إسلام ويب

وردت النصوص الكثيرة الدالة على فضل الإكثار من الطاعات في رمضان والمنافسة فيها، ومن ذلك اتباع الجنائز وزيارة المقابر والاعتبار بحال أهلها والدعاء لهم، ومنها زيارة المرضى والدعاء لهم وتذكر نعمة الصحة والعافية، ومن ذلك أيضاً الصدقة على الفقراء والمساكين ومسا

الترغيب في الإكثار من الطاعات في رمضان

الحمد لله رب العالمين، يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُوْلِي الأَبْصَارِ ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بتقديره تنصرم الشهور والأعوام، وتفنى الأمم وتعقبها أمم وأجيال، وهو وحده الحي القيوم كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88]، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، كان عمره قصيراً ولكن حياته كانت مليئة بالجهاد، والدعوة، والعلم، والعمل، والبر، والإحسان، وكريم الخصال، والأخلاق، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].

عباد الله! إن شهرنا قارب الانتصاف، فقف -يا عبد الله- مع نفسك وقفة صادقة، وتأمل في الدنيا وقصرها وما في الآخرة من نعيم أو من جحيم يطول أمده، ويشتد الفرح أو الحزن له.

قال سفيان بن عيينة رحمه الله: قال إبراهيم التيمي: مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي: أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاً، قال: قلت: فأنت في الأمنية فاعملي.

إخوتي! في شهر الصيام يتنافس الصالحون في الطاعات والقربات، قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة رضي الله تعالى عنهم: (من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال: أبو بكر أنا، قال: من تبع منكم اليوم جنازة؟ قال: أبو بكر أنا، قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال: أبو بكر أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال: أبو بكر أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة).

الجنائز وزيارة المقابر

أدعوك أخي الصائم! عملاً بهذا الحديث إلى اتباع الجنائز، وزيارة المقابر، حيث القبور والموتى، والرهبة والخشوع، وحين تسلم عليهم وتدعو لهم وسلهم قائلاً: ها نحن في رمضان، فما أمانيكم لو عدتم إلى الدنيا؟ ولا تنتظر منهم إجابة، فإنك لا تسمع الموتى وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر:22]، ولكن لو أن أحداً منهم استطاع الإجابة لقال: أما نحن فقد انقطع أملنا في الرجوع إلى الدنيا، ونحن الآن مرتهنون بما سبق من أعمالنا، وما خلفنا من ولد صالح، أو علم ينتفع به، أو صدقة جارية، ولكن أنتم -معاشر الأحياء- كم لله عليكم من فضل حين يبلغكم شهر الصيام والقيام، فتصومون وتقومون، وتتصدقون وتذكرون وتدعون، وتستغفرون وتسبحون، إلى غير ذلك من قربات تضاعف فيها الحسنات، وقد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، ووددنا لو ازددنا من الأعمال الصالحة مما يؤنس وحشتنا، ويرفع درجاتنا، وكم يغبن بعضكم -معاشر الأحياء- حين لا يستثمر فرص الطاعات، ولو عرف هؤلاء ما نحن فيه لاختلف سعيهم وتحركت هممهم.

ثم تأمل وأنت تزور، وأنت تتبع الجنازة، تأمل في تلك الحفر والقبور، وما تخفيه من أسرار، وما بين أصحابها من تفاوت في المنازل، وإن كانوا في الظاهر سواء.

وتصور أنك لحقت بهم غداً، فماذا سيكون حالك؟

ثم لا تخرج إلا وقد سألت لهم الغفران، وعاهدت نفسك على أن تختار لها أحسن المساكن بينهم، فلا مناص لك عن سكنى هذه الدار، وثمن تلك الدار ليس بالدرهم والدينار، لكنه بعمل الصالحات، فاجعل من رمضان فرصة لإحكام البناء، وتوسيع المسكن، وحبور الدار.

زيارة المرضى

ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من منكم عاد اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا).

أدعوك لزيارة المستشفيات العامة، حيث يرقد على أسرتها البيضاء جموع من المرضى، يختلفون في شكواهم وقد يتفقون أو يتفاوتون في آلامهم، لكن أحداً من هؤلاء المعنيين بالزيارة لا يستطيع الخروج على الأقل في شهر رمضان، فسلهم عن مشاعرهم في شهر رمضان، ولا تستغرب إن أجابتك العيون بالدموع قبل الألسنة بالكلام، أسفاً على عدم قدرتهم على الصيام، ومشاركتهم لإخوانهم المسلمين في القيام.

وحين ذلك لا تنس هؤلاء من دعوة بالشفاء العاجل، وتعظيم الأجر على المرض والبلوى، وذكرهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً).

وقبل أن تخرج من زيارة المريض: تذكر نعمة الله عليك بالصحة والعافية، واعلم أنك مغبون فيها أو مغبوط، مغبون إن فرطت وأضعت الوقت بما لا ينفع، ومغبوط إن استقدمت الصحة واستثمرتها في طاعة الله.

أهمية استغلال الأوقات والعمر في الطاعة

عباد الله! لئن كان هناك من يعيشون مع الأحياء وهم في عداد الموتى، فهناك من يعيشون مع الأصحاء وهم في عداد المرضى، وموتى الأحياء أو مرضى الأصحاء في رمضان هم من يدخل عليهم الشهر ويخرج ولم تتحرك هممهم للخير، ولم تنشط أنفسهم للطاعة، فقد قعد بهم الشيطان عن مشاركة المسلمين في قيامهم ودعائهم، ولربما قعد ببعضهم عن الصلاة المفروضة، والصوم الواجب وهم أصحاء أقوياء، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ).

ألا فاغتنم الفرص يا عبد الله! وخذ من صحتك لمرضك، ومن شبابك لهرمك، ومن فراغك لشغلك، ومن حياتك لموتك.

وشهر رمضان يستحق أن تستثمر فيه الصحة والفراغ، ومن يدري فقد يأتي عليك رمضان بعد وأنت طريح الفراش، تتمنى لو كنت صحيحاً معافى، فها أنت كذلك! فما أنت صانع!

الصدقة

ومن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيكم أطعم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا).

علينا ونحن نصوم أن نحقق هذه السنة إطعام المساكين، والصدقة عليهم، علينا أن نتذكر إخواناً لنا في الداخل والخارج، نتذكر إخواناً لنا في خارج البلاد وما يلحقهم من ظلم وفقر وفاقة وعجز، فنبادر إلى مواساتهم بتفريج كربتهم، وإزالة عسرتهم.

فهناك فقراء وأيتام لا مورد لهم، ونساء لا عائل لهن، أكل الفقر لحومهم وشرب دماءهم، فبادر بإعانتهم وإغاثتهم عن طريق الجمعيات الخيرية، والمؤسسات الإغاثية، التي توجد في بلادنا ولله الحمد، أدركهم بصدقة قد تنقذ بها نفساً، وبدعوة صادقة قد تفرج بها همًّا.

عبد الله! عد إلى نفسك وأنت آمن في سربك، وأنت معافى في بدنك، وقل: يا نفس! ها نحن في شهر الصيام، فكوني في قائمة المسارعين إلى الخيرات، والمسابقين لصنوف الطاعات، وسل ربك العافية، وفي حندس الظلام وأنت تسجد لله سل لإخوانك المسلمين الخلاص من المحن، والنصر على الأعداء، فرمضان شهر الدعاء، كما هو شهر المواساة والصدقات.

قال الله تعالى: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185].

أقول ما سمعتم، واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

رمضان شهر التوبة والطاعة والإنابة

الحمد لله الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:3]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وفق من شاء لطاعته، وهدى أولياءه لاستثمار مواسم الخيرات، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أمر بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل حلول الفتن والأسقام، أو نحوها من الشواغل والصوارف، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

بشرى العوالم أنت يا رمضانهتفت بك الأرجاء والأكوان

لك في السماء كواكب وضاءةولك النفوس المؤمنات مكان

عباد الله! ونحن في شهر رمضان علينا أن نتحلى بالعزيمة دائماً على عمل الصالحات، وأن نتبع ذلك بالمسارعة إلى الخيرات؛ اقتداء بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

فرمضان موسم للهدى والخير والبركات، موسم للصفاء والصلة وترك التشاحن والتدابر والتباغض، ميدان رحب للتسابق في عمل الصالحات.

علينا أن نبادر بالتوبة من الذنوب والأخطاء، وأن نفتح صفحات مشرقة تقربناً إلى الله عز وجل.

وأنت يا عبد الله! إنك لواجد في هذا الشهر الكريم عوناً على التوبة والإنابة، فالصيام يورث التقوى، ويردع عن الفواحش، ويكسر شهوة البطن والفرج، ومردة الشياطين تصفد، وأبواب الجنة تفتح، وأبواب النار تغلق، وكل ذلك من دواعي التوبة ومعين عليها.

ومحروم من دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يغفر له، رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له.

فعلينا ونحن نعمل الصالحات من زكاة وصدقات أن نخلص لله عز وجل العمل، فالإيمان والاحتساب شرطان للمغفرة للصائمين والقائمين، ففي الصحيحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه)، (ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).

وصايا للنساء في رمضان

عباد الله! علينا أن نحفظ نساءنا من كثرة الخروج في هذه الأيام والليالي المباركة، وكثرة التردد على الأسواق، وإذا خرجت المرأة فليخرج معها وليها وليكن ذلك بقدر الحاجة.

علينا أن نناصح النساء بترك الغيبة والنميمة، أو سماع المحرم، أو غير ذلك مما يخدش الصيام.

فالنساء شقائق الرجال، ورمضان فرصة للمسارعة للخيرات للرجال والنساء، قال الله تعالى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26]، وقال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133]، وقال سبحانه: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الحديد:21]، وقال: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة:10-11].

اللهم! اجعلنا من المسابقين إلى فعل الخيرات، وتقديم الطاعات، اللهم! صل وسلم وبارك على نبينا محمد.

اللهم! أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم! عليك بأعداء الدين، اللهم! عليك بالنصارى الحاقدين، واليهود الظالمين، اللهم! إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم! صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن صحابته أجمعين، وأخص منهم الأئمة المهديين، والخلفاء الراشدين، أبا بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية العشرة المبشرين، وعن بقية صحابة نبيك أجمعين.

اللهم! فرج كرب المكروبين، ونفس عسرة المعسرين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضى المسلمين، واغفر لموتاهم، اللهم! فك أسرى المأسورين، اللهم! ردهم إلى أهليهم سالمين غانمين، يا ذا الجلال والإكرام!

اللهم! آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم! اجعلهم محكمين لكتابك، وسنة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، يا ذا الجلال والإكرام!

ربنا! آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , المسارعة إلى الطاعات في شهر رمضان للشيخ : خالد بن علي المشيقح

https://audio.islamweb.net