اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , زاد المستقنع - كتاب البيع [1] للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
قال المؤلف رحمه الله: [فصل: ومن باع نخلاً تشقق طلعه، فلبائع مبق إلى الجذاذ إلا أن يشترطه مشتر، وكذلك شجر العنب والتوت والرمان وغيره، وما ظهر من نوره كالمشمش والتفاح، وما خرج من أكمامه كالورد والقطن، وما قبل ذلك والورق فلمشتر].
المؤلف رحمه الله بين في هذه المسائل ضوابط بيع الأشجار وما فيها من الثمار.
والقاعدة في هذا الباب: أنه إذا بيع الشجر وعليه الثمر فالبيع صحيح، والأصل -وهو الشجر- ينتقل إلى ملكية المشتري، وأما الثمر فينظر فيه إلى شرط المتعاقدين، فإن شرطه البائع له فهو له، وإن شرطه المشتري له فهو له، وإن لم يكن هناك شرط فينظر في الوقت أو الحال التي بيع فيها ذلك الأصل.
وقد ورد في الحديث المتفق عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرته للذي باعها إلا أن يشترطها المبتاع )، فدل هذا الحديث على أن من باع نخلاً وفي هذا النخل ثمر قد أبرت -أي: قد لقحت- فالأصل أن هذه الثمرة التي قد لقحت للبائع؛ لأن نفسه تعلقت بها؛ لكونه قد تسبب فيها إلا أن يشترطها المشتري فتكون له، وأما إذا لم يشترطها المشتري فتكون للبائع، وتبقى على النخلة ليس للمشتري أن يأخذها أو يقطفها حتى وقت الجذاذ فيأخذها البائع؛ لأنها حق له.
المؤلف رحمه الله مشى على ما عليه المذهب وهو أن العبرة بتشقق الطلع، لا بالتأبير.
والمقصود بتشقق الطلع: أن يبدأ طلع النخلة الذي فيه الثمرة في التشقق، فإذا تشقق فيكون من نصيب البائع ولو لم يؤبر، فهم جعلوا العبرة بتشقق الطلع، وقالوا: إنه إذا تشقق الطلع وهو في ملك البائع فقد تعلقت بها نفسه، فإذا باعه فيكون من نصيب البائع.
والأقرب والله أعلم: أن العبرة في ذلك بالتأبير وليس بتشقق الطلع، فمن باع نخلاً قد أبرت، فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المشتري، وأما إذا لم تؤبر فهي من نصيب المشتري.
قول المؤلف: (وكذلك شجر العنب والتوت والرمان وغيره) يعني: العبرة فيه بالتشقق إن كان قد تشقق طلعه فهو من نصيب البائع وإلا فللمشتري.
قال: (ما ظهر من نوره كالمشمش والتفاح) يعني: أنه إن ظهر ثمر المشمش والتفاح من نوره فإنه يكون من نصيب البائع إذا بيع مع أصله إلا أن يشترطه المشتري.
وكذا ما خرج من أكمامه يعني: ما يكون في شيء كالكم يحفظه، وتكون الثمرة داخلة فيه، إذا بدا وخرج من أكمامه كالورد والقطن، فإنه إذا بيع مع أصله يكون من نصيب البائع إلا أن يشترطه المشتري، وإن لم يكن قد خرج من أكمامه فهو من نصيب المشتري.
ونقول في جميع ما سبق: ما يحتاج إلى تأبير كالأشجار التي تحتاج إلى تلقيح فالعبرة فيها بالتأبير لا بتشقق الطلع، فإذا بيعت الثمرة مع أصلها فالثمرة للبائع إن كان ذلك بعد التأبير، وإلا فتكون للمشتري إن كان ذلك قبل التأبير، وإن كانت بعد التأبير واشترطها المشتري فهي له.
وكذلك لا يباع الزرع قبل اشتداد حبه؛ لما جاء عند الخمسة إلا النسائي عن أنس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يباع العنب حتى يسود، والحب حتى يشتد ).
والحكمة في ذلك: أن يأمن العاهة، وهذا إذا بيع الحب أي: الزرع وحده دون الأرض، أما إذا بيع مع الأرض فلا بأس بذلك.
والقول الثاني في المسألة: جواز بيعها دون أصلها، وإن كانت مستترة؛ لأن ظاهرها يدل على باطنها، ويستطيع أهل الخبرة أن يعرفوا مدى صلاحها من رؤيتهم للظاهر منها؛ ولأن بيعها وحدها دون أصلها مما تدعو إليه الحاجة إذ يشق على البائع إذا أراد بيع شيء منها أن يقتلعها أو يخرجها من أصلها، ويشق كذلك أن يبيعها مع أصلها في كل مرة، والغرر يجوز عند الحاجة، كما ذكرنا ذلك في ضوابط الغرر فيما تقدم.
إذاً: هنا ذكر ثلاث مسائل يحرم فيها بيع الثمار:
بيع الثمرة قبل بدو صلاحها، وبيع الحب قبل اشتداده، وبيع ما كان المقصود منه مستتراً فهذه لا يجوز بيعها دون أصلها، أما إذا بيع شيء منها مع أصله فيجوز.
أيضاً الحب الذي يكون في الزرع إذا بيع مع أرضه فإنه يصح؛ لأنه حتى وإن كان الحب لم يشتد؛ فإنه جاء تبعاً، وكذلك الرطبة والبقل والقثاء ونحوها مما المقصود منه مستتر يجوز بيعه مع أصله؛ لأن المجهول هنا جاء تبعاً. وهذه حالة من حالات الاستثناء: إذا بيع مع أصله.
حالة أخرى أيضاً من حالات الاستثناء: إذا بيع الثمر قبل بدو صلاحه بشرط القطع في الحال، كمن باع ثمرة لوحدها دون أصلها قبل أن يبدو صلاحها بشرط أن يقطعها المشتري في الحال؛ لأن المشتري يريدها مثلاً علفاً لبهائمه، فهنا يجوز بيعها وإن لم يبد صلاحها دون أصلها؛ لأن المقصود من النهي هو الخوف من الآفة والتلف، وهذا المحذور منتف هنا؛ لأنه سيقطعها في الحال.
قول المؤلف: (أو جزة جزة) إذا كان مشتري الرطب ونحوها، والبقل ونحوه مما هو مستتر في أصله سيأخذ الجزة الظاهرة فقط دون ما هو باطن، فيأخذ الأشياء الظاهرة، ففي هذه الحالة يجوز بيعه.
(أو لقطة لقطة) إذا كان سيأخذ المقصود منه المستتر في الأرض لقطة لقطة، يعني: يأخذ اللقطة الظاهرة وحدها دون اللقطة الباطنة بحيث يتفق المشتري مع البائع على أن يأخذ الباذنجان الذي قد ظهر وتبين استواؤه، أو يأخذ البقل الذي ظهر وتبين استواؤه فهذا جائز، أما إذا باعه جميعاً الظاهر منه والباطن فعلى المذهب لا يصح، وسبق بيان الخلاف فيها.
هنا حالات يبطل فيها بيع الثمار، ذكر منها عدة حالات:
الحالة الأولى: أن يبيع ثمراً قبل أن يبدو صلاحه بيعاً مطلقاً يعني: لا بشرط القطع، فهنا البيع باطل لأنه باع ما لا يصح، باع بيعاً مجهولاً.
الحالة الثانية: أن يبيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه بشرط البقاء، أي بشرط أن يبقيه المشتري ويبقيه البائع فهذا أيضاً لا يجوز؛ لأنه داخل في نهي النبي صلى الله عليه وسلم.
الحالة الثالثة: أو اشترى ثمراً لم يبد صلاحه بشرط القطع، على أن يقطعه في الحال، لكن المشتري لم يقطعه وتركه حتى بدا صلاحه، فالبيع هنا لا يصح؛ لأن الاستثناء إنما هو فيما إذا كان بشرط القطع وقطعه، أما إذا لم يقطعه فيدخل في النهي.
الحالة الرابعة: أن يبيع ما المقصود منه مستتر جزة جزة، أو لقطة لقطة، لكن المشتري لا يأخذها في الحال، يتركها حتى تنمو، فعلى المذهب لا يصح البيع؛ لأن البيع إنما يصح فيما إذا كان سيأخذها في الحال جزة جزة أو لقطة لقطة، وعلى القول الثاني الذي أشرنا إليه في هذه المسألة أنه يجوز بيعها أصلاً وإن لم يشترط أن تكون جزة جزة، أو لقطة لقطة.
الحالة الخامسة: إذا باع ما بدا صلاحه، وهناك نوع آخر في البستان لم يبد صلاحه إلا بعد البيع، فاشتبه على المتعاقدين أي الثمار قد وقع عليها البيع، فعلى المذهب قالوا: لا يصح؛ لوجود الاشتباه، من المحتمل أن الذي يأخذه المشتري يكون من الثمار التي كانت عند العقد مما لم يبد صلاحه.
والقول الثاني في هذه المسألة: أن البيع صحيح؛ لأنه سواء أخذ هذا أو هذا فالعلة التي من أجلها منع البيع أصلاً منتفية هنا، إذ أن الثمار قد بدا صلاحها، وأمن فيها من العاهة.
الحالة السادسة: إذا أخذ عرية فأتمرت، المقصود بالعرية يعني: بيع العرايا، والعرايا أن يحتاج شخص للرطب وليس عنده نقود، فيأتي لمن عنده نخل، فيشتري منه الرطب الذي على نخله بتمر عنده، والعرايا مستثناة من بيع المزابنة؛ لأن الأصل أن مبادلة الرطب بالتمر لا تجوز لتعذر المماثلة كما سبق معنا في باب الربا والصرف، إذ لا يجوز بيع الرطب بالتمر؛ لأنهما من جنس واحد ويتعذر بينهما المماثلة، لكن استثني من النهي عن المزابنة صورة بيع العرايا.
ما هي بيع العرايا؟ أن يحتاج شخص للرطب وليس عنده نقود، وعنده تمر قوي، وهو يريد من الرطب الجديد، فيأتي إلى من عنده نخل وعليه تمر، فيبدل معه هذا التمر الذي عنده بالرطب الذي على رءوس النخل.
وبيع العرايا جائز بشروط منها: أن يكون في خمسة أوسق فأقل، وأن يكون محتاجاً للرطب، وألا يكون عنده نقود، وأن يقدر الرطب بكيله كم يساوي هذا الرطب لو كان تمراً، كم يصل من الكيل؟ فلو باع عارية -باع رطباً بتمر- وهو محتاج إلى الرطب، وأبدله بتمر عنده، لكنه بعد أن أجرى هذه المعاملة وهي العرية قال: (أو عرية فأتمرت)، صارت تمراً لم يستفد منه رطباً فإنه في هذه الحال يمنع، ويكون البيع باطلاً؛ لأن المقصود من إجازة بيع العرايا أن يستفيد من الرطب، أما إذا أتمر وصار تمراً، فإنه لا يدفع الحاجة التي من أجلها أبيح بيع العرايا.
قول المؤلف: (والكل للبائع) يعني: في الصور السابقة الست إذا بطل البيع ترجع الثمرة للبائع؛ لأن البيع قد بطل.
قول المؤلف: (وإذا بدا ما له صلاح في الثمرة) إذا بدا صلاح الثمرة يجوز بيعها مطلقاً يعني: بشرط التبقية أو بدون شرط التبقية، ويجوز بيعها كذلك بشرط التبقية، وبشرط القطع كذلك.
وكذلك إذا اشتد الحب فيجوز بيعه مطلقاً يعني: سواء مع أصله أو بدون أصله، وسواء بشرط التبقية أو بدون شرط التبقية.
قول المؤلف: (وللمشتري تبقيته إلى الحصاد والجذاذ) يعني: لا يلزم المشتري بقطعه في الحال، بل له أن ينتظر حتى يأتي وقت الحصاد والجذاذ.
يعني: يلزم البائع أن يسقي الأصل؛ لأن الشجرة تحتاج إلى سقي، فالآن عندنا شجرة عليها ثمر، الشجرة مملوكة للبائع والثمرة التي بيعت بعد بدو صلاحها مملوكة للمشتري، فالآن المشتري يريد أن يبقيها حتى يأتي وقت الجذاذ، ربما يستمر هذا لأسابيع، ففي هذه الحال يلزم البائع أن يسقي الأشجار، وكذلك إذا كان هناك حب قد بيع بعد اشتداده فيلزم البائع أن يسقيه إلا أن يكون بينهما شرط بأن يتحمل المشتري ذلك فيعمل بالشرط الذي بينهما.
إذا تلفت الثمرة التي بيعت بعد بدو صلاحها فلا تخلو من حالات:
الحالة الأولى: أن يكون تلفها بآفة سماوية كالبرد والمطر والريح والغبار ونحو ذلك، ففي هذه الحالة يتحمل هذا التلف البائع، ويرجع المشتري على البائع بما دفعه من الثمن، ودليل ذلك ما جاء في صحيح مسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح )، وضع الجوائح معناها أن يتحمل البائع الجائحة يعني: الآفة السماوية.
وجاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( إذا بعت من أخيك ثمراً فأصابته جائحة فلا تأخذ منه شيئاً، بم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق ).
الحالة الثانية: أن يكون التلف بفعل آدمي، شخص يأتي ويسرق مثلاً هذا الثمر، أو يتلفه ففي هذه الحال يخير المشتري بين أمرين، إما الفسخ أن يفسخ البيعة الأولى ويطالب البائع بالثمن، ويرجع البائع على المتلف، أو أنه يمضي العقد ويبقيه ويطالب المتلف بتعويضه عما أتلفه.
هنا شرع المؤلف رحمه الله في بيان كيفية معرفة صلاح الثمار، فإذا صلح بعض الشجرة التي في البستان فهذا صلاح، يعني: لو صلح بعض ثمار الشجرة التي في البستان فهذا يعد صلاحاً لهذه الشجرة، ولجميع الأشجار التي من هذا النوع الذي في البستان، فإذا كان عنده نخيل مثلاً وأشجار زيتون، وأشجار برتقال، فصلح بعض الثمر الذي في النخيل في نخلة واحدة بعض الثمر، فله في هذه الحال أن يبيع كل ثمار النخيل التي في بستانه، وليس له أن يبيع ثمار الزيتون ولا ثمار البرتقال، قد يكون النخيل فيها نخيل سكري وبرحي وأصناف أخرى، هنا لا يلتفت لهذا التنوع، فالنخيل كله نوع واحد وهكذا.
يقول المؤلف: [وبذو الصلاح في ثمر النخل أن تحمر أو تصفر، وفي العنب أن يتموه حلواً، وفي بقية الثمر أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله].
بدو الصلاح في ثمر النخيل أن تحمر أو تصفر، يعني: تتلون احمراراً أو اصفراراً لما جاء في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهى، قيل: يا رسول الله! وما زهوها؟ قال: أن تحمر أو تصفر ).
قول المؤلف: (وفي العنب أن يتموه حلواً) يعني: يبدأ يطيب، وعلامة ذلك أن يسود؛ لما جاء عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود وفي بقية الثمرات قال: أن يبدو فيه النضج ويطيب أكله، فهذه هي علامة بدو صلاحه.
من باع عبداً وهذا العبد له مال، قد يكون العبد هذا عليه ثياب، وقد تكون جارية عليها حلي، وقد يكون العبد لديه نقود مثلاً في يده، أو في جيبه، ففي هذه الحال إذا بيع العبد فالعقد قد وقع على العبد، وليس على المال الذي معه، فالمال الذي معه يكون من نصيب البائع، ولا يدخل في الصفقة إلا أن يشترطه المشتري، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من ابتاع عبداً له مال فماله -أي: الذي معه- للبائع إلا أن يشترطه المبتاع ).
لكن هنا قال المؤلف: لكن لو كان قصد المشتري المال الذي مع العبد وليس العبد نفسه، أو اشترى جارية وهو يريد الحلي الذي عليها، أو اشترى عبداً وهو يريد النقود التي معه، ففي هذه الحال ينظر إلى هذا المال ويراعى فيه ما يراعى في شروط البيع من حيث معرفة هذا المال، وعدم جريان الربا بينه وبين ما اشتري فيه، وغير ذلك من سائر الشروط.
أما إذا لم يكن قصد المشتري هذا المال ففي هذه الحال لا تضر الجهالة به، ولا يجري الربا في مبادلته بمال ربوي.
قول المؤلف: (وثياب الجمال للبائع)، لو كان على العبد أو على الأمة ثياب تلبس في العادة للمعتاد، وثياب تلبس تجملاً، فالثياب المعتادة التي تستره عادة هذه من نصيب المشتري؛ لأنها في العادة لا تفارق المشتري تكون معه، أما ثياب الجمال وهي ثياب الزينة، فهذه الأصل فيها أنها للبائع، وليست داخلة في الصفقة إلا أن يشترطها المشتري، فلو باع عبداً وعلى العبد بشت ويلبس ثوباً، فالثوب من نصيب المشتري، والبشت من نصيب البائع إلا أن يشترطه المشتري.
وهو عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض بمجلس العقد. ويصح بألفاظ البيع والسلم والسلف بشروط سبعة: أحدها انضباط صفاته بمكيل وموزون ومذروع.
وأما المعدود المختلف كالفواكه والبقول والجلود والرءوس والأواني المختلفة الرءوس والأوساط كالقماقم والأسطال الضيقة الرءوس، والجواهر والحامل من الحيوان، وكل مغشوش، وما يجمع أخلاطاً غير متميزة كالغالية والمعاجين، فلا يصح السلم فيه.
ويصح في الحيوان والثياب المنسوجة من نوعين، وما خلطه غير مقصود كالجبن وخل التمر والسكنجبين ونحوها].
وفي الاصطلاح الشرعي: هو عقد على موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس العقد، وفي السلم تعجيل للثمن وتأخير للمثمن.
أما الكتاب فقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ [البقرة:282]، فالسلم يدخل في الدين الذي سماه الله تعالى.
ومن السنة ما جاء في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهم يسلفون السنة والسنتين ) يعني: كان الشخص يعطي المزارع المال على أن يعطيه الثمرة بعد سنة أو سنتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم ).
وقد أجمعت الأمة على جواز السلم، والحاجة أيضاً تقتضي جوازه، فإن المزارع قد يحتاج إلى التمويل، إلى من يدعمه بمال ليقوم بالزراعة، والتاجر كذلك قد يحتاج إلى القمح في وقت معين لا يحتاجه الآن فيدفع المال من الآن، ليستفيد التاجر من انخفاض قيمة القمح، وانخفاض التكلفة عليه؛ لأن المزارع سيعطيه كمية من القمح أكثر مما لو كان سيشتري في وقت التسليم، فالتاجر ينتفع من انخفاض التكلفة عليه، والمزارع ينتفع من تموله بالنقد معجلاً.
إذاً: الضابط في ذلك أن ننظر هل يمكن ضبط المسلم فيه بالصفة أم لا؟ فإن كان مما يمكن ضبطه بالصفة فيصح السلم فيه وإلا فلا.
والمؤلف رحمه الله ذكر أمثلة من واقع حالهم في السابق، أما الآن فإن كثيراً من الأشياء التي ذكرها تعتبر مما يمكن انضباطها في الصفة، فقوله: (لأواني المختلفة الرءوس) هذه كانت في السابق لا تنضبط، لكن الآن تنضبط بالدقة، ونقصد بها الجريدة، وكذلك (القماقم والأسطال الضيقة الرءوس) وغيرها فهذه مما ينضبط في الصناعات الحديثة.
أما ما لا ينضبط كالمعدودات فإن كثيراً من المعدودات كالفواكه الآن لا تنضبط؛ لأنها تتفاوت كبراً وصغراً، لكن إذا كانت على كمية كبيرة منها بحيث إنه يضبطها بوزن يمكن أن تنضبط به، أو بكيل يمكن أن تنضبط به، فيصح السلم بها حتى وإن كانت مما لا ينضبط عداً، ولذلك هذه المعدودات التي لا تنضبط عداً يمكن أن تباع أو يجري السلم فيها وزناً كأن يبيعه كمية مثلاً من التفاح أو من البرتقال ونحوها بالوزن لا بالعد؛ لأنها لا تنضبط بالعد وإنما تنضبط بالوزن.
وأما الحيوان فالحيوان يمكن ضبطه بالصفة، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم استلف من رجل بكراً يعني: جملاً بكراً، ثم رد النبي صلى الله عليه وسلم عليه جملاً رباعياً فدل ذلك على جواز السلم في الحيوانات، نعم.
قول المؤلف: (وكل مغشوش، وما يجمع أخلاطاً غير متميزة كالغالية والمعاجين فلا يصح السلم فيه، ويصح في الحيوان والثياب المنسوجة من نوعين، وما خلطه غير مقصود كالجبن وخل التمر والسكنجبين ونحوها).
هذه بيناها، يعني: الضابط في ذلك إمكانية انضباطه بالصفة.
ولا يصح شرط الأردأ أو الأجود بل جيد ورديء، فإن جاء بما شرط أو أجود منه من نوعه ولو قبل محله ولا ضرر في قبضه لزمه أخذه].
الشرط الثاني من شروط السلم: أن يذكر الجنس والنوع بأن يقول: تمر مثلاً من النوع السكري، أو يقول مثلاً إذا كان في المصنوعات: سيارة من نوع كذا وكذا، أو في الأجهزة أن يقول مثلاً: جهاز ثلاجة من نوع كذا وكذا، ويحدد جنسه ونوعه.
(وكل وصف يختلف به الثمن ظاهراً)، قد يكون يحتاج إلى اللون، أو قد يحتاج إلى تحديد ماركة معينة، أو قد يحتاج إلى تحديد صفة معينة في المسلم فيه.
قول المؤلف: (ولا يصح شرط الأردأ أو الأجود) يعني: لا يصح أن يقول: تعطيني أجود ما في السوق من التمر مثلاً، أو أجود ما في السوق من البر، أو أجود ما في السوق من السيارات؛ لأنه ما من شيء جيد إلا وهناك ما هو أجود منه، ولا يصح كذلك أن يقول: أردأ ما في السوق مثلاً من التمر، أو أردأ ما في السوق من البر، أو أردأ ما في السوق من السيارات؛ لأنه ما من شيء رديء إلا وهناك شيء أردأ منه، لكن لا مانع من أن يقول: تمر جيد، تمر سكري جيد من النوع الفاخر مثلاً، هذا لا بأس به، أو يقول مثلاً: جهاز من النوع النخبة الأول مثلاً، الفئة الأولى، من دون أن يقول: الأجود، وإنما يقول: الجيد، فهذا لا بأس به؛ لأن هذا وصف ينضبط، بخلاف قوله: الأجود أو الأردأ.
وإن كان السلم في نوع معين، وجاء المسلم إليه بنوع أفضل منه، يعني: كما لو كان السلم بنوع من التمر فجاءه بتمر أجود منه، ففي هذه الحال يلزم المسلم وهو المشتري أن يقبله؛ لأنه لا ضرر عليه في ذلك في قبضه، وكذلك إذا أتى به قبل موعد التسليم وسلمه إياه، ولا ضرر على المسلم في قبضه فيلزمه قبضه وتبرأ ذمة البائع بذلك.
الشرط الثالث: أن يبين قدره: أي قدر المسلم فيه، يعني: يذكر قدره بكيل إن كان يكال كالبر والتمر ونحوه، أو ذكر وزنه إن كان يوزن مثل المعادن كالحديد والنحاس والزجاج ونحوها، أو ذرع إن كان من المذروعات.
وعلى المذهب قالوا: إذا أسلم في المكيل وزناً لم يصح، لو أعطاه مثلاً مائة ألف ريال على أن يسلمه ألف كيلو من التمر، قالوا: لا يصح لماذا؟ لأن التمر من المكيلات، والكيلو غرام الآن المعروف أنه وحدة وزن، وليست وحدة كيل، فعلى المذهب لا يصح، وعلى القول الثاني: أنه إذا كان ذلك مما ينضبط بالوزن فلا مانع من أن يباع المكيل وزناً، بل قد يكون الوزن أدق في الضبط من الكيل، والآن أغلب الأشياء تباع بالوزن، يشتري مثلاً مائة طن من الأرز من الآن يدفع ثمنها على أن يستلمها بعد سنة، هنا الأرز يعتبر من المكيلات، والطن من وحدات الوزن، وهذا على المذهب لا يصح، وعلى القول الثاني يصح إذا أمكن ضبطه، وحال كثير من التجار الآن الذين يستوردون البضائع من الخارج كالأرز وغيرها يستخدمون مقياس الوزن وليس مقياس الكيل في مبادلاتهم أو في السلم وهذا جائز.
الشرط الرابع من شروط السلم: أن يذكر أجلاً للتسليم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إلى أجل معلوم ) فلا يصح السلم في شيء موصوف في الذمة لا يملكه البائع إذا كان ذلك حالاً.
والقول الثاني في المسألة وهو قول الشافعية: جواز السلم الحال، فيصح أن يبيع شيئاً موصوفاً في الذمة على أن يسلمه المبيع في اليوم نفسه، وإن كان البائع لا يملك تلك السلعة في الحال، قالوا: ودليل ذلك أنه إذا جاز السلم المؤجل مع ما فيه من الغرر فمن باب أولى جواز سلم الحال الذي يكون الغرر فيه أقل، قالوا: وأما قوله عليه الصلاة والسلام: ( إلى أجل معلوم ) فالمراد بالحديث أنه إذا كان السلم مؤجلاً فليكن الأجل معلوماً، وليس المراد من الحديث أنه يلزم في السلم أن يكون مؤجلاً وهذا القول هو الأقرب إن شاء الله.
وعلى هذا فيصح بيع الموصوف في الذمة، وإن لم يكن مملوكاً للبائع عند العقد، ولو كان التسليم حالاً بشرط أن يكون المبيع موصوفاً في الذمة وليس معيناً، أما إذا كان شيئاً معيناً يقول: أبيعك هذه السيارة وهو لا يملكها، أو يقول: أبيعك هذه الأرض أو الجوال الذي بيد فلان وهو لا يملكه، فهذا لا يصح؛ لأنه من بيع ما لا يملك، ويدخل في نهي النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( لا تبع ما ليس عندك ) فعلى هذا يحمل الحديث قوله: ( لا تبع ما ليس عندك ) على أمرين:
الأول: إذا باع شيئاً معيناً لا يملكه، فهذا لا يجوز.
الثاني: إذا باع شيئاً موصوفاً لا يقدر على تسليمه، ويغلب على ظنه أنه لا يقدر على تسليمه فينهى عنه؛ لأنه من الغرر.
الشرط الخامس من شروط السلم: أن يكون المسلم فيه مما يوجد غالباً في محله وفي مكان الوفاء، فلا يصح أن يسلم في ثمرة لا تظهر إلا في موسم معين ويكون موعد التسليم في غير ذلك الموسم؛ لما في ذلك من الغرر، كأن يسلم في التمر -ومعروف أن التمر يخرج في موسم الصيف- فيعطيه مبلغاً من المال على أن يسلمه الثمر في موسم الشتاء، وعلى أن يكون رطباً وليس تمراً، فهذا لا يصح؛ لأنه يتعذر عليه الوفاء في حينه، ولا مانع من أن يكون محل الوفاء مكاناً معيناً كأن يسلم في ثمر بستان فيقول: تعطيني من ثمر هذا البستان، إذا غلب على الظن وجود تلك الثمرة في البستان وقت التسليم، أما إذا كان البستان صغيراً لا يضمن أن توجد فيه الثمرة وقت التسليم، فلا يصح السلم لما فيه من الغرر.
وكذلك في المصنوعات الحديثة، وغيرها كعقود الآجال التي تستخدم فيها صيغة السلم إذا كانت الصنعة مما يغلب على الظن وجودها وقت التسليم فيصح، أما إذا كانت مثلاً في سيارات، كأن يسلم في سيارات من موديل 2009 على أن يكون التسليم في عام 2011 مثلاً، ولا يجزم البائع بوجود هذه السيارات وقت التسليم، ففي هذه الحال ينهى عنه لما فيه من الغرر، ومثله لو أسلم في أسهم شركة من الشركات، مع وجود الخلاف بين أهل العلم المعاصرين في حكم السلم في الأسهم، هل الأسهم مما يغلب على الظن وجودها وقت التسليم أم لا؟
والأقرب هو جواز السلم في الأسهم؛ لأن الأسهم موصوفة ويمكن ضبطها، بشرط: أن يغلب على الظن وجودها وقت التسليم، فلا يصح السلم في أسهم شركة تكون أسهمها المتداولة في السوق قليلة، إذا تعذر على المسلم إليه أن يسلم السلعة وقت التسليم، لكن لو كانت أسهم الشركة كبيرة وتتداول بكثرة في السوق، ففي هذه الحال يجوز السلم في هذه الأسهم.
الشرط السادس من شروط عقد السلم: أن يسلم المشتري -وهو المسلم هنا أن يسلم الثمن- كاملاً في مجلس العقد؛ لأن المسلم فيه وهو السلعة مؤجلة في الذمة، فلو لم يسلم الثمن كاملاً في مجلس العقد؛ لتضمن العقد بيع دين بدين فينهى عنه.
وقد أجمع أهل العلم على تحريم بيع الدين بالدين، لكن يستثنى من هذا الأمر ومن هذا الشرط ما إذا كان المسلم فيه مما يحتاج إلى تصنيع، أي: إلى وقت لإحداثه وإيجاده، وهذا يسمى: السلم في الصنعة، ويسميه فقهاء الأحناف الآن بعقد الاستصناع، فيغتفر فيه تأخير الثمن في مجلس العقد.
وله صور متعددة في التطبيقات المعاصرة من أبرزها ما يعرف بعقد المقاولة الآن، عقد المقاولات هو في الحقيقة عقد سلم في صنعة، هو عقد استصناع إذا كانت المواد على الصانع المقاول، وكان المقاول هو الذي سيأتي بالمواد، ففي الحقيقة هذا هو عقد سلم في نوع معين وهو صناعة، فإذا اتفق معه على بناء عمارة فالآن هذا عقد على موصوف في الذمة؛ لأنه يصفها وصفاً منضبطاً على أن يكون التسليم بعد سنة، والمواد والعمل من قبل المقاول، وفي العادة أن رب المال -وهو المسلم أو المستصنع- لا يدفع الثمن كاملاً وإنما يدفعه على دفعات، فهذا لا بأس به، وقد نص على جوازه فقهاء الأحناف.
ومن ذلك أيضاً عقود الاستصناع في الأجهزة، فلو أن شركة طيران تريد أن تستصنع لبناء طائرات أو شركة ناقلات تريد أن تستصنع لبناء سفن، فالعقد الذي يطبق في مثل هذه الحال هو عقد الاستصناع وهو سلم في الصناعة، فتأتي شركة الطيران مثلاً الخطوط السعودية تتفق مع شركة بوينج مثلاً شركة الصناعات على أن تسلمها شركة بوينج مثلاً عشرين طائرة بهذه المواصفات بعد ثلاث سنوات أو بعد أربع سنوات، وشركة الخطوط السعودية تدفع لها على أقساط، فهنا سلم لكن الثمن لم يدفع في الحال؛ لأن السلعة تحتاج إلى تصنيع، فإذا كانت تحتاج إلى تصنيع فهذا مما يغتفر فيه تأخير الثمن.
وكذلك ألحق كثير من العلماء المعاصرين بعقد الاستصناع الذي يجوز فيه تأخير الثمن في عقد الثمن ما يسمى بعقد التوريد، وعقد التوريد هو: أن يتفق طرفان على أن يدفع أحدهما للآخر دفعات في مقابل أن يسلمه البائع -الطرف الآخر- السلعة على دفعات، يعني: السلعة تقدم على دفعات والثمن يدفع على دفعات.
مثال ذلك: مستشفى يحتاج إلى أدوية في داخل المستشفى في صيدليته وفي أقسامه المختلفة، فيتفق مع شركة أدوية على أن تقوم هذه الشركة بتزويد المستشفى على فترات، هي لم تأت بكل الأدوية دفعة واحدة، وإنما تأتي بها على دفعات في أثناء السنة، والمستشفى يدفع لشركة الأدوية الثمن على دفعات، فهذا يلحق بعقد السلم في الصنعة وبعقد الاستصناع وبعقد المقاولات، لكن لاحظوا هنا الثمن والمثمن كلاهما مؤجل، وليس هذا من الدين بالدين الذي أجمع العلماء على تحريمه.
مثال آخر: شركة طيران مثلاً تتفق مع شركة تموين كشركة أغذية، على أن تقوم شركة التموين بتأمين الوجبات للركاب، وشركة الطيران تدفع لها المبالغ على دفعات، فهذا يسمى عقد توريد.
كذلك تتفق مع مجلة من المجلات تدفع لهم اشتراكات بشكل دوري وهم يرسلون المجلة بشكل دوري هذا يسمى عقد توريد، هذه من عقود التوريد، وعقود التوريد هذه كثيرة الآن، وفي العادة تكون عقود التوريد في المواد التي لا يحتاجها الشخص دفعة واحدة، وإنما يحتاجها على دفعات، فيكون الثمن أيضاً على دفعات بحسب وصول تلك المواد، فمثل هذا يغتفر.
الشرط السابع من شروط السلم: أن يكون في شيء موصوف في الذمة، أما إذا أسلم في شيء معين كأن يقول: على أن تسلمني هذه الدار بعد سنة أو هذه الثمرة بعد سنة، أو هذه السيارة بعد سنة فلا يصح، بل يجب أن يكون المسلم به موصوفاً في الذمة كأن يقول: سيارة مواصفاتها كذا وكذا، أو تمر من النوع الجيد، يأتي به البائع من أي مكان ولا يكون في شيء معين؛ لأن الشيء المعين عرضة للتلف قبل التسليم، فينهى عنه.
(ويجب الوفاء) أن يسلم المسلم فيه موضع العقد في المكان الذي تعاقد عليه.
قوله: (ويصح شرطه في غيره)، لو تعاقدا مثلاً في الرياض على أن يكون التسليم في جدة، فيصح ذلك.
قوله: (وإن عقدا ببر أو بحر شرطاه)، يعني: في أي مكان، فإذا كان التعاقد في بر واشترط التسليم أن يكون في البر، فيكون في البر، وإن كان في بحر واشترط أن يكون التسليم في البحر فيكون التسليم في البحر.
والقول الثاني في هذه المسألة: أنه يجوز بيع الدين على غير من هو عليه بشرطين:
الشرط الأول: ألا يربح فيه، فلا يبيعه بأعلى من قيمته لئلا يكون قد ربح فيما لم يضمن؛ لأنه إلى الآن ما زال في ضمان البائع.
والشرط الثاني: ألا يجري بين العوضين الدين الذي في الذمة، والعوض الذي سيبيعه به ألا يجري بينهما ربا النسيئة، فإن كان يجري بينهما ربا النسيئة فلا يصح، فلو كان المسلم فيه مثلاً تمراً فلا يجوز أن يبيعه ببر؛ لأنه يجري بين البر والتمر ربا النسيئة، لكن لو كان تمراً وباعه بنقص بريالات فيصح؛ لأنه لا يجري بينهما ربا النسيئة، وكذلك لو كان حديداً مثلاً وباعه بريالات فيصح؛ لأنه لا يجري بينهما ربا النسيئة، وهذا القول الثاني هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية .
وأما القول الأول -وهو المذهب- فقالوا بمنع التصرف في دين السلم، واستدلوا على ذلك بحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره ) يعني: لا يبيع الشيء المسلم فيه، ويستبدله بغيره، لكن هذا الحديث فيه عطية العوفي أحد الرواة وهو ضعيف، ولا يصح الاحتجاج بحديثه.
والقول الثاني: أن هبته جائزة؛ لأن الهبة من التبرعات وليست من المعاوضات، والذي ينهى عنه إنما هو إجراء عقد المعاوضة لا إجراء عقد التبرع.
قول المؤلف: (ولا الحوالة به) لو كان عليه دين فأحال الدائن على الدين الذي له على البائع فلا يصح، والأقرب أن الحوالة لها حكم عقود التبرعات فتصح الحوالة؛ لأنها ليست معاوضة، وإنما هي عقد استيفاء.
وبناءً على القول بجواز التصرف في المسلم فيه قبل قبضه إذا كان بمثل قيمته فالأقرب أنه يجوز أخذ الرهن والكفيل به؛ لأنه إذا تعذر أخذ الدين الذي في الذمة فيمكن أخذ قيمته من الرهن أو من الكفيل الذي كفل ذلك الدين.
وبهذا نكون قد انتهينا من باب السلم، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , زاد المستقنع - كتاب البيع [1] للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي
https://audio.islamweb.net