إسلام ويب

الإقامة لها أكثر من صيغة، لكن أشهرها إقامة بلال وعليها الشافعي وأحمد، وإقامة أبي محذورة وعليها أبو حنيفة، ويستحب أن يقيم من أذن، وأن تكون الإقامة في موضع الأذان. ويشترط لصحة الأذان شروط منها أن يكون مرتباً متوالياً من عدل، ولا يجزئ الأذان قبل الوقت، وأما

تابع الأذان والإقامة

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[وهي إحدى عشرة يحدرها، ويقيم من أذن في مكانه إن سهل، ولا يصح إلا مرتباً متوالياً من عدل، ولو ملحنا أو ملحوناً، ويجزئ من مميز، ويبطلهما فصل كثير ويسير محرم، ولا يجزئ قبل الوقت إلا الفجر بعد نصف الليل، ويسن جلوسه بعد أذان المغرب يسيراً. ومن جمع أو قضى فوائت أذن للأولى ثم أقام لكل فريضة، ويسن لسامعه متابعته سراً، وحوقلته في الحيعلة، وقوله بعد فراغة: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته.

باب شروط الصلاة:

شروطها قبلها منها: الوقت والطهارة من الحدث والنجس، فوقت الظهر من الزوال إلى مساواة الشيء فيئه بعد فيء الزوال، وتعجيلها أفضل إلا في شدة حر ولو صلى وحده].

ذكرنا جملةً من مستحبات الأذان، وانتهى بنا الكلام على التثويب في الأذان، وذكرنا أن التثويب يطلق عند العلماء رحمهم الله تعالى، على ثلاثة أشياء:

الشيء الأول: قول: الصلاة خيرٌ من النوم في أذان الفجر.

والشيء الثاني: الإقامة.

والشيء الثالث: أن يرجع المؤذن بعد انتهاء الأذان، ثم ينادي بالصلاة، فيقول: هلموا إلى الصلاة، حي على الصلاة، الصلاة يا عباد الله .. إلخ.

وسبق أن ذكرنا أن هذا غير مشروع، وأنه بدعة، وأما التثويب بمعنى قول: الصلاة خيرٌ من النوم أو الإقامة، فهذان مشروعان.

صفة الإقامة

قال رحمه الله: (وهي إحدى عشرة يحدرها).

المؤلف رحمه الله تعالى لما تكلم عن صفة الأذان شرع في بيان صفة الإقامة، فذكر أن الإقامة إحدى عشرة جملة، وهذه هي إقامة بلال ، فالإمام أحمد رحمه الله تعالى كما اختار أذان بلال أيضاً اختار إقامته.

وكذلك أيضاً الشافعي رحمه الله تعالى يأخذ بإقامة بلال.

وعند أبي حنيفة الأخذ بإقامة أبي محذورة .

وإقامة أبي محذورة كأذان بلال تماماً إلا أنك تضيف: قد قامت الصلاة، فعلى هذا تكون الجمل في إقامة أبي محذورة سبع عشرة جملة، أما في إقامة بلال فهي إحدى عشرة، كما ذكر المؤلف رحمه الله تعالى.

والإمام مالك رحمه الله تعالى يأخذ بإقامة بلال إلا أنه يُفرد قد قامت الصلاة، فقول الإمام مالك رحمه الله فيه ضعف من جهة الأذان ومن جهة الإقامة.

والصواب في ذلك كما سلف لنا: أنه يستحب للمؤذن أن يؤذن تارةً بأذان وإقامة بلال، وتارةً بأذان وإقامة أبي محذورة ؛ لأن هذا كله وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسبق أن ذكرنا وأشرنا إلى القاعدة التي يختارها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجمعٌ من أهل العلم فيما يتعلق بالعبادات التي وردت على وجوهٍ متنوعة.

وعلى قول الإمام مالك رحمه الله بإفراد الإقامة تكون الجمل عشراً؛ لأنه يرى ما جاء في حديث أنس رضي الله تعالى عنه ( أُمر بلال أن يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة ).

فبدلاً من أن يقول: قد قامت الصلاة مرتين، يقول: قد قامت الصلاة مرةً واحدة.

لكن الصواب في ذلك: ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى، وأما ما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله فذكرنا أن فيه ضعفاً، وأن حديث أنس ( أُمر بلال أن يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة ) هذا ورد فيه الاستثناء إلا (قد قامت الصلاة) فنقول بأن بلالاً أُمر أن يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة، يعني يجعل جمل الإقامة وتراً إلا قد قامت الصلاة فإنه يجعلها شفعاً لا وتراً، فهي مستثناة.

قال رحمه الله: (يحدرها).

معنى يحدرها: يُسرع فيها؛ لأن الإقامة إعلامٌ بالصلاة للحاضرين، فالناس قد حضروا وتهيئوا للصلاة، بخلاف الأذان، فإنه إعلامٌ بدخول وقت الصلاة أو بفعل الصلاة، وهو إعلامٌ لكي يتهيأ الناس للصلاة.

الأحق بالإقامة

قال: (ويقيم من أذن).

السنة أن من أذن فهو الذي يتولى الإقامة، وعلى هذا كان بلال رضي الله تعالى عنه، فإن بلالاً رضي الله تعالى عنه كان يتولى الأذان، وكان يتولى الإقامة، ولو أقام غيره فلا بأس لكن هذا خلاف السنة.

قال رحمه الله: (في مكانه).

يعني يقيم في المكان الذي أذن فيه، ويدل لهذا أن بلالاً كان يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبقني بآمين، فهذا يدل على أن بلالاً أقام في المكان الذي أذن فيه، فهو يطلب من النبي صلى الله عليه وسلم ألا يسبقه بآمين، وفي هذا دليلٌ على النداء للإقامة بمكبرات الصوت، فكما أن الأذان يكون بمكبرات الصوت، فكذلك أيضاً الإقامة تكون بمكبرات الصوت.

قال: ( إن سَهُل ).

يعني إن لم يكن هناك مشقة.

شروط صحة الأذان

قال: (ولا يصح إلا مرتباً).

ذكر المؤلف شروط صحة الأذان وهي:

الشرط الأول: الترتيب، وهذا الترتيب سبق أن أشرنا إليه، وذكرنا أن كل عبادة مركبة من أجزاء فإنه لا بد فيها من أمرين:

الأمر الأول: الترتيب بين أجزائها.

والأمر الثاني: الموالاة بين هذه الأجزاء، وإلا لم تكن على وفق سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وعلى هذا؛ لو قدم الشهادتين على التكبير فلا يكون هذا هو الأذان الذي شرعه النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: (متوالياً).

هذا الشرط الثاني: وهو التوالي بين جمل الأذان وجمل الإقامة.

وعلى هذا؛ إذا فصل ننظر إلى هذا الفاصل إن كان يسيراً عُرفاً فإن هذا لا بأس به، وإن كان طويلاً عُرفاً فإنه يخل بالموالاة بين جمل الأذان.

قال: (من عدل).

هذا الشرط الثالث: أن يكون المؤذن عدلاً.

وعلى هذا لو أذن فاسق فكلام المؤلف رحمه الله تعالى يدل على أنه لا يُعتد بأذانه، وهم يشترطون العدالة في الظاهر، أما الباطن فهذا لا يشترط أن يكون فيه عدلاً.

وعلى هذا إذا كان ظاهره ليس عدلاً بأن كان فاسقاً فإنه لا يصح أذانه، كما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى.

والرأي الثاني: رواية عن الإمام أحمد رحمه الله، أنه يجزئ أذان الفاسق؛ لأن المقصود هو الإعلام بدخول وقت الصلاة أو بفعل الصلاة، وهذا الإعلام كما يحصل من العدل يحصل من الفاسق، وهذا القول هو الصواب، لكن يبقى عندنا مسألة، وهي ترتيبه كمؤذن، نقول بأنه لا يُرتب كمؤذن، وكإمام .. إلخ.

لكن لو أنه أذن لجماعة، أو أذن في سفر، أو أذن لأمرٍ عارض لا نقول بأن هؤلاء القوم تركوا الأذان، وأنهم تركوا فرض الكفاية.. إلخ، بل نقول: إنه يجزئ، لكن مسألة الإجزاء تختلف عن مسألة الترتيب، نقول: كوننا نرتبه إماماً، مؤذناً راتباً نشترط أن يكون عدلاً.

وأيضاً قوله: (من عدل) يؤخذ منه أنه لابد أن يكون المؤذن واحداً، وهذا هو الشرط الرابع من شروط صحة الأذان.

وعلى هذا؛ لو أذن شخصٌ أول الأذان وكمله آخر، كأن حصل للأول عذر، ثم بعد ذلك أناب شخصاً يُكمل الأذان، نقول: هذا لا يصح، بل لابد أن يتولى الأذان شخصٌ واحد؛ لأن هذا هو الذي كان يفعله مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمؤذنون في عهد خلفائه الراشدين.

الشرط الخامس: أن يكون ذكراً.

وعلى هذا لو أذنت المرأة فإن أذانها لا يصح؛ لأن المرأة ليست من أهل الجمعة ولا الجماعات، وليست من أهل الإعلام، ولأنه يُفتن بصوتها، وقد أُمرت ألا تخضع بالقول، أما إذا أذنت لنساء فهذا قد تقدم الكلام عليه، إنما المقصود هنا: إذا أذنت للرجال.

قال: (ولو ملحناً).

يعني لا يشترط ألا يكون غير مطربٍ به، بل إذا كان الأذان ملحناً فإنه يجزئ ولا بأس به.

قال: (أو ملحوناً).

هذا الشرط السادس: يشترط ألا يلحن في الأذان لحناً يحيل المعنى، واللحن هو مخالفة قواعد العربية، وهو ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن يكون لحناً لا يحيل المعنى، فهذا قال المؤلف رحمه الله: يجزئ.

القسم الثاني: إن كان يحيل المعنى، فهذا لا يجزئ. فمثلاً، لو قال: اللهَ أكبر، بنصب لفظ الجلالة، نقول: بأنه يجزئ؛ لكونه لا يحيل المعنى، لكن لو لحن لحناً يحيل المعنى، فنقول: هذا لا يجزئ.

قال: (ويجزئ من مميز).

هذا الشرط السابع من شروط صحة الأذان: أن يكون من مميز.

وعلى هذا لو أذن صبيٌ غير مميز فإنه لا يجزئ، لكن إذا كان مميزاً يجزئ، ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله تعالى أنه لا يشترط أن يكون عدلاً، ولا أن يكون بالغاً، فيصح أذان الصبي غير البالغ إذا كان مميزاً.

والمميز بعض العلماء حده بالسن كسبع سنوات، ومن العلماء من حده بالحال، فقال: هو الذي يفهم الخطاب ويرد الجواب.

فإذا كان الصبي مميزاً فإن أذانه يصح، ويدل لهذا أن عمرو بن سلمة رضي الله تعالى عنه أمَّ قومه وله ست أو سبع سنوات، فإذا كان هذا في الإمامة فالأذان من باب أولى.

لكن يبقى عندنا مسألة أخرى تختلف عن مسألة الإجزاء وهي مسألة الترتيب، يعني: كوننا نجعله مؤذناً راتباً، نقول هنا: لابد فيه من البلوغ، أما إذا أذن أذاناً عارضاً، أو أذن لجماعة في سفر، أو في نزهة، أو نحو ذلك، فنقول: أذانه مجزئ.

قال: (ويبطلهما فصلٌ كثير).

هذا تقدمت الإشارة إليه، وتقدم أن ذكرنا أن من شروط صحة الأذان التوالي.

وعلى هذا؛ لو فصل بفاصلٍ طويلٍ عرفًا فإنه يبطل الأذان.

قال: (ويسيرٍ محرم).

يعني إذا فصل بكلام ولو يسير محرم فإنه يبطل الأذان.

وأيضاً نضيف إلى هذا الشرط ألا يعمل محرماً في أثناء الأذان، فلو عمل محرماً أثناء الأذان، فنقول: أذانه يبطل عليه، فلو أنه لما كبر التفت إلى من حوله، وقال: فلان فاسق، أو هو كذا.. إلخ، وسبه واغتابه ونحو ذلك، فنقول: أذانه يبطل عليه.

ويؤخذ من قول المؤلف رحمه الله: (بيسير محرم) أنه إذا كان بيسير مباح فإن هذا لا يبطل الأذان، لكن كرهه العلماء رحمهم الله، وإن كان كثيراً مباحاً فإنه يكون قد أخل بالتوالي.

قال: (ولا يجزئ قبل الوقت).

الشرط التاسع من شروط صحة الأذان: أن يؤذن في الوقت.

وعلى هذا؛ إذا أذن قبل الوقت فإنه لا يجزئ، ويدل لذلك ما سلف من حديث مالك بن حويرث ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم )، قال: ( إذا حضرت الصلاة )، وحضور الصلاة حضورها بوقتها، وأيضاً حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه، قال: ( كان بلال يؤذن إذا زالت الشمس ) رواه مسلم ، فلابد أن يكون الأذان في الوقت.

الجواب عمن قال بجواز التأذين للفجر بعد منتصف الليل

قال: (إلا الفجر بعد نصف الليل).

استثنى المؤلف رحمه الله صلاة الفجر، فيقول لك: صلاة الفجر يصح أن تؤذن لها بعد نصف الليل قبل طلوع الفجر.

وعلى هذا لو أذن في هذه الليلة لصلاة الفجر بعد منتصف الليل -يعني في الساعة الحادية عشرة والنصف- فإنه يجزئ.

والدليل على ذلك حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم )، فقوله: ( إن بلالاً يؤذن بليل ) هذا يدل على أن بلالاً يؤذن قبل طلوع الفجر، لكن لماذا حددناه بنصف الليل؟ يقولون: يُحد بنصف الليل قياساً على الدفع من مزدلفة إلى منى، فالدفع من مزدلفة إلى منى يبدأ من بعد منتصف الليل، فرمي جمرة العقبة يبدأ من بعد منتصف ليلة يوم النحر، وطواف الإفاضة يدخل وقته من بعد منتصف ليلة يوم النحر، السعي، طواف الإفاضة، الحلق، هذه الأنساك العظيمة يبدأ وقتها من منتصف ليلة يوم النحر، قالوا فكذلك أيضاً أذان الفجر، وهذا الكلام لا إشكال أنه ضعيف، إذ كيف نقول بأن أذان الفجر يكون بعد نصف الليل؟! هذا فيه تلبيس، والأذان إنما شُرع للإعلام بدخول الوقت.

وأما حديث ابن عمر : ( إن بلالاً يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم )، نقول: أذان بلال هذا ليس لصلاة الفجر، بل بيّن النبي صلى الله عليه وسلم حكمته، وهو أنه قال: ( ليُرجع قائمكم، ويوقظ نائمكم )، يُرجع القائم، يعني للذي قام يتهجد ويصلي آخر الليل أن يرجع من صلاته إذا كان يريد أن يتسحر، ويوقظ نائمكم: الذي كان نائماً يوقظه هذا الأذان لكي يقوم ليوتر، وأيضًا إن أراد الصيام يقوم يتسحر.

ولهذا قال: ( حتى يؤذن ابن أم مكتوم ابن أم مكتوم هو الذي يؤذن لصلاة الفجر، فهذا الكلام فيه ضعف، وإنما نأخذ من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه يُشرع لصلاة الفجر أذانان، أذانٌ عند طلوع الفجر، وأذانٌ قبل طلوع الفجر، والحكمة منه ما بينها النبي صلى الله عليه وسلم.

وهل الأذان الأول لصلاة الفجر مشروعٌ كل ليلة، أو أنه مشروعٌ في رمضان فقط؟

قال بعض العلماء: إنه مشروعٌ في رمضان فقط، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليُرجع قائمكم، ويوقظ نائمكم )، وقوله: ( كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ).

والرأي الثاني: أنه مشروع طيلة السنة للعلة؛ لأن إيقاظ النائم وإرجاع القائم كما يكون في ليالي رمضان يكون في غيرها، والناس يحتاجون إليه، والصيام مشروع في رمضان وفي غير رمضان، وهذا القول هو الأقرب.

وما هو القدر الفاصل بينهما، ابن حزم رحمه الله يقول: القدر الفاصل بينهما بمقدار أن ينزل هذا ويصعد هذا، كما جاء في حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، يعني ينزل بلال ، ويصعد ابن أم مكتوم ، فيكون الفاصل بينهما دقائق، لكن هذا ضعيف؛ لأنه لا يحقق الحكمة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أن يكون هناك فاصل بين الأذانين، بحيث يتمكن النائم من أن يقوم ويتوضأ ويوتر، والقائم يتمكن من أن يرجع من قيامه ويتسحر.

وعلى هذا يكون الفاصل بينهما ما يقرب من نصف ساعة، أو أربعين أو خمسٍ وأربعين دقيقة.

أما كون بعض الناس يؤذن ويجعل الفاصل بينهما ساعتين أو ثلاث ساعات أو ساعة ونصفاً فهذا يخل بالحكمة، فظاهر الحديث أن الفاصل يكون بينهما بمقدار نصف ساعة، أو بمقدار أربعين دقيقة، بحيث تتحقق الحكمة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم.

جلوس المؤذن بعد أذان المغرب يسيراً

قال رحمه الله تعالى: (ويسن جلوسه بعد أذان المغرب يسيرًا).

لأن المغرب يستحب تعجيلها بأن تُصلى في أول وقت، ولهذا يأتينا في حديث إمامة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل أَمّ النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة المغرب في وقتٍ واحد، يعني في اليوم الأول وفي اليوم الثاني أَمّه عند غروب الشمس، فصلاة المغرب يستحب أن تُعجل، ولهذا قال المؤلف رحمه الله: يسن جلوسه بعد أذان المغرب يسيراً، يعني ما يُقيم مباشرة بعد الأذان، بل يجلس جلسة يسيرة ثم بعد ذلك يقيم.

وعلى هذا نقول: إنه إذا مضت دقائق فإنه يستحب أن يبادر بصلاة المغرب، كما سيأتينا إن شاء الله، وفي حديث رافع بن خديج رضي الله تعالى عنه، أنهم كانوا يصلون المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يخرجون ينتضلون -يعني يضربون بالسهام- فيرون مواقع نبلهم من الإسفار، هذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يبادر بصلاة المغرب.

الأذان والإقامة في الجمع بين الصلاتين أو قضاء الفوائت

قال: (ومن جمع أو قضى فوائت أذن للأولى، ثم أقام لكل فريضة).

إذا جمع بين الظهرين، أو بين العشائين، يؤذن للأولى، ويقيم لكل فريضة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في جمعه في عرفات ومزدلفة، ومثل ذلك أيضاً لو كان عليه فرائض، أذن وأقام لكل فريضة.

ما يستحب عند سماع المؤذن

قال: (ويسن لسامعه متابعته سراً).

يعني: يسن لمن يسمع الأذان أن يتابعه سرًا، ويدل لهذا حديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا كما يقول المؤذن )، رواه البخاري ومسلم.

وهل المتابعة واجبة أو أنها سنة؟

الرأي الأول: المؤلف رحمه الله يرى أنها سنة، وهذا قول جمهور أهل العلم.

والرأي الثاني: رأي الظاهرية والحنفية: أنه يجب عليه أن يتابع المؤذن لظاهر الأمر.

لكن الجمهور يقولون: وجد الصارف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم -كما ثبت في صحيح مسلم - سمع مؤذنًا فلما كبر قال: ( على الفطرة )، فلما تشهد قال: ( خرج من النار )، ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم تابعه.

وقوله: (يسن لسامعه)، يعني: يسن لمن يستمع هذا الأذان، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ولو سمع ثانياً وثالثاً فإنه يجيب. أما إذا سمع بعض الأذان، فإنه يجيب ما سمع، فلو كان مثلاً يمشي بسيارته، وسمع بعض الأذان، ثم بعد ذلك تخطى الأذان، ولم يسمع شيئاً، نقول: يجيب ما سمع فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الأمر بسماع الأذان.

وهل المؤذن يجيب نفسه، أو لا؟

المذهب أن المؤذن يجيب نفسه، لكن الصواب: أن أذان المؤذن كافٍ عن الإجابة، فلا حاجة إلى أن يجيب نفسه.

قال رحمه الله: (وحوقلته في الحيلعة).

يعني إذا قال المؤذن: حي على الصلاة، فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، لورود ذلك في حديث عمر رضي الله تعالى عنه كما في صحيح مسلم .

قال: (وقوله بعد فراغه: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة).

يعني بالتامة الكاملة، السالمة من النقص؛ لأن هذه الدعوة اشتملت على التوحيد، والدعوة إلى هذا الركن العظيم من أركان الإسلام، والصلاة القائمة، يعني التي ستقام.

قال: (آت محمداً الوسيلة والفضيلة).

الوسيلة: اسمٌ لأعلى منزلة في الجنة، والفضيلة: الرتبة الزائدة على سائر الخلائق.

قال: (وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته).

أي: ابعث النبي صلى الله عليه وسلم مقاماً محموداً، يعني المقام الذي يحمده عليه البشر يوم القيامة، والنبي صلى الله عليه وسلم له مقامات كثيرة يُحمد عليها يوم القيامة.

فمن هذه المقامات شفاعته عليه الصلاة والسلام في أهل الموقف أن يُقضى بينهم، وشفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، وغير ذلك.

وهذا الذكر -اللهم رب هذه الدعوة التامة ..إلخ- ثابت، وكذلك استحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله: اللهم صل على محمد أيضاً هذا ثابت، وأما قول: إنك لا تخلف الميعاد فهذه مدرجة غير ثابتة.

كذلك أيضاً من الأذكار أن يقول: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ رسولاً ونبياً.

وهذا الذكر اختلف فيه العلماء رحمهم الله تعالى، هل يقال بعد الشهادتين أو يقال في نهاية الأذان؟ على قولين، وظاهر ما ورد في صحيح مسلم أنه يقال بعد الشهادتين، فإذا أجاب في الشهادتين فإنه يقول: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ رسولاً ونبياً.

شروط الصلاة

قال رحمه الله تعالى: (باب شروط الصلاة).

الشرط عرفه الأصوليون بأنه: ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجودٌ ولا عدمٌ لذاته.

قال رحمه الله: (شروطها قبلها منها الوقت).

لما تكلم المؤلف رحمه تعالى عن الأذان والإقامة وأحكامهما، وأن الأذان إعلامٌ بدخول وقت الصلاة، شرع في بيان شروط الصلاة، وابتدأ بما يتعلق بوقتها.

قال رحمه الله: (شروطها قبلها ).

هذا فرقٌ بين شرط الصلاة وركن الصلاة، وهو أن شروط الصلاة تكون قبل الصلاة، وأما أركان الصلاة فإنها تكون في نفس الصلاة.

الفرق الثاني: أن أركان الصلاة ينتقل فيها من ركنٍ إلى ركن، وأما شروط الصلاة فإنه يستصحبها إلى نهاية الصلاة، فمثلاً الوقت إلى نهاية الصلاة، النية إلى نهاية الصلاة، الطهارة من الحدث إلى نهاية الصلاة، الطهارة من النجاسة إلى نهاية الصلاة... إلخ.

دخول الوقت

قال: (منها الوقت).

يعني من شروط الصلاة الوقت، والأحسن أن يقول المؤلف رحمه الله: دخول الوقت؛ لأن ظاهر كلامه في قوله: ( منها الوقت ) أن الصلاة لا تصح إلا في الوقت، وهذا فيه نظر، الصلاة تصح في الوقت، وتصح بعد الوقت، ( من نام عن صلاةٍ، أو نسيها فليصلها إذا ذكرها )، بخلاف الجمعة نقول: من شروط صحة الجمعة الوقت؛ لأن الجمعة لا تصح خارج الوقت، ومنها كذلك: الإسلام، والعقل، والتمييز كما سلف، هذه كلها شروط لصحة الصلاة.

الطهارة من الحدث والنجس

قال رحمه الله: (والطهارة من الحدث).

الطهارة من الحدث شرط لحديث أبي هريرة رضي الله عنه تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )، والإجماع قائم على هذا، وتقدم أدلة كثيرة في ذلك.

قال: (والنجس).

الطهارة من النجاسة، وسيأتينا إن شاء الله ما يتعلق بالطهارة من النجاسة وسيذكر لها المؤلف رحمه الله شرطاً مستقلاً، أما رفع الحدث فهذا تقدمت لنا أحكامه في الوضوء، وفي الغُسل، وفي التيمم... إلخ.

مواقيت الصلوات

شرع المؤلف -رحمه الله- بعد ذلك في بيان مواقيت الصلاة.

والمؤلف رحمه الله ابتدأ بالوقت؛ لأن الوقت هو أعظم شروط الصلاة، كما قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103].

وقال سبحانه وتعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78].

ولهذا ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن شروط الصلاة تترك من أجل الوقت، بل أركان الصلاة تترك من أجل الوقت، فلو كان الإنسان ليس عنده ماء يتوضأ به، وليس عنده صعيدٌ يتيمم عليه صلى على حسب حاله في الوقت، ولو كان بعد الوقت سيجد الماء أو يجد الصعيد.

كذلك لو كان عارياً صلى على حسب حاله في الوقت ولو كان بعد الوقت سيجد الثوب.

أيضاً لو كان لا يستطيع القيام، ولا الركوع، ولا السجود صلى على حسب حاله بالإيماء، ولا تؤخر الصلاة عن وقتها، ولهذا جاء في حديث جابر بن سمرة في الذي يؤخر الصلاة عن وقتها، أنه يثلغ رأسه بالحجر، يعني كما تثاقل رأسه عن هذه الفريضة ثلغ رأسه بالحجر؛ لأن الجزاء من جنس العمل.

وقت صلاة الظهر

ابتدأ المؤلف رحمه الله بوقت الظهر، لقول الله عز وجل: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ [الإسراء:78]، وأيضاً لما جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، ومن العلماء من يبدأ بوقت صلاة الفجر؛ لأن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر فيناسب أن يبدأ بصلاة الفجر، والأمر في هذا سهل.

قال: (فوقت الظهر من الزوال).

هذا بالإجماع، أن وقت صلاة الظهر يدخل بزوال الشمس، إذا طلعت الشمس من المشرق فإن كل شاخصٍ يكون له ظل إلى جهة المغرب، والشمس لا تزال تسير من المشرق إلى المغرب، وكلما سارت الشمس إلى جهة المغرب فإن هذا الظل يتقاصر.

فإذا توسطت الشمس في كبد السماء توقف هذا الظل عن النقصان، وإذا توقف الظل عن النقصان تضع علامة، هذا يسمى عند العلماء بوقت النهي أو وقت الاستواء، وهذا الظل الذي تحت الشاخص يسميه العلماء بفيء الزوال.

ولهذا قال: وقت الظهر إذا صار ظل الشيء كطوله سوى فيء الزوال، يعني هذا الفيء عندما توسطت الشمس في كبد السماء وتوقف الظل عن النقصان يسمى فيء الزوال، ضع عنده علامة، والآن إذا توقف عن النقصان دخل وقت النهي، إذا زاد الظل خرج وقت النهي، ودخل وقت الظهر، ووقت النهي تقريباً عشر دقائق.

فإذا انتقلت الشمس إلى جهة المغرب، وبدأ الظل يزيد مرةً أخرى إلى جهة المشرق ولو أدنى زيادة دخل وقت الظهر، وخرج وقت النهي، فمثلاً إذا كان هذا الشاخص طوله متران فأنت تحسب من بداية الزيادة، أما الفيء فلا يُحسب، إذا صار هذا الظل طوله متران كطول الشاخص خرج وقت الظهر، ودخل وقت العصر، ولهذا يقول العلماء رحمهم الله: وقت الظهر إذا كان ظل الرجل كطوله سوى فيء الزوال، يعني الفيء الذي زالت عليه الشمس لا نحسبه، بل تضع علامة إذا تناهى النقصان، ثم بعد ذلك إذا بدأ بالزيادة مرةً أخرى إلى جهة المشرق نعرف أن وقت النهي قد خرج، وأن وقت الظهر قد دخل.

قال رحمه الله: (إلى مساواة الشيء فيئه بعد فيء الزوال).

يعني: فيء الزوال لا تحسبه، فإذا ساوى الظل هذا الشاخص عرفنا أن وقت الظهر قد خرج، ودخل وقت العصر.

لكن ما الدليل على أنه يدخل وقت الظهر بزوال الشمس؟

الدليل على ذلك قول الله عزّ وجل: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْل [الإسراء:78]، أي: زوال الشمس.

وأيضاً حديث عبد الله بن عمرو ، وهو من أحسن أحاديث المواقيت، فهو حديث قولي جامع، قاله النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، وخرجه مسلم في صحيحه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله، ما لم يحضر وقت العصر ).

ومتى ينتهي وقت الظهر؟

نقول: ينتهي وقت الظهر إذا صار ظل الشيء كطوله سوى فيء الزوال، والحنفية يقولون: بأن وقت الظهر يمتد إلى أن يصير ظل الشيء كمثليه.

يعني: الحنابلة يقولون: إذا صار ظل الشيء كمثليه خرج وقت العصر الاختياري، والحنفية يقولون: دخل وقت العصر.

والصواب في ذلك: ما دل له حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما، وهو أن صلاة الظهر إلى أن يصير ظل كل شيء مثله سوى فيء الزوال.

ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله أنه ليس هناك وقتٌ مشترك، خلافاً لما ذهب إليه الإمام مالك، فالإمام مالك يقول: إذا صار ظل كل شيءٍ مثله كان هناك وقتٌ مشترك بين الظهر والعصر قدر أربع ركعات، فالحنابلة يقولون: خرج وقت الظهر، والإمام مالك يقول: دخل وقت العصر ووقت الظهر.

تعجيل صلاة الظهر والإبراد بها

قال: (وتعجيلها أفضل).

لما بين المؤلف رحمه الله، وقت الأداء بين وقت الاستحباب قال: (تعجيلها أفضل)، أي أن السنة أن تُعجل، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الأولى -الظهر- في الهجير، وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم )، هذا يدل على أنها تُفعل في وقتها إلا في حال الحر فإنه يبرد بها.

قال: (إلا في شدة حر).

يقول المؤلف رحمه الله: السنة أن تُفعل في أول الوقت إلا مع شدة الحر، فإذا كان هناك شدة حر فالسنة أن تؤخر الظهر إلى قرب العصر، فمثلاً العصر يؤذن لها في الساعة الثالثة والنصف فيؤخر الظهر إلى الساعة الثالثة وعشر دقائق، بحيث أنه لا يكون هناك فاصل بين الانتهاء من صلاة الظهر ودخول وقت العصر، لحديث أبي ذر : ( أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأراد المؤذن أن يؤذن، فقال: أبرد، ثم أراد أن يؤذن فقال: أبرد، قال: حتى رأينا فيء التلول ) يعني: ساوى التل الظل إلا فيء الزوال، يعني: مع فيء الزوال، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الظهر إلى قرب العصر.

قال: (ولو صلى وحده).

يقول المؤلف: ولو صلى وحده، يعني يستحب له أن يُبرد حتى لو صلى وحده، لو كان في مزرعة، أو كان في سفر، يستحب له أن يبرد، والمرأة أيضاً في بيتها يستحب لها أن تبرد.. إلخ.

وهذا الكلام من المؤلف رحمه الله لينبه إلى ما ذهب إليه الشافعية من أن الإبراد إنما هو لمساجد الجماعات يعني: أن من يصلون جماعةً في المساجد هم الذين يُبردون، فهم يقولون: يشترط أن تكون الصلاة في جماعة، وأن يأتيها الناس من مكان بعيد، وأن تكون في بلاد حارة، ثلاثة شروط، لكن المؤلف رحمه الله يقول: يستحب الإبراد ولو صلى وحده، وهذا هو الصواب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإن شدة الحر من فيح جهنم )، وهذا لا فرق فيه بين الجماعة والواحد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح زاد المستقنع - كتاب الصلاة [3] للشيخ : خالد بن علي المشيقح

https://audio.islamweb.net