إسلام ويب

إذا أقرت المرأة على نفسها بنكاح اثنين قبل إقرارها، وزوجها من أتى ببينة، وكذلك يقبل إقرار الولي؛ لأنه يملك العقد، كما يصح الإقرار بنسب صغير أو مجنون أنه ولده، ويشترط في الإقرار اتصاله بما يقيده من استثناء أو صفة أو غيرهما، ويشترط في الاستثناء ألا يكون المس

الإقرار لغير الوارث ثم أصبح وارثاً

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وإن أقر لغير وارث أو أعطاه صح وإن صار عند الموت وارثاً، وإن أقرت امرأة على نفسها بنكاح ولم يدعه اثنان قبل، وإن أقر وليها بالنكاح أو الذي أذنت له صح، وإن أقر بنسب صغير أو مجنون مجهول النسب أنه ابنه ثبت نسبه فإن كان ميتاً ورثه، وإذا ادعى على شخص بشيء فصدقه صح.

فصل: وإذا وصل بإقراره ما يسقط مثل أن يقول له: علي ألف لا تلزمني ونحوه لزمه الألف، وإن قال: كان له عليّ وقضيته.

فقوله بيمينه مالم تكن بينة، أو يعترف بسبب الحق، وإن قال: له علي مائة ثم سكت سكوتاً يمكنه الكلام فيه، ثم قال: زيوفاً أو مؤجلة، لزمه مائة جيدة حالّة، وإن أقر بدين مؤجل فأنكر المقر له الأجل، فقول المقر مع يمينه، وإن أقر أنه وهب أو رهن وأقبض أو أقر بقبض ثمن أو غيره، ثم أنكر القبض ولم يجحد الإقرار، وسأل إحلاف خصمه فله ذلك، وإن باع شيئاً أو وهبه أو أعتقه، ثم أقر أن ذلك كان لغيره لم يقبل قوله، ولم ينفسخ البيع ولا غيره، ولزمته غرامته، وإن قال: لم يكن ملكي، ثم ملكته بعد، وأقام بينة قبلت، إلا أن يكون قد أقر أنه ملكه، أو أنه قبض ثمن ملكه لم يقبل.

فصل: إذا قال: له عليَّ شيء أو كذا قيل له: فسره، فإن أبى حبس حتى يفسره، فإن فسره بحق شفعة أو بأقل مال قُبل، وإن فسره بميتة أو خمر أو كقشر جوزة لم يقبل، ويقبل بكلب مباح نفعه أو حد قذف، وإن قال: له عليَّ ألف رجع في تفسير جنسه إليه، فإن فسره بجنس أو بأجناس قبل منه، وإن قال: له عليَّ ما بين درهم وعشرة لزمه ثمانية، وإن قال: ما بين درهم إلى عشرة أو من درهم إلى عشرة لزمه تسعة، وإن قال إنسان: له عليَّ درهم أو دينار لزمه أحدهما، وإن قال: له عليَّ تمر في جراب أو سكين في قراب أو فص في خاتم ونحوه فهو مقر بالأول، والله سبحانه وتعالى أعلم].

تقدم لنا ما يتعلق باليمين في الدعاوى، ومتى يستحلف في الدعوى، ومتى لا يستحلف، وأن ذلك لا يخلو من قسمين:

القسم الأول: أن يكون ذلك في حقوق الله عز وجل، وحقوق الله عز وجل ذكرنا أنها تنقسم أيضاً إلى قسمين:

إما أن تكون حقوقاً غير مالية، وإما أن تكون مالية.

والقسم الثاني: ما يتعلق بحقوق الآدميين، وذكرنا أنها تنقسم أيضاً إلى أقسام:

القسم الأول: ما كان مالاً، والقسم الثاني: ما كان أمانة، والقسم الثالث: ما ذكره المؤلف رحمه الله فيما يتعلق بالنكاح والطلاق والرجعة والولاء.

ثم بعد ذلك شرعنا في الإقرار، وأن الإقرار هو أقوى البينات، وذكرنا أيضاً تعريفه في اللغة والاصطلاح، وهو أن يضيف الشخص حقاً لغيره على نفسه، وذكرنا دليله من الكتاب والسنة.

ثم بعد ذلك قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وإن أقر لغير وارث، أو أعطاه صح وإن صار عند الموت وارثاً) وكما تقدم لنا في القاعدة ما يتعلق بالإقرارات متى تقبل؟ ومتى لا تقبل؟ وذكرنا القاعدة في ذلك وقلنا: إذا كان يتهم فلا نقبل إقراره، وإذا كان غير متهم فإن إقراره مقبول، وعليه إن أقر لغير وارث كأن أقر لأخيه مع وجود ابنه أو أعطاه صح، يعني أعطى هذا غير الوارث.

والمقصود مرض الموت؛ لأن المريض مرض الموت يمنع من الإقرار إذا كان لوارث، يعني كوصية، أو كان ذلك أزيد من الثلث، يعني له الثلث فما دون، مثال ذلك: أقر لأخيه مع وجود ابنه، كذلك أيضاً لو أعطى هذا الأخ ووهبه، ما حكم هذه الهبة مع وجود الابن صحيحة؛ لأنه يمنع المريض أن يهب للوارث، أو ما زاد على الثلث، أما الثلث فأقل أو غير الوارث فإنه لا يمنع من ذلك.

طيب هذا المريض أقر لغير وارث كالأخ مع وجود الابن ثم بعد ذلك صار هذا الأخ وارثاً بأن مات الابن، هل يصح هذا الإقرار؟ وهل تصح هذه العطية أو لا تصح؟ يقول المؤلف رحمه الله: تصح؛ لأنه حين الإقرار غير متهم، لأنه أقر لغير وارث، وحين العطية أيضاً أعطى غير وارث، وهو ممنوع من إعطاء الوارث، فيصح اعتباراً بحال الإقرار وحال العطية.

والخلاصة في ذلك أن المناط على التهمة في الإقرارات.

وقول المؤلف رحمه الله: (أو أعطاه)، هذه المسألة ليست داخلة في الإقرار، وإنما يتكلم عليها العلماء رحمهم الله تعالى في باب الهبة والعطية، لكن لا أدرى لماذا أتى بها المؤلف رحمه الله، مع أن هذه المسألة أيضاً التي ذكرها المؤلف رحمه الله هي خلاف المذهب؛ فالمذهب أن المعتبر هو حال الموت كما تقدم لنا في باب الهبة والعطية، وعلى هذا لو أنه أعطى أخاه في مرضه وأخوه ليس وارثاً ثم صار عند الموت وارثاً، حكم هذه العطية على المذهب لا تصح؛ لأن المعتبر حال الموت، فالمؤلف لا أدري لماذا أتى بهذه المسألة في باب الإقرار مع أنها سبقت في باب الهبة والعطية.

إقرار المرأة أو وليها بالنكاح

قال رحمه الله: (وإن أقرت امرأة على نفسها بنكاح ولم يدعه اثنان قبل، وإن أقر وليها المجبر بالنكاح أو الذي أذنت له صح).

إذا أقرت امرأة على نفسها بنكاح ولم يدعه اثنان، هذه المسألة لا تخلو من قسمين:

القسم الأول: أقرت على نفسها بنكاحٍ لشخص، أي أقرت أن هذا الرجل قد تزوجها، وليس هناك منازعٌ له، فيصح إقرارها؛ لأنه حقٌ عليها ولا تهمة فيه.

القسم الثاني: أن تقر بالنكاح لاثنين، فالمذهب أنه أيضاً يقبل إقرارها؛ لأن الحق عليها، وقد أقرت به لهذين الشخصين فيصح لهذين الشخصين.

والرأي الثاني وهو ظاهر ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى أنه لا يصح، والمذهب حكمه الصحة، وعلى هذا إذا هي أقرت وقالت: هذان الرجلان زيد وعمرو كلاهما تزوجني، فنقول: إقرارها صحيح، وعلى هذا من أتى ببينة فهي زوجته، وإن أقاما بينتين أي كلٌ منهما أقام بينةً قدم أسبق النكاحين، فإن جهل السابق قدم قول الولي، فإن جهل الولي فسخ.

إذاً: إذا أقرت بالنكاح لاثنين فحكم هذا الإقرار صحيح على المذهب خلافاً لما ذهب إليه الماتن من أنه لا يصح، وهو رواية عن الإمام أحمد، وعلى هذا من كان له بينة قدمت بينته، فإن كان لكل منهما بينة يقدم أسبق النكاحين، فإن جهل قدمنا قول الولي، فإن جهل الولي فسخ النكاحان.

قال: (وإن أقر وليها المجبر).

هذا المصطلح وهو الإجبار تقدم لنا في النكاح لكن في باب شروط النكاح في شرط الرضا، ومن هو الذي يجبر ومن هو الذي لا يجبر؟ تقدم الكلام عليه.

قال: [وإن أقر وليها المجبر بالنكاح، أو الذي أذنت له].

يعني: إذا كانت غير مجبرة مثل البكر، فلو أقر وليها بالنكاح صح هذا الإقرار، أو أقر الذي أذنت له، يعني هي غير مجبرة وأذنت له أن يزوجها فالذي أذنت له بهذا النكاح أقر نقول: بأن هذا صحيح؛ لأن كلاً منهما يملك العقد عليها.

الإقرار ببنوة صغير أو مجنون

قال رحمه الله: (وإن أقر بنسب صغيرٍ أو مجنون مجهول النسب أنه ابنه ثبت نسبه).

لأنه غير متهم في إقراره، فإذا أقر بنسب صغير أو مجنون مجهول النسب أنه ابنه ثبت نسبه؛ لأن الظاهر أن الشخص لا يلحق به من ليس منه، ولأنه غير متهم في إقراره ما دام أنه مجهول النسب، كما تقدم لنا أن الفقهاء رحمهم الله يتوسعون كثيراً في إثبات النسب، هذا مجهول النسب صغير أو مجنون جاء شخص وقال: بأنه ابنه. فيقول لك المؤلف رحمه الله: يلحق به نسباً، قال: لأنه غير متهم في إقراره، ولأن الظاهر أن الشخص لا يلحق به من ليس منه.

قال: (فإن كان ميتاً ورثه).

يعني إذا كان المقر به ميتاً، يعني الصغير أو المجنون كان ميتاً، فيقول لك المؤلف رحمه الله: يرثه المقر.

قال: (وإن ادعى على شخصٍ بشيء فصدقه صح).

إذا ادعى عليه بشيء أنه أقرضه، أو أنه باعه فصدقه قال: صدقت، نقول: هذا حكمه ماذا؟ هاه؟ نقول: بأنه صحيح، نقول: إذا قال ادعى عليه وقال: صدقت، صحيح، هذا إقرار، نعم هذا إقرار.

الحكم إن وصل بإقراره ما يسقطه

قال رحمه الله تعالى: (فصلٌ: إذا وصل بإقراره ما يسقطه، مثل أن يقول: له عليّ ألف لا تلزمني ونحوه لزمه الألف).

لو قال: له على ألف لا تلزمني، يعني إذا وصل بإقراره ما يسقط إقراره، يقول المؤلف رحمه الله تعالى: إذا وصل بإقراره ما يسقط إقراره.

يلزمه ما أقر به، لأن عندنا قاعدة وهي أن الأصل إعمال كلام المكلف لا إهماله، ولهذا قال: لزمه الألف.

(وإن قال: كان له عليّ وقضيته فقوله بيمينه). لأنه في هذه الحالة هو وإن أقر بالألف إلا أنه أيضاً قيد ذلك ببراءة الذمة، وأنه قد قضاه، أما قوله: لا تلزمني، ليس فيه ما يدل على براءة ذمته منه، فيقول لك: في المسألة الأولى تلزمه الألف، لكن في المسألة الثانية لا تلزمه، قال: نعم له عليّ ألف لكنني قضيته وأعطيته إياه، فحينئذٍ لا يكون مقراً بهذه الألف، فإذا حلف خلى سبيله، لأنه كما تقدم هو رفع ما أثبته بدعوى القضاء.

قال: (ما لم تكن بينة، أو يعترف بسبب الحق).

نعم مالم تكن بينة أو يعترف بسبب الحق، فلابد من بينة إذا ادعى أنه قضاه وقال: نعم هو يريد مني ألف ريال، لكنني قضيته، فإن هذا لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: ألا يكون هناك بينة، ولا يعترف بسبب الحق، فنقول هنا: يحلف ويخلى سبيله.

الأمر الثاني: أن يكون هناك بينة أو يعترف بسبب الحق فلا تبرأ ذمته إلا بالبينة، يعني إذا كان هناك بينة للمدعى أو المدعى عليه اعترف وقيد اعترافه هذا ببيان سبب الحق، له عليّ ألف قرض أو بيع أو نحو ذلك، فيقول لك المؤلف رحمه الله تعالى: إذا كان هناك بينة، أو اعتراف بسبب الحق فلا يقبل قوله بأنه قضاه إلا ببينة، فإذا أحضر المدعي بينة نقول: إن كان هناك بينة على أنك قضيته وإلا فإنه يقضى عليه بالبينة، بينة المدعي، يعني إذا كان هناك بينة فالأمر ظاهر، البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، هنا الآن المدعي يحضر البينة والمدعى عليه لم يحضر بينة على القضاء فيقضى عليه، لكن لو لم يكن للمدعي بينة، واعترف بسبب الحق، قال: أنا أقر أنه يريد مني ألف ريال بسبب البيع أو سبب الغصب أو الائتلاف ونحو ذلك، فنقول كما تقدم: البينة على المدعي واليمين على من أنكر على الصحيح، نقول للمدعي: أعطنا بينةً، فإن أعطانا بينةً حكمنا بهذه البينة، وإذا لم يأت ببينة نقول: اليمين على المدعى عليه، أما المذهب فإنهم لا يقولون بأن اليمين على المدعى عليه، يقولون: لابد من أن يحضر المدعى عليه بينة على أنه قضى، فالصحيح أننا كما تقدم في القاعدة البينة على المدعي واليمين على المنكر. ‏

شرط الاتصال في تقييد الإقرار

قال رحمه الله تعالى: (وإن قال: له عليَّ مائةٌ ثم سكت سكوتاً يمكنه الكلام فيه، ثم قال: زيوفاً، أو مؤجلة، لزمه مائةٌ جيدةٌ حالّة).

هذا الكلام فرعٌ عن قاعدة، وهذه القاعدة ذكرها الشيخ عبد الرحمن السعدي في كتابه الأصول والقواعد الجامعة، تعرضنا لهذه القاعدة في دروسٍ سابقة، وهي أنّ كلام المكلفين فيما يتعلق بالإقرارات والفسوخ وغير ذلك ويلحق به ما يتعلق بالشروط والصفات، يعني المكلف إذا قيد كلامه بشرط أو صفة إلى آخره، هذه القيود تلحق بكلام المكلفين، يعني في هذه القاعدة هو يقول: بأن ما يتعلق بكلام المكلفين من إقرارات أو فسوخ أو عقود أو نحو ذلك، تلحق بها ما يحصل عليها من قيود بالصفات أو الشروط أو الاستثناءات، لكن هذه القيود بالصفات أو الشروط أو الاستثناءات يشترط لها الاتصال، فإن كان الفاصل يسير عرفاً فهذا لا يضر، ولهذا قال: ثم سكت سكوتاً يمكنه الكلام، هنا ما يصح التقييد، لابد من اتصال، والصحيح في ذلك أنه إذا كان السكوت يسيراً فلا يقطع الاتصال، وأن ما يلحقه من صفة أو شرط أو استثناء كله يلحق به.

إذاً: هم يشترطون الاتصال، ويشترطون أيضاً النية، ويشترطون في الاستثناء ألا يكون أكثر من النصف، مثال ذلك: لو قال لزوجته: أنتِ طالق ثلاثاً، ثم قال بعد ذلك: إلا واحدة صح الاستثناء، ولو قال: بيتي وقف، ثم قال بعد ذلك مباشرةً: الصغير، بيتي مفرد مضاف يعم جميع البيوت، ثم قال بعد ذلك: الصغير، يصح هنا التقييد ولو قال لزوجته: أنتِ طالق، ثم قال: إن خرجتِ، هنا قيد كلامه بالشرط، فتقييد المكلف لكلامه فيما يتعلق بالعقود والفسوخ والإقرارات والتبرعات، ونحو ذلك بالصفات والشروط والاستثناءات، هل يشترط لها الاتصال أو لا يشترط؟ نقول: يشترط الاتصال، لكن الصواب أنه إذا كان الفاصل يسير عرفاً أنه لا يضر، وفي الاستثناء كما تقدم لنا يذكرون شروط الاستثناء.

الاستثناء يصح أن يستثنى النصف فأقل، أما أكثر من النصف فلا يصح، هنا قال: له عليّ مائة، ثم سكت، لو قال مباشرةً: زيوفاً يصح التقييد بالوصف هنا، يعني معيبةً، قال مباشرةً: مؤجلة، يصح التقييد بالوصف، فهذه قاعدة مفيدة جداً، يعني وهي ما يتعلق بتقييد كلام المكلف بالشروط والصفات والاستثناءات إلى آخره.

قال: أو مؤجلة، لزمه مائةٌ جيدةٌ حالّة، نعم لأنه اختل شرط من شروط التقييد بالوصف أو الشرط إلى آخره.

قال: (وإن أقر بديْنٍ مؤجل فأنكر المقر له الأجل فقول المقر مع يمينه). قال: أنا أقر أن زيداً يريد مني ألف ريال مؤجلة، فالمقر له بالألف أنكر، قال: لا، أنا أريد منه ألف ريال حالّة، نقول: بأن القول قول المقر في تأجيله؛ لأنه أقر بالمال على صفة، وهي صفة التأجيل، فيؤخذ بما أقر به، هو ما أقر بالمال إلا على هذه الصفة.

حق المقر إذا أنكر في تحليف الخصم

قال رحمه الله: (وإن أقر أنه وهب أو رهن وأقبض أو أقر بقبض ثمنٍ أو غيره ثم أنكر القبض، ولم يجحد الإقرار وسأل إحلاف خصمه فله ذلك).

هنا قال لك: أقر أنه وهب وأقبض، يعني وهب زيداً هذا الكتاب وأقبضه إياه، أقر بهذا، أو أقر أنه رهن وأقبض، أقر أنه رهن عند زيد هذا الكتاب مقابل دين، وأقبضه هذا الكتاب، أو أقر بقبض ثمنٍ أو غيره، يعني أقر أنه قبض الثمن من المشترى، أو غيره كالصداق مثلاً، المرأة أقرت أنها قبضت الصداق من زوجها، أو الأجير أقر أنه قبض الأجرة ممن استأجره، ثم أنكر المقر الإقباض، ثم أنكر المقر القبض ولم يجحد الإقرار الصادر منه، وسأل إحلاف خصمه فله ذلك، أي: له تحليفه، هنا أنكر القبض، يعني بعد أن أقر بالهبة وإقباضها، أنكر القبض، ولماذا ينكر القبض؟ لأن الهبة على المذهب لا تكون لازمة إلا بالإقباض، كذلك أيضاً لماذا أنكر القبض في الرهن؟ لئلا يلزم؛ لأن الرهن لا يلزم على المذهب إلا بالإقباض، فهو الآن أقر أنه وهب وأقبض ثم أنكر الإقباض فقط، وما أنكر الهبة، وأنكر الإقباض في الرهن لكن ما أنكر الرهن، وكذلك أيضاً الثمن وغيره أنكر قبض الثمن، أو قبض الصداق، هو أقر بالبيع وأقر بالإجارة ونحو ذلك، لكن ما يتعلق بالقبض أنكره.

قال لك: وسأل إحلاف خصمه، يعني تحليفه أنه أقبضه، نعم سأل إحلاف خصمه أنه أقبضه، يقول: فله ذلك أي يجاب إلى ذلك، لو مثلاً قال: أنا وهبته وأقبضته، أقر أنه وهب وأقبض، ثم أنكر الإقباض وأقر بالهبة، وسأل خصمه، قال له: لا، أنا ما أقبضته، وسأل خصمه أن يحلف أنه أقبضه، له ذلك أو ليس له ذلك؟ يقول المؤلف: له ذلك، ومثل هذه المسائل ترجع إلى ما تقدم من القواعد التي تكلمنا عليها في كتاب القضاء، وأنه كما تقدم البينة على المدعي واليمين على من أنكر، وما دام أنه أقر بالإقباض إلى آخره، كونه ينكر بعد ذلك ويطلب اليمين من خصمه فيظهر والله أعلم أنه ما دام عندنا بينة وهي الإقرار؛ لأنه أقر، والبينة على المدعي واليمين على من أنكر، فإن وجد في البينة أنه أقر فلا داعى إلى ما ذكر المؤلف رحمه الله؛ لأن الأصل هو إعمال كلامه لا إهماله، فكونه يقر بالهبة بالعقد والإقباض ثم ينكر الإقباض، أو يقر بالرهن والإقباض ثم ينكر الإقباض ونحو ذلك إلى آخره هذا فيه نظر، أو كونه يقر أنه قبض الثمن ثم ينكر أو قبض الصداق ثم ينكر، والمرأة يقر أنها قبضت الصداق ثم تنكر، أو الأجير قبض الأجرة ثم ينكر إلى آخره ويطالب بيمين خصمه إلى آخره، فنقول: عندنا الإقرار مالم يكن هناك قرائن، والإقرار بينة، فلا حاجة إلى إحلاف الخصم.

الإقرار بأن ما تصرف فيه بالبيع ونحوه ملك للغير

قال: (وإن باع شيئاً أو وهبه أو أعتقه، ثم أقر أن ذلك كان لغيره لم يقبل قوله)؛ لأن الأصل إعمال كلام المكلف لا إهماله، فإذا أقر أنه باع شيئاً أو وهبه أو أعتقه ثم أقر أن ذلك الشيء ليس ملكاً له كأن قال: أنا أقر أني بعت السيارة، ثم بعد ذلك قال: السيارة ليست ملكاً لي، أو أقر أني أعتقت الرقيق، ثم قال: الرقيق هذا ليس لي، هل يقبل قوله أو لا يقبل؟ نقول: بأن قوله غير مقبول؛ لأن الأصل إعمال كلامه لا إهماله.

قال: (ولم ينفسخ البيع ولا غيره ولزمته غرامته). ما دام أنه أقر أنه باع أو وهب، نقول: البيع ماضي والهبة ماضية، وكونه يقول: هذا ليس لي نقول: بأنه غير مقبول، ولزمته غرامته للمقر له، قال: أنا أقريت إني بعت السيارة، لكن السيارة ليست ملكاً لي، هي لزيد، نقول: البيع ماضي، ويغرم قيمة هذه السيارة لزيد؛ لأن الأصل هو إعمال كلامه، وكما تقدم أن الإقرار بينة من البينات.

(وإن قال: لم يكن ملكي ثم ملكته بعد وأقام بينةً قبلتْ، إلا أن يكون قد أقر أنه ملكه).

لو أقر أنه باع السيارة، ثم بعد ذلك أنكر وقال: السيارة ليست ملكاً لي، هو أقر أنه باع السيارة، وتقدم أنه إذا باع السيارة ثم بعد ذلك قال: هذه السيارة ليست لي وإنما هي لزيد فالحكم أنه يمضي البيع ويصح، وتلزمه الغرامة للمقر له، هنا في هذه الصورة أقر بأنه باع السيارة، لكن قال: هذه السيارة لما بعتها لم تكن ملكاً لي، ثم ملكتها بعد البيع، قال لك: قبلت وأقام بينةً على ما ذكر، وأن هذه السيارة ليست ملكاً له وقت البيع، وأنه ملكها بعد ذلك، يقول: قبلت بينته؛ لأن هذا أمر ممكن.

قال: (إلا أن يكون قد أقر أنه ملكه، أو أنه قبض ثمن ملكه لم يقبل).

يعني حتى لو أقام بينة، لأنه يكون مكذباً للبينة، هو أقر أن هذه السيارة ملكه، أو أنه لما باعها أنه قبض ثمن ملكه، فنقول: لو أقام بينة على أنه لم يكن ملكها، ثم ملكها بعد، يعني وقت البيع أقر أنها ملكه، أو لما باع أنه قبض ثمن ملكه ثم بعد ذلك أقام بينةً أنها ليست ملكاً له، ثم ملكها بعد ذلك، هل تقبل البينة هنا أو لا تقبل؟ لا تقبل؛ لأنه يكون مكذباً لها، كيف يقر أن وقت البيع كانت ملكه والبينة تقول: إنها ليست ملكاً له، أو أنه الآن قبض ثمن ملكه، والبينة تقول: بأنها ليست ملكاً له؟ قال لك: لم يقبل؛ لأن البينة تكون شاهدةً بخلاف ما أقر به.

الإقرار بالمجمل

قال رحمه الله: (فصلٌ. إذا قال: له عليّ شيء أو كذا، قيل: فسِّره، فإن أبى حبس حتى يفسره).

يعني إذا أقر بشيء مجمل فلابد أن يبين هذا المجمل وأن يوضحه؛ لأنه لا يمكن أن يؤخذ الحق حتى يبين هذا المجمل، لو قال: له عليّ شيء، أو له على حق فلابد أن يفسره، قال: فإن أبى حبس حتى يفسره؛ لأنه لا يمكن أن يستوفي الحق حتى يفسره، فيجب عليه أن يفسره.

(فإن فسره بحق شفعة أو بأقل مالٍ قُبِلْ، وإن فسره بميتةٍ أو خمرٍ أو كقشر جوزةٍ لم يقبل، ويقبل كلبٌ مباحٍ نفعه، أو حد قذفٍ). يعني إذا فسره فإن هذا لا يخلو من أقسام:

القسم الأول: أن يفسره بمال، قال: له عليَّ شيء، طيب ما هو هذا الشي؟ قال: قلم رصاص، يقبل قوله، إذا فسره بمال أو قال: عشرة ريالات، كذلك نقبل قوله.

القسم الثاني: أن يفسره بحق المال، مثل حق الشفعة، قال: له عليّ حق، قيل له: ما هو هذا الحق؟ قال: حق الشفعة، يقبل قوله.

القسم الثالث: أن يفسره بمختص يقبل قوله، قال: له عليّ شيء؟ ما هو هذا الشيء؟ قال: كلب صيد، نقول: يقبل؛ لأن كلب الصيد ينتفع به.

القسم الرابع: أن يفسره بما ليس مال ولا اختصاص، مثل وهذا لا يصح، فالميتة هذه ليست مالاً ولا مختصاً، أو خمر أو قشر جوزة ونحو ذلك، هذا يقول لك: لا يقبل؛ لأن هذا يؤدي إلى إبطال الإقرار، والأصل إعمال كلام المقر لا إهماله.

وإن قال: (له عليّ ألفٌ رجع في تفسير جنسه إليه، فإن فسره بجنسٍ أو بأجناسٍ قُبل منه).

لو قال: له عليّ ألف، ثم قال: ريالات سعودية أو دينارات كويتية أو نحو ذلك قبل، أو قال: ريالات ودينارات قبل ذلك؛ لأنه أعلم بمراده، وحتى لو فسره بأجناس يقبل ذلك؛ لأن لفظه يحتمله.

قال: (وإن قال: له علي ما بين درهمٍ وعشرة لزمه ثمانية)

ما بين درهم وعشرة يلزمه ثمانية، وإن قال: ما بين درهمٍ إلى عشرة، أو من درهمٍ إلى عشرة لزمه تسعة، فأصبح عندنا ثلاثة أقسام:

القسم الأول: قال: له ما بين درهمٍ وعشرة لزمه ثمانية؛ لأن هذا هو مقتضى لفظه، فما بين الدرهم والعشرة ثمانية.

القسم الثاني: قال: ما بين درهمٍ إلى عشرة.

والقسم الثالث: من درهم إلى عشرة يلزمه تسعة؛ لأن من لابتداء الغاية، إلى عشرة والغاية ليست داخلة في المغيّا، الغاية من درهم إلى عشرة، يلزمه تسعة في الصورتين الثانية والثالثة.

قال: (وإن قال إنسانٌ: له عليَّ درهمٌ أو دينار لزمه أحدهما).

إذا قال: له عليّ درهم أو دينار، نقول: يلزمه إما الدرهم وإما الدينار، ويرجع في تعيينه إليه، نعم يرجع في تعيينه إليه.

وهنا نأخذ قواعد:

أولاً: أن الأصل إعمال كلام المكلف لا إهماله.

وثانياً: أنه في الإقرارات يرجع في تفسيرها إلى المقر.

قال: (وإن قال: له عليّ تمرٌ في جرابٍ، أو سكينٌ في قراب، أو فصٌ في خاتمٍ ونحوه، فهو مقرٌ بالأول) دون الثاني، دون الجراب، أو سكينٌ في قراب، يكون مقراً بالسكين فقط، أو فصٌ في خاتم ونحوه، أيضاً يقول المؤلف رحمه الله تعالى: يكون مقراً بالأول دون الثاني، والله أعلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح زاد المستقنع - كتاب الإقرار [2] للشيخ : خالد بن علي المشيقح

https://audio.islamweb.net