إسلام ويب

من الفروق الضعيفة التي ينبغي أن تكون تحت حكم واحد تفريق بعض الفقهاء في الحنث بالجهل والنسيان بين الطلاق والعتاق وبين اليمين بالله، بينما من الفروق اللطيفة التي ينبغي للفقيه العناية بها التفريق بين ألفاظ الطلاق الصريحة والمحتملة.

الفرق بين أنواع اليمين

قال المؤلف رحمه الله: [ومن الفروق الصحيحة الثابتة بالنص: الفرق بين لغو اليمين وهي اليمين التي لم يقصدها الحالف، بل جرت على لسانه من غير قصد، أو الحلف على أمر يعتقده كما قال، ثم يتبين بخلافه فلا كفارة في ذلك ولا إثم، وبين اليمين المنعقدة على أمر مستقبل مقصود، ففيه الكفارة إذا حنث بفعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله].

المؤلف رحمه الله هنا ذكر التفريق بين اليمين التي تجب فيها الكفارة، واليمين التي لا تجب فيها الكفارة؛ وعلى هذا فالأيمان تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: لغو اليمين.

والقسم الثاني: اليمين المكفَّرة التي تدخلها الكفارة.

والقسم الثالث: يمين الغموس.

فالقسم الأول: لغو اليمين، ويدخل تحته صور:

الصورة الأولى من لغو اليمين: ما يجري على لسان الشخص بلا قصد، كما ورد عن عائشة رضي الله تعالى عنها: هو قول الرجل في كلامه: لا والله وبلا والله، فهذا لا كفارة فيه.

ولهذا قال المؤلف: هي اليمين التي لم يقصدها الحالف، بل جرت على لسانه من غير قصد.

الصورة الثانية: قال: أو الحلف على أمر يعتقده كما قال، ثم يتبين بخلافه، هذا أيضاً من لغو اليمين؛ أن يحلف على أمرٍ بناءً على ظنه ثم يتبين بخلافه، مثل لو قال: والله ليقدمن زيدٌ غداً، بناء على ظنه أنه يقدم ثم لم يقدم زيد، ومثل لو قال: والله إن زيداً قد حضر الدرس، بناء على ظنه أنه قد حضر، ثم يتبين له أنه لم يحضر، وهذا أيضاً من لغو اليمين، أو قال: والله ليقدمن زيد الآن بناء على ظنه أنه سيقدم، ثم بعد ذلك لا يقدم، فهذا من لغو اليمين.

أيضاً الصورة الثالثة أيضاً أضافها شيخ الإسلام وهي داخلة في لغو اليمين: إذا حلف على شخص يريد إكرامه لا إلزامه، فلم يمتثل فإنه لا يحنث، واستدل بأن النبي عليه الصلاة والسلام أشار لـأبي بكر أن اجلس في مكانك، فلم يمتثل أبو بكر لما خرج النبي عليه الصلاة والسلام في مرض الموت ووجد في نفسه خفة، فأراد أبو بكر أن يتأخر عن المكان، فأشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام أن يبقى في مكانه، فلم يمتثل أبو بكر؛ لأن أبا بكر رضي الله تعالى عنه عرف من النبي عليه الصلاة والسلام أنه يريد إكرامه وتعظيمه، ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم إلزامه، فلم يمتثل ولم يحنث، فهذه الصور داخلة في لغو اليمين.

أما بالنسبة لليمين المنعقدة فقال: وبين اليمين المنعقدة على أمر مستقبل مخصوص ففيه الكفارة إذا حلف.

هذه المكفرة على القسم الثاني، وهي التي تدخلها الكفارة، وهي التي يحلفها على أمر مستقبل مقصود، فهذا فيه الكفارة إذا حنث، يعني: إذا فعل ما حلف على تركه أو ترك ما حلف على فعله.

فلو قال: والله لأسافرن إلى مكة اليوم ثم لم يسافر حنث، أو ترك ما حلف على فعله، كما لو قال: والله لا أسافر اليوم ثم سافر، فهنا فعل ما حلف على تركه، فهذه يمين مكفَّرة يدخلها الكفارة، وهي التي يحلفها على أمر مستقبل ثم يحنث، فيفعل ما حلف على تركه، أو يترك ما حلف على فعله.

القسم الثالث: اليمين الغموس، وهي التي يحلفها على أمر ما كاذباً عالماً ومن ذلك أيضاً: ما يحلفه على المال المعصوم يريد أن يقتطعه، مثل لو قال: والله إنني لم أذهب بالأمس، وقد ذهب، فحلف على أمر ماضٍ كاذباً عالماً، أو أن يحلف على مال معصوم يريد أن يقتطعه، مثل: والله إن هذا الشيء لي، وهو ليس له.. إلى آخره.

فهذه أقسام اليمين، وهنا ذكر المؤلف رحمه الله الفرق بين لغو اليمين الذي لا كفارة فيه، وبين اليمين المنعقدة، وهذه فيها الكفارة، وأما اليمين الغموس فالصواب أنه لا كفارة فيها؛ خلافاً لما ذهب إليه الشافعي رحمه الله.

قال رحمه الله: (كما فرق النص أيضاً بين الأمر بالحنث تارة إذا كان الحنث خيراً بفعل واجب أو مستحب أو ترك منهي عنه، وبين النهي عن الحنث إذا كان الأمر بالعكس، والتخيير فيما سواهما وحفظها أولى).

بالنسبة لليمين المكفَّرة هل الأولى للإنسان أن يحنث أو الأولى له أن يحفظ يمينه؟

نقول: هذا يختلف، فإذا كان حنثه خيراً بفعل واجب أو مستحب أو ترك منهي عنه، فهنا إذا كان واجباً يؤمر بالحنث ويجب، وإذا كان مستحباً يستحب.

وإذا كان الحنث محرماً فيحرم، وإذا كان مكروهاً فيُكره.. إلى آخره، وإن كان متساوي الطرفين فالتخير فيما سواهما وحفظها أولى.

ومثال الحنث إذا كان واجباً: إذا قال: والله لا أصلي مع الجماعة، هنا عليه أن يحنث؛ لأن الجماعة واجبة.

ومثال إذا كان الحنث مستحباً: إذا حلف على ترك مستحب مثل لو قال: والله لا أصلي السنة الراتبة، أو لا أصلي صلاة الضحى. فهنا الحنث مستحب، فيستحب أن يحنث وأن يصلي الضحى.

ويكون الحنث محرماً إذا حلف على فعل محرم نحو قوله: والله لأشربن الخمر، فيحرم عليه أن يحنث.

ويكون مكروهاً إذا حلف على شيء مكروه مثل: والله لآكلن ثوماً، فيُكره له.

وأما إذا كان مباحاً فهو مخيّر بين الحنث وعدمه، والحفظ أولى، مثل لو قال: والله لأسافرن اليوم، فهنا مباح إن شاء سافر وإن شاء ترك السفر، ونقول: حفظها أولى.

قال رحمه الله: (وحفظها أولى وهي داخلة في قوله تعالى: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ [البقرة:224]، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراًمنها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير).

لكن نستدل على الحفظ بقول الله عز وجل: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المائدة:89] ومن حفظها عدم الحنث فيها.

الفرق بين الحنث في الطلاق والعتاق واليمين جاهلاً أو ناسياً

قال رحمه الله: [ومن الفروق الضعيفة: تفريق الأصحاب بين الحنث جاهلاً أو ناسياً؛ حيث قالوا: يحنث في طلاق وعتاق دون اليمين بالله؛ لتعلق الأول بحق الآدمي. والصواب: التسوية، وأنه لا يحنث في الجميع، والفرق الذي ذكروا فيه نظر؛ فإن الحق لله، وأيضاً ليس في ذلك إتلافٌ لمال وإنما فيه إزالة لحق الحالف في الغالب هو الذي له الحق الأكبر فيه].

يعني: إذا فعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله جاهلاً أو ناسياً لا يحنث، سواءٌ كان ذلك في الطلاق أو العتاق، أو اليمين بالله عز وجل.

والمذهب التفريق: فمثلاً في اليمين قال: والله لا ألبس هذا الثوب، ثم نسي ولبسه، فنقول: لا يحنث في اليمين بالله عز وجل، وتبقى يمينه.

ومثله أيضاً لو قال: والله لا ألبس هذا الثوب فلبسه جاهلاً أنه هو الثوب الذي حلف عليه فلا يحنث، وهذا بالنسبة لليمين.

أما بالنسبة للطلاق أو العتاق فقالوا: يحنث، فلو قال: إن لبست هذا الثوب فزوجتي طالق، أو إن لبست هذا الثوب فرقيقي حر، فهنا إن لبسه ناسياً أو جاهلاً يحنث، ففرقوا بين الطلاق والعتاق وبين اليمين، فقالوا: في اليمين لا يحنث، وأما في الطلاق والعتاق فقالوا: يحنث.

والصواب كما ذكر المؤلف رحمه الله: أنه لا يحنث مطلقاً، لا في الطلاق ولا في العتاق ولا في اليمين، فإذا فعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله ناسياً أو جاهلاً فلا كفارة عليه.

الفرق بين صريح الطلاق وكنايته

قال رحمه الله: [ومن الفروق اللطيفة التي تتصيد في تتبع كلام الأصحاب: أن الألفاظ الصريحة في الطلاق ونحوه لا تحتاج إلى نية، ولا يقبل صاحبها حكماً إذا ادعى أنه أراد خلاف ما صرّح به، والألفاظ المحتملة احتمالاً بيّناً لغير المفهوم الظاهر منها، يقبل صاحبها حكماً لأن احتمال إرادته قوي، والألفاظ التي تحتمل خلاف المفهوم احتمالاً مرجوحاً لا يُقبل صاحبها حكماً ولكنه يديَّن].

هنا المؤلف رحمه الله ذكر فرقاً فيما يتعلق بألفاظ الطلاق، وأن ألفاظ الطلاق تنقسم إلى: صريح وكناية.

فالصريح: هو الذي لا يحتمل إلا لفظ الطلاق، والكناية: هو الذي يحتمل لفظ الطلاق وغيره.

يقول المؤلف رحمه الله: الألفاظ الصريحة في الطلاق ونحوه لا تحتاج إلى نية، ولا يُقبل صاحبها حكماً إذا ادعى أنه أراد خلاف ما صرّح به، فلو قال لزوجته: أنتِ طالق، فبمجرد أن يقول: أنتِ طالق يقع الطلاق ولو لم ينو الطلاق، ولو قال: أنا أردت في قولي: أنتِ طالق، أي: أنتِ طالق من وثاقك، وما أردت: أنتِ طالق من النكاح، فهل يقبل منه حكماً أو لا يقبل منه حكماً، ولهذا قال: ولا يقبل صاحبها حكماً إذا ادعى أنه خلاف ما صرّح به.

فلو أن المرأة رافعته إلى القاضي وقالت: طلقني، حيث قال: أنتِ طالق، فإذا قال: نعم أنا قلت: أنتِ طالق، لكن أنا مرادي أنتِ طالقٌ من وثاق، أو طالق من السجن، أو طالق من الحبل، أو طالق من المعصية.. إلى آخره، فيقول المؤلف رحمه الله: لا يُقبل منه حكماً، بل يعامله بالظاهر، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فإنما أقضي على نحو ما أسمع )، ففي مجال القضاء يعامل بالظاهر فقط، أما الباطن والسرائر فهذه أمرها إلى الله عز وجل.

والكناية تحتمل الطلاق وتحتمل غيره، ولهذه يقول المؤلف رحمه الله: يقبل صاحبها حكماً لأن احتمال إرادته قوي.

قال رحمه الله: [ والألفاظ المحتملة احتمالاً بيّنا لغير المفهوم الظاهر منها يُقبل صاحبها حكماً؛ لأن احتمال إرادته قوي ].

إذا أراد خلاف الظاهر في الكناية، وادعى أنه أراد خلافه فإنه يُقبل منه حكماً، مثل لو قال: أنتِ مفسوخة، فهذا يحتمل الطلاق ويحتمل غيره، وليس صريحاً في الطلاق، ولو قال: أنا قصدي أنتِ مفسوخة، أي الفسخ لتخلف شرط، أو لوجود عيب، أو مفسوخة من زوج سابق... أو نحو ذلك، فإنه يُقبل منه حكماً؛ لأن هذا اللفظ: أنتِ مفسوخة محتمل للطلاق، ومحتمل لما ذكره أو لما ادعاه، فيقول يُقبل صاحبها حكماً لأن احتمال إرادته قوي.

قال رحمه الله: [والألفاظ التي تحتمل خلاف المفهوم احتمالاً مرجوحاً لا يُقبل صاحبها حكماً ولكنه يديَّن].

يقول المؤلف رحمه الله: الألفاظ التي تحتمل خلاف المفهوم احتمالاً مرجوحاً، لا يُقبل صاحبها حكماً؛ لكونها صريحة، فمثلاً لو قال: أنتِ طالق، ثم قال: أنا أردت بقولي: أنتِ طالق، أي: طالق من وثاق، أو قال: أنا أردت أنتِ طاهر فسبق لساني وقلت: أنتِ طالق، فهنا يقول المؤلف رحمه الله: لا يُقبل صاحبها حكماً ويوكل إلى دينه، يعني: في القضاء لا نقبل حكماً لو ترافعا، لكن نكله إلى دينه.

قال رحمه الله: [ وهل الأولى للمرأة أن تدين زوجها في مثل هذه الأمور أو ترفعه للحاكم؟ ].

ومثل هذه الألفاظ السابقة هل الأولى للمرأة أن تدين زوجها فيها أو لا؟ لو قال: أنتِ طالق، ثم قال: أنا ما قصدت الانفصال، بل قصدت: أنتِ طاهر، ولكن سبق لساني، أو قال: أنتِ طالق، وقصدي أنتِ طالق من وثاق، أو طالق من سجن، أو طالق من المعصية، أو من رضوان الشيطان... إلى آخره، فهل المرأة ترافع زوجها أو تدينه؟

نقول: أما إن رافعته فلا يقبل حكماً، وإن تركت مرافعته إلى القاضي هل الأولى ذلك، أو الأولى أن ترافعه؟

يقول المؤلف رحمه الله: [ الأولى النظر إلى القرائن، فإن علمت صدقه أو غلب على ظنها ذلك فالواجب عليها أو الأولى أنها تدينه وتتركه لدينه ].

يقول المؤلف: فإن علمت صدقه أو غلب على ظنها ذلك فالواجب عليها -يعني: يجب عليها- أن تتركه إذا قال: أنتِ طالق وقال: قصدي أنتِ طاهر، وتعلم أنه صادق، أو يغلب على ظنها أنه صادق، فهنا لا يجوز لها أن ترافعه، ولكن تكله إلى دينه.

قال رحمه الله: [وإن كان الأمر بالعكس فعليها أن ترفعه إلى الحاكم الذي يحكم عليه بما جزمت أن إرادته لخلافه غير صحيح؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد].

إذا كان بالعكس، أي: يغلب على ظنها أو تعلم أنه كاذب، وأنه قصد طلاق النكاح، فهنا يجب عليها أن ترافعه إلى الحاكم.

فعندنا فرق بين الصريح والكناية، وأيضاً بالنسبة للصريح الذي يُفهم منه خلاف الصريح مفهوماً مرجوحاً، فهذا لا يُقبل حكماً لو حصل كراهة، ويديَّن الزوج، لكن هل الأولى للمرأة أن ترافعه، أو الأولى للمرأة أن تترك المرافعة؟

يقول المؤلف رحمه الله: إذا عُلم أو غلب على ظنها أنه صادق فلا يجوز لها أن ترافعه؛ لأن القاضي سيحكم عليه بالطلاق وهي زوجته، وهو ما طلّق، وقد تكون الطلقة الثالثة فتحل لها الزواج وتحرم على زوجها.. إلى آخره.

الفرق بين اختيار الإنسان لنفسه واختياره لغيره

قال رحمه الله: [ومن الفروق الصحيحة: تفريقهم بين المسائل التي يُخيَّر فيها الإنسان بين أمرين فأكثر، بين تخيير تتبع فيه المصلحة الظاهرة، وذلك مثل: الولاية على اليتامى والأوقاف والأمانات؛ فإن الوالي عليه سلوك طريق المصلحة، وبين المخير لمصلحته والسهولة عليه كالكفارات والديات، فيتبع ما سهل عليه وخف على نفسه؛ لأن القصد من ذلك التخفيف، والله أعلم ].

يقول المؤلف رحمه الله: من الفروق الصحيحة أن الإنسان إذا اختار لغيره فإن خياره خيار مصلحة، أي: يتبع المصلحة إذا اختار لغيره، وأما إن اختار لنفسه فإن خياره خيار تشه، فله أن يأخذ بالأخف أو بالأغلظ.

ومثّل المؤلف رحمه الله بالولاية على اليتامى، فالولي على اليتيم قد يكون عنده معاملتان فعليه أن ينظر أي المعاملتين أصلح لهذا اليتيم، فهل الأصلح هذا البيع أو هذا البيع، أو هذا التأجير، أو يبيع أو يشارك.. إلى آخره، فينظر ما هو الأصلح.

ودليل هذا قول الله عز وجل: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [الأنعام:152] وهذا يشمل الحسن الشرعي والحسن العرفي، فينظر إلى الأحسن شرعاً، وينظر أيضاً إلى الأحسن عرفاً، أي: عرف التجار، والأحسن شرعاً مثاله: هذه المعاملة فيها محرم، وهذه المعاملة ليس فيها محرم، فيطلب المعاملة الخالية من المحرم وهكذا.

وأيضاً ألا يضيع الوقت بل ينظر ما هو الأصلح للوقت، فهل الأصلح للوقت البيع، أو الشراء، أو التأجير.. إلى آخره لما تقدم من الآية.

وكذلك إذا كان عنده وديعة، أو غير ذلك من الأمانات، ويعني بالأمانة: كل من قبض مال غيره بإذن المالك أو بإذن الشاهد، فهذا المال في يده أمانة، عليه أن ينظر بالأصلح، فهل الأصلح هذا التصرف أو هذا التصرف؟

قال رحمه الله: [فإن الوالي عليه سلوك طريق المصلحة، وبين المخير لمصلحته والسهولة عليه كالكفارات والديات، فيتبع ما سهل عليه].

وأما إذا كان الإنسان يختار لنفسه، فهو مخيّر إن شاء أخذ الأخف، وإن شاء أخذ الأغلظ، مثل: كفارات اليمين، فقول الله عز وجل: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المائدة:89]، خيّره الله عز وجل بين ثلاثة أشياء: بين إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، خيره بين يأخذ الأخف أو الأغلظ، إن شاء أن يأخذ إعتاق الرقبة -وهو الأغلظ- جاز، وإن شاء أن يأخذ الإطعام -وهو الأخف- أخذ ذلك؛ وكذلك أيضاً دية الأذى إذا حلق الإنسان رأسه، قال الله عز وجل: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] فهو مخيّر بين أن يصوم ثلاثة أيام، أو أن يطعم ستة مساكين، أو نسك يذبح، مخير بين أن يأخذ الأغلظ أو يأخذ الأخف.

وأيضاً إذا باع واشترى لنفسه فهو بالخيار، يشتري هذا، أو يشتري هذا... إلى آخره.

ومثله أيضاً الديات، وأصول الديات خمس على المذهب: إما الإبل، أو البقر، أو الشاة، أو الذهب، أو الفضة. فهو مخيّر بين هذه الأمور، إما أن يدفع مائة بعير، أو ألفي شاة، أو ألف مثقال من الذهب.. إلى آخره، كما هو المعروف في أصول الديات.

وكلام المؤلف رحمه الله مبني على المذهب، وأن أصول الديات خمسة: الإبل، والبقر، والغنم، والورِق، والذهب.

والصواب في ذلك: أن أصل الديات أصل واحد وهو الإبل، وعلى هذا لا يوجد فيه تخيير، بل يدفع الإبل.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح الفروق والتقاسيم للسعدي [8] للشيخ : خالد بن علي المشيقح

https://audio.islamweb.net