إسلام ويب

يجزئ من كان به حدث أصغر وأكبر أن يغتسل بنية رفع الحدثين، وتأخير الغسل من الحدث الأكبر جائز ويندب معه الوضوء للأكل والنوم ومعاودة الوطء، فإن لم يجد الماء تيمم. والتيمم مشروع عند انعدام الماء، أو الزيادة على ثمنه، أو العجز عن استعماله، وتصح نية رفع أحداث مت

صور النية في رفع الحدث

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فإن أسبغ بأقل أو نوى بغسله الحدثين أجزأه، ويسن لجنب غسل فرجه والوضوء لأكل ونوم ومعاودة وطء.

باب التيمم:

وهو بدل طهارة الماء، إذا دخل وقت فريضة أو أبيحت نافلة وعدم الماء، أو زاد على ثمنه كثيراً أو ثمن يعجزه، أو خاف باستعماله، أو طلبه ضرر بدنه، أو رفيقه، أو حرمته، أو ماله بعطش أو مرض أو هلاك ونحوه شرع التيمم، ومن وجد ماء يكفي بعض طهره تيمم بعد استعماله، ومن جرح تيمم له وغسل الباقي، وبجب طلب الماء في رحله وقربه وبدلاله، فإن نسي قدرته عليه وتيمم أعاد، وإن نوى بتيممه أحداثاً أو نجاسةً على بدنه تضره إزالتها، أو عدم ما يزيلها، أو خاف برداً، أو حبس في مصر فتيمم، أو عدم الماء والتراب صلى ولم يعد].

تقدم ما يتعلق بموجبات الغسل، وذكرنا أن من هذه الموجبات: خروج المني، وذكرنا أن خروج المني ينقسم إلى قسمين: إما أن يكون في حال اليقظة، وإما أن يكون في حال النوم، وذكرنا تفصيل كل حالة من هذه الحالات، وكذلك من موجباته: الجماع، وخروج دم الحيض، وخروج دم النفاس، وكذلك الموت، وهل من موجباته انتقال الماء أو ليس من موجباته؟ تقدم الكلام على ذلك.

ثم بعد ذلك تكلم المؤلف رحمه الله تعالى عن صفة الغسل وكيفيته، وأن الغسل له صفتان:

الصفة الأولى: صفة كاملة.

والصفة الثانية: صفة مجزئة.

وتكلمنا عن كل من الصفتين.

قال رحمه الله: (أو نوى بغسله الحدثين أجزأه).

من صور النية في الغسل هذه الصورة التي ذكرها المؤلف رحمه الله وهي الصورة الأولى: أن ينوي بغسله الحدثين، يعني: اغتسل وهو ينوي رفع الحدث الأكبر والحدث الأصغر، فيقول المؤلف رحمه الله تعالى: يجزئه؛ لحديث عمر رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ).

الصورة الثانية: أن ينوي رفع الحدث ويطلق، يعني: لا يقيده بالحدث الأكبر، ولا يقيده بالحدث الأصغر، وإنما نوى رفع الحدث، فنقول: إذا نوى رفع الحدث وأطلق فإنه يرتفع حدثاه، يعني: نوى رفع الحدث الذي عليه وأطلق ثم بعد ذلك اغتسل فنقول: يرتفع الحدث الأصغر ويرتفع الحدث الأكبر.

الصورة الثالثة: أن ينوي بغسله استباحة شيء لا يباح إلا بالغسل، أو لا يباح إلا بالوضوء والغسل، وهذا مثل: الصلاة، ومثل: مس المصحف، فإذا نوى أمراً تشترط له الطهارة فنقول: يرتفع حدثاه.

الصورة الرابعة: أن ينوي رفع الحدث الأكبر، فظاهر كلام المؤلف رحمه الله تعالى أنه إذا نوى رفع الحدث الأكبر فإنه لا يرتفع الحدث الأصغر، يعني: يبقى عليه الوضوء.

والصواب في هذه المسألة: أنه إذا نوى رفع الحدث الأكبر فإنه يرتفع الحدث الأصغر، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وابن القيم ، والشيخ السعدي ، ويدل لذلك قول الله عز وجل: وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة:6]، وحديث عمران الثابت في الصحيح في قصة الرجل الذي أصابته جنابة واعتزل الصلاة، فلما حضر الماء قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( خذ هذا فأفرغه عليك ).

وتقدم لنا أيضاً من صور النية أنه إذا نوى غسلاً واجباً فإنه يجزئ عن مسنون، وإذا نوى غسلاً مسنوناً فإنه يجزئ عن واجب، فتكون الصور خمس صور.

المواضع التي يستحب فيها الوضوء لمن حدثه أكبر

عند الأكل

قال رحمه الله تعالى: (ويسن لجنب غسل فرجه والوضوء لأكل).

يستحب للجنب وكذلك للمرأة إذا انقطع عنها دم الحيض أو دم النفاس، قبل أن يغتسل، إذا أراد أن يأكل أو يشرب أن يغسل فرجه، وأن يتوضأ وضوءه للصلاة، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها ( رخص النبي صلى الله عليه وسلم للجنب إذا أراد أن يأكل أو أن يشرب أن يتوضأ وضوءه للصلاة )، رواه الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وإسناده صحيح، ولو فعل ذلك فلا يقال بالكراهة لكنه ترك الاستحباب، يعني: لو أكل أو شرب وهو جنب ولم يتوضأ فنقول: فعله هذا لا كراهة فيه.

عند النوم

قال رحمه الله: (ونوم).

أي: يستحب إذا أراد أن ينام أن يغسل فرجه، ويتوضأ وضوءه للصلاة، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وغسل فرجه أو غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة ) خرجاه في الصحيحين.

وقد ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أنه يكره أن ينام على جنابة ولم يتوضأ، وإذا اغتسل فهو أفضل، ويدل لذلك حديث عمر رضي الله تعالى عنه ( أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم إذا توضأ )، وهذا اختيار شيخ الإسلام، يعني: الجنب يكره له أن يترك الوضوء للنوم، أما إن أراد أن يأكل أو يشرب فهذا لا كراهة، وإنما ترك الأفضلية.

عند معاودة الوطء

قال رحمه الله: (ومعاودة وطء).

يعني: إذا أراد أن يجامع مرةً أخرى فإنه يستحب له أن يغسل فرجه، وأن يتوضأ وضوءه للصلاة، ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءاً ). رواه مسلم ، ولو أنه ترك ذلك فإنه لا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل ذلك فقال: ( فإنه أنشط للعود )، يعني: هذا يدل على الاستحباب، فكونه يتوضأ بينهما وضوءاً هذا أنشط للجماع مرةً أخرى، وأيضاً النبي صلى الله عليه وسلم جامع نساءه بغسل واحد، ولم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بين كل جماعين، فهذا مستحب ولو تركه لم يقع في الكراهة، لكن يقع في الكراهة فيما يتعلق بالنوم؛ ولأن النائم يستحب له أن ينام على طهارة، وأن يقرأ بعض الآيات التي تشرع عند النوم.

التيمم

تعريف التيمم ومشروعيته

قال رحمه الله تعالى: (باب التيمم).

مناسبة هذا الباب لما قبله أن المؤلف رحمه الله تعالى لما ذكر الطهارة الأصلية وهي رفع الحدث الأصغر أو الأكبر بالماء ذكر الطهارة البدنية، وهي رفع الحدث الأصغر أو الأكبر بالتراب أو نقول: بالصعيد الطيب.

والتيمم في اللغة: القصد، وأما في الاصطلاح: فهو التعبد لله سبحانه وتعالى بمسح الوجه والكفين بالصعيد على وجه مخصوص.

والتيمم دل له القرآن والسنة وإجماع المسلمين؛ لقول الله عز وجل: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [النساء:43].

وأما السنة فكما في حديث جابر وحديث عمار والأحاديث في ذلك كثيرة، والإجماع منعقد على ذلك.

التيمم من خصائص أمة محمد صلى الله عليه وسلم

والتيمم من خصائص هذه الأمة، يعني ما يتعلق بالطهارة الأصلية، الطهارة بالماء: الوضوء والغسل هذا ليس من خصائص هذه الأمة، لكن الذي هو من خصائص هذه الأمة هو التيمم، وكذلك أيضاً التحجيل من خصائص هذه الأمة كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء )، والغرة: هي البياض الذي يكون في وجه الفرس، والتحجيل: هو البياض الذي يكون في يديه ورجليه، فشبه النبي صلى الله عليه وسلم النور الذي يكون للمتوضئ يوم القيامة؛ يكون في وجهه ويكون في يديه وفي رجليه، بالبياض الذي يكون في وجه الفرس وفي رجليه وفي يديه.

والخلاصة: أن من خصائص هذه الأمة التيمم لحديث جابر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، وذكر منها: وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً ).

وكذلك التحجيل كما في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في صحيح مسلم : ( ليست لأحد غيركم ) يعني: الغرة والتحجيل، فهذا الذي من خصائص هذه الأمة، أما ما عدا ذلك من الوضوء والغسل فليس من خصائص هذه الأمة.

قيام التيمم مقام الماء

قال رحمه الله تعالى: (وهو بدل طهارة الماء إذا دخل وقت الفريضة).

يقول لك المؤلف رحمه الله: التيمم بدل عن طهارة الماء، لكن هذا البدل هل له حكم المبدل في كل شيء أو نقول: بأن هذا البدل ليس له حكم المبدل في كل شيء؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم رحمهم الله، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله وقول مالك والشافعي: أن التيمم لا يأخذ حكم الماء في كل شيء؛ لأنهم يرونه طهارة ضرورة، فهم يقولون: التيمم مبيح وليس رافعاً.

والرأي الثاني: رأي أبي حنيفة رحمه الله: أن التيمم رافع للحدث كالماء.

ولكل منهم دليل؛ فمن أدلة الجمهور الذين قالوا: التيمم مبيح وليس رافعاً حديث أبي ذر وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الصعيد الطيب وضوء المسلم، وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجده فليتق الله وليمسه بشرته )، قالوا: هذا دليل على أنه مبيح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( فليتق الله وليمسه بشرته )، ولو كان رافعاً كالماء تماماً ما احتيج إلى أن يتوضأ إذا وجد الماء.

وكذلك استدلوا بحديث عمرو بن العاص وفيه: أنه تيمم وقد أصابته جنابة في شدة برد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( صليت بأصحابك وأنت جنب )، فسماه جنباً، فهذا يدل على أن التيمم مبيح.

والذين قالوا: بأنه رافع كالماء تماماً استدلوا بأن الله سبحانه وتعالى سماه مطهراً فقال: وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ [المائدة:6]، وقال صلى الله عليه وسلم: ( الصعيد الطيب وضوء المسلم) -وفي رواية-: (طهور المسلم).

وأما حديث أبي ذر : ( فليتق الله وليمسه بشرته ) فنقول: هو رافع لكن رفعه رفع مؤقت، يعني: هو يرفع الحدث إلى أن يوجد الماء، فهو يرفع لكن هذا الرفع رفع مؤقت، فإذا وجد الماء بطل، وهذا هو الفرق بين التيمم وبين الماء، فالماء يرفع الحدث رفعاً مطلقاً إلى أن يوجد ناقض من نواقض الوضوء أو موجب من موجبات الغسل، أما بالنسبة للتيمم أو طهارة التراب فإنها ترفع الحدث رفعاً مؤقتاً إلى أن يوجد الماء أو أن يقدر على استعماله، أو أن يوجد ناقض من نواقض الطهارة، أو موجب من موجبات الغسل.

الأوقات التي يشرع فيها التيمم

قال رحمه الله: (إذا دخل وقت فريضة).

هذه من المسائل التي تترتب على الخلاف بين الحنفية والجمهور فإذا قلنا بأنه مبيح فإنه ليس له أن يتيمم حتى يدخل وقت الفريضة، وعلى هذا؛ لو أنه لم يجد الماء بعد المغرب فلا يتيمم لصلاة العشاء حتى يدخل وقت صلاة العشاء، فيغيب الشفق الأحمر، ولو تيمم قبل دخول وقت صلاة العشاء فإن تيممه غير صحيح.

قال رحمه الله: (أو أبيحت نافلة).

يعني: لو أراد أن يصلي ركعتين تطوعاً لله عز وجل، وتيمم بعد العصر وقال: أنا أتيمم بعد العصر فإذا خرج وقت النهي وغربت الشمس صليت لله عز وجل تطوعاً ركعتين، فنقول: هذا التيمم غير صحيح؛ لأنه ما دخل وقت هذه النافلة حتى الآن، ولا يدخل وقت هذه النافلة حتى يخرج وقت النهي، فيقول لك المؤلف رحمه الله: لا بد من دخول وقت الفريضة أو أن تباح النافلة، يعني: إذا تيممت في وقت ينهى فيه عن هذه النافلة فإن هذا التيمم غير صحيح، وهذا مبني على أن التيمم مبيح وليس رافعاً، لكن إذا قلنا: هو رافع فلا حاجة إلى هذا الكلام.

وكذلك أيضاً من المسائل المترتبة على هذا: إذا خرج الوقت هل يبطل التيمم أو لا يبطل؟ فإذا قلنا بأنه مبيح وخرج وقت المغرب بطل التيمم، يعني: إذا تيممنا لصلاة المغرب وبعد غروب الشمس غاب الشفق الأحمر وخرج وقت صلاة المغرب، ونريد أن نصلي العشاء فلا بد أن نعيد التيمم مرةً أخرى، لكن إذا قلنا بأنه رافع فلا حاجة إلى إعادة التيمم مرةً أخرى.

وكذلك أيضاً من المسائل إذا قلنا بأنه مبيح فلا بد أن نعين ما يتيمم له من العبادات، هل يتيمم لفرض أم يتيمم لنافلة؟ وهذا سيأتينا إن شاء الله، فإذا تيممت لفريضة فيجوز أن تستبيح به هذه الفريضة، ومثلها ودونها، وإذا تيممت لعبادة أقل من الفريضة فإنك لا تستبيح به ما كان أعلى من هذه العبادة، فإذا تيممت لنافلة فلا تستبح بهذا التيمم فريضة؛ ولهذا يرتبون العبادات فيجعلون فرض العين ثم بعده فرض الكفاية.

الصور التي يشرع لها التيمم

عدم وجود الماء

قال رحمه الله: (وعدم الماء).

يعني: التيمم يشرع في صور:

الصورة الأولى: عند عدم الماء بأن لا يجد الماء في رحله وما كان قريباً منه عرفاً، يعني: في متاعه وما حوله، فالماء عند كيلو متراً أو كيلوين قريب عرفاً ولا بد أن تقصده، لكن لو كان الماء على بعد خمسة عشر كيلو متراً فهو معدوم ولك أن تتيمم، فنقول: الضابط في كونك عادماً للماء: ألا يوجد في رحلك؛ في متاعك وما حولك، وما كان قريباً منك عرفاً، فإن كان قريباً منك عرفاً فلا بد أن تقصده، وهذا يختلف باختلاف حال الإنسان، فمثلاً: قد يكون معه سيارة فكيلو أو كيلوين قريب منه، لكن قد لا يكون معه سيارة فيصير الكيلو والكيلوين بعيداً، وقد يكون كبيراً في السن فالكيلو بعيد عليه، وقد تكون امرأة ما تستطيع أن تمشي، فنقول: هذا راجع إلى العرف، والعرف يختلف باختلاف الأحوال، ويختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة، فالمرأة قد لا تمشي في الصحراء كيلو، كيلوين فنقول: في مكانها تتيمم، حتى لو كان قريباً منها على بعد كيلو، كيلوين لكنها تخاف على نفسها فنقول: تتيمم في مكانها، لكن الرجل قد يستطيع أن يمشي، والمريض والكبير قد لا يستطيع أن يمشي، لكن الشاب يستطيع أن يمشي، المهم إذا كان قريباً عرفاً، وهذا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فيجب عليك أن تذهب، ولو كان بعيداً فلا يجب عليك أن تذهب.

زيادة ثمن الماء

قال رحمه الله: (أو زاد على ثمنه كثيراً).

هذه الصورة الثانية للتيمم: إذا زاد على الثمن، والزيادة على الثمن كما قال المؤلف رحمه الله: كثيراً، يعني: زاد على الثمن زيادة كثيرة، ويؤخذ من هذا أن الزيادة إذا كانت يسيرة فيشتري؛ لأن التطهر واجب، فمثلاً: اللتر بريال وزاد عن ثمنه نصف ريال أو أصبح بريالين فهذه الزيادة يسيرة، لكن قد يكون بخمسة ريالات.. بعشرة ريالات، فهذه زيادة كثيرة، المهم إذا زاد على ثمنه زيادة كثيرة عرفاً، فنقول: هذا له أن يتيمم، والضابط في ذلك أن هذه الزيادة راجعة للعرف؛ لأن الشارع ما حده، وعندنا قاعدة: أن ما جاء مطلقاً على لسان الشارع ولم يحده نرجع في تحديده إلى العرف.

قال رحمه الله: (أو ثمن يعجزه).

يعني: ثمن يعجز عنه، فقد يكون فقيراً وهذا الثمن يعجز عنه، أو أنه يحتاج إلى هذا الثمن لكي يشتري ماءً يشربه، أو يحتاج إلى هذا الثمن لكي يشتري طعاماً يأكله ونحو ذلك، فنقول هنا: لا يجب عليه أن يشتري، وهذه الصورة الثالثة.

الخوف من استعماله بتلف أو نحوه

قال رحمه الله: (أو خاف باستعماله).

وهذه الصورة الرابعة: إذا استعمل هذا الماء لحقه ضرر، إما أن يمرض، أو يتأخر برؤه، أو يلحقه قبح في جلده بأن يبقى أثر شين في جلده فنقول هنا: له أن يتيمم.

قال رحمه الله: (أو طلبه).

هذه الصورة الخامسة: لو ذهب يطلب الماء إذا كان قريباً عرفاً، لكن خشي بطلبه ضرراً كالمرأة أو الرجل يخشى العدو، أو السبع فله أن يتيمم.

قال رحمه الله: (ضرر بدنه، أو رفيقه، أو حرمته، أو ماله، بعطش أو مرض أو هلاك ونحوه).

فتلخص أن الصور التي يشرع فيها التيمم وهي:

الصورة الأولى: عدم الماء.

الصورة الثانية: زاد على ثمنه كثيراً.

الصورة الثالثة: زاد على ثمن يعجز عنه.

الصورة الرابعة: إذا خاف باستعماله ضرراً.

الصورة الخامسة: إذا خاف بطلبه ضرر رفيق، فلو كان معه رفيق فإن ذهب يأتي بالماء جاء سبع واعتدى عليه أو جاء عدو، أو ضرر ماله فلو ذهب لكي يتوضأ بالماء جاء أحد وسرق المال أو أخذ من الغنم ونحو ذلك، أو ضرر حرمته بأن يخشى على أهله فنقول هنا: له أن يتيمم، فهذه خمس صور، ويمكن أن نجمل هذه الصور فنقول: يشرع التيمم في حالتين:

الحالة الأولى: إذا عدم استعمال الماء؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً [المائدة:6] .

الحالة الثانية: إذا كان يلحقه في استعمال الماء ضرر أو مشقة ظاهرة وحرج؛ لأن الله سبحانه وتعالى لما ذكر رفع الحرج دل ذلك على أنه إذا كان في استعمال الماء حرج يصار إلى التيمم.

قال رحمه الله: (شرع التيمم).

يعني: وجب لما يجب له من الوضوء أو الغسل، وسنة لما يسن له من الوضوء أو الغسل.

التيمم مع وجود ماء يكفي لبعض الأعضاء

قال رحمه الله: (ومن وجد ماء يكفي بعض طهره تيمم بعد استعماله).

لقول الله عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وفي الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ).

فإذا وجد ماءً فنقول: استعمل هذا الماء، فإن كان يكفي للمضمضة والاستنشاق، وغسل الوجه واليدين، فنقول: تمضمض واستنشق واغسل وجهك ويديك، والباقي يتيمم عنه.

قال رحمه الله: (ومن جرح تيمم له وغسل الباقي).

إذا أصاب الإنسان جرح فلا يخلو الأمر من حالتين:

الحالة الأولى: أن يكون الجرح في جميع أعضاء الوضوء، كما يوجد عند بعض الناس من يصاب بحساسية في كل بدنه، المهم أن يكون الجرح في جميع أعضاء الوضوء، ولا يتمكن من الغسل ولا المسح فنقول: يتيمم.

الحالة الثانية: أن يكون الجرح في بعض أعضاء الوضوء، ولنفرض أن الجرح في اليد اليسرى فنقول: تتمضمض وتستنشق وتغسل وجهك، وتغسل يدك اليمنى، والصحيح من اليد اليسرى تغسله كذلك، وأما الجرح فإن استطعت أن تغسله فاغسله، وإن كنت لا تستطيع فانتقل للمسح، فإن لم تستطع فانتقل للتيمم.

ولكن متى يتيمم؟ وهل يجب فيه الموالاة؟ وهل يجب الترتيب؟

هذا موضع خلاف، والصواب: أن هذا لا يجب، فنقول: يتيمم بعد نهاية الوضوء، أو بعد نهاية الغسل، ولا تجب الموالاة بين التيمم وبين طهارة الماء، فلو أن الإنسان فيه جرح ولم يتمكن من غسله، ولم يتمكن من مسحه نقول: تيمم عنه بعد الوضوء مباشرة، أو بعد الوضوء بنصف ساعة أو بساعة، ولا تشترط الموالاة بين طهارة التيمم وطهارة الماء، كما أنه لا يشترط الترتيب، فالموالاة ليست شرطاً، والترتيب ليس شرطاً على الصحيح؛ لأن كلاً منهما عبادة مستقلة، مثله لو كان عليه غسل وأصابه جرح في فخذه أو في ساقه أو في بطنه، فإننا نقول: اغسل الصحيح فتغسل رأسك، وتغسل وجهك، وتغسل بدنك، وأما الجرح فإن استطعت أن تغسله وليس عليه لفافة فاغسله، وإن كنت لا تستطيع فاجعل عليه لفافة وامسح، وإن كنت لا تستطيع أن تمسحه فتيمم، المهم أن الصحيح يجب عليك أن تغسله، وأما الجرح الذي لا تتمكن من غسله ولا مسحه فإنك تتيمم له.

وجوب طلب الماء قبل التيمم

قال رحمه الله: (ويجب طلب الماء في رحله وقربه).

الدليل على ذلك قول الله عز وجل: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً [النساء:43] ، ولا ينفى عدم الوجوب إلا بعد الطلب.

قال رحمه الله: (وقربه) المرجع في ذلك إلى العرف، فالقريب عرفاً يجب عليك أن تبحث فيه الماء، يعني: يجب عليك أنك تبحث الماء في رحلك وفي متاعك، وكذلك يجب عليك أن تبحث عن هذا الماء فيما يقاربك عرفاً، وقد تكلمنا على هذه المسألة فقلنا: يختلف ذلك باختلاف الزمان والمكان والأحوال.

قال رحم الله: (وبدلالة).

يعني: بدلالة ثقة، فإذا دلك وأخبرك مخبر فقال لك: الماء في الشمال أو في الجنوب أو في المكان الفلاني، فنقول: إذا كان قريباً عرفاً فيجب أن تذهب، أما إن كان بعيداً عرفاً فإنه لا يجب عليك أن تذهب، وكما تقدم تذهب بشرط أن لا يلحقك ضرر، فلو أن الإنسان يخشى ضرراً على بدنه، أو على ماله، أو على حرمته، أو على رفقته فلا يجب عليه.

نسيان القدرة على استعمال الماء

قال رحمه الله: (فإن نسي قدرته عليه وتيمم أعاد).

يعني: نسي أن الماء موجود عنده في البيت، أو في الخزان، أو في المكان الفلاني وتيمم وصلى فنقول: يعيد؛ لأن باب الأوامر لا يعذر فيه بالنسيان؛ لأن الأوامر متعلقها المصلحة، والمصلحة تستدرك متى أمكن الاستدراك، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم )، فما دام أنه يستطيع الإعادة فإنه يعيد، وليس هذا من الحكم التكليفي، فلا يأثم لكونه صلى بلا وضوء لكنه يعيد.

صور النية في التيمم

قال رحمه الله: (وإن نوى بتيممه أحداثاً).

هنا ذكر المؤلف رحمه الله صور النية في التيمم:

الصورة الأولى: نوى بتيممه أحداثاً توجب وضوءاً كرجل خرج منه خارج وأكل لحم جزور ونام، ثم بعد ذلك تيمم وهو ينوي بهذا التيمم أنه عن الخارج، وعن النوم، وعن أكل لحم الجزور، فنقول: يجزئ عن كل هذه الأحداث، أو نوى بتيممه أحداثاً توجب غسلاً، كرجل حصل منه خروج للمني، وحصل منه جماع، وحصل منه احتلام، وأسلم، ثم بعد ذلك نوى بتيممه هذه الموجبات للغسل، فنقول: يكفي تيمم واحد.

الصورة الثانية: أن ينوي بتيممه رفع الحدثين، فلو حصل له ما يوجب طهارة الحدث الأصغر وما يوجب طهارة الحدث الأكبر، ونوى بتيممه هذين الحدثين فنقول: يجزئ، كرجل أكل لحم جزور وحصل منه احتلام، ونوى بتيممه هذين الحدثين.

الصورة الثالثة: أن ينوي بتيممه الحدث الأكبر وفيه حدث أصغر، فهل يرتفع الحدث الأصغر أو لا يرتفع؟ المذهب أنه لا يرتفع الحدث الأصغر، يعني: لا بد أن ينوي رفع الحدثين، أما لو نوى الحدث الأكبر فإنه لا يرتفع الحدث الأصغر، فلا بد أن يتيمم مرةً أخرى.

والصواب في هذه المسألة: أن الحدث الأصغر يرتفع.

الصورة الرابعة: أن ينوي الحدث ويطلق فنقول: يرتفع الحدث الأصغر، والأكبر.

قال رحمه الله: (أو نجاسةً على بدنه تضره إزالتها، أو عدم ما يزيلها).

هذه هي الصورة الخامسة: نوى بتيممه نجاسةً على بدنه تضره إزالتها، يعني: على بدنه نجاسة ولو جاء بالتراب وجعل يزيلها حصل له ضرر، أو جاء بمناديل وجعل يزيلها حصل له ضرر، فيقول المؤلف رحمه الله: إذا تيمم فإنه يجزئه، (أو عدم ما يزيلها)، يعني: ليس عنده شيء يزيل به هذه النجاسة، فإذا تيمم فإنه يجزئه، ويؤخذ من كلام المؤلف رحمه الله تعالى أن النجاسة على البدن يتيمم عنها، وهذا من مفردات الحنابلة.

والرأي الثاني رأي الجمهور: أن النجاسة على البدن لا يتيمم عليها؛ لأن التيمم جاء عن الحدث، ولم يرد عن النجاسة، والتيمم طهارته طهارة معنوية وليست طهارة حسية؛ وعلى هذا إذا كان على بدن الإنسان نجاسة فإن تمكن أن يزيلها بأي مزيل أزالها، وإن لم يتمكن فيخففها، وإن لم يتمكن من تخفيضها يصلي، ولا يشرع له أن يتيمم عن هذه النجاسة.

وقول المؤلف رحمه الله تعالى: (على بدنه) يؤخذ منه أن النجاسة على الثوب لا يتيمم عنها، يعني: لو أنه ما تمكن أن يطهر النجاسة التي على ثوبه فلا يتيمم، وكذلك النجاسة التي تكون على البقعة التي يصلي عليها لا يتيمم عنها، وإنما التيمم عن النجاسة التي تكون على البدن إذا لم يتمكن أن يزيلها، أو عدم شيئاً يزيلها به.

قال رحمه الله: (أو خاف برداً).

يعني: لو أنه تيمم يخشى من البرد الذي يؤذيه وقد يصيبه بمرض أو نحو ذلك وليس عنده ماء مسخن قريب منه عرفاً، وليس عنده حطب يسخن به، فإذا خشي البرد فإنه يتيمم في هذه الحالة، وسبق أن ذكرنا ما يتعلق بذلك.

التيمم في الحضر

قال رحمه الله: (أو حبس في مصر فتيمم).

إذا حبس في مصر، نص المؤلف رحمه الله على هذه المسألة؛ لأن بعض العلماء يخالف فيها، ويقول: إذا حبس في مصر فلا يتيمم؛ لأنه واجد للماء، أو أن الماء قريب منه عرفاً، ونقول: صحيح أن الماء قريب منه عرفاً، لكنه ليس حقيقةً، فهو حكماً قريب منه، لكنه حقيقةً بعيد منه ما دام أنه محبوس.

فالصواب في هذه المسألة: ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى وأنه إذا حبس في مصر ولم يجد الماء تيمم، يعني: إذا كان في السجن وانقطع الماء عن أهل السجن وحضرت الصلاة فنقول: يتيممون وصلاتهم صحيحة.

فاقد الطهورين

قال رحمه الله تعالى: (أو عدم الماء والتراب صلى ولم يعد).

يعني: هذا رجل ليس عنده ماء يتوضأ به ولا صعيد يتيمم به، فإنه يصلي على حسب حاله؛ لقول الله عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وهل يصلي الفرض أو حتى النوافل؟ المشهور من المذهب أنه يصلي الفرض، ويأتي في الفرض بقدر المجزئ فقط، يعني: يقرأ الفاتحة ولا يزيد، وفي الركوع تسبيحة الركوع فقط، وفي السجود تسبيحة السجود فقط، والصواب في ذلك أنه يصلي الفرض والنوافل، وكذلك يأتي بالمجزئ من الأركان والواجبات، وكذلك يأتي بالمستحبات، فيصلي كما لو كان واجداً للماء، أو كان واجداً للتراب، وقول المؤلف رحمه الله: (ولم يعد)؛ لأنه أتى بما أُمر به.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح زاد المستقنع - كتاب الطهارة [12] للشيخ : خالد بن علي المشيقح

https://audio.islamweb.net