إسلام ويب

الوسائل هي: الطرق الموصلة إلى الشيء، والمقاصد هي: ما يقصده المكلَّف من فعل أمر أو ترك نهي، وعليه فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون، وما يتوقف الحرام عليه فهو حرام، وسد الذرائع قائم على منع كل عمل ظاهره الجواز ويتوصل به

الوسائل وأحكامها

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله تعالى:

[وأما المباحات فإن الشارع أباحها وأذن فيها، وقد يتوصل بها إلى الخير فتلحق بالمأمورات، وإلى الشر فتلحق بالمنهيات. فهذا أصل كبير أن الوسائل لها أحكام المقاصد.

وبه نعلم أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون، وما يتوقف الحرام عليه فهو حرام، ووسائل المكروه مكروهة].

الشرح:

تقدم قول الشيخ رحمه الله: (فما كان مصلحته خالصةً أو راجحةً أمر به الشارع أمر إيجاب أو استحباب، وما كانت مفسدته خالصةً أو راجحة نهى عنه الشارع نهي تحريم أو كراهة). وذكرنا أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إذا أردت أن تعرف هل هذا الشيء مما أمر الله عز وجل به أو نهى عنه فانظر إلى ما يترتب عليه من مصالح ومفاسد، فإن كان تترتب عليه مصالح فهو مما أمر الله عز وجل به أمر إيجاب أو أمر استحباب، وإن كانت تترتب عليه مفاسد فهو مما نهى الله عز وجل عنه، إما نهي تحريم أو نهي كراهة.

فقول المؤلف رحمه الله: (فما كان مصلحته خالصةً أو راجحةً)، مصلحته خالصة، مثل: التوحيد، مصلحته خالصة، مثل: بر الوالدين، صلة الرحم، إلى آخره، هذه كلها مصالحها خالصة، أو راجحة، مثل: قتل القاتل، قتل القاتل هذا مصلحته راجحة، صحيح فيه مفسدة للمقتول، قطع يد السارق مصلحته راجحة؛ لما يحقق من أمن الناس على أموالهم ودمائهم ونحو ذلك، ومنع الفوضى إلى آخره، وإن كان به مفسدة خاصة، هذا السارق قطعت يده، والقاتل قتل، والزاني رجم ونحو ذلك، إلا أن المصلحة راجحة، وهي مصلحة عامة؛ لما يترتب على ذلك من حفظ الأموال والدماء والأديان والأعراض والعقول ونحو ذلك.

كذلك أيضاً ما كانت مفسدته خالصة أو راجحة نهى عنه الشارع نهي تحريم أو كراهة، مفسدته خالصة، يعني: مثل الشرك بالله عز وجل، أو مفسدته راجحة، مثل: شرب الخمر، وإن كان فيه مصلحة لما يحصل للإنسان من تلذذ بالسكر ونحو ذلك، إلا أن مفسدته راجحة، لما يترتب عليه من غياب العقل الذي يترتب عليه مفاسد كثيرة، قد يقتل، قد يزني، إلى آخره.

قال المؤلف رحمه الله: [وأما المباحات، فإن الشارع أباحها وأذن فيها. وقد يتوصل بها إلى الخير فتلحق بالمأمورات، وإلى الشر فتلحق بالمنهيات].

هذا الكلام هو ما ذكره بعد ذلك، قال: فهذا أصل كبير أن الوسائل لها أحكام المقاصد، وهذه قاعدة: أن الوسائل لها أحكام المقاصد، والوسائل جمع وسيلة، وهي: الطريق الموصل إلى الشيء، والمقاصد جمع مقصد، وهو: ما يقصد الوصول إليه، والمراد بقاعدة: الوسائل لها أحكام المقاصد أن طرق المأمورات لها أحكام هذه المأمورات، وطرق المنهيات لها أحكام هذه المنهيات.

المقاصد وأحكامها

فقولنا: (المقاصد) هو ما يقصد إليه من فعل الأمر أو ترك النهي، يعني: الوسائل الطرق الموصلة إلى الشيء، والمقاصد في الاصطلاح: ما يقصده المكلف من فعل أمر أو ترك نهي، فطرق هذه المأمورات لها أحكام المأمورات، وطرق هذه المنهيات لها أحكام هذه المنهيات.

والشيخ يقول في منظومته:

وسائل الأمور كالمقاصد واحكم بهذا الحكم للزوائد

قال: (وبه نعلم أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).

الوضوء واجب، وشراء الماء للوضوء واجب؛ لأنه لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ستر العورة واجب، وشراء الثوب لستر العورة واجب، وعندنا قاعدة أخرى: ما لا يتم الوجوب إلا به فليس واجبا، الزكاة واجبة، وكون الإنسان يكدح ويتعب لكي يحصل النصاب ليس واجباً؛ لأن هذا من باب ما لا يتم الوجوب إلا به فليس واجباً، ولا نقول: إنه يجب عليك أنك تبيع وتشتري حتى تحصل نصاباً زكوياً فتجب عليك الزكاة، نقول: هذا ليس واجباً، الحج واجب، لكن ما لا يتم وجوب الحج إلا به فليس واجباً، نقول: لا يجب عليك أن تبيع وتشتري وتجمع المال حتى تكون قادراً على الحج، هذا ليس واجباً عليك، وعلى هذا فقس، ففرق بين قولنا: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وبين قولنا: ما لا يتم الوجوب إلا به فليس واجباً.

قال: (وما لا يتم المسنون إلا به فهو مسنون).

مثاله: شراء السواك نقول بأنه مسنون.

قال: (وما يتوقف الحرام عليه فهو حرام).

يعني: ما لا يتم الحرام إلا به فهو حرام، الدخان محرم، وشراء الدخان نقول بأنه محرم ولا يجوز.

قال: (ووسائل المكروه مكروهة).

الثوم مكروه، شراء الثوم نقول: بأنه مكروه، كما أن الوسائل لها أحكام المقاصد، أيضاً الزوائد لها أحكام المقاصد، ولهذا كما تقدم قول الشيخ رحمه الله:

وسائل الأمور كالمقاصد واحكم بهذا الحكم للزوائد

ونقول: كما أن الوسائل لها أحكام المقاصد، أيضاً الزوائد لها أحكام المقاصد، فمجيئك إلى الدرس عبادة، ورجوعك عبادة، هذه هي الزوائد، ذهابك لزيارة المريض عبادة، ورجوعك إلى منزلك عبادة، ويدل لذلك حديث أبي بن كعب في صحيح مسلم : (أن رجلاً من الأنصار كان من أبعد الناس ممشى إلى المسجد، فقيل له: يا فلان! لو اشتريت حماراً تركبه في الرمضاء والظلماء، قال: ما أحب أن يكون بيتي إلى جنب المسجد، إني أحب أن يكتب لي ممشاي ورجوعي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله كتب له ذلك كله ).

قاعدة سد الذرائع

وقول المؤلف رحمه الله: (وما يتوقف الحرام عليه فهو حرام، ووسائل المكروه مكروهة) إلى آخره.

فيه قاعدة سد الذرائع، وقاعدة سد الذرائع أحسن من قال بها هم المالكية رحمهم الله، ثم بعد ذلك الحنابلة، وهذه القاعدة جاءت بها الشريعة، ويدل لها قول الله عز وجل: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108]، ولا شك أن سب آلهة المشركين فيه مصلحة؛ لأن ذلك يوقع في قلوبهم الوهن والضعف ويشككهم فيما هم عليه من عبادة، ديانة ونحو ذلك، لكن لما كان ذلك ذريعة إلى أن يسبوا الله عز وجل نهى الله عز وجل عن ذلك.

والسد في اللغة: إغلاق الخلل، وردم الثلم، ومنع الشيء.

وأما في الاصطلاح فأحسن شيء ما ذكره ابن العربي رحمه الله: بأنها كل عمل ظاهره الجواز يتوصل به إلى أمر محرم. وسد الذرائع ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما أجمعت الأمة على سده، وهذا مثل شرب المسكر؛ لأنه ذريعة إلى حصول ما يترتب على تغطية العقل ونحو ذلك، وذريعة إلى أن يقتل السكران، إلى أن يجني.. إلى آخره، والزنا ذريعة إلى اختلاط المياه واشتباه الأنساب، والسرقة ذريعة إلى أكل أموال الناس بغير حق، إلى آخره.

القسم الثاني: ما أجمعت الأمة على عدم سده، وذلك مثل: بيع العنب، قد يشتريه شخص ليعصره خمراً، وقد يشتريه آخر ليأكله، فهذا أجمع العلماء على عدم سده.

القسم الثالث: وهو العمل إذا كان ظاهره جائزاً لكن يتوصل به إلى محظور فهل يسد أو لا يسد؟

عند المالكية والحنابلة أنه يسد، وعند الشافعية والحنفية أنه لا يسد، وهذا سيأتينا إن شاء الله، وسنذكر لذلك أمثلة إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح رسالة لطيفة في أصول الفقه للسعدي [6] للشيخ : خالد بن علي المشيقح

https://audio.islamweb.net