إسلام ويب

إن العقود في الإسلام معظمة، وقد أمر الله بها، ومن أهم هذه العقود عقد النكاح، وقد جعل له شروط وضوابط، وقد فرق العلماء بين الشرط في العقد وبين شرط عقد النكاح، ومن شروط العقد: الكفاءة والصيغة والقبول والولي والشهود.

مقدمة مهمة لطالب العلم

حدود العقل في فهم النص

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

أما بعد:

فإن بعض طلاب العلم المبتدئين حينما يطالب بأن يرجح فعندما يأتي دليل لأحد القولين يقول: وأما ما استدل به أصحاب القول الثاني من قول النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، فالحديث محمول على كذا، ويحمل على كذا، ثم يأتي بالاحتمالات العقلية لتخرج من وهج النص الإيماني الشرعي، ثم يقول بعد ذلك: والحديث إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال!

وهذه القاعدة أيضاً قاعدة مظلومة، وهذا مخطئ، فالاحتمال الوارد بالنصوص الشرعية ليس هو الاحتمالات العقلية؛ لأن الاحتمالات العقلية لا تتناهى، ولكن المقصود الاحتمال الوارد بنص شرعي، مثل قصة خروج الضعفة من مزدلفة، تقول أنت مثلاً: يجوز أن يخرج الضعفة بعد منتصف الليل، وأما ما ورد من حديث أسماء بنت أبي بكر عندما قالت لغلامها: هل غاب القمر؟ فإن ذلك إنما حكت ما وقع لها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم سلمة أن تخرج قبل ذلك، وهذا احتمال بدليل، أما أن نتطاول على النصوص الشرعية ونخرجها عن مدلولاتها وعن مرادها إلى احتمالات ربما تصيب وربما لا تصيب فإن هذا ظلم.

تفسير النصوص بين المعاني الشرعية ومصطلحات الفقهاء

ولهذا أشار أبو العباس بن تيمية في المجلد السابع فقال: وينبغي أن يحمل كلام الله وكلام رسوله على ما أراده الله وأراده رسوله لا على ما أراده المجتهد في نفس الأمر، يعني: ليس على المجتهد الذي يريد شيئاً فيتكلف في ذلك، ولهذا من الأخطاء أيضاً أننا أحياناً نفهم المعنى الشرعي بالمصطلح الفقهي فنحجم عن معنى النص، ولهذا أشار ابن القيم رحمه الله في (إعلام الموقعين) فقال: البينة في كلام الله وكلام رسوله اسم لما يبين الحق ويظهره، وأما البينة في كلام الفقهاء فقد خصوها بالشاهدين أو بالشاهد مع اليمين، وقال: ولا حجر في الاصطلاح ما لم يتضمن حمل كلام الله ورسوله عليه، فيقع بذلك الغلط في فهم النصوص، وحملها على غير مراد المتكلم منها، وقد حصل بذلك للمتأخرين أغلاط شديدة في فهم النصوص، هذا كلام ابن القيم ، وهذا يدل على سبره وغوره للممارسات الخاطئة.

وخذ مثالاً آخر: ما روي في الصحيحين من حديث ابن عمر عندما طلق امرأته وهي حائض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مره فليراجعها )، وفي رواية: ( فليرجعها )، فهم بعض العلماء أن المراجعة هذه هي الطلاق الرجعي، يعني: يرجعها بعد أن طلقها، وهذا غير مراد، الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( مره فليرجعها )؛ ذلك لأن ابن عمر حينما طلق امرأته أخرجها من بيتها، وهل يجوز للرجل إذا طلق امرأته أن يخرجها من بيتها؟ لا يجوز لقوله تعالى: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [الطلاق:1]، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمر أن يأمر ابنه أن يرجع زوجته التي طلقها وأخرجها من بيته، هذا مراد الحديث، وليس المراد أن يراجعها بمعنى الرجعة المعروفة عند الفقهاء، وقد أشار أبو العباس بن تيمية إلى ذلك، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

منهجية طالب العلم في الجواب عن أدلة القول المرجوح

ولأجل هذا كان الأئمة إذا اختاروا أحد القولين، لم يلزم أن يردوا على كل شبه وأدلة القول الثاني، وهذه مهمة لطالب العلم، يعني: أنا حينما أختار القول بالتحريم أو أختار القول بالجواز أو ينطبع في ذهني القول بالتحريم أو ينقدح في ذهني القول بالجواز وأرى أن القول بالجواز أكثر أو القول بالتحريم أكثر لا يلزم أن يكون عندي جواب على كل أدلة المخالفين، ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله في (شفاء العليل): ولا يلزم المجتهد إذا أخذ أحد القولين أن يرد على كل شبهة؛ لأن هذا من التكلف، ويعجبني كلام الإمام أحمد -رحمه الله- حينما كان يقول: كنت أرى أن طلاق السكران يقع، ثم تبينته -أي: تأملته- فرأيت أني إن أوقعته وقعت في محذورين، وإن لم أوقعه وقعت في محذور، فلأن أقع في محذور أحب إليّ من أن أقع في محذورين، يعني: إشكالين.

تعظيم النصوص الشرعية

ولقد كان الإمام أحمد رحمه الله إذا سئل عن مسألة أجاب فيها، فإذا سأله سائل: ما تقول في قول الرسول صلى الله عليه وسلم؟ فكان أحمد من هيبته للنص يسكت ولا يجيب! وهذا أدب لطالب العلم، فبعض الناس إذا اختار أحد القولين قال: والراجح كذا، فإذا قال له أحد الطلاب: فما تقول في حديث رواه البخاري و مسلم ؟ قال: هذا مؤول، فينبغي لطالب العلم أن يستحضر أن أمامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع أهل العلم في قول الله تعالى: لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات:1] على أن رد السنة النبوية بعد وفاته نوع من التقديم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأجل هذا كان سفيان الثوري يقول في أحاديث الوعيد: أمروها كما جاءت، أي: مثل أحاديث الصفات، يقول: لإبقاء هيبة النص، كحديث: ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ) فإذا قيل: ما معناها؟ قال: أمروها كما جاءت، دع الناس تخف. واليوم إذا جاء واحد يقول: حلق اللحية كبيرة أو صغيرة؟ يقول: حلق اللحية صغيرة، فيقول السائل: الحمد لله أنها صغيرة، والله يقول: إِلَّا اللَّمَمَ [النجم:32]، فسأحلق لحيتي إن شاء الله، وربك غفور رحيم! فبدأنا بقواعدنا هذه نسهل على الناس الوقوع في المعاصي، كمن يقول: إن إركاب المرأة الأجنبية في السيارة والأكل معها صغيرة، وليست بكبيرة؛ لأنها لم تذكر في النصوص الشرعية، ولم يتوعد صاحبها بلعنة، أو غضب، أو نار.

مثل هذه المسائل تذكر للعلماء وطلبة العلم في المجالس، ولا تذكر للعوام، والعامي إذا سمع مثل هذا قال: في كل حياتنا يخوفوننا، وانتبه من كذا ولا تفعل كذا..، وهو في الأخير صغيرة! هكذا العوام يتصورون.

ولهذا من أدب الفتوى إذا سألك العامي أو بعض طلاب العلم الصغار عن مسألة، وترى أنها محرمة، أو أن عامة أهل العلم على تحريمها، أو أن النصوص الشرعية تؤيد تحريمها فليكن جوابك إذا سألك: لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله، أشعره أنه وقع في إشكال، أشعره أنه وقع في محظور، أشعره أنه يجب عليه التوبة، تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، الحمد لله الذي أيقظ همتك لأن تسأل، الحمد لله الذي جعلك تتوب من هذا الذنب، أشعره أنه نجا بعد أن غرق في وحله الغارقون، وهذا مهم جداً لطالب العلم.

منهجية طالب العلم في الرد على المخالف

ومن المسائل أيضاً: أنه لا ينبغي لطالب العلم أن يكون كل اهتماماته في التأليف هي الردود على المخالف، وأقصد به المخالف في الفروع لا في الاعتقاد، أما الاعتقاد فيجب أن نبين مسائل الاعتقاد ونظهرها للناس، ونرد على المخالفين حتى لا يقع الناس في المحرم، لكن نحن نتكلم عن مسائل الفروع التي للعلماء منها كلام، قال تعالى: وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ [الصافات:164]، فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [الأنعام:90]، فينبغي ألا يتوسع طالب العلم في الردود بحيث يكون كل كتاباته وبحوثه ردوداً في مسائل الفروع التي يسع فيها الخلاف، وربما إذا كبر تغير رأيه، ويصعب عليه أن يغير رأيه بعد أن تحمس وقت شبابه، ولأجل هذا فإن الإمام الشافعي يقول: ولو أردت أن أجعل لكل مقالة كتاباً لفعلت، ولكن ليست هذه من طريقتي، يعني: ليس هذا من هديي، ولو أردت أن أجعل لكل صاحب مقالة أخطأ في فتوى وغيره كتاباً في الرد عليه لفعلت، ولهذا تجد الأئمة -أعني أئمة السلف- ما علقوا ردوداً في مسائل إلا في مسائل الاعتقاد، أما الفروع الفقهية فإنهم يذكرونها عابرة في شرح كتاب، أو في تفسير حديث، أو في غريب حديث، ويتكلمون فيها؛ لأن الاهتمام الزائد إنما هو في جمع النصوص، والمسألة مما يسع فيها الخلاف، أعني: المسائل التي يسع فيها الخلاف تجعل الإنسان يعتريه الهوى شاء أم أبى.

هذه مقدمة وجيزة أحببت أن أذكرها لكي تكون نبراساً لطالب العلم الذي يبحث المسائل العصرية، أو يريد أن يبحث المسائل المستجدة في بحوث الماجستير أو الدكتوراه، أو بحوث الترقية، أو البحوث الصفية.

شروط عقد النكاح

الفروق بين شرط العقد والشرط في العقد

عقود الأنكحة التي سوف نتحدث عنها لا بد لطالب العلم حينما يبحث فيها أن يحرر قواعد الأئمة وشروطهم في كل عقد؛ لأن اختلاف الأئمة في عقود الأنكحة صائر لا محالة إلى أمرين: إما إلى شروط العقد، وإما إلى الشروط في العقد؛ وما الفرق بين شروط العقد، والشروط في العقد؟

الفرق الأول: أن الإخلال بشروط العقد أو أحدها يجعل العقد باطلاً أو فاسداً على الخلاف عند الجمهور مع أبي حنيفة ، وأما الشروط في العقد فإن الإخلال بها لا يجعل العقد باطلاً، ولكن يجعل للمتضرر حق الإمضاء أو الفسخ.

الفرق الثاني: أن شروط العقد إنما هي من الشارع يعني: من الكتاب والسنة، وأما الشروط في العقد فإنها من أحد المتعاقدين أو من كليهما بحيث يذكر كل واحد من المتعاقدين شرطاً يراه من الأهمية بمكان، مثل: شرط التأجيل، وشرط الرهن، وشرط الضمان، وشرط أن يكون في السلعة كذا، وشرط أن يكون المعقود عليه مواصفاته كذا، هذه سميناها شروطاً جعلية من المتعاقدين.

الفرق الثالث: أن الشروط في العقد منها ما هو صحيح، يصح العقد بها، ومنها ما يكون العقد فيها صحيحاً والشرط باطلاً، ومنها ما يجعل العقد باطلاً والشرط باطلاً، فهذه ثلاثة.

وأما شروط العقد فإنها قسم واحد إذا اختل بطل العقد.

الشرط الأول: الصيغة

إذا ثبت هذا فاعلم أن الأئمة رحمهم الله اختلفوا في شروط عقد النكاح، وبسبب اختلافهم في الشروط اختلفوا في صحة الإخلال بأحدها من حيث الصحة والفساد، فمن شروط عقد النكاح:

أولاً: الصيغة، فقد أوجب الشافعية والحنابلة صيغة لا يصح عقد النكاح إلا بها، وهو أن يقول: زوجتك أو أنكحتك، وفي رواية الحنابلة أيضاً: ملكتك، فلو قال الولي: خذ هذه الزوجة بمائة ألف، فإن ذلك لا يعد زواجاً، فلو استمتع الرجل بها لكان وطء شبهة.

وذهب المالكية والحنفية، وهو رواية عند الإمام أحمد ، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية، إلى أن كل لفظ يدل على عقد النكاح وتعارف الناس عليه فهو صحيح، وعليه فليس لعقد النكاح صيغة لا يصح العقد إلا بها، ولعل هذا القول هو الراجح، وأما حديث سهل بن سعد الساعدي : ( في قصة الرجل الذي جاءت المرأة فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم فيها النظر وصوبه، ثم طأطأ رأسه، فقام رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله! إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، قال: أمعك شيء؟ قال: لا والله يا رسول الله! قال: اذهب فالتمس ولو خاتماً من حديد ) الحديث، وفيه: ( اذهب فقد زوجتكها بما معك من القرآن )، وفي رواية: ( فقد أنكحتكها بما معك من القرآن )، وفي رواية: ( فقد ملكتكها بما معك من القرآن )، قال الشافعية والحنابلة: إن النبي صلى الله عليه وسلم تلفظ بالنكاح أو الزواج، ولو كان ثمة جواز في غيرهما لما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بيان ذلك، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

أما أصحاب القول الثاني فقالوا في ردهم: إن قولكم: أنكحتكها أو زوجتكها أو ملكتكها ورد في قصة واحدة، وهي لم تتكرر، ويبعد أن يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: اذهب فقد ملكتكها، اذهب فقد زوجتكها، اذهب فقد أنكحتكها، لا يمكن هذا، فلا بد أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم تلفظ بواحد منها، قالوا: فلما كان ذكر الصحابي مرة النكاح، ومرة الزواج، ومرة التمليك فهذا دليل على أنه لم يكن آنذاك صيغة لا يصح عقد النكاح إلا بها، ولو كان في عهده صيغة متعارفاً عليها لا يصح عقد النكاح إلا بها لاشتهر ذلك عند الصحابة، فلما قال مرة: ملكتك، ومرة قال: زوجتك، ومرة قال: أنكحتك، كان هذا دليلاً على أنه ليس لعقد النكاح صيغة لا يصح إلا بها، فإنهم حينما ذكروا صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم أجمعوا على أنه قال حينما كبر: الله أكبر، ولم ينقل واحد منهم: الله كبير، أو: الله الأكبر، أو: الله عظيم.

الرد الثاني: قالوا: هب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اذهب فقد زوجتكها )، فأنى لكم أنه لا يصح العقد إلا بهذا اللفظ؟ فلم يكن في الحديث اشتراط هذا اللفظ دون غيره.

وأما قولكم: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فالحاجة قد قضيت بقوله: زوجتك، ولم يقل السائل: هل يجوز يا رسول الله! أن أنكح بغير هذا اللفظ؟ حينئذ لو سكت الرسول لقلنا: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولكننا نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: زوجتكها أو ملكتكها أو أنكحتكها كان هذا دليلاً على أن كل صيغة تدل على مراد العقد فهو صحيح، ولو كان ثمة أمر يمنع من ذلك لبينه صلى الله عليه وسلم؛ لأن ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، فدل على أن صيغة: أنكحتك، أو ملكتك، أو زوجتك، أو خذ هذه، كل ذلك صحيح، وهذا هو الذي يظهر والله أعلم.

وعليه فإذا قال الولي: أنا عاوز أعطيك بنتي، فلنقرأ الفاتحة، فقرءوا الفاتحة، هل هذا عقد صحيح أو ليس بصحيح؟

نقول: على مذهب الشافعية والحنابلة لا يصح؛ لأن (عاوز) ليست صيغة لعقد النكاح، ولو قال: خذ بنتي، الله الله تراك أخذتها بحبل وكلمة عظيمة، وأخذها، قال: بنتك فوق رأسي، وأنت فوق رأسي، وأعطاه المهر وذهب، فهذا العقد لا يصح على مذهب الشافعية والحنابلة، إذ لا بد عندهم أن يقول الرجل: قبلت، أما لو قال: الله الله فهذا لا يصح، ولو هز رأسه أيضاً لا يصح.

الشرط الثاني: التعيين

الشرط الثاني: لا بد فيه من تعيين الزوجة، وهذا شرط متفق عليه في الجملة، وقولنا: في الجملة يختلف عما لو قلنا: بالجملة، والفرق بين (في الجملة) و(بالجملة):

أننا لو قلنا: في الجملة، فهم قد اتفقوا على أكثر آحاد هذا الأمر، وإن كان بعض أفراده لم يتفقوا عليه، أما إذا قلنا: بالجملة، فكل فرد من أفراد العام قد وقع فيه الإجماع، فحينما نقول: تعيين الزوجة شرط متفق عليه في الجملة؛ فمثلاً لو قال: زوجتك مريم هذه، وأشار إلى امرأة، وكانت ليست مريم بل هدى، فبعضهم يقول: العبرة بالاسم، وبعضهم يقول: العبرة بالإشارة، لكن الأصل لا بد فيه من تعيين الزوجة، وهذا هو الشرط المتفق عليه.

الشرط الثالث: الولي

الشرط الثالث: لا بد فيه من الولي، والولي هو الذي يعقب الزوجة أباً كان أو ابناً، أو أخاً، أو عماً، أو ابن عم، ولا يسوغ أن يكون الولي الأبعد مع وجود الولي الأقرب، وهذا الشرط -أعني اشتراط الولي- هو مذهب جماهير أهل العلم من السلف والخلف، فهو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة، وهو قول أكثر الصحابة، خلافاً لـأبي حنيفة النعمان رحمه الله رحمة واسعة، فإنه قال: إن المرأة إن كانت ثيباً فلها أن تزوج نفسها، وأما إن كانت بكراً فلهم -أعني الحنفية- قولان: بعضهم يقول: لا بد من وجود ولي، وبعضهم قال: لا بأس أن تنكح نفسها، وإنما قالوا: يجوز للثيب أن تنكح نفسها لقول الله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، قالوا: فالمطلقة أصبحت ثيباً، وقد قال الله: حَتَّى تَنكِحَ [البقرة:230]، فجعل الخطاب في حق المرأة، أي: هي الذي تنكح، قالوا: وهذا نص شرعي، ولا يسوغ نسخ المتواتر بخبر آحاد كما هي قاعدة أبي حنيفة حيث يقول: إن القرآن متواتر، لا يجوز نسخ ثبوته أو نسخ دلالته إلا بخبر متواتر، فلما جاء حديث سليمان بن موسى عن الزهري عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أيما امرأة نكحت نفسها من غير ولي، فنكاحها باطل باطل باطل، ولها المهر بما استحل من فرجها )، قال أبو حنيفة : إن هذا الحديث ضعيف، وذلك لأن سليمان بن موسى حدث به عن الزهري ولم يعرفه الزهري ، فكان الزهري بعد ذلك يقول: حدثني سليمان بن موسى أني حدثته.

والصحيح أن الحديث صحيح كما قال الإمام أحمد ، وقال: وأرى أن القاضي لو رفع إليه ذلك لفسخ النكاح، وهذا يدل على صحة هذا الحديث.

أبو حنيفة قال لو صح هذا الحديث فلا يعمل به، لماذا؟ هذه فائدة فهم أصول الأئمة، قال: لأن كل خبر من أخبار الآحاد، إذا خالف ظاهر القرآن فلا يعمل به؛ لأنه يعتبر نسخاً، ولا يصح نسخ الأعلى بالأدنى، ولا شك أن قوله تعالى: حَتَّى تَنكِحَ [البقرة:230] ظاهر، وأما أن نكاحها باطل إن لم يكن ثمة ولي، فهذا يعد زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ، فلا يصح، هذا هو مذهب أبي حنيفة.

ولا إشكال على من يقلد أبا حنيفة في كل أقواله، لكن الإشكال على الحنبلي أو الشافعي أو المالكي حينما يأخذ بقول أبي حنيفة في هذه المسألة حيث يقول: قول أبي حنيفة قوي في هذه المسألة، قلنا له: وهذا الحديث الذي ورد، فيقول: لكن أبا حنيفة ما عمل به، فنقول له: هنا أبعدت النجعة؛ لأنك بذلك يلزمك أن تأخذ بأصل أبي حنيفة في كل مسائله، وهو أن الزيادة على النص نسخ، وأن خبر الآحاد مهما صح لا يعمل به إذا خالف ظاهر القرآن، وهل تقول أنت بذلك في كل مسألة؟ الواقع أنه ما يعرف أصل أبي حنيفة.

وأذكر أني كنت في مجلس، وإذا بمهندس معماري ليس بفقيه يقول لي: أنا والله يا شيخ عبد الله أرى قول أبي حنيفة ، وأنا ما أرى التشتيت في هذه المسألة، الله أكبر:

يقولون هذا عندنا غير جائزومن أنتم حتى يكون لكم عند

فقلت له: قول أبي حنيفة في ماذا؟ قال: أنا صراحة أرى أن المرأة لها أن تزوج نفسها، بشرط أن تكون ثيباً.

يظن أنه متشدد الآن، فضحكت وقلت له: وما دليلك لما اخترته؟

قال: لأن الله يقول: حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة:230]، فجعل الخطاب للمرأة.

قلت له: حسن، إذاً أنت تلتزم بأصل أبي حنيفة .

قال: وما أصل أبي حنيفة ؟

قلت: أصل أبي حنيفة أن كل زيادة على النص نسخ، وكل حديث من أخبار الآحاد إذا خالف ظاهر القرآن فإنه لا يعول عليه، فيلزمك أن تأخذ بأصل أبي حنيفة وإلا كنت ملفقاً وملفقاً. قال: والله ما أدري ما تقول، قلت له: خير لك أن تبقى على الأعمدة والسطح والبناء من أن تدخل في شأن لا يعنيك، وقد قال ابن حجر : كل من خرج عن فنه أتى بالعجائب.

فمشكلة هذا الزمان أنه أصبح كل من له لحية يفتي، وللأسف إن بعض الذين يحلقون لحاهم، وليسوا بملتزمين، أحياناً يكون عندهم خوف في بعض المسائل أشد من خوف صاحب اللحية؛ لأن صاحب اللحية المفتي يقول: عندما كنا جالسين بالكلية، وقد تخرج من الكلية قبل ثمان وعشرين سنة مثلاً، يقول: أذكر أننا درسنا في الكلية..، يا أخي! أنت أمس لا تذكر غداك وعشاك، وتذكر قبل خمس وعشرين سنة أو قبل عشرين سنة، فتجده يفتي نفسه؛ لأن عنده في نفسه هوى فيريد أن يبرر هواه، يقول: الحمد لله لا حرج في ذلك، ولهذا وقع الخلل بين الناس.

وعلى هذا فلا يسوغ أن تزوج المرأة نفسها إلا بولي، والولي هو أبوها، فلا يصح أن يزوجها ابنها مع وجود الأب، أو يزوجها أخوها مع وجود الأب، فإن بعض البنات تجعل أخاها يزوجها مع وجود الأب، تقول: أبي يغضب، أو أبي مريض، فما أريد أن أضيق صدره، هذا لا يسوغ لا بد من توكيل شرعي، أو فسخ الولاية منه لجعلها في يد الابن أو الأخ عند القاضي، ومن دون ذلك يصح إبرام العقد إذاً.

وإذا ثبت هذا فلو جاءت امرأة وقد تزوجت على مذهب أبي حنيفة ، فهل للقاضي أن يفسخ عقد النكاح أم لا؟ في أيامنا وجد ما يسمى بالزواج العرفي في بعض البلاد العربية والإسلامية، فتتزوج بعض النساء بزواج عرفي، ثم تأتي إلى بلاد كالسعودية مثلاً، فيحصل بينها وبين زوجها خلاف، فتذهب إلى المحكمة، فيقول لها القاضي: أعطني عقد النكاح، فإذا عقد النكاح بلا ولي، والراجح أن هذا العقد فاسد، والفاسد هل يلزم فيه الطلاق؟ لا.

إذاً: ماذا يصنع القاضي؟ حقيقة هذه من المسائل العصرية التي قد كثرت بسبب انتقال بعض الناس إلى بعض البلاد الحاكمة على وفق مذهب جمهور أهل العلم، فيقع الكثير في إشكال، وجعل القضاة يقعون في حرج شديد، تأتي المرأة تريد الخلع، والرجل لا يريد ذلك، والقاضي يرى أن هذا العقد أصله مشكل، فهل ينظر القاضي إلى ما لم يختلفا عليه، أم ينظر فيما اختلفا عليه؟

الواقع أن هذه من المسائل المشكلة، فبعض المشايخ الفضلاء من القضاة في هذا البلد يقول: إن تزوجت المرأة في بلدها بنكاح متعارف عليه، وجاءت ومعها عقد، أمضيته ولم أنظر في صحة العقد؛ لأن الخلاف لم يكن في أصل العقد، وإنما الخلاف في آثاره، كأن تطالب بالنفقة، أو أن تطالب بالبيتوتة، أو أن تطالب بالحضانة، فهذا يسمى أثراً من آثار صحة العقد، فيرى بعض المشايخ -وهم كثر- في هذا العصر أنهم لا يبحثون عن أصل العقد، بخلاف ما لو تزوجت المرأة زواجاً عرفياً في هذا البلد؛ لأنه أمر ظاهر مشتهر، ولا يسع فيه خلاف فتوى جمهور أهل العلم، وهذا التفصيل حسن، والله أعلم.

الشرط الرابع: الشاهدان

الشرط الرابع: الشاهدان، اختلفت الأحاديث الواردة في ذلك، ولا يخلو حديث منها من مقال، جاءت من حديث عائشة و جابر و ابن عباس ، وقد قال الإمام أحمد : أحاديث الولي يشد بعضها بعضاً، وهذا الكلام من أبي عبد الله الإمام أحمد رحمه الله يدل على أن طريقة أهل الحديث المتقدمين أنهم يصححون الحديث بكثرة الطرق، وقد أنكر بعض الباحثين المعاصرين تصحيح الحديث بجمع الطرق، وقد قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة: وتتبع الطرق يكون من الحفاظ النخبة، وتتبع الطرق هو الاعتبار، اعتبار في المعنى، واعتبار في الإسناد.

إذا ثبت هذا فقد اختلف الفقهاء رحمهم الله في صحة اشتراط شاهدين، فأوجب ذلك الجمهور، وخالف في ذلك مالك بن أنس حيث يقول: إنه لا يجب الشاهدان، لكن لا بد فيه من الإعلان، وجمهور الفقهاء يقولون: الشاهدان كافيان لعدم الإعلان، أما مالك بن أنس فيرى أن الإعلان شرط، ولو وجد ولي وشاهدان وكان النكاح سراً -يعني: لم يشتهر- فإن مالكاً في المشهور عنه يرى أن ذلك من نكاح السر، ونكاح السر مبني على خلاف أهل العلم في شروط النكاح، فمن رأى أن الإعلان واجب -وهو مذهب مالك ورواية عند الإمام أحمد - قال: يشترط في النكاح الإعلان، ولو شرط عدم الإعلان لكان نكاح سر، ولو وجد الشاهدان.

أما جمهور أهل العلم فقالوا: إن نكاح السر إما أن يكون مكروهاً، وإما أن يكون محرماً وباطلاً، فإن كان من غير شاهدين فهو نكاح سر باطل، وإن كان مع وجود الشاهدين، واشترط كتمانه، صار مكروهاً أو جائزاً على خلاف عندهم.

إذاً: هذا هو نكاح السر، والذي يظهر -والله أعلم- أن إعلان النكاح أعلى مراتب الإظهار، ولا شك أنه إن أعلن النكاح، ودخل بها وقت الإعلان، فهذا كافٍ عن الإشهاد كما قال أبو العباس بن تيمية ؛ لأن الناس اجتمعوا ويقولون: فلان سوف يتزوج فلانة، ثم جاء مع الضيوف، ودخل على المرأة، ولو لم يكن في العقد شاهدان؛ لأن هذا نوع من باب الشهادة بالاستفاضة، حيث استفاض هذا الأمر، وأما مع وجود الشاهدين بلا إعلان فيقول ابن تيمية : هو محل توقف ونظر، وجمهور أهل العلم يقولون: عقد صحيح، وهذا هو الصحيح وإن كان الأولى الإعلان، ويقولون: إن كان النكاح بالإعلان دون الشاهدين فلا يصح، والذي يظهر أنه إن لم يدخل بها إلا حال الإعلان فهذا نوع من الشهادة والله أعلم، وإن كان الأفضل والأحوط ألا يدخل بها إلا بشاهدين حال إبرام عقد النكاح كما هو مذهب جمهور أهل العلم، وهو أحوط وأبرأ، ولا شك أن الأبضاع محظورة، ولا ينبغي أن يتزوج الرجل المرأة إلا بشاهدين وولي تأسياً بالحديث، أما مالك فيرى ضعف حديث الشاهدين، والذي يظهر لي -والله أعلم- هو ما ذهب إليه أحمد بن حنبل و البخاري ، وأشار إلى ذلك الترمذي : أن أحاديث الولي يقوي بعضها بعضاً.

الشرط الخامس: الكفاءة

الشرط الخامس: الكفاءة، وقد اختلف العلماء في معنى الكفاءة، والكفاءة على أنواع:

النوع الأول: كفاءة الدين، وهذا مجمع عليه في الجملة، فلا يجوز للمرأة أن يتزوجها غير مسلم، سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو وثنياً؛ لقوله تعالى: وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ [البقرة:221].

أما أن يتزوج الرجل غير مسلمة، فإن كانت كتابية فلا حرج بالإجماع خلافاً لـابن عمر ؛ لأن القرآن نص على ذلك: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة:5] الآية.

النوع الثاني من الكفاءة: كفاءة اليسار والإعسار، فذهب الحنابلة في رواية والشافعية في أحد القولين إلى أن كفاءة الإعسار واليسار شرط، ولكن ليس شرط صحة، ولكنه شرط لزوم، بخلاف كفاءة الدين فهي شرط صحة، فلو تزوجت المرأة الرجل على أنه غني، فبان فقيراً، فإن لها أن تفسخ، ولو تزوج الرجل المرأة على أنها فلانة بنت الغني فلان، وإذا فلان هذا ليس هو فلاناً الغني، ولكنه فلان الذي يبيع العلف، فإن له أن يفسخ؛ لأنه غر بذلك، وذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة إلى أنه لا يشترط ذلك فيها، وهو اختيار ابن تيمية و ابن القيم والله أعلم.

النوع الثالث: كفاءة النسب، وقد اختلف العلماء في كفاءة النسب هل هي شرط لزوم أم شرط صحة؟ فذهب عامة أهل العلم إلى أنه ليس شرط صحة، وذهب الحنابلة في رواية إلى أنه شرط صحة، والراجح هو مذهب عامة أهل العلم أنه ليس شرط صحة؛ لأن معنى شرط الصحة أنه لو تزوج الأعجمي العربية لبطل العقد، وهذا قول ضعيف بلا شك، وقد وجد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة زواج الأعجمي من العربي.

وأما كون الكفاءة شرط لزوم، فهذا اختلف العلماء فيه أيضاً إلى قولين:

فذهب أبو حنيفة و أحمد و الشافعي إلى أنه شرط لزوم.

وذهب مالك ورواية عند الإمام أحمد ، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية و ابن القيم ذهبوا إلى أنه لا يشترط كفاءة الحسب، قال مالك رحمه الله: إنما الكفاءة في الدين، وما عدا ذلك فالناس سواسية.

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى)، وقال: (لينتهين أقوام من فخرهم بآبائهم وإنما هم مثل الجعلان)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، والجمهور قالوا: الحسب شرط لزوم، بمعنى أن المرأة لو تزوجها رجل على أنه من البلد الفلاني أو من الحسب الفلاني، فغرها في ذلك، فإن لها الخيار.

وأما إن لم يغرها بأن قال: أنا فلان بن فلان، فتزوجها، ورضي الولي بأن يزوج ابنته هذا الرجل، فذهب الحنابلة إلى أن للأولياء حقاً في منع ذلك، فلو جاء أبناء العمومة وقالوا: لا نرضى أن تزوج فلاناً، وكان قد عقد عليها، فقال أحمد رحمه الله: لهم ذلك.

وقال أبو حنيفة و الشافعي : إنه ليس لهم ذلك؛ لأنه رضي بالعقد، وعلى هذا فنسبة القول لجمهور أهل العلم في القضايا التي توجد في المحاكم ليس صحيحاً؛ لأن ذلك إنما هو في وقت التغرير، وأما إن عقد عليها، ورضي وليها، فلا يكون للأولياء حق في منع ذلك على مذهب أحمد ، والذي يظهر لي والله أعلم ضعف مذهب الإمام أحمد لأمور:

أولاً: لأن النبي صلى الله عليه وسلم زوج فاطمة بنت قيس الفهرية أسامة بن زيد ، ولو كان لأولياء بني فهر حق لاستأذنهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو صلى الله عليه وسلم لا يسوغ لأحد أن يتعدى على حق الغير إلا بإذن، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم استأذن فاطمة بنت قيس قال لها: ( أما معاوية فرجل صعلوك، وأما أبو الجهم فرجل لا يضع العصا عن عاتقه، ولكن عليك بـأسامة ، قالت: أسامة أسامة ، وجعلت تحرك يديها كأنها كرهت ذلك، فقال لها: طاعة الله وطاعة رسوله خير لك من ذلك )، فهل ألزمها الرسول؟ لا.

وقال لـبريرة حينما عتقت، وكانت تحت زوجها مغيث : (لو راجعتيه، قالت: يا رسول الله! تأمرني بذلك؟ قال: إنما أنا شافع)؛ لأنه حينما كان لها حق استأذنها، فلو كان للأولياء حق لاستأذنهم النبي صلى الله عليه وسلم، وبالتالي فإذا تزوجت المرأة وقد رضي وليها بذلك، فلا يسوغ للأولياء بعد ذلك أن يمانعوا من ذلك، وإلا لاختلطت الحقوق، وأدى إلى زيادة النعرات، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

ثم إن أدلة الكفاءة لم يصح منها حديث واحد، وإنما ذلك أمر تعارفوا عليه، والتعارف كأنه اشتراط، وعليه فإذا تزوجها وقد أخبر الرجل الولي بحاله، فإن العرف لا يعمل به إذا جاء نص يخالفه، وعليه فإذا تعارفوا على ذلك، وأمضى العقد بناءً على ما تعارفوا عليه، فإنه يمكن أن يقال بذلك؛ لأن المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، وأما أن يقول الرجل في حال العقد مثلاً: أنا أعجمي، وتزوجها ورضي بذلك، فإنه حينئذٍ لا يسوغ أن يبطل العقد؛ لأن الله يقول: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء:21]، وأما حديث: ( تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس ) فقد روي عن عمر مرفوعاً ولا يصح؛ لأن معناه أن الرجل يختار المرأة، وليست المرأة من يختار الرجل، فقوله: ( تخيروا لنطفكم )، يعني: تخيروا المرأة، ولو صح فإن معناه خلاف ما يمارس اليوم، ففي أيامنا هذه الناس يتزوجون ما هب ودب دون العكس، فهم خالفوا الحديث في الواقع.

نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين، وأن يمنحنا وإياكم رضاه، والعمل بسنة النبي صلى الله عليه وسلم والتقوى، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , عقود الأنكحة وتطبيقاتها المعاصرة [1] للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

https://audio.islamweb.net