إسلام ويب

جاءت الشريعة الإسلامية بتحريم الخبائث وما كان رجساً نجساً، ومن ذلك لحوم الحمر الأهلية، أما لحوم الخيل فإنها مستطابة طيبة، وإن وجد من خالف في حلها، وكذلك الحمر الوحشية من الصيد الطيب، وكذلك لحوم الضب والجراد.

شرح حديث النهي عن أكل لحوم الحمر الأهلية والإذن في لحوم الخيل

تقدم لنا حديث أسماء رضي الله تعالى عنها قالت: (نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً فأكلناه ونحن في المدينة).

وذكرنا في فوائد هذا الحديث أن الفرس حلال أكله، وأن هذا هو الصواب من أقوال أهل العلم رحمهم الله.

وقولها: (نحرنا). فيه نحر الفرس، لكن قال العلماء رحمهم الله: هذا من باب التجوز، ولكن المقصود هو الذبح، ويدل لذلك قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67]، والفرس كالبقرة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل)، زاد مسلم وحده قال: (أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر الوحش، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمار الأهلي)].

في هذا حل أكل الفرس، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم رحمهم الله تعالى، وذهب أبو حنيفة والإمام مالك في قول له: أن الفرس لا يجوز أكله، واستدلوا على ذلك بقول الله عز وجل: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً [النحل:8]، فالخيل قرنت مع الحمير، والحمير محرمة، لكن الجواب عن هذا سهل، فيقال: بأن دلالة الاقتران عند الأصوليين ضعيفة.

وفي هذا: تحريم لحم الحمر الأهلية، وهذا ما عليه جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى، وكانت الحمر في أول الأمر مباحة، ثم بعد ذلك نسخت هذه الإباحة وحرمت لحوم الحمر الأهلية، وهذا هو الذي استقر عليه التشريع.

وفي قول للإمام مالك رحمه الله: إن الحمر الأهلية مباحة، واستدلوا على ذلك بما في سنن أبي داود من حديث غالب بن أبجر وأنه قال: (أصابتنا سنة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: عليك بسمين حمرك)، وهذا الحديث الجواب عنه من وجهين:

الوجه الأول: أنه ضعيف لا يثبت.

الوجه الثاني: على فرض ثبوته، نقول: إنه قال: أصابتنا سنة، فذاك في حال المخمصة والمجاعة، والله يقول: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:173]، ففي حال الضرورة تؤكل الميتة.

وفيه أيضاً: أن من صيغ التحريم عند الأصوليين صيغة النهي، وأيضاً من صيغ الإباحة عند الأصوليين صيغة الإذن.

وفيه أيضاً: إباحة حمر الوحش.

وحمر الوحش اختلف العلماء رحمهم الله في تعيينها: ما المراد بها؟ فقيل بأن حمر الوحش هو هذا الحمار المخطط الذي يشبه الحمار الأهلي.

وقيل بأن حمر الوحش نوع من فصلان الغزلان، ويسميها العامة الوضيحي، وعلى كل حال فالحديث دليل على إباحة الحمر الوحشية.

قال: [ وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: (أصابتنا مجاعة ليالي خيبر، فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها، فلما غلت بها القدور نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن اكفئوا القدور، وربما قال: ولا تأكلوا من لحوم الحمر الأهلية شيئاً) وعن أبي ثعلبة رضي الله عنه قال: (حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية) ].

وفي هذين الحديثين كما سلف: تحريم لحم الحمر الأهلية.

وفيه: إثبات النسخ، وأن الحمر كانت مباحة أولاً، ثم بعد ذلك حرمت في خيبر.

وفيه أيضاً: التعزير بإتلاف المال، قال: (أن اكفئوا القدور).

شرح حديث ابن عباس في حل أكل الضب

قال: [ وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة، فأتي للنبي صلى الله عليه وسلم بضب محنوذ -المحنوذ هو المشوي- فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فقالت بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله بما يريد أن يأكل، فقلت: تأكله؟ هو ضب، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فلم يأكل، فقلت: يا رسول الله! أحرام هو؟ قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي, فأجدني أعافه, قال خالد : فاجتررته فأكلته والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر إلي).

قال: المحنوذ: المشوي بالرضيف، وهي الحجارة المحماة].

الشرح:

هذا الحديث فيه: إباحة أكل الضب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما عافه لأمر نفسي، وليس لأمر شرعي.

وفي هذا: أن كون الإنسان يعاف بعض الطعام لكون نفسه لا تشتهيه لا يلام على هذا، وأن هذا جائز ولا بأس به، لكن لا يفعل ذلك تديناً؛ لأن الأصل في الأطعمة الحل، والأصل في الحيوانات أيضاً الحل.

وفي هذا أيضاً: أن من صيغ المحرم لفظ التحريم، ولهذا قال خالد : (فقلت: يا رسول الله! أحرام هو؟! قال: لا، ولكنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه).

وفي هذا أيضاً: إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما يريد أن يأكل، مع أن الأصل في الأطعمة الحل، لكن لمقام النبي عليه الصلاة والسلام، ولكونه يناجي من لا يناجي غيره.. إلى آخره، ولهذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم الأكل من الطعام الذي فيه البقول التي لها رائحة، ففي هذا إخبار النبي عليه الصلاة والسلام بما يريد أن يأكل، سواء لسبب في الطعام وإلا فالأصل في الطعام الحل، فقد يكون السبب أن له رائحة أو قد يكون السبب كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس بأرض قومه، وأنه يعافه لأمر طبعي، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.

شرح حديث: (غزونا مع رسول الله سبع غزوات نأكل الجراد)

قال: [ وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: (غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد)].

الشرح:

في هذا دليل على حل أكل الجراد، وهذا بالإجماع، كما حكاه النووي رحمه الله تعالى.

وفي هذا أيضاً: أن الجراد طاهر، وأن كل ما لا نفس له سائلة فإنه طاهر؛ لأن الجراد لن يؤكل إلا بعد الموت، فدل على أن ميتته طاهرة وحلال، فما دام أنها تؤكل فهذا يدل على أنها طاهرة، ولهذا ذكر العلماء رحمهم الله أن كل ما نفس له سائلة كالجراد والذباب والخنفساء والعقرب ونحو ذلك أن هذه الأشياء كلها طاهرة في حال الحياة، وكذلك أيضاً في حال الممات.

والله أعلم.

شرح حديث أبي موسى في أكل لحم الدجاج

قال المصنف رحمه الله تعالى: [عن زهدم بن مضرب الجرمي قال: (كنا عند أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، فدعا بمائدة وعليها لحم دجاج، فدخل رجل من بني تيم الله أحمر شبيه بالموالي، فقال له: هلم، فتلكأ، فقال له: هلم، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها).

الشرح:

نقل المؤلف رحمه الله في كتابه عن زهدم بن مضرب الجرمي قال: (كنا عند أبي موسى الأشعري فدعا بمائدة وعليها لحم دجاج، فدخل رجل من بني تيم الله، أحمر شبيه بالموالي، فقال له: هلم فتلكأ، فقال: هلم، فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها).

وقوله: (هلم) كلمة بمعنى الدعاء إلى الشيء.

و(تيم الله) بطن من إحدى قبائل العرب.

هذا الحديث فيه إباحة الدجاج، وأنه لا بأس به، ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل منها.

وأيضاً أن الأصل في الأطعمة الحل، وهذا الرجل تلكأ ولم يأكل منه، وما هي العلة في ترك الأكل منه؟ هل هو من باب التورع ونحو ذلك، أو هناك علة أخرى؟ العلة أن الدجاج كثيراً ما يأكل من النجاسات.

وفي هذا دليل على أن الجلالة مباحة، والجلالة هي التي تأكل العذرة من الحيوان والطير، مع وجود خلاف بين أهل العلم رحمهم الله في الجلالة، والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله: أن الجلالة إذا كان أكثر علفها النجاسة فإنها محرمة حتى تطعم الطاهر لفترة، ويحددون هذه الفترة.

والرأي الثاني: أن الجلالة مباحة، بشرط ألا يظهر أثر النجاسة في لحمها، أو رائحتها، أو بيضها ونحو ذلك، فإذا لم يظهر أثر رائحة فهي طاهرة، أو يترتب على ذلك مضرة، نقول: بأنها طاهرة وحلال ومباحة، وعندنا قاعدة وهي: أن النجاسة تطهر بالاستحالة، وهذه الأشياء استحالت إلى دم ولبن وبيض ولحم ونحو ذلك.

وبهذا نعرف ما يسمى اليوم بالدواجن التي تربى، وأنها تطعم في بعض طعامها شيء من النجاسات.. قد تطعم الدم، وقد تطعم الميتة ونحو ذلك، فهل هي مباحة أو ليست مباحة؟ نقول: هذه الدواجن مباحة بشرطين:

الشرط الأول: ألا يظهر أثر مثل هذه الأشياء من النجاسات في لحمها أو دمها ونحو ذلك.

الشرط الثاني: ألا يترتب على ذلك ضرر.

فإذا كان لا يترتب على ذلك ضرر، ولم يظهر ذلك فيها فهي مباحة.

وفيه أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل من الطيبات، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف:32]، فهدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأكل من الطيبات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرد موجوداً، ولا يتكلف مفقوداً.

وفيه أيضاً: أن ترك الطيبات ورعاً ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يمسح يده حتى يلعقها)

قال المؤلف فيما نقله في كتابه: [عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أكل أحدكم طعاماً فلا يمسح يده حتى يلعقها)].

في هذا من آداب أكل الطعام أنه يلعق يده، والعلة كما جاء في الحديث الآخر: (فإنكم لا تدرون أين تكون البركة)، فالسنة لعق الأصابع، وأيضاً لعق الصحفة، وهذا كله من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والعلة في ذلك أن الإنسان لا يدري أين تكون البركة.

وفيه: التربية للمسلم على التواضع وعدم الكبر والغرور ونحو ذلك.

وفيه أيضاً: مراعاة النعم وصونها حتى في هذه الأشياء اليسيرة.

وفي هذا أيضاً: أنه لا بأس أن الإنسان يمسح يده.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح عمدة الأحكام - كتاب الأطعمة [2] للشيخ : خالد بن علي المشيقح

https://audio.islamweb.net