إسلام ويب

شريعة الإسلام شاملة كاملة، نظمت جميع شئون الحياة ومن ذلك ما يتعلق بالعشرة بين الزوجين، ونظراً لطبيعة خلقة المرأة الضعيفة فقد حرم الله على الرجل ضرب زوجته ضرباً مبرحاً، ونهى عن تقبيح الوجه وضربه، وزجر عن الهجر إلا في البيت.

حسن العشرة بين الزوجين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

إخوتي الكرام! لا زلنا نتدارس المبحث الثالث من مباحث النبوة، وعنوانه بيان الأمور التي يعرف بها صدق النبي والرسول على نبينا وأنبياء الله ورسله جميعاً صلوات الله وسلامه.

وقلت إخوتي الكرام: إن هذه الأمور مهما تعددت وتكررت وتنوعت واختلفت فيمكن أن تضبط في أربعة أمور:

أولها: النظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام في نفسه في خَلقه وخُلقه.

ثانيها: النظر في دعوته ورسالته.

ثالثها: النظر في معجزاته وخوارق العادات التي أيده الله بها، رابعها: النظر إلى حال أصحابه الكرام، الذين رباهم واكتحلت أعينهم برؤية نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

وهذه الأمور الأربعة إخوتي الكرام، بدأنا بأول أمر منها ألا وهو النظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام في نفسه في خَلقه وخُلقه، وقد مرّ الكلام على الشق الأول: فيما يتعلق بخلق النبي على نبينا آله وصحبه صلوات الله وسلامه، وكيف تدل العلامات الخلقية في خير البرية على أنه رسول الله حقاً وصدقاً عليه صلوات الله وسلامه.

وأما الشق الثاني: ألا وهو النظر إلى خلق النبي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، فقلت: لا يمكن لبشر كما تقدم معنا مراراً أن يحيط بخلق النبي على وجه التمام على نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام، لكن إذا أردنا أن نقف على صورة واضحة مجملة من خلق نبينا عليه الصلاة والسلام، فقلت: ننظر إلى خلقه مع الخلق ومع الحق.

أما خلقه مع الخلق فقلت: لذلك سبعة أنواع؛ أولها خلقه مع أهل بيته الكرام على نبينا وعليهم جميعاً أفضل الصلاة وأزكى السلام.

ثانيها: خلقه عليه الصلاة والسلام مع أصحابه والمؤمنين به من أمته.

ثالثها: خلقه عليه الصلاة والسلام مع الملائكة الكرام على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

رابعها: خلقه عليه الصلاة والسلام مع أعدائه من شياطين الإنس.

خامسها: خلقه عليه الصلاة والسلام مع أعدائه من شياطين الجن.

سادسها: خلقه عليه الصلاة والسلام مع الجمادات.

سابعها: خلقه عليه الصلاة والسلام مع الحيوانات العجماوات.

وهذه الأمور السبعة بها يظهر خلق نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه بإيجاز وتركيز مع الخلق، وأختم الكلام بعد ذلك في بيان خلقه مع الحق جل وعلا.

وقد بدأنا بالنوع الأول في بيان خلقه مع الخلق عليه صلوات الله وسلامه، وأخذنا النوع الأول من الأمور السبعة ألا وهو خلقه عليه الصلاة والسلام مع أهل بيته الكرام، وبينت ما في ذلك من دلالات واضحات على أنه رسول الله حقاً وصدقاً عليه صلوات الله وسلامه.

وبعد أن انتهينا من هذا قلت: يحسن بنا بل يجب علينا أن نأخذ لمحة موجزة عن أمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، وقلت: هذا لابد له من مقدمة في بيان الحكمة من اقتران نبينا عليه الصلاة والسلام بأكثر من أربع نسوة، ولابد أيضاً من بيان حكمة التعدد في الإسلام في غير نبينا عليه الصلاة والسلام، لم شرع تعدد الزوجات.

هذا أيضاً يحتاج مقدمة في بيان مقاصد النكاح الأساسية، وقلت: مقاصد النكاح وحكمه خمس، وحكم التعدد عشر، وحكم التعدد في نبينا عليه الصلاة والسلام؛ لأن الله خصّه بزيادة عدد في ذلك على الأمة لذلك عشر حكم، فهذه خمس وعشرون حكمة كما تقدم معنا، ولابد من الكلام عليها.

بدأنا بأول الأمور ألا وهو مقاصد النكاح والحكمة من مشروعيته، قلت: بذلك خمس حكم معتبرة؛ أولها كما تقدم معنا: تحصين النفس البشرية من كل آفة رذيلة حسية أو معنوية.

وثانيها: إنجاب الذرية التي تعبد رب البرية، وقلت: في إنجاب الذرية فوائد كثيرة أجملتها في خمس فوائد أيضا؛ أولها كما تقدم معنا: المحافظة على جنس الإنسان ونوع الإنسان لعبادة الرحمن، حسبما أراد وشاء ذو الجلال والإكرام.

وثانيها: إقرار عين نبينا عليه الصلاة والسلام بكثرة أمته.

وثالثها: الانتفاع بالولد إن عاش.

ورابعها: الانتفاع بالولد إن مات صغيراً أو كبيرا.

وخامسها: تحصيل الأجر الوفير من تربية الذرية عن طريق تأديبهم وعن طريق النفقة عليهم.

انتهى الكلام على هاتين الحكمتين، وشرعنا في مدارسة الحكمة الثالثة من حكم النكاح العامة ألا وهي تحصيل الأجر العظيم للزوجين عن طريق حسن عشرة كل منهما لصاحبه.

والحكمة الرابعة تذكر لذة الآخرة.

والحكمة الخامسة: ارتفاق كلاً من الزوجين بصاحبه بزوجه وبأهل زوجه.

أما الحكمة الثالثة فقد شرعنا في مدارستها إخوتي الكرام وما أكملناها، قلت: إن من مقاصد النكاح الأساسية ومن الحكم البارزة لمشروعية النكاح في الإسلام أن كلاً من الزوجين الرجل والمرأة يحصلان أجراً عظيماً عن طريق حسن عشرة كل منهما لصاحبه، وقلت: حسن العشرة يدخل تحته أمران بالنسبة للرجل، وأمران بالنسبة للمرأة.

أما الرجل: فحسن معاملة مع الزوجة ونفقه منه عليها.

وأما المرأة فحسن معاملة منها مع زوجها، وإذا كان عندها مال تساعده أيضاً، وهو عندما ينفق عليها سيأتينا أن له أجوراً عظيمة وفيرة، وعندما يحسن خلقه معها أيضاً له أجور عظيمة وفيرة، وهي كذلك أيضا إذا حسنت خلقها لها أجر عظيم عند ربنا الكريم، وإذا ساعدت زوجها بمالها لها أجر عظيم يزيد على أجر الصدقة، بل إن من أفضل الصدقات أن تتصدق الزوجة على زوجها إذا كان محتاجاً.

وهذه الأمور الأربعة لابد من مدارستها عند هذه الحكمة الثالثة، ثم ننتقل بعد ذلك إلى الحكمة الرابعة من مشروعية النكاح ألا وهي تذكر لذة الآخرة.

انتشار ظاهرة ضرب الأزواج لزوجاتهم

إخوتي الكرام! بدأنا بأول هذه الأمور الأربعة نحو حسن العشرة الزوجية، فقلت: إن الزوج مطالب بأن يحسن خلقه مع زوجته لينال أجراً عظيماً، ويكفي في ذلك الأحاديث المستفيضة التي تقدمت معنا أن (خير هذه الأمة خيرهم لأهله)، ونبينا عليه الصلاة والسلام هو خير العباد بالأزواج على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

إذاً هذه خيرية تنالها عندما تتزوج، فإذا تزوجت وحسنت خلقك فأنت إذاً صرت عند الله جل وعلا من الخيار الأبرار: (خير هذه الأمة خيرهم لأهله)، والحديث بطرقه ثابت صحيح بل هو حديث مستفيض فوق المشهور ودون المتواتر.

إخوتي الكرام! عند هذا الأمر كنت أتكلم على أمر فشا في الأمة، وهو موجود من زمن لكن لعله في هذا الزمن كثر، ألا وهو الخروج عن الخلق الحسن في معاملة الزوجة، لاسيما في ضربها والقسوة في ذلك، ولذلك قلت: إن حسن الخلق أن تحسن معاملة الزوجة، وأن تتحمل الأذى منها، وأن تتحمل طياشتها، فهذا هو حسن الخلق، فليس حسن الخلق أن تكف الأذى عن زوجتك، إنما حسن الخلق منك معها أن تتحمل الأذى منها، ولذلك كما تقدم معنا ( بذل الندى، وكف الأذى ) واحتمال الأذى أيضا، يعني أنت تكف أذاك عن غيرك، وإذا آذاك غيرك تتحمل ذلك منه، وهذا من علامات حسن الخلق، فالحياة الزوجية يجري فيها ما يجري، فهم بشر، ويسكنون في الأرض، وكل بني آدم خطاء، فإذا أخطأت الزوجة فتحمل، وهي أيضاً كما سيأتينا إذا أخطأ الزوج فلتتحمل، وبذلك تعيش البيوت والأسر في صفاء وهناء، وأما إن أخطأت أقام الزوج الدنيا وما أقعدها، وإن أخطأ هو أيضا طورت الأمر وضخمته ورفعت صوتها وأدخلت عباد الله في مشكلتها، فحقيقة أن البيوت تتدمر بذلك.

إخوتي الكرام! تقدم معنا أن مما يخرج الإنسان عن حسن الخلق، ويخرجه عن صفة الخيرية استعمال الضرب، فمتى ما ضرب خرج من صفة الخيرية كما شهد بذلك خير البرية على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، ولذلك إذا أردت أن تكون من الخيار فلا ترفع يدك على امرأتك.

وحقيقة نحن في وقت كما قلت فشا فيه سوء الخلق، وأذكر أن أحد طلبة العلم وممن يحسبون من الدعاة، أن زوجته قصرت معه، فضربها ضربها ضرباً شديداً، ثم شد شعرها حتى ما ترك في رأسها شعرة توحد الله، حتى صارت قرعى، يا عبد الله والله لو كانت يهودية لا يجوز أن تعاملها هذه المعاملة، ثم في النهاية طلقها، والأمر ينبغي من البداية أن يكون كما قال تعالى: فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]، وهذه امرأة شعرها كله يجز من قبل هذا الزوج!

وقصة أخرى يعلم الله عرضت عليّ من قبل اثنين كما يقال من المستويات العالية، واحد أخته عند بعض الناس ممن له شأن من يسلكون الدعوة، فاختصم إليه بعد مشاكل بينهما، ويقول: يا شيخ! نحن الذي تحكمه نرضى به، الله أباح للرجل أن يضرب الزوجة، لكن هل يحق لهذا أن يضرب أختي هذا الضرب؟ قلت: كيف يضربها من أجل أمور تافهة أيضاً؟ والله يستحي الإنسان من ذكرها، من كونها أكلت وأخذت وتصرفت وفتحت الثلاجة وما شاكل هذا، نعوذ بالله من البخل وقلة الحياء، ثم يضربها.

ونحن نقدر موقف الزوج، وإذا أخطأ لا نخطئ، لكن لكل شيء حدود وإن كان مخطئاً، هل له أن يضربها حتى يغمى عليها، فإذا أغمي عليها تركها، وإذا استيقظت ضربها حتى يغمى عليها ثانية وثالثة. يا عبد الله أنت تريد أن تقتلها؟ أنت تتعدى بذلك على المرأة، ثم إذا أخطأت يعني والمرأة تتحمل الزوج فليكن الضرب بما يتحمله الإنسان، وبما تشعر أنك تأثرت من زوجتك ولا تريد أن تتصرف هي هذا التصرف، ضرباً خفيفاً. أما ضرب بحيث يغمى عليها، فيتركها، ثم ينتظر استيقاظها ومتى ما صحت ضربها ثانية حتى يغمى عليها.

هذا كلام يقوله أخو الزوجة بحضور الزوج وما أنكر شيئا من ذلك، قال: أنا ما أملك نفسي إذا ضربت، قلت: يا عبد الله أنت مؤمن أو لا؟ كيف ما تملك نفسك؟ يعني أتريد أن يلقيك الله في نار جهنم تقول: لا أملك نفسي، هذه أمة ضعيفة عندك، جعلك الله تشرف على هذا البيت وأنت سيده، طيب اتق الله يا عبد الله في بيتك وهي زوجتك، إذا ما حصلت حنانك ورحمتك فمن الذي سيحصله، علامَ هكذا؟

يا عبد الله ليس موضوع تطلق أو كذا، طلق الله يغنيها عنك وعن غيرك، يا عبد الله! اتق الله في نفسك لأنك عاص في عشرتها ولو طلقت أنت عاص، أنت أبيح لك أن تضرب ضرباً بحيث لو كان حتى بحق لا يظهر أثره على الجلد، ضربا غير مبرح كما سيأتينا، أما امرأة يغمى عليها من أجل طعام وأنها أكلت وأنها أخذت وأنها ما تركت! إن هذا حقيقة يوجد في بيوت المسلمين، ويوجد في بعض البيوت التي يقال عنها بيوت خاصة أيضا.

إخوتي الكرام! أردت أن أتعرض لهذه المسألة ضمن هذا الأمر ألا وهو حسن العشرة.

شكوى النساء في عهد النبي ضرب الرجال لهن

تقدم معنا إخوتي الكرام حديث إياس بن عبد الله بن أبي ذباب أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن ضرب النساء: ( لا تضربوا إماء الله، لا تضربوا النساء )، إلى آخر الحديث، وماذا حصل بعد ذلك عندما رخص النبي عليه الصلاة والسلام بالضرب وأخبر أن (الخيار لا يضربون)، وذكرت لهذا الحديث شواهد من رواية عبد الله بن عباس والشواهد مرسلة، وسأكمل الشواهد لهذا الحديث، ثم أتابع خطوات البحث بإذن الله.

إخوتي الكرام! الحديث كما قلت ثابت، وأن (الخيار لا يضربون)، وقد روي هذا الحديث من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها في مسند البزار كما في كشف الأستار، في الجزء الثاني صفحة واحدة وتسعين ومائة، والحديث في المجمع في الجزء الرابع صفحة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، (أن رجالاً شكوا النساء إلى النبي عليه الصلاة والسلام).

وتقدم معنا كلام عمر رضي الله عنه في رواية إياس عندما قال: (زئرن النساء على أزواجهن، فهنا جاء رجال يشكون أزواجهن إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فأذن لهم في ضربهن)، وسيأتينا صفة الضرب الذي أذن للرجال فيه، ما هو الضرب؟ ضرب غير مبرح، متى ما ظهر أثر الضرب على الجلد أنت آثم، يضاف إلى هذا ينبغي أن تتقي الوجه، فهو أشرف الأعضاء، لا تضرب المرأة على الوجه، ثم إذا اضطررت للضرب فليكن على غير الوجه وغير مبرح لا يترك أثراً، ثم مع ذلك خرجت عن صفة الخيرية عند العزيز الغفار. إذاً إن أبيح لك الضرب فتجنب الوجه واضرب ضرباً غير مبرح، فإن فعلت غير ذلك فأنت لست من الخيار.

(أن رجالاً شكوا النساء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأذن لهم في ضربهن، فطاف تلك الليلة منهن نساء كثير)، يعني بحجر النبي عليه الصلاة والسلام وببيوته (يشتكين ما وقع عليهن من قبل أزواجهن، فقالت أمنا عائشة رضي الله عنها: ما لقي نساء المسلمين؟) عندما أذن في ضربهن لقين شراً وضراً من قبل الأزواج، ما لقي نساء المسلمين؟ وكأنها تريد من نبينا عليه الصلاة والسلام بهذا المقولة أن ينهى عن الضرب كما نهى عنه في البداية: ( لا تضربوا إماء الله، لا تضربوا النساء )، فلما زأر النساء رفق، وقال: ( لن يضرب الخيارة )، وهنا: ما لقي نساء المسلمين؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ( اضربوهن ولن يضرب خياركم )، اضربوهن للإباحة، ولن يضرب خياركم، الخير لا يضرب امرأة.

ولذلك سيأتينا ما لوح خير خلق الله عليه الصلاة والسلام بيده إلى امرأة، وقلنا: الرجل يظهر رجولته أمام أعداء الله، أما أمة عندك وأنت سيدها والسيد زوج في كتاب الله: وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ [يوسف:25]، وهذه يعني فيها صار في حالة الزواج شيء من صفة الإماء، ( والنكاح رق فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته )، إذا كانت كذلك كما سيأتينا عوان، عانية ضعيفة، كأنها أسيرة لا تتصرف في شيء إلا بإذنك ومع هذا تأتي تظهر الرجولة عليها وكأنك عنتر، يا عبد الله! ساحة القتال موجودة، إذا عندك شجاعة تفضل أما مع جارية، فأمام هذه المسكينة، فاتقِ الله فيها: ( اضربوهن ولن يضرب خيراكم ).

إخوتي الكرام! الحديث ضعيف، لكن له طرق وشواهد، والأصل ثابت كما تقدم معنا، فيه عدي بن الفضل ، وفي المجمع عندكم علي بن الفضل وهذا خطأ ليس علياً ، إنما هو عدي بن الفضل التميمي أبو حاتم البصري وهو متروك، لم يخرج له أحد من أهل الكتب الستة إلا الإمام ابن ماجة فقط، وتوفي سنة إحدى وسبعين ومائة للهجرة.

قصة ضرب الوليد بن عقبة لامرأته

وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام في العصر الأول إذا اشتكت امرأة إليه من زوجها أنه يضربها يجيرها، ويقول لها: اذهبي إلى زوجك وقولي له: أجارني رسول الله عليه الصلاة والسلام، أنا في جواره، فقدر هذا الجوار ولا تضربني مرة ثانية، أي: هو يتدخل عليه صلوات الله وسلامه: ( رفقاً بالنساء، رفقاً بالقوارير ).

وقد ثبت الحديث بذلك -وهو حديث صحيح- في زيادات عبد الله ولد الإمام أحمد رضوان الله عليهم أجمعين، على المسند في الجزء الأول صفحة واحدة وخمسين ومائة وصفحة اثنتين وخمسين ومائة، كما أن الحديث رواه البزار وأبو يعلى بسند رجاله ثقات كما قال الإمام الهيثمي في المجمع في الجزء الرابع صفحة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، ولفظ الحديث من رواية علي رضي الله عنهم أجمعين، (أن امرأة الوليد بن عقبة ) وهو ممن تأخر إسلامهم، أسلم عند فتح مكة، (أن امرأة الوليد بن عقبة رضي الله عنهم أجمعين أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن الوليد يضربني)، يعني تقول: الوليد يضربني، تشكو زوجها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( قولي له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجارني )، أنا دخلت في جوار رسول الله عليه الصلاة والسلام، لا ترفع يدك علي مرة ثانية، يقول علي: (فلم تلبث إلا يسيرا حتى عادت إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقالت: يا رسول الله! ما أقلع عني، ما زادني إلا ضربا)، قلت له: أنا في جوار رسول الله عليه الصلاة والسلام وأجارني رسول الله عليه الصلاة والسلام فكف عن ضربي، قالت: ما أقلع عني وما زادني إلا ضربا، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام مرة ثانية: ( قولي له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أجارني ) فمكثت ساعة ثم عادت تقول ما ذكرته سابقاً، ما أقلع عن ضربها وما زادها إلا ضرباً، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: ( اللهم عليك بـالوليد مرتين أو ثلاث: أثم بي مرتين، أثم بي مرتين )، ارتكب إثماً، وغدر وما راعى هذا الجوار، وورد أن النبي عليه الصلاة والسلام أرسلها مرة ثالثة وأعطاها هدبة من ثوبه، أي: قطعة من ثوبه علامة أنها صادقة فيما تقول، وهذه قطعة من ثوب الرسول على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، لتكون علامة على أنها في جواره، وأن ينكف الوليد بن عقبة عن ضربها فما انكف، إنما ما زادها إلا ضرباً وما أقلع عن ضربها: ( اللهم عليك بـالوليد مرتين أو ثلاث: أثم بي مرتين )، حقيقة ضرب فتدخل النبي عليه الصلاة والسلام، كف عن ضربك وقف عند حدك.

ولذلك هذه الدعوة التي صدرت من نبينا عليه الصلاة والسلام نحو هذا الإنسان لما جرى منه، بقي لها أثر في حياته غفر الله له ورحمه ورضي عنه وعن الصحابة والمسلمين أجمعين، هذا أعني الوليد بن عقبة هو أخو عثمان بن عفان لأمه، وقد ولاه عثمان عندما آلت الخلافة إليه الإمرة على بلاد الكوفة، لكن كما قلت فيه هذا الأمر: ( اللهم عليك بـالوليد مرتين أو ثلاث: أثم بي )، ولاه على بلاد الكوفة، فصلى بهم صلاة الصبح -ونسأل الله أن يغفر لنا وله وللمسلمين أجمعين- وهو سكران، وحديثه ثابت في المسند وصحيح مسلم وسنن أبي داود وابن ماجة ومسند الدارمي وكتاب شرح معاني الآثار للإمام الطحاوي، والحديث رواه الإمام البيهقي في السنن الكبرى، صلى بهم وهو سكران ركعتين، ثم التفت وقال: أزيدكم؟ أزيدكم؟ قال الإمام ابن عبد البر : قصة صلاته الصبح أربعاً، والثابت كما قلت في صحيح مسلم وغيره ركعتين وقال: أزيدكم؟

وورد في غير ذلك أنه صلى أربعاً وقال: أزيدكم؟ والقصة صلاته الصبح أربعاً وهو سكران مشهورة مخرجة في الصحيحين.

فرفع الأمر إلى عثمان رضي الله عنه وعن الصحابة الكرام فاستدعاه، وحقق في الأمر بعد أن شكاه عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، فشهد حمران مولى عثمان أنه رآه يشرب الخمر، يعني رأى الوليد بن عقبة، وشهد آخر أنه رآه يتقيأها فقال عثمان: والله ما تقيأها إلا بعد أن شربها، متى يتقيأ الإنسان الخمر إلا بعد أن يستقر في جوفه، ذاك يقول: أشهد أنا رأيته يشرب، وواحد آخر يقول: أنا أشهد رأيته يتقيأ ما رأيت يدخل.

والحديث من رواية حضين بن المنذر أبو ساسان ، وقد حضر هذا المشهد عند عثمان رضي الله عنهم أجمعين عن الصحابة الكرام، فبعد أن تمت الشاهدة قال ذو النوري لـعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين: يا أبا حسن قم فاجلده، هذا الآن استوجب الحد لابد من جلده حد الخمر، فقال علي لولده الحسن : يا حسن قم فاجلده، وعثمان رضي الله عنه لا يريد من علي أن يباشر الضرب إنما يقول له: أنت مفوض بأن تعهد إلى من شئت بإقامة الحد عليه، أنت تصرف وأنت الآن نائبي في ذلك، فقال لولده: قم فاجلده، لكن الحسن رضي الله عنه وأرضاه كأن الأمر ما راق له تماماً فقال: ولِ حارها من تولى قارها، كأنه يريد أن يقول: أنت الآن يا والدي لم تتحمل هذه الشدة؟ عثمان هو الخليفة ينعم بخيرات الخلافة وبعزها وبالمكانة فيها فليتحمل هو الضر، لمن يضرب بيديه أو أن يكلف أحداً بالضرب، أما نحن ما لنا في هذا، بما أنه عزلنا عن الخلافة فلا نتحمل تنفيذ الحدود وما فيها من شدة، وكأنه يريد أن يقول: ولِ شدتها من تولى نعمتها، ولي حركتها من تولى سكونها، وهذا الضرب يقوم به من ينعم بالخلافة.

فكأن علياً رضي الله عنه وجد عليه وما كلمه، ثم قال لـعبد الله بن جعفر: قم فاجلده، فقام عبد الله بن جعفر وبدأ يجلد أمير الكوفة الذي هو الوليد بن عقبة الذي قال النبي عليه الصلاة والسلام فيه: ( اللهم عليك بـالوليد مرتين أو ثلاثة )، وعلي يعد حتى وصل إلى أربعين جلدة، قال: قف، جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إليّ، وهو الجلد أربعين ووقف عند هذا الحد. وما يتعلق بحد الخمر يأتينا إن شاء الله الكلام عليه وعلى تفصيله بمقداره إن شاء الله مبيناً في مباحث سنن الترمذي بعون الله.

الشاهد إخوتي الكرام ضرب زوجته فاستجارت برسول الله عليه الصلاة والسلام فأجارها وقال: ( قولي له: أجارني رسول الله عليه الصلاة والسلام )، مرةً ومرةً، وفي الثالثة أعطاها قطعة من ثوبه علامة على أنها في جوار نبيها على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، ومع ذلك فالإنسان فيه هذه الصفة، ما زاده ذلك إلا ضرباً لها وما أقلع عن ضربها: ( اللهم عليك بـالوليد مرتين أو ثلاثة: أثم بي وما راعى جواري )، فانظر ماذا ترتب على ذلك بعد ذلك في آخر حياته، غفر الله له ورحمه، يعني مع ما صدر منه من شرب الخمر كما يقول الإمام الذهبي في السير في ترجمته في الجزء الثالث صفحة ثلاثة عشرة وأربعمائة يقول: مع شربه للخمر والله يسامحه كان شجاعاً قائماً بأمر الجهاد ورحمة الله واسعة، وليس من شروط الإيمان أن لا يخطأ الإنسان، لا، كل بني آدم خطاء، إنما لا يصر على الخطأ، ولا بعد ذلك ينقض إيمانه بأنه يستحل ما حرمه عليه ربه، وأما أنه يقع في خطأ فكل بني آدم خطاء، مع ما جرى منه كان شجاعاً قائماً بأمر الجهاد رحمة الله عليه وعلى جميع المسلمين والمسلمات.

إذاً إخوتي الكرام أمر الضرب حقيقة ينبغي أن نكف أنفسنا عنه، وهذه الأمور تعالج بالحكمة وعن طريق اللسان، وليس مباشرة باستعمال الضرب، وأحياناً الضرب بشيء فيه ابتذال واحتقار، يعني يأخذ الحذاء ويضرب، كما تقدم معنا من بعض النماذج، حقيقة هذا لا ينبغي أن يحصل، وإذا حصل من العامة فهو معيب، فإذا وقع من طلبة العلم فهو أشد ذماً وعيباً.

فاتقوا الله في أنفسكم إخوتي الكرام، واتقوا الله نحو أزواجكم، وبالحكمة تعالج الأمور، وأما أن تتطور بحيث يصل الإنسان إلى ضرب مبرح أو إلى ضرب مشين بحذاء أو بما شاكل هذا مما يدل على امتهانها فهذا لا ينبغي، فهي مؤمنة موحدة، والله جل وعلا خولك تدبير أمرها وأمر البيت فاتقِ الله فيها وفي نفسك.

النبي صلى الله عليه وسلم ما ضرب امرأة قط

إخوتي الكرام! كما قلت: إن نبينا عليه الصلاة والسلام ما لوح ولا أشار بيده المباركة الشريفة إلى امرأة، وقد تقدم معنا هذا ضمن بيان خلقه في أول المبحث، وأنه ما ضرب بيده امرأة قط عليه الصلاة والسلام، بل (ما ضرب شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله عليه صلوات الله وسلامه)، هذه اليد تستعمل في دفع أعداء الله، أما في ضرب عباد الله وأولياء الله من المؤمنين والمؤمنات فهذا ما ينبغي، مع أنه عليه الصلاة والسلام كان يتحمل ما يتحمل، ونساؤه أمهاتنا على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه لسن في مستوى الملائكة في الخلق، ولا يخفى ما كان يجري منهن من قصور وتقصير نحو نبينا الجليل على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه، لكن ذو صدر واسع يتحمل، ويعالج هذه الأمور بالحكمة وانتهى الأمر، أما أنه يأتي ويضرب، فحقيقة لا يليق بمروءة الرجل أن يضرب امرأة.

يذكرون في ترجمة حياة الحيوانات وأخبار الحيوانات كما يذكر الجاحظ وغيره في حياة الأسد، يقول: الأسد من خصاله وشهامته أنه لا يفترس أنثى، يعني لو رأى امرأة في الصحراء ما يأكلها ولا يعتدي عليها، هذا يقول كأنه يعني معيب، يعني أسد يأتي يظهر قوته على امرأة هذا امتهان، نعم الثعلب يمكن أن يعتدي على امرأة، وكذلك القرد ممكن، أما الأسد فما يأتي، ومرة بعض الناس كان مع زوجه في صحراء وفلاة فسمع زئير الأسد فارتعد خوفاً، فأخذ لباس زوجته، ولبسه من أجل أن يظهر أنه امرأة، فالأسد لما اقترب شمه وميز الرجل من المرأة، فلما عرف أنه تزيا بزي امرأة ما افترسه أيضا، لكن رفع رجله وبال عليه وتركه، وما أكله، يعني ما دام أنك نزلت إلى هذا الحد خلاص لن أفترسك، فما من أسد يأكل امرأة حقيقة.

كذلك أنت مؤمن وهذه مؤمنة فكيف تغلق الأبواب وتظهر عليها الرجولة، يا عبد الله هذه ليست شهامة، فاتق الله في نفسك، ( لا يضرب الخيار )، متى ما ضرب الإنسان زوجته خرج عن صفة الخيرية، وأمره إلى رب البرية، فكف يدك عن ضرب زوجتك، ولذلك كان نبينا عليه الصلاة والسلام لا يلوح بيده الشريفة المباركة إلى امرأة وإلى أنثى.

نحن نهينا إخوتي الكرام أن نقتل المرأة المشركة في الحرب وإذا رأيناها نتجنبها، فكيف بزوجتك المؤمنة تأتي تضربها حتى يغمى عليها!

صورة من خلق النبي عليه الصلاة والسلام مع نسائه

انظر لخلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع نسائه، ثبت في المسند وسنن أبي داود والنسائي بسند حسن من رواية النعمان بن بشير رضي الله عنهم أجمعين قال: (استأذن أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه على النبي عليه الصلاة والسلام فسمع صوت أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضها وهي ابنته رضي الله عنهم أجمعين عالياً)، وهذا كان يقع بكثرة، قلنا: المرأة كانت تصيح في النبي عليه الصلاة والسلام في وجهه وتهجره اليوم والليلة، ويتحمل منها عليه صلوات الله وسلامه، ولما علم عمر هذا ذهب إلى حفصة وتحقق منها، يعني حذرها وقال: أخشى أن يغضب الله عليكن اتقين الله، الواحدة منكن تهجر رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى الليل، وترد الكلام في وجهه وتراجعه، قالت: نفعل ذلك، يتحمل منا ولا يغضب ولا يتأثر، يعني: أنت لماذا أنت تطور الأمر.

فسمع صوت عائشة عالياً، فأذن النبي عليه الصلاة والسلام لـأبي بكر فدخل، فلما دخل هذه ابنته، وتقدم معنا قلت: الإنسان له دالة على ابنته لاسيما من أجل زوجها، قد يضربها لكن بالنسبة لزوجته ليس كذلك، فـأبو بكر رضي الله عنه أراد أن يضرب ابنته أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، أما زوجته لا يلوح بيده نحوها، لكن هنا إنها ابنته وهي قطعة منه، ثم بعد ذلك إجلالاً للنبي عليه الصلاة والسلام، فقال لـعائشة: لا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله عليه الصلاة والسلام ورفع يده ليلطمها، فحجزه النبي عليه الصلاة والسلام مباشرة فأمسك به ومنعه من ضرب ابنته أمنا عائشة على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، وخرج مغضباً، وافترق عن النبي عليه الصلاة والسلام في هذه الحالة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لأمنا عائشة: ( كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟ )، على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه. هي المخطئة! وهي التي ينبغي حقيقة أن تضرب من أبيها ومن زوجها على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، وفداه أنفسنا وآبائنا وأمهاتنا، ومع ذلك انظر لتواضع خير خلق الله عليه الصلاة والسلام، والبر بأهله ولملاطفته بنسائه، قال: ( كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟ )، أراد أن يضربك وأن يلطمك خلصتك منه، قال: فمكث أياماً، يعني أبو بكر، ثم استأذن فوجدهما وقد اصطلحا.

يا عبد الله! لا يوجد في الأصل خصومة، إنما طبيعة الحياة لابد فيها، من شوائب، لابد فيها هذا وضع حياة الدنيا، وأما الحياة التي لا شائبة فيها: لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ [الحجر:48]، تلك في الجنة، أما في الدنيا لابد من نصب، ولابد من هم وتعب، ولذلك أهل الجنة يقولون: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:34].

فوجدهما قد اصطلحا، فانظر أيضاً لحسن خلقه رضي الله عنه وأرضاه أيضا، قال: أدخلاني في فرحكما كما دخلت في حربكما، يعني كما أنه في حال المحاربة دخلت وأردت أن أضرب، الآن يعني أشارك في هذا الصفاء وهذا الود والأنس، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( قد فعلنا، قد فعلنا )، ادخل وشارك في الصفاء لكن الحرب لا تشارك فيه أبدا، يعني أختصم مع نسائي، وفي النهاية تنتهي الأمور على خير، أما تأتي مباشرة تلطم وتضرب ما يستدعي الأمر هذا، بعد فترة قصيرة يذهب ما في النفس وانتهى الأمر.

وفي بعض الأحيان ما ملك أبو بكر رضي الله عنه نفسه قبل أن يحجزه النبي عليه الصلاة والسلام فتأثر النبي عليه الصلاة والسلام غاية التأثر.

ثبت الحديث بذلك في صحيح ابن حبان، انظروه في موارد الظمآن في صفحة تسع عشرة وثلاثمائة من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قالت: (استعذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر من عائشة، مني)، وقولها: استعذر أي: طلب من أبي بكر أن يعذره وأن يقوم بعذره إذا أدب النبي عليه الصلاة والسلام ابنته، يعني عائشة، يقول: هذه تخطئ، وأنا إذا أدبتها أنت أبوها لا ينكسر خاطرك، لا تظن أن هذه إهانة لك، أنا أشرح لك وضعها حتى إذا بلغك تأديبي لها تقوم بعذري وتلتمس عذراً لي.

استعذر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر، يطلب منه كما قلت أن يعذره وأن يلتمس له عذراً إذا حصل تأديب من نبينا عليه الصلاة والسلام لأمنا عائشة، ولم يظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينال أبو بكر منها بالذي نال منها، ما كان يظن أنه عندما يعرض عليه ما تفعله أمنا عائشة أن أبا بكر سيتسرع أو يثور ويقع منه ما لا يريده نبينا عليه الصلاة والسلام، قالت عائشة: فرفع أبو بكر رضي الله عنه يده فلطمها وصكها في صدرها، الآن وصل إليها، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك، أي: غضب وتأثر وقال: ( يا أبا بكر ! ما أنا بمستعذرك منها بعد هذا أبداً )، لن تسمع مني كلمة عن عائشة، مادام الأمر كذلك أنا أشرح لك حالها من أجل أنك تعظها، يعني تنصحها، تساعدني عليها، يعني نتعاون على البر والتقوى، أما مباشرة تقوم تلطم وتصك الصدر: ( ما أنا بمستعذرك منها بعد هذا أبدا )، لن تسمع كلمة مني عن ابنتك مهما جرى منها، انظر لهذا الخلق العالي الرفيع، ممن رباه ربنا فأحسن تأديبه وقال في حقه: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].

إخوتي الكرام! حقيقة هذه هي الرجولة، وهذا هو الكمال، وهذه هي الشهامة، أن تنال زوجتك من عطفك وحنانك ورحمتك ما لا يناله غيرك، وأن يكون لها من ذلك النصيب الأوفى، وأما هذه المسكينة ليس لها إلا العبوس والكلام القاسي والشتم والضرب حتى الإغماء، ثم مواصلة الضرب، وبعد ذلك إذا خرجت إلى الناس يعني تتلقاهم بالبشر.

يا عبد الله! هذا لا يصح. أولى الناس ببشرك وإحسانك هذه المرأة التي هي عانية عندك كما تقدم معنا، ولك في رسول الله عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة، وانظر لهذه المعاملة الرفيعة، ضرائر رضي الله عنهن وأرضاهن، شريكات حياة شديدة، حياة شظف وشدة، وتقدم معنا يطوون الليالي لا يجدون عشاء يملئون به بطونهم، ومع ذلك يجري منهن ما يجري ويتحمل رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولا يقابل واحدة بكلمة قاسية فضلاً عن ضربة قاضية.

أخي الحبيب! انتبه لهذا وتخلق بأخلاق من أمرت باقتفاء والاقتداء به على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

آداب الضرب في الشريعة المطهرة

إخوتي الكرام! أبيح لنا في شريعتنا المطهرة الضرب برفق، بشرط أن لا يصاحب ذلك الضرب بذاءة في اللفظ ولا فحش في القول، وبشرط أن لا تضرب الوجه، فهذا أشرف أعضاء الإنسان، وهو أيضاً محل الأعضاء الحساسة الخطرة، فإذا ضربت الأنف شوهت الوجه، وإذا قلعت العين شوهت الوجه، وإذا ضرب على الأذن أفسدت حاسة السمع، وإذا زاد الضرب على الرأس ربما أصبت الدماغ، هذا عضو حساس فتجنب الوجه، نحن عندما نقيم الحد على الزاني، وعلى شارب الخمر لا نضربه على رأسه، ولا نضربه على وجهه مع أنه بمعنى العقوبة، نضرب نتجنب الأماكن الخطرة، فزوجتك تريد أن تضربها ستخرج عن الخيرية لكن لا تقع أيضاً في الخصال الشرية والردية، لا تضرب الوجه، يعني يكفي أنك خرجت عن الخيرية، لكن لعلك لا تقع في الشرية والإثم، لا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا فحش في القول ولا سب ولا بذاءة، وإذا خرج منها ما خرج بطرف السواك الذي هو كالخنصر: يا أمة الله! إلا تتقي الله في عشرتي، يا أمة الله أنتِ لم تصرين في ما أوجبه الله عليك؟ من هذا الكلام، ضربتها ضربتين ثلاث، يعني دللت على أنك متأثر منفعل غير مرتاح منها، ليس هو المقصود أنك تضربها حتى يغمى عليها، فانتبه لهذا.

فأبيح الضرب على أن يكون برفق لا يصاحبه بذاءة في اللفظ وفحش في القول، وأن لا يحصل الضرب على الوجه.

الأصل عدم سؤال الزوج إذا ضرب زوجته

وإذا حصل من الزوج هذا فليس من حق أحد أن يسأله: لم ضرب زوجته؟ إنما الذي سيسأله رب العالمين الذي سيسأل الأولين والآخرين، نعم، أنت إذا ضربت زوجتك برفق وتجنبت الوجه ولا فحش في القول ولا بذاءة في اللفظ، ليس من حق أحد أن يقول لك: لم ضربت زوجتك؟ أسرار الزوجية لا يوجب أن تنشر لأحد، افرض أنك طلبت الزوجة لحاجتك فامتنعت فتأثرت فضربتها، فشكتك مثلاً إلى أهلها تقول: هي تمتنع مني، هذا لا يصح أن يقال، وليس من حق والدها أن يقول: لم ضربتها؟ إذا كان الضرب بالصفة المتقدمة، وليس من حق أحد، لا يسأل الزوج فيما ضرب زوجته، إنما من الذي سيسأله؟ رب العالمين، هل ضرب بحق أم لا، فيؤول هذا إلى المحكمة التي يحكم فيها الحكم العدل سبحانه وتعالى ليوفي كل إنسان ما عمل: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8].

أما في الدنيا فليس من حق أحد أن يقول له: لم ضربت؟ أسرار الزوجية لابد من المحافظة عليها، إنما إذا خرج عن الضرب الشرعي، ضرباً مبرحاً، ضرباً على الوجه، فحش وبذاءة في اللفظ يقال: قف عند حدك واتقِ الله، ما أذن لك الشرع بهذا أنت تجاوزت، فلابد الآن من محاسبتك وردعك وإيقافك عند حدك، أما الضرب المشروع لا يجوز لأحد أن يسأله: لماذا؟ وأسرار البيوت ينبغي أن تبقى بين الزوجين، وأن لا يطلع عليها إلا رب الكونين، ليس من حق الأبوين ولا أحد من خلق الله أن يعلم ما يجري بين الزوج وزوجته، ومن تدخل في ذلك فهو فضولي وهو آثم عند الله جل وعلا، هذا لا دخل لك فيه، قف عند حدك، ولا تقل: علام ضربت ابنتي؟

إذا كان الضرب كما قلت ضرباً غير مبرح ما معه فحش ولا بذاءة، ليس هناك ضرب على الوجه، فلو قدر أن المرأة اشتكت إلى أبويها وقالت: يضربني، يقول: كيف صفة الضرب؟ قالت: كذا، يقول: يا أمة الله! تحملي ليس من حق أحد أن يسأله، ولا يجوز أن يحقق معها، هذا سيؤول إلى الله جل وعلا، ولن يضيع من حقك شيء، اصبري، وإذا كان على حق فيما ضرب فانتهى، لكن إن خرج عن الخيرية فهذا موضوع آخر، ولكن كما قلت: ليس من حق أحد أن يسأله لم ضرب إذا وقع الضرب منه بتلك الصفة.

كيفية التعامل مع الزوجة التي لا توقر زوجها

وهذه الأمور التي ذكرتها كلها ثابتة في شريعتنا المطهرة، وقررها علماؤنا البررة بناء على ما ثبت من أحاديث صحيحة مشتهرة، منها:

ما ثبت في المسند وسنن أبي داود وصحيح ابن حبان، والحديث رواه الإمام الشافعي في مسنده والحاكم في مستدركه، والبغوي في شرح السنة، والحديث رواه مختصراً الإمام النسائي أيضا وابن ماجة في السنن، والبيهقي في السنن الكبرى، وإسناده صحيح كالشمس، كما نص على ذلك الحافظ ابن حجر في الإصابة في الجزء الثالث صفحة ثلاثين وثلاثمائة، ونص على هذا شيخ الإسلام الإمام النووي وغيره عليهم جميعاً رحمة الله، والحديث من رواية لقيط بن صبرة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! إن لي امرأة في لسانها شيء)، يعني البذاءة كأنها لا توقر زوجها وتغلظ عليه، وليس المراد من البذاءة سبٌّ للأب أو الأم، أو الكلام الذي يعني الفحش كما يجري من الناس الذين لا يتقون الله، لا، البذاءة المراد منها غلظ في الكلام نحو الزوج، يعني: إن كلمها لا تقول سمعاً وطاعة يا أبا فلان يا كذا، لا، إنما تقابل الكلام بعنف، وليس في الكلام رقة وليونة وانقياد، هذه بذاءة، يعني مثلاً زوجتك خاطبتها ما أقبلت، ولتك مثلاً ظهرها، دخلت من الحجرة ما تبعتك، هذا كله تصرف بذيء منها، ليس معنى بذيء أن تأتي أن تقول لك: يا ابن كذا وكذا من الألفاظ القبيحة التي يتشاتم بها الناس، لا، ثم لا، لا المرأة ما تدخل بهذا نحو زوجها، لكن هذا كلاً من الصفات البذيئة في المرأة، الزوج دخل والمرأة مباشرة تركض وراءه ماذا يحتاج؟ ماذا يريد؟ يريد مثلاً يضع الثياب أخذتها منه، يريد أن يلبس الثياب ناولته إياها، إلا أنها إن تكلمت كما يقال: من طرف لسانها، وكأن الوضع لا يعجبها، هذه بذيئة في مسلكها.

فهنا قال: في لسانها شيء، يعني لا تكلمني برقة بانقياد لما يدل على الطاعة ما يصدر هذا منها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( طلقها )، الأمر سهل، هذه إذا كانت المرأة لا تتقي الله في عشرة زوجها أباح الله لك الطلاق، كي تتخلص من ضرها، حقيقة امرأة لا تحترم زوجها هي شتان كما قلت إذا كان يصدر منها أحياناً، أنت مأمور بأن تتحمل، لكن إذا كانت هذه طبيعة فيها وأنها تستعلي على زوجها، ولا ترى أن زوجها يكافئها تترفع عليه بالكلام، حتماً دون سب بالألفاظ الشنيعة، لكن مع ذلك هذه حياة لا يطيقها الزوج، الزوج ينبغي أن يشعر أنه سيد مطاع محبوب مكرم، مثله مثل الأب، يعني إذا كلمه ولده يجيبه بطرف لسانه أو يعرض عنه. حقيقة لأن يكون الوالد عندما يكلم ولده يعني لو كلمت العدو أحسن مما يكلم هذا الابن، هذا في الحقيقة لا يصلح.

انظر لخطاب خليل الرحمن إبراهيم على نبينا وآله صلوات الله وعلى نبينا وخليل الرحمن إبراهيم وأنبياء الله ورسله جميعاً صلوات الله وسلامه، عندما يخاطب أباه المشرك، وذاك أبوه يهدده واسمع تهديده: لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ [مريم:46]: يا أبتِ، يا أبتِ، يا أبتِ، سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا [مريم:47]، أما أن يقول له: يا ضال يا مضل يا كذا، أو أن يعرض عنه، لا يصلح هذا، هذا مقام ينبغي أن تعرف حدك إذا كنت ولداً، وأنت زوجة تعرفين حدك أيضا، وهنا كذلك، في لسانها شيء من البذاءة، قال: ( طلقها )، خلص نفسك منها، فقال: (يا رسول الله! إن لي منها ولداً ولها صحبة)، يعني لي منها أولاد وصاحبتني فترة، كأنه يريد أن يقول: وهذه الصحبة لا أريد أن أقابلها بقطيعة.

حقيقة الإنسان يصعب عليه الفراق، لاسيما صحبة خاصة ما تحصل بين أحد إلا بين الزوجين، يعني في النهاية أقطع هذا الحبل، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( فمرها )، يعني عظها، ذكرها بالله وخوفها، وإنك سيد إنك زوج، ولو كنت قرحة تنبلس قيحاً وصديداً من مفرق رأسك إلى قدميك فلحسته ما أدت حقك كما سيأتينا، مرها عظها، فإن يكن فيها خير فستقبل وتنقاد ويذهب البذاءة عن لسانها.

ثم قال له النبي عليه الصلاة والسلام: ( يا لقيط ! لا تضرب ظعينتك ضربك أميتك )، يعني إذا أردت أن تأدب هذه المرأة التي في لسانها بذاءة أن تضرب بالحد الشرعي، هذه لا تضرب كضرب الأمة كضرب العبد كضرب الدابة، انتبه! ( لا تضرب ظعينتك كضربك سريتك )، يعني الأمة التي عندك، وليس في ذلك ترخيص بضرب الإماء ضرباً مبرحاً أو العبيد لا، ثم لا، إنما جرت عادة الناس أنهم يعاملون العبيد والإماء بهذه القسوة، أما الزوجة في الأصل لا تضرب كما يضرب العبد، وليس في ذلك ترخيص في ضرب العبد أو الأمة ضرباً مبرحاً يؤثر في الجلد، فلا يجوز هذا أيضاً وهو حرام، إنما كأنه يقول ما اعتاد الناس عليه من ضرب الإماء فلا تسلكه مع الزوجة، فلا يجوز للناس أن يعاملوا الإماء بتلك الصفة، فكيف أن تضرب زوجتك كضرب الأمة!،( ولا تضرب ظعينتك كضربك أميتك ).

الظعينة المراد منها هنا: الزوجة، وجمعها كما قال أئمتنا في كتب اللغة ظعن، وأصلها هي الراحلة التي يظعن الإنسان عليها، أي: يسافر عليها، وسميت الزوجة ظعينة لأنها تظعن مع الزوج أينما حل وذهب، يعني مثل الراحلة كما أن الراحلة يقال لها ظعينة، وأنت تظعن عليها تسافر عليها، هكذا الزوج، تصاحبك أينما كنت، ولذلك سماها ظعينة يعني أينما ذهبت وسافرت هي معك، ولذلك ( لا تضرب ظعينتك ضربك سريتك )، فانتبه لهذا، هذه تظعن معك وترافقك في كل مكان، لها صحبة خاصة، فاتقِ الله فيها؛ ولذلك يقال لها: حليلة كما قال الله: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23]، وقيل لها ذلك لأنها تحل مع الإنسان حيثما حل، أينما حللت تحل معك؛ ولأنها تحل له أن يتمتع بها وأن تتمتع به.

والمعنى الثالث كما قال أئمتنا في كتب اللغة وكتب التفسير أن كل واحد من الزوجين يحل له أن يحُل إزار صاحبه، ومن عداهما لا يفعل هذا.

إذاً هذه ظعينة، تظعن معك أينما كنت، وقيل: سميت ظيعنة لأنها تظعن على الراحلة، يعني إذا سافر الإنسان يضع زوجته على الراحلة، وقد يكون هو على راحلة وقد يكون ماشيا، أما الزوجة فيؤثرها بأن تكون على الراحلة من أجل أن يرفق بها وأن يكون أستر لها؛ لأنها تظعن على الراحلة، إذا ظعنت أي: سافرت مع الزوج، فسميت باسم السبب، الذي هو سبب في ظعنها عندما تظعن مع زوجها تكون عليه.

إذاً إما لأنها تظعن مع الزوج وتكون معه أينما ظعن وسافر، وإما إذا ظعنت مع زوجها تركب على الظعينة فسميت باسم الظعينة التي تركبها، ( لا تضرب ظعينتك ضربك أميتك )، الشاهد الضرب مباح لكن بشرط أن لا يكون شديداً قاسياً كما سيوضح هذا روايات أخرى كثيرة، إذاً مباح بهذه الصفات.

النهي عن الضرب المبرح للنساء

أما إذا كان الضرب مبرحا يترك أثراً على الجلد فقد نهينا عنه بصريح كلام نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد أعلن نبينا صلى الله عليه وسلم هذا النهي في أعظم المواسم وأشهر المجامع ألا وهو حجة الوداع على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، عندما حج بالمسلمين في العام العاشر أعلن هذا النداء أمام العالم الإسلامي ليتناقله المسلمون إلى يوم القيامة أنه لا يجوز أن تضرب المرأة ضرباً مبرحاً يترك أثراً على الجلد، وثبت الحديث بذلك في المسند وسنن أبي داود وسنن ابن ماجه، والحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه والدارمي في سننه والبيهقي في السنن الكبرى، من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، والحديث طويل وفيه يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: ( إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا )، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع من ربانا ربا العباس بن عبد المطلب رضي الله عنهم أجمعين فإنه موضوع كله )، فقال عليه الصلاة والسلام: ( فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله )، يعني بما أحله الله جل وعلا، وبالإيجاب والقبول على عقد النكاح، وبقول الله جل وعلا: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، هذا كله بكلمة الله، ( أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله ).

وما قاله بعض شراح الحديث بكلمة الله وبالتوحيد لا إله إلا الله، فالأمر أيضاً صحيح، ويجمع بين هذا وبين ما تقدم، يعني أحل لك هذا إذا كنت مؤمناً أن تتمتع بمؤمنة، ولو كنت كافراً لما حلت لك، لكن أنت مؤمن وينبغي أن تأخذها عن طريق ما أحل الله عن طريق العقد وينبغي أن تعاشرها بالمعروف.

قال: ( واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف )، إلى آخر الحديث، وهو ضمن حجة الوداع وهي طويلة، أخذت خمسة عشر صفحة من كتاب جامع الأصول في الجزء الثالث من صفحة تسع وخمسين وأربعمائة إلى صفحة خمس وسبعين وأربعمائة، وما قال النبي عليه الصلاة والسلام في تلك الخطبة الشهيرة، لكن محل الشاهد يعني ( أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن فاضربوهن ضرباً غير مبرح )، فالنبي عليه الصلاة والسلام يوصي أمته بالنساء في ذلك الموقف، ( فاتقوا الله في النساء، أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله )، إلى آخر الحديث، وهذه الوصية ثابتة من رواية عمرو بن الأحوص أيضا في سنن الترمذي وابن ماجة أيضاً في حجة الوداع.

يقول عمرو بن الأحوص بعد أن حمد رسول الله صلى الله عليه وسلم حمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ، قال: ( ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوان )، جمع عانية يعني أسيرات ضعيفات مسكينات عندكم، ( فإنما هن عوان ليس تملكوا منهن شيئاً غير ذلك )، يعني ما تملكوا منها إلا أنها في رعايتك وأنت مسئول عنها، ليس معناها أنك تستبد بأمورها وتظلمها وتعتدي عليها، لا، ثم لا، حين أنت سيد وهي تابعة فقط، ( ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة )، والمراد بالفاحشة المبينة النشوز على الزوج والترفع عليه وعدم الانقياد والطاعة لها، وليس المراد من ذلك فاحشة الزنا، لا، ثم لا، لا تراد منها هنا على الإطلاق، ( إلا أن يأتين بفاحشة مبينة )، في معصية ظاهرة في حق الزوج، من نشوز عليه وترفع وتطاول وعدم الانقياد له وامتناع عن عشرته، فإذا فعلت، ( فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع )، كما قال الله: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34]، ( فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضرباً غير مبرح )، أي: لا يظهر أثره على البشرة، ( فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا )، يقوله نبينا عليه الصلاة والسلام في أعظم المواسم وأفضل المشاهد في حجة الوداع في يوم عرفة، في عرفة: ( وإن لكم على نسائكم حقا ).

ثم قال عليه الصلاة والسلام: ( حقكم على نسائكم أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، وأن لا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون )، أي: لا يدخل أحد أنت تكرهه، ولا يدخل أحد إلا بإذنك، ( فإذا فعلن ذلك حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن ).

الحديث كما قلت: من رواية الترمذي وابن ماجه من رواية عمرو بن الأحوص رضي الله عنهم أجمعين، كرواية جابر أن الضرب لا يكون مبرحاً، وورد مثل هذا من رواية غير جابر وعمرو بن الأحوص.

ورد الحديث بذلك من رواية عم أبي حرة الرقاشي وهو من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ولم يسم، وحديثه في المسند في الجزء الخامس صفحة ثلاث وسبعين، وهو في مجمع الزوائد في الجزء الثالث صفحة خمس وستين ومائتين، أيضاً فيه أن النبي عليه الصلاة والسلام: ( رخص في ضرب النساء ضرباً غير مبرح )، قال حميد للحسن البصري : ما المبرح؟ هذا في رواية المسند تفسير المبرح، ما المبرح؟ فقال الحسن: المبرح هو المؤثر، يعني الذي يترك أثراً في الجلد، وكما قلت عمّ أبي حرة صحابي والراوي عنه أبو حرة، وأبو حرة وثقه أبو داود وضعفه ابن معين، وفي إسناد الحديث علي بن زيد أيضاً وحوله كلام، والحديث يشهد له ما تقدم من أنه يباح ضرب النساء ضرباً غير مبرح من رواية جابر في صحيح مسلم وغيره، ومن رواية عمرو بن الأحوص في سنن الترمذي وغيره.

وروى الحديث بذلك أعني الترخيص في الضرب ضرباً غير مبرح من رواية ابن عمر في مسند البزار، قال الإمام الهيثمي في المجمع في الجزء الثالث صفحة ست وستين ومائتين: وفي إسناده موسى بن عبيدة وهو ضعيف، وعليه صار الحديث من رواية أربع من الصحابة، من رواية ابن عمر وعم أبي حرة وعمرو بن الأحوص وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين، وينظم إليها الرواية الخامسة رواية لقيط بن صبرة كما تقدم معنا: ( ولا تضرب ظعينتك ضربة أميتك ).

هذه خمس روايات تبين لنا أن الضرب ينبغي أن يكون خفيفاً، للتعبير على أن الزوج غير مستريح لتصرف الزوجة، لكن لا يجوز أن يترك أثراً على بدنها، ومع ذلك ينبغي أن يتجنب الوجه، وأن يتجنب الخسة في الضرب فلا يضربها بحذاء ونحوه، وهذا امتهان لها، ومع ذلك كما قلت يتجنب البذاءة في اللفظ وضرب الوجه.

إخوتي الكرام! إذا ضرب الإنسان زوجته ضرباً غير مبرح خرج عن صفة الخيار، إذا التزم بالشروط المتقدمة، فإذا ضرب الوجه فقد ارتكب إثماً وتحمل جرماً وعصى الله جل وعلا، فانتبه لهذا.

التحذير من ضرب الزوجة على وجهها

وقد حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من هذا الأمر وأنه لا يجوز للإنسان أن يضرب زوجته على وجهها.

وقد ثبت الحديث بذلك في المسند وسنن أبي داود وابن ماجة، والحديث رواه الحاكم في المستدرك وابن حبان في صحيحه والبيهقي في السنن الكبرى، ونسبه الإمام المنذري في كتابه تلخيص السنن للإمام النسائي ولعله في السنن الكبرى كما رأيته في السنن التي هي بين أيدينا، والحديث رواه أبو داود في كتاب النكاح، وبوب عليه باب حق المرأة على زوجها، يعني من حق المرأة على زوجها إذا أدبها أن يتجنب ضرب الوجه.

ولفظ الحديث من رواية بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، والجد هو معاوية بن حيدة وهو صحابي رضي الله عنهم أجمعين والحديث إسناده حسن، قال: (قلت: يا رسول الله! نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر؟) ما الذي يحل لنا من عشرتهن؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ( ائتِ حرثك أنى شئت )، يباح لك العشرة بجميع ما يدخل تحت هذا اللفظ من معنى، ولا يحرم عليك إلا المكان الذي ليس بحرث فقط، وما عدا هذا تمتع بما شئت من هذه المرأة من رأسها إلى رجليها، لكن كما قلت: المكان الذي ليس بموطن للحرث تجنبه.

وقد تقدم معنا سابقاً وقلنا: يحرم للإنسان أن يأتي زوجته وأن يباشرها في المحل المكروه، وهذا من الكبائر نسأل الله العافية.

( ائتِ حرثك أنى شئت )، أي: على أي كيفية شئت، ( وأطعمها إذا طعمت )، هذا من حق الزوجة عليك: ( واكسها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه ولا تضرب )، يعني: ولا تضرب الوجه، ( ولا تقبح الوجه ولا تضرب )، قال أبو داود: لا تقل: قبحك الله، وقبح الله وجهك، هذا لا يجوز أن تقوله لزوجتك: قبحك الله، قبح الله وجهك، ( ولا تقبح الوجه، ولا تضرب )، يعني الوجه لا يجوز أن تضربه، ولا يجوز أن تقول كلاماً بذيئاً للزوجة، وإذا نهيت أن تقبح خلقة الزوجة فمن باب أولى أنت منهي عن سب آبائها وأهلها كما يفعل كثير من السفهاء، يعدوا على الزوجة يسب أباها وأمها وأسرتها.

يا عبد الله! أما تستحي من الله، يعني هذه هي نتيجة الإحسان وجزاء الإحسان، أكرموك وزوجوك فإذا اختلفت مع زوجتك أبيح لك التأديب بالصفة الشرعية، أما بذاءة عليها وعلى أهلها بسفاهة، من أذن لك بهذا؟ ولم تفتري وتتجاوز حدود الشرع عندما تغضب وتنفعل وتريد أن تؤدب زوجتك؟ فأنت مع زوجتك لا يجوز أن تقول لها كلمة بذيئة في حال التأديب، فمن باب أولى لا يجوز أن توجه الكلام لأهلها، فاتقِ الله في عشرة زوجتك، فإذا أردت أن يكون الزوج مغنماً راعِ هذه الآداب الشرعية، وإلا سيصبح مغرماً ونسأل الله العافية وحسن الخاتمة.

وفي بعض روايات الحديث قال معاوية بن حيدة رضي الله عنه وأرضاه: (يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وأن تكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ) لا تضرب الوجه ولا تقل: قبح الله وجهك، قبحك الله، لا تقل هذا، أي: جعلك قبيحة.

يا عبد الله! هذه مؤمنة، وخلقها الله في أحسن تقويم، والله لو اجتمع أهل الأرض ومعهم أهل السماء أن يخلقوا مثل هذا المخلوق لما استطاعوا، إلا إذا أذن الله جل وعلا وقدر وشاء ذلك، هذا المخلوق تقبحه، افرض لها في خلقتها، يعني شيء من الدمامة على حسب مفهومك، لكن هذا خلق في أحسن تقويم.

سبحان من أنطق بني آدم بلحم، وبصرهم بشحم، وأسمعهم بعظم: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21]، حياة عظيمة، يعني إذا ما راقت لك الخلقة يعني هذه معناها دميمة، لا أنت وأهل الأرض قاطبة ما بإمكانكم أن تخلقوا بعوضة ولا ذبابة فضلاً عن هذا المخلوق الذي هو في أحسن تقويم، فعَلام بعد ذلك البذاءة وخشونة اللفظ، ( لا تقبح ولا تضرب الوجه ).

تحريم هجر الزوجة إلا في البيت

الصفة الثالثة الآن هنا أيضاً من الأمور المنهي عنها: ( ولا تهجر إلا في البيت )، الهجر الذي رخص لك أن تفعله: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء:34]، أن تهجرها في المضجع، مع أنك تبيت معها في فراش واحد لكن قال: توليها ظهرك، لتدل على أنك غضبان منفعل، يعني ما تلتفت إليها توليها ظهرك، فحتماً هذا فيه إساءة إليها، وإذا كانت واعية بعد ذلك ستندم وتعتذر، ولو قدر اعتزلت الفراش لكن بين الحجرة ذهبت إلى فراش آخر، أما أن تخرج من البيت بكامله، أو أن تخرجها هي من البيت، غضبت عليها: الحقي بأهلك وانصرفي، لا يا عبد الله، خلاف يزول، ولذلك لا تقبح، لا تضرب الوجه، لا تهجر إلا في البيت، اتركها ثم بينك وبين زوجك، يعني حتى إذا هجرت لا ينبغي أن يعلم أولادك، هذا في الحجرة الخاصة لما جئت لتنام وليتها ظهرك، وإذا جاءت قالت: لم؟ قل: يا أمة الله! ألا تتقين الله في صحبتي، ولذلك لابد من هذه المعاملة إلا إذا تبت وأنبت.

هذا كما قلت من الآداب الشرعية التي ينبغي للإنسان أن يقوم بها من أجل أن يكون الزواج مغنماً له.

جماع الكلام على حكم سؤال الرجل فيم ضرب امرأته

إخوتي الكرام! كما قلت في أول هذا المبحث: لو قدر أن الزوج بعد ذلك تصرف فيما أبيح له فضربها وتجنب الوجه وما قبحها ولا تسفل في الألفاظ في هذه الحالة كما قلت خرج عن الخيرية، لكن لا يجوز لأحد من البرية أن يسأله: لم ضربت زوجتك، لا والد ولا من دونه، لو جاء الوالد وقال له: لم تضرب ابنتي وقد أكرمتك بها؟ يقول: هذا ليس من دخلك، وليس من اختصاصك ولا يجوز أن تبحث عن هذا، وأنت عندما تسأل آثم.

وكما قلت إخوتي الكرام: أسرار الزوجية ما ينبغي أن يعلم بها إلا رب البرية، يعني هل يليق بالإنسان أن يقول أمام الناس: طلبت زوجتي للفراش وامتنعت فعنتها وضربتها، يجوز هذا؟ حقيقة هذه بذاءة وخسة في الإنسان، ولا يجوز أن ينشر هذا ولا أن يقال، فهنا إذا بلغ الضرب الذي أبيح له، قلت: لن يسأل في الدنيا إنما يسأل أمام الله إذا اعتدى، هو خرج عن الخيرية، هذا موضوع آخر، رضي لنفسه بأن لا يكون من الخيار، لكن ليس من حقنا أن نحقق معه وأن نسأله مهما كان الإنسان، لا يجوز له أن يسأله: لم تضربها إذا كان الضرب بالصفة المتقدمة، إن ضرب الوجه قل: قف عند حدك وأنت عصيت ربك، إن قبح أو ضرب ضرباً مبرحا أثر على البشرة والجلد من باب أولى لو كسر عظماً نسأل الله العافية، فتوقفه عند حده وتدخل الأهل والقضاء وكل من عنده مروءة ليردع هذا الزوج.

أما ضرب ضرباً ليس فيه هذه الصفات، ضربها مثلاً بعود الأراك الذي بيده بشيء كذا، بضرب شرعي لا أثر كما قلت له على بدنها، لو قدر أن المرأة ما تحملت وشكت لا تسمع شكواها، ولا يجوز لأحد أن يأتي للزوجة ويقول: لم تضرب؟ إنما يجب على الإنسان أن يقول للزوجة: يا أمة الله! تحملي وهذا مما أبيح لزوجك فاتقي الله واصبري، وإذا كان مخطئاً فيؤول إلى أحكم الحاكمين ليحاسبه على فعله.

ثبت الحديث بذلك عن نبينا صلى الله عليه وسلم في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود ، والحديث رواه الإمام النسائي أيضاً في السنن الكبرى، ورواه الإمام ابن ماجة في سننه، والحاكم في مستدركه، والبيهقي في السنن الكبرى، وأبو يعلى في مسنده، ورواه الإمام الطيالسي في مسنده، وهكذا الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة، ولفظ الحديث من رواية عمر رضي الله عنه وأرضاه قال عمر بن الخطاب : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يسأل الرجل فيما ضرب امرأته )، ليس من حق أحد أن يسأله، لكن كما قلت الضرب المباح: ( لا يسأل الرجل فيما ضرب امرأته )، من أي شيء ضربها؟ وفي أي شيء تضربها؟ وما السبب؟ لا يجوز أن تسأل، وأنت لو فعلت كما قلت متطفل فضولي، سواء كنت والداً أو أخاً مهما كان شئنك، أسرار الزوجية هذه خاصة بين الزوجين: ( لا يسأل الرجل فيما ضرب امرأته )، إلا إذا تجاوز الضرب المشروع فيوقف عند حده، كما قلت من قبل الناس: ( لا يسأل الرجل فيما ضرب امرأته ).

وفي بعض روايات الحديث عن الأشعث بن قيس قال: (ضفت عمر بن الخطاب ) رضي الله عنهم أجمعين، أي: نزلت ضيفاً عليه، (فقال: يا أشعث ! احفظ عني ثلاثاً حفظتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم)، انتبه لهذه الأمور الثلاثة، أنا حفظتها وعلمتها وضبطتها من رسول الله عليه الصلاة والسلام: (لا تسأل الرجل فيم ضرب امرأته)، لا تسأل الزوج لم يضرب امرأته، احفظها مني وأنا حفظتها من رسول الله عليه الصلاة والسلام.

ثانيها: (ولا تسأله عمن يعتمد من إخوانه ولا يعتمدهم)، إن كان له أصحاب له أصدقاء له أتباع لا تسأله يقول: من الثقة عندك؟ من المعتمد؟ ومن الذي لا تبالي به من أصحابك؟ ومن لا تعول عليه؟ اترك هذا بينه وبين نفسه يدبر أمور أصحابه، أما تقول: من المعتمد عنك؟ من الموثوق؟ من لا تعتمد عليه؟ لا تتدخل في هذا أبدا.

والصفة الثالثة: (ولا تنم إلا على وتر)، أي: الثلاثة أنت ضيف عندي وسأتحفك بها؛ (لا تسأل الرجل فيم ضرب امرأته، ولا تسأله عمن يعتمد عليه من إخوانه ومن لا يعتمدهم، ولا تنم إلا على وتر).

والحديث حسنه عدد من أئمتنا وقد صححه الحاكم وهو في المستدرك في الجزء الرابع صفحة خمس وسبعين ومائة، وأقره على التصحيح الإمام الذهبي، ومع ذلك التحسين والتصحيح ففي إسناده عبد الرحمن المسلي وهو مقبول، أخرج حديثه أهل السنن الأربعة إلا الإمام الترمذي عليهم جميعاً رحمة الله، وحكم عليه الحافظ ابن حجر في التقريب بأنه مقبول لا يقبل حديثه عند المتابعة. وقال الإمام الذهبي في الميزان في الجزء الثاني صفحة اثنتين وستمائة: لا يعرف، وكلام الحافظ أنه مقبول لأنه لم يرو عنه إلا واحد، ولا يخرج الإنسان حد الجهالة إلا إذا روى عنه راويان، لا يعرف، يقول: تفرد عنه داود بن عبد الله الأودي، وداود بن عبد الله الأودي ثقة إمام عدل رضا، لكن ما روى عنه إلا هذا الإمام الهمام، كأنه يقول: لازالت في حيز الجهالة، وتقدم معنا مراراً أن ابن حبان يحسن ويصحح حديث من روى عنه راوٍ واحد، وعليه هو ثقة على اصطلاح ابن حبان، ومع ذلك كما قلت الحديث حسنه عدد من أئمتنا، وقد رواه أبو داود وسكت عنه وهو على اصطلاحه حسن أو صالح كما قال أئمتنا، وكما قلت: صححه الحاكم وأقره عليه الذهبي ، والإمام المنذري وافق أبا داود وأقر تحسنه من حديث، والذي يظهر والعلم عند الله أن الحديث لا ينزل عن درجة القبول، وفيه: (لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته)، وهنا في هذه الرواية ثلاثة أمور: (لا تسأل الرجل فيم ضرب امرأته، ولا تسأله عمن يعتمد عليه من إخوانه ومن لا يعتمدهم، ولا تنم إلا على وتر).

هذا كله إخوتي الكرام فيما يتعلق بحسن عشرة الزوج مع زوجته، وأما نفقته عليها وما له من الأجر في ذلك، وحسن عشرتها مع زوجها وما لها من الأجر في ذلك، ونفقتها على زوجها ومساعدتها له إن كان عندها مال، وما له من الأجر في ذلك، هذه الأمور الثلاثة أرجئ الكلام عليها للموعظة الآتية إن شاء الله.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع أنبياء الله وسلم تسليما كثيرا.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم، ولا تعذبنا فأنت علينا قادر، اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا.

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغارا، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيرا، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , مباحث النبوة - ضرب المرأة بين المنع والإباحة للشيخ : عبد الرحيم الطحان

https://audio.islamweb.net