إسلام ويب

جعل الله مواقيت معينة لكل صلاة، فوقت صلاة المغرب إذا غربت الشمس، ووقت صلاة العشاء ينتهي إلى الفجر، ولا يجوز للمسلم أن يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها، إلا إذا كان لعذر وكانت مما يجمع لها، ومن وجد مانع في حقه كالحيض والإغماء فزال هذا المانع بعد دخول الوقت فيجب عليه القضاء إذا أدرك من الوقت مقدار الصلاة، وأما الصبي إذا بلغ فإن أدرك جزءًا كبيراً من الوقت أو أدرك مقدار ركعة كاملة وجب عليه القضاء.

باب قضاء صلاة العصر بعد الغروب

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب: قضاء صلاة العصر بعد الغروب.

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: ( أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم الخندق جعل يسب كفار قريش، وقال: يا رسول الله! والله ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت أن تغرب الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فوالله! إن صليتها، فنزلنا إلى بطحان، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوضأنا، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب ) ].

هذا الحديث متفق عليه، وكان ذلك قبل نزول آية: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238].

تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها

وهو يدل على أن الإنسان لا يجوز له أن يتأخر أو يؤخر صلاة حتى يخرج وقتها، إلا إذا كان لعذر وكانت مما يجمع لها، مثل أن يؤخر صلاة الظهر إلى دخول وقت صلاة العصر لعذر فيجوز؛ لأن صلاة الظهر والعصر مما يجمع بينهما، أو يؤخر صلاة المغرب إلى صلاة العشاء إذا كان ذلك لعذر، إذا كانت صلاة المغرب والعشاء مما يجمع لها، أما أن يصلي صلاة النهار بالليل أو صلاة الليل بالنهار، فقد أجمع أهل العلم على أن ذلك لا يجوز، سواء كان ذلك بعذر أو بغير عذر، ولما نزلت حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ [البقرة:238] دل ذلك على عدم الجواز.

الترتيب في صلاة الفوائت

واستدل أهل العلم أيضاً بهذا الحديث على أن صلاة الفوائت لا بد فيها من الترتيب، وهذا هو مذهب جماهير أهل العلم خلافاً للشافعي ، وأما الحديث الذي رواه النسائي : ( أنه صلى المغرب ثم صلى بعدها العصر ) فهذا حديث ضعيف، وأكثر الروايات الصحيحة التي رواها البخاري و مسلم وغيرهما إنما فيها الترتيب: العصر ثم المغرب.

وذهب جمهور أهل العلم إلى أن صلاة الترتيب لا يجوز إسقاطها إلا بعذر، على اختلاف بينهم ما هذا العذر؟ أصحها وأحسنها: هو مذهب الإمام مالك وبعض الحنفية ورواية عند الإمام أحمد : وهو أن العذر يسقط بالجهل والنسيان وخوف فوت الثانية، ومعنى خوف فوت الثانية يعني: يخشى أن يخرج وقت العصر، فيصلي العصر في وقتها؛ لأن صلاة الظهر فاتت، وخوف فوت الثانية وخوف فوت الجمعة، هذا هو الراجح.

وأما خوف فوت الجماعة: مثل أن يأتي المسجد ولم يصل المغرب فوجد الإمام يصلي العشاء، فهل نقول: يدخل مع الإمام بنية العشاء ثم بعد السلام يصلي المغرب ويسقط الترتيب خوف فوت الجماعة؟ هذا جوزه أبو العباس بن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى، ولعل في بعض النسخ خطأ، حيث قال: يصلي معهم بنية العشاء باتفاق الفقهاء، وهذا النقل قطعاً خطأ، ويبعد أن يكون ابن تيمية قاله، ولعله خطأ من النساخ؛ لأن الخلاف معروف وقائم، فالذي يظهر -والله أعلم- أن الجماعة للثانية ليست بأولى من الجماعة للأولى إذا قلنا: بجواز اختلاف نية الإمام عن المأموم، فمثلاً أنا جئت فوجدتهم يصلون العشاء، فأقول: ليس الحظ لأن أصلي الجماعة للعشاء بأولى من أن أصلي الجماعة للمغرب إذا جاز اختلاف نية الإمام عن المأموم، والله أعلم.

وكان المالكية ورواية عن الإمام أحمد يشددون حتى في الجهل، إذا كان وقت الثانية قائماً، فلو صلى العصر ثم تذكر أنه لم يصل الظهر، قالوا: فإنه يصلي الظهر، وهل يعيد العصر؟ يقول مالك : إذا كان في وقت الثانية فيصلي العصر، كل ذلك لأجل شدة الترتيب، وهذا القول له حظ من النظر لكننا نقول: إن الله لم يأمرنا أن نصلي الصلاة مرتين.

باب في الركعتين قبل المغرب بعد الغروب

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: في الركعتين قبل المغرب بعد الغروب.

عن مختار بن فلفل قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن التطوع بعد العصر، فقال: ( كان عمر يضرب الأيدي على صلاة بعد العصر، وكنا نصلي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب، فقلت له: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما؟ قال: كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا ) ].

هذا الحديث رواه مسلم.

واستدل به بعض أهل العلم على أن هذا من السنن الرواتب أي: الركعتين اللتين قبل المغرب، لحرص الصحابة على فعلهما؛ ولهذا جاء في الصحيحين من حديث عبد الله بن المغفل : ( صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب لمن شاء ) والحديث متفق عليه، وهناك حديث آخر متفق عليه: ( كان المؤذن يؤذن لصلاة المغرب، فنبتدر السواري ) وهذا يدل على الحرص على أداء الركعتين اللتين قبل المغرب، ويدل أيضاً على العجلة في الصلاة.

والذي يظهر -والله أعلم- أن ورود ذلك على التطوع المطلق وهو قوله: ( وكان عمر رضي الله عنه يضرب الأيدي على صلاة بعد العصر )، وهذا هو الراجح، فإن بعض الصحابة منهم عائشة و عبد الله بن الزبير وروي عن ابن عمر : أنهم كانوا يصلون ركعتين بعد العصر بعد الصلاة تطوعاً، وقلنا: الراجح أن الصلاة بعد صلاة العصر إذا كانت لركعتي الظهر البعدية فيجوز، وأما إذا كان على سبيل التطوع فإن ذلك منهي عنه إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان إذا صلى صلاة أثبتها )، قال إسماعيل بن جعفر يعني: يداوم عليها، وهذه من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الراجح والله أعلم.

وأما حديث عائشة : ( ما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي بعد إلا صلى ركعتين ) فهذا كما قلنا: من خصوصياته، والله أعلم.

باب وقت المغرب إذا غربت الشمس

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: وقت المغرب إذا غربت الشمس.

عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب ) ].

والحديث متفق عليه.

يفيد الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبادر لأداء صلاة المغرب، وقد كان أهل الطوائف يصلونها إذا ظهرت النجوم يعني: اشتدت الظلمة، والسنة في المغرب الإبكار؛ ولهذا قال أنس : ( كان المؤذن يؤذن لصلاة المغرب، فنبتدر السواري قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وهذا يدل على استحباب التبكير في صلاة المغرب، والله أعلم وهذا هو الظاهر؛ ولهذا قال: ( كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب ) يعني: ولو كان ثمة إصفار، والله أعلم.

باب وقت صلاة العشاء وتأخيرها

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: وقت صلاة العشاء وتأخيرها.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، وحتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلى، فقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي ) ].

هذا الحديث رواه البخاري و مسلم من حديث ابن عباس بدون قوله: ( حتى ذهب عامة الليل ) لكنه بلفظ: ( إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي )، والحديث: ( إنه لولا أن أشق على أمتي ) هذا متفق عليه من حديث ابن عباس .

واستدل ابن المنذر بهذا الحديث على أن صلاة العشاء لا يخرج وقتها لعذر بعد منتصف الليل، وأن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : ( ووقت صلاة العشاء إلى منتصف الليل ) أن ذلك على سبيل الاختيار، ووجه الدلالة عند ابن المنذر يقول: فلما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أنه خرج على أصحابه حتى ذهب عامة الليل ثم صلى ) دل على أن النبي صلى بعد منتصف الليل، وقال: ( إنه لوقتها )، فلما جاز أن يصلي بعد منتصف الليل وقال: ( إنه لوقتها )، دل على أنه ليس ثمة تحديد إلا الفجر.

وهذا القول هو قول عامة أهل العلم، خلافاً لـابن حزم ورواية عند أحمد ، وقالوا: إن العشاء لضرورة يبقى إلى الفجر، وقد روي عن عبد الله بن عباس و عبد الرحمن بن عوف أنهما قالا: إذا طهرت الحائض قبل الفجر صلت المغرب والعشاء، والحديث عنهما فيه ضعف، فإن حديث عبد الرحمن بن عوف في سنده مولى عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن بن عوف وهو مجهول.

وأما حديث عبد الله بن عباس فإن في سنده يزيد بن أبي زياد عن ليث بن أبي سليم وهما ضعيفان، يقول ابن خزيمة : ولا أعلم خلافاً عنهما من الصحابة، لكن الحديثين فيهما ضعف، وهذا القول هو اختيار ابن تيمية يعني: أن الفجر يجمع لها، وأن العشاء يتأخر بها إلى الفجر لضرورة، هذا هو الراجح والله أعلم، وقد كنت أقول بقول ابن حزم حتى وجدت كلام ابن المنذر وكلام أبي العباس في القواعد النورانية، ولا يعلم عن الصحابة في هذا خلاف.

فعلى هذا فالأحوط أن يصليها، خاصة إذا كان يخل بأركان الصلاة، مثلاً إذا خرجوا من عرفة إلى مزدلفة وهم في الباصات وتأخر الباص حتى منتصف الليل، فهل يصلون كيفما اتفق بناء على حفظ الوقت، أم ينتظرون ولو كان بعد منتصف الليل شريطة ألا يخرج أو يطلع الفجر؟ الأولى أن ينتظروا، وهذا قول عامة أهل العلم.

باب في اسم صلاة العشاء

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: في اسم صلاة العشاء.

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنها، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم العشاء، فإنها في كتاب الله العشاء، وإنها تعتم بحلاب الإبل ) ].

هذا الحديث رواه مسلم.

وقد كره النبي صلى الله عليه وسلم تسمية العشاء بالعتمة، مع أنه قال: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر وصلاة العشاء) لكن جاء في بعض الروايات: (العتمة) فقال أهل العلم كـأبي العباس بن تيمية قال: وإنما الكراهة أن يغلب اسم العشاء على العتمة، وأما أن تذكر مرة أو مرتين فلا حرج، فدل هذا على أن النهي إنما هو للغلبة.

وهذا يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مشابهة أجلاس العرب في الأعراب، وأقول: إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن مشابهة أجلاس العرب فإن مشابهة ما خالفوا أهل الحق وطريقة أهل الحق من الذين يسمون أنفسهم: الحداثيون والليبراليون وغير ذلك أولى بمحبة المخالفة؛ لأن هؤلاء إنما كرهوا لأجل طبائعهم، فلأن يكون ذلك لأجل سلوكياتهم المخالفة للشرع من باب أولى، خاصة وأن النهي عن مشابهة اليهود والنصارى ثابتة، والله أعلم.

باب النهي عن تأخير الصلاة عن وقتها

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: النهي عن تأخير الصلاة عن وقتها.

عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها؟ قال: قلت: فما تأمرني؟ قال: صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصل، فإنها لك نافلة -ولم يذكر خلف- عن وقتها ) ].

هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.

وهذا الحديث يفيد أن ثمة قوماً يأتون فيصلون الصلاة لكنهم يؤخرونها، ومعنى التأخير: أنهم يصلون في آخر الوقت، فدل ذلك على استحباب الصلاة مبكراً ولو أدى إلى أن يصلي منفرداً، وهل يؤخرونها عن ميقاتها يعني: عن خارج وقتها؟ الجواب: لا، ليس هذا هو المراد، والله أعلم.

باب أفضل العمل الصلاة لوقتها

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: أفضل العمل الصلاة لوقتها.

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها، قال: قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قال: قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، فما تركت أستزيده إلا إرعاء عليه ) ].

الحديث متفق عليه، لكن قوله: ( فما تركت أستزيده إلا إرعاء عليه ) هذا من لفظ مسلم ، وأما لفظ البخاري و مسلم : ( ولو استزدته لزادني ).

وهذا يفيد على استحباب الصلاة في أول وقتها، وهذا في الأعم الأغلب، ما عدا ما جاء الدليل لتأخيرها مثل صلاة الظهر وقت شدة الحر على الراجح، وهو مذهب جمهور أهل العلم، وأما حديث: ( شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء فلم يشكنا ) الراجح في تفسيره: أن بعض الصحابة لم يعلم بالنسخ، فحفظ ذلك ولم يعلم بالتأخير.

الثاني: أنهم أرادوا الرغبة في التأخير أكثر، فلم يشكهم النبي صلى الله عليه وسلم يعني: لم تزل شكواهم في المطالبة.

وكذلك العشاء، أحياناً يؤخرها وأحياناً يعجل، وأما ما عدا ذلك فإن التبكير أفضل، والله أعلم.

باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ) ].

الحديث متفق عليه، وفي رواية لـمسلم : ( من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك الصلاة )، يعني: تقديم وتأخير، وجاء عند البخاري من حديث أبي هريرة : ( من أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل طلوع الصبح فقد أدرك الصبح )، ورواه مسلم من حديث عائشة : ( من أدرك سجدة ).

وقد اختلف العلماء في هذه المسألة اختلافاً طويلاً، ولو شرحنا هذا الحديث ومسائله لطال بنا المقام، لكني أذكر بعض المسائل، فأقول:

ما يلزم مع وجود مانع في حق المصلي بعد دخول الوقت

المسألة الأولى: من وجد المانع في حقه بعد دخول الوقت، كامرأة حاضت بعد دخول الوقت، وإنسان أغمي عليه بعد دخول الوقت ثم أفاق بعد، فهل الحائض إذا طهرت تقضي تلك الصلاة أم لا؟ ذهب الحنابلة إلى أنها إن أدركت مقدار جزء من الوقت كتكبيرة الإحرام وجب عليها قضاؤها إذا طهرت، فلو أذن العصر في حقها ثم حاضت وجب عليها أن تقضي العصر.

وذهب الشافعية إلى أنها إن أدركت مقدار الصلاة التي أدركتها، يعني: أدركت من وقت العصر مقدار أربع ركعات، أو أدركت من وقت الفجر ركعتين فيجب عليها القضاء؛ لأنها أدركت وقتاً يمكن أداء العبادة فيه، فإن أدركت أقل من ذلك لم يجب عليها، وهذا مذهب الشافعية وهو أظهر دليلاً، على قاعدة الواجب الموسع.

فإننا نقول: من أفطر في نهار رمضان ثم أدرك وقتاً يستطيع معه القضاء فلم يقض ثم مات، فإن جماهير أهل العلم يقولون: يجب على وليه أن يطعم عنه، لأنه أدرك وقتاً يمكن أداء العبادة فيها من غير عذر؛ لأنه واجب موسع، فكذلك الوقت واجب موسع من هذا، وهذا القول قوي.

وذهب مالك رحمه الله ورواية عن أبي حنيفة : أنه لا يجب عليها إلا إذا ضاق عليها الوقت فلم يبق منه إلا مقدار أربع ركعات من آخر الوقت، فلو أنها لم تحض أول الوقت ولا وسط الوقت ولكنها حاضت في آخر الوقت، يقول مالك : فإن أدركت آخره بمقدار لم يبق إلا أربع ركعات فقد وجب عليها؛ لأنه يجوز لها التأخير، فإذا ضاق عليها الوقت ولم يبق إلا أربع ركعات وجب عليها أداء العبادة، فكذلك أن يبقى في ذمتها في هذا الوقت، وهذا هو اختيار ابن تيمية . وأنهم يقولون: لأن القضاء لم يثبت، وليس القضاء يحكي الأداء ولم يثبت، والذي يظهر والله أعلم أن الراجح هو مذهب الشافعي .

ما يلزم عند زوال المانع في حق المصلي بعد دخول الوقت

المسألة الثانية: إذا زال المانع كصبي بلغ، وحائض طهرت، فإن أدركت جزءاً كبيراً من الوقت وجب عليها باتفاق الفقهاء، مثل أن تطهر وسط وقت العصر فيجب عليها أن تؤدي صلاة العصر باتفاق الفقهاء، لكنها إن لم تدرك إلا آخر العصر كمقدار سجدة، فهل يجب عليها أداء العصر؟ ذهب الحنابلة والشافعية إلى أنها إن أدركت من العصر بعد أن زال المانع مقدار تكبيرة الإحرام وجب عليها أداء العصر.

وذهب مالك إلى أنها إن أدركت ركعة بركوعها وسجودها وحب عليها، وهو رواية عند أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية فهذا هو الراجح وهو القول الثاني.

أداء الصلاة الأولى مع الثانية لمن أدرك وقت الثانية

من أدرك ركعة من صلاة هل يجب عليه أو عليها صلاة الأولى بعد، التي أدركتها أو وجب عليها الصلاة الثانية فقط، الآن أدركت ركعة، فكل الأقوال تقول: إن أدركت ركعة يجب عليها أداء العبادة، فهل يجب عليها أن تصلي الظهر بعد العصر؟

ذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يجب عليها أن تؤدي الأولى مع الثانية إن أدركت جزءً، وذهب مالك إلى أنه لا يجب عليها إلا أن أدركت خمس ركعات، أربع عن الثانية وركعة عن الأولى في الحضر، وثلاث ركعات في السفر: ركعتين للثانية وركعة للأولى، وهذا القول قوي، والله أعلم.

القول الثاني: لا يجب عليها أن تصلي الأولى بل يجب عليها أن تصلي العصر إذا أدركت ركعة، لكن هل يجب عليها مع العصر أن تصلي الأولى؟ يقول مالك : لا يجب عليها إلا إذا أدركت أربع ركعات للعصر زائداً ركعة للظهر؛ لأن ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة )، فهي لم تدرك الظهر إلا بأقل من ركعة فلا يجب عليها، فإن أدركت ركعة زائدة على صلاة العصر جاز لها ذلك، وهذا مذهب مالك رحمه الله، ويقول: فرق بين الحضر والسفر، رحمهم الله جميعاً رحمة واسعة.

أما ابن حزم و أبو حنيفة فإنهم يقولون: لا يجب صلاة الأولى، لقول عائشة رضي الله عنها: ( كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة )، وجه الدلالة: أن قضاء الصلاة سواء كان مما يجمع لها أو مما لا يجمع لها لا يؤمرون بقضائها، وهذا القول قوي، إلا أن قول مالك أحوط، لفتوى ابن عباس و عبد الرحمن بن عوف .

أقول: قول ابن حزم قوي، لكن الأحوط أن يؤديها، والله أعلم.

وأما مالك فإنه يقول: إن أدركت ركعتين من صلاة العصر فلا تجب عليك صلاة الظهر؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ) فإذا أدرك ثلاث ركعات فركعتين للعصر وركعة للظهر، فيكون قد أدرك ركعة من الظهر وقد جاء عن ابن عباس أنه يقول: الحائض إن طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر، فيظهر أن قول ابن عباس يميل إلى مذهب الحنابلة والشافعية أقرب، ولهذا استدل الشافعية والحنابلة بهذا الأثر، ولا يعرف في المسألة إلا عن الثلاثة من الصحابة كما قال أحمد : لا يعرف عن الصحابة في هذه المسألة إلا عن ثلاثة، عن أبي هريرة رواها حرب ولا يعرف له إسناد، وعن ابن عباس رواها البيهقي و عبد الرحمن بن عوف رواها عبد الرزاق وغيره.

باب من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها.

عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( إنكم تسيرون عشيتكم وليلتكم وتأتون الماء إن شاء الله غداً، فانطلق الناس لا يلوي أحد على أحد، قال أبو قتادة رضي الله عنه: فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير حتى ابهار الليل وأنا إلى جنبه، قال: فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمال عن راحلته، فأتيته فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته، قال: ثم سار حتى تهور الليل مال عن راحلته، قال: فدعمته من غير أن أوقظه حتى اعتدل على راحلته، قال: ثم سار حتى إذا كان من آخر السحر مال ميلة هي أشد من الميلتين الأوليين حتى كاد ينجفل، فأتيته فدعمته فرفع رأسه فقال: من هذا، قلت: أبو قتادة قال: متى كان هذا مسيرك مني؟ قلت: ما زال هذا مسيري منذ الليلة، قال: حفظك الله بما حفظت به نبيه، ثم قال: هل ترانا نخفى على الناس؟ ثم قال: هل ترى من أحد؟ قلت: هذا راكب، ثم قلت: هذا راكب آخر حتى اجتمعنا فكنا سبعة ركب، قال: فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطريق فوضع رأسه ثم قال: احفظوا علينا صلاتنا، فكان أول من استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره، قال: فقمنا فزعين، ثم قال: اركبوا فركبنا فسرنا حتى إذا ارتفعت الشمس نزل، ثم دعا بميضأة كانت معي فيها شيء من ماء، قال: فتوضأ منها وضوءاً دون وضوء، قال: وبقي فيها شيء من ماء، ثم قال لـأبي قتادة : احفظ علينا ميضأتك فسيكون لها نبأ، ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم صلى الغداة فصنع كما كان يصنع كل يوم، قال: وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وركبنا معه، قال: فجعل بعضنا يهمس إلى بعض ما كفارة ما صنعنا بتفريطنا في صلاتنا؟ ثم قال: أما لكم في أسوة، ثم قال: أما إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى، فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها، فإذا كان الغد فليصلها عند وقتها، ثم قال: ما ترون الناس صنعوا؟ قال: ثم قال: أصبح الناس فقدوا نبيهم، فقال أبو بكر و عمر : رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدكم لم يكن ليخلفكم، وقال الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أيديكم فإن يطيعوا أبا بكر و عمر يرشدوا، قال: فانتهينا إلى الناس حين امتد النهار وحمي كل شيء وهم يقولون: يا رسول الله! هلكنا عطشنا، فقال: لا هلك عليكم، ثم قال: أطلقوا لي غمري، قال: ودعا بالميضأة، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب و أبو قتادة يسقيهم، فلم يعد أن رأى الناس ماء في الميضأة تكابوا عليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسنوا الملأ كلكم سيروى، قال: ففعلوا فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصب وأسقيهم حتى ما بقي غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ثم صب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: اشرب، فقلت: لا أشرب حتى تشرب يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن ساقي القوم آخرهم شرباً، قال: فشربت وشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأتى الناس الماء جامين رواء )، قال: فقال عبد الله بن رباح : إني لأحدث هذا الحديث في مسجد الجامع إذ قال عمران بن حصين رضي الله عنه: انظر أيها الفتى! كيف تحدث فإني أحد الركب تلك الليلة، قال: قلت: فأنت أعلم بالحديث، فقال: ممن أنت؟ قلت: من الأنصار، قال: حدث فأنتم أعلم بحديثكم، قال: فحدثت القوم، فقال عمران: لقد شهدت تلك الليلة وما شعرت أن أحداً حفظه كما حفظته ].

هذا الحديث حديث عظيم، وهو من مفردات الإمام مسلم .

آخر وقت صلاة العشاء الاضطراري

في هذا الحديث فائدة: استدل بعض أهل العلم.

يقوله: (إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يأتي وقت الصلاة الأخرى)، على أن صلاة العشاء لا يخرج وقتها حتى يطلع الفجر، قالوا: وهذا عام لا يخرج إلا بدليل، وقد أجمعوا على أن بين الفجر والظهر وقت فاصل بينهما، فيبقى الباقي على عمومه.

وقت أداء صلاة الفائتة

واستدل أهل العلم أيضاً بهذا الحديث: على أن من فاتته الصلاة وجب عليه أن يؤديها متى ما ذكرها؛ لفعله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( فلما خرج وقتها صلاها بعد الوقت )، وهذا قول عامة أهل العلم، بل حكى بعضهم إجماعاً! لحديث أنس : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة له إلا ذلك )، والواقع أنه ليس في المسألة إجماع، فقد خالف في ذلك عمران بن حصين أو روي عن عمران بن حصين وعن سمرة بن جندب فإنهما قالا في الذي تفوته الصلاة حتى خرج وقتها: إنه إذا جاء وقتها من الغد صلاها ثم صلى الحاضرة، أو صلى الحاضرة ثم صلى بعدها الفائتة من الأمس، والصحيح هو قول عامة أهل العلم.

باب الصلاة في الثوب الواحد

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: الصلاة في الثوب الواحد.

عن أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن سائلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الثوب الواحد، فقال: أولكلكم ثوبان؟ ) ].

هذا الحديث متفق عليه.

ويفيد على أن الفقراء كانوا فقراء، فكانوا يصلون في ثوب واحد، واستدل عامة أهل العلم على أن الصلاة في الثوب الواحد تصح، ولو صلى وكتفاه مكشوفان.

وذهب الحنابلة إلى أن الصلاة مع كشف الكتفين باطلة، هذا المذهب عند الحنابلة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه -وفي رواية- ليس على عاتقه منه شيء ).

والراجح والله أعلم: أن الصلاة صحيحة على كل حال لحاجة أو لغير حاجة، فإن كان لحاجة صحت الصلاة من غير إثم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فإن كان ضيقاً فاشدده على حقوك )، وإن كانت لغير حاجة فهي منهي عنها، هل للكراهة أم للتحريم؟ التحريم أقرب، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد مشتملاً به في بيت أم سلمة واضعاً طرفيه على عاتقيه ) ].

الحديث متفق عليه من حديث عمر ومن حديث جابر ، لكن حديث جابر ليس بهذا اللفظ، بل حديث جابر : ( أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الثوب الواحد مشتملاً به ).

باب الصلاة في الثوب المعلم

قال المصنف رحمه الله: [ باب: الصلاة في الثوب المعلم.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: ( قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في خميصة ذات أعلام، فنظر إلى علمها، فلما قضى صلاته قال: اذهبوا بهذه الخميصة إلى أبي جهم بن حذيفة وأتوني بأنبجانية فإنها ألهتني آنفاً في صلاتي ) ].

الحديث متفق عليه من حديث عائشة.

وفيه فائدة: وهي أن الصلاة في التصاوير التي ليست هي من ذوات الأرواح مكروهة؛ لأنها تشغل، هذا مذهب جماهير أهل العلم.

فإذا كانت تشغل المصلي فهي مكروهة، وصلاتنا الآن على الفرش المزخرفة التي تلهي، لكن إذا تعود الناس بحيث لا ينشغلون بها فإن الصلاة عليها تزول عنها الكراهة، وإن كانت السلامة مطلب وتركها أولى، فيكون الشيء من غير زخرفة أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فإنها ألهتني آنفاً في صلاتي ).

باب الصلاة على الحصير

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: الصلاة على الحصير.

عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ( أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته فأكل منه ثم قال: قوموا فأصلي لكم، قال أنس بن مالك : فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم انصرف ) ].

الحديث متفق عليه.

وفيه فوائد:

حكم الجلوس على ما نهى عن لبسه

الفائدة الأولى: أن لبس ما ينهى عنه والجلوس عليه سواء، لأن الجلوس عليه لبس؛ لقول أنس : ( فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس ) يعني: ما جلس عليه، استدل بعض أهل العلم على أن الجلوس على الثياب الحرير كلبسها، وقال بعضهم: إن المنهي عنه إنما هو في اللبس وأما الجلوس فهو أوسع، وإذا نهي عن الأضيق فلا يأخذ حكم الأوسع، ولكن إذا نهي عن الأوسع دخل الأضيق من باب أولى، وهذا القول فيه قوة.

مصافة الصبي المميز في الصلاة

الفائدة الثانية: يفيد صحة مصافة الصبي المميز، قال: ( فقمت أنا والغلام وراءه والعجوز من ورائنا ) فدل ذلك على صحة مصافة الصبي، خلافاً للحنابلة الذين لم يروا صحة المصافة إلا بالبلوغ.

الصلاة خلف الصف منفرداً

ومن الفوائد أيضاً: أن الصلاة خلف الصف لحاجة جائزة؛ وذلك لأن (النساء شقائق الرجال)، فلما صلت هذه المرأة وحدها خلف الصف دل ذلك على أن الرجل إذا امتلأ الصف فإنه يصلي خلف الصف، كما استدل به الجمهور على الجواز، وكما استدل بذلك الشافعي، والأقرب أن ذلك للحاجة كما قال أبو العباس، وغاية ما في ذلك أن الصلاة خلف الصف واجبة، وغاية الواجبات يسقط مع العجز وعدم الإمكان.

باب الصلاة في النعلين

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: الصلاة في النعلين.

عن سعيد بن يزيد قال: قلت لـأنس بن مالك رضي الله عنه : ( أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في النعلين؟ قال: نعم ) ].

والحديث متفق عليه.

وهذا الحديث يفيد كما قلنا مراراً وتكراراً أننا إن وافقنا أهل الكتاب في العبادة استحب لنا المخالفة في الصفة، فوافقناهم في صيام عاشوراء فاستحب لنا أن نخالفهم في صيام يوم قبله أو يوم بعده، ووافقناهم في الصلاة فاستحب لنا مخالفتهم في لبس النعال، هذا في العبادة، وإن وافقناهم في الطبيعة والجبلة مثل الشيب استحب لنا المخالفة في الصفة بأن نصبغ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في المتفق عليه: ( إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم ).

باب أول مسجد وضع في الأرض

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: أول مسجد وضع في الأرض.

عن أبي ذر رضي الله عنه قال: ( قلت: يا رسول الله! أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال المسجد الأقصى، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد ) ].

الحديث متفق عليه إلا زيادة ( فهو مسجد ) وهو من مفردات مسلم ، و ( وأينما أدركتك الصلاة فصل )، وفي رواية: ( فإن الفضل فيه )، وفي رواية: ( فأينما أدركتك الصلاة فالأرض لك مسجد ).

وهذا الحديث يفيد أن المسجد الحرام بني أولاً ثم المسجد الأقصى، والله أعلم.

باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة، فنزل في علو المدينة في حي يقال لهم: بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، ثم إنه أرسل إلى ملأ بني النجار، فجاءوا متقلدين بسيوفهم، قال: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، و أبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله حتى ألقى بفناء أبي أيوب، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم ثم إنه أمر بالمسجد، قال: فأرسل إلى ملأ بني النجار فجاءوا، فقال: يا بني النجار! ثامنوني بحائطكم هذا، قالوا: لا والله! لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، قال أنس: فكان فيه ما أقول: كان فيه نخل وقبور المشركين وخرب، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنخل فقطع وبقبور المشركين فنبشت وبالخرب فسويت، قال: فصفوا النخل قبلة، وجعلوا عضادتيه حجارة. قال: فكانوا يرتجزون ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم وهم يقولون: اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فانصر الأنصار والمهاجرة) ].

الحديث متفق عليه لكن بدل: فانصر (فاغفر للأنصار والمهاجرة).

وهذا يدل على أن المقابر إنما نهي عن الصلاة فيها خوف فتنة الشرك، وليس لأجل النجاسة خلافاً للشافعي ، وهذا يدل على ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبش قبور المشركين، ولم يحفظ أنه أزال التراب الذي كان قريباً منه، فهذا الراجح والله أعلم.

باب في المسجد الذي أسس على التقوى

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: في المسجد الذي أسس على التقوى.

عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: مر بي عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، قال: قلت له: كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الذي أسس على التقوى؟ قال: قال أبي: ( دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه، فقلت: يا رسول الله! أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفاً من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال: هو مسجدكم هذا لمسجد المدينة، قال: فقلت: أشهد أني سمعت أباك هكذا يذكره ) ].

الحديث رواه مسلم.

وهذا يدل على أن قوله تعالى: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى [التوبة:108] نزلت في قباء، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( هو مسجدكم هذا ) يعني هذا من باب أولى، والله أعلم.

باب فضل الصلاة في مسجد المدينة ومكة

قال المؤلف رحمه الله: [ باب: فضل الصلاة في مسجد المدينة ومكة.

عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: إن امرأة اشتكت شكوى، فقالت: إن شفاني الله لأخرجن فلأصلين في بيت المقدس، فبرئت ثم تجهزت تريد الخروج، فجاءت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تسلم عليها، فأخبرتها ذلك فقالت: اجلسي فكلي ما صنعت، وصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد الكعبة ) ].

الحديث رواه مسلم .

كيفية الوفاء بالنذر

واستدل بعض أهل العلم بهذا الحديث على أن من نذر نذراً فيبرأ بنذره بأن يفعله أو يفعل ما هو أعلى منه، فلما نذرت أن تذهب إلى المسجد الأقصى فإن نذرها يوفى بأن تذهب إلى المسجد الأقصى أو تذهب إلى ما هو أفضل منه وهو: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.

تحديد مكان مضاعفة الحسنات في المسجد الحرام

ومن المسائل أيضاً: أن بعض الفقهاء المتأخرين استدل بهذا الحديث: على أن المضاعفة في المسجد الحرام إنما هي لمسجد الكعبة، المسجد الذي يبنى وليست منطقة الحرم، وهذا اختيار شيخنا محمد بن عثيمين .

وذهب عامة أهل العلم من السلف والخلف إلى أن المضاعفة إنما هي للحرم كله؛ لقوله سبحانه وتعالى: فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28]، والمسجد الحرام الذي هو: الحرم، وأما هذا الحديث فليس فيه ما يدل على ذلك، يعني: على اقتصاره على بناء المسجد؛ وذلك لأن قوله صلى الله عليه وسلم: ( إلا مسجد الكعبة ) هو المسجد الحرام؛ لأن المسجد الحرام يطلق عليها الكعبة، كما قال الله تعالى: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95]، ومن المعلوم بالإجماع أنه لو ذبح في غير المسجد في منطقة الحرم أجزأ بالإجماع، فدل ذلك على أن المقصود بالكعبة إنما المقصود به المسجد الحرام.

ومن الأدلة أيضاً أننا نقول: إن هذا ليس من باب الخاص والعام؛ لأن شيخنا محمد يقول: ذكر الخاص بحكم لا يخالف العام يدل على التخصيص، فالمسجد الحرام مطلق، يقول الشيخ: هذا مطلق وهذا مقيد فقيد، والأقرب أن هذا ليس بمطلق أو مقيد بل إن هذا نوع من ألفاظ التسمية، بأن نقول: إن هذا مسجد الكعبة والمسجد الحرام وغيره، فهذا نوع من ألفاظ التسمية. والله أعلم.

ولعل في هذا كفاية، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الأسئلة

الفرق بين لبس جلود السباع والجلوس عليها

السؤال: هل لبس جلود السباع والجلوس عليها في النهي سواء؟

الجواب: الجلوس أوسع واللبس أضيق؛ لأن كون الإنسان يلبس الشيء مخالطته له أكثر؛ ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن جلود السباع والجلوس عليها، فالنهي لأمرين: اللبس أشد، والجلوس أخف.

مدى دخول من يطوف في أحاديث تغطية العاتقين

السؤال: الذي يطوف حول البيت هو في صلاة فهل يشمله أحاديث تغطية العاتقين في الصلاة؟

الجواب: إذا طاف لا بد أن يستر عاتقه الأيمن، أو يستر عاتقيه، ولا ينبغي أن يتركه مكشوفاً، فالاضطباع أن يغطي عاتقه الأيمن ويستر الآخر، فلا بد أن يغطي الأيمن أو أن يغطيهما فأقول: كوني أغطي الاثنين أفضل من أن أكشف الاثنين، فهو إما أن يضطبع وإما أن يغطي، فلا يكشفها كاملاً، هذا في الطواف، وأما إذا صلى فلا بد أن يغطي.

نكتفي بهذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , مختصر صحيح مسلم - كتاب الصلاة [1] للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

https://audio.islamweb.net