إسلام ويب

في حال عدم وجود الماء وقت الصلاة لمن أراد الصلاة حال سفره فإنه يجب عليه البحث عن الماء في رحله وفي المكان القريب منه، وكذلك طلبه من رفيق السفر، إلا إذا خشي على نفسه أو ماله الهلاك أو خشي فوت الوقت أو الرفقة.

أحوال طلب الماء لمن يريد التيمم

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا ًوارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

قال المؤلف رحمه الله: [ ويجب على من عدم الماء إذا دخل وقت الصلاة طلب الماء في رحله بأن يفتش في رحله ما يمكن أن يكون فيه، وفي قربه بأن ينظر خلفه وأمامه وعن يمينه وعن شماله، فإن رأى ما يشك معه في الماء قصده فاستبرأه، ويطلبه من رفيقه، فإن تيمم قبل طلبه لم يصح ما لم يتحقق عدمه ].

طلب الماء في رحله والمكان القريب منه

تحدث المؤلف عن وقت التيمم فقال: يتيمم إذا لم يجد الماء، وأراد أن يبين أن ثمة مسائل ينبغي لمن أراد أن يتيمم أن يعملها؛ لأنه ربما تيمم ظاناً أنه عادم للماء فإذا هو ليس بعادم، أو يظن أنه إن وجد الماء بعد ما صلى بتيمم أنه يلزمه الإعادة، فأراد أن يبين أن هناك أحوالاً يلزمه فيها الإعادة وأحوالاً لا يلزم فيها الإعادة، فقال: (ويجب على من عدم الماء إذا دخل وقت الصلاة طلب الماء)، الله سبحانه وتعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ [المائدة:6]، فالله أمرنا إذا دخل الوقت أن نقوم إلى الصلاة، وما لم يتم الواجب إلا به فهو واجب، فحينما أمرنا بإقامة الصلاة إذا دخل الوقت فقد أمرنا بشروطها، وشروطها هي الطهارة؛ فإذا دخل الوقت وجب عليك أن تبحث عن ماء الطهارة، فإذا عدم الماء شرعت في التيمم، ولا يصح لك أن تتيمم ما لم تتحقق عدم وجود الماء، فإن تحققت عدم وجود الماء شرع لك أن تتيمم، ولست بحاجة بعد ذلك إلى أن تبحث عن الماء كلما دخل الوقت؛ لأنك تحققت عدم وجود الماء، فأنت داخل في معنى قول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43].

لكن إذا لم تتحقق من وجود الماء، فإن المؤلف يقول يجب على من عدم الماء إذا دخل الوقت أن يبحث؛ يعني: في كل وقت يبحث؛ لأنه لم يتحقق من عدم وجود الماء؛ لأنه مخاطب بالصلاة وبشروطها كلما دخل وقتها، كما أشار إلى ذلك الإمام الشافعي في الأم وكذلك الحنابلة.

قوله: (طلب الماء في رحله)، أحياناً الإنسان يكون رحله كثيراً أو ربما يكون عنده سيارة فيها تانكي عن يمين وعن شمال وتحت، وربما يكون عنده ماء وهو لا يعلم به، وربما قد ضرب الخيمة، فلا بد من البحث عن مثل هذا الشيء.

يقول: (طلبه في رحله بأن يفتش في رحله ما يمكن أن يكون فيه)، بعض الناس يقول: أذكر أن هناك جرة ماء تصلح للوضوء لكنه ما وجدها، ويغلب على ظنه أنها موجودة، فيجب عليه بعد دخول وقت كل صلاة أن يبحث عنها؛ لأنه لم يتحقق عدم وجود الماء، قال المؤلف: (يفتش في رحله ما يمكن أن يكون فيه، وفي قربه بأن ينظر وراءه، وأمامه، وعن يمينه وعن شماله)، كلما دخل وقت كل صلاة يبحث، هذا النظر لا بد أن يكون مبنياً على غلبة ظن، فإن رأى سراباً قد قدم فلا بد أن ينتظر، ولا يتيمم حتى يسأل صاحب القافلة أو صاحب السيارة: هل عندك ماء؟

أحياناً الإنسان يلتفت في الليل فلا يجد شيئاً لكنه في النهار يجد خضرة، يجد طيوراً، فهذه الطيور التي تحوم يغلب على الظن أنها تحوم على ماء، فلا بد أن يذهب إلى مثل هذه الطيور ما لم يخف خروج وقت الصلاة فإن خاف خروج الوقت فإنه حينئذٍ يتيمم؛ لأنه لو غلب على ظنه أنه لو وصل إلى مثل هذا المكان لخرج الوقت سواء كان خرج وقت الصلاة البتة أو خرج وقتها المختار، مثل: العصر، لو غلب على ظنه أنه لن يصل إلى مثل هذا إلا بعد غروب الشمس أو قريباً من الغروب فحينئذٍ نقول له: تيمم؛ لأن الصلاة في الوقت أفضل؛ وقد فعلت الطهارة، وهو التيمم بدلاً عن الماء.

يقول المؤلف: (فإن رأى ما يشك معه في الماء قصده فاستبرأه)، ومعنى (فاستبرأه) قطع الشك واستبرأ من عهدة الطلب؛ بحيث يكون قد طلب وبحث، فإن وجد خضرة ذهب فسأل، وإن وجد سيارة قدمت سألها، وإن أحس بوجود شجر بحث؛ لأنه أحياناً يكون الجو معكراً فأحياناً بين صلاة وصلاة تظهر بعض الأشجار فيبحث عنها ما لم يخف خروج وقت الصلاة، كما سيأتي في كلام المؤلف.

طلب الماء وسؤاله من الرفيق

قال المؤلف رحمه الله: [ويطلبه من رفيقه]، بأن يقول لرفيقه: هل عندك ماء؟ ولا يلزم قبول ما به منة، فلو قال لك شخص: خذ هذا الماء فتوضأ به أو خذه هبة لا يلزم قبوله؛ لأن فيه منة، فجمع المؤلف بين منع القبول مع وجود الماء ورؤيته لأنه لم يكن ثمة ملك له، ولو أعطاه شخص صديق أو غيره هذا الماء لم يقبله، فلماذا قال هنا: ويطلبه من رفيقه؟ نقول: الرفيق هنا ليس هو الرفيق الذي معك في السفر أو معك في المخيم؛ يعني: أنت ضارب المخيم في آخر التنهاك والثاني في أول التنهاك ليس المراد هذا، المراد هو الرفيق الذي ماؤك وماؤه واحد، وطعامك وطعامه واحد، يعني: كأنه قال رفيقك في السفر، ورفيقك في الرحلة، ورفيقك في المخيم، ورفيقك في الخروج، كما أشار إلى ذلك متأخرو الحنابلة.

فإن بحثت فلم تجد، يقول المؤلف: (فإن تيمم قبل طلبه لم يصح)؛ يعني: إن تيمم قبل أن يطلبه بعد دخول كل وقت الصلاة لم يصح، (ما لم يتحقق عدمه)؛ يعني: ما لم يتحقق العدم، أما إن تحقق العدم بحيث علم أنه ليس هناك ماء، فهو يعلم المكان ويعلم أن رحله لم يأت بماء، فحينئذ لو تيمم من غير بحث بعد دخول وقت كل صلاة، فصلاته صحيحة؛ لأن يقينه هو عدم وجود الماء، فهو داخل في عموم قول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43].

طلب الماء بدلالة ثقة

المؤلف حينما أمره أن يبحث ذكر أن من ضمن البحث ومن ضمن الطلب أن يبحث عن دلالة بحيث أنه إذا وجد أناساً قريبين منه سألهم: هل الماء قريب منا أم لا؟ وكم يبعد؟ وأين جهته؟ فلا بد من أن يسأل أهل الدلالة إذا كانوا أهل ثقة.

حالات سقوط طلب الماء

الخوف من خروج الوقت

قال المؤلف رحمه الله: [ويلزمه أيضاً طلبه بدلالة ثقة إذا كان قريباً عرفاً] ولم يخف فوت وقت وهو المختار، أو رفقة أو على نفسه أو ماله. ولا يتيمم لخوف فوت جنازة ].

هذا الطلب سواء كان طلبه في رحلك أو طلبه عن يمينك وشمالك، أو عن دلالة، كل هذه الأشياء مشروطة بما لم يخف خروج الوقت، ولو كان هذا الخروج للوقت المختار، فلو خشيت إذا بحثت عن الماء في المكان الذي تتوقعه كي تستبرئ خروج الوقت أو خرج وقت الاختيار جاز لك أن تصلي بتيمم، ولو غلب على ظنك وجود الماء.

ومثل ذلك -يا إخوان- لو أن مجموعة في مخيم طلبوا من شخص أن يذهب بهذه السيارة الوايت ليعبئها، وقد دخل وقت الظهر، وقال: سوف آتي بعد ساعتين ونصف أو ثلاث ساعات تقريباً، قريباً من خروج وقت صلاة الظهر أو بعدها بقليل، هل يلزمهم الانتظار حتى يأتي أم يصلون بتيمم في أول الوقت؟ عندنا ثلاثة أحوال: ينتظرونه ولو خرج الوقت، ينتظرونه ما لم يخافوا خروج الوقت المختار، أو لا ينتظرونه، والأقرب أنهم لا ينتظرونه؛ لأنه قد تحقق في حقهم عدم وجود الماء، والصلاة في أول الوقت أفضل من الصلاة في آخر الوقت، فكيف إذا كان يغلب على ظنهم أنه لا يأتي إلا بعد خروج الوقت، هذا هو الراجح، والله تبارك وتعالى أعلم، أنه إن خاف خروج وقت الاختيار أو وقت الصلاة استحب له أن يصلي في أول الوقت.

الخوف من فوات الرفقة

يقول المؤلف: (ولم يخف فوت وقت ولو المختار أو رفقة)؛ يعني: لو أن المجموعة أرادوا أن ينتقلوا من هذا المكان إلى مكان آخر أو أنهم يشرعون في السفر جاز له أن يتيمم ويصلي، مثل لو أن مجموعة بعد صلاة الفجر أرادوا أن ينتقلوا ويسافروا وقد احتلم أحدهم ولو ذهب إلى القرية الفلانية وهي بعيدة ربما تركوه يذهب واضطروا إلى انتظاره، وفيه مشقة، فحينئذٍ نقول له: اغسل ما استطعت إن كان معك الماء وتخاف البرد، فإذا لم يكن معك ماء فإن لك أن تتيمم للحدث الأكبر، والله أعلم.

الخوف على النفس أو المال

يقول المؤلف: (أو رفقة أو على نفسه أو ماله)، إن خاف على نفسه أو ماله فإن له أن يتيمم ولا بد أن يكون هذا الخوف خوفاً فيه سببه، أما إذا كان خوف جبن وهلع فلا يقبل، أما إذا كان هناك خوف مثل أن رأى في الليل شيئاً يتحرك أمامه يظنه ذئباً وإذا هو شجرة قد تعلقت بها بعض الأوراق فهذا له سبب قوي.

يقول المؤلف: (أو على ماله)، يخاف على ماله، يخاف لو انتقل من هذا المكان لطلب الماء أن يذهب بكل غنمه ولو تركها لخاف على هذا المال أن يسرق، فحينئذ يجوز له أن يتيمم ولا يبحث بعيد.

نكتفي بهذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الروض المربع - كتاب الطهارة [23] للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

https://audio.islamweb.net