إسلام ويب

لقد فرق الشرع بين المني والمذي؛ فرتب الغسل على خروج المني بجماع أو احتلام ورتب الوضوء على خروج المذي وغسل أثره من الجسد، وهذه الأحكام يستوي فيها الرجل والمرأة.

الغسل من المني

شرح حديث: (إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك ... وإذا فضخت الماء فاغتسل)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الغسل من المني.

أخبرنا قتيبة بن سعيد وعلي بن حجر واللفظ لـقتيبة، قالا: حدثنا عبيدة بن حميد عن الركين بن الربيع عن حصين بن قبيصة عن علي رضي الله عنه أنه قال: كنت رجلاً مذاءً، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة، وإذا فضخت الماء فاغتسل)].

يقول النسائي رحمه الله تعالى: الغسل من المني. أي: من خروج المني، فإن هذا مما يوجب الغسل، وذلك غسل من الجنابة، وقد أورد النسائي رحمه الله تعالى فيه حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي فيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام أفتاه بأنه في حال حصول المذي منه أنه يغسل ذكره ويتوضأ، وإذا فضخ الماء، فإنه يغتسل، والمقصود من فضخ الماء هو حصول الدفق، وخروج المني، فإن هذا هو الذي يوجب الغسل، والحديث فيه: بيان حكم المذي، وحكم خروج المني، فالمذي نجس، وهو ناقض للوضوء، وعليه أن يتطهر من الحدث الأصغر بأن يتوضأ، ويستنجي قبل ذلك بأن يغسل ذكره وما أصابه المذي؛ لأنه نجس، وقد تقدم هذا في باب مستقل، وفي هذا الحديث زيادة، وهي الشاهد للترجمة، وهي: الاغتسال عند خروج المذي؛ لأن الخارج مذي ومني، فالمذي ينقض الوضوء، ويلزم منه الوضوء، والمني يحصل به الحدث الأكبر، ويلزم منه الاغتسال.

وقد مضى في الأحاديث السابقة أن علياً رضي الله عنه وكل المقداد بن الأسود في السؤال عنه، وذلك لاستحيائه من رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته منه؛ لكونه صهره؛ زوج فاطمة رضي الله تعالى عن الجميع، وهذا الذي جاء في هذا الحديث مبني على أساس أن المقصود هو: أنه سأله بواسطة، ولم يكن مباشرة؛ لأنه أوصى غيره أن يسأل، وبيّن سبب عدم إقدامه على السؤال.

فإذاً: ما جاء في هذا الحديث مبني على ما جاء في تلك الأحاديث، وأن ما أخبر به عن نفسه إنما هو باعتباره فتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم له؛ لأنه صاحب الحاجة وصاحب المسألة التي احتاج إلى السؤال فيها، ولمكان ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم منه استحيا من أن يواجهه بهذا السؤال، فأناب غيره بالسؤال عنه وأجيب، والغالب أن ذلك كان بحضرته، يعني: بحضرة علي رضي الله عنه، ولهذا فإن أصحاب الكتب عدوا هذا من مسند علي، لأنه على الاعتبار بأنه حضر القصة، وأنه سمع ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يكن هو الذي وجه السؤال، وصدر منه السؤال مباشرةً إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

إذاً: فخروج المني من الإنسان -رجل أو امرأة- يوجب الغسل من الجنابة، وهذا هو معنى قوله: [(إذا فضخت الماء فاغتسل)].

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك ... وإذا فضخت الماء فاغتسل)

قوله: [أخبرنا قتيبة بن سعيد وعلي بن حجر].

قتيبة بن سعيد هو الذي تكرر ذكره كثيراً، وهو: قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو أحد الثقات الأثبات، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

وأما علي بن حجر فهو السعدي المروزي الذي سبق أن مر ذكره، وهو ثقة، خرج له البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي.

[قالا: حدثنا عبيدة بن حميد].

عبيدة بن حميد هذا سبق أن مر ذكره، وهو صدوق ربما أخطأ، وخرج حديثه البخاري والأربعة.

[عن الركين بن الربيع].

الركين بن الربيع هو: أبو الربيع، فكنيته توافق اسم أبيه، وهو ثقة، خرج له البخاري في الأدب المفرد، ومسلم، وأصحاب السنن الأربعة.

[عن حصين بن قبيصة].

حصين بن قبيصة ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه .

[عن علي].

علي رضي الله تعالى عنه، هو أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وأحد أصحاب الشورى الستة الذين وكل الأمر إليهم عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وهو صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه، وأبو الحسن والحسين رضي الله تعالى عن الجميع، وقد مر ذكره فيما مضى من الأحاديث، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (إذا رأيت المذي فتوضأ ... وإذا رأيت فضخ الماء فاغتسل)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد أنبأنا عبد الرحمن عن زائدة ح، وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم واللفظ له حدثنا أبو الوليد حدثنا زائدة عن الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري عن حصين بن قبيصة عن علي رضي الله عنه أنه قال: ( كنت رجلا مذاءً، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا رأيت المذي فتوضأ واغسل ذكرك، وإذا رأيت فضخ الماء فاغتسل )].

أورد النسائي حديث علي رضي الله عنه من طريق أخرى، وهي مثل التي قبلها، ومنها فتوى رسول الله صلى الله عليه وسلم له بأنه إذا أصابه المذي يغسل ذكره ويتوضأ وضوءه للصلاة، وإذا فضخ الماء، أي: دفقه وأنزله، فإنه يغتسل من الجنابة.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا رأيت المذي فتوضأ ... وإذا رأيت فضخ الماء فاغتسل)

قوله: [أخبرنا عبيد الله بن سعيد].

عبيد الله بن سعيد هذا تقدم ذكره فيما مضى، وهو ثقة، مأمون، سني؛ لأنه أظهر السنة في بلاده سرخس، وأخرج له البخاري، ومسلم، والنسائي.

[أنبأنا عبد الرحمن].

عبد الرحمن هو ابن مهدي، الإمام المعروف، الحجة، الثقة، الثبت، المعروف كلامه في الجرح والتعديل، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن زائدة].

وهو زائدة بن قدامة الثقفي، وهو ثقة ثبت، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ح، وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم].

أتى بـ (ح) التحويل وقال: (ح) وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم، (ح) التحويل المقصود منها: الإشارة إلى التحول من إسناد إلى إسناد، عندما يذكر إسناداً ويقطع فيه مسافة من حيث ذكر بعض الرجال، يعود فيستأنف ويذكر إسناداً آخر، فيبدأ من شيخ من شيوخه، ثم يستمر حتى يتلاقى مع الإسناد الأول، فهنا يؤتى بـ (ح) الدالة على التحويل، وهذا هو معناها، وذكرت فيما مضى: أن النسائي كـالبخاري يستعملانها بقلة؛ فلا يحتاجان إلى استعمالهما بكثرة، بخلاف مسلم الذي يجمع الأحاديث في مكان واحد، فيكثر منه التحويل، وبين البخاري، ومسلم بون شاسع في استعمال التحويل وعدمه، والسبب في ذلك ما ذكرته؛ لأن الحديث الذي يأتي بطرق متعددة يفرقون تلك الطرق على الأبواب، ولكنهما أحياناً يجمعان بعض الطرق، فيحصل بذلك استعمال التحويل كما هنا، وكما سبق أن مر في مواضع عديدة.

وإسحاق بن إبراهيم هو: ابن راهويه الحنظلي، وهو ثقة ثبت إمام، وهو من المحدثين ومن الفقهاء، معروف بالفقه ومعروف بالحديث، وخرج حديثه أصحاب الكتب إلا ابن ماجه .

[حدثنا أبو الوليد].

أبو الوليد، هو هشام بن عبد الملك الطيالسي، وهو ثقة ثبت إمام، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا زائدة].

وهنا حصل الالتقاء في الأسانيد، يعني: خرج من النسائي إسنادان، إسناد فيه: عبيد الله بن سعيد عن عبد الرحمن بن مهدي، وإسناد آخر فيه: إسحاق بن إبراهيم عن أبي الوليد الطيالسي، ثم التقيا عند زائدة، ثم استمر بعد ذلك إلى نهايته، فهما طريقان استعمل فيهما التحويل، وحصل التقاء الطريقين عند زائدة بن قدامة، وعند ذلك التقى الإسنادان المتقدم والمتأخر عن زائدة عن الركين عن حصين بن قبيصة عن علي.

[عن الركين عن حصين بن قبيصة عن علي].

الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري، وحصين بن قبيصة، وعلي رضي الله تعالى عنه قد مر ذكرهم.

غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل

شرح حديث أم سليم في غسل المرأة إذا أنزلت الماء

قال المصنف رحمه الله تعالى: [غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل.

أخبرنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبدة حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: ( أن أم سليم رضي الله عنها، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ قال: إذا أنزلت الماء فلتغتسل )].

أورد النسائي رحمه الله تعالى هذه الترجمة: غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل، يعني: من الاحتلام، وأنه يلزمها الغسل من الجنابة كما يلزم الرجل، وقد أورد فيها النسائي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن أمه أم سليم رضي الله تعالى عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقال: [(إذا أنزلت الماء فلتغتسل)]، فالرسول صلى الله عليه وسلم أجاب هذه الصحابية رضي الله عنها وأرضاها، بأن المرأة عليها أن تغتسل، لكن بشرط إنزال الماء، فإذا حصل إنزال ماء؛ وهو المني فعند ذلك يلزمها الاغتسال كما يلزم الرجل.

إذاً: فالذي يرى في منامه أنه حصل منه جماع، ولكنه لا يجد ماءً، ولا يجد أثر ذلك على ثوبه وعلى جسده لا يلزمه شيء؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قيد ذلك بإنزال الماء الذي هو المني، فإذا حصل الإنزال ووجد ذلك على الثياب وعلى الجسد فعند ذلك يلزم الغسل.

إذاً: المعتبر في الاغتسال في حال الاحتلام هو خروج الماء؛ لأن الحكم منوط بخروجه.

وهذا فيه بيان ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم من الحرص على معرفة الأحكام الشرعية، وأنهم يسألون عن كل ما يحتاجون إليه في أمور دينهم، ولا يمتنعون من ذلك، ولا يستحيون من أن يسألوا عن أمور دينهم، ولو كان ذلك من الأمور التي في النفس منها شيء، فهي سألت مثل هذا السؤال في حضرة الرجال، وهو مما يستحيا منه في حق النساء، ومع ذلك فلم يمنعهن ذلك من التفقه في دين الله عز وجل، ومن الحرص على معرفة الأحكام الشرعية، وهذا فيه الدليل الواضح على أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقوا عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الحق والهدى، وأدوه إلى من بعدهم، وأنهم سمعوا منه وتلقوا منه ورأوا حركاته وسكناته، فنقلوا ذلك، واتبعوا رسول الله عليه الصلاة والسلام، ودلوا غيرهم إلى هذا الهدى، وأرشدوهم إلى طريق السلام والنجاة، فالخير كل الخير باتباع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، والسير على ما سار عليه سلف هذه الأمة، الذين هم خير هذه الأمة، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ما كان ولا يكون مثلهم؛ لأن الله تعالى اختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ورضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهم الواسطة بيننا وبين رسول الله عليه الصلاة والسلام، ونحن ما عرفنا القرآن والسنة إلا عن طريق الصحابة، فلهم فضل عظيم علينا، ولا سبيل للمسلمين في الوصول إلى الرسول عليه الصلاة والسلام إلا عن طريق الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، ومن لم يأخذ دينه، ويأخذ عقيدته، ويأخذ أحكامه التي يتعبد الله عز وجل بها عن الصحابة الكرام، وعمن سار على منهاجهم فإنه حاد عن الجادة، وضل الضلال المبين، وترك الحق والهدى، وابتعد عنه واتبع غير سبيل المؤمنين؛ لأن الله تعالى اختار لرسوله صلى الله عليه وسلم أصحاباً أوجدهم في زمانه، وخصهم الله تعالى بهذا التكريم، وبهذا التشريف، فهم الذين شرفهم الله بالنظر إلى طلعته في هذه الحياة الدنيا، وسمعوا كلامه منه عليه الصلاة والسلام.

إذاً: فهذا السؤال من أم سليم رضي الله تعالى عنها، وهو من الأمور التي يستحيا منها، وتستحي النساء أن تتكلم بها بحضرة الرجال، ومع ذلك لم يمنعهن الحياء من أن يتفقهن في الدين، بل سألن عن أمور دينهن، ولو كان ذلك مما يستحيا منه.

ولما كان علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحته ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، لما كان هذا التقارب في المصاهرة استحيا من أن يواجه الرسول صلى الله عليه وسلم بالسؤال، ولكنه لم يمتنع ولم يترك أن يتعرف على الحكم الشرعي؛ فأناب غيره ليتولى ذلك، وحصل مقصوده، وحصل للأمة معرفة الحكم الشرعي بهذا السؤال الذي استحيا علي رضي الله عنه وأرضاه أن يسأل عنه.

تراجم رجال إسناد حديث أم سليم في غسل المرأة إذا أنزلت الماء

قوله: [أخبرنا إسحاق بن إبراهيم].

إسحاق بن إبراهيم وهو: الحنظلي، المشهور بـابن راهويه، وكما قلت فيما مضى: المحدثون يقولون: راهويه، وأما أهل اللغة فيقولون: راهويه، فيختمون بويه، وهو إمام، فقيه، محدث، خرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه .

[حدثنا عبدة].

عبدة، هو ابن سليمان الكلابي، وهو ثقة ثبت، حديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[حدثنا سعيد].

سعيد هو ابن أبي عروبة، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة أيضاً.

[عن قتادة].

قتادة هو: ابن دعامة السدوسي، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن أنس].

وهو أنس بن مالك خادم رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو من صغار الصحابة، خدم رسول الله عليه الصلاة والسلام عشر سنين، ونقل عنه الحديث الكثير، وهو من السبعة المكثرين من رواية الحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ لأن أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق سبعة، وأنس واحد منهم، وهم الذين جمعهم السيوطي في ألفيته حيث قال:

والمكثرون من رواية الأثرأبو هريرة يله ابن عمر

وأنس والبحر كـالخدريوجابر وزوجة النبيِّ

فأكثرهم على الإطلاق: أبو هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ثم عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، ومنهم: أنس بن مالك الذي معنا، والبحر أو الحبر الذي هو عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، والخدري هو: أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، وجابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، وأم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق، التي أنزل الله تعالى براءتها في آيات تتلى في سورة النور، وهي الصحابية الوحيدة التي تعتبر أكثر النساء رواية للحديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، ورضي الله تعالى عنها وأرضاها.

شرح حديث أم سليم في غسل المرأة إذا رأت الماء من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا كثير بن عبيد عن محمد بن حرب عن الزبيدي عن الزهري عن عروة أن عائشة رضي الله عنها أخبرته: ( أن أم سليم رضي الله عنها كلمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة جالسة، فقالت له: يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، أرأيت المرأة ترى في النوم ما يرى الرجل، أفتغتسل من ذلك؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. قالت عائشة: فقلت لها: أف لك! أوترى المرأة ذلك؟! فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تربت يمينك، من أين يكون الشبه؟!)].

ثم أورد النسائي رحمه الله حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها أنها كانت عند رسول الله عليه الصلاة والسلام فجاءت أم سليم تسأل رسول الله عليه الصلاة والسلام عن المرأة ترى ما يرى الرجل في منامه، هل لها أن تغتسل؟ قال: (نعم)، فعند ذلك قالت عائشة: أف لك! أو ترى المرأة ذلك؟! كأنها تستبعد أن يكون ذلك من النساء، وفيه: إشارة إلى أن ذلك قليل في النساء، أو أنه موجود ولكن لا يحصل ذكره بين النساء؛ لما يحصل من ذلك من الاستحياء بينهن، ولكن الذي ألجأ إلى ذكر هذا هو التفقه في دين الله عز وجل، ولهذا جاءت أم سليم تسأل، وعائشة رضي الله عنها وأرضاها تتعجب، أو تستبعد أن يكون ذلك؛ لأنها ما عرفت ذلك من نفسها، وما حصل لها شيء من هذا، ولهذا قالت: أو ترى المرأة ذلك؟! فعند ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (تربت يمينك)، وهذه كلمة تقال لا يقصد منها الدعاء على من قيلت له، وإنما فيها زجر، وفيها تنبيه ولفت النظر إلى شيء، وهو: أن هذا لا ينبغي أن يُستغرب منه؛ لأن هناك شيء يدل على حصول ذلك مما أجراه الله عز وجل، وفي خلق الله سبحانه وتعالى.

ولهذا قال: (مما يكون الشبه؟)، يعني: أن ماء الرجل وماء المرأة يلتقيان، وإذا غلب أحدهما، فإنه يكون الشبه لأحدهما على الآخر، فقد يشبه المولود أمه وأخواله، وقد يشبه أباه وأعمامه، ولكن قوله: (مما يكون الشبه؟)، يعني: أن هذا ما كان إلا بسبب الماء، وبسبب ما يخرج من المرأة.

فإذاً: كون المرأة تحتلم، وكونه ينزل منها ماء، هذا حاصل وواقع، والشبه الذي يكون للغلام بأمه وبأخواله وبأقارب أمه إنما هو من حصول مائها، ولكونها لها ماء، فعند ذلك يكون الشبه، فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم بين حصول ذلك ووقوعه.

تراجم رجال إسناد حديث أم سليم في غسل المرأة إذا رأت الماء من طريق ثانية

قوله: [أخبرنا كثير].

وهو كثير بن عبيد، وهو ثقة، خرج حديثه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، ولم يخرج له الشيخان ولا الترمذي.

[عن محمد بن حرب].

هو محمد بن حرب، وهو ثقة، خرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[عن الزبيدي].

الزبيدي هو محمد بن الوليد بن عامر الحمصي، وهو ثقة ثبت، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي.

[عن الزهري].

الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب، وهو أحد الثقات، ومن أوعية العلم، وهو محدث فقيه، وهو الذي قام بجمع السنة، وتدوينها بناءً على تكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

[عن عروة].

عروة هو ابن الزبير بن العوام، وهو تابعي جليل من الثقات، وهو أحد الفقهاء السبعة المشهورين في المدينة في عصر التابعين، كان هنالك سبعة فقهاء مشهورون في عصر التابعين، فأهل الفقه وأهل الحديث، كانوا في هذه المدينة المباركة.

[أن عائشة].

عائشة هي أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وهي: الصديقة بنت الصديق التي أنزل الله تعالى براءتها مما رميت به في آيات تتلى في سورة النور، وهي من أوعية السنة، وهي أكثر الصحابيات حديثاً على الإطلاق رضي الله تعالى عنها وعن أبيها، وعن الصحابة أجمعين.

الأسئلة

كيفية التمييز بين أهل السنة وأهل البدع والفائدة من ذلك

السؤال: كيف نرد على من يقول: لماذا هذه التفرقة؛ هذا مبتدع وهذا سني وهذا أشعري وذاك جهمي؟ ويقول: وما أدري أنا، لعل الجهم بن صفوان، والجعد بن درهم سبقانا إلى الجنة.

الجواب: نسأل الله العفو والعافية، نقول: هذا سني وهذا مبتدع؛ بناءً على ما قاله الأئمة الثقات الذين يعرفون الرجال، وهم أهل الجرح والتعديل، ومن المعلوم أن هذه هي الطريقة المثلى، والتي لا سبيل سواها ولا طريق سواها في الوصول إلى معرفة الحق، ومعرفة التثبت بالأخبار، وإذا كنا في زماننا هذا عندما نسمع خبراً من الأخبار هل نقبل الخبر من كل من هب ودب ونعتمد عليه، أو أننا نبحث من الذي أتى بهذا الخبر؟ وهل هو ثقة أو غير ثقة؟

هذا الطريق الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء كما شاء، مثل ما قال عبد الله بن المبارك: الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء كما شاء، ومن المعلوم: أن الذي يسبق إلى الجنة هو من يوصف بالالتزام، والسير على منهاج الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ومن سار على منوالهم، هذا هو الذي يسبق إلى الجنة، وهذا هو الذي يكون من أهل الجنة.

أما من يحيد عن طريقهم، ويسلك طريقاً غير طريق المؤمنين فإن هذا إن كانت بدعته مكفرة فلا سبيل له إلى الجنة إذا مات على بدعته المكفرة، وإذا كانت بدعته مفسقة، فهذا أمره إلى الله عز وجل إن شاء عفى عنه، وإن شاء عذبه على بدعته التي لم يبلغ بها درجة الكفر.

وأما الجهم بن صفوان، والجعد بن درهم فهما من الجهمية الذين ينفون عن الله عز وجل أسمائه وصفاته، ويصفون الله سبحانه وتعالى بالصفات السلبية التي ينفون عنه كل صفة، والنتيجة أنه لا يبقى وجود لله عز وجل على عقيدتهم.

والجهمية عدهم جماعة من أهل العلم أنهم ليسوا من الثلاث والسبعين فرقة الذين قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: ومن هي يا رسول الله! قال: ما كان على ما أنا عليه وأصحابي)، يعني: أن هذه الفرقة ناجية، والفرق الأخرى هم من أمة الإجابة، ولكنهم يستحقون النار، وأمرهم إلى الله عز وجل، ومن كان خارج هذه الفرق الثلاث والسبعين، فهو ليس من المسلمين، فالجمهية عدهم بعض الأئمة خارج الثلاث والسبعين فرقة الذين هم أمة الإجابة.

عدم غسل الأنثيين عند خروج المذي

السؤال: إذا خرج المذي، ولم أغسل الأنثيين فهل علي شيء؟

الجواب: نعم، إذا خرج المذي، ولم يستنج الإنسان ويغسل ما يمكن أن يكون قد أصابه المذي؛ فإنه لا يكفي، بل لا بد من الغسل، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (يغسل مذاكيره)، يعني: ذكره وما حوله.

إغلاق مكبرات الصوت الخارجية في المسجد

السؤال: مضمون سؤاله: أنه يقفل مكبر الصوت عند الدخول في الصلاة.

الجواب: إذا كان الصوت قد قصر على ما في داخل المسجد، وكان أسلاك المكبرات تذهب إلى الخارج فقفل مكان الخارج، وكان الصوت من الداخل، أو كان العدد قليلاً وأقفل مكبر الصوت نهائياً، فلا بأس بهذا، لكن إذا لم يكن ما هناك تشويش على مساجد أخرى؛ فإن وجود مكبر الصوت وخروجه شيء طيب؛ لأن فيه فائدة، وهي تنبيه الناس إلى حصول الصلاة، وكونها قائمة، وأن يبادر الإنسان؛ أما إذا كان سيشوش على مساجد قريبة؛ فهذا الأولى أن يقفل حتى لا يحصل التشويش من المصلين بعضهم على بعض؛ لأنها إذا تقاربت قد يقول هنا: الله أكبر، فيكبر الذين وراء هذا الإمام، ويظنون أن هذا التكبير من إمامهم، فيحصل شيء من التشويش.

المراد بميامن الإمام في صلاة الجماعة

السؤال: إذا علمنا أن ميامن الصفوف أفضل من الجهة اليسرى، فهل يكون القريب من الإمام بأن يكون خلفه أفضل ممن هو بعيد عن الإمام؟

الجواب: على كل، إذا كان خلفه فهو أولى، مادام أنه ورائه، فهو متمكن من الصف، ومعلوم أن بداية الميامن تكون من الإمام ومن على يمنيه، والمياسر تكون ممن على يسار الإمام، ولاشك أن من يكون وراء الإمام هو الأولى، وهو المكان الذي يسبق إليه وينافس عليه، وهو الذي قال فيه الرسول: (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم).

حكم ثياب من به سلسل المذي

السؤال: هل يلزم من به سلس مذي أن يغير ملابسه؟

الجواب: إذا كان هذا شيء مستمر فهو مثل سلس البول تماماً، يعامل كما يعامل من به سلس البول، ومن المعلوم أن من به سلس البول لا يلزمه أن يغير باستمرار؛ لأنه لو غير ينزل الشيء وهو في طريقه إلى المسجد، أو وهو في الصلاة أيضاً.

ما يلزم من احتلم ورأى على ثوبه بولاً ولم ير المني

السؤال: هل من احتلم ثم قام ورأى البول، ولم ير المني يلزمه الاغتسال من الجنابة؟

الجواب: لا يلزمه الاغتسال إذا كان الذي رآه بولاً، والاغتسال إنما يكون من الجنابة وليس من البول، ومن المعلوم أن هناك فرقاً بين البول وبين المني، فالمني شيء والبول شيء آخر، فالذي يرى بولاً ولا يرى منياً، وهو من عادته أن يبول في فراشه، فهذا لا يلزمه الاغتسال.

مدى ثبوت أن كل واحد من السبعين ألفاً معه سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب

السؤال: هل ثبت أن السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب يكون مع كل واحد منهم سبعون ألفاً؟

الجواب: الله أعلم، لا أدري.

ترك الرقى والاكتواء طمعاً في الدخول مع السبعين ألفاً

السؤال: إذا كان الإنسان ممن يسترقي ويكتوي، وبعد ما علم بهذا الحديث ترك الاسترقاء والاكتواء؛ طمعاً في أن يدخل مع هؤلاء السبعين، فهل يمكنه ذلك؟

الجواب: أقول: أمر ذلك إلى الله عز وجل، ومن المعلوم أن الإنسان إذا حصل له دخول الجنة إذا وفقه الله عز وجل لدخول الجنة فذلك مكسب عظيم، ومغنم كبير، سواءً كان مع السبعين ألفاً، أو بعد السبعين، المهم أن يحرص أن يكون من أهل الجنة، وذلك بالأعمال الصالحة، وإذا وفقه الله عز وجل بأن يكون من هؤلاء، بأن حرص على الأعمال التي يتصفون بها فلا شك أن هذا أكمل وأفضل، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون)، هذه صفاتهم، فكون من فعل ذلك وتنبه بعد هذا وترك، فيرجى أن يكون من هؤلاء؛ لأن قول: (هم الذين لا يسترقون)، يعني: كأنه ليس من عادتهم، وليس من طبيعتهم.

إلحاق وصف المحادة لله ولرسوله بمرتكب الكبائر والصغائر

السؤال: من يعمل كبائر الذنوب أو صغائرها، هل يعتبر ممن حاد الله ورسوله؟ أم أن المحادة لله ورسوله لا تكون إلا بالكفر؟

الجواب: المحادة لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام هي في الغالب إنما تأتي في حق الكفار، لكن كما هو معلوم أن الوقوع في كبائر الذنوب أن فيها عدم التعظيم لله عز وجل، وعدم الاستحياء منه، وكذلك الصغائر إذا أصر عليها، وأما بدون الإصرار عليها، فالأمر يختلف؛ لأنها تكفرها الأعمال الصالحة، كما جاءت بذلك الأحاديث، وكما جاء بذلك القرآن: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ [النساء:31]، ففعل الحسنات مع اجتناب الكبائر تكفر معه الصغائر، ولكن الصغائر إذا أصر عليها فإنها تلتحق بالكبائر، كما جاء عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: (لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار) يعني: أن الكبيرة إذا حصلت من الإنسان، وتاب منها وندم وخجل، وصار يتذكر هذا الذنب الذي حصل منه فيتألم فإن هذه الكبيرة تتضاءل حتى تتلاشى وتضمحل، وعلى العكس من ذلك، لا صغيرة مع الإصرار، والصغيرة مع الإصرار تلتحق بالكبائر؛ لأنه يصحبها ويقترن بها من قلة الحياء من الله عز وجل وقلة المبالاة والمداومة على معصية الله سبحانه وتعالى، فهذا يلحقها بالكبائر، لكن المحادة لله عز وجل جاءت النصوص فيها الغالب في حق الكفار، كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:20-21]. وفي أول السورة إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ [المجادلة:5]، ولا أدري: هل يأتي في غير هذا المعنى؟ لكن كما هو معلوم أن حصول الكبائر وعدم الحياء منها فيه عدم التعظيم لله والاستهانة بأحكامه الشرعية، وعدم الخوف منه والوقوع في معاصيه.

بغض ومحبة أهل الكبائر

السؤال: من يرتكب الكبائر هل يحب أم يبغض؟

الجواب: من يرتكب كبيرة أو يصر على صغيرة فإنه يبغض في الله؛ لأن الحب في الله والبغض في الله من أوثق الإيمان، كما جاء في الحديث: (ثلاثة من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)، هو يحب في الله ويبغض في الله، ويحب أولياء الله؛ لأنهم أطاعوا الله عز وجل ورسوله، ويبغض الذين يعصون الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، الذين هم أهل الكفر وأهل الكبائر وأهل الصغائر التي يصرون عليها، ومن المعلوم أن الإنسان يجتمع فيه حب وبغض، فقد يكون محبوباً مبغوضاً في آن واحد؛ يكون محبوباً على ما عنده من الخير، ومبغوضاً على ما عنده من الشر، ولهذا كان أهل السنة والجماعة في أصحاب الكبائر وفي أحكامهم في الدنيا وسطاً، فهم لا يكفرونهم كما تفعل الخوارج، ولا يجعلونهم كاملي الإيمان كما تفعل المرجئة، وإنما يقولون: مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، يحب على ما عنده من الإيمان، ويبغض على ما عنده من الفسوق والعصيان.

سجود السهو بالنسبة لمن نسي الفاتحة ثم عاد إليها

السؤال: رجل كبر تكبيرة الإحرام، وبدل أن يقرأ الفاتحة شرع في السورة التي بعدها فنبهه المصلون، فعاد إلى الفاتحة، فهل عليه سجود السهو؟

الجواب: نعم، عليه سجود السهو؛ لأنه حصل منه سهو في صلاته، حيث قرأ سورة قبل الفاتحة، مع أن الأصل أن غير الفاتحة يؤتى بها بعدها، فقد حصل منه سهو في صلاته، فعليه أن يسجد للسهو.

الفرق بين القرآن والحديث القدسي والحديث النبوي

السؤال: نرجو من فضيلة الشيخ توضيح الفرق بين القرآن، والحديث القدسي، والحديث النبوي.

الجواب: القرآن هو كلام الله عز وجل الذي تكلم به بحروفه ومعانيه وألفاظه، وهو الموجود في المصحف، من الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] إلى مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس:6]، وهو متعبد بتلاوته، ومتعبد بالعمل به.

وأما الحديث القدسي: فهو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مع إسناده الحديث إلى ربه سبحانه وتعالى، وذلك بأن يقول: قال الله تعالى كذا، أو يقول الصحابي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال كذا، فيضاف القول فيه إلى الله عز وجل، والضمائر ترجع فيه إلى الله عز وجل، كقول الله عز وجل: (كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، الضمير في (لي) يرجع إلى الله عز وجل، (يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي)، (يا عبادي) هذا نداء من الله عز وجل، وخطاب لعباده، (إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً)، وهو كلام الله عز وجل في الأصل، الذي تكلم به، لكن هل نفس الحديث الذي رواه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه هو نفسه كلام الله، حروفه ومعانيه، أو أنه المعاني فقط؟ المضاف إلى الله المعاني فقط؛ لأنه علمنا بأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أضافه إلى الله عز وجل ما دخله رواية بمعنى، وأن هذا هو الكلام الذي سمعه جبريل من الله وسمعه محمد من رسول الله وسمعه الصحابة منه وسمعه من بعدهم كذلك، لكان هذا هو كلام الله عز وجل لفظه ومعناه، لكن حيث تدخل الرواية ووجود اختلاف الروايات في المعنى في هذا الباب لا يقال: إن ذلك كلام الله عز وجل بألفاظه، لأن كلاً يأتي بما أمكنه أن يأتي به، إما من اللفظ أو من حيث المعنى.

يتحصل من ذلك أن الأحاديث القدسية المضافة إلى الله لا يتعبد بها في الصلاة، ولا يتعبد بتلاوتها كما يتعبد بالقرآن.

أما حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: فهو أيضاً من عند الله عز وجل، وليس فيه إسناد الضمائر إلى الله سبحانه وتعالى، وإن كان مصدره من الله عز وجل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، وكل ما يأتي به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو وحي من الله عز وجل، فهذا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم يبين به ما أوحاه الله عز وجل إليه، لكن لا يقال: هذا هو كلام الله سبحانه وتعالى، وإنما الحديث القدسي فيه الضمائر ترجع إلى الله عز وجل، والمتكلم هو الله عز وجل، ولو ثبت أن اللفظ هو اللفظ الذي تكلم به الرسول صلى الله عليه وسلم، وما دخله رواية بمعنى فإنه يقال: لفظه ومعناه من الله عز وجل، لكن يكون الفرق بينه وبين القرآن من حيث أن هذا يتعبد بتلاوته، وهذا لا يتعبد بتلاوته.

ما يلزم من ترك تكبيرة الإحرام

السؤال: إذا ترك المصلي تكبيرة الإحرام هل عليه الإعادة؟

الجواب: نعم، عليه إعادة الصلاة، إذا كان قد فرغ من الصلاة وهو ما دخل في تكبيرة الإحرام، فيعتبر ما دخل في الصلاة؛ لأن تحريمها التكبير وتحليلها التسليم، فالصلاة أقوال وأفعال مبتدئة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، فإذا ما وجدت البداية ولا وجد المدخل إلى الصلاة، فمعناه: أن الصلاة تحتاج إلى أن تعاد إذا كان قد فرغ منها.

علاقة مشابهة المولود لأحد والديه بغلبة الماء أو سبقه

السؤال: هل الشبه يكون بغلبة الماء أم بالسبق؟

الجواب: والله ما أتذكر، ولكن الحديث ورد فيه ذكر الشبه وذكر السبق، وهنا في الحديث قال: (ومما يكون الشبه)، يعني: يكون الشبه، لكن هل يكون بسبق الماء أو بغلبته؟ ورد فيه أحاديث في هذا وفي هذا.

الاجتهاد في مسائل العقيدة

السؤال: فضيلة الشيخ! هل يسوغ الاجتهاد في مسائل العقيدة؟

الشيخ: لا، لا يجتهد في أصول الدين، وليس فيه مجال للاجتهاد، وإنما الاجتهاد في الفروع التي يمكن للإنسان أن يجتهد فيها، وأما مسألة من مسائل العقيدة جاء فيها نص فنحن نثبته، ولكن بالنسبة في الأحكام الشرعية الفرعية النازلة تنزل، ولا بد لها من حكم يعرف، وهذا يكون بالاجتهاد، والاجتهاد لا يكون مع وجود النص؛ لأنه لا اجتهاد مع النص، لكن حيث لا نص يكون في المسألة اجتهاد، فينظر في النصوص والعمومات والقواعد الشرعية والقواعد الكلية التي يمكن أن تندرج تحت هذه المسألة؛ لأن الفهم في كتاب الله عز وجل، وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم يكون بالاستنباط، وبكون النص يحتمل، ويشتمل على هذا المعنى أو لا يشتمل، وهذا شيء تفاوت الناس فيه غاية التفاوت؛ لأن النص الواحد تعطيه لأشخاص كثيرين، وتقول لكل واحد: استخرج منه عشر فوائد، واحد يستخرج لك عشر فوائد أو يستخرج أكثر، وواحد يستخرج أقل، وواحد يستنبط ما لم يستنبط الآخر، والنص موجود أمام الجميع.

إذاً: فالمسائل التي تنزل تستوعبها النصوص، ولكن لا على سبيل التنصيص بأن يقال: كل مسألة ينص عليها بلفظها، وإنما مثل ما يقال: الدخان جاء متأخراً، ما كان موجوداً في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بعده، فالذي يريد دليلاً على هذا يحتاج إلى نص، تقول: الدخان حرام، والدخان ما كان موجوداً في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن نصوص الشرع ونصوص الكتاب والسنة تشمله، ويندرج تحتها، يقول الله عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا [النساء:29].

فإذاً: هذا فيه إتلاف النفس، وقتل لها: (إن الله ينهاكم عن ثلاث: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)، ينهى عن إضاعة المال، وهذا لفظ عام، وليس إضاعة مال فحسب، بل إضاعة مال في قتل، وإضاعة مال في مهلك، وهاجم للجسم وهاجم للصحة، فهو داخل في هذه العمومات، فالنوازل التي تنزل وتتسع لها نصوص الشريعة، يفهم ذلك من يفهمه.

وابن حجر رحمه الله لما جاء عند حديث: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، الحديث جاء في ذكر اللسان، ما جاء في ذكر القول، ما قال: سلم المسلمون من قوله، بل قال: لسانه، لماذا عبر باللسان في الحديث ولم يعبر بكلمة القول، مع أنها تؤدي هذا المعنى؟ قال ابن حجر في الاستنباط من هذا الحديث: لأنه لو أتي بالقول لأمكن أن يخرج الإنسان لسانه ويستهزئ، فهو ما تكلم بشيء لكن يخرج لسانه ليستهزئ، فكلمة (لسانه) شملت حتى الاستهزاء باللسان، وهذا فهم، ليس الكل يتنبه لهذا.

كذلك الحديث الذي فيه الصحابي الجليل الذي ضحى قبل الصلاة، وذبح أضحيته قبل الصلاة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (شاتك شاة لحم)، كون قصده حسن ما عفاه عن ذبح غيرها، وما كان عمله مقبولاً، وأضحيته أضحية مقبولة، مع أن قصده طيب، قال: في هذا دليل على أن العمل إنما يعتبر بكونه وفقاً للسنة، ولا يكفي في ذلك حسن قصد الفاعل.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - باب الغسل من المني - باب غسل المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net