إسلام ويب

تنعقد العقود بكل ما دل عليه العرف، ويثبت خيار المجلس للبائع والمشتري ما لم يتفرقا، والشروط الجزائية جائزة بشرط أن يكون الشرط مقابل ما يحصل لرب العمل من ضرر بسبب التأخير، وأن تكون المدة كافية لإنجاز العمل. وبيع المرابحة للآمر بالشراء جائز عند أكثر المتأخر

إجراء العقود بوسائل الاتصال المعاصرة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب القرض: وهو مندوب وما صح بيعه صح قرضه إلا بني آدم، ويُملك بقبضه فلا يلزم رد عينه بل يثبت بدله في ذمته حالاً ولو أجله، فإن رده المقترض لزم قبوله، وإن كانت مكسرة أو فلوساً فمنع السلطان المعاملة بها فله القيمة وقت القرض، ويرد المثل في المثليات والقيمة في غيرها، فإن أعوز المثل فالقيمة إذاً].

تقدم لنا أن ذكرنا بعض المسائل التي يحتاج إليها، وذكرنا من ذلك صور بيع التقسيط، وكذلك أيضاً ذكرنا خلاف أهل العلم رحمهم الله تعالى في بيع التقسيط، وأن جمهور أهل العلم يرون جوازه، وذكرنا دليل ذلك.

الرأي الثاني: أنه غير جائز وذكرنا دليله ثم ذكرنا صور بيوع التقسيط.

أيضاً من المسائل التي استجدت إجراء العقود بوسائل الاتصال الجديدة، وسبق أن قررنا قاعدة: وهي أن الأصل في العقود الحل والصحة، وأيضاً ذكرنا قاعدة أخرى: وهي أن العقود تنعقد بكل ما دل عليه العرف، وعلى هذا ما دل عليه العرف من إجراء العقود بهذه الآلات الحادثة، نقول: بأن العقد ينفذ وتترتب عليه أحكام. ‏

طرق إجراء العقود بوسائل الاتصال المعاصرة

والمتأمل لهذه الآلات التي استجدت يظهر له أن إجراء العقد فيها ينقسم إلى قسمين :

القسم الأول: إجراء العقد عن طريق المحادثة كما يحصل ذلك في الهاتف على أنواعه وغير ذلك من الآلات.

القسم الثاني: ما يحدث فيه إجراء العقد عن طريق الكتابة، وهذا يحصل عن طريق آلات الفاكس والشبكة العالمية وغير ذلك.

كما أن هذه الشبكة قد يكون إجراء العقد فيها عن طريق المحادثة، وقد يكون ذلك عن طريق الكتابة، فإجراء العقود بمثل هذه الآلات الأصل فيه الصحة؛ لأنه سبق لنا أن العقد ينعقد بما دل عليه العرف، وقد تعارف الناس على التعامل بمثل هذه الآلات.

وبهذا خرج قرار مجمع الفقه الإسلامي أن إجراء العقود بمثل هذه الآلات صحيح في الجملة، وذكروا لذلك ضوابط وشروطاً، يعني: هذه الضوابط والشروط ترجع لما تقدم، يعني: الأمن من الظلم، والغرر، والتدليس، والكذب، ونحو ذلك، فلابد من الأمن مما سبق التحذير منه كالظلم والغرر والربا فإذا توفر ذلك صح العقد.

خيار المجلس عند إجراء العقد عن طريق المحادثة أو الكتابة

بقينا في مسألة أخرى: وهي ما يتعلق بثبوت خيار المجلس، أما خيار الشرط فالأمر فيه ظاهر إذا اشترط أحد المتعاقدين فالمسلمون على شروطهم، لكن ما يتعلق بخيار المجلس إذا هاتفه وباع عليه أو اشترى منه وكان هذا في بلد وهذا في بلد آخر أو كاتبه سواء أرسل له رسالة عن طريق هذه الشبكة أو عن طريق الفاكس أو نحو ذلك، فكيف يثبت خيار المجلس؟

هذه المسائل موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى.

أما القسم الأول: وهو ما إذا حصل إجراء العقد بهذه الآلات عن طريق المحادثة كالهاتف ونحوه، فهل ينقطع خيار المجلس بانقطاع المكالمة، أو نقول: بأن خيار المجلس لا ينقطع حتى يفارق كل واحد من المتعاقدين المكان الذي هو موجود فيه؟

للعلماء في ذلك رأيان، والشافعية رحمهم الله نصوا على هذه المسألة فقالوا: لو أنه ناداه من مكان بعيد، ولنفرض أن هذا العاقد في بيت والعاقد الآخر في بيت آخر فقال: يا فلان! بعت عليك بيتي فقال: قبلت.

فالشافعية رحمهم الله تعالى يقولون: إذا حصل إجراء العقد عن طريق المناداة فإن خيار المجلس ثابت لكل واحد منهما ما لم يفارق مكانه، فنقول للبائع: لك خيار المجلس حتى تفارق المكان الذي أنت فيه، والمشتري أيضاً له خيار المجلس حتى يفارق المكان الذي هو فيه، وهذا القول يظهر أنه هو الأقرب.

وعلى هذا نقول: خيار المجلس ثابت لكل واحد منهما مالم يفارق مكانه، فإذا حصل إجراء العقد بهذه الآلات فنقول: بأن خيار المجلس ثابت ما لم يفارق مكانه، هذا فيما يتعلق بالقسم الأول: وهو ما إذا تم العقد عن طريق المحادثة بهذه الآلات.

القسم الثاني: إذا تم العقد عن طريق الكتابة: كأن كتب إليه أن بعت عليك ونحو ذلك، فالعاقد الموجب البائع نقول: الخيار ثابت له إلى أن يصل، يعني: له أن يفسخ إلى أن يصل المكتوب إلى العاقد الآخر، فإذا وصل إلى العاقد الآخر فإن الخيار له ما لم يتفرقا، يعني: قبل أن يقبل له حق إبطال الإيجاب فإذا قبِل العاقد الآخر فإن الخيار ثابت لكل واحد منهما حتى يفارق المجلس، فإذا فارق مجلسه لزم البيع.

ونعلم أيضاً أنه إذا حصل التفرق من أحدهما فإن العقد يلزم، أما القابل للعقد فنقول: إذا قبِل فإن له الخيار مادام أنه في مجلسه، فإذا تفرق بعد قبوله كأن خرج من المجلس فإن العقد يلزمه، أو خرج الآخر من المجلس فإن العقد يلزمه.

الخلاصة فيما يتعلق بخيار المجلس، نقول: إجراء العقد في هذه الآلات ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن يكون ذلك عن طريق المحادثة، فإن كان عن طريق المحادثة فالخيار ثابت لكل واحد منهما حتى ولو انتهت المحادثة، فإذا انتهت المحادثة نقول: لا يزال الخيار باقياً مادام أنهما في مجلس العقد، فإذا تفرقا عن مجلس العقد أو قام أحدهما عن مجلس العقد فإن العقد يكون لازماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما لم يتفرقا )، فإذا تفرقا جميعاً أو أحدهما فنقول: بأن العقد يكون لازماً، وهذا إذا كان عن طريق المحادثة.

القسم الثاني: أن يكون عن طريق الكتابة فالموجب له أن يفسخ ما لم يصل الكتاب إلى الآخر، فإذا وصل الكتاب إلى الآخر تم العقد، وإذا تم العقد وقبِل الثاني، فنقول: لكل واحد منهما الخيار ما لم يحصل التفرق، فإذا حصل التفرق بأن فارق أحدهما مجلسه لزم العقد.

وتكلمنا عن الشروط في العقد، وذكرنا أن الشروط في العقد تنقسم إلى أقسام:

شرط مقتضى العقد، وشرط من مصلحة العقد، وشرط صفة، وشرط منفعة.

الشروط الجزائية

الشروط الجزائية توجد الآن في عقود المقاولات، وكذلك أيضاً توجد في عقود المداينات.‏

تعريف الشروط الجزائية

الشرط الجزائي تعريفه: هو ما يشترطه رب العمل أو صاحب الدين على العامل، أو المدين جزاءً مقابل تأخيره التسليم.

أقسام الشروط الجزائية

هذه الشروط تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن يكون محل الالتزام عملاً فهذا لا بأس به، ونقول: بأن هذا الشرط جائز؛ لأن المسلمين على شروطهم بشرط أن يكون الشرط الجزائي مقابل الضرر الذي يحصل لرب العمل مقابل التأخير.

والشرط الثاني: أن تكون المدة كافية لإنجاز العمل، فإذا كانت المدة غير كافية لإنجاز العمل فإن صاحب المقاولة أو صاحب الشركة والمصنع يكون مخاطراً.

فنقول: ما يشترط على أصحاب المقاولات والشركات والمصانع من شروط جزائية الأصل في ذلك أن هذا جائز ولا بأس به، لكن كما أسلفنا لابد من شرطين:

الشرط الأول: أن يكون الشرط الجزائي مقابل ما يحصل لرب العمل من ضرر بسبب التأخير، والشرط الثاني: أن تكون المدة والزمن الذي يُنجز فيه هذا العمل كافية لإنجاز هذا العمل.

القسم الثاني: أن يكون محل الالتزام مالاً، فلا تجوز الشروط الجزائية حينئذ فيه، وبهذا نعرف أن ما تفعله البنوك الآن من شروط جزائية مقابل التأخير بتسديد الدين نقول: بأن هذا محرم ولا يجوز، فإذا كان محل الالتزام هو العمل فنقول: بأن الشرط الجزائي جائز، ولكن إذا كان محل الالتزام هو المال، يعني: إذا ما سلمت المال يُزاد عليك، فنقول: بأن هذا هو ربا الجاهلية.

صرف المال في طرق الخير بوجود شرط جزائي فيه

ومن الأشياء التي وجدت الآن في المصارف، وأفتى فيها بعض أهل العلم بأنه لا بأس بوجود الشرط الجزائي فيها ولو كان محل الالتزام مالاً ويُصرف هذا المال في طرق الخير، فيقولون: نأخذ المال ولا يكون للمصرف وإنما يكون لطرق الخير، فيُعطى لجمعيات البر. إذاً هم يقولون: إذا تأخر عن تسديد الدين الذي عليه، فنشترط عليه جزاء، وهذا الجزاء لا يأخذه المصرف، وإنما يُصرف في طرق الخير، لكن نقول: حتى ولو صُرف في طرق الخير فإن هذا محرم ولا يجوز؛ لأن اشتراط الزيادة أصلاً لا تجوز، وكون هذه الزيادة يُتبرع بها في طرق الخير فهذه الغاية لا تُبرر الوسيلة؛ لأن هذا الشرط أصلاً لا يجوز يعني: إذا كان العقد فيه شرطاً محرماً فلا يجوز أن توافق عليه، وسيأتينا ما يتعلق ببطاقات الفيزا.

بطاقات الدين المتجددة

ومن أنواعها: بطاقات الدين المتجدد، يعني: أن تقترض بهذه البطاقة وهناك شرط وهو أنك إذا ما سددت هذا القرض فإنه يُزاد عليك، فنقول: أصلاً لا يجوز أن تأخذه، وبعض الناس يقول: أنا أقترض خمسة آلاف، والآن عندي مرتب عشرة آلاف فأستطيع أن أسدد، فنقول: حتى ولو كنت تستطيع أن تسدد فمادام أن هناك شرطاً محرماً فإنه لا يجوز لك أن توافق على هذا العقد، أيضاً من المسائل الآن التي توجد بكثرة في المصارف:

بيع المرابحة للآمر بالشراء

مسألة المرابحة للآمر بالشراء: وصورتها: أن يأتي العميل إلى المصرف ويريد تمويلاً والمصرف ليس عنده السلعة فيتفق مع العميل على أن يشتري السلعة ثم يشتري السلعة المصرف، فمثلاً: يشتري السيارة ثم يبيعها على العميل بثمن مؤجل، والمصرف سيشتريها بعشرة آلاف مثلاً، أو بمائة ألف ثم يقوم ببيعها على العميل بمائة وعشرين أو مائة وخمسين، فالعميل سيأخذها ويذهب ويبيعها بمائة ألف، فهذه المسألة تسمى: بمسألة المرابحة للآمر بالشراء، فهل هذه جائزة أو ليست جائزة؟

فهذه يوجد فيها مسألة التورق؛ لأن العميل الذي يطلب التمويل يشتري السلعة وهو لا يريد ذات السلعة، وإنما يريد التوسع بالمال فيشتريها بثمن مؤجل ويبيعها على غير من اشتراها منه بأقل من ثمنها نقداً وهذا هو التورق، وسبق لنا أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: يُحرم التورق، وعلى رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فإن هذه المسألة محرمة.

أما المتأخرون فلهم في هذه المعاملة قولان:

القول الأول: أن هذه المعاملة جائزة، وهذا ما عليه أكثر المتأخرين، ولكن يشترطون لذلك شروطاً:

الشرط الأول: أن يشتري المصرف السلعة ويملكها ملكاً تاماً ويحوزها.

الشرط الثاني: أن يكون ذلك قبل شراء العميل لهذه السلعة، يعني: أن يكون ملك المصرف لهذه السلعة قبل أن يعقد مع العميل.

الشرط الثالث: ألا يُلزم المصرف العميل بهذه السلعة، يعني: إذا اشتراها وحازها وقبضها المصرف فإن العميل يكون بالخيار إن شاء عقد معه واشتراها، وإن شاء تركها.

وكذلك أيضاً يشترط لكي يخرج من مسألة التورق ألا يبيعها على نفس المصرف وإنما يبيعها على غيره.

قالوا: فإذا وجدت هذه الشروط فإن هذه المعاملة جائزة ولا بأس بها؛ لأن المصرف الآن اشترى له سلعة بعقد مستقل والعميل ليس ملزماً بها إن شاء اشتراها وإن شاء تركها.

القول الثاني: أن هذه المعاملة محرمة ولا تجوز، وهذا قول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، وقال: بأن هذه المعاملة حيلة على الربا، فالشيخ يرى أنها حيلة على الربا مادام أن المصرف لا يملك السلعة، فكون العميل يذهب إلى المصرف، ويقول: اشتر لي سلعة وبعها عليّ، كأنه وسط هذه السلعة في مسألة التفاضل فهذه حيلة، يعني: الآن أصبح العميل أخذ من البنك مائة وعشرين ووسط هذه السلعة بين هذه النقود المتفاضلة فهي دراهم بدراهم بينهما حريرة، فالشيخ يرى أنها محرمة ولا تجوز؛ لأن هذا يعتبره حيلة على الربا.

التورق المنظم

وأعظم من هذه المسألة مسألة التورق المنظم، وأول ما خرج كان يسمى بالتورق المنظم عن طريق بيع المعادن؛ لأن أغلب الاستعمال كان عن طريق المعادن وإلا فالآن أصبحوا يستعملون الأخشاب ويستعملون الأرز ونحو ذلك.

كيفية التورق المنظم عن طريق بيع المعادن؟

إن المصرف يقوم بكافة إجراءات العملية، فإذا ذهبت إلى المصرف طالباً التمويل فالمصرف هو الذي يتولى هذه المسألة فيشتري السلع، ثم بعد ذلك توكله أن يبيعها بثمن مؤجل ويشتريها، فيشتري هذه السلعة بكذا وكذا من الدراهم ثم بعد ذلك توكله أن يقوم ببيعها فيقوم ببيع هذه السلعة.

هو الآن اشترى السلعة بمائة ألف وباعها عليك بمائة وعشرين ألفاً مؤجلة، ووكلته أنت ببيع هذه السلعة ما قبضت السلعة، أما في المرابحة للآمر بالشراء تقوم بقبض السلعة وهنا أنت وكلته، هو يقوم ببيع السلعة فيقوم ببيع السلعة بأقل من ثمنها نقداً، لا يشتريها هو، وإنما يقوم ببيعها، ويودع في رصيدك مائة ألف ريال ويطالبك بمائة وعشرين ألفاً.

فالعملية هذه قام بها المصرف كلها، مجرد أنك تأتي إلى المصرف ويقول لك: عندنا معادن أو عندنا أخشاب أو عندنا أرز، وكلني أبيع لك هذه الأشياء، فهو الآن يبيع عليك بثمن مؤجل، ثم بعد ذلك توكله ببيع هذه السلعة فيبيعها بثمن حال: بمائة ألف ثمن حال، وباع عليك بمائة وعشرين ألفاً ثمن مؤجل، ويودع هذا الثمن الحال في رصيدك أو في حسابك ويطالبك بمائة وعشرين ألف ريال، فالعميل مجرد أنه وقع على الأوراق يكون مطالباً بكذا وكذا من المال ويأخذ أقل منه.

هذه الطريقة لما ظهرت أكثر المتأخرين قالوا: إنها محرمة ولا تجوز، واعتبروها من صور بيع العينة؛ لأن الحقيقة أنها مجرد أوراق توقعها وأصبحت دراهم بدراهم، يعني: تجد في رصيدك دراهم وتُطالب بأكثر من هذه الدراهم، فأكثر المتأخرين اعتبروها من العينة المحرمة، وأنه لا يصح التوكيل بمثل هذه الصور، لابد أنك تقبض هذه السلع إذا قلنا بالصورة الأولى: وهي صورة المرابحة للآمر بالشراء، أما كونك توكلهم في أن يتولى المصرف البيع ولم تقبض سلعاً ولم تر سلعة أي: أصبحت السلعة الآن لا وجود لها، مجرد اسم دارت على بعض المتعاقدين، فأكثر المتأخرين قالوا: بأنها محرمة ولا تجوز.

والشيخ عبد الله بن منيع حفظه الله قال: بأن مثل هذه الصورة جائزة، ولكن لاشك أن مثل هذه الصورة محرمة ولا تجوز؛ لأن التوكيل في مثل هذه المسائل في بيوع الديون، هذه ألحقها بالعينة، فمجرد أنك وقعت على أوراق ما قبضت سلعة وما بعت سلعة فالبيع الآن الموجود هذا غير البيع القائم لكي يُخرج هذه المسألة فبيع العينة هذا غير موجود.

التورق العكسي

أيضاً: من الأشياء التي ظهرت الآن: التورق العكسي، وذلك أن البنوك التقليدية التجارية تعطي عملاءها مقابل حساباتهم فوائد، مثلاً: إذا أودعت عندهم مائة ألف تعطيك فائدة على كل ألف أو كل مائة حسب قصر المدة وحسب طول المدة وهذه الفوائد كما سيأتينا إن شاء الله محرمة ولا تجوز، والذي وجد الآن في بعض المصارف الإسلامية هو ما يسمى بالتورق العكسي.

فالمصرف الإسلامي إذا أودعت عنده دراهم فلا يعطيك عليه فوائد ولكن أرادوا أن يسلكوا طريقاً يشبه الطريق الذي تسلكه هذه المصارف التقليدية، وكيف ذلك؟ يأتيهم العميل الذي سيودع مثلاً: مائة ألف ريال فيعقدون معه تورقاً، فيشترون له سلعة بثمن حال، ثم يشترونها منه بثمن مؤجل، فهو الآن أعطاهم مائة ألف فيقولون: هذه المائة ألف التي لك نشتري بها سلعة لك، فنشتري سيارة ثم نشتريها منك بمائة وعشرين ألفاً، فأنت الآن أعطيتنا مائة ألف وتطالبنا بمائة وعشرين ألفاً، وهذا يسمى بالتورق العكسي، والأصل الذي يقوم بالتورق هو العميل، لكن أصبح الآن البنك هو الذي يقوم بالتورق؛ لكي يعطي هؤلاء العملاء فوائد، وهذه المسألة أيضاً لاشك أنها محرمة ولا تجوز.

القرض

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب القرض].

تعريف القرض ودليله

القرض في اللغة: القطع، وأما في الاصطلاح: فهو دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله.

والقرض: جائز بالإجماع، وقد دل له قول الله عزّ وجل: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [البقرة:245]، (والنبي صلى الله عليه وسلم اقترض بكراً ورد خيراً منه رباعياً)، (وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير).

حكم القرض

والقرض ليس من المسألة المكروهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقترض وهذا باتفاق الأئمة.

حكم القرض بالنسبة للمقرض والمقترض؟

أما بالنسبة للمقرض فمستحب، فمستحب للمسلم أن يقرض أخاه المسلم لما في ذلك من تفريج كربة المسلم كما في حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من نفس عن مسلمٍ كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ).

وأما بالنسبة للمقترض: فحكم القرض جائز ولا بأس به عند الحاجة، أما إذا لم يكن الإنسان محتاجاً فإنه لا ينبغي له أن يقترض؛ لأنه يُشغل ذمته.

قال المؤلف رحمه الله: (وهو مندوب).

ما يصح قرضه

قال المؤلف رحمه الله: (ما يصح بيعه صح قرضه إلا بني آدم).

فهذا ضابط في باب القرض، فما الذي يصح قرضه؟ كل شيء يصح بيعه فإنه يصح قرضه، وقد تقدم لنا ما الذي يصح بيعه، وقلنا: الذي يصح بيعه كل ما أُبيح نفعه أُبيح بيعه إلا ما استثناه الشارع، وعلى هذا نقول: كل ما صح بيعه صح قرضه ويدخل في هذا الأطعمة والألبسة، والدراهم، والنقود.

وقوله: (إلا بني آدم) يقول المؤلف رحمه الله: بنو آدم لا يصح قرضهم؛ لأنه لم يُنقل، ويُفضي ذلك إلى أن يقترض أمة ثم يطأها ثم يردها، والصحيح أنه أن القرض شامل ويصح حتى لو كان الإنسان يملك رقيقاً فإنه يصح أنه يقرضه؛ لأن الأصل في مثل هذه الأشياء الحِل، لكن إذا كان يترتب عليه محظور شرعي كأن يقترض أمة يطأها، ثم يردها، فنقول: بأنه يُمنع.

ما يُملك به القرض

قال المؤلف رحمه الله: (يُملك القرض بقبضه).

يؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله: أنه لا يُملك بالعقد، نعم وإنما يُملك بالقبض وهذا قول جمهور العلماء قياساً على الهبة، فالهبة يقولون: لا تُملك إلا بالقبض فكذلك أيضاً القرض لا يُملك إلا بالقبض.

والرأي الثاني: أنه يُملك بالعقد، وهذا قول المالكية، وهو الصحيح لقول الله عزّ وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، يعني صورة المسألة: لو قال: أقرضتك هذا الكتاب وأنت ما قبضته، فعلى رأي الجمهور العقد صحيح لكنك ما ملكت الكتاب، وعلى رأي المالكية تكون ملكت هذا الكتاب، والصحيح أنه يُملك بالعقد وليس بالقبض.

قال: [فلا يلزم عينه].

يعني: لا يلزم أن ترد عينه، فمثلاً لو أقرضك هذا الكتاب، وبعد أن أقرضك جاء وقت السداد وقلت: رد عليّ الكتاب الذي أقرضتك، لا يلزم؛ لأن الكتاب دخل في ملك المقترض، فيجب عليه أن يرد بدله، وهو المثل في المثليات، والقيمة في المتقومات، حتى ولو كان الكتاب أو الثوب موجوداً لا يلزم أن يرد عين هذا الكتاب، أو عين هذا الثوب.

المطالبة بالدين قبل حلول الأجل

قال: (بل يثبت بدله في ذمته حالا ولو أجله).

هذا فرق بين دين القرض وبين بقية الديون، فبقية الديون تتأجل بالتأجيل، يعني: دين السلم كما سلف يتأجل بالتأجيل، وكذلك ثمن المبيع وأرش الجناية، والدية، أما دين القرض فلا يرون أنه يتأجل بالتأجيل، وعلى هذا لو قال: أقرضتك ألف ريال لمدة شهر، واتفقا على أن القرض يحل بعد شهر، يقول المؤلف: له أن يطالبه الآن، رغم أنهما اتفقا على مدة شهر، يقولون: لأن القرض لا يتأجل بالتأجيل، لماذا لا يتأجل بالتأجيل؟ قال: لأن القرض مُنع فيه من التفاضل، ومادام أنه مُنع فيه من التفاضل يُمنع فيه من الأجل، فالمقرض ما استفاد شيئاً إلا الأجر من الله سبحانه وتعالى، ومادام أن الزيادة ممنوعة فلا نجمع عليه أمرين: نمنعه من الزيادة ونؤجل سداد القرض عليه، بل نكتفي عليه بأمر واحد فقط، وهو المنع من الزيادة، وهذا كما سلف هو المشهور من المذهب.

والرأي الثاني: وهو مذهب الحنفية، وهو أن القرض يتأجل بالتأجيل، فإذا اتفق على أجل فإن القرض يتأجل لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( المسلمون على شروطهم )، وأيضاً قول الله عزّ وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وهذا يتضمن الأمر بإيفاء أصل العقد ووصفه بنص الشرط فيه فيتأجل بالتأجيل، وهذا أيضاً اختيار شيخ الإسلام رحمه الله.

قال رحمه الله: (فإن رده المقترض لزم قبوله).

المقترض إذا رد القرض بعينه لزم المقرض قبوله؛ لأن الواجب على المقترض أن يرد القرض، أو أن يرد مثله، أو قيمته، بشرط ألا يكون قد تعيب، أي: حصل له عيب، فإن كان قد حصل له عيب فإنه لا يلزم المقرض أن يقبله.

قضاء الدين عند كساد العملة أو كونها مكسرة

قال: (وإن كانت مكسرة أو فلوساً فمنع السلطان المعاملة بها فله القيمة وقت القرض).

إن كانت مكسرة، وما معنى مكسرة؟ كان الناس في الزمن الأول يتعاملون بالدينار وبالدرهم، فكانوا يبيعون ويشترون بالدنانير والدراهم، المكسرة هذه هي أجزاء من الدينار أو أجزاء من الدرهم، يعني: أنهم كانوا يشترون بقطعة ذهب من الدينار أو بقطعة فضة من الدرهم، أما الفلوس فهي هذه الموجودة عندنا، ولم يقل المؤلف رحمه الله: إن كانت دراهم ودنانير فمنع السلطان المعاملة بها؛ لأن الدراهم والدنانير ما يمنع السلطان المعاملة بها؛ لأن قيمتها في ذاتها، والسلاطين ما يمنعون المعاملة بهذه الأشياء، ولكن الذي تمنع المعاملة بها هي هذه الفلوس الموجودة الآن: ريالات وجنيهات.

فإذا منع السلطان المعاملة بالدراهم المكسرة والفلوس فله قيمة هذه الأشياء وقت القرض، يعني: هذه الدراهم والدنانير المكسرة، أو هذه الفلوس كم قيمتها وقت القرض؟ فلو قالوا مثلاً: تساوي كذا، نقول: له القيمة وقت القرض، وهذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى، وقال بعض العلماء: له القيمة وقت الوفاء، وقيل: له القيمة وقت المنع .

يعني الأقوال ثلاثة: له القيمة وقت القرض، له القيمة وقت الوفاء، له القيمة وقت المنع، فينظر كم تساوي وقت المنع، وهذا القول هو الأقرب؛ لأنها معتبرة إلى ذلك الوقت، ومادام أنها معتبرة إلى ذلك الوقت، فنقول: إلى وقت منعها.

قال المؤلف رحمه الله: (ويُرد المثل في المثليات والقيمة في غيرها، فإن أعوز المثل فالقيمة إذاً).

يرد المثل في المثليات والقيمة في المتقومات، وهذا المصطلح -المثلي والقيمي- تجدهم دائماً يعبرون بالمثلي والقيمي إذا جئت باب القرض أو باب الغصب في الإتلافات... إلى آخره، دائماً يقولون: مثلي، قيمي.

وللعلماء رحمهم الله في ضابط المثلي والقيمي رأيان:

الرأي الأول: أن المثلي: هو كل مكيل أو موزون لا صناعة فيه مباحة يصح السلم فيه، والقيمي: ماعدا ذلك هذا الضابط عند الحنابلة والشافعية.

إذاً: لابد من هذه الضوابط الثلاثة: أن يكون مكيلاً أو موزوناً، لم تدخله الصناعة المباحة، يصح السلم فيه، هذا المشهور عند الشافعية والحنابلة رحمهم الله، ويترتب على قولنا: مثلي وقيمي: أنه إذا تنازع المقرض والمقترض، فنقول: الواجب المثلي، وما هو مثله؟ مكيل أو موزون.

مثلاً: الآن أقرضه ثوباً، فلما حل الأجل جاء المقترض للمقرض بقيمة الثوب وقال: أنا اقترضتك ثوباً بمائة ريال، خذ هذه المائة، فقال المقرض: لا أنا ما أقبل المائة، فمن القول قوله؟ هل نقول: بأن القول قول المقترض أو نقول: بأن القول قول المقرض؟ المقترض؛ لأن هذا قيمي، لكن اذا اتفقا على شيء فالحمد لله الأمر إليهما؛ لكن إذا ما اتفقا على شيء فقال المقرض: أنا أعطيتك ثوباً فأعطني الثوب، قال المقترض: لا، خذ هذا قيمي، خذ مائة، نقول على المذهب: القول قول المقترض؛ لأن هذا قيمي ولا يلزمه الثوب، يجب أن يعطيه مائة ريال.

ولو أنه أقرضه صاعاً من الرز فلما حل الأجل أعطاه قيمة الرز قال المقرض: لا، أنا أريد رزاً، كان القول قول المقرض؛ لأنه مثلي فيجب أن يعطيه مثله ومادام أنهما يتنازعان نرجع إلى الضابط هذا قال: (كل مكيل أو موزون لم تدخله الصناعة).

فإذا دخلته الصناعة خرج من كونه مثلياً إلى كونه قيمياً، فالحديد صنع إناء، أقرضه إبريقاً -مثلاً- فلما حل الأجل قال المقرض: أعطني إبريقاً فأنا أعطيتك إبريقاً، فقال المقترض: أنا ما أعطيك إبريقاً، سأعطيك قيمته واذهب أنت لشرائه، من القول قوله؟ المقترض؛ لأن هذا دخلته الصناعة فأصبح قيمياً.

وقال: (يصح السلم فيه).

يعني: يمكن ضبطه بالصفات كما تقدم لنا الضابط في باب السلم: كل ما أمكن ضبطه بالوصف صح السلم فيه.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح زاد المستقنع - كتاب البيع [18] للشيخ : خالد بن علي المشيقح

https://audio.islamweb.net