن الإنسان بخلاف الأنثى الحامل، فإن الأنثى الحامل يضر ذلك بجنينها، فبقاء الجنين في بطن أمه قبل نفخ الروح مطلوب، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: (إلى قرب جلوسه).

هذا هي طريقة الرفع، (بحيث يكون كالمحتضن في صدر غيره)، وقد مر معك حديث محمد بن جعفر قال: ( وولي سفلته علي ، و الفضل يحتضنه، و العباس يصب الماء ).

عصر بطن الميت برفق

قال المؤلف رحمه الله: (ويعصر بطنه برفق، ليخرج ما هو مستعد للخروج، ويكون هناك بخور).

عصر بطن الميت استحب ذلك الحنابلة، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يحتاج إلى ذلك، وقال ابن المنذر رحمه الله: ليس في عصر البطن سنة تتبع، يعني: أنه ليس ثمة سنة في عصر البطن، فإن أحب الغاسل أن يصنع ذلك فلا بأس، لكنه لا ينبغي أن يشدد خاصة إذا كان الميت مات قريباً من أكل، فإنه من باب ألا يخرج شيء بعد غسله، فهذا حسن، أما أن يكون ذلك سنة كما هو مذهب الحنابلة فالسنة حكم شرعي لا تثبت إلا بدليل شرعي، وعلى هذا لا يعصر إلا إذا أحس الغاسل أنه بحاجة بأن يرى بطنه قد انتفخ، أو يرى بعض آثار ذلك، فهذا حسن، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: (ويكثر صب الماء حينئذ).

يعني: يكثر صب الماء ليدفع ما يخرج من العصر، ثم يلفه.

لف الغاسل على يده خرقتين لتنجية الميت وغسله

قال المؤلف رحمه الله: (ثم يلف الغاسل على يده خرقة فينجيه).

الغاسل إذا أراد الغسل قال العلماء: يصنع خرقتين: خرقة لتنجية الميت بأن يغسل السبيلين، والخرقة الثانية بأن يغسل جسده، فإن الحنابلة قالوا: يستحب ألا يمس جسد الميت إلا بخرقة، كما صنع علي رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا أقول كما قلت مراراً وتكراراً: السنة لا تثبت إلا بدليل، ولكن إن فعل فهذا حسن لفعل الصحابة رضي الله عنهم، كفعل علي بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن علي يفعل ذلك إلا لأن ذلك أمر معتاد، فهذا يدل على أن ذلك حسن، وقد سبق أن السنة التقريرية الغالب فيها الجواز، وليست السنة، فإقرار النبي لفعل بعض الصحابة يدل على جوازه، إلا أن يأتي حث عليه، فإذا حث النبي على فعل الصحابي فدل ذلك على السنة، مثل قوله لـبلال : ( إني سمعت دف نعليك بين يدي بالجنة، قال: ما تطهرت طهوراً.. إلخ )، فهذا إقرار من النبي: فدل ذلك على أن إقراره وحثه عليه دليل على السنية، وإلا فإن إقرار النبي على فعل الصحابي يدل على الجواز مثل حديث قيس بن عمرو ، وفي الصلاة بعد الفجر ركعتين أقره عليها، فهذا يدل على الجواز، والله أعلم.

فإن قال قائل: فعل علي بن أبي طالب يدل على الاستحباب إذا فعل سنة تتبع.

فالجواب: نعم، حتى الأئمة الأربعة إذا فعلوا سنة تتبع يستحب، لكن علياً رضي الله عنه حينما فعل ذلك لم يفعله على أنه خليفة المسلمين، فعله ليس في طريقته، فحديث: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين )، أي: الذي يفعلونه حال خلافتهم، بأن يكونوا رضي الله عنهم يقتدى بهم، فيقتدي بهم من بعدهم، فيكون ذلك نوع من شبه الاتفاق، أو شبه الإجماع، والله أعلم.

مس عورة الميت

قال المؤلف رحمه الله: (ولا يحل مس عورة من له سبع سنين).

يعني: لا ينبغي للغاسل إذا غسل ميتاً له سبع سنين أن يمس عورته بلا حائل؛ لأن له حرمة، ولأن التطهير يمكن بدون ذلك، فيعامل معاملة الكبير، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: (ويستحب ألا يمس سائره إلا بخرقة لفعل علي رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم)، ولهذا جاء في الحديث أن بيد علي رضي الله عنه خرقة يتبع بها تحت القميص، وهذا كما قلت: هو الأفضل، ولأن ذلك أكثر نقاءً وأكثر تنظفاً.

والحديث الذي ذكره المؤلف لفعل علي رضي الله عنه، جاء في إسناده يزيد بن أبي زياد ، وكذلك انقطاع بين الراوي وبين علي ، لكن يشهد له قول عائشة رضي الله عنها حينما قالت: غسلوه من قميصه، يعني: القميص الذي عليه، فالقميص الذي عليه جعلوا يدلكونه من فوق، فهذا نوع من الخرقة، وأما أن يكون خرقة فالإسناد فيه كلام، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: (فحينئذٍ يعد الغاسل خرقتين إحداهما للسبيلين والأخرى لبقية بدنه)، هذا حسن؛ لأن ذلك أنقى، والله أعلم.

البداءة بمواضع الوضوء

قال المؤلف رحمه الله: (ثم يوضئه كوضوئه للصلاة).

وذلك لما جاء في الصحيحين من حديث أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهن حينما أمر أن تغسل إحدى بناته وهي أم كلثوم ، قال: ( أو ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها، واغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً أو أكثر من ذلك إذا رأيتن ذلك ).

فقوله صلى الله عليه وسلم: ( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ) دليل على أن الأفضل البداءة بأعضاء الوضوء، وهل قوله صلى الله عليه وسلم: ( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ) دليل على أن يوضأ أم أنه يبدأ؟ الحنابلة قالوا: دليل على الوضوء، وهذا حسن، ولكن أن يجعل ذلك من باب الوضوء الشرعي، فالذي يظهر والله أعلم أنه ليس بحاجة، ولكن البداءة بمواضع الوضوء مطلقاً، وليس بالوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين، فليس هذا المقصود فيما يظهر، ولكن المقصود هو أن يبدأن بمواضع الوضوء ابتداءً أي: بالوجه واليدين مباشرة، ولو بدأ باليدين ثم الوجه فلا حرج في ذلك إن شاء الله.

نية الغاسل رفع الحدث

قال المؤلف رحمه الله: (وكان ينبغي تأخيره عن نية الغسل كما في المنتهى وغيره).

يعني: أن الغاسل إذا أراد غسل الميت فإنه ينوي رفع الحدث الأصغر، ثم رفع الحدث الأكبر، وهذا بناءً على أنه يوضأ وإن وضئ فلا حرج، كما مر، ولكن لو لم يوضأ بأن بدأ بمواضع الوضوء فهذا الذي يظهر أنه لا يلزم نيتين، بل نية واحدة، والله أعلم، لعلنا نقف عند هذا الحد، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

الأسئلة

المقصود بحديث: (أيكم لم يقارف الليلة ...)

السؤال: ما المقصود بحديث: (أيكم لم يقارف الليلة)؟

الجواب: مر معنا عند قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أيكم لم يقارف الليلة ) معلوم أن عثمان رضي الله عنه حاضر، وقلت أنا والله أعلم: إن هذا إنما كان اعتذاراً لـعثمان لأجل أن اللحد يحتاج إلى عمل، هذا الذي يظهر، وليس لأجل نفس الجنابة، فلا يظهر لي أن ذلك لأجل الجنابة، وليس هناك وجه دلالة؛ لأنه قال: ( لم يقارف الليلة ) ولم يقل: لم يأتنا ولم يغتسل. والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الروض المربع - كتاب الجنائز [3] للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

https://audio.islamweb.net