إسلام ويب

القضاء هو: الحكم الشرعي والإلزام به، وقد دل الكتاب والسنة والإجماع على مشروعية تولي القضاء، وللإمام أن ينصب في كل إقليم قاضياً يحل خصوماتهم ويقضي بينهم فيما يعرض لهم، ويجوز تنويب القاضي في النظر في كل الأقضية، أو اختصاصه بأعمال دون أعمال، حسب ما يرى له ول

مقدمات في القضاء

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ كتاب القضاء:

وهو فرض كفاية يلزم الإمام أن ينصب في كل إقليم قاضياً، ويختار أفضل من يجده علماً وورعاً، ويأمره بتقوى الله، وأن يتحرى العدل ويجتهد في إقامته، فيقول: وليتك الحكم أو قلدتك ونحوه، ويكاتبه في البعد، وتفيد ولاية الحكم العامة.

الفصل بين الخصوم، وأخذ الحق لبعضهم من بعض، والنظر في أموال غير الراشدين، والحجر على من يستوجبه لسفه، أو فلس، والنظر في وقوف عمله، ليعمل بشرطها، وتنفيذ الوصايا، وتزويج من لا ولي لها، وإقامة الحدود، وإمامة الجمعة والعيد، والنظر في مصالح عمله بكف الأذى عن الطرقات وأفنيتها ونحوه، ويجوز أن يولي القاضي عموم النظر في عموم العمل، ويولي خاصاً فيهما، أو في أحدهما...].

تعريف القضاء

قال رحمه الله تعالى: (كتاب القضاء).

المؤلف رحمه الله تعالى وكذا الفقهاء أخروا كتاب القضاء إلى آخر كتب الفقه؛ لأن أحكام القضاء إنما تختص طائفة معينة وهم القضاة.

القضاء في اللغة: إحكام الشيء والفراغ منه، ومن ذلك قول الله عز وجل: فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ [فصلت:12].

وأما في الاصطلاح: فهو تعيين الحكم الشرعي والإلزام به، وفصل الخصومات.

الفرق بين القضاء والإفتاء

والفرق بين القضاء والإفتاء أن القضاء فيه الإلزام، فهما يجتمعان في أن كل منهما فيه تبيين للحكم الشرعي، لكن في القضاء إلزام، وأما في الفتيا فإن المفتي لا يلزم، لكن القاضي يلزم.

أدلة القضاء

والأصل في القضاء: القرآن، والسنة، والإجماع في الجملة، أما القرآن فقول الله عز وجل: يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص:26].

وأيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقضي بين أصحابه، وكان يبعث السعاة والقضاة.

وكذلك أيضاً حديث عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر )، متفق عليه.

حكم تولية القضاء

قال المؤلف رحمه الله: (وهو فرض كفاية).

هنا بين المؤلف رحمه الله حكم تعيين القاضي، وتعيين القاضي من مسئولية الإمام الأعظم، وهنا قال: إنه فرض، وقال: إنه على الكفاية، فذكر حكمين:

الحكم الأول: أنه فرض.

والحكم الثاني: أن هذا الفرض على الكفاية.

أما كونه فرضاً فهذا لأن أمر الناس لا يستقيم إلا بالقاضي يفصل بين الناس، ويفض النزاعات والخصومات، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب تأمير الواحد في الاجتماع العارض القليل في السفر، إذا كانوا ثلاثة فخرجوا فليأمروا عليهم أحدهم، فإذا كان هذا في اجتماع قليل عارض في السفر فكيف بالاجتماع الدائم الكثير الواسع؟!

هذا من باب أولى أن يؤمر على الناس من يفصل بينهم، ويأخذ الحق لصاحبه، ويردع الظالم، وينتصر للمظلوم.

وأما كونه على الكفاية، فلأن الملاحظ فيه العمل، وليس الملاحظ العامل، وهذه مسألة سبق أن تكلمنا عليها وقلنا: الفرق بين فرض العين وفرض الكفاية: أن فرض العين الملاحظ فيه العامل، وأما فرض الكفاية فالملاحظ فيه العمل.

نصب الإمام للقضاة

قال: (أن ينصب في كل إقليم قاضياً ..).

هل يجب على الإنسان أن يتولى القضاء، ومتى لا يجوز له أن يتولى القضاء؟ فنقول: يجب على الشخص أن يتولى القضاء إذا كان أهلاً للقضاء، وليس هناك من يقوم به إلا هو، فهنا يصبح فرض عين إذا كانت فيه الأهلية، وتعين عليه ذلك؛ لعدم من يصلح للقضاء، فنقول هنا: يجب عليه أن يتولى القضاء، ويحرم أن يتولى إذا لم يكن عنده أهلية، وكذلك أيضاً إذا كان يعلم من نفسه العجز عن القيام بالعدل، ويعرف من نفسه أنه سيحصل منه حيف ونحو ذلك، فهنا لا يجوز له أن يدخل في القضاء، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( القضاة ثلاثة، وذكر منهم: رجلاً قضى بين الناس بجهل فهو في النار).

ويكون الدخول في القضاء مباحاً إذا كان أهلاً للقضاء وفيه من يقوم به ويثق من نفسه، عنده الأهلية، ويثق من نفسه، وهناك من يقوم به، فهذا مباح.

ويكون مستحباً إذا توفرت فيه الأهلية، ويثق من نفسه، وكان قيامه به يترتب عليه مصلحة، فحينئذ يكون مستحباً.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (يلزم الإمام أن ينصب في كل إقليم قاضياً).

لأن الإمام في الأصل هو الذي يفصل بين الخصومات، ويأخذ الحق لصاحبه، لكن لا يتمكن أن يباشر ذلك في كل البلدان، فيجب عليه أن ينصب القضاة الذين يقومون بمثل هذه الأشياء.

قال: (ويختار أفضل من يجد علماً وورعاً).

وعندنا قاعدة: أن من تخير لنفسه فخياره خيار تشهٍ، ومن تخير لغيره فخياره خيار مصلحة، والإمام هنا يتخير لعموم الناس، فخياره خيار مصلحة، ويأمره بتقوى الله؛ لأن التقوى هي وصية الله للأولين والآخرين، وأولى من يوصى بها القاضي؛ لأن القاضي سيباشر الخصومات، فإذا لم يتق الله عز وجل ربما حاف، وربما حكم على جهل.

قال: (وأن يتحرى العدل).

العدل: هو إعطاء الحق لمستحقه.

قال: (ويجتهد في إقامته).

أي: إقامة العدل بين الخصوم.

قال: (فيقول: وليتك) وصيغة التولية هذه راجعة إلى العرف، لكن هذا كان في الزمن السابق، يقول: وليتك الحكم أو قلدتك ونحوه.

قال: (ويكاتبه).

يعني: كفوضت، أو جعلت إليك الحكم، أو استنبتك، (ويكاتبه في البعد)، إذا كان غائباً فإن القاضي يكتب إليه.

عمل القاضي

قال: (وتفيد ولاية الحكم العامة الفصل بين الخصوم).

يعني: إذا ولاه ولاية عامة، ما ولاه ولاية خاصة، ما قال: أنت تقضي في الأنكحة، أو أنت تقضي في القصاص، ولاه القضاء في هذا البلد ولاية عامة.

أراد المؤلف رحمه الله أن يبين لنا عمل القاضي، ما الذي يتولاه القاضي؟ قال: (الفصل بين الخصوم، وأخذ الحق لبعضهم من بعض، والنظر في أموال غير الراشدين)، من الصغار، ينظر في أموال الصغار، والمجانين، والسفهاء، هذه ثلاثة.

قال: (والحجر على من يستوجبه لسفه أو فلس).

إذا كان سفيهاً لا يحسن التصرف في ماله، أو كان مفلساً .. إلى آخره، كانت ديونه أكثر من ماله، أيضاً يحجر عليه القاضي.

قال: (والنظر في وقوف عمله ليعمل بشرطها).

يعني: في الأوقاف الموجودة في بلده، في دائرة عمله، ينظر في الأوقاف، وهل عمل النظار بشروط الأوقاف أو لا.

قال: (وتنفيذ الوصايا).

هذا الأمر السادس ما يتعلق بتنفيذ الوصايا.

قال: (وتزويج من لا ولي لها من النساء).

قال: (وإقامة الحدود).

هذا الثامن.

قال: (وإمامة الجمعة والعيد).

هذا التاسع.

قال: (والنظر في مصالح عمله بكف الأذى عن الطرقات).

يعني: مصالح البلد كف الأذى عن الطرقات، وأفنية الساحات، وقد ذكر المؤلف رحمه الله مجموعة من الأعمال، والآن الأنظمة خصصت، فالقاضي يختص ببعض الأعمال من هذه، وبعضها ليس داخلاً في عمله، فمثلاً: كف الأذى عن الطرقات وأفنيتها، هذا من عمل البلديات الآن، وإمامة الجمعة والعيد من عمل الأوقاف ووزارة الشئون الإسلامية، وإقامة الحدود هناك نائب عن المحكمة عند إقامة الحد، ونائب عن الشرطة ..إلى آخره.

المهم تنفيذ الوصايا الآن ما يعمل عليها القاضي .. إلى آخره، المهم الآن خصص القاضي بأعمال، فهناك أنظمة يسير عليها القضاة شرعت هذه الأنظمة للمصلحة.

أقسام القضاة بالنسبة لتنويبهم

قال: (ويجوز أن يولى القاضي عموم النظر في عموم العمل).

القضاة بالنسبة لتنويبهم ينقسمون إلى أقسام:

القسم الأول: يولى عموم النظر في عموم العمل، أي: في جميع البلدان يقضي، وفي كل الأقضية، وهذا أوسع القضاة عملاً، عموم النظر ينظر في كل الأقضية أو في القصاص أو الأنكحة أو في البيوع فقط، بل في كل الأقضية، وفي عموم العمل أي: في جميع البلدان.

قال: (ويولى خاصاً فيهما أو في أحدهما).

هذا القسم الثاني، يعني: يخصص النظر والعمل، العمل في البلد والنظر في الأنكحة، وقد يخصص العمل وقد يخصص النظر، فالأقسام أربعة: عموم النظر وعموم العمل، خصوص العمل وخصوص النظر.

خصوص النظر وخصوص العمل في هذا البلد في الأنكحة، وخصوص النظر في عموم العمل، الأنكحة في جميع البلدان، وعكس ذلك خصوص العمل في عموم النظر، فينظر في هذا البلد في جميع الأقضية، والله أعلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح زاد المستقنع - كتاب القضاء [1] للشيخ : خالد بن علي المشيقح

https://audio.islamweb.net