إسلام ويب

الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان، ومن الإيمان بذلك الإيمان بما يحدث فيه مما ذكره الله ورسوله، ومن ذلك حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد تواترت الأحاديث بذكره وذكر صفاته وآنيته وعظمه طولاً وعرضاً، وأن أناساً من أمة محمد يذادون عنه.

تابع حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

قال مسلم رحمه الله تعالى: [ وحدثنا محمد بن المثنى ، قال: حدثنا وهب -يعني: ابن جرير - قال: حدثنا أبي قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب ، عن مرثد ، عن عقبة بن عامر قال: ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد ) ].

تقدم لنا أن ما جاء في الحديث من صلاته صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد، وأن المراد بذلك هو الدعاء لهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم زارهم ودعا لهم واستغفر لهم، وليس المراد به الصلاة المعروفة على الأموات.

قال: [ثم صعد المنبر]. تقدم ما يتعلق باتخاذ المنبر، وأن اتخاذ المنبر سنة، [كالورع]. يعني: النبي صلى الله عليه وسلم كالمودع للأحياء والأموات، فقال: ( إني فرطكم على الحوض )، تقدم معنا ذلك، ( وإن عرضه ما بين أيلة إلى الجحفة )، تقدم المراد بأيلة، والجحفة معروفة، وهي المدينة التي فيها ميقات أهل الشام، تقدم الكلام على هذا الميقات، والمسافة التي بينه وبين مكة.

قال: ( إني لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي؛ ولكن أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها وتقتتلوا فتهلكوا )، في هذا رأفة النبي صلى الله عليه وسلم وشفقته على أمته، وتحذيره لهم كل ما يضرهم، وفيه أيضاً خوفه عليه الصلاة والسلام على هذه الأمة من الشرك.

وفيه أيضاً خوفه على هذه الأمة من أن تنشغل بالدنيا، وجمع حطامها، وأن تتنافس في ذلك، وأن تقتتل فيحصل هلاك الأبدان بالقتال، وهلاك الدين بالتنافس عن الدنيا وجمعها، والإعراض عما هو الأصلح والأنفع للمسلم في دينه؛ لأن الإنسان إذا اشتغل بالدنيا فإن هذا سيصده عن دينه.

وفيه أن من كان قبلنا هلكوا بهذا السبب، وهو أنهم تنافسوا في الدنيا واشتغلوا فيها، واقتتلوا فهلكوا.

وفي هذا أيضاً توديع النبي صلى الله عليه وسلم للأموات وتوديعه للأحياء.

وفيه هذه الخطبة التي ألقاها النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت خطبة عارضة؛ لأن خطب النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم أنها تنقسم إلى قسمين: خطب راتبة، وخطب عارضة، وهذه يظهر أنها من الخطب العارضة، وفيه أن هذه الخطبة هي من آخر خطب النبي صلى الله عليه وسلم إن لم تكن آخر خطبه، ولهذا قال عقبة : (فكانت آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر)، وفيه الاهتمام بشأن هذه الخطبة؛ لأنها من آخر خطب النبي صلى الله عليه وسلم.

الإحداث في الدين من أسباب عدم ورود الحوض

قال: [وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو كريب ، وابن نمير ، قالوا: حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أنا فرطكم على الحوض، ولأنازعن أقواماً، ثم لأغلبن عليهم فأقول: يا رب أصحابي أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك )].

تقدم ما يتعلق بقوله عليه الصلاة والسلام: ( أنا فرطكم على الحوض )، وقوله: ( ولأنازعن أقواماً ثم لأغلبن عليهم )، هذه تقدم بيانها في الروايات السابقة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليه أقوام ويقتطعون دونه، فيقول: ( يا رب مني ومن أمتي، فيقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك )، فالمراد بذلك ما تقدم من أنه عليه الصلاة والسلام يقتطع دونه رجال، ويقول: ( يا رب مني ومن أمتي، فيقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك، ما زالوا يرجعون على أعقابهم )، وتقدم الكلام على ذلك، وفيه شؤم البدع، وأن البدع والإحداث في الدين سبب من أسباب حرمان الشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: [وحدثناه عثمان بن أبي شيبة ، وإسحاق بن إبراهيم ، عن جرير ، عن الأعمش بهذا الإسناد ولم يذكر: أصحابي أصحابي.

وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ، وإسحاق بن إبراهيم ، كلاهما عن جرير ، ح، وحدثنا ابن المثنى ، قال: حدثنا محمد بن جعفر ، قال: حدثنا شعبة جميعاً عن مغيرة ، عن أبي وائل ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث الأعمش ، وفي حديث شعبة : عن مغيرة سمعت أبا وائل .

وحدثنا سعيد بن عمرو الأشعثي ، قال: أخبرنا عبثر ، ح، وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: حدثنا ابن فضيل كلاهما عن حصين ، عن أبي وائل ، عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث الأعمش ومغيرة .

وحدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال: حدثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن معبد بن خالد ، عن حارثة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( حوضه ما بين صنعاء والمدينة )].

تقدم قوله عليه الصلاة والسلام: ( إن حوضه ما بين أيلة والجحفة )، وهنا في هذا الحديث: ما بين صنعاء والمدينة، وسيأتي أيضاً قوله: ( ما بين جربا وأذرح )، وجربا وأذرح قريتان في الشام، وأيضاً قوله عليه الصلاة والسلام ( طوله شهر وعرضه شهر )، فيؤخذ من هذا أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك هو ضرب المثال، وإلا فإن حوضه عليه الصلاة والسلام حوض عظيم، ويدل على سعته وعظمته أن آنيته كنجوم السماء، ونجوم السماء هذه عددها كثير عظيم، فالمقصود بذلك هو ضرب المثال، وتقريب الصورة للمخاطبين.

ويؤخذ من هذا أيضاً أن المعلم والمرشد والموجه يضرب المثال، وهذا من حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مسلك من مسالك تعليمه عليه الصلاة والسلام.

قال: [ فقال المستورد : ألم تسمعه قال: الأواني؟ قال: لا. فقال المستورد : ترى فيه الآنية مثل الكواكب]، وفيه أيضاً أن آنيته كعدد نجوم السماء، وأنها أمثال الكواكب في البياض واللمعان، وهذا يدل على عظم هذا الحوض.

سعة الحوض وعظم طوله وعرضه

قال: [ وحدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة ، قال: حدثنا حرمي بن عمارة ، قال: حدثنا شعبة ، عن معبد بن خالد ، أنه سمع حارثة بن وهب الخزاعي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وذكر الحوض بمثله، ولم يذكر قول المستورد : وقوله.

وحدثنا أبو الربيع الزهراني ، وأبو كامل الجحدري ، قالا: حدثنا حماد وهو: ابن زيد ، قال: حدثنا أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن أمامكم حوضاً ما بين ناحيته كما بين جربا وأذرح ).

وحدثنا زهير بن حرب ، ومحمد بن المثنى ، وعبيد الله بن سعيد ، قالوا: حدثنا يحيى وهو القطان ، عن عبيد الله ، قال: أخبرني نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أمامكم حوضاً كما بين جربا وأذرح )، وفي رواية ابن المثنى : حوضي]، وجربا وأذرح تقدم أنهما قريتان في الشام.

قال: [وحدثنا ابن نمير ، قال: حدثني أبي، ح، وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: حدثنا محمد بن بشر ، قال: حدثنا عبيد الله بهذا الإسناد مثله، وزاد قال عبيد الله : فسألته فقال: قريتين بالشام بينهما مسيرة ثلاث ليال. وفي حديث ابن بشر : ثلاثة أيام].

وهذا يدل على أن المراد بذلك: هو ضرب المثال، وإلا فإن بين جربا وأذرح كما يقول: مسيرة ثلاث ليال، وقال عليه الصلاة والسلام: ( طوله شهر وعرضه شهر )، ( وما بين أيلة وصنعاء )، هذا شيء كثير، وكذلك ( ما بين أيلة والجحفة )، هذا شيء كثير، ( وما بين صنعاء والمدينة ).

آنية الحوض وكثرتها وبريقها

قال: [ وحدثني سويد بن سعيد ، قال: حدثنا حفص بن ميسرة ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل حديث عبيد الله .

وحدثني حرملة بن يحيى ، قال: حدثنا عبد الله بن وهب ، قال: حدثني عمر بن محمد ، عن نافع ، عن عبد الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أمامكم حوضاً كما بين جربا وأذرح، فيه أباريق كنجوم السماء، من ورده فشرب منه لم يظمأ بعدها أبداً ).

وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وإسحاق بن إبراهيم ، وابن أبي عمر المكي ، واللفظ لـابن أبي شيبة ، قال: إسحاق : أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمي ، عن أبي عمران الجوني ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر ، قال: (قلت: يا رسول الله! ما آنية الحوض؟ قال: والذي نفس محمد بيده! لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها، ألا في الليلة المظلمة المصحية، آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه )].

في هذا كما تقدم عظم هذا الحوض وسعته، وفيه أن هذه الآنية أكثر من نجوم السماء، وقوله: (في الليلة المظلمة المصحية )، لا شك أن نجوم السماء في الليلة المظلمة إذا كانت صحواً تكون أشد بريقاً ولمعاناً وضوءاً، وهكذا صفة هذه الأواني أنها في شدة الضوء والبريق واللمعان كهذه النجوم، قال: (من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه)، وقوله: (ألا)، هذه للاستفتاح، وقوله: (آنية الجنة)، يعني: أن هذه الآنية هي آنية الجنة، ويؤخذ من ذلك أن هذه الآنية التي يشرب فيها على الحوض هي آنية الجنة، والله أعلم.

قال: [( من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه يشخب فيه ميزابان من الجنة )]، يعني: يصب فيه ميزابان من الجنة، قال: [( من شرب منه لم يظمأ، عرضه مثل طوله، ما بين عمان إلى أيلة، ماؤه أشد بياض من اللبن، وأحلى من العسل )]، تقدم الكلام على قوله: (عرضه كطوله)، وأيضاً قوله: (ما بين عمان إلى أيلة).. إلى آخره، وأيضاً صفته، وفيه أن هذا الحوض يصب فيه ميزابان من الجنة.

ذود الناس عن الحوض لأهل اليمن

قال: [ وحدثنا أبو غسان المسمعي ، ومحمد بن المثنى ، وابن بشار وألفاظهم متقاربة، قالوا: حدثنا معاذ وهو ابن هشام ، قال: حدثني أبي، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري ، عن ثوبان ، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن )].

قوله: (إني لبعقر حوضي)، يعني: هو موقف الإبل من الحوض إذا وردته، وقيل: هو آخر الحوض، (أذود الناس لأهل اليمن)، يعني: أطرد الناس عن أهل اليمن، ( أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم )، يعني: يسيل عليهم.

قوله: (يغت فيه ميزابان)، يعني: يصب فيه صباً متتابعاً شديداًمتدفقاً.

وفيه فضيلة أهل اليمن، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يطرد عنهم الناس حتى يسيل عليهم هذا الحوض، وفيه ما يتعلق بطوله وعرضه وتقدم الكلام عليه، ولونه وحلاوته، وفيه أنه يصب فيه صباً متتابعاً شديداً ميزابان يمدانه، يعني: يزيدانه من الجنة، وفيه أن هذين الميزابين أحدهما من الذهب والآخر من الورق.

وقوله: (أضرب بعصاي حتى يرفض عليهم)، بعض العلماء قال: إن المراد بقوله عليه الصلاة والسلام: (أضرب)، أن هذه عصا تكون معه يوم القيامة. والرأي الثاني: أن هذا غير صواب، وأن المقصود بذلك العصا في الدنيا، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمشي والعصا تكون بين يديه، وتغرز له ويصلي إليها، وكان يمسك القضيب بيده كثيراً، وليس هناك عصاً تكون يوم القيامة.

قال: [وحدثنيه زهير بن حرب ، قال: حدثنا الحسن بن موسى ، قال: حدثنا شيبان ، عن قتادة بإسناد هشام بمثل حديثه، غير أنه قال: ( أنا يوم القيامة عند عقر الحوض ).

وحدثنا محمد بن بشار ، قال: حدثنا يحيى بن حماد ، قال: حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان ، عن ثوبان ، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث الحوض، فقلت: لـيحيى بن حماد : هذا حديث سمعته من أبي عوانة ، فقال: وسمعت أيضاً من شعبة ، فقلت: انظر لي فيه، فنظر لي فيه فحدثني به.

وحدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي ، قال: حدثنا الربيع يعني: ابن مسلم ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لأذودن عن حوضي رجالاً كما تذاد الغريبة من الإبل )].

يعني: لأطرد عن حوضي رجالاً كما تذاد الغريبة من الإبل، وفيه أن الغريبة من الإبل تذاد، وأنها لا تترك مع الإبل، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التقاط ضالة الإبل، قال: ( دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر ).

من صفات الحوض

قال: [ وحدثنيه عبيد الله بن معاذ ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا شعبة ، عن محمد بن زياد ، سمع أبي هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثله.

وحدثني حرملة بن يحيى ، قال: أخبرنا ابن وهب ، قال: أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، أن أنس بن مالك حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء من اليمن، وأن فيه من الأباريق كعدد نجوم السماء ).

وحدثنا محمد بن حاتم ، قال: حدثنا عفان بن مسلم الصفار ، قال: حدثنا وهيب ، قال سمعت: عبد العزيز بن صهيب يحدث، قال: حدثنا أنس بن مالك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليردن على الحوض رجالٌ ممن صاحبني حتى إذا رأيتهم ورفعوا إلي اختلجوا من دوني، فلأقولن: أي رب! أصحابي، فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك )، وهذا تقدم الكلام عليه.

قال: [ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، وعلي بن حجر ، قال: حدثنا علي بن مسهر ، ح، وحدثنا أبو كريب ، قال: حدثنا ابن فضيل جميعاً ، عن المختار بن فلفل ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى، وزاد: آنيته عدد النجوم.

وحدثنا عاصم بن النضر التيمي ، وهريم بن عبد الأعلى واللفظ لـعاصم ، قال: حدثنا معتمر ، قال سمعت: أبي، قال: حدثنا قتادة ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما بين ناحيتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة ).

وحدثنا هارون بن عبد الله ، قال: حدثنا عبد الصمد ، قال: حدثنا هشام ، ح، وحدثنا حسن بن علي الحلواني ، قال: حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال: حدثنا أبو عوانة ، كلاهما عن قتادة ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله، غير أنهما شكا فقالا: ( أو مثلما بين المدينة وعمان )، وفي حديث أبي عوانة : ( ما بين لابتي حوضي ) ].

وفيه أن الحوض له لابتان، يعني: ناحيتان، وله مقدمة وله مؤخرة، وله طول، وله عرض.

قال: [ وحدثني يحيى بن حبيب الحارثي ، ومحمد بن عبد الله الرزي ، قال: حدثنا خالد بن الحارث ، عن سعيد ، عن قتادة ، قال: قال أنس : قال نبي الله: ( ترى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء ) ]، وفيه أن أباريقه من الذهب والفضة.

قال: [ وحدثنا زهير بن حرب ، قال: حدثنا حسن بن موسى ، قال: حدثنا شيبان ، عن قتادة ، قال: حدثنا أنس بن مالك ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثله، (وزاد: أو أكثر من عدد نجوم السماء).

وحدثني الوليد بن شجاع بن الوليد السكوني ، قال: حدثني أبي رحمه الله، قال: حدثنا زياد بن خيثمة ، عن سماك بن حرب ، عن جابر بن سمرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا إني فرط لكم على الحوض، وإن بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة؛ كأن الأباريق فيه النجوم ).

قال: وحدثنا قتيبة بن سعيد ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل ، عن المهاجر بن مسمار ، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص ، قال: كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلام نافع : أخبرني بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فكتب إلي إني سمعته يقول: ( أنا الفرط على الحوض )].

المهم هذه الأحاديث التي ساقها مسلم تدل على عظم شأن الحوض، وفيه صفته، وصفة من يرده، وفيه وجوب الإيمان به، وأن الإيمان به كما تقدم من الإيمان باليوم الآخر، وفيه أن الأحاديث الواردة فيه متواترة.

قتال جبريل وميكائيل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد

قال: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: حدثنا محمد بن بشر ، وأبو أسامة ، عن مسعر ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبيه عن سعد ، قال: (رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بياض ما رأيتهما قبل ولا بعد، يعني: جبريل، وميكائيل عليهما السلام).

في هذا آية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وفيه أن الملائكة ترى، ولهذا رآهما سعد رضي الله تعالى عنهما، وفيه تمثل الملائكة، وأن الملائكة تمثلت بهذين الرجلين، وفيه فضيلة الثياب البياض، وفيه منقبة لـسعد رضي الله تعالى عنه حيث رأى الملائكة، وفيه أيضاً أن رؤية الملائكة لا تختص بالأنبياء بل يراهم الصحابة، وغير ذلك ممن يمن الله عز وجل عليه.

قال: [ وحدثني إسحاق بن منصور ، قال: أخبرنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد ، قال: حدثنا سعد عن أبيه عن سعد بن أبي وقاص ، قال: (لقد رأيت يوم أحد عن يمين الرسول صلى الله عليه وسلم وعن يساره رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد) ].

شجاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال: [وحدثنا يحيى بن يحيى التميمي ، وسعيد بن منصور ، وأبو الربيع العتكي ، وأبو كامل ، واللفظ لـيحيى، قال يحيى: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا حماد بن زيد ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك ، قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وكان أجود الناس )].

فيه حسن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يشمل الحسن الخلقي، والحسن الخلقي، ويشمل الصورة الظاهرة والصورة الباطنة، وفيه جود النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا ينبغي أن يقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم في الجود وحسن الخلق مع الناس.

(وكان أشجع الناس)، فيه أيضاً صفة من صفات النبي صلى الله عليه وسلم وهي الشجاعة، والشجاعة من أسباب السعادة.

(ولقد فزع أهل المدينة)، يعني: حصل لهم خوف، (ذات ليلة فانطلق الناس قبل الصوت)، يعني: قبل الذي حصل الصوت، (فتلقاهم الرسول صلى الله عليه وسلم راجعاً وقد سبقهم إلى الصوت)، لا شك أن هذا يدل على شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم، كون النبي صلى الله عليه وسلم في الليل وسبق الناس إلى هذا الصوت المفزع المخيف، هذا يدل على الشجاعة.

(وهو على فرس لـأبي طلحة عري)، فيه الاستعارة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم استعار، وأنها ليست من المسألة المذمومة، النبي صلى الله عليه وسلم استعار من أبي طلحة واستعار من صفوان .. إلى آخره.

(في عنقه السيف وهو يقول: لم تراعوا، لم تراعوا، قال: وجدناه بحراً، أو إنه لبحر)، يعني: ما يتعلق بالفرس، وأنه سريع، واسع الجري.

وفي هذا أيضاً تقلد السيف في العنق كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أيضاً تبشير الناس وإدخال السرور عليهم لفعله عليه الصلاة والسلام.

قال: (وكان فرس يبطأ)، وهذا من بركة النبي صلى الله عليه وسلم، كان هذا الفرس بطيئاً؛ لكن لما ركبه النبي صلى الله عليه وسلم كان بحراً، يعني: واسع الجري وسريع الجري.

وأيضاً فيه آية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم، حيث انقلب هذا الفرس الذي كان بطيئاً إلى كونه بحراً سريعاً.

قال: [ وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال: حدثنا وكيع ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن أنس ، قال: (كان بالمدينة فزع فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرساً لـأبي طلحة ، يقال له: مندوب، فركبه فقال: ما رأينا من فزع وإن وجدناه لبحراً)]. فيه تسمية الحيوان، وأن هذا الحيوان سمي مندوباً.

قال: [ وحدثناه محمد بن المثنى ، وابن بشار، قال: حدثنا محمد بن جعفر ، ح، وحدثنا يحيى بن حبيب، قال: حدثنا خالد يعني: ابن الحارث ، قال: حدثنا شعبة بهذا الإسناد، وفي حديث ابن جعفر قال: فرساً لنا، ولم يقل: لـأبي طلحة ، وفي حديث خالد : عن قتادة سمعت أنس ].

جود النبي صلى الله عليه وسلم

قال: [وحدثنا منصور بن أبي مزاحم ، قال: حدثنا إبراهيم يعني: ابن سعد ، عن الزهري ، ح، وحدثني أبو عمران محمد بن جعفر بن زياد واللفظ له ، قال: أخبرنا إبراهيم ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله ، عن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس ، قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير ) ].

في هذا الحديث ما اتصف به عليه الصلاة والسلام من جوده بالخير، والخير هذه كلمة عامة، يعني: كل ما ينفع الناس في أمور دينهم ودنياهم.

(وكان أجود ما يكون في شهر رمضان)، فيه أن جود النبي صلى الله عليه وسلم يتنوع ويختلف، وأن جوده جودان: جود عام يشمل كل شهور العام، وجود خاص؛ وهذا في رمضان، فإن جوده عليه الصلاة والسلام يزداد، وسبب ذلك أن جبريل عليه الصلاة والسلام يلقاه في كل سنة في رمضان، فيعرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، وفيه استحباب كثرة الجود في شهر رمضان.

ومن ذلك أيضاً كثرة الجود عند ملاقاة الصالحين، وعقب فرقهم والتأثر بهم، وفي هذا مدارسة القرآن وعرضه، وفيه أيضاً مدارسة العلم، وفيه أيضاً أن شهر رمضان هو شهر القرآن، وأنه ينبغي للمسلم أن يخص رمضان بمزيد عناية فيما يتعلق بمدارسة القرآن كما هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع جبريل.

وفيه عظم جود النبي صلى الله عليه وسلم، حيث كان أجود من الريح المرسلة، وأنه لا شك أن الريح المرسلة سريعة وعامة، فجوده عليه الصلاة والسلام سريع وعام.

قال: [ وحدثناه أبو كريب ، قال: حدثنا ابن المبارك ، عن يونس ، ح، وحدثنا عبد بن حميد ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر ، كلاهما عن الزهري بهذا الإسناد، ونحوه ].

والله أعلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح صحيح مسلم - كتاب الفضائل [4] للشيخ : خالد بن علي المشيقح

https://audio.islamweb.net