إسلام ويب

الهجرة لغة: الترك. وتكون الهجرة من بلد الخوف إلى بلد الأمن، مثل الهجرة من مكة إلى الحبشة، فإنها هجرة من بلد خوف إلى بلد أمن، وتكون من بلد شرك إلى بلد إسلام، كالهجرة من مكة -قبل الفتح- إلى المدينة، فإن المهاجرين تركوا بلادهم، وتركوا أموالهم، وتركوا دورهم، ومتاعهم من أجل نصرة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولهذا جمع الله للمهاجرين بين الهجرة والنصرة في قوله تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر:8]، وبهذا كانوا أفضل من الأنصار؛ لأنهم عندهم النصرة التي عند الأنصار، وزادوا بالهجرة التي ليست عند الأنصار، فالمهاجرون أنصار، وزيادة على ذلك هم مهاجرون، والأنصار أنصار فقط، والذين جمعوا بين الهجرة والنصرة أفضل من الذين حصلوا النصرة فقط.

والهجرة من مكة انتهت بفتح مكة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية)، وأما الهجرة من بلد الشرك إلى بلد الإسلام فهي باقية ومستمرة إلى قيام الساعة.

فوائد في معرفة رجال الإسناد عند النسائي

أذكر هنا شيئين يتعلقان بمعرفة رجال الإسناد عند النسائي:

أحدهما: أنه مر ذكر محمد بن منصور في أحد الأسانيد الماضية، وما ذكرت من المراد، أو من هو محمد بن منصور .

والنسائي له شيخان كل منهما اسمه محمد بن منصور، أحدهما: محمد بن منصور بن ثابت الخزاعي, الملقب الجواز ، وهو ثقة، وقد روى له النسائي وحده، والثاني: محمد بن منصور بن داود الطوسي, نزيل بغداد، وقد روى له النسائي و أبو داود ، وكل من هذين الاثنين يروي عن سفيان بن عيينة ، فاتفق أن النسائي روى عنهما، وأنهما رويا عن ابن عيينة ، وكل منهما ثقة، إلا أن الثاني - الذي هو الطوسي, نزيل بغداد، وصف مع كونه ثقة بأنه عابد، والأمر محتمل لأن يكون هذا أو هذا، لكن جرت العادة عند المحدثين أنهم يستأنسون بقرائن، ومن هذه القرائن: أن يكون الشخص معروفاً بالإكثار عن الشيخ الذي روى عنه فيحمل عليه، أو يكون له به علاقة غير ذلك كأن يكون من أهل بلده، ومن المعلوم أن المكي هو وابن عيينة من بلد واحد؛ لأن ابن عيينة مكي, ومحمد بن منصور الخزاعي الجواز المكي هو أيضاً مكي مثل سفيان بن عيينة ، فإذاً: كونه من أهل بلده يقوي جانب أن يكون هو المكي الجواز، ومهما يكن من شيء سواءً كان هذا أو هذا لا يؤثر؛ لأن كلاً منهما ثقة، والإشكال لو كان أحدهما ضعيفاً، عند ذلك يأتي الإشكال، أما ما دام أن كلاً منهما ثقة، فسواءً كان هذا أو هذا فالنتيجة واحدة من حيث الثبوت، فـالطوسي ثقة, والمكي ثقة، لكن من حيث الاحتمال الأقرب وكون أحدهما عنده جانب مرجح، والمكي عنده جانب مرجح وهو كونه من أهل بلد شيخهما سفيان بن عيينة؛ لأنه مكي، هذا الأمر الأول.

الأمر الثاني: هو أنه في بعض الأسانيد التي مضت وردت رواية النسائي عن شيخين هما: محمد بن سلمة و الحارث بن مسكين يرويان عن ابن وهب ، وذكرت فيما مضى أن طريقة البخاري عندما يروي عن شيخين فإن اللفظ يكون للأخير منهما، هذا هو الذي عرف بالاستقراء من صنيع الإمام البخاري ، وقد ذكر هذا ابن حجر في فتح الباري عند حديث جابر بن عبد الله : (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر.. ) الحديث، فقال عند شرح هذا الحديث: وقد عرف بالاستقراء من صنيع البخاري أنه إذا روى الحديث عن شيخين فإن اللفظ يكون للثاني، قال: والدليل على هذا أنه وجد في صحيح البخاري حصول الإسناد عن شيخه الأول فقط بلفظ مغاير للذي أورده عنهما.

أما النسائي فقد قلت: إننا لا نعلم اصطلاحه، وقد مَرَّت بعض الأحاديث التي يروي فيها عن شيخين, ولكن لا نعلم أيهما له اللفظ، لكنه في هذا الموضع قال: واللفظ له، يعني: الحارث بن مسكين ، فعين من له اللفظ، وهذه طريقة الإمام مسلم ؛ أنه عندما يذكر الشيوخ المتعددين يقول: حدثنا فلان وفلان وفلان، ويذكر عدداً من مشايخه ثم يقول: واللفظ لفلان، فعرف من له اللفظ بالتنصيص عليه، والنسائي هنا عرف من له اللفظ بالتنصيص عليه، حيث قال: واللفظ له، والضمير يرجع لـلحارث بن مسكين الذي هو شيخه الثاني.

إذاً: وجد عند النسائي في بعض الأسانيد ما يعين من له اللفظ، وهو التنصيص عليه بقوله: واللفظ له، أي: للثاني، وهذا لا إشكال فيه، فإذا وجد التنصيص فلا يحتاج إلى معرفة اصطلاح.

ويمكن أن يتبين في الأحاديث التي سبق أن مرت ولم ينص على من له اللفظ أن يأتي الحديث في موضع آخر عن شيخ واحد -الأول أو الثاني- ثم يقارن بين اللفظ الذي هناك واللفظ الذي مضى، وعند حصول المقارنة يعرف من له اللفظ، فيمكن أن يعرف اصطلاح النسائي، وحتى الآن لا نعرف للنسائي اصطلاحاً يحدد من له اللفظ إلا إذا وجد التنصيص عليه كما ذكر هنا. ‏

النهي عن مس الذكر باليمين عند الحاجة

شرح حديث: (إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: النهي عن مس الذكر باليمين عند الحاجة.

أخبرنا يحيى بن درست أخبرنا أبو إسماعيل وهو القناد حدثني يحيى بن أبي كثير أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه) ].

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه) ، فـالنسائي قيد الترجمة بقوله: النهي عن مس الذكر باليمين عند قضاء الحاجة، وتقييده يفيد بأن الأمر يتعلق بقضاء الحاجة كما هو نص الحديث: (إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه) ، فقوله: (بال أحدكم) معناه: أن النسائي اعتبرها قيداً له مفهوم؛ لأن النهي جاء عند قضاء الحاجة، وهو ترجم للنهي عند قضاء الحاجة، ما قال: النهي عن مس الذكر باليمين وسكت، وإنما قال: عند قضاء الحاجة.

و السندي في تعليقه على الحديث قال: ولا مفهوم لهذا القيد بقوله: (إذا بال أحدكم) ، فيجوز أن يمسك الذكر باليمين في غير حال قضاء الحاجة، قال: لأنه إذا كان النهي عن مسه باليمين عند قضاء الحاجة فعند غيرها من باب أولى، وهذا ليس بواضح كونه أولى؛ لأنه كما هو معلوم أن اليد اليسرى جاءت السنة بأنها تستعمل في الأشياء غير الطيبة وغير الحسنة، مثل: المخاط، ومثل: مسك الذكر عند قضاء الحاجة؛ لأنه عند قضاء الحاجة تكون عرضة للنجاسة، فالنهي عن مس الذكر باليمين جاء حتى لا تتعرض للنجاسة، ومن المعلوم أن الامتخاط باليد اليسرى شيء مستقذر, فلا تستعمل له اليمين، لكن لو أن إنساناً لمس أنفه بيمينه عند غير الامتخاط فلا مانع منه، وهذا يمكن أن يكون مثله، وأنه إذا كان لغير قضاء حاجة وغير عرضة للنجاسة فالأمر يختلف ويكون له مفهوم؛ لأن النص إنما جاء بذكر هذا القيد: (إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه)، فقول السندي: بأنه عند غير قضاء الحاجة من باب أولى غير واضح وغير مسلم، بل عند قضاء الحاجة فيه شيء مستقذر وهو حصول النجاسة، واليمين تنزه عن مثل هذا؛ لأنها تستعمل في أمور طيبة، وتلك تستعمل في ضدها.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا بال أحدكم فلا يأخذ ذكره بيمينه)

قوله: [أخبرنا يحيى بن درست ].

يحيى بن درست من شيوخ النسائي , قال عنه الحافظ في التقريب: إنه ثقة، وأخرج له الترمذي والنسائي وابن ماجه .

[أخبرنا أبو إسماعيل].

وهو: القناد ، وهذه تماثل ما سبق أن نبهت عليه مما يأتي ذكره في الأسانيد (هو: فلان), أو (يعني فلاناً)؛ لأن اللفظ الذي قاله يحيى بن درست: حدثنا أبو إسماعيل ، هذه عبارته، ولم يقل: القناد ، وإنما قال: أبو إسماعيل ، فالذي دون تلميذه عندما يريد أن يوضح هذا اللفظ الذي ليس فيه إلا الكنية لا يقول: أبو إسماعيل القناد ويسكت؛ لأنه لو قالها لظن أن يحيى بن درست هو الذي قالها؛ لأنه ليس هناك ما يبين أنه هو أو غيره، لكن يقول: هو: ابن فلان، أو يقول: يعني: ابن فلان، أو يعني: الفلاني، أو يعني: فلان الفلاني، هذا هو المقصود من قوله: هو، فلا يقال: لم جاءت هو؟ ولماذا ما قيل: أبو إسماعيل القناد بدون هو؟ قلنا: حتى يبين أن هذا التوضيح ليس من التلميذ؛ لأن التلميذ ما يحتاج أن يوضح بـ (هو)، فالتلميذ يمكن ينسب شيخه إلى الجد العاشر إذا أراد، فيقول: حدثنا فلان بن فلان بن فلان، لكن غيره ممن هو دونه إذا ساق اللفظ وأراد أن يوضح يأتي بـ (هو فلان)، أو إذا فرغ من آخر الحديث يقول: قال فلان: هو كذا وكذا, مثلما حصل من النسائي في إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير القارئ ؛ فشيخه قال: حدثنا إسماعيل ، فلما فرغ من سياق حديث المغيرة بن شعبة الذي مر قريباً: (كان إذا ذهب المذهب أبعد) قال النسائي: إسماعيل هو: ابن جعفر بن أبي كثير القارئ.

وأبو إسماعيل اسمه إبراهيم بن عبد الملك القناد ، وهو صدوق، وروى له النسائي والترمذي ، يعني: الذين رووا عن الشيخ الأول رووا بنفس ابن ماجه ، لأن هنا رواه عنه اثنين من الثلاثة الذين رووا عن تلميذه، يعني: ثلاثة من الأئمة خرجوا للتلميذ, واثنين من الثلاثة خرجوا للشيخ، الثالث الذي هو الترمذي خرج لـيحيى بن درست ولم يخرج لشيخه أبي إسماعيل القناد .

[ حدثني يحيى بن أبي كثير ].

يحيى بن أبي كثير اليمامي نسبة لليمامة، وكلمة (اليمامي) تتحرف وتتصحف مع اليماني، ومثلما قلت فيما مضى: البصري والمصري يصير بينهما شيء من التصحيف لقربهما، فهنا اليماني واليمامي يحصل بينهما شيء من التصحيف، فهو اليمامي نسبة لليمامة، وهو من رجال الجماعة، وهو ثقة ثبت، وهو الذي خرج عنه الإمام مسلم الكلمة المشهورة في الصبر على طلب العلم، وعلى أنه لا يحصل العلم إلا من يتعب، فلما أورد الإمام مسلم من طرق عديدة حديث عبد الله بن عمرو في بيان أوقات الصلاة أتى بعده بإسناده إلى يحيى بن أبي كثير قال: لا يستطاع العلم براحة الجسم. قال النووي : إنه لما ذكر هذه الطرق الكثيرة التي ما يحصلها إلا من يتعب، وما يجمعها إلا من يتعب، نبه إلى أن العلم لا يحصل إلا بالتعب، يقولون: ملء الراحة لا يدرس بالراحة، ملء الراحة شيء قليل لا يدرس بالراحة كون الإنسان ما يتعب، وإنما من يتعب هو الذي يحصل، فمن جد وجد.

فمن أراد أن يحصل فليتعب، أما من يريد أن يحصل بلا تعب فهذا لا يحصل شيئاً؛ لأنه بلا شيء لا يحصل شيئاً، بل يحصل الشيء بالتعب ويحصل بالنصب، كما قال الشاعر:

لولا المشقة ساد الناس كلهم

أي: لولا المشقة لصار كل الناس سادة، فلا يتميز السادة عن غيرهم من أهل السؤدد وأهل النبل وأهل الشرف إلا بالصبر على التعب، فليس كل أحد يحصل السؤدد، وإنما يحصله من يصبر على التعب، كما قال الشاعر:

وإذا كانت النفوس كباراًتعبت في مرادها الأجسام

[ أن عبد الله بن أبي قتادة حدثه ].

عبد الله بن أبي قتادة الأنصاري هو من رجال الجماعة, وهو ثقة.

[عن أبيه ].

وهو أبو قتادة الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من الفرسان الشجعان رضي الله تعالى عنه، وذكر الخزرجي في الخلاصة - وهو كتاب من ميزته أنه إذا ترجم للصحابي يذكر عدد ما له من الأحاديث في الكتب الستة، وعدد الذي اتفق البخاري ومسلم عليه منها، وما انفرد به البخاري, وما انفرد به مسلم - قال: له في الكتب مائة وسبعون حديثاً، اتفقا على أحد عشر، وانفرد البخاري بحديثين، وانفرد مسلم بثمانية، وهذه الفوائد المشابهة لهذه الفائدة يمكن للإنسان أن يحصلها من خلاصة تذهيب الكمال للخزرجي.

حديث: (إذا دخل أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه) وتراجم رجال إسناده

قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري عن وكيع عن هشام عن يحيى -هو ابن أبي كثير- عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه) ].

هنا أورد النسائي حديث أبي قتادة رضي الله عنه من طريق أخرى ، عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبي قتادة رضي الله تعالى عنه: (إذا دخل أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه) ، وهو مثل الذي قبله لم يختلف عنه في اللفظ، هناك يقول: (إذا بال أحدكم) وهنا يقول: (إذا دخل أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه).

قوله: [ أخبرنا هناد بن السري ].

هناد بن السري هو من شيوخ الإمام مسلم ، قال عنه الحافظ في التقريب: ثقة، وقد خرج له الإمام مسلم وأصحاب السنن الأربعة والبخاري في خلق أفعال العباد، والرمز لهذا التخريج هو: ع خ، فهذه هي طريقة الحافظ في التقريب وتهذيب التهذيب، لكن الرموز هذه أحياناً يحصل بها خطأ، فـالسيوطي في كتابه الجامع الصغير يرمز للصحيح والضعيف برموز، وأحياناً تنعكس الرموز فيصير الضعيف صحيحاً والصحيح ضعيفاً بسبب الرمز، ولو جاءت الكلمة كاملة زال الإشكال، لكن الرمز يؤدي أحياناً إلى الخطأ، لكن الإنسان إذا رجع إلى تهذيب الكمال للمزي الذي هو الأصل يجد أن الأسماء ينص عليها دون رموز، يقول: أخرج له فلان, وفلان, وفلان، فعندما يكون هناك لبس أو تضارب فيمكن للإنسان أن يرجع إلى الأصل الذي هو تهذيب الكمال للمزي ؛ لأنه لا يستعمل الرموز لمن خرج له أصحاب الكتب، وإن كان يرمز لهم عند الشيوخ والتلاميذ، فهو في الترجمة أحياناً يرمز عند شيوخ التلميذ فوق الاسم، لكن في الآخر يقول: أخرج له فلان, وفلان, وفلان.

[ عن وكيع ].

وهو وكيع بن الجراح بن مليح الرؤاسي الكوفي ، وهو إمام, ثقة، ثبت، وهو من رجال الجماعة.

] عن هشام [.

وهو: هشام الدستوائي، أو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، وهو ثقة ومن رجال الجماعة.

] عن يحيى بن أبي كثير [.

وهذا ملتقى الإسناد مع الإسناد الذي قبل هذا، يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه أبي قتادة.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن النسائي - كتاب الطهارة - باب النهي عن مس الذكر باليمين عند الحاجة للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net