إسلام ويب

الدعوة إلى الله من أجلّ الأعمال والقربات، وهي تتطلب بذل الجهود وتفريغ الأوقات، ولابد أن تكون وفق منهج النبي صلى الله عليه وسلم. وللدعوة ثمار عظيمة، وآثار حميدة، ولها ميادين رحبة ومجالات واسعة، خاصة في هذا العصر الذي تنوعت فيه الوسائل وتعددت المنكرات.

الدعوة إلى الله من أعظم الطاعات

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

أما بعد:

سلامُ اللهِ عليكم ورحمته وبركاته.

نحن في روضة من رياض الجنة إن شاء الله، وفي مجلس من مجالس الذكر الذي نرجو أن يكون من المجالس التي تغشاها الرحمة، وتتنزل عليها السكينة وتحفها الملائكة ويذكرها الله فيمن عنده.

أيها الإخوة في الله! المؤمنون إخوة يتعاونون على البر والتقوى، ويتآمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر، ويدعو بعضهم بعضاً إلى الحق، المؤمن ليس أنانياً يجلب الخير لنفسه، ويسعى إلى تحصيل الكمالات ومعالي الأمور، ويخص بذلك نفسه دون إخوانه، بل المؤمن بمجرد أن يستقر الإيمان في قلبه يسعى جاهداً لإيصال هذا الخير إلى غيره، ويسعى إلى رفع ما يكون سبباً في هلاك إخوانه، ويسعى في دلالة إخوانه على الحق الذي توصل إليه، ويتعاون معهم على ذلك؛ فالله سبحانه وتعالى يقول: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71] فتأمل ما هي أخص خصائص هذه الولاية: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ [التوبة:71].

وهذه هي الدعوة إلى الله عز وجل! أمر بالخير وتحذير من ضده، ولما بيّن الله تعالى خيرية هذه الأمة وأنها أفضل الأمم قال: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110] ثم شرع في تعداد فضائل هذه الأمة التي استحقت بها هذه الخيرية، وصدّر هذه الفضائل في أنها أمة آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ [آل عمران:110].

إن الدعوة إلى الله عز وجل من أجلِّ الأعمال وأعظم الطاعات وأجلِّ القربات، إنها وظيفة الأنبياء والمرسلين، كما قال الله سبحانه وتعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي [يوسف:108].

فهذه هي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، ودعوة الأنبياء من قبله: هداية العباد إلى رب العباد.. إنقاذهم من المهلكات والأخذ بأيديهم إلى سبيل النجاة.

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي [يوسف:108] قال ابن القيم رحمه الله في كتاب مدارج السالكين : هذه الآية تدل على أن أتباعه هم أهل البصائر الداعون إلى الله عز وجل على بصيرة.

من لم يكن كذلك فليس من أتباع الأنبياء، ليس من أتباع الرسل، ليس من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم على الحقيقة والموافقة وإن كان من أتباعه على الانتساب والدعوة، إنه لا يتم الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم إلا بأن نحذو حذوه في السعي لإصلاح أنفسنا، وفي إصلاح غيرنا على قدر وسعنا وطاقتنا.

مجاهدة النفس في الدعوة إلى الله بأمور أربعة

يتحدث ابن القيم رحمة الله عليه في كتاب آخر من كتبه -وهو كتاب زاد المعاد - أن جهاد النفس لا يتم إلا بأربعة أمور:

أولاً: جهاد النفس في تحصيل العلم ومعرفة الحق.

ثانياً: جهادها في العمل بهذا العلم.

ثالثاً: جهادها بالدعوة إلى الحق الذي وصل إليه العبد.

رابعاً: الصبر على الأذى في ذلك.

لا يكمل جهاد النفس ولا يتم إلا بتحقيق هذه الخصال الأربع: العلم والعمل به، والدعوة إليه والصبر على الأذى فيه.

وفي موضع آخر من كتبه وهو كتاب زاد المهاجر إلى ربه يبين أن الكمال الإنساني لا يتم إلا بتحقيق هذه الأمور الأربعة، وهي التي عبر عنها بجهاد النفس، فقال: إن الكمال الإنساني لا يتم إلا بأن يتعلم العبد ما ينفع، ثم يعمل به، ثم يدعو إليه، ثم يصبر على الأذى في ذلك، حينئذ يتم للعبد كماله الإنساني.

ليس الكمال بكمال الصحة أو بسعة المال أو بعلو المنصب أو بالشهادات العليا، بل الكمال بهذه الأمور الأربعة، فنصيبك من الكمال على قدر نصيبك من هذه المراتب الأربع، ويفوتك حظك من الكمال على قدر ما يفوتك من هذه الخصال الأربع، جعلنا الله وإياكم جميعاً ممن كمل في علمه وعمله ودعوته وخلقه وسائر أموره.

فضل الدعوة وكثرة ثمارها

لقد جاءت النصوص النبوية ببيان فضل الدعوة إلى الخير والأمر به والمعونة على الحق، وتضمنت فضائل وثمرات كثيرة، من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) وحمر النعم هي: خيار النوق عند العرب، والعرب تُفاخر وتتباهى وتتطلع إلى هذا النوع من النوق، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم).

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجر فاعله) أي خير تدل غيرك عليه فلك مثل أجره، من غير أن ينقص ذلك من أجر الفاعل شيئاً، وبالله عليك قارن بين إنسان يجد ويجتهد في نفسه لكن ليس له نصيب من دعوة غيره إلى الحق، وإنسان آخر يبلغ دعوة الحق وينشر الخير ويدل الناس عليه، فيعملون على مقتضى توجيهه وتعليمه ودعوته، فيكون له مثل أجورهم من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، فقارن بين هذا وذاك!

خذ على سبيل المثال: ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة، قالوا: كيف ذلك يا رسول الله؟ قالوا: يسبح الله مائة تسبيحة، فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة) ورواه غير مسلم بإسناد صحيح: (يكتب له ألف حسنه ويمحى عنه ألف خطيئة).

إذا حدّثت قوماً يبلغ عددهم عشرة بهذا الحديث، فعمل أولئك العشرة بمقتضى هذا الحديث، فصار كل واحد منهم يسبح الله مائة تسبيحة، فكل واحد يكون له في كل يوم ألف حسنه ويمحى عنه ألف خطيئة.

مجموع هؤلاء عشرة، كل واحد منهم يسبح مائة فلكل واحد منهم ألف حسنة ويمحى عنه ألف خطيئة فالمجموع في كل يوم كتابة عشرة آلاف حسنة ومحو عشرة آلاف خطيئة، من الذي دلهم على ذلك؟ إنه أنت، وعليه فإنه لو كان لكل واحد منهم ألف حسنة فلك عشرة آلاف حسنة، وإذا كان كل واحد منهم يمحى عنه ألف خطيئة فيمحى عنك أنت عشرة آلاف خطيئة، لأنك أنت الذي دللت هؤلاء العشرة على هذا الخير.

ولو فرضنا أن كل واحد من هؤلاء العشرة دل عشرة آخرين على هذا الخير، فعمل كل أولئك الذين دُلوا على هذا الخير بهذا الحديث، فإن مجموع الذين عملوا بمقتضى هذا الحديث مائة، فكم يلحقك حينئذ من الأجور، كم يلحقك من تكفير السيئات يومياً؟!

وهكذا كل خير يصدر منك يمتد أجره لك مهما تباعدت الأزمنة والأمكنة، بل تكون موسداً في قبرك، والخير الذي يعمل به بمقتضى دلالتك يجري لك وأنت في قبرك.

وتأمّل الآن علم أبي هريرة رضي الله عنه الذي نقل لنا آلافاً من الأحاديث النبوية، كم يجري لـأبي هريرة رضي الله عنه من الخير وهو في قبره منذ مئات السنين، يجري ذكره في المساجد.. في المجامع.. في الجامعات.. في المؤلفات.. في الكتب الدراسية.. وكل خير يصل إلينا من طريق أبي هريرة فله مثل أجره، وهكذا من بعده من العلماء والدعاة والمصلحين.

فشتان بين من يعتمد على جهده وعبادته الفردية القاصرة، وبين من يضيف إلى عبادته وعمله أعمال الآخرين وعبادتهم وصدقاتهم، فمن دل على خير فله مثل أجر فاعله.

وفي الحديث الآخر: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً) ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالبلاغ لعموم الأمة بلا استثناء: الذكر والأنثى والكبير والصغير، بل والمتعلم وقليل البضاعة في العلم، حيث يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو : (بلغوا عني ولو آية) وهذا يعطيك دليلاً واضحاً على أن البلاغ والدعوة إلى الخير، ليس هناك نصاب إذا بلغه الإنسان من العلم وجب عليه البلاغ حينئذ، بل مجرد وجود أدنى قدر من العلم أو الخير لديك يحتم عليك البلاغ، ونشر هذا الخير الذي بلغك.

وهل يُتصور أن مسلماً ليس عنده شيء من الخير؟

هل يتصور أن مسلماً لا يحفظ آية من كتاب الله، أو لا يحفظ حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو لا يعلم حكماً من الأحكام الشرعية؟

أو ليس عنده أمر من أمور الخير يوصله للغير؟!!

لا يتصور هذا. بل كل مؤمن ومؤمنة عنده شيء من الخير، فبإمكان الإنسان أن ينشر هذا الخير الذي لديه ولو كان قليلاً أو يسيراً ولو كان زهيداً.

المهم أنك تقدم لغيرك من الخير ما وصلك، فلا تحصر الخير في نطاقك، وتقتصر على الاستفادة منه دون أن توصله لغيرك من أهل بيتك وجيرانك وزملائك وعموم الأمة.

والمهم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) يدل على أن الخير ليس كالمال له نصاب معين إذا بلغه الإنسان وجبت عليه الزكاة، بل الخير وجود أدنى قدر منه يوجب على العبد زكاته، فينشر العبد هذا الخير ويبلغه للغير.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) رواه البخاري ومسلم ، ولفظه عند أبي داود : (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير) وهذا الخير يشمل الخير الدنيوي والخير الديني، وهو أولى!

فلا تتصور أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) مقصوراً على الخير المادي المالي أو الدنيوي، وإنما يدخل فيه من باب أولى الخير الديني، الذي يترتب عليه سعادة العبد في الدنيا والآخرة، وفلاح العبد في الدنيا والآخرة، فالذي يقصر الخير على نفسه لا يأمر غيره بالخير ولا يحذره من الشر، ويرى أخاه على تقصير أو خطأ فلا ينبه على ذلك، ولا يدله على الحق، يرى أمامه المزالق والحفر فلا يحذره من هذه المزالق والحفر، ولا يعينه على تلافيها والتخلص منها، فهل هذا أحب لأخيه ما يحب لنفسه؟!

كلا. الواقع أنه لم يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وقد ذكر أهل العلم أن من علامات الكبيرة: أن يترتب على الذنب حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة، أو ينفى عن فاعلها دخول الجنة، أو ينفى الإيمان عن فاعل ذلك الذنب.

وهنا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) فالذي لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه، مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب وعظيمة من العظائم، ومن أهم ما يدخل في هذا، أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك من بلوغ الخير الأخروي، والدرجات الرفيعة في الجنان والنجاة من النيران، لا بد أن تحب له ذلك، ومقتضى محبتك له أن تسعى في دلالته على الحق وإعانته عليه، وتحذيره من الشر وترهيبه منه.

الأسباب التي تجعل الدعوة إلى الله فرض عين

أيها الإخوة! ولئن كانت الدعوة إلى الله عز وجل مشروعة في وكل وقت وآن، ومشروعة في حق كل إنسان؛ فإن الدعوة إلى الله تعالى في هذا العصر الراهن الذي نعيشه لازمة أكثر من ذي قبل، ولئن كانت الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في الأصل فرض كفاية؛ فإنها تكون فرض عين في بعض الأحوال والأزمنة والأمكنة، وواقعنا الحالي الذي نعيشه يجعل الدعوة إلى الله عز وجل فرض عين على كل مسلم ومسلمة، على قدر وسعه وطاقته، وذلك لعدة أسباب:

أولاً: ضعف الإيمان في النفوس، فإن الإيمان ضعيف في معظم نفوس المسلمين اليوم، ولئن كان المسلمون اليوم يبلغون ألف مليون ومائتي مليون، إلا أن هذا الرقم هو إلى الوهم أقرب منه إلى الحقيقة، فكم هم المؤمنون حقاً من هذا الرقم؟ وكم الذين يتصفون بقوة الإيمان التي يواجهون بها فتن الشبهات والشهوات؟ وكم الذين يملكون من الإيمان ما يجعلهم يقومون بما أوجب الله عليهم، فيما بينهم وبين خالقهم، وفيما بينهم وبين المخلوقين من أقارب وأولاد وجيران وعموم المسلمين؟

ثانياً: مما يجعل الدعوة إلى الله عز وجل اليوم آكد من غيرها هو كثرة وسائل الباطل، وتفنن أهل الشر والفساد في عرض الباطل من خلال وسائل شتى، أبرزها اليوم: القنوات الفضائية، والشبكة العنكبوتية ( الإنترنت ) فالشر والباطل أصبح اليوم في قوة وظهور، وتيسر وصوله إلى القلوب والبيوت أعظم من ذي قبل، ولم يمر على البشرية جمعاء إمكانية لنشر الباطل والشر والفساد ووسائل الإغراء مثلما يوجد في عصرنا اليوم.

ولئن كنا قبل نحذر ونحذر من سفر الأبناء والبنات إلى بلاد الكفر، وبلاد العهر والفجور، فقد صارت البلاد نفسها بلاد العهر والفجور والكفر اليوم في قلب البيوت.. في غرف النوم، فالأمر خطير جد خطير!

وثالثاً: كثرة الشبه التي تثار والتشكيك في ثوابت الدين، حتى أصبح كل شيء اليوم قابلاً للنقاش، حتى تأثر كثير من المسلمين، وصاروا يناقشون في عقائد مسلّمة وثوابت لا تقبل النقاش، فمجرد الشك فيها كفر وخروج من دين الإسلام، أصبح كثير من المسلمين يناقش في هذا!

أمور غيبية ليست خاضعة لمعايير العقل أصبحت تعرض على العقل، فصار الشك والريب يداخل كثيراً من النفوس، مما يتطلب أن ينهض أهل الخير لدعوة الحق وبيان الباطل وكشف الضلال.

ورابعاً: كثرة المثيرات ووسائل الإغراء وتأجيج الشهوات، وقد ذكرنا منها القنوات الفضائية وما ينشر في شبكة (الإنترنت) والصحف والمجلات المعروضة في الدكاكين من البقالات وغيرها، كلها دعوات لإثارة الشهوات وتأجيج الغرائز وإلهاب الأهواء في النفوس.

وخامساً: قلة الدعاة العاملين والعلماء المصلحين، إذا نظرت إلى حجم المسلمين الذين يعيشون على الكرة الأرضية اليوم، فكم عدد المسلمين الذين يعيشون على وجه الأرض اليوم؟ وكم عدد العلماء والدعاة الذين يقومون بوظيفة الرسل من تعليم للحق ونشر للخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قلة قليلة جداً.

لو نظرت مثلاً إلى بلد من بلاد المسلمين وهي أندونيسيا ، عدد المسلمين فيها يربو على مائة وخمسين مليوناً، فكم عدد العلماء في أندونيسيا ؟ وكم عدد المصلحين؟ ربما لا يتجاوزون أصابع اليد، وهذا يتطلب استنفاراً واستنهاضاً عاماً لعموم الأمة، كلٌ على حسب وسعه وقدرته.

أيها الإخوة! إنه عند قلة الدعاة والقائمين بأمر الله عز وجل، تكون الدعوة إلى الله تعالى فرض عين على كل مسلم ومسلمة كل على قدر وسعه وطاقته، ولهذا يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه: "فعند قلة الدعاة وكثرة المنكرات وغلبة الجهل تكون الدعوة فرض عين على كل واحد بحسب طاقته" كالحال في هذا الزمن الذي نحن فيه.

الثمار العائدة على من يدعو إلى الله

أيها الإخوة في الله! إن الدعوة إلى الله عز وجل والعمل لهذا الدين، له ثمرات عظيمة تعود على الفرد نفسه الذي يدخل هذا المجال ويعمل فيه ويحمل همه، له ثمرات وفوائد عديدة منها:

أولاً: أن العمل في هذا المجال قيام بوظيفة الرسل، فإن الله تعالى قد قال في كتابه: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي [يوسف:108].

فهي أشرف الوظائف على الإطلاق، فمن انتدب نفسه لذلك فقد شغل نفسه ووقته بأفضل وظيفة وأكبر عمل، لست أقصد بذلك التفرغ لهذه الوظيفة، لكن أن يكون من عملك.. من جهدك.. من وقتك.. من بذلك.. شيء لهذا العمل.

قال ابن القيم رحمه الله في كتاب جلاء الأفهام : الدعوة إلى الله هي وظيفة المرسلين وأتباعهم، وهم خلفاء الرسل في أممهم والناس تبع لهم، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتبليغ عنه ولو آية، ودعا لمن بلّغ عنه ولو حديثاً، وتبليغ سنته إلى الأمة أفضل من تبليغ السهام إلى نحور العدو؛ لأن ذلك التبليغ -يعني: تبليغ السهام إلى نحور العدو- يفعله كثير من الناس، وأما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء وخلفاؤهم في أممهم.

وثانياً: في القيام بالدعوة إلى الله عز وجل إسقاط لواجب منوط بالعبد، ورفع للإثم عنه، فكما قلنا: إن الدعوة إلى الله عز وجل اليوم فرض عين على كل عبد بحسب وسعه، فإذا قام العبد بها فقد أسقط هذا الواجب المنوط به، ورفع الإثم عن نفسه.

وثالثاً: أن من دل على خير فله مثل أجر فاعله، ومن دعا إلى هدى كان له من الأجور مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، كما ثبت ذلك في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم و قد أسلفت الإشارة إليه.

ورابعاً: أن الاشتغال بنفع الغير ودعوتهم إلى الحق تعويض للتقصير الذي يحصل من العبد في نفسه، وكلنا مقصر ومفرط، فإذا اشتغل العبد بنفع الآخرين ودلالتهم على الخير، وساهم في نشر دعوة الحق بقلمه أو بماله أو بلسانه أو ببدنه، كان في ذلك تعويض عن التقصير الذي يبدر منه في حق نفسه وفيما بينه وبين ربه.

إن العبد إذا وكل إلى ما يقدمه لنفسه، وما يقوم به من عمل قاصر، فإنه وكل إلى ضعف وتفريط وتقصير، لكن يحصل التعويض عن هذا التقصير ببذل ما لدى الإنسان من خير إلى الآخرين، فيحصل له من الأجر مثل أجور من تبعه على ذلك.

وخامساً: أن في الاشتغال بالدعوة إلى الله تعالى محاسبة للنفس، فإن الذي يبذل نفسه في دعوة الآخرين، يستشعر أنه أولى من يجب عليه التزام ما يدعو إليه، فإذا دعا غيره إلى فضيلة من الفضائل شعر أنه مدعو لها بالقصد الأول، وإذا حذر غيره من شر أو باطل، استشعر أنه أولى من يجب عليه الانكفاف عن هذا الشر.

ثم يذهب يلوم نفسه: كيف يدعو غيره إلى فضيلة وهو لم يفعلها، وكيف يحذر من رذيلة وهو واقع فيها، ففي دعوة الآخرين إلى الحق دعوة في الحقيقة للنفس إلى فعل الخير واجتناب الشر.

وسادساً: في الاشتغال بالدعوة إلى الله تعالى اشتغال بالحق عن الباطل، فإنه كما قال أحد السلف: الوقت سيف إن قطعته وإلا قطعك، ونفسك إن شغلتها بالحق وإلا شغلتك بالباطل.

لا يمكن أن تقف النفس غير مشغولة، فإما أن تشغلها بالحق وإلا شغلتك هي بالباطل، ولهذا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي يرويه مسلم : (كل الناس يغدو -يذهبون ويجيئون ويتحركون لكن- فبائع نفسه فمعتقها -أي من النار- أو موبقها) إما أن تكون مشغولاً بإعتاق نفسك ونجاتها، أو تكون مشغولاً والعياذ بالله بتدسيتها وشقائها وإدخالها في النار.

وكما جاء في الحديث الآخر (أصدق الأسماء حارث وهمام)، أي: أن أشد الأسماء تطابقاً مع حقيقة الإنسان التسمية بحارث وهمام، لأن الإنسان كل وقت همام وحارث، يهم بالفعل والتصرف ثم يحرث أي: يتصرف ويفعل، أي: هو دائماً بين همٍ بالشيء وفعل للشيء، فإما أن تكون هماماً وحارثاً في الخير، أو تكون هماماً وحارثاً في الشر.

فالاشتغال بالأعمال الدعوية والإغاثية ونفع الناس، إشغال للنفس بالحق حتى لا تشتغل بالباطل، وتأملوا أيها الإخوة! -ودعونا نكون صرحاء مع أنفسنا- كم من شبابنا ممن كان لهم دور في بعض المشروعات الخيرية، والمجالات الدعوية أو الإغاثية، لما تخلَّوا عن هذه الأشياء اجتذبتهم الشهوات وركنوا إلى اللذات؟

فكم من شاب كان مستقيماً، كان غرة في أفعال الخير نكص على عقبيه وانساق وراء الشهوات، وأصبح يركض وراء اللذات فهلك مع الهالكين!

سابعاً: في الاشتغال بالدعوة إلى الله تعالى إحسان إلى الخلق يستدعي إحسان الخالق، فلا شك أن الدعوة إلى الله تعالى ودلالة الناس على الخير، وأمرهم بالحق ونهيهم عن الباطل لا شك أن هذا إحسان إليهم، فإذا أحسن العبد إلى الناس بهدايتهم إلى الحق، أحسن إليه رب الناس بأن هداه إلى الخير ووفقه له وأعانه عليه وثبته عليه إلى الممات، فكما تدين تدان، فإذا أحسنت إلى عباد الله أحسن إليك الله سبحانه وتعالى.

ثامناً: حصول الدعاء النبوي لمن بلّغ شيئاً من الخير مما بَلَغه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا لمن وصله حديث فبلّغه كما سمع، قال: (نضر الله امرأً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمع، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).

فدعا بالنضارة وجمال الصورة والخير لمن سمع شيئاً من حديثه، فنقله إلى غيره وبلّغه كما سمع، ولا شك أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم مستجابة.

تاسعاً: دعوة المدعوين إلى الخير لمن دعاهم إلى هذا الخير، فكم يحصل من الناس من دعوات صالحات مباركات لمن دلهم على الخير وأعانهم على الحق؟! تلهج ألسنتهم بالدعاء لمن دعاهم إلى الحق ودلهم عليه وأعانهم عليه، يدعون له على مسمع منه، ويدعون له -أيضاً- بظهر الغيب.

وهذا خير عظيم أن تشتغل الألسن بالدعاء لك يا من دللت الناس على الحق وأعنتهم عليه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه : (دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل به، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين.. ولك بمثل).

إذاً: دعوتهم لك بظهر الغيب مستجابة ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في هذا الحديث.

عاشراً: في الاشتغال بدعوة الناس إلى الخير وأمرهم بالحق وتحذيرهم من الشر، تعويد للنفس على حسن الخلق في التعامل مع الخلق، فإن الإنسان الذي يشتغل في هذا المجال سيواجه طبقات شتى من الناس، سيواجه الرجل المثقف، ويواجه الرجل العامي، ويواجه الرجل الأحمق، ويواجه الرجل الحليم، ويواجه الصغير والكبير، ويواجه تام العقل وراجح الذهن، ويواجه القاصر، فيتعلم من خلال هذا الاحتكاك بالناس والتعامل معهم، يتعلم حسن الخلق ويتربى عليه.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم) والصائم: هو الذي يصوم النهار، والقائم: هو الذي يقوم الليل، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة: (تقوى الله وحسن الخلق).

الحادي عشر: من الثمرات الذاتية لمن يشتغل بالدعوة إلى الله عز وجل، النعيم والسرور الحاصل لمن يشتغل بهذا الأمر حينما يرى ثمرة دعوته، وحينما يرى الدعوات التي تلاحقه، دعوات له بالخير والتوفيق والصلاح، وحينما يرى ثناء الناس عليه وشهادتهم له بالخير، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أنتم شهداء الله في الأرض! أنتم شهداء الله في الأرض! أنتم شهداء الله في الأرض!) فأي سرورو يلحقه حينما يرى ثمرة دعوته؟! حينما يرى ضالاً اهتدى، حينما يرى كافراً أسلم، وانتقل من الكفر إلى الإيمان، ومن الضلالة إلى الهداية، ومن الظلمات إلى النور على يديه وبسببه وجهده، فكم من السرور الذي يحلقه بذلك؟!

إنه سرور لا تعدله أي مسرة من المسرات!

الثاني عشر: يتعرض الداعية إلى الله تعالى لمشكلات الناس وهمومهم، فيعرف أدواءهم وعللهم، ويتعرف على الأدوية المناسبة لتلك المشكلة، فيصبح طبيباً لتلك النفوس، ومعالجاً لتلك الأمراض والعلل والأدواء الاجتماعية، التي لا يعرفها لولا دخوله في أوساط الناس وقربه منهم واتصاله بهم.

الثالث عشر: الازدياد من العلم، فإن العمل بالدعوة إلى الله عز وجل من أسباب الازدياد من العلم؛ لأن العمل الدعوي من أعظم الحوافز التي تحفّز العبد إلى تحصيل العلم الشرعي، وتدفعه دفعاً نحو تعلم العلم الشرعي، لأن من يشتغل بدلالة الناس على الخير يتطلب علماً ينشره، وحينما يتصدى للوقوف أمام الناس لإيصال الخير إليهم، فإن هذا يتطلب إعداداً وتحضيراً ومراجعة وبحثاً في بطون الكتب، فيكون هذا العمل الذي دخله حافزاً ودافعاً له نحو تحصيل العلم الشرعي، إضافة إلى ما يصله من الناس من أسئلة واستفسارات وإشكالات تتطلب منه بحثاً ودراسة ومراجعة.

الرابع عشر: معونة الله تعالى للعبد الذي يتصدى لنفع الناس، فإن الله تعالى قد تكفل بعون من أعان عباده، كما جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) وقال: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته) وأي عون أعظم من أن تعين الناس على النجاة من النار، وعلى بلوغ الدرجات العاليات في الجنات، وتعينهم على حل مشكلاتهم ومعضلاتهم، أي عون أعظم من هذا العون!

فإذا كان الأمر كذلك فأبشر بعون الله لك، وأبشر بأن الله سبحانه وتعالى في حاجتك.

كثرة مجالات الدعوة وسعة ميادينها

أيها الإخوة في الله! ليست الدعوة إلى الله عز وجل منحصرة في محاضرة يلقيها الإنسان أمام الناس، أو في خطبة عصماء مرتجلة، بل إن الدعوة إلى الله عز وجل أوسع دائرة وأكبر مساحة من هذه المجالات.

إن مجالات الدعوة إلى الله عز وجل كثيرة وواسعة، وهذا يجعلها ميداناً فسيحاً يتسع للجميع، كلٌ بحسب ما أعطاه الله وما منّ الله تعالى به، وما يلائم ظروفه وإمكاناته وقدراته ومواهبه، ومن هذه المجالات -ونشير إلى شيء منها حتى تفتح الآفاق أمام الجميع للعمل في المجال الدعوي- من ذلك:

دعم المراكز الدعوية لنسخ الأشرطة والكتيبات ونشرها

جمع التبرعات من المحسنين لدعم المشروعات الدعوية.. دعم المراكز الدعوية.. دعم أماكن توعية الجاليات التي من خلالها يدعى غير المسلمين إلى الإسلام.. ويُثَبَّتُ المسلمون أيضاً على الإسلام.

وأيضاً: استنساخ الأشرطة والكتيبات لنشرها وتعميمها على الناس وعلى من يحتاج إليها، وأما التجار فواجبهم في هذا المجال الفسيح الواسع أن يبذلوا من أموالهم ما يكون سبباً في هداية الخلق، عن طريق توفير الكتب والأشرطة، وإنشاء مكاتب توعية الجاليات، والمكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد ، وهذا لا يتم إلا بتعاون المحسنين من أهل الخير.

فإذا اشتغل الإنسان بدلالة هؤلاء التجار على هذا الخير، وجمع هذه التبرعات وإيصالها إلى هذه المراكز الدعوية، أو يتولى بنفسه استنساخ الأشرطة وشراء الكتب والمطويات وتوزيعها -وهذا من المجالات العظيمة التي قد يهتدي خلائق بسببها- يكون لمن فعل ذلك مثل أجر من بذل هذه الأموال.

وقد حدثني أحد المشايخ من الرياض أن شخصاً قَدم للعمل في المملكة العربية السعودية وهو من دولة الفلبين وديانته نصراني، فلما وصل إلى هذه البلاد أهداه أحد الإخوة مطوية عن الإسلام، يقول الشيخ الذي حدثني: قيمتها سبع هللات، مطوية فيها تعريف بالإسلام، فكان من آثار هذه المطوية أن تعرّف هذا الرجل على الإسلام، ودخل مباشرة فيه وأعلن إسلامه، ثم لم يلبث إلا وقتاً يسيراً وطلب الرجوع إلى بلده، فقيل له: لو انتظرت فأنت أتيت قريباً! فقال: لا أدع زوجتي وأهلي على الكفر وقد عرفت الحق، لا يسعني ذلك، ثم سافر إلى بلده ودعا زوجته وأهله إلى الحق فأعلنوا إسلامهم، ثم خلال ثلاث سنوات أسلم على يديه ثلاثمائة نفس، وأسس مركزاً إسلامياً هناك.

وهذا كان بسبب مطوية قيمتها سبع هللات، وهذا من الدلالة على الخير، الذي لو اشتغل الإنسان به لكان من أعظم الدعوة إلى الحق.

وهناك شاب دخل في محل غيار للزيت يغير زيت سيارته، فجلس فوجد بجانبه كتيباً صغيراً متلطخاً بالزيت مكتوباً عليه: أريد أن أتوب ولكن للشيخ محمد المنجد ، فنفض الغبار عن هذا الكتاب وقلّب الكتاب وقرأه، فدخل في قلبه الإيمان وأقلع عما هو فيه، وفتح له هذا الكتاب باباً للتوبة، والتخلص مما هو متلطخ به من المعاصي والذنوب.

هذا الكتاب قيمته ريالان، هل كان يخطر ببال من وضع هذا الكتاب أن هذا الكتاب سيكون سبباً في هداية إنسان ونقله من الضلالة إلى الهداية ومن الانحراف إلى الاستقامة؟!

ويحدثني أحد المشايخ أن شخصاً يأتي إلى دار نشر في الرياض ويشتري منها كل يوم أربعاء مجموعة من الكتيبات الصغيرة بكميات، ويتكرر منه هذا الشيء أسبوعياً، فاستغرب صاحب دار النشر من شراء هذا الإنسان لهذه الكتيبات، ومظهر هذا الإنسان ليس بطالب علم، ولا أيضاً صاحب تجارة حتى يتاجر بهذه الكتب، فسأله عن هذا الأمر، فإذا بهذا الذي يشتري صاحب شاحنة يشتغل بهذه الشاحنة ما بين الرياض إلى جدة .

يقول هذا الشخص: كنت أسير بسيارتي من الرياض إلى جدة ، وكنت منهمكاً في تعاطي الحبوب المنبهة وسماع الأغاني، في يوم من الأيام وبينما أنا واقف في سيارتي في الطريق في منطقة القويعية أتاني شاب يبلغ من العمر أربع عشرة سنة فأهداني شريطاً، يقول: وأنا لا أريد هذه الأشرطة الدينية، لكن ما أحببت أن أكسر خاطر هذا الشاب الصغير فأخذت الشريط ووضعته في درج السيارة.

قال: ومضت الأيام والليالي وأنا لم أستمع لهذا الشريط، ولم أعبأ به ولم أفكر في سماعه، وإنما أنتقل من أغنية إلى أغنية، قال: وفي ليلة من الليالي وأنا في الطريق قلت: لعلي أسمع هذا الشريط الذي أعطاني ذاك الغلام، قال: فوضعت الشريط واستمعت إليه، فما تمالكت نفسي من البكاء وتأثرت بهذا الشريط تأثراً عظيماً، فكان من آثار تأثري بهذا الشريط أن قررت أن أترك هذا العمل الذي كان سبباً في وقوعي في كثير من المنكرات، وفي مصاحبتي لكثير من أهل الإسراف على أنفسهم، فبعت السيارة وبحثت عن عمل آخر، ثم قلت في نفسي: إن من تمام شكري لهذه النعمة التي منّ الله عليّ بها، أن أشتري في نهاية كل أسبوع مجموعة من الأشرطة والكتيبات، أخرج بها إلى هذا الطريق الذي كانت فيه هدايتي، فأوزع هذه الكتب والأشرطة على من أجد في هذا الطريق.

أعمال يسيرة وسهلة لكن آثارها عظيمة وجليلة!

أيضاً من الوسائل: أن يخصص الإنسان مبلغاً شهرياً، لشراء كتيب أو شريط أو أكثر من ذلك بحسب قدرته، الآن مثلاً: الشريط في التوزيع الخيري بريال ونصف أو بريالين إلا ربع أو بريالين، فلو أنك مثلاً خصصت خمسة عشر ريالاً في الشهر من راتبك، فتأمل كم سيصنع هذا المبلغ! عشرة أشرطة بخمسة عشر ريالاً، ستوزعها على أصدقاء وأحباب وأقارب، أو ترسلها هنا أو هناك، فكم سيكون لها من الآثر والمبلغ خمسة عشر ريالاً؟!

ولو أن الأساتذة في المدرسة مثلاً، أو المجموعات الذين يخرجون أسبوعياً أو في الأسبوع مرتين يجتمعون في استراحة، وقرروا أن يدفعوا شهرياً مبلغ خمسة عشر ريالاً، وكان مجموعهم عشرين شخصاً، كم يكون المبلغ؟ مبلغ كبير، وكم عدد الأشرطة التي ستنتج عن هذا المبلغ؟ أشرطة كثيرة جداً، فلو تبنى كل واحد منا مثل هذا المشروعات مع زملائه، إن كان موظفاً أو معلماً أو تاجراً!!

تعليم أهل القرى قصار السور ودلالتهم على الخير

أيضاً من الميادين الدعوية: تعليم الناس في القرى والهجر قصار السور وسورة الفاتحة والتحيات، فإن الناس في القرى والهجر القريبة لا يحسنون قراءة الفاتحة، لا يحسنون التحيات، ولا الطهارة والصلاة، حتى قال أحدهم: إنه كان يسير ذات يوم في طريق فوجد رجلاً كبيراً في السن في الطريق فأركبه معه، قال: فلما ركب معي قلت له: اقرأ عليَّ سورة الفاتحة، قال: فقرأ وإذا به لا يقيمها إطلاقاً، قال: فقلت له: إذا وصلت إن شاء الله إلى قريتك فاذهب إلى إمام المسجد وقل له يعلمك الفاتحة؛ لأن قراءتك غير صحيحة، فقال: أنا إمام المسجد!

إذاً: هذا التعليم لا يحتاج إلى علم غزير ولا إلى إدراك كبير، هذه سورة الفاتحة.. قصار السور.. الطهارة.. الصلاة.. وهناك دورات تسمى الدورات الأولية، يقيمها مركز الدعوة والإرشاد في عدد من القرى والهجر، فلو أن الإنسان حرص على المساهمة في مثل هذه الدورات، والاشتراك فيها لكان في ذلك خير عظيم.

أيضاً من ميادين الدعوة: الدلالة على الخير بأي صورة من الصور، ومن صور الدلالة على الخير أن تدل إنساناً على وجود محاضرة في المسجد الفلاني، وتحضه على ذلك وترغبه فيه، أو تدله على درس علمي ثابت، وبأن هذا المسجد الفلاني يقام فيه درس كل يوم إثنين في الفقة مثلاً أو في العقيدة.. أو تصطحبه معك، فما الذي يمنع الواحد منا إذا أتى إلى مثل هذه المحاضرة، أن يأتي بزميل واحد أو اثنين أو ثلاثة من الجيران، أو الزملاء أو طلابه إذا كان عنده حلقة، فيصحبه أو يصحبهم معه إلى مثل هذه الأماكن؟

هذا من الدعوة إلى الخير ومن الدلالة عليه ، وهو أن تدل الناس على أماكن وجود هذا الخير.

أيضاً من الدعوة إلى الله عز وجل أن تدل الناس على الأشرطة والكتيبات المناسبة فتقول: يا جماعة! الشريط الفلاني ممتاز وأنا أنصح بسماعه، والكتيب الفلاني جيد، أو صدر الشريط الفلاني.. صدرت المحاضرة الفلانية.. فترغب الناس في هذا، أقاربك.. زملاءك في المدرسة.. جماعة مسجدك..

ما الذي يمنع أن تكتب ورقة في المدرسة: أنصح بسماع الأشرطة التالية.. أنصح بقراءة الكتب التالية.. أو في مكان عملك أو في المسجد.. وهكذا؟

وأنا أستحسن أن يكون مع الإنسان دفتر صغير يقيد فيه أسماء وعناوين الأشرطة والكتب المناسبة، ويضعها معه في جيبه حتى يكون في هذا دلالة للآخرين على الخير وإعانتهم عليه، وكم من إنسان غافل فتذكره بشريط معين يناسبه فيسمعه فيستفيد منه فائدة عظيمة، وقد كان في غفلة من ذلك؟!

الدعوة إلى الله بالقدوة الحسنة

أيضاً من الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى: الدعوة بالقدوة، بأن يكون الإنسان قدوة في نفسه، قدوة في سلوكه، قدوة في معاملته، قدوة في أخلاقه، قدوة في عبادته، فلا يحسن يا إخواني! أن يكون الإنسان من أهل الخير ومع ذلك هو أنموذج للتقصير وسوء الخلق، أنموذج لسوء التعامل مع الناس، كم الآن من الشباب المحسوبين على أهل الخير تجدهم من آخر الناس مجيئاً إلى المسجد، تجدهم يقضون الصلاة، أو تفوتهم الصلاة، وهم محسوبون على أهل الخير وعلى أهل الدعوة وعلى شباب الصحوة، ومع ذلك تجدهم من آخر من يأتي إلى المسجد؟ هل هؤلاء قدوة حسنه؟ لا والله.

كذلك قدوة في الأعمال التي تناط بك، لو كنت موظفاً أو معلماً أو عاملاً يجب أن تكون قدوة لتأدية الحق الذي عليك بأمانة وإتقان، وبحفظ للوقت، لا أن يفرط الإنسان في هذا العلم أو يقصر فيه.

إن الدعوة إلى الله عز وجل بالقدوة أبلغ من الدعوة إلى الله تعالى بالمقال والنصح، وذلك لعدة أمور:

أولها: أن التطبيق العملي مدعاة للمنافسة، فإن المرء بطبيعته منافس لغيره، فإذا صرت أنموذجاً يحتذى به اقتدى بك الآخرون وتأثروا بك واقتبسوا من أخلاقك وسلوكك أكثر مما يقتبسون من قولك ومنطقك.

ثانياً: أن المدعو يرى من خلال عملك إمكانية تحقيق هذا الأمر الذي تدعو إليه، فيزول من شعوره أن هذا الأمر الذي تدعو إليه أمر نظري لا يمكن أن يحققه إلا قلائل من الناس، فإذا رآك ورأى الثاني والثالث والرابع من أهل الخير يمثلون هذه الأشياء التي يدعو أهل الخير إليها؛ حينئذ نافسهم في ذلك ورأى أن هذا الأمر ممكن.

والأمر الثالث: أن المدعو يثق بدعوة الداعي إذا رآه ممتثلاً لما يدعو إليه، أما من يدعو إلى شيء وفعله يدعو إلى خلاف ذلك، فإن ذلك يشكك في مصداقيته.

ورابعاً: أن الناس ينظرون إلى أهل الخير بعين فاحصة، ويكبرون أخطاءهم؛ لأنهم يرون أن التبعة عليهم أكبر، وأنه يفترض فيهم أن يكونوا سبّاقين إلى الخير ممتثلين للحق قائمين به.

وخامساً: أن الالتزام بالحق وتطبيقه على النفس يُقبل بالقلوب على العبد، وحينئذ تَقبل منه.

الدعوة بالنصيحة الفردية

من ميادين الدعوة: النصيحة الفردية، سواءً كانت ملفوظة أو مكتوبة، وهذه النصيحة الفردية باستطاعة كل إنسان أن يقوم بها، أن تنصح غيرك سواء عن طريق الكتابة له أو الدعوة الفردية، وهذا بمقدور كل إنسان، بمقدور الرجل والأنثى.. فما الذي يمنعنا من أن نناصح إخواننا؟ من الذي يجعلنا نهاب أن نناصح إخواننا؟!

كلمة يا أخي! من الخير أن تذكر بالخير وتعين على الخير، ولا تحتقر يا أخي شيئاً! لا تحتقر أي جهد تقدمه في هذا، فلو أنك رأيت على إنسان تقصيراً فكتبت إليه رسالة وأثنيت عليه بما يستحق من الثناء، مما هو متصف به إذ أن كل مسلم لا بد أن يكون متصفاً بخصال من الخير، فتثني عليه بما فيه من الخير ثم تنبه وتقول: هذه بعض الملحوظات! والمؤمن مرآة لأخيه المؤمن، ومن باب محبة الخير لك كتبت لك ما كتبت، أوتكلمه مباشرة بينك وبينه.

وهذه النصيحة الفردية لها مزايا وخصائص، منها:

أولاً: أنها أقرب إلى الإخلاص؛ لأنها بينك وبين هذا الشخص، ليست بينك وبين جمهور عظيم من الناس، بحيث تنتظر منهم ثناءً أو شكوراً أو إعجاباً، فهذه بينك وبين الشخص، فهي أقرب إلى الإخلاص من الدعوة الجماعية.

ثانياً: أن في النصيحة الفردية إيصالاً للخير لمن لا يحضر الدعوة الجماعية؛ لأنه ليس كل الناس يجتمع للدعوة الجماعية، ويحضر إلى أماكن الدعوة والخطب والمحاضرات، لكن النصيحة الفردية تصل إلى صاحب الدعوة في مكانه، إما ببدنك أو برسالتك.

ثالثاً: أنها أبلغ أثر؛ لأن المدعو يشعر أنه مقصود بالذات، بخلاف الدعوة العامة؛ فإنه في الغالب يقول كل شخص: لست أنا المقصود بكلام المتكلم، فيحول ما يوجه من النصح إلى الآخرين، لكن الذي يدعى دعوة فردية يشعر أنه هو المعني.

وأيضاً: الدعوة الفردية فيها إمكانية المتابعة، تتابع هذا الإنسان الذي دعوته، فترى تنقله وأطواره والمراحل التي يمر فيها فتستطيع أن توجهه كل وقت بما يناسبه حينئذ.

الدعوة إلى الله بالمراسلة

أيضاً من ميادين الدعوة: المراسلة لهواة المراسلة بالنصيحة والهدية، الآن يوجد في الصحف والمجلات التي تعج بها الأسواق هواة مراسلة، لكن مراسلة بماذا؟ مراسلة بالشر والفساد والإغراء والفتنة، فأنت بإمكانك أن تغيّر مسار هذه المراسلة، وأن تتصدى لمراسلة أولئك بالنصيحة الطيبة.. بالكلمة الهادفة.. بالتوجيه السديد.. بالهدية.. إهداء الشريط.. إهداء الكتاب.. إهداء المطوية.. وهذا والله يفعل فعله في نفوس أولئك الذين يراسلون.

وأنا أعطيكم قصة حقيقية حدثني بها أحد القضاة في إحدى مدن المملكة ، حدثني بها في الحرم المكي عام (1417هـ).

يقول: إن شخصاً اهتم بمراسلة أولئك الذين يسمون هواة المراسلة، فصار يراسلهم بالكلمة الطيبة والنصيحة والتوجيه، وبالتحبب إليهم وبإهداء الكتاب والشريط إليهم، فبلغ عدد الذين اهتدوا على يديه خمسمائة، منهم من تحول من الكفر إلى الإسلام، ومنهم من تحول من الانحراف إلى الاستقامة، ومن الظلمات إلى النور واستقام على أمر الله، حتى أن عدداً منهم يكاتبونه ويطلبون منه أن يلتقوا به، وقد اتفق مع عدد كبير منهم والتقى بهم في الحرم المكي، وذلك بأن يقدموا للعمرة فيلتقيهم في مكة المكرمة .

هذا جهد شخصي! فلو حصل اهتمام في هذا الجانب، لو أن مجموعة من الشباب تصدوا لهذا وصاروا يراسلونهم، ورتبوا الكتب والأشرطة التي يرسلونها على مراحل، يعني: هذه الرسالة الأولى وهذه الثانية وهذه الثالثة، وأنا أعرف عدداً من الإخوة في غير هذه المنطقة لهم اهتمام كبير في هذا الجانب، ونفع الله بهم نفعاً عظيماً.

الدعوة إلى الله بالكلمات القصيرة

من الوسائل أيضاً: الكلمة القصيرة التي لا تتجاوز بضع دقائق، خمس دقائق أو سبع دقائق أو أقل من ذلك أو أكثر، في المجامع والمدارس والمساجد وغيرها، وهذه الكلمة القصيرة لا تتطلب في الحقيقة علماً كثيراً ولا جهداً كبيراً في إعدادها، فلو أن كل واحد منا انتدب نفسه إلى أن يعد كلمة أو كلمتين أو ثلاثاً، يجتهد في إعدادها ومراجعتها واستيعابها، ثم يلقيها في أماكن عديدة وكثيرة، وبهذا يسهل عليه مواجهة الجمهور، ويزول من قلبه هيبة الناس، ويعتاد ترتيب الأفكار وتنظيم الكلمات، فحينئذ ينشط إلى الاستمرار في هذا المجال، لكن كون الإنسان تكون المعلومات مشوشة في رأسه، والأفكار متناثرة في ذهنه، قد لا يتمكن من الكلام أمام الناس ولا بضع دقائق.

لكن لو أن الواحد كما قلت: جمع همّه على موضوع معين، اعتنى به ونمقه ورتب أفكاره وقرأه عدة مرات، ووضع الموضوع على شكل فقرات ثم ألقاه في عدة أماكن ويكرر هذا الموضوع نفسه، هنا وهناك وشهراً وشهرين وثلاثة.. بل حتى لو أن الإنسان اقتصر طيلة عمره على موضوعين أو ثلاثة إذا كان لا يحسن أحسن من هذا فهذا خير؛ لأن الله تعالى يبتلي العبد بما آتاه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286].. لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ [المائدة:48].

التعاون مع المراكز الدعوية ومكاتب توعية الجاليات

أيضاً من ميادين الدعوة: وهو ميدان كبير وواسع ومهم هو: الاشتراك التعاوني مع مراكز الدعوة والإرشاد ومكاتب توعية الجاليات .

إن مكاتب الجاليات ومراكز الدعوة والإرشاد بحاجة ماسة إلى تعاون من يتعاون معها في جوانب عديدة، التعاون معها في أعمال إدارية، التعاون معها في مخاطبة طلبة العلم، التعاون معها في ترتيب الدروس والمحاضرات، التعاون معها في توزيع الكتيبات والأشرطة، التعاون معها في نشر الإعلانات.. التعاون معها في أشياء كثيرة.. فلو أن الواحد أتى إلى هذه الأماكن، فمثلاً الآن في هذه المدينة يوجد مركز للدعوة والإرشاد، وثلاثة مكاتب لتوعية الجاليات، فلو أن الواحد عرض نفسه على هذه الأماكن وقال: أنا مستعد، تريدون أن أعمل عملاً إدارياً.. تكلفوني بعمل.. ولو قيادة سيارة، كل هذا من الإسهام في الأعمال الدعوية.

أيضاً من المجالات: توزيع الكتيبات الصغيرة والمطويات في أماكن الانتظار، في المستشفيات والمطارات والبنوك، وغيرها من الأماكن التي يحصل فيها انتظارٌ للناس، فتوزع هذه الكتيبات ويتعهد الإنسان هذه الأماكن، فحينما يكون المستوصف عندك في الحي، ثم تقوم بتزويده ببعض الكتيبات والمطويات، وتعود مرة ثانية بعد نصف شهر أو شهر فتتابع هل هذه الأشياء موجودة أم نقصت أم تحتاج إلى زيادة؟ فيكون هناك متابعة لهذه الأشياء.

أيضاً: يوجد في هذا البلد أعداد كبيرة من غير المسلمين، فلو أن الواحد ذهب إلى مراكز توعية الجاليات، وأخذ منهم مجموعة من الكتب والمطويات والأشرطة، وهناك حقائب أيضاً تتضمن الحقيبة مجموعة من المطويات والكتيبات والأشرطة في الدعوة إلى الإسلام، وصار يهديها إلى غير المسلمين لربما اهتدى إنسان على يده.

وأذكر أن إنساناً ليس عنده من العلم شيء، لكنه أراد أن يبذل نفسه في الدعوة إلى الله، وهو في مدينة الرياض ، فأتى إلى مكتب من مكاتب توعية الجاليات في الرياض ، وأخذ منهم مجموعة كبيرة من الكتب والمطويات بشتى اللغات تدعو إلى الإسلام، وكتب في مؤخرة السيارة باللغة الإنجليزية: إذا أردت أن تعرف شيئاً عن الإسلام فأوقفني، فأصبح يمشي في الشوارع فيدفع كثيراً من الناس حبُّ الفضول إلى إيقافه وطلب ذلك منه، فيفتح الشنطة ويقول: خذ اللغة التي تناسبك أنا لا أعرف، يقول: لا يحصى الناس الذين أتوا إلى مكتب توعية الجاليات إما ليستزيدوا من معرفة الإسلام، أو ليعلنوا إسلامهم بسبب هذا الرجل.

وأذكر أن شاباً متخرجاً من المعهد الصحي كان له زميل طبيب في أحد المستشفيات، وهو بريطاني نصراني، فلما أراد أن يسافر هذا الطبيب النصراني قام هذا الشاب وجمع له بعض الهدايا، وكانت من الأشياء التراثية؛ لأنهم يحبون الأشياء التراثية، ثم وهو في طريقه وجد كتاباً يباع يتحدث عن الإسلام بخمسة ريالات، فأخذ هذا الكتاب ووضعه من جملة هذه الهدية، وهذا الشاب ليس عنده هم للدعوة إلى الإسلام، لكن هذه هدية جمعها لهذا الزميل الذي أراد أن يسافر، فبعد فترة من الزمن أرسل إليه هذا الرجل رسالة يشكره فيها على هديته، وخصوصاً الكتيب الذي بعثه مع الهدية، وقال: إن هذا الكتاب قادني للدخول في الإسلام، وقد راسلت دار النشر التي نشرت الكتاب واستفدت منها عدداً من الكتب، وزرت عدداً من المراكز الإسلامية في بريطانيا ، وأعلنت إسلامي وغيرت اسمي من جون إلى ضيف الله ، الذي هو اسم ذلك الشاب الذي أهداه ذلك الكتاب.

الدعوة إلى الله بكتابة المقالات النافعة والرد على أهل الباطل

أيها الإخوة! ومن المجالات الدعوية أيضاً كتابة المقالات في الصحف والمجلات:

اكتب يا أخي مقالاً عن الإسلام! اكتب عن شيء مما يتعلق بالمعاملات المحرمة، اكتب مقالاً عن حسن الخلق.. عن بر الوالدين.. عن قضية حادثة تتعلق بالمسلمين؛ انشرها في الصحف والمجلات.. هذا من المجالات الدعوية التي قد يستطيعها بعض الناس، من الذين لا يستطيعون الخطابة أو المحاضرة وغيرهما.

أيضاً: التعقبات والردود على بعض الكتابات المغرضة في الصحف والمجلات وأجهزة الإعلام الأخرى، هذه التعقبات والردود يجب أن تكون، يجب أن تحصل، يجب أن تتحقق، يجب أن يكون لنا همٌّ أن نرد على أهل الباطل، وأن نبيّن زيفهم وندحض حجتهم، وهذه الشبهات التي يثيرونها قد تنطلي على بعض ضعاف النفوس وقد تؤثر فيهم، فإن الشبهات مثلها كمثل الماء الذي يمر على الإسفنجة، الماء الذي يمر على الإسفنجة لا بد أن تبتلع الإسفنجة منه شيئاً، فلا بد من أن نزيل هذه الشبهات.

الدعوة إلى الله بكتابة القصص الهادفة ونظم الشعر

أيضاً: كتابة القصص الإسلامية الهادفة ونشرها وتعميمها، كل هذا من مجالات الدعوة، قد يحسن بعض الناس كتابة بعض القصص، سواء كانت تاريخية يسوغها بأسلوب قصصي، أو كانت قصصاً خيالية لكنها هادفة تربوية، وهذا أيضاً من المجالات الدعوية التي الساحة بحاجة إليها.

أيضاً: نظم الشعر في مناصرة الدعوة الإسلامية، كم من الشباب عنده مقدرة شعرية؟ فلماذا لا يتصدى مثل أولئك الشباب إلى مناصرة الإسلام بنظم الشعر؟! يقول النبي صلى الله عليه وسلم لحسان: (اهجهم وروح القدس يؤيدك)

معالجة المشكلات الأسرية وتربية الشباب عبر الحلقات القرآنية

الأعمال الإغاثية داخل البلاد وخارجها، فإغاثة الملهوفين من الدعوة إلى الله عز وجل، وكثير من المسلمين تنصر بسبب الحاجة والفقر، فيمدون إليهم اللقمة بيد والإنجيل باليد الأخرى، فالأعمال الإغاثية من جملة الأعمال الدعوية في داخل البلاد وخارجها.

ومن الأعمال الدعوية أيضاً: دراسة مشكلات وقضايا الشباب، ووضع العلاجات المناسبة لها، لماذا لا نتدارس مشكلات الشباب ونسعى في معالجتها، والقضاء عليها؟!

أيضاً: معالجة المشكلات والقضايا الأسرية:

كم في البيوت من المشكلات الزوجية مشكلات بين الولد ووالده والبنت وأمها؟ وهذه من المجالات العظيمة في الدعوة إلى الله عز وجل، معالجة هذه المشكلات الأسرية.. معالجة هذه القضايا البيتية.. حل المشكلات الزوجية..

أيضاً: تربية الشباب عبر الحلقات القرآنية ومكتبات المساجد ومجموعات الأحياء، هذه من الدعوة إلى الله عز وجل، وهي الاجتهاد في تربية الشباب من خلال هذه الحلقات القرآنية، لماذا نجد عزوفاً كبيراً من كثير من أهل الفضل من المعلمين والأساتذة عن الجلوس لتعليم شباب المسلمين؟! لماذا نجد هذا العزوف؟! لماذا نجد هذه الأنفة؟!

إن هناك تقصيراً واضحاً وملموساً في تربية الشباب، وإعدادهم من خلال هذه الحلقات القرآنية، وكذلك مجموعات الأحياء، لماذا لا يتصدى المعلم وطالب العلم والشاب الملتزم لتربية شباب الحي الذي هو فيه؟! فيكون هناك مجموعات يخرج بهم.. يجتمع معهم.. يعلمهم.. يعالج مشكلاتهم النفسية والعائلية.. هذا كله من أبلغ الميادين التي من خلالها ننشر الدعوة إلى الحق والدين.

التخطيط والدراسة للمشروعات الخيرية

أخيراً: التخطيط والدراسة للبرامج الدعوية، ووضع الخطط للمشروعات الخيرية، واقتراح الأمور التي تحتاجها الدعوة، ربما يكون دورك أن تقترح أفكاراً ناضجة تسهم في نشر الدعوة إلى الحق، فيكون لك دور واقتراحات: لماذا لا يأتي إلى مركز الدعوة والإرشاد بـبريدة اقتراحات من إخواننا الأساتذة من المعلمين والمثقفين اقتراحات حول العمل الدعوي؟

فقلما يأتي إلى مركز الدعوة والإرشاد شيء من هذا القبيل، لماذا؟ هذا عزوف، قد تقترح يا أخي! مشروعاً تضع خطته وينفذه غيرك، فيكون لك الأجر كاملاً مثل أجر من قام بهذا المشروع.

أيضاً اقتراح موضوعات: تقترح موضوعات علمية أو تربوية يحسن طرحها على المجتمع، فتقول: أقترح أن يُتحدَّث عن القضية الفلانية والقضية الفلانية والقضية الفلانية.. بل ربما يمتد الأمر إلى أن تعد موضوعاً إعداداً جيداً وتسلمه لأحد الإخوة ممن يقدر على إلقائه وطرحه، فيتمه ويبني عليه ويلقيه، فيكون لك مثل أجره، هذه كلها مجالات تكاد تكون مُغْفَلَةً.

فعلينا أيها الإخوة رجالاً ونساءً أن نحمل هم الدعوة إلى الإسلام، ونحن في زمن كثرت فيه الفتن والشرور وضعف فيه الإيمان، فصار الأمر متعيناً على الجميع، الرجال والنساء الكبار والصغار، كلٌ بحسب وسعه، المفكر بفكره، والكاتب بقلمه، والتاجر بماله، والمتكلم بلسانه، وكل إنسان على قدر وسعه وطاقته.

المهم أن تحمل الهم، إن كنت ممن يحمل الهم فثق أن الميادين كثيرة وواسعة، ليست المشكلة ماذا نقدم للإسلام؟ وماذا نصنع لهذا الدين؟ وإنما المشكلة هل نريد أن نقدم فعلاً؟ هل نحن ممن يحمل هم هذا الدين؟! حينئذ الميادين أمامنا كثيرة، والأبواب أمامنا مفتوحة ولو وقعنا في بعض الأخطاء، فإن الذي لا يعمل هو الذي لا يفكر، أما الذي يعمل فلا بد أن يخطئ، لكن من لا يعمل فإن تركه للعمل أكبر خطأ بل ورأس الأخطاء.

أقتصر على هذا، وأسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم من الهداة المهتدين، ومن العلماء العاملين، وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يتقبل منا صالح الأعمال، كما أعتذر عن الإجابة عن الأسئلة لأن الوقت قد طال، لاسيما وأن قدراً كبيراً من هذه الأسئلة قد أُجيب عنها أثناء المحاضرة.

وأسأل الله تعالى أن يجزيكم على صبركم وإنصاتكم وانتظاركم أفضل الجزاء، وأن يتقبل منا ومنكم، وأن يقيمنا وإياكم مغفوراً لنا وقد بدلت سيئاتنا حسنات.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , بلغوا عني ولو آية للشيخ : عبد الله بن علي الجعيثن

https://audio.islamweb.net