إسلام ويب

إن من سماحة هذا الدين ويسره أن شرع الله عز وجل لعباده صلاة الخوف، والتي تختلف عن بقية الصلوات، فإنه يتسامح فيها ما لا يتسامح في غيرها من الحركة والتنقل، وهذا يبين يسر هذا الدين، وأن العبد يتعلق بربه في حال الأمن والخوف.

صفة صلاة الخوف

شرح حديث أبي هريرة: (عام غزوة نجد قام رسول الله لصلاة العصر وقامت معه طائفة ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى في كتاب صلاة الخوف: [حدثنا عبيد الله بن فضالة بن إبراهيم حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ح، وأخبرنا محمد بن عبد الله بن يزيد حدثنا أبي حدثنا حيوة وذكر آخر حدثنا أبو الأسود أنه سمع عروة بن الزبير يحدث عن مروان بن الحكم أنه سأل أبا هريرة رضي الله تعالى عنه: (هل صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال أبو هريرة: نعم. قال: متى؟ قال: عام غزوة نجد، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العصر، وقامت معه طائفة، وطائفة أخرى مقابل العدو، وظهورهم إلى القبلة، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبروا جميعاً؛ الذين معه والذين يقابلون العدو، ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة واحدة، وركعت معه الطائفة التي تليه، ثم سجد وسجدت الطائفة التي تليه، والآخرون قيام مقابل العدو، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقامت الطائفة التي معه، فذهبوا إلى العدو فقابلوهم، وأقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو، فركعوا، وسجدوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم كما هو، ثم قاموا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة أخرى، وركعوا معه، وسجد، وسجدوا معه، ثم أقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو، فركعوا، وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ومن معه، ثم كان السلام، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا جميعاً، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان، ولكل رجل من الطائفتين ركعتان ركعتان)].

وهذا مثل الحديث المتقدم، إلا أن فيه أنه قال: (ثم)، ويحتمل أن يكون قبل السلام، مثل الصفة الأولى التي جاءت عن طريق صالح بن خوات: أنه ثبت جالساً، وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم، لكن تلك إحدى الطرق التي مرت، وهي: أن كل طائفة تصلي ركعة ركعة، وذلك بعد سلام الإمام، يعني: فهذه الطائفة الأولى قضت الركعة التي عليها، قبل أن تذهب، وسلمت، والطائفة الثانية، جاءت وصلت معهم الركعة الثانية وقضت الركعة التي عليها.

شرح حديث أبي عياش الزرقي: (... فصلى بهم رسول الله العصر فصفهم صفين خلفه ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى في كتاب صلاة الخوف: [أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار عن محمد حدثنا شعبة عن منصور سمعت مجاهداً يحدث عن أبي عياش الزرقي قال شعبة: كتب به إلي، وقرأته عليه، وسمعته منه يحدث، ولكني حفظته، قال ابن بشار في حديثه: حفظي من الكتاب: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مصاف العدو بعسفان، وعلى المشركين خالد بن الوليد، فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم الظهر، قال المشركون: إن لهم صلاة بعد هذه، هي أحب إليهم من أموالهم، وأبنائهم، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر، فصفهم صفين خلفه، فركع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً، فلما رفعوا رءوسهم سجد بالصف الذي يليه، وقام الآخرون، فلما رفعوا رءوسهم من السجود سجد الصف المؤخر بركوعهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تأخر الصف المقدم، وتقدم الصف المؤخر، فقام كل واحد منهم في مقام صاحبه، ثم ركع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً، فلما رفعوا رءوسهم من الركوع، سجد الصف الذي يليه وقام الآخرون، فلما فرغوا من سجودهم، سجد الآخرون، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم عليهم)].

فهذا الحديث -حديث أبي عياش الزرقي رضي الله تعالى عنه- اشتمل على صفة صلاة الخوف، فيما إذا كان العدو في جهة القبلة، وقد مرت هذه الصفة في بعض الأحاديث عن غير أبي عياش الزرقي، وهذه الصفة هي: إذا كان العدو في جهة القبلة، والتي جاءت في حديث جابر فيما مضى وغيره، هي: أن النبي عليه الصلاة والسلام صفهم صفين، ودخل في الصلاة، ودخلوا معه جميعاً، ثم إنه كبر، وكبروا معه جميعاً، ثم ركع، وركعوا معه جميعاً، ثم رفع، وقاموا معه جميعاً، ثم سجد، وسجد الصف الذي يليه، وأولئك بقوا على ما هم عليه، أي: الصف المؤخر، ثم لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه إلى الركعة الثانية، سجدوا لأنفسهم، ثم قاموا، وتقدم الصف المؤخر، وتأخر الصف المقدم، وصلى بهم الركعة الثانية، ثم إنه عمل في الركعة الثانية، كما عمل في الركعة الأولى، ركع، وركع معه الصف الذي يليه، ثم رفعوا جميعاً، ثم سجد، ومعه الصف الذي يليه، ولما استقروا جالسين، سجد أولئك السجدتين، فالصف المقدم تأخر، والصف المؤخر تقدم، وصلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأصحابه الركعة الأولى وركعوا، ثم إنه سجد، ومعه الصف الأول الذي كان مؤخراً في الأول، ثم إنه لما جلس سجد الذين كانوا قائمين في الصف الثاني، ثم إنه سلم بهم جميعاً، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان، ولكل منهم ركعتان، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه هي الصفة التي مرت في حديث جابر وغيره، يعني: فيما إذا كان العدو في جهة القبلة؛ فإنهم يكونون مع النبي عليه الصلاة والسلام في الركوع، ولكنهم يختلفون في السجود، يسجد الذين وراءه، والصف المؤخر يقضون لأنفسهم، وهكذا، فتكون الركعتان للمأمومين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كل منهم صلى ركعتين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين.

تراجم رجال إسناد حديث أبي عياش الزرقي: (... فصلى بهم رسول الله العصر فصفهم صفين خلفه ...)

قوله: [أخبرنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار].

محمد بن المثنى هو الملقب الزمن العنزي، كنيته أبو موسى، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة، ومثله: محمد بن بشار الشيخ الثاني، فإنه أيضاً شيخ لأصحاب الكتب الستة، وهو ثقة، وهذان الشيخان للنسائي، وهما من شيوخ أصحاب الكتب الستة، جميعاً ماتا في سنة واحدة، وهي سنة اثنتين وخمسين ومائتين، أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات، فهما من صغار شيوخه، وكانا متماثلين، قيل: إنهما متفقان في سنة الولادة، وفي سنة الوفاة، وفي التلاميذ، والشيوخ، وكونهم من أهل البصرة، ولهذا قال الحافظ ابن حجر: وكانا كفرسي رهان، وماتا في سنة واحدة، ومثلهما: يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة، وأيضاً توفي في السنة التي مات فيها محمد بن المثنى، ومحمد بن بشار، أي: قبل وفاة البخاري بأربع سنوات.

[عن محمد].

محمد غير منسوب، وهو محمد بن جعفر، الملقب غندر، وإذا جاء محمد، يروي عن شعبة، ويروي عنه محمد بن بشار، أو محمد بن المثنى، وهو غير منسوب، فإن المراد به محمد بن جعفر، الملقب غندر، وهو ثقة، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو بصري أيضاً، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن شعبة].

هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، وهو ثقة، ثبت، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وهي من أعلى صيغ التعديل وأرفعها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن منصور].

هو ابن المعتمر الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[سمعت مجاهداً].

هو مجاهد بن جبر المكي، وهو ثقة، إمام في التفسير وفي العلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي عياش الزرقي].

صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه أخرجه أبو داود، والنسائي.

شرح حديث أبي عياش الزرقي: (... فصلى بنا رسول الله صلاة العصر ففرقنا فرقتين ...) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد حدثنا منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الظهر وعلى المشركين يومئذ خالد بن الوليد، فقال المشركون: لقد أصبنا منهم غرة، ولقد أصبنا منهم غفلة، فنزلت صلاة الخوف بين الظهر والعصر، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، ففرقنا فرقتين: فرقة تصلي مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفرقة يحرسونه، فكبر بالذين يلونه، والذين يحرسونهم، ثم ركع، فركع هؤلاء وأولئك جميعاً، ثم سجد الذين يلونه وتأخر هؤلاء والذين يلونه، ثم سجد الذين يلونه، وتأخر هؤلاء الذين يلونه، وتقدم الآخرون، فسجدوا، ثم قام فركع بهم جميعاً الثانية بالذين يلونه وبالذين يحرسونه، ثم سجد بالذين يلونه، ثم تأخروا فقاموا في مصاف أصحابهم، وتقدم الآخرون فسجدوا، ثم سلم عليهم، فكانت لكلهم ركعتان ركعتان مع إمامهم، وصلى مرة بأرض بني سليم)].

لعلها: (هؤلاء الذين يلونه)؛ لأن هؤلاء الذين يلونه، هم الذين تأخروا، يعني (الواو) ليس واضحاً ورودها هنا، يعني: أن هؤلاء الذين في الصف الأول هم الذين سجدوا معه، فهم الذين يلونه، وأولئك تقدموا، إلا إذا كان العطف لشيء على مثله فيمكن، مثلما إذا اختلف اللفظ، يمكن العطف على اختلاف اللفظ، وإن كان المعنى واحداً، مثل قول الشاعر:

وألفى قولها كذباً وميناً

الكذب هو المين، والمين هو الكذب، لكن الذي يبدو أن الواو زائدة، يعني: تأخر هؤلاء الذين يلونه، أي الذين سجدوا معه.

أورد النسائي حديث أبي عياش الزرقي رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله، إلا أن فيه: تقدماً وتأخراً عند السجود، يعني: أن الذين كانوا تقدموا تأخروا، ففيه زيادة عمل، عما كان في الرواية السابقة؛ لأن الرواية السابقة ليس فيها تقدم وتأخر إلا مرة واحدة، وأما هذه الصفة وهذه الرواية، ففيها تقدم وتأخر آخر، يعني: في حال الجلوس؛ لأن الذين كانوا في الركعة الأولى متأخرين وتقدموا في الركعة الثانية، تأخروا عند السجود، وتقدم الذين كانوا متأخرين فصارت النهاية أن الذين كانوا أولاً في البداية، كانوا أولاً في النهاية، ولا أدري، والحديث الراوي له أبو عياش الزرقي، وكان على المشركين خالد بن الوليد، وكل العدو في جهة القبلة، فإن كانت مرة ثانية، فالأمر واضح، وإن كانت مرة واحدة، فإن فيها اختلافاً، والصفة الأولى هي المطابقة لحديث جابر في صفة صلاة الخوف، فيما إذا كان العدو في جهة القبلة.

وكذلك غيره فيما تقدم من الروايات، وهو أنه لا يكون هناك تقدم وتأخر إلا مرة واحدة، ما في تقدم وتأخر مرتين، لكن هذه الرواية فيها التقدم والتأخر مرتين، فإن كانت قصة أخرى فالأمر واضح، وتكون هذه صفة وتلك صفة، وإن كانت قصة واحدة، فإن الرواية الأولى هي التي تؤيدها الرواية الأخرى الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، في بيان صلاة الخوف، فيما إذا كان العدو في جهة القبلة، وهي مثل الصفة الأولى؛ لحديث أبي عياش الزرقي رضي الله تعالى عنه.

تراجم رجال إسناد حديث أبي عياش الزرقي: (... فصلى بنا رسول الله صلاة العصر ففرقنا فرقتين ...) من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].

هو الفلاس، لقبه الفلاس، وهو ثقة، ناقد، متكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، وكثيراً ما يأتي ذكره في كتب الرجال: قال الفلاس كذا، وثقه الفلاس، ضعفه الفلاس، وأحياناً يأتي عمرو بن علي كما هنا، وهو بصري، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد].

هو عبد العزيز بن عبد الصمد العمي البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا منصور عن مجاهد عن أبي عياش].

وقد مر ذكرهم في الإسناد الذي قبل هذا.

شرح حديث أبي بكرة: (أن النبي صلى بالقوم في الخوف ركعتين ثم سلم ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى وإسماعيل بن مسعود واللفظ له قالا: حدثنا خالد عن أشعث عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالقوم في الخوف ركعتين، ثم سلم، ثم صلى بالقوم الآخرين ركعتين، ثم سلم، فصلى النبي صلى الله عليه وسلم أربعاً)].

أورد النسائي حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه، وهو يشتمل على صفة من صفات صلاة الخوف، وهي: أن النبي عليه الصلاة والسلام قسم أصحابه قسمين، أو جعلهم مجموعتين: مجموعة صلى بهم ركعتين، ثم سلم، ثم جاءت المجموعة الثانية، فصلى بهم ركعتين، ثم سلم، فيكون الرسول صلى الله عليه وسلم صلى مرتين، بالطائفة الأولى صلى الفرض، وبالطائفة الثانية صلى النفل، وهذا من أدلة صحة صلاة المفترض خلف المتنفل؛ لأن المجموعة الثانية مفترضون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم متنفل؛ لأن الذي صلاها بالجماعة الأولى هي الفرض، فصلاته الثانية نفل، فهذا من أوضح الأدلة على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل.

ومنها: حديث معاذ رضي الله عنه، أنه كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء، ثم ينصرف إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، وهو متنفل وهم مفترضون، فهذان الحديثان، حديث معاذ في صلاته بأصحابه بعد أن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يدل على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل، وحديث أبي بكرة هذا، في إحدى صفات صلاة الخوف، يدل على صحة صلاة المفترض خلف المتنفل.

إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم هنا صلى مرتين: مرة بالطائفة الأولى، وهو مفترض صلى بهم ركعتين وسلم، ثم ذهبوا، وجاء أولئك فصلى بهم ركعتين، ثم سلم، فصار متنفلاً في صلاته بالطائفة الثانية، فهذه إحدى صفات صلاة الخوف.

تراجم رجال إسناد حديث أبي بكرة: (أن النبي صلى بالقوم في الخوف ركعتين ثم سلم ...)

قوله: [أخبرنا محمد بن عبد الأعلى وإسماعيل بن مسعود].

محمد بن عبد الأعلى، هو البصري، وهو ثقة، خرج حديثه مسلم، وأبو داود في كتاب القدر، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.

وإسماعيل بن مسعود، هو أبو مسعود البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه النسائي وحده.

واللفظ له، أي: لـإسماعيل بن مسعود.

[حدثنا خالد].

هو ابن الحارث البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أشعث].

هو ابن عبد الملك الحمراني، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن الحسن].

هو ابن أبي الحسن البصري، وهو ثقة، فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أبي بكرة].

وهو: نفيع بن الحارث، صاحب رسول الله عليه الصلاة والسلام، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث جابر: (أن النبي صلى بطائفة من أصحابه ركعتين ثم سلم ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة من أصحابه ركعتين، ثم سلم، ثم صلى بآخرين أيضا ركعتين، ثم سلم)].

أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وهو مثل حديث أبي بكرة المتقدم، يعني: يشتمل على بيان صفة صلاة الخوف، على الصفة التي جاءت في حديث أبي بكرة، وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بطائفة من أصحابه ركعتين، ثم سلم، ثم صلى بالطائفة الثانية ركعتين، ثم سلم، فهو دال على ما دل عليه حديث أبي بكرة.

تراجم رجال إسناد حديث جابر: (أن النبي صلى بطائفة من أصحابه ركعتين ثم سلم ...)

قوله: [أخبرنا إبراهيم بن يعقوب].

هو الجوزجاني، وهو ثقة، حافظ، أخرج حديثه أبو داود، والنسائي، والترمذي.

[حدثنا عمرو بن عاصم].

صدوق، في حفظه شيء، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا حماد بن سلمة].

هو حماد بن سلمة بن دينار، وهو ثقة، عابد، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن قتادة].

هو ابن دعامة السدوسي البصري، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن الحسن].

هو ابن أبي الحسن البصري، وقد تقدم ذكره في الحديث الذي قبل هذا.

[عن جابر بن عبد الله].

هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهم: أبو هريرة، وابن عمر وجابر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وقد جمعهم السيوطي في الألفية بقوله:

والمكثرون في رواية الأثرأبو هريرة يليه ابن عمر

وأنس والبحر فالخدريوجابر وزوجة النبي

شرح حديث سهل بن أبي حثمة: (يقوم الإمام مستقبل القبلة وتقوم طائفة منهم معه ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا أبو حفص عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة في صلاة الخوف قال: (يقوم الإمام مستقبل القبلة، وتقوم طائفة منهم معه، وطائفة قبل العدو ووجوههم إلى العدو، فيركع بهم ركعة، ويركعون لأنفسهم، ويسجدون سجدتين في مكانهم، ويذهبون إلى مقام أولئك، ويجيء أولئك فيركع بهم، ويسجد بهم سجدتين، فهي له اثنتان، ولهم واحدة، ثم يركعون ركعة ركعة، ويسجدون سجدتين)].

أورد النسائي حديث سهل بن أبي حثمة، وهو مشتمل على صفة صلاة الخوف، وقد مرت هذه الصفة، وهي: أنه يجعل أصحابه طائفتين: طائفة يصلون معه، وطائفة يصلون تجاه العدو، فالطائفة التي تصلي معه، تذهب وتقف في مواجهة العدو، ويأتي الذين في مواجهة العدو، ويصلون معه الركعة الثانية، ثم يسلم، ثم تقوم كل طائفة تصلي ركعة ركعة، هذه هي إحدى صلاة الخوف، وقد مرت هذه الصفة في بعض الأحاديث السابقة.

تراجم رجال إسناد حديث سهل بن أبي حثمة: (يقوم الإمام مستقبل القبلة وتقوم طائفة منهم معه ...)

قوله: [أخبرنا أبو حفص عمرو بن علي].

هو الفلاس، الذي تقدم ذكره في الإسناد الذي قبل هذا قريباً.

[حدثنا يحيى بن سعيد].

هو يحيى بن سعيد القطان البصري، الثقة، المتكلم في الرجال، جرحاً وتعديلاً، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن يحيى بن سعيد].

هو الأنصاري المدني، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن القاسم بن محمد].

هو القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، أحد الفقهاء السبعة في المدينة، في عصر التابعين، وهو ثقة، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن صالح بن خوات].

هو صالح بن خوات الأنصاري المدني، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن سهل بن أبي حثمة].

هو صحابي صغير، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث جابر: (أن النبي صلى بأصحابه صلاة الخوف فصلت طائفة معه ...) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا عبد الأعلى حدثنا يونس عن الحسن حدث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة الخوف، فصلت طائفة معه، وطائفة وجوههم قبل العدو، فصلى بهم ركعتين، ثم قاموا مقام الآخرين، وجاء الآخرون فصلى بهم ركعتين، ثم سلم)].

أورد النسائي حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، الذي فيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قسم أصحابه مجموعتين، فصلى بالمجموعة الأولى، ثم ذهبت إلى مواجهة العدو، وجاءت الطائفة الثانية، وصلى بهم ركعتين، ثم سلم، فليس فيه ذكر التسليم مع الطائفة الأولى، وإنما فيه أنه صلى بهم ركعتين، ثم ذهبوا، ثم جاءت الطائفة الثانية، فصلى بهم ركعتين، ثم سلم.

وحديث جابر المتقدم يقول: إنه صلى بهم ركعتين، ثم سلم، ثم صلى بالطائفة الثانية ركعتين، ثم سلم، فيحتمل أن يكون هذا مثل ذاك، ويكون مختصراً من المتقدم، الذي فيه ذكر السلام مرتين، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه، كل طائفة على حدة ركعتين ثم سلم، أي: يسلم مع كل طائفة، بحيث يكون صلى ركعتين وسلم، ثم صلى ركعتين وسلم، فكان له صلاة فريضة، وصلاة نافلة، ويحتمل أن يكون صلى أربعاً، ويكون ركعتين للأولين ثم سلموا، ثم ركعتين للطائفة الأخيرة ثم سلم بهم، فإذا كان الحديث اختصاراً للأول وهو واحد، فيكون مشتملاً على صفة واحدة، وإلا فإنه يكون مشتملاً على صفة جديدة، وهي: أنه يكون صلى أربعاً: الطائفة الأولى صلت معه ركعتين، والطائفة الثانية صلت معه ركعتين، فتكون صلاته واحدة، ومحتمل أن يكون اختصاراً للحديث المتقدم عن جابر.

تراجم رجال إسناد حديث جابر: (أن رسول الله صلى بأصحابه الخوف فصلت طائفة معه ...) من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي].

هو الفلاس، وقد تقدم.

[حدثنا عبد الأعلى].

هو ابن عبد الأعلى البصري، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا يونس].

هو ابن عبيد البصري، وهو ثقة، ثبت، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن الحسن حدث جابر].

وقد مر ذكرهما.

شرح حديث أبي بكرة: (أن النبي صلى صلاة الخوف بالذي خلفه ركعتين والذين جاءوا بعد ركعتين ...) من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا الأشعث عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه صلى صلاة الخوف بالذين خلفه ركعتين، والذين جاءوا بعد ركعتين، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات، ولهؤلاء ركعتين ركعتين)].

أورد النسائي حديث أبي بكرة رضي الله عنه، وهو مثل حديث جابر الذي قبله، ويقال فيه، ما قيل في حديث جابر؛ لأن حديث أبي بكرة الذي مر قبل حديث جابر المتقدم، فيه: أنه صلى ركعتين ثم سلم، ثم صلى ركعتين ثم سلم، وهنا صلى ركعتين، وما ذكر السلام، ثم صلى ركعتين ثم سلم، فإذا كان مختصراً للحديث الذي قبله، فيكون صفة صلاة الخوف واحدة، وإن كان ليس اختصاراً له، وإنما هي صفة أخرى، فيكون معناه: أنه صلى أربعاً، ولكل طائفة من الذين صلوا وراءه ركعتين، فتكون للنبي صلى الله عليه وسلم أربعاً، وهي صلاة واحدة فرض، ولكل طائفة من أصحابه ركعتين.

تراجم رجال إسناد حديث أبي بكرة: (أن النبي صلى صلاة الخوف بالذي خلفه ركعتين والذين جاءوا بعد ركعتين ...) من طريق أخرى

قوله: [أخبرنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد].

وقد مر ذكرهما.

[حدثنا الأشعث].

هو ابن عبد الملك الحمراني، وقد تقدم ذكره.

[عن الحسن عن أبي بكرة].

وقد مر ذكرهما.

الأسئلة

العلة من الوضوء من لحم الإبل دون الغنم

السؤال: ما معنى هذا الحديث: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ، قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، فتوضأ من لحوم الإبل)، لأي سبب يتوضأ من لحوم الإبل؟

الجواب: حديث الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالتفريق بين الإبل والغنم، وأن الإبل يتوضأ الإنسان من أكل لحمها، والغنم هو مخير: إن شاء توضأ، وإن شاء لم يتوضأ، أما التعليل: فالله تعالى أعلم، الواجب هو اتباع الدليل إذا جاء، سواء عرفت العلة أو لم تعرف، لكن إذا بحث عن العلة ووجد تعليلاً، فيزيد الأمر وضوحاً وجلاءً، وإلا فإنه لا يثني الإنسان عن أن يأخذ بالدليل، وإن لم يعرف الحكمة؛ لأن الإنسان عليه أن يستسلم وينقاد، ولو لم يعرف الحكمة، والدليل على هذا: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما قبل الحجر الأسود قال: (أما إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك)، القضية هي قضية اتباع وانقياد لما جاء عن الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، ولا يتوقف الأمر على معرفة الحكمة ومعرفة العلة.

ومن العلماء من علل بأن الإبل فيها شدة، فيكون الوضوء فيه تخفيف لهذه الشدة التي فيها، ومن المعلوم: أن أهل الغنم، معروفون بالسكينة والوقار، وأما أهل الإبل فعندهم الشدة والغلظة، يعني: أهل الإبل، فيهم من صفات الإبل، وأما الغنم ففيها خفة وسهولة ليس فيها شدة، فالذي يرعاها يكون به شيء من صفاتها، يعني: من ناحية السهولة واللين وعدم الشدة.

فالحاصل: أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن الوضوء من لحم الإبل؟ فقال: (توضأ)، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم؟ فقال: (إن شئت فتوضأ، وإن شئت لا تتوضأ)، وهذا يدلنا على ثبوت هذا الحكم، وهو: وجوب الوضوء من لحم الإبل، أما لحم الغنم، فالإنسان بالخيار: إن شاء توضأ، وإن شاء لم يتوضأ.

حكم رفع اليدين في الدعاء

السؤال: هل من السنة رفع اليدين في الدعاء؟

الجواب: هذا السؤال مطلق، ورفع اليدين في الدعاء له ثلاث حالات: حالة عرف فيها رفع اليدين، وثبت في مواطن، مثل: الاستسقاء، وكون الإنسان على الصفا والمروة، فإن هذا مما ورد فيه رفع اليدين، فترفع فيه اليدان.

والحالة الثانية: الأمور التي وقعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثرة، ولم يشاهد ولا في مرة واحدة أنه رفع يديه، فهذا لا ترفع منه اليدان، مثل: بعد الصلوات الخمس، فإنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي بأصحابه الصلوات الخمس، ولم يذكر أنه رفع يديه بعد الصلوات الخمس في الدعاء.

فإذاً: السنة أنه لا ترفع اليدان في هذا الموطن، وكذلك في خطبة الجمعة -على كثرة خطبه عليه الصلاة والسلام ودعائه- فما كان يرفع يديه عليه الصلاة والسلام في الخطبة؛ ولهذا عمارة بن رويبة الصحابي، لما رأى أميراً من الأمراء يرفع يديه وهو في الخطبة، أنكر عليه وقال: (ما زاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشار بإصبعه)، يعني: عند التشهد يشير بأصبعه، فهذا يدل على: أن في خطبة الجمعة لا ترفع الأيدي، وبعد صلاة الفرض كذلك لا ترفع الأيدي.

أما الأمور الأخرى المطلقة مثل: كون الإنسان يريد أن يدعو لنفسه، فإنه له أن يرفع يديه، وله ألا يرفع يديه، وكذلك بعد النوافل، الإنسان إذا تنفل وأراد أن يرفع يديه فله أن يرفع يديه، وله ألا يرفع يديه.

إذاً: المسألة فيها تفصيل: ما جاء فيه الرفع ترفع فيه الأيدي، وما عرف حصوله بكثرة منه عليه الصلاة والسلام ولم ينقل عنه ولا مرة واحدة أنه رفع يديه، يترك فيها الرفع، وما كان غير ذلك، مما هو مطلق، فإن شاء رفع، وإن شاء لم يرفع، والرفع جاء ما يدل على الترغيب فيه في قوله: (إن الله يستحي إذا رفع عبده يديه أن يردهما صفراً)، أي: خاليتين.

حكم صلاة الجنازة على الغائب وعلاقتها بالبدعة

السؤال: ما حكم صلاة الجنازة على الغائب مع قول بعض الناس: إنها بدعة؟

الجواب: صلاة الجنازة على الغائب فيما إذا كان الشخص في بلاد كفار ولم يصل عليه، فإنه يصلى عليه صلاة الغائب، مثلما حصل من صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم على النجاشي.

ومن العلماء من رأى أنه يقتصر على مثل هذه الصورة، ومن العلماء من رأى أن من يكون له فضل وشأن، فإنه يصلى عليه صلاة الغائب؛ إظهاراً لشأنه وفضله، ويستدلون على ذلك بقصة النجاشي، وكون الرسول صلى الله عليه وسلم صلى عليه، وفي ذلك إظهار لفضله؛ لأنه قام بجهود عظيمة، وكان يكتم إسلامه، وقام بجهود عظيمة في نصرة المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة عندما آذاهم أهل مكة، فإنهم هاجروا إلى الحبشة مرتين، وقد لقوا منه كل تأييد ومناصرة، ولم يسمع كلام الكفار الذين ذهبوا إليه وأرادوا منه إرجاعهم، فالمسألة خلافية كما ذكرت، فمنهم من يرى الاقتصار على من لم يصل عليه فيصلى عليه صلاة الغائب؛ لأنه ما صلي عليه، ومنهم من يرى أنه من يكون له شأن وفضل فإنه يصلى عليه، وإن كان قد صلي عليه.

حكم أطفال الأنابيب

السؤال: ما حكم أولاد الأنابيب، أو توليد الأنابيب؟

الجواب: هذه أشياء جديدة لا أستطيع أن أقول فيها شيئاً، لكن الذي أستطيع أن أقوله: أنه إذا كان الماء من غير الزوج ووضع في المرأة، فإن ذلك لا يجوز، أما إذا كان ماء الرجل نفسه أخذ ثم أدخل بهذه الطريقة التي يذكرونها، فأنا لا أستطيع أن أقول فيه شيئاً، والأولى أن لا يفعل، لكن لا أستطيع أن أقول: إنه حرام.

حكم توليد البهائم بالحقن

السؤال: ما حكم توليد البهائم بالحقن؟

الجواب: لا بأس بذلك، يعني: كون اللقاح يوضع فيها بواسطة الحقن، لا بأس فيه.

مدى احتمال أن الطائفة الأولى في حديث سهل بن أبي حثمة أتموا لأنفسهم

السؤال: الحديث الذي رواه سهل بن أبي حثمة، هل يحتمل أن الطائفة الأولى لما صلى بهم الرسول صلى الله عليه وسلم ركعة، أتموا لأنفسهم، والرسول صلى الله عليه وسلم قائم، ثم جاءت الطائفة الأخرى؟

الجواب: آخر الحديث يفيد أنه قضى كل منهم ركعة ركعة، فالطائفة الأولى: قضت الركعة التي عليها وسلمت، والطائفة الثانية: جاءت وصلت معه الركعة الثانية، وقضت الركعة التي عليها.

كيفية الجمع بين كيفيات صلاة الخوف المختلفة

السؤال: كيف نجمع بين هذه الكيفيات المختلفة في صلاة الخوف؟ وما الواجب إذا كنا في مثل هذا المجال وبأي صفة نأخذ؟

الجواب: صفات صلاة الخوف كل ما ثبت منها يصح الأخذ به، إلا أن بعض العلماء اختار بعض الصفات، مثل صفة حديث صالح بن خوات، وحديث سهل بن أبي حثمة: أنه صلى بهم، ثم بعدما ركع الركعة الأولى أتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا، ثم جاءت الطائفة الثانية مع الركعة الثانية، وثبت جالساً، وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم، بعض العلماء يرجح بعض الصفات، لا على أساس أن غيرها غير سائغ، بل هذا في اختيار بعض الصفات، ومن المعلوم أن هذا فيما إذا كان العدو في غير جهة القبلة، أما إذا كان في جهة القبلة فالصفة واحدة.

ما يلزم من جماع المرأة بعد الطواف وقبل السعي في العمرة

السؤال: إذا جامع المعتمر زوجته بعد الطواف، وقبل السعي، فما الذي عليه وعليها إذا كانت معتمرة مثله؟

الجواب: إذا كان قبل السعي ما أستطيع أن أقول فيه شيئاً.

الفرق بين المبتدع والجاهل في أمور الدين

السؤال: ما الفرق بين المبتدع والجاهل في أمور الدين؟

الجواب: المبتدع هو: الذي يعمل بالبدعة التي هي محدثة في الدين، ومن المعلوم: أن منهم من يكون عنده علم، ومنهم من يكون عنده جهل، وكل منهم على بدعة، إلا أن هذا عالم، وذاك جاهل، والشاعر يقول:

إذا كنت لا تدري فتلك مصيبةوإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

كل منهم على شر، إلا أن بعضهم أشر من بعض.

مدى اعتبار أولاد الزوجة محارم لزوجات الأجداد

السؤال: هل يكون أبناء زوجتي محرم لزوجة جدها لأبيها؟

الجواب: أولاد الأولاد -يعني: جميع الأولاد، آباؤهم، وأجدادهم- سواء من جهة الأم، أو من جهة الأب، هم محارم لزوجات الأجداد، سواء جده من أمه، أو جده من أبيه؛ لأنه داخل تحت قوله: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:22]، فهم آباء، فسواء كانوا من جهة أمه، أو من جهة أبيه، المقصود أن أولاد المرأة، أو أولاد الرجل يكونون محارم لزوجات أجدادهم.

والعكس كذلك، يعني: أولاد أولاد البنات، وأولاد الأبناء، كلهم إذا كان الجد من جهة الأم، ومن جهة الأب لا ينكح زوجاته؛ لأنه داخل تحت قوله: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ [النساء:23]؛ لأنهم من الأبناء، وهذه وعكسها كلها تعتبر محرمية حاصلة.

حكم الجهر في صلاة الوتر

السؤال: هل يجهر في صلاة الوتر؟

الجواب: صلاة الليل يجوز فيها الجهر، ويجوز فيها الإسرار، والوتر من صلاة الليل، لكن إذا كان الجهر يتأذى به أحد فإنه لا يجهر، وإذا كان لا يتأذى به أحد فإن الأولى أن يجهر.

حكم المسح على الوجه بعد الدعاء

السؤال: في المواضع التي ثبت فيها رفع اليدين في الدعاء هل له أن يمسح وجهه بيديه بعد الدعاء؟

الجواب: لم يثبت المسح، ترفع الأيدي ثم تنزل بدون مسح، وقد ورد فيه حديثان ضعيفان.

حكم تقبيل أيدي وأرجل الوالدين وذي الفضل والعلم

السؤال: ما حكم تقبيل رجلي الوالدين، وأهل العلم والفضل، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جاء إليه يهوديان فسألاه سؤلات فأجابهما، فقبلا يده ورجلاه، رواه أحمد، والنسائي، والترمذي، بأسانيد صحيحة، وصححه الترمذي، وفي حديث وفد عبد القيس؟

الجواب: هذا ثابت نعم، حديث عبد القيس، أنهم قبلوا رجليه عليه الصلاة والسلام، وكما هو معلوم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم يختلف عن غيره، من جهة عصمته عليه الصلاة والسلام، وكونه لا يحصل منه الاغترار، وغيره يخشى عليه من أن يغتر بنفسه، لا سيما ما هو معروف عند كثير من الناس الذين استسهلوا تقبيل الأيدي، ولا يعرفون إلا أن يمدوا أيديهم للناس ليقبلونها، فإنه يحصل لهم اغترار بذلك، فتقبيل اليد جائز، والرجل الأولى أن لا تقبل، ولا نقول: إنها حرام، وحتى اليد الأولى أن لا تقبل؛ لأن هذا يحصل فيه في الغالب الاغترار ممن يفعل معه ذلك، والغلو ممن يفعل ذلك، وهذا هو المعروف عند من ينتسب إلى التصوف، ومن يعرفون بالبدع، هذا ديدنهم، وهذا شأنهم، لا يعرفون إلا أن يمدوا أيديهم للناس.

حكم دم ما يؤكل لحمه

السؤال: هل دم ما يؤكل لحمه يكون نجساً؟

الجواب: نعم، الدم نجس، وإنما الذي يكون طاهراً هو البول والروث، يعني: ما يؤكل لحمه، يكون روثه وبوله طاهراً، وأما الدم فإنه يكون نجساً، ولو كان مما يؤكل لحمه.

الإشارة بالأصبع عند لفظ الجلالة في قراءة القرآن في الصلاة

السؤال: هل يشار بالإصبع عند قراءة سورة فيها لفظ الجلالة في صلاة الفرض؟

الجواب: لا أعرف شيئاً يدل على هذا.

حكم الاعتقاد بنفع الدواء مع الاعتقاد بأن الله تعالى هو الشافي

السؤال: هل الاعتقاد بأن الدواء يشفي، مع الاعتقاد بأن الله سبحانه وتعالى هو الشافي يؤثر؟

الجواب: الأسباب تنفع بإذن الله، والناس ما يفعلون الأسباب إلا وهم يرجون ويؤملون الشفاء، لكن كما هو معلوم وراء الدواء ما هو أعظم منه، وهو توفيق الله عز وجل، وكون الدواء يفيد، ويحصل له ثمرة، وإلا فإنه قد يوجد الدواء ولا توجد الثمرة والنتيجة المطلوبة والمرجوة، لكن الإنسان يتعاطى الدواء، وقد شرع له ذلك، وهو جائز، ولكن لا يعول على الأسباب، ولا يقول: الأسباب هي كل شيء، ويغفل عن الله، بل يعتقد أنه لا ينفع شيء إلا بإذن الله، وبتوفيق الله عز وجل، ولهذا يقولون: الاعتماد على الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل، يعني: الإنسان الذي لا يأخذ بالأسباب ويمحوها، فهذا نقص في العقل، ويقول: إن كان الله مقدراً لي أن يعطيني شيئاً فسيأتي أحد ويطرق الباب، ويعطيني الذي كتبه الله لي، وإن كان الله لم يكتب لي شيئاً فلن يأتيني، وهذا نقص في العقل وسفه، بل الإنسان يخرج ويفعل الأسباب، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله)، وقال: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز)، قال: (احرص على ما ينفعك)، يعني: افعلوا السبب، وقال: (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً)، فالطيور لا تجلس بأوكارها وتقول: إذا الله مقدر يعطينا، وإنما تخرج في الصباح خماصاً خاوية البطون، وترجع بطاناً ممتلئة البطون، فمحو الأسباب أن تكون أسباباً نقص في العقل، والاعتماد على الأسباب شرك في التوحيد، يعني: كون أن هذا سبب مؤثر، ويغفل عن الله عز وجل، هذا معناه: تعويل على غير الله، وغفلة عنه سبحانه وتعالى.

معنى قوله تعالى: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد)

السؤال: ما معنى قوله تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]؟

الجواب: للعلماء أو للسلف فيها معنيان، وكل منهما صحيح، أحدهما: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]، يعني: بالعلم، وليست الذات حالة في المخلوق، ولهذا قال: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16]، فأول الآية يرشد إلى هذا، وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16].

والقول الثاني، وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16]، المقصود بذلك قرب الملائكة، وأنها تكون قريبة من الإنسان، والناس لا يرونها، وهو مثل قول الله عز وجل في آخر سورة الواقعة: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ [الواقعة:85]، أي: الملائكة التي تقبض الروح، وإتيان الضمير في بعض المواضع بالجمع مضافاً إلى الله عز وجل، ويراد به الملائكة جاء ما يدل عليه، وهذا منه، ومن ذلك قول الله عز وجل: يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ [هود:74]، يعني: المجادلة إنما هي للملائكة التي جاءت على إبراهيم، فقال: (يجادلنا)، أي: يجادل رسلنا، فالذي ورد فيه شيء يدل على أنه يراد به ملائكة الله عز وجل مثل هذه المواضع، والتي يرشد إليها ما ذكرته، هذا من أقوال السلف في هذه المسألة.

حكم طلاق الحائض

السؤال: ما حكم الشرع في رجل أوقع يمين الطلاق على زوجته وهي حائض؟

الجواب: المعروف أن الطلاق في الحيض يقع، وبعض العلماء يرى أنه لا يقع؛ لأنه لا يجوز الطلاق فيه، لكن الذي يظهر أنه يقع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام كما في قصة عبد الله بن عمر قال: (مره فليراجعها)؛ لأن المراجعة تعني: أنه حصل أو وقع الطلاق.

مدى ثبوت سماع الحسن البصري من جابر رضي الله عنه

السؤال: هل سمع الحسن البصري من جابر رضي الله عنهما؟

الجواب: لا أتذكر، لكن هذا الحديث صحيح، وأنا لا أذكر الجواب على هذا السؤال من حيث أن سماع الحسن من جابر رضي الله عنه مختلف فيه.

تطبيق قاعدة الجمع بين الروايات المتحدة ثم الترجيح على روايات صلاة الخوف

السؤال: القاعدة عند أهل العلم: أنه إذا اتحدت مخارج الروايات، فالواجب الجمع إذا أمكن، ثم الترجيح وإلا التوقف، فهل تطبق هذه القاعدة هنا في هذا الباب؟

الجواب: المعلوم أن هذه صفات، وكل صفة تعتبر مستقلة، فلا ترجح صفة على صفة، بمعنى: أن الصفة هذه تلغى، لا، بل كل صفة تثبت، فإنها تعتبر حقاً، والأخذ بها أخذ بالدليل، والاختلاف فيها من اختلاف التنوع، يعني: هذا نوع، وهذا نوع، مثل ألفاظ التشهد، وألفاظ الأذان، وألفاظ الاستفتاح؛ لأنها كلها ثابتة، من أتى بهذا أصاب، ومن أتى بهذا أصاب، فهذا من جنسه، وصلاة الخوف ثبتت من أوجه كلها صحيحة، وأي وجه منها أخذ به فقد أخذ بالدليل، إلا أن بعض العلماء يفضل أو يرجح أو يختار بعض الصفات على بعض؛ لكونها أقل حركة وأقل عمل مثل: حديث صالح بن خوات، عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فإن بعض العلماء يرجح هذه الصفة؛ لأنها أقل من غيرها يعني: ذهاباً وإياباً ... إلى آخره.

وهذا فيما إذا كان العدو في غير جهة القبلة، أما إذا كان العدو في جهة القبلة فالصفة معروفة.

أما إذا اتحد المخرج فالجمع ممكن، أنا قلت: أنه في قضية حديث أبي بكرة، الذي جاء من طريقين، وحديث جابر الذي جاء من طريقين، أنه صلى بطائفة ركعتين ثم سلم، وطائفة ركعتين ثم سلم، وحديث أبي بكرة كذلك، ثم جاء الحديث عن جابر، أنه صلى بطائفة ركعتين ثم ذهبت، وصلى بطائفة ركعتين ثم سلم، وما ذكر السلام في موضع واحد، وحديث أبي بكرة كذلك، أقول: محتمل هذا، ومحتمل هذا، وإذا كانت إحدى الطريقتين مختصرة، فتكون الصفة واحدة، ولا تكون صفتين.

حكم زواج الرجل من زوجة زوج أمه

السؤال: تزوج زيد بأم خالد، فهل يجوز لخالد أن ينكح زوجة زيد بعد موت زيد، علماً بأن لزيد زوجتين؟

الجواب: زوجات الزوج ليس للابن علاقة بهن، يعني: كونه ابن زوجة، فله أن يتزوج زوجة زوج أمه؛ لأنه ليس من محارمها، وهي أجنبية منه، بل يمكن أيضاً أن يجمع بين بنت الرجل ومطلقته؛ لأنه ليس هناك مانع يمنع من هذا، فكونه يأخذ بنت رجل، ويأخذ مطلقته، أو التي توفى عنها، فيجمع بينها وبين بنت جارتها، لا مانع يمنع من هذا.

ضوابط تكفير المعين

السؤال: نرجو ذكر ضوابط تكفير المعين.

الجواب: التكفير هذا من أصعب ما يكون الكلام فيه؛ لأن أمره خطير، وأمره ليس بالهين، ومن المعلوم أن التكفير الضابط فيه: أنه يكفر على حسب الدليل، من كفَّره الله ورسوله عليه الصلاة والسلام فهو كافر، ومن ثبت تكفيره عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام فهذا هو الذي يكفر، وهناك خلاف بين العلماء: هل يعذر بالجهل، أو لا يعذر بالجهل إذا حصل أمر مكفر؟ من العلماء من يقول: إنه لا يعذر بالجهل، ومنهم من يقول: يعذر بالجهل، لكن مسائل التكفير هذه من أصعب وأخطر ما يكون، والكلام فيها ليس بالهين.

تكرار الطهارة من النجاسة عند تعسر الحصول على الماء

السؤال: من المعلوم: أن الطهارة من شروط صحة الصلاة، وهناك من يعيش بعيداً عن مصادر المياه، ويتعسر عليه الحصول على الماء إلا للأكل والشرب، وكثير من النساء ذوات الأطفال يصيبهن بول الصبيان في البدن، والثوب فتمتنع من الصلاة، لما يتبادر إلى ذهنهن من أن الصلاة على غير طهارة تأثم بها، فما حكمهن، علماً بأن التطهر بالتكرار يعني: تصاب بالنجاسة ثم تتطهر، وقد تتطهر في اليوم مرات، ثم يحصل لها التنجس؟

الجواب: الماء إذا كان موجوداً ووجدت النجاسة فإنها تزال بالماء ولو تكرر ذلك، كلما تكررت النجاسة يكرر الغسل، لأنه إذا وجد نجاسة ثم غسلت، ثم جاءت النجاسة فإنها تحتاج إلى غسل آخر وهكذا.

وأما إذا كان الماء غير موجود فإنه: يشرع التيمم، ويصلي الإنسان على حسب حاله، ولا يجوز له أن يؤخر صلاة عن وقتها بحجة أن الماء غير موجود، بل إن كان موجوداً فإنه يأتي به ويتوضأ ويصلي، وإن كان غير موجود فإنه يتيمم ويصلي، ولا يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها؛ لكون الماء غير موجود، بل يتيمم ويصلي.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب صلاة الخوف [3] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net