إسلام ويب

لقد وردت سنن كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي الاقتداء بها والمحافظة عليها، منها: القنوت في النوازل في جميع الصلوات، ومنها صلاة النافلة سواء كانت من الرواتب كركعتي الفجر التي يسن فيها التخفيف وقراءة سورة الإخلاص والكافرون، أو كانت من غير الرواتب كصلاة الضحى.

باب القنوت في صلاة الصبح

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه! وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه! ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

وبعد:

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: القنوت في صلاة الصبح.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين يفرغ من صلاة الفجر من القراءة ويكبر ويرفع رأسه: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ثم يقول وهو قائم: اللهم أنج الوليد بن الوليد و سلمة بن هشام و عياش بن ربيعة ، والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم كسني يوسف، اللهم العن لحيان ورعلا وذكوان وعصية عصت الله ورسوله. ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما أنزل لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ [آل عمران:128] ) ].

الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة ، وجاء أيضاً نحوه من حديث أنس رواه البخاري و مسلم ، والحديث رواه البخاري من حديث ابن عمر أيضاً.

وفيه مسائل: ‏

حكم قنوت النوازل

المسألة الأولى: استدل به جمهور العلماء -خلافاً لـأبي حنيفة - على استحباب أن يقنت الإمام إذا نزلت بالمسلمين نازلة، شقت عليهم وآذتهم في دينهم وأموالهم. هذا القنوت في أي صلاة يكون؟ اختلف العلماء في ذلك، والراجح والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أنه في كل صلاة؛ ( لأنه صلى الله عليه وسلم قنت شهراً بعد الفجر وبعد الظهر وبعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء )، وهذا ثابت من حديث البراء ومن حديث ابن عباس ، ومن حديث أبي هريرة ، وإن كانت هذه الأحاديث تختلف من حيث الصلاة، أما حديث ابن عباس فإنه يفيد غالب الصلوات، إلا يوم الجمعة فلم يحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت بعد صلاة الجمعة بعد الركعة الثانية؛ ولهذا فالسنة يوم الجمعة ألا يقنت فيها؛ لأنه حينما قنت شهراً لم يقنت يوم الجمعة.

مدة قنوت النوازل

المسألة الثانية: كم عدد المدة التي يقنت فيها؟ أو بالأحرى نقول: هل ثبت عنه صلى الله عليه وسلم اختلاف في عدد قنوته؟

الأقرب والله أعلم ( أنه قنت شهراً )، وفي رواية: ( ثلاثين يوماً ) من حديث أبي هريرة ، ومن حديث ابن عمر ، ومن حديث ابن عباس ، ومن حديث عبد الله بن مسعود ، ومن حديث أنس بن مالك : ( أنه قنت شهراً ) وفي رواية: ( أو قنت ثلاثين يوماً )، فهذا هو المحفوظ، وعليه فما جاء في حديث البيهقي وغيره من حديث أنس : ( أنه قنت أربعين، وفي رواية سبعة عشر )، فهي رواية ضعيفة، والمعول على ما جاء في الصحيحين من حديث أنس ومن حديث غيره: ( أنه قنت شهراً )، كما أشار إلى ذلك البيهقي وغيره، يعني: لم يختلف إسناد صحيح نقص أو زاد عن شهر، وما جاء أنه قنت أقل من ذلك أو أكثر فهي أحاديث منكرة.

إذاً: الثابت عنه صلى الله عليه وسلم من غير اختلاف بإسناد صحيح أنه قنت شهراً، وعليه فهل نقول: إن السنة ألا يزاد على شهر، ولو بقيت النازلة أم يقنت حتى تزول؟

المعروف عند الجمهور -وإن كان ذلك ليس صريحاً على المذاهب- أنه يترك القنوت إذا رفعت النازلة زادت عن شهر أو نقصت، وهذا ظاهر قول أبي العباس بن تيمية رحمه الله.

والقول الثاني في المسألة: وهو قول لبعض أصحاب الحنابلة: أن السنة ألا يزاد عن شهر، وإن زاد فهو جائز حتى ترفع، إذاً الجواز ما بعد الشهر، والاستحباب شهر، واستدل أصحاب هذا القول بأن قالوا: إن ثبوت القنوت ثبت بفعله، وعليه فما ثبت بفعله فإنه يوقف عند فعله، فإنه قنت شهراً بفعله، وما زاد فهو جائز، وهذا القول عندي أظهر والله أعلم؛ لأنه لم يثبت القنوت من قوله، وإنما ثبت بفعله، وقنت صلى الله عليه وسلم شهراً بفعله، فما ثبت بالفعل في الابتداء فليثبت الفعل في الانتهاء من حيث الاستحباب هذا الدليل الأول.

الدليل الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم ترك القنوت لأجل نزول الآية كما في الحديث: ( ثم بلغنا أنه ترك ذلك حينما نزلت قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ [آل عمران:128] )، هذا هو المحفوظ، وأما ما جاء في بعض الروايات من حديث أبي هريرة قال: ( ألا تراهم قد رجعوا؟! ) فهذه ليست بمحفوظة؛ لأنه ليس كل المستضعفين رجعوا، فبعضهم ما زال على الكفر، فليس كل رعل أو ذكوان أو عصية عصت الله ورسوله كلهم رجعوا، لكن وجد من بعض القبائل من أسلمت، ووجد من القبائل أيضاً من ما زال على الكفر.

الثاني: أن المسلمين المستضعفين الذين قتلوا لم يزد صلى الله عليه وسلم عليهم أن قنت لهم شهراً، وما جاء في بعض روايات الحديث أنه ترك ذلك لأنهم رجعوا بمعنى: أن النازلة قد رفعت، فهذا محل تأمل؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما قنت لأمرين: قنت للمستضعفين الذين قتلوا، وقنت لبعض قبائل العرب التي عصت؛ وهي رعل وذكوان وعصية ومضر، ومن المعلوم أن هذه القبائل لم تسلم كلها في عهده صلى الله عليه وسلم، مما يدل على أن وقوفه صلى الله عليه وسلم ليس لأجل ارتفاع النازلة مطلقاً.

الدليل الثالث: إن قلنا: إنه يزاد على شهر فإلى كم يقنت؟! لأن ذلك مدعاة لئن تزيد على أكثر من سنتين أو سنة، ففلسطين لها أكثر من خمسين سنة، ومثل ذلك بعض المصائب التي تحل بإخواننا مثلاً في سوريا لها أكثر من سنتين، ومن المعلوم أن قنوت النازلة عارض، خلافاً للشافعية فإنهم يجعلون القنوت دائماً بعد صلاة الفجر.

ومسألة القنوت في الفجر محل نظر؛ لأن الشافعية يستدلون بحديث: (لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا) ويجعلونها أن الرسول عليه الصلاة والسلام قنت واستمر، والصحيح أنه لم يستمر؛ ولهذا فالذي يظهر لي والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أنه صلى الله عليه وسلم لما ثبت قنوته بفعله فإننا استحببناه، فإنما نستحب أيضاً قنوته برفعه وتركه وهو شهر، والمسألة فيها مسائل كثيرة، ويحسن لطالب العلم لو يبحث قنوت النازلة والأحكام المترتبة على ذلك، يوجد بحوث لكنها بحاجة إلى تأصيل أكثر.

باب القنوت في الظهر وغيرها

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: القنوت في الظهر وغيرها.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( والله لأقربن بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان أبو هريرة يقنت في الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح، ويدعو للمؤمنين ويلعن الكفار ) ].

الحديث متفق عليه.

ويفيد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقنت بعد الفجر وبعد الظهر وبعد العشاء يدعو للمؤمنين ويلعن الكفار، وهذا يدل على أن لعن الكفار على وجه العموم جائز.

باب القنوت في المغرب

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: القنوت في المغرب.

عن البراء بن عازب رضي الله عنهما: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الصبح والمغرب ) ].

وهذا يفيد أنه صلى الله عليه وسلم كان يقنت بالمغرب، وجاء من حديث أنس (كان يقنت بالمغرب والفجر).

إذاً: هذه الأحاديث تفيد أن القنوت في أربع صلوات؛ حديث أبي هريرة : الظهر والعشاء والفجر، وحديث أنس : المغرب والفجر، وحديث البراء : الصبح والمغرب، وبقي صلاة العصر وهي ثابتة من حديث ابن عباس .

وحديث أبي هريرة متفق عليه، وحديث البراء عند مسلم ، لكن جاء من حديث أنس : ( كان يقنت بالمغرب والفجر ).

باب في ركعتي الفجر

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: في ركعتي الفجر.

عن حفصة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر لا يصلي إلا ركعتين خفيفتين ) ].

هذا الحديث متفق عليه من حديث حفصة و عائشة ؛ لكن اللفظ لفظ حفصة ، فالمحفوظ من أقوال عائشة و حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يزيد على ركعتين، وأما ما جاء في النهي: ( إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا سجدتي الفجر )، فإنه حديث ضعيف، رواه الترمذي من حديث ابن عمر ، والعمل عند أهل العلم الاستحباب على ألا يزاد على ركعتين.

وهل يكره أو يحرم؟ ذهب الحنابلة والحنفية إلى أن ذلك مكروه على خلاف بينهم هل كراهة تحريم أو تنزيه، واستدلوا بحديث حفصة و عائشة :(أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصلي إلا ركعتي الفجر)، واستدلوا بحديث ابن عمر أيضاً: (إذا طلع الفجر فلا صلاة إلا سجدتي الفجر)، وهذا نهي وأقل أحوال النهي الكراهة.

القول الثاني: قول الشافعية ورواية عن أحمد وهو أنه جائز، وهذا اختيار ابن سعدي رحمه الله.

واستدلوا بحديث عمرو بن عبسة أنه قال في صلاة الليل: ( فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة ما لم تصلي الفجر )، فجعل الحد في صلاة الفجر، فإذا صليت الفجر فأمسك عن الصلاة حتى ترتفع الشمس قدر رمح أو رمحين، فقالوا: إن هذا دلالة على أن بعد طلوع الفجر ليس وقت نهي.

وذهب مالك رحمه الله إلى أن بعد طلوع الفجر تجوز فيه ركعتا الفجر وصلاة الليل لمن لم يصل، وصلاة الوتر التي هي ركعة الوتر، فـمالك عد ما يجوز، وما زاد فهو ممنوع.

والذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم أن السنة ألا يزاد على ركعتي الفجر، فإن زاد فهو جائز، لكن لا يستحب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم إنما كان يصنع ذلك، فدل على أن الترك هو السنة، وليس ثمة نهي صريح بإسناد صحيح، هذا هو الظاهر والله أعلم، فيكون السنة الترك، والفعل الجواز؛ لعدم ورود النهي عنه، وإن كان أكثر الصحابة على عدم الزيادة، وقد بالغ بعض الفضلاء في تأليفهم في البدع فجعلوا الصلاة بعد طلوع الفجر من البدع، وهذا محل نظر، والله أعلم.

باب فضل ركعتي الفجر

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: فضل ركعتي الفجر.

عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ) ].

الحديث رواه مسلم.

وهذا الحديث يفيد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على ركعتي الفجر، وقالت عائشة رضي الله عنها كما في الصحيحين: ( صلاتان ما رأيته تركهما صلى الله عليه وسلم: ركعتا الفجر، وركعتا العصر حينما يدخل بيتي )، ومسألة ركعتي العصر مرت معنا في كلام طويل في شرح البلوغ، وكذلك في شرح الروض وقلنا إن هذا من خصوصياته وهي المداومة.

باب القراءة في ركعتي الفجر

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: القراءة في ركعتي الفجر.

عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] و قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] ) ].

هذا الحديث رواه مسلم من حديث أبي هريرة.

وهذا يدل على أن السنة في قراءة ركعتي الفجر أن يقرأ في الأولى قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، والثانية بأن يقرأ بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، وهاتان السورتان يشرع للإنسان أن يقرأها في ركعتي الفجر وفي الركعتين اللتين بعد الطواف، كما رواه مسلم من حديث جابر .

وهل تقرأ في سنة المغرب؟ جاء في حديث الترمذي : ( أنه كان يقرأها بعد صلاة المغرب) وهي سنة المغرب، وهذا حديث ضعيف ولا يحتج به، والسنة في المغرب أن يقرأ كما شاء، فليس ثمة سنة بخصوصها، وقد جاء في حديث ابن عباس عند مسلم : ( أنه كان يقرأ في الركعة الأولى من ركعتي الفجر بقوله تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:136]، -وهي الآية التي في آخر الوجه من الجزء الأول- والركعة الثانية تقرأ بقوله تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران:64]، وهي ما قبل آخر وجه من الجزء الثالث).

وهذا عند مسلم من حديث ابن عباس، وقد تكلم في هذا الحديث من حيث ثبوته، والذي يظهر أنه لا بأس بذلك، والله أعلم.

باب الاضطجاع بعد ركعتي الفجر

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: الاضطجاع بعد ركعتي الفجر.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع ) ].

الحديث متفق عليه.

وفيه زيادة: ( وإلا اضطجع على شقه الأيمن حتى يؤذن بالصلاة ).

ويعني بالصلاة: الإقامة، وهذه الضجعة ليست مقصودة على سبيل الاستحباب خلافاً للظاهرية فإنهم أمروا بها، بل أوجبوها، وبعضهم استحبها، وبعضهم جوزها، والراجح الجواز، أما الظاهرية فإنهم أوجبوها؛ فلهذا تجد أنه إذا دخل المسجد كل منهم قد نام على شقه الأيمن، وهذه من الغرائب أن توجد، وكل حديث في الأمر بها فإنه ليس بصحيح.

باب الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: الجلوس في المصلى بعد صلاة الصبح.

عن سماك بن حرب قال: ( قلت لـجابر بن سمرة رضي الله عنه: أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم كثيراً، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح -أو الغداة- حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس قام، وكانوا يتحدثون، فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون ويتبسم ) ].

الحديث رواه مسلم : ( كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس )، وفي رواية: ( حتى تطلع الشمس حسناً ) كما عند الإمام أحمد ، والحديث رواه مسلم.

وهذا يفيد أن بقاءه صلى الله عليه وسلم إلى أن ترتفع الشمس -يعني: إلى أن تطلع- سنة ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، ولا إشكال في ذلك، أما ما جاء في حديث أنس عند الترمذي وغيره من حديث أبي ظلال عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من صلى الصبح في جماعة ثم جلس حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كان كحجة أو عمرة تامة، تامة، تامة )، فهذا الحديث ضعفه ابن حبان كما في كتابه المجروحين عندما ترجم الأحوص بن حكيم قال: وله حديث في ذلك ولا يصح في الباب شيء، وأشار إليه العقيلي في كتاب الضعفاء أيضاً، والذي يظهر والله أعلم أن هذا الحديث يحسنه كثير من العلماء، وله طرف فيها: أبو ظلال قال عنه الإمام الجهبذ في الحديث البخاري : مقارب الحديث، وإذا قال الإمام البخاري أو أي محدث عن راوٍ: إنه مقارب الحديث، فإنما ذلك يقبل إذا جاء ما يتابعه، وقد جاء عن غير أبي ظلال في ذلك شواهد من حديث أنس وغيره؛ ولهذا والله أعلم أنه لا بأس بالصلاة وأنه إن شاء الله يؤجر، ثم إن هذه الصلاة إنما هي صلاة الضحى، وسواء صلاها بعدما انتهى مجلسه أو صلاها في بيته، أو صلاها حين ترمض الفصال؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال: ( ثم صلى ركعتين )، و(ثم) تفيد الترتيب مع التراخي، وأقول كما قال أبو عمر بن عبد البر : إن الفضائل لا تقاس بقياس، ولا حظ فيها لرأي، يعني: المسألة مسألة أنه عمل قليل ويؤجر عليه كثيراً، أيهم أعظم (حجة وعمرة تامة تامة تامة) أم (حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر) بقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة؟! فهذه أمور لا تقاس برأي، والله أعلم.

وحديث أنس : ( من صلى الفجر في جماعة ثم جلس في مصلاه الذي صلى فيه حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كان كحجة أو عمرة تامة تامة تامة )، قوله: (في مصلاه) يعني: في المصلى الذي صلى فيه، ولو تحرك فلا حرج؛ لكن الأولى أن يبقى في مصلاه.

والسنة أن يذكر الله، لكن لو تحدث بأمر عارض فلا حرج، فالصحابة كانوا يتحدثون؛ لكن ليس كل الوقت وهم يتحدثون، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يتبسم، لكن صلى الله عليه وسلم ما كان يجلس إلا وهو يذكر الله.

وهذا الحديث من رواية سماك بن حرب و سماك إذا روى عن عكرمة فروايته غير مقبولة، وأما إذا روى عن غير عكرمة فإنها مقبولة وإن لم يرويها البخاري ، فـالبخاري ترك سماك بن حرب فهم يقولون: البخاري ترك سماك بن حرب مطلقاً، روى عن عكرمة أو لم يرو، و مسلم ترك عكرمة ورواه البخاري ، و عكرمة مولى ابن عباس تكلم فيه، فـالبخاري أخذ برواية عكرمة وترك سماكاً ، و مسلم أخذ بـسماك وترك عكرمة .

باب في صلاة الضحى

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: في صلاة الضحى.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي سبحة الضحى قط وإني لأسبحها، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم ) ].

هذا الحديث متفق عليه.

هذا الحديث يفيد أنه يستحب للإنسان أن يصلي الضحى أربع ركعات، وقول عائشة : (ما رأيت) عائشة نفت الرؤية ولم تنف الفعل، والذي يظهر والله أعلم أن ركعتي الضحى سنة، سواء قام لصلاة القيام يعني: صلاة الليل أم لم يقم؛ وذلك لما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي ذر وغيره: ( يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة: فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما المرء من صلاة الضحى )، فهذا الحديث يفيد أن الإنسان مطالب بأن يركع ركعتين؛ لأنه يصبح على كل سلامى منه صدقة، كل يوم تطلع الشمس يتصدق، وهذا لعله يرد على من اختار أن سنة الضحى تصلى في حق من لم يقم الليل، وأما من داوم على قيام الليل فإنه يصليها أحياناً ويدعها أحياناً، وهذا اختيار أبي العباس بن تيمية ، والذي يظهر والله أعلم استحبابها مطلقاً.

وكل من ذكر أنه لم يصل صلاة الضحى لأنه لم يره؛ لكن لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم ترك ذلك، يعني: هو يقول: لم أره، فهو نفى الرؤية، أو نفى عدم علمه بذلك؛ لكن المحفوظ أنه صلى الله عليه وسلم صلى، ومما يدل على ذلك أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم أمر بذلك أبا هريرة ، وأمر ثوبان ، وأمر أبا الدرداء ، والقاعدة عند العلماء: أنه إذا تعارض الأمر منه والفعل فيقدم الأمر، هذا هو المشهور عند علماء الأصول، خلافاً لمن ذكر قاعدة: أن فعله يدل على الخصوصية، وهذا اختيار الشوكاني الذي قال: إذا تعارض القول والفعل فيستحب القول، والفعل يكون على خصوصية، وهذا ليس بصحيح.

باب صلاة الضحى ركعتان

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: صلاة الضحى ركعتان.

عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة: فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميد صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى ) ].

والحديث رواه مسلم.

وهذا الحديث يفيد استحباب صلاة الضحى.

باب صلاة الضحى أربع ركعات

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: صلاة الضحى أربع ركعات.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله ) ].

هذا رواه مسلم.

وهذا لو جمع مع الحديث الذي قبل ذلك في قول عائشة : (ما رأيت) فـعائشة تنفي الرؤية، ولكنها تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي، وقد يقال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي أحياناً ويدعه أحياناً، وإنما كان يدعها كما قالت: (وإن كان رسول الله ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به؛ خشية أن يعمله الناس فيفرض عليهم) هذا هو الظاهر.

وصلاة الضحى أربع ركعات تكون بسلام واحد، ولو صلى أربعاً منفصلة فجائز، كما كان إسحاق يئول حديث علي بن أبي طالب : ( يصلي ركعتين فيصلي على الملائكة المقربين، ثم يقوم فيصلي ركعتين ) هذا الحديث تكلم فيه، رواه عاصم بن ضمرة عن علي ، والحديث حسنه الترمذي والأقرب أنه ضعيف، ولو صح فإن معناه والله أعلم: أنه يصلي ركعتين فيسلم، ثم يصلي ركعتين، والإمام أحمد يستحب أن يكون سنة النهار: ركعتين ركعتين.

باب صلاة الضحى ثماني ركعات

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: صلاة الضحى ثماني ركعات.

عن عبد الله بن الحارث بن نوفل قال: ( سألت وحرصت على أن أجد أحداً من الناس يخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبح سبحة الضحى، فلم أجد أحداً يحدثني ذلك، غير أن أم هانئ بنت أبي طالب أخبرتني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بعد ما ارتفع النهار يوم الفتح، فأتي بثوب فستر عليه فاغتسل، ثم قام فركع ثماني ركعات، لا أدري أقيامه فيها أطول أم ركوعه أم سجوده، كل ذلك منه متقارب، قالت: فلم أره سبحها قبل ولا بعد ) ].

هذا الحديث ورد عند البخاري نحوه من حديث ابن أبي ليلى وفيه زيادة: ( فلم أر صلاة أخف منها غير أنه يتم الركوع أو السجود ).

وهذا الحديث يفيد أنه صلى الله عليه وسلم في النهار كان يكثر من الركوع والسجود وفي الليل كان يكثر من القيام، وهذا الذي رجحته أن الأفضل في الليل طول القيام، والأفضل في النهار كثرة الركوع والسجود.

باب الوصية بصلاة الضحى

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: الوصية بصلاة الضحى.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ( أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أرقد ) ].

وهذا متفق عليه.

وهذا الحديث يفيد أن هذه الثلاث يستحب للإنسان أن يداوم عليها: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن يوتر قبل أن ينام. وقد ذكر ابن رجب رحمه الله جمعاً ليس بالقليل من الصحابة وكبار التابعين من كان يوتر قبل أن ينام فيأخذون بالحزم، منهم: أبو بكر و سعيد بن المسيب ، و محمد بن سيرين و الحسن البصري حتى إذا استطاع أن يقوم من الليل صلى ركعتين ركعتين، فلا يترك قيام الليل بحجة أنه سوف يقوم آخره فلا يقوم، وقد قالت عائشة : ( من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانتهى وتره إلى السحر )، هذه رواية البخاري وزاد مسلم : ( من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أوله وأوسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السحر )، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي أول الليل.

وصوم ثلاثة أيام من كل شهر، لم يكن ليبالي من أي أيام الشهر كان يصوم كما تقول عائشة .

باب صلاة الأوابين

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: صلاة الأوابين.

عن القاسم الشيباني أن زيد بن أرقم رأى قوماً يصلون من الضحى فقال: ( أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ) ].

هذا الحديث رواه مسلم من حديث زيد بن أرقم.

وهذا الحديث يفيد أن سنة الضحى كلما تأخرت قبل الظهر بنصف ساعة تقريباً الساعة الحادية عشر وربع في هذا الوقت فهو أفضل؛ لأن الحرارة تزيد، والفصال: هي فصيل الناقة الصغير الذي لم يشتد جلده بعد، فهو يجد حرارة من الرمضاء فيقوم، وهذا المقصود في ذلك.

باب من سجد لله فله الجنة

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: من سجد لله فله الجنة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله! )، وفي رواية أبي كريب : ( يا ويلي! أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار ) ].

الحديث رواه مسلم، و أبو كريب هو محمد بن العلاء.

وهذا الحديث يفيد أنه يستحب للإنسان أن يكثر من السجود، وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، فقال في حديث أبي ذر : ( عليك بكثرة السجود؛ فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة )، وقال في حديث عامر بن ربيعة عندما قال: ( سلني، قال: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قال: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود ) نسأل الله أن يرزقنا كثرة ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( الصلاة خير موضوع فأكثر من ذلك أو استقل ) فيستحب للإنسان أن يكثر من الصلاة ويعود نفسه خاصة إذا ادلهمت عليه الخطوب، وكثرت عليه الهموم والغموم، فإن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه بذلك فقال: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:45]، ولا يؤمر العبد بالصبر إلا لوجود المدلهمة والخطب، وقال تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ [الحجر:97] فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ [الحجر:98]، والتسبيح يكون بالصلاة وهو أعظم كما قال الله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا [الإنسان:26]، فجعل الصلاة نوعاً من التسبيح، اللهم ارزقنا ذلك يا رب.

باب فضل من صلى ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: فضل من صلى ثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة.

عن أم حبيبة رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة، أو إلا بني له بيت في الجنة ) قالت أم حبيبة : فما برحت أصليهن بعد، وقال عمرو -يعني: ابن أوس -: ما برحت أصليهن بعد، وقال النعمان -يعني: ابن سالم - مثل ذلك في رواية: (في يوم و ليلة) ].

هذا الحديث رواه مسلم ، وهذا يسمى عند أهل الحديث بالمسلسل؛ يعني: إذا قال الراوي: أفعل كذا ثم جاء الذي بعده فقال مثل ذلك، فالحديث يرويه النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أم حبيبة ، فـأم حبيبة قالت: (ما برحت أفعلهن أو أصليهن بعد)، فقال عمرو بن أوس : (فما برحت أصليهن بعد)، فقال النعمان بن سالم : (فما برحت أصليهن بعد)، فهذا يسمى المسلسل.

هذا الحديث يفيد استحباب ألا ينقص المرء عن ثنتي عشرة ركعة في يومه وليلته سواء صلاها من الليل، أو صلاها من السنن الراتبة أو غير ذلك، وأما تخصيص ذلك بالسنن الرواتب فمحل نظر، نعم قد جاء عند الترمذي أنها السنن الرواتب، ولكن هذا الحديث ضعيف، فقال: ( من صلى لله ثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة: ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان قبل العصر، وركعتان بعد المغرب، وركعتان قبل الفجر )، والصحيح أن ركعتا العصر ليست من السنن الراتبة، والحديث رواه الترمذي و النسائي ، وفي سنده ضعف، والصحيح رواية مسلم ، وهي أنها مطلقة، والله أعلم.

باب بين كل أذانين صلاة

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: بين كل أذانين صلاة.

عن عبد الله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( بين كل أذانين صلاة -قالها ثلاثاً- قال في الثالثة: لمن شاء ) ].

الحديث متفق عليه.

هذا الحديث يفيد أنه يستحب للإنسان أن يتطوع بين الأذان والإقامة سواء كان حال إقامته أو حال سفره، وبالمناسبة فالسنن الرواتب هل تصلى في السفر أم لا؟ ذهب الحنابلة إلى جوازها، يعني: جواز أن تصلى في السفر، وذهب الحنفية والشافعية إلى استحباب ذلك يعني: تصلى حال الإقامة أو حال السفر، وذهب أبو العباس بن تيمية رحمه الله، واختاره ابن القيم وبعض مشايخنا أنه إذا صلى المسافر فإنه لا يستحب له بمعنى أن السنة أن يترك السنن الرواتب لحديث ابن عمر : ( يا ابن أخي! صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر حتى فارقه الله، ثم صليت مع أبي بكر حتى فارقه الله، ثم صليت مع عمر فلم يكونوا يسبحوا بعد الصلاة )، وهذا يفيد أن ابن عمر لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك، وهذا الذي جعلت أبا العباس بن تيمية يقول: إن السنة الترك، والمسألة في الحقيقة تحتاج إلى بحث، والله أعلم.

نكتفي بهذا، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [5] للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

https://audio.islamweb.net