إسلام ويب

التبرك نوعان: منه ما يكون وسيلة للشرك؛ وهو مذموم، ويشمل التبرك بأشياء لم تثبت بركتها حساً ولا شرعاً، أو التبرك بشيء ثبتت بركته ولكن بطريقة غير مشروعة. ومنه ما يكون مشروعاً إن كان على وجه شرعي، وهو التماس بركة شيء ثبت نفعه شرعاً وواقعاً، وقد يكون بالأقوال

أنواع التبرك

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما.

وقول الله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى [النجم:19-20].

عن أبي واقد الليثي قال: ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها وينوطون بها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بشجرة فقلنا: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أكبر، إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف:138]، لتركبن سنن من كان قبلكم ) رواه الترمذي وصححه].

قال المؤلف رحمه الله: (باب من تبرك بشجرة أو حجر ونحوهما).

تقدم لنا تعريف التبرك، وأيضاً ما يتعلق بشرح الترجمة، ونقول: التبرك ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: تبرك مشروع.

والقسم الثاني: تبرك مذموم.

التبرك المشروع وأنواعه

التبرك المشروع يتنوع إلى نوعين:

النوع الأول: ما ثبت في الشرع أنه سبب للبركة من الأزمان والأمكنة والأعيان والهيئات والذوات؛ فهذا نقول: التبرك به على وجهه الشرعي تبرك مشروع.

فمثلاً من الأزمنة: رمضان سبب البركة، والبركة الموجودة في رمضان: ما جاء به الشرع من الصيام والقيام والقراءة والذكر.

الأمكنة: المساجد مثلاً، مكة، المدينة، عرفة... إلى آخره، والتبرك بالمساجد بالصلاة فيها وبالقراءة والذكر وحضور مجالس العلم.. إلى آخره، هذه سبب البركة.

والهيئات مثل: الاجتماع على الطعام سبب البركة.

والأعيان: مثل الحبة السوداء سبب البركة، زمزم سبب للبركة... إلى آخره.

والذوات: ذات النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، فذات النبي صلى الله عليه وسلم خاصة سبب البركة، إذ كان الصحابة يتبركون بذات النبي صلى الله عليه وسلم، يتبركون بيده، يتبركون بعرقه، يتبركون بشعره، بمخاطه... إلى آخره سبب البركة. فنقول: هذا النوع الأول.

ومن النوع الأول التبرك بالأقوال مثل: الأذكار، وقراءة القرآن، والأمر بالمعروف، والدعوة إلى الله عز وجل... هذه سبب البركة.

النوع الثاني: ما ثبت بالحس والتجربة الظاهرة المباشرة، بحيث يكون هناك أثر بين السبب والمسبب أنه سبب البركة، فنقول بأنه سبب البركة، مثل العلاج؛ إذ يتناول هذا الدواء ويحصل له به الشفاء بإذن الله عز وجل، فنقول بأن هذا سبب البركة، ما دام أن الحس والتجربة الظاهرة المباشرة دلت على ذلك وأن هناك أثراً بين السبب والمسبب، فنقول بأنه سبب البركة.

التبرك المذموم وأنواعه

القسم الثاني: التبرك المذموم.

النوع الأول من التبرك المذموم: ما لم يرد في الشرع أو الحس والتجربة الظاهرة المباشرة أنه سبب للبركة، فنقول بأن هذا مذموم، وبدعة، وشرك، مثل: لبس الخيوط، لبس الحلق ونحو ذلك.. إلى آخره، فنقول بأن هذا شرك أصغر، وإن اعتقد أنه ينفع ويضر من دون الله فهو شرك أكبر.

القسم الثاني: التبرك بما ورد في الشرع أنه سبب للبركة لكن على غير الوجه الشرعي، مثل: المسجد سبب البركة، لكن البركة الموجودة في المسجد الصلاة والقراءة... إلى آخره. ولو أنه تمسح بأبواب المسجد أو بترابه ونحو ذلك فنقول بأن هذه بركة مذمومة.

القبور سبب البركة، لكن ما هي البركة الموجودة في القبر؟ زيارته، والدعاء له، وتذكر الآخرة... إلى آخره. هذا سبب البركة، لكن لو أنه تبرك بالقبر على غير الوجه المشروع، كأن قصده لفعل عبادة من العبادات، أو تمسح به، أو دعاه في تفريج كربة أو تنفيس عسر أو نحو ذلك فنقول بأن هذا تبرك مذموم.

أيضاً من الأمثلة على ذلك: التبرك بالصالحين، والتبرك بالصالحين إن كان بذواتهم بدعة، لكن التبرك بهم بركة معنوية، كالإفادة من سيرتهم وأخلاقهم وعلمهم وإرشادهم وتوجيههم فهذه بركة مشروعة.

هذا ملخص ما يتعلق بالبركة.

ومناسبة الباب: أن هذا التبرك الغير الشرعي إما أن يكون منافياً للتوحيد من أصله، وإما أن يكون منافياً لكمال التوحيد.

تفسير قوله تعالى: (أفرأيتم اللات والعزى ..)

قال رحمه الله: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى [النجم:19] (أفرأيتم): بمعنى: أخبروني عن هذه الأصنام هل نفعت أو ضرت؟! واللات فيها قراءتان، فيها قراءة بالتخفيف وقراءة بالتشديد، فالقراءة بالتشديد هذا رجل يلت السويق فمات فعكفوا على قبره، أما قراءة التخفيف: فاسم صخرة بيضاء منقوش عليها بيت في الطائف.

قال: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى [النجم:19] العزى: شجرة سمر جعل لها أستار بين مكة والطائف.

وَمَنَاةَ [النجم:20] مناة هذه: صنم بالمشلل بين مكة والمدينة.

وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى [النجم:20] وصفها الله عز وجل بالأخرى ذم لها، يعني: المتأخرة الوضيعة المقدار.

أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى [النجم:21] يعني: تجعلون ما تحبون -وهو الذكور- لكم وتجعلون لله عز وجل ما تكرهون وهي الأنثى، بحيث إنهم يقولون: إن الملائكة بنات الله عز وجل.

تِلْكَ إِذًا [النجم:22] الإشارة إلى تقسيمهم بين الذكور والإناث.

تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى [النجم:22] يعني: قسمة جائرة.

إِنْ هِيَ [النجم:23] يعني: ما، (إن) هذه نافية بمعنى: يعني: (ما هي).

إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا [النجم:23] يعني: هذه الأصنام هي مجرد أسماء.

سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ [النجم:23] يعني: ما أنزل الله عز وجل بعبادتها من حجة وبرهان.

إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ [النجم:23] يعني: ما يتبعون إلا الظن، يعني: ليس لهم مستند، وإنما يتبعون الظن فقط، وهو ظنهم بآبائهم الحسنى، حيث إنهم تابعوا آباءهم.

وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ [النجم:23] يعني: يتبعون أهواءهم؛ لأنهم إنما عبدوا مثل هذه الأصنام وتركوا الاستجابة للرسل، كل ذلك اتباعاً للهوى، وخوفاً على مناصبهم ورئاساتهم.

وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:23] يعني: أرسل الله عز وجل لهم الرسل والبينات ... إلى آخره.

المهم الشاهد هنا: أن الله عز وجل ذم المشركين أنهم تبركوا بهذه الأصنام؛ لأنهم إنما عبدوها طلباً للبركة، مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3]، فهم إنما عبدوها من دون الله عز وجل طلباً للبركة، فذمهم الله عز وجل على التبرك بهذه الأصنام، وهذه الأصنام ليست من أسباب البركة، بل الله سبحانه وتعالى أبطل بركتها.

شرح حديث: (اجعل لنا ذات أنواط ...)

قال رحمه الله: وعن (أبي واقد الليثي الحارث بن عوف)، صحابي رضي الله تعالى عنه، مات سنة ثمان وستين من الهجرة.

قال: ( خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ) حنين: واد يقع في شرق مكة، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلاً، قاتل فيه النبي صلى الله عليه وسلم هوازن.

( ونحن حدثاء عهد بكفر ) يعني: نحن قريب عهدنا بالكفر.

( وللمشركين سدرة ) شجرة من سدر.

( يعكفون عندها ) يعني: يقيمون ويلبثون عندها.

( وينوطون بها أسلحتهم ) يعلقون بها أسلحتهم.

( يقال لها: ذات أنواط ) هذه السدرة يقال لها: ذات أنواط.

( فمررنا بسدرة ) يعني بهذه: شجرة عظيمة من السدر.

( فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ) يعني: اجعل لنا شجرة نتبرك بها كما أن لهم شجرة يتبركون بها.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الله أكبر! إنها السنن، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف:138]، لتركبن سنن من كان قبلكم ).

قوله: ( الله أكبر! ) يعني: إن الله أجل وأعظم، وهذه صيغة تعجب.

وقوله: ( إنها السنن ) يعني: الطرق، أي: سلكتم كما سلك من كان قبلكم من الطرق المذمومة.

(وكما قالت بنو إسرائيل)، إسرائيل هذا يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

( لتركبن سَنَنَ أو سُنن ) يجوز الفتح، ويجوز الضم، يعني: طرق من كان قبلكم.

الشاهد من هذا: أن هؤلاء الكفار يتبركون بهذه السدرة، يعلقون أسلحتهم بهذه السدرة طلباً للبركة، فالصحابة رضي الله تعالى عنهم لكونهم قريبين بالإسلام سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم سدرة يعلقون بها أسلحتهم كما للكفار.

الشاهد من هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أبطل التبرك بهذه الشجرة.

والله أعلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح كتاب التوحيد [14] للشيخ : خالد بن علي المشيقح

https://audio.islamweb.net