إسلام ويب

شيخ الإسلام ابن تيمية إمام غني التعريف، وتآليفه منها المطولات ومنها المختصرات، والقواعد كتاب له غير متمحض للقواعد الفقهية، إلا أنه يحتوي على جملة منها، كما ينتصر لمذهب أهل الحديث فيه، ويؤصل لمذاهب الأئمة في بعض المسائل.

التعريف بالمؤلف والكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:

فبين أيدينا هذا الكتاب الكبير لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: القواعد، والمسمى بالقواعد النورانية.

وقبل أن نستعرض ما كتبه الشيخ رحمه الله تعالى, نمهد بمقدمة مختصرة عن الكتاب، وعن المؤلف رحمه الله تعالى.

التعريف بالمؤلف

أما المؤلف فهو: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى, وهو أشهر من أن يُعرف, فهو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني الدمشقي , المولود سنة 661 للهجرة, والمتوفى سنة 728 للهجرة, وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معروف للجميع, فالجميع يعرفه ونعرفه من خلال كتبه واختياراته, فهو فارس المعقول والمنقول، وجاهد الجهادين؛ جاهد بالسيف والجنان, وجاهد بالعلم والبيان, ومؤلفاته كثيرة.

وقيل: إنه كتب أكثر من 300 مجلد, وقد أفردت ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بمؤلفات مستقلة, فـابن عبد الهادي رحمه الله أفرد ترجمته بالتأليف, وكذلك ابن مرعي ، وهكذا ابن البزار رحمه الله تعالى. وله مؤلفات كثيرة: ومن مؤلفاته هذا الكتاب الذي بين أيدينا, وله مؤلفات كثيرة منها: (العقيدة الواسطية), و(فتوى الحموية), و(التدمرية) و(اقتضاء الصراط المستقيم), و(رفع الملام)، و(الفرقان)، و(التوسل والوسيلة)، و(منهاج أهل السنة) وغير ذلك.

منهجية قراءة كتب ابن تيمية

وبالنسبة للقراءة في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يتنبه إلى أن ما كتبه ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: (مختصرات), والقسم الثاني: (مطولات), فالمختصرات مثل: الواسطية، والحموية، والتدمرية, وكذلك أيضاً (القاعدة في الكرامات)، و(رفع الملام).

وهذه المختصرات تتميز بأن ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, وما قصده واضح ومحرر.

وأما بالنسبة للمطولات فإنها تتميز بميزات:

الميزة الأولى: التأصيل والاستطراد, فتجد أن شيخ الإسلام رحمه الله يؤصل فيها, وكذلك يستطرد.

الميزة الثانية: كثرة نقل النظائر، فالشيخ رحمه الله يذكر المسألة ويذكر نظائرها من المسائل الأخرى.

والميزة الثالثة: كثرة نقول مذاهب العلماء والأئمة, ومذاهب السلف, حيث ينقلها ويستطرد فيها.

وقد يحتاج إلى أن ينقل مذاهب الناس؛ لكي يبين أن ما ذهب إليه لم ينفرد به.

الميزة الرابعة: كثرة الاستدلال, فنجد أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يستدل على ما يذهب إليه, كما سيأتينا إن شاء الله, فتجدهُ في بعض المسائل التي يتعرض إليها يسوقها في عشر صفحات مثلاً, فهو يستدل بالأدلة المتفق عليها والأدلة المختلف فيها, فيستدل بالقرآن والسنة والإجماع والقياس, ويستدل بالأدلة المختلف فيها: كقول الصحابي، وغيره من الأدلة المختلف فيها.

الميزة الخامسة: أنه يعلل بمقاصد الشريعة, وبالقواعد الفقهية.

الميزة السادسة: أنها تشتمل على محكم ومتشابه, فكثيراً ما يكون كلام الشيخ رحمه الله تعالى واضحاً جلياً فيما يذهب إليه, وفي بعض الأحيان تجد فيه شيئاً من التشابه, إما لعدم وضوح المعنى, وإما لعدم جريان ما ذهب إليه على مذهب السلف, وحينئذٍ تحتاج إذا وجد عندك هذا المحكم والمتشابه أن ترجع هذا المتشابه إلى ما كتبه من المختصرات؛ لأن المختصرات كما ذكرنا تتميز بأنها محكمة, فإذا وجدت في كلامه شيئاً من المتشابه, وأنه يعكر ما عرف عنه من مذهب السلف, فإنك ترجع هذا المتشابه إلى المحكم وهو المختصرات, ولهذا يحسن بطالب العلم, وخصوصاً فيما يتعلق بالعقيدة, أن يضبط مختصرات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فيما يتعلق بالعقيدة كالواسطية والحموية والتدمرية.. إلخ, فإذا ضبطت هذه الأشياء فإنك تتمكن من قراءة المطولات فيما يتعلق بجانب العقيدة.

الميزة السابعة: وهي مهمة, وخصوصاً لمن يقرأ في كتب الشيخ فيما يتعلق بالفقه: أننا نعرف أن الشيخ رحمه الله تعالى تأصل وتقعد على مذهب الحنابلة, فحينئذٍ قد يذكر الشيخ رحمه الله تعالى مسألة من المسائل لها صورة عند الحنابلة, مثلاً: قد يتكلم عن المزابنة, والمزابنة لها صورة عند الحنابلة رحمهم الله, أو مثلاً العينة لها صورة عند الحنابلة, لكنها عند المالكية لها صورة أخرى, فتجد أنهم يقيدونها بقيود أخرى, أو مثلاً المرابحة للآمر بالشراء إلخ.

مسألة المرابحة يتكلم عليها الفقهاء رحمهم الله.

فتجد أن الحنابلة رحمهم الله يذكرون لها صورة، لكن تجد أنها في المذاهب الأخرى لها صورة أخرى, فتفهم أنه إذا تكلم عن مسألة فإنما يتكلم عن صورة هذه المسألة التي طرقها فقهاء الحنابلة رحمهم الله تعالى, ففي مسألة العقائد, وفي مسألة الفقهيات العمليات لابد أن نتنبه لهاتين المسألتين اللتين أشرت إليهما, ففي جانب العقيدة بعض الكلام متشابه لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, فتحتاج أن ترد هذا المتشابه إلى المحكم في مختصراته، وفي مسألة الفقهيات لابد أن تعرف أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تربى وتعلم ودرس على فقهاء الحنابلة, وأنه تقعد وتأصل على فقهاء الحنابلة, وحينئذٍ إذا تكلم عن مسألة فإنه يقصد بها الصورة الموجودة عند علماء الحنابلة رحمهم الله تعالى, وحينئذٍ يحتاج من يقرأ كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن يتربى على كتب الحنابلة رحمهم الله, وأن يعرف مقاصد الحنابلة رحمهم الله في ألفاظهم, ويعرف أيضاً ضوابطهم.. إلخ.

الميزة الثامنة من ميزات هذه المطولات: أنك تجد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما أنه يعنى بالعلوم الأصلية, تجد أنه يعنى بالعلوم المساعدة فيها فيتكلم في مصطلح الحديث, وفي أصول الفقه, وفي أمور اللغة إلخ, فهو حتى فيما يتعلق بالعلوم المساعدة تجد أنه يطرق مثل هذه الأشياء.

وكذلك أيضاً ما يتعلق بالمصطلحات الفقهية يغلب عليها ما يتعلق بمذهب الحنابلة رحمهم الله تعالى، لما ذكرنا وأشرنا من أن الشيخ رحمه الله تعالى تربى على مذهب الحنابلة رحمهم الله تعالى وإن كان مجتهداً لا يتقيد بالمذهب, لكنه تأصل على مذهب الحنابلة.

التعريف بالكتاب

سأشير إلى مسألتين على سبيل الاختصار تتعلقان بهذا الكتاب:

أما المسألة الأولى: فهي تتعلق بتسمية هذا الكتاب: (القواعد النورانية), فهذه التسمية لا تحفظ عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى, ولم يذكر الشيخ رحمه الله تعالى في ثنايا كتبه أنه سمى كتاباً من كتبه بهذا الاسم, والذي جاء في ثنايا كتبه الإشارة إلى أن اسم هذا الكتاب هو: (القواعد الفقهية), فالأقرب أن يسمى باسم (القواعد الفقهية), ولعل التسمية بالقواعد النورانية جاءت من بعض النساخ, فالنساخ يكون لهم بعض التصرفات, ففيما تقدم كانت تنسخ الكتب ويتداولها الناس, والنساخ من عامة الناس يترزقون بنسخ الكتب, فيظهر والله أعلم أن هذا الاسم إنما جاء من بعض النساخ , فكتب على بعض النسخ القواعد النورانية, وتداولها النساخ بهذا الاسم, وأخذه العلماء رحمهم الله منهم، وإلا فإن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أشار في الفتاوى إلى أن اسمه (القواعد الفقهية), وليت المحقق حفظه الله سماه بالقواعد الفقهية وأشار إلى اسمه (القواعد النورانية)، لكي يرجع الاسم إلى ما أراده مؤلفه رحمه الله تعالى.

موضوع الكتاب

المسألة الثانية: هذا الكتاب كما بين أيدينا اسمه القواعد، وهذا الكتاب في الحقيقة اشتمل على ثلاثة أمور:

الأمر الأول: بعض القواعد الفقهية, مثل قاعدة: الأصل في المعاملة الحل, وهذه أطال فيها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما سيأتينا إن شاء الله, وقاعدة: انعقاد العقود بما دل عليه العرف، كما سيأتينا إن شاء الله.

فالأمر الأول الذي اشتمل عليه هذا الكتاب بعض القواعد الفقهية, ولم يتمحض للقواعد الفقهية كما هو اصطلاح العلماء رحمهم الله، كما تقدم في منظومة الشيخ عبد الرحمن بن سعدي أنها تمحضت في القواعد الفقهية, وتقدم لنا مجموعة من القواعد الفقهية، لكن هذا الكتاب اشتمل على جملة من القواعد الفقهية.

الأمر الثاني مما اشتمل عليه هذا الكتاب: الانتصار لأهل الحديث, فالشيخ رحمه الله تعالى يقارن -كما سيأتينا- بين مذهب أهل الحديث ومذهب أهل الرأي, وحينئذٍ ينتصر لأهل الحديث، وبعض الأحيان يطيل كما في مسألة المزارعة, فإن الشيخ رحمه الله تعالى أطال في هذا المسألة وأجاب عن أدلة المخالفين فيها.

وهذه أيضاً قاعدة كبيرة، والمسلم يجب عليه أن يتمسك بالدليل, قال تعالى: وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65], والمسلم لم يتعبد إلا بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عليه وسلم، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقارن في هذا الكتاب في مسائل كثر بين منهجين: منهج أهل الحديث، ومنهج أهل الرأي؛ وينتصر لأهل الحديث ويبين أدلتهم والآثار الواردة في ذلك, وأحياناً يحتاج إلى أن يناقش ويجيب على أدلة المخالفين.

الأمر الثالث مما اشتمل عليه هذا الكتاب, وهذا أيضاً مهم جداً: أن هذا الكتاب عبارة عن تأصيل لمذاهب الأئمة في بعض المسائل, فيذكر ما هو أصل الحنفية في هذه المسألة مثلاً، وما هو أصل المالكية كما سيأتينا في النجاسات وما يعفى عنها, وأن أحسن المذاهب في هذه المسألة هو مذهب الحنفية, وأضيق المذاهب فيها هو مذهب الشافعية.

كذلك أيضاً في المعاملات, تجد أنه يبين أصل الشافعية, وأن الشافعية هم أضيق المذاهب في ما يتعلق بالمعاملات بخلاف المالكية إلخ.

هذا جملة ما في الكتاب, فالكتاب مشتمل على هذه المسائل, نسأل الله عز وجل التوفيق والسداد.

أنواع الطهارة والنجاسة

قال المؤلف رحمه الله: [فصل: أما العبادات: فأعظمها الصلاة. والناس إما أن يبتدئوا مسائلها بالطهور لقوله صلى الله عليه وسلم: ( مفتاح الصلاة الطهور ) كما رتبه أكثرهم، وإما بالمواقيت التي تجب بها الصلاة، كما فعله مالك وغيره].

ابتدأ الشيخ رحمه الله تعالى كتابه بأحكام العبادات وهذا الكتاب كتاب فقهي كما سلف, وأعظم العبادات البدنية العملية: الصلاة, فابتدأ بها المؤلف رحمه الله تعالى, وسيتكلم المؤلف رحمه الله عن الصلاة, ثم بعد ذلك سيشرع فيما يتعلق بالطهارة إلخ, اتباعاً لحديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم).

أكثر الفقهاء رحمهم الله تعالى يبدءون أحكام الصلاة بأحكام الطهارة؛ لأن الطهارة مفتاح الصلاة: (ولا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ), وابن قدامة رحمه الله في كتابه (المقنع) ومختصره (زاد المستقنع)، ومثله الخرقي رحمه الله تعالى في مختصره (مختصر الخرقي) بدءوا بأحكام الطهارة، ومنهم من يبدأ بأحكام المواقيت كما فعل الإمام مالك رحمه الله تعالى في كتابه (الموطأ)؛ لأن الوقت أعظم من شرط الطهارة, والأمر في هذا واسع.

قال المؤلف رحمه الله: [ فأما الطهارة والنجاسة فنوعان من الحلال والحرام -في اللباس ونحوه- تابعان للحلال والحرام في الأطعمة والأشربة].

قول المؤلف رحمه الله: فأما الطهارة والنجاسة فنوعان من الحلال والحرام في اللباس ونحوه تابعان للحلال والحرام في الأطعمة والأشربة, يعني أن الحلال منه شيء طاهر ومنه شيء نجس, والحرام منه شيء طاهر ومنه شيء نجس.

والأصل في الأعيان كما تقدم لنا الحل والطهارة.

تقدم لنا قول الشيخ عبد الرحمن رحمه الله:

والأصل في مياهنا الطهارهوالأرض والثياب والحجاره

فسائر الأعيان الأصل فيها: الطهارة والحل.

وقول الشيخ رحمه الله: الحلال منه نجس ومنه طاهر, فمثلاً هذا الثوب طاهر، وقد يكون نجساً إذا وقعت فيه نجاسة.

وكذلك أيضاً الحرام منه نجس ومنه طاهر, فالميتة حرام وهي نجسة, والسم حرام وهو طاهر.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح القواعد النورانية الفقهية [1] للشيخ : خالد بن علي المشيقح

https://audio.islamweb.net