إسلام ويب

استدل من قال بعدم توريث ذوي الأرحام بأحاديث وآثار عن الصحابة؛ لكنها تحمل شيئاً من الضعف، مما يجعل توريثهم مطلقاً هو الراجح. ثم على القول بتوريث ذوي الأرحام ففي كيفية توريثهم أقوال ثلاثة، أضعفها قسمة المال بينهم بالسوية مطلقاً، ثم هناك مذهب أهل التنزيل كما هو مفصل عند الفقهاء.

الأجوبة عن أحاديث عدم توريث ذوي الأرحام وتضعيف دلالاتها

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.

اللهم زدنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: إخوتي الكرام! لا زلنا نتدارس المبحث الثاني من توريث ذوي الأرحام وهو أقوال علمائنا الكرام في توريث ذوي الأرحام، وتقدم معنا أن الأقوال تنقسم إلى قولين إجمالاً وإلى ثلاثة تفصيلاً، تقدم معنا القول الأول بأدلته، وهو قول الحنفية والحنابلة عليهم جميعاً رحمة الله: أن ذوي الأرحام يرثون إذا لم يوجد عاصب ولا صاحب فرض من النسب، ويقدم إرثهم على بيت المال، وانتهينا من الأدلة التي تدل على هذا من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وأقوال السلف الطيبين من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين.

وشرعنا في مدارسة القول الثاني الذي قال به الإمام مالك والشافعي عليهم جميعاً رحمة الله: أن ذوي الأرحام لا يعتبرون من الورثة، والمتأخرون بعد ذلك من الشافعية والمالكية قالوا: إذا لم ينتظم بيت المال يعتبرون من الورثة، أما إذا انتظم فلا يعتبر ذوو الأرحام من الورثة، فهذا بالاتفاق بين المتقدمين من الشافعية والمالكية والمتأخرين، وقلت: استدلوا أيضاً على ذلك بعمومات كما تقدم معنا منها:

أن عموم قول الله جل وعلا: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] قالوا: إنه مقيد، فآيات المواريث حصرت الإرث في من ذكر إرثهم من القرابات وذوي الأرحام، واستدلوا أيضاً بعمومات في الأحاديث دون أن تكون تلك الأحاديث في خصوص ذوي الأرحام: (إن الله قد أعطى كل ذي حقٍ حقه فلا وصية لوارث).

ولهم خاصة -كما قلت- تقوم على أمرين: على الأحاديث، وعلى الآثار عن الصحابة والتابعين، هذه الأحاديث انتهينا منها إخوتي الكرام! وخلاصتها: أنه لا إرث للعمة والخالة، وأن جبريل على نبينا عليه الصلاة والسلام سار نبينا الجليل بأنه لا إرث لهما.

تقدمت معنا الأحاديث، وكنت أجيب على هذه الأحاديث بثلاثة أجوبه ذكرتها؛ لكن الظاهر ما خرجت في الشريط فأعيدها على وجه الاختصار:

الجواب الأول عن أحاديث عدم توريث ذوي الأرحام

الجواب الأول حول تلك الأحاديث قلت: إنها ضعيفة، ولا يسلم حديث منها من مقال كما تقدم معنا.

فإن قيل: إنها تعتضد بكثرة طرقها فالجواب: نعم، لكن مع اعتضادها واكتسابها قوة هي دون الأحاديث التي صرحت بأن الخال وارث بكثير، وعليه لا تقاومها، سواءٌ كانت ضعيفة لا تنجبر أو ضعيفة منجبرة فهي لا تقاوم تلك الأدلة قطعاً؛ لأن الأدلة إذا تعارضت يقدم أقواها، وتلك كما تقدم معنا حسنة صحيحة ثابتة بنفسها، ورويت من عدة طرق فلا تقاومها هذه الأحاديث الضعيفة سواءٌ كانت منجبرة أو لا.

قلت: وبهذا الجواب إخوتي الكرام! نعلم ما في كلام شيخنا عليه رحمة الله في أضواء البيان من قصور، وكيف يرد هذا الكلام الذي ذكره، هو يقول عليه رحمة الله: هذه الطرق الموصولة والمرسلة يشد بعضها بعضاً فيصلح مجموعها للاحتجاج، ولا سيما أن منها ما صححه بعض العلماء كالطريق التي صححها الحاكم، وتضعيفها بـعبد الله بن جعفر بن نجيح والد الإمام علي بن المديني غير مسلم لم؟ قال: لأنه من رجال المسند وأخرج له البخاري تعليقاً في صحيحه، وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: ليس به بأس. قلت: وهذا وهمٌ من الشيخ فـعبد الله بن جعفر والد علي بن المديني مجمع على ضعفه وغير محتج به بالاتفاق ولم يروِ له مسلم في صحيحه ولم يخرج له البخاري في صحيحه تعليقاً إنما هو من رجال الترمذي وابن ماجة فقط، وتوفي سنة (178هـ)، وأما الرجل الذي هو عبد الله بن جعفر فوافقه كما تقدم معنا في اسمه واسم أبيه ونسبته، كلٌ منهما مدنيٌ مديني؛ لكن يختلف عنه كما تقدم، فذاك هو عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن المدني المخرمي ، وهو الذي ليس به بأس، وتوفي سنة (170هـ)، وقد خرج حديثه الإمام مسلم في صحيحه والبخاري في صحيحه تعليقاً، وأهل السنن الأربع، فانقلب الأمر على شيخنا ووهم فظن أن الذي في إسناد الحديث الذي فيه: (لا ميراث للعمة والخالة) أنه هو عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن المخرمي وهو واهمٌ في ذلك، وعليه يجاب عن هذا الكلام عندما قال: تعتضد وتصلح للاحتجاج فيقال: تلك أقوى منها، وقوله: إن هذا الحديث صحيح ولا يصح أن يضعف، فيقال: هذا وهمٌ مردود.

الجواب الثاني عن أحاديث عدم توريث ذوي الأرحام

الجواب الثاني: إن معنى الأحاديث القائلة بأنه لا ميراث لهما مثل حديث: (سارَّني جبريل لا إرث لهما)؛ معنى ذلك: ليس لهما ميراث محدد ونصيب مقدر كما هو الحال في الورثة الذين يرثون إما عن طريق الفرض أو عن طريق التعصيب، لأن هؤلاء ليسوا من هذين الصنفين، لكن يبقى أيضاً أنهم يرثون إذا لم يوجد أحدٌ من هذين الصنفين، أو من قول الله: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75]، ولحديث النبي عليه الصلاة والسلام: (الخال وارث من لا وارث له) إذاً: هو يعني: هؤلاء ذوو الأرحام الخال ومن معه لا يزاحمون الورثة الذين نص الله على إرثهم فرضاً أو تعصيباً، فإذا انعدم أولئك ورث هؤلاء، هذا هو معنى الأحاديث، فلا إرث للعمة ولا للخالة عند وجود عاصب أو صاحب فرض من النسب.

الجواب الثالث عن أحادث عدم توريث ذوي الأرحام

الجواب الثالث: وهو الذي ذكره الإمام ابن التركماني عليه رحمة الله في الجوهر النقي فقال: على تقدير صحة الأحاديث معناها: لم ينزل علي فيهما شيء، أي كما في أثر عطاء وزيد بن أسلم ، أي: لم ينزل عليَّ في ذلك الوقت، ولا إرث للعمة ولا للخالة في ذلك الوقت، يعني: في أول الأمر، ثم أنزل الله علي: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (الخال وارث من لا وارث له).

قلت: ويتعين هذا بأنه يستحيل أن يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (الخال وارث من لا وارث له) قبل أن يقول: (لم ينزل عليَّ فيهما شيء)، لأنه يقال: كيف إذاً تقول إنه وارث؟ ويستحيل أن يقول هذا قبل قول الله: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] لأنه نزل عليه في الأرحام شيء.

إذاً: فقوله: (لم ينزل عليَّ فيهما شيء) هذا في أول الأمر، ثم أنزل الله عليه: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75] وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (الخال وارث من لا وارث له)، وبذلك -كما قلت- تظهر قوة القول الأول والعلم عند الله جل وعلا.

الآثار المروية عن الصحابة والتابعين في عدم توريث ذوي الأرحام

سننتقل إلى دليلهم الثاني وهو: آثار عن الصحابة الأخيار والتابعين الأبرار رضي الله عنهم أجمعين.

هؤلاء مع مزيد بحثهم وتنقيبهم في تأييد قولهم بالآثار ما وجدوا غير أثرين عن صحابيين: أثرٌ لا يثبت أبداً كما سيأتينا، وأثرٌ ثابت مع أنه ما قال به إلا صحابيٌ واحد: وهو زيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين.

وعن التابعين أثرٌ عن الزهري ، بينما القول الأول قال به سيدنا عمر رضي الله عنه، والقضاء عن علي ثابت في توريث ذوي الأرحام، وكذلك عبد الله بن مسعود رضي الله عنهم وأرضاهم. ‏

الأثر الأول: عن عمر رضي الله عنه

الأثر الأول: الذي لا يثبت، وروي من طريقين في أحدهما انقطاع وفي الآخر جهالة، أما الأثر المنقطع فإسناده ثقات لكنه منقطع بين الراوي وسيدنا عمر رضي الله عنهم أجمعين فلم يدرك عمر ولم يروِ عنه.

رواه الإمام مالك في الموطأ (3/517)، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (11/262) والبيهقي في السنن الكبرى (6/213)، ولفظ الأثر من رواية محمد بن أبي بكر بن حزمأبو بكر بن حزم اسمه كنيته، وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، أما عمرو بن حزم فهو صحابي بلا خلاف، قد ولاه النبي عليه الصلاة والسلام على نجران وعمره سبع عشرة سنة، وأما ولده محمد فقيل: إنه ولد في العام العاشر من الهجرة في السنة التي توفي فيها نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم، وقيل: قبل ذلك بسنتين، فـعمرو بن حزم صحابي بالاتفاق، وأما محمد بن عمرو فقد ولد في نجران وكتب والده عمرو بن حزم كتاباً إلى النبي عليه الصلاة والسلام يخبره بما حصل له من ولادة هذا الولد المبارك وسماه باسم نبينا عليه الصلاة والسلام، محمد وكناه بـأبي سليمان ، وفي كتب تراجم الصحابة فكتب له النبي عليه الصلاة والسلام يكنيه بـأبي عبد الملك وأن يبقى تسميته محمداً ، على كل حال: هل ثبتت صحبته أم لا؟ العلم عند الله، لو قدر أنه ولد قبل سنتين ووالده ذهب إلى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه ووقعت رؤية منه للنبي عليه الصلاة والسلام في حال صغره، والنبي برك عليه فهو صحابي أيضاً، وكما قلت: أوردت ترجمته ضمن تراجم الصحابة، والعلم عند الله.

إذاً: عن محمد بن أبي بكر بن حزم أنه سمع أباه وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم يعني: محمد والدٌ لـأبي بكر بن حزم وعنده ولد اسمه: محمد .

إذاً: أنه سمع أباه -وكما قلت-: اسمه كنيته وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري كان أميراً للمدينة، ثم صار قاضياً فيها، وهو ثقة عابد توفي سنة (120هـ)، وقيل: (117هـ)، حديثه في الكتب الستة، قال الذهبي في السير (5/313) قيل: كان أعلم أهل زمانه بالقضاء وقال مالك : لم يكن على المدينة أميراً أنصاري سواه، أي ما ولي المدينة أميراً من الأنصار إلا أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم .

ومن مناقبه: أنه بقي أربعين سنة ما اضطجع على فراش في ليلٍ رضي الله عنه وأرضاه.

إذاً: عن محمد بن أبي بكر بن حزم أنه سمع أباه كثيراً يقول: كان عمر رضي الله عنه وأرضاه يقول: عجباً للعمة تورث ولا ترث، أي: يرثها ابن أخيها؛ لأنها لو ماتت وثبت ابن أخ فهو عاصب، ولا ترث، فلو مات ابن الأخ فهي لا ترث منه، فابن الأخ يرثها وهي لا ترث منه.

قال البيهقي بعد روايته هذا الأثر مقوياً قوله وقول إمامه وإمامنا الشافعي رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين: روي عن عمر رضي الله عنه بخلافه.

وتقدمت معنا الروايات أنه ورث ذوي الأرحام، وورث الخالة، وكتب إلى أبي عبيدة بأن يدفع المال للخال إلى غير ذلك.

وروي عن عمر بخلافه، ورواية المدنيين أولى بالصحة، وهنا أبو بكر بن حزم مدني أولى بالصحة؛ لكن انظر لجواب لـابن التركماني على كلام البيهقي جواباً في منتهى الإحكام والسداد:

قال ابن التركماني : هذا الأثر منقطع فـأبو بكر بن حزم لم يسمع عمر بالاتفاق، ولذلك قال الذهبي في السير: إنه من صغار التابعين، قال ابن التركماني : والذي روي عن سيدنا عمر رضي الله عنه بخلاف ذلك إسناده صحيح متصل، ورواية المدنيين من طريقين:

أحدهما: فيه مجهول، والآخر منقطع، فكيف تكون أولى بالصحة؟

الطريق التي معنا هذه فيها انقطاع؛ لأن أبا بكر بن حزم لم يسمع عمر رضي الله عنه، وعليه عندما يقول: كان عمر يقول: عجباً للعمة تورث ولا ترث، بينه وبين سيدنا عمر راويين نقلا له هذا الكلام، من هما؟ لم يبينه، فالأثر منقطع.

الأثر الثاني: عن زيد بن ثابت رضي الله عنه

وأما الأثر الثاني الذي فيه جهالة: فرواه أيضاً الإمام مالك في الموطأ، والبيهقي في السنن الكبرى في مثالين متقدمين عن عبد الرحمن بن حنظلة الزرقي عن مولى لقريش كان قديماً يقال له: ابن مرثاء بكسر الميم وإسكان الراء.

قال ابن مرثاء : كنت جالساً عند عمر رضي الله عنهم أجمعين، فلما صلى الظهر قال: يا يرفأ -غلام سيدنا عمر وخادمه- هلم ذلك الكتاب، أي: ائتني بكتابٍ يعرفه يرفأ ووضعه عمر رضي الله عنه في مكان.

قال: ائتني بذلك الكتاب، لكتاب كتبه عمر في شأن العمة؛ حتى نسأل عنها ونستخبر فيها.

أي: كتب عمر رضي الله عنه كتاباً في شأن العمة وفي توريثها، ثم قال: ائتني بذلك الكتاب لأسأل الصحابة وأهل العلم في هذه القضية ونستخبر عن هذه المسألة.

قال: فأتى به يرفأ فدعا عمر رضي الله عنه بتورٍ أو قدحٍ فيه ماء فمحا ذلك الكتاب في ذلك القدح أو التور، ثم قال سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه: لو رضيك الله وارثةً أقركِ مرتين، يعني: أثبتك وجعل لك نصيباً في كتابه، وعليه بما أنه لم يذكر للعمة نصيبٌ في كلام الله عز وجل فليست وارثة.

قال الإمام ابن التركماني : كشفت عن ابن حنظلة وابن مرثاء فلم أعرف حالهما، قال الطحاوي : ابن مرثاء غير معروف. وأنا رجعت إلى كتب الجرح والتعديل حتى لم يذكروا ترجمة لـابن مرثاء ، ما وجدت في المغني في الضعفاء ذكراً لـابن مرثاء ، يعني: لا حكم عليه بالجهالة ولا بشيء آخر، يعني: لا أعلم أنه موجودٌ فقط إلا في رواية البيهقي وفي رواية الموطأ.

ويقول الإمام ابن التركماني : كل منهما مجهول، كشفت عنهما فلم أعرف حالهما، ونقل عن الطحاوي أن ابن مرثاء غير معروف، فهذا الأثر فيه جهالة، والذي قبله فيه انقطاع، فلا يثبت هذا الأثر عن سيدنا عمر رضي الله عنه، والآثار المتقدمة عنه بأنه ورث الخال صحيحة، وهو أحد رواة حديث: (الخال وارث من لا وارث له) هذا الأثر الأول.

الأثر الثاني: عن زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه، حاول الإمام ابن التركماني تضعيفه كما حاول البيهقي تقوية أثر سيدنا عمر ، وكلٌ من المحاولتين محاولة ضعيفة، فأثر سيدنا عمر ضعيف لا يثبت، وأثر زيد بن ثابت ثابت وليس بضعيف.

أما أثر زيد فقد رواه البيهقي في السنن الكبرى في المكان المتقدم، ورواه الحاكم في المستدرك (3/343) وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين وأقره الذهبي .

ولفظ الحديث: عن خارجة بن زيد رضي الله عنهم أجمعين عن أبيه زيد بن ثابت أنه قال: لا يرث ابن الأخ للأم برحمه ذلك شيئاً.

أي: الأخ للأم يرث، لكن ابنه من ذوي الأرحام لا يرث، بينما ابن الأخ للأب أو الشقيق وارث.

لا يرث ابن الأخ للأم برحمه ذلك شيئاً، ولا ترث الجدة أم أبٍ أم، ولا الخالة، أظنه قال: ولا الجد أبو الأم أيضاً لا يرث؛ لأنه جدٌ فاسد من ذوي الأرحام، ولا ابنة الأخ للأب والأم، يعني: ابنة الأخ الشقيق لا ترث، أما ابن الأخ فيرث.

ابنة الأخ لا ترث، كما تقدم معنا أن الأنثى تصبح عصبة بأخيها أو ابن عمها الذي في درجتها إذا كانت وارثة، أما إذا لم تكن وارثة فلا يعصبها:

وليس ابن الأخ للمعصب من مثله أو فوقه في النسب

إذاً: ولا ابنة الأخ للأب والأم، ولا العمة أخت الأب للأم والأبِ.

يعني: عمة شقيقة، وهي أختٌ لأبيك من أبويه.

ولا الخالة.

فأعاد الخالة مع أنه تقدم لها ذكر.

قال: ولا من هو أبعد نسباً من المتوفى ممن هو سمي في هذا الكتاب.

يعني: الخالة وخالة الخالة وما شاكل هذا، المقصود هؤلاء ومن يدلي بهؤلاء أيضاً لأنه أبعد نسباً عن الميت، ممن سمي في هذا الكتاب، لا يرث أحدٌ منهم برحمه ذلك شيئاً. هذه رواية البيهقي .

وفي رواية الحاكم : لا ترث العمة أخت الأب للأب والأم، ولا الخالة، ولا من هو أبعد نسباً من المتوفى.

قال ابن التركماني : محمد بن بكار في الإسناد يحدث عن الضعفاء، وابن أبي الزناد ضعفه النسائي وغيره، وقال أحمد : إنه مضطرب الحديث، عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه.

و ابن أبي الزناد إخوتي الكرام! حكم عليه الحافظ في التقريب بأنه صدوق وتغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيهاً ولي خراج المدينة على منورها صلوات الله وسلامه، فحمدت سيرته في توليته، وقد توفي سنة (174هـ)، وخرج حديثه مسلم في صحيحه، وأهل السنن الأربع والبخاري تعليقاً، فقوله: ضعفه النسائي وغيره كان ماذا؟ يعني: إذا ضعفه النسائي وغيره، فلابد من وضع الأمر في موضعه.

قال: وبقيت السند أيضاً فيه نظر.

يعني: أيضاً بعد أن بذل ما استطاع من جهد في تضعيف بعض من لا ضعف فيهم يقول: بقيت السند فيه نظر، نقول له: ما هو النظر؟ سكت عن ذلك:

الأثر إخوتي الكرام ثابت، وقد ثبت هذا القضاء عن سيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه في سنن سعيد بن منصور (1/72) والإسناد لا ينزل عن درجة الحسن، من رواية أبي بكر بن أبي مريم عن راشد بن سعد وضمرة بن حبيب ومكحول وعطية بن قيس ، كلهم نقلوا عن زيد بن ثابت أنه قال: لا يرث ابن أخت، ولا ابنة أخٍ، ولا بنت عمٍ، ولا خالٌ، ولا عمةٌ ولا خالة.

فالقضاء كما قلت: ثابت عن زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه، نعم أثر عمر لا يثبت، وتقوية البيهقي لأثر عمر رضي الله عنه في أن ذوي الأرحام لا يرثون في غير محلها، كما أن تضعيف الإمام ابن التركماني لأثر سيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنهم أجمعين بأن ذوي الأرحام لا يرثون في غير محله.

أثر سيدنا عمر رضي الله عنه بأن ذوي الأرحام لا يرثون ضعيف وليس بقوي، وأثر زيد بن ثابت أن ذوي الأرحام لا يرثون قوي وليس بضعيف.

قلت: والمسألة ليست من مسائل الإجماع، ومن أجل هذا اختلف الأئمة الفقهاء، ولو كانت من المسائل المتفق عليها والمجمع فيها لما خالف الإمام الشافعي ومالك عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه، فهما أخذا بقضاء زيد ، وأبو حنيفة والإمام أحمد أخذوا بقضاء جمهور الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فهذا معتبر وهذا معتبر، أما أن نقول: ما ثبت هذا لا عن صحابي ولا عن زيد فالأمر بخلاف ذلك.

وثبت هذا أيضاً عن الزهري كما في مصنف عبد الرزاق (10/181) من رواية عبد الرزاق عن شيخه معمر عن الزهري بأصح الأسانيد أنه قال: العمة والخالة لا ترثان شيئاً.

قضاء زيد بن ثابت ثابتٌ قوي، وقضاء عمر رضي الله عنه في هذه المسألة كما قلت: الإسناد من جهة فيه انقطاع، ومن جهة فيه جهالة، هذا القول إخوتي الكرام! كما تقدم وكما رأيتم قضى به الصحابي رضي الله عنه وأرضاه، لكن لو وازنَّا بين القولين لعلمنا رجحان القول الأول؛ لأنه قضى به من هو أعلم من زيد رضي الله عنه مكانة ورتبة، أعني سيدنا عمر وسيدنا علياً وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم وأرضاهم، وقال به جم غفير من التابعين كما تقدم معنا، ثم اعتضد بعد ذلك بعمومات القرآن وبالأحاديث الصحيحة.

موقف أبي بكر رضي الله عنه من توريث ذوي الأرحام

نعم هناك أمرٌ ينبغي الانتباه إليه عند ختام الكلام على أقوال العلماء في توريث ذوي الأرحام، وهو أنه نُقل ما يشير إلى تردد صديق هذه الأمة رضي الله عنه وأرضاه في هذه المسألة، فما جزم بتوريثهم ولا نفى توريثهم نقل، والأثر رواه الحاكم في المستدرك (4/343).

إخوتي الكرام! أحد الرقمين غلط حتماً هناك في الجزء الثالث صفحة ثلاث وأربعين وثلاثمائة، وهنا الجزء الرابع فلعله الثالث؛ لأن زيد مع أثر سيدنا أبي بكر في مكان واحد.

على كل حال: عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه قال: دخلت على سيدنا أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين في مرضه الذي مات فيه أعوده فسمعته يقول: ودت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ميراث العمة والخالة، فإن في نفسي منها حاجة.

يعني: أن نفسه مضطربة، ولا تسكن لا إلى توريث العمة والخالة وذوي الأرحام، ولا إلى نفي الإرث عنهم، وفي النفس هنا حاجة، وودت أني سألت النبي عليه الصلاة والسلام بنفسي سؤالاً خاصاً عن توريث العمة والخالة.

الحاكم صحح الإسناد لكن تعقبه الذهبي بقوله: قلت: فيه عُلوان بن داود -بضم العين- وهو ضعيف.

و عُلوان حكم عليه البخاري بأنه منكر الحديث كما في المغني في الضعفاء (2/442)، وتوفي سنة (180هـ)، قال الذهبي : وقد ذكره ابن يونس في تاريخه، وروى الليث بن سعد عنه، والعلم عند الله جل وعلا.

عُلوان بن داود ضعيف، فـأبو بكر رضي الله عنه وأرضاه فيما يظهر من هذا الأثر -لو ثبت- يشير إلى التوقف في توريث ذوي الأرحام، يقول: في نفسي منها حاجة، وودت أنني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن توريث العمة والخالة، والعلم عند الله جل وعلا.

الاختلاف في توريث ذوي الأرحام سائغ

على كل حال: الأمر فيه سعة، فمن قال بتوريث ذوي الأرحام فهو على هدى، ومن قال بعدم توريثهم فهو على هدى، والمحدث إذا لم يكن له فقيهٌ يتبعه فهو ضال، فالحمد لله نتبع أئمتنا الفقهاء، في قول قرأت في البارح في كتاب الجامع لـابن أبي زيد القيرواني قلت: حقيقة هذا العبد الصالح كأنه يتحدث عن واقع الأمة وما سيؤول إليه أمرها، فينقل عن عبد الله بن وهب وهو شيخ الإسلام (ص:119) قال: كل صاحب حديث ليس له إمام في الفقه فهو ضال، ولولا أن الله أنقذنا بـمالك والليث لضللنا، هذا كلام عبد الله بن وهب الذي توفي سنة (197هـ)، يعني: بعد الإمام مالك بواحدة وعشرين سنة، الإمام مالك توفي سنة (176هـ)، وكان ابن وهب شيخ الإسلام في زمنه، يقول: كل صاحب حديث ليس له إمام في الفقه فهو ضال، ولولا أن الله أنقذنا بـمالك والليث لضللنا، يقصد هذا إذا أراد أن يجتهد وأن ينصب نفسه فقيهاً للأمة الإسلامية صاحب حديث وليس عنده صنعة الفقهاء، وهذا ينقله كما قلت لكم: الإمام ابن أبي زيد القيرواني في كتابه الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ، وقد توفي سنة (386هـ)، وكلام عبد الله بن وهب نقله الإمام الذهبي في السير في ترجمته يقول: لولا أن الله أنقذني أو هداني بـمالك والليث لضللت، فـالذهبي كأنه ما استساغ العبارة قال: لولا الله ما اهتدينا!

فهو يقصد هنا إخوتي الكرام! يعني: لولا مالك ، ويقول أئمتنا: أنبت الربيع البقل، يعني: أنبت الله البقل بواسطة الربيع، والربيع هو الماء الذي نزل عليها، فهذا الآن لا يقصد منه أن الماء هو الذي أنبته بنفسه، وكلام المؤمن دائماً محمول على السداد، وإذا تجاوز في العبارة فلا يضر، ولذلك أفصح هنا فيقول: ولولا أن الله أنقذنا بـمالك والليث لضللنا، وهناك عندما يقول: لولا مالك والليث لكنت من الضالين، الذهبي ما استساغ العبارة قال: لولا الله ما اهتدينا، فكما قلت إخوتي الكرام! الكل على هدى، والأقوال تحتملها الشريعة المطهرة، لكن النفس تميل إذا نظرت إلى هذه الأدلة إلى قول فقيه الأمة وإلى خاتمة الفقهاء الأربعة وهو الإمام المبجل أحمد بن حنبل عليهم جميعاً رحمة الله فقال بهذا القول أول الفقهاء وآخر الفقهاء، وما بينهما على اهتداء أيضاً على العين والرأس!

كيفية توريث ذوي الأرحام

المبحث الثالث: وهو آخر المباحث: كيفية توريث ذوي الأرحام على القول بالتوريث، وقلت: هو الذي صار إليه اتفاق العلماء في العصور المتأخرة، يعني: هو قول الحنفية والحنابلة قولاً واحداً لا خلاف بينهم في ذلك، وهو المعتمد عند المالكية والشافعية ما لم ينتظم بيت المال، وأين بيت المال؟

تقدم معنا قول الذين كانوا يقولون: لا مطمع في انتظامه حتى يخرج المهدي ، فإذاً: بيت المال على ضلال، فإذا كان كذلك فالقول بتوريث ذوي الأرحام محل اتفاق الآن بين علماء الإسلام، وهذا الذي صارت عليه كتب المذاهب بأسرها، والعلم عند الله جل وعلا.

الكيفيات الثلاث لتوريث ذوي الأرحام

إخوتي الكرام! أظهر ما قيل في كيفية توريث ذوي الأرحام ثلاثة أقوال حسان:

قولٌ منها مهجور شاذ، واثنان عول عليهما العلماء الأفذاذ، وقد أشار إلى الأقوال الثلاثة صاحب العذب فقال:

وهو إلى مذاهب منقسم

يعني: توريث ذوي الأرحام منقسم إلى ثلاثة مذاهب.

الشطر الثاني:

تنزيلٌ أو قرابة أو رحمٌ

تنزيل: وسيأتينا مذهب أهل التنزيل، وهو تنزل ذوي الأرحام منزلة من أدلوا به.

أو قرابة: وهو مذهب الحنفية، نجعل إرثهم عن طريق القرابة، فيرثون كما يرث العصبة كما سيأتينا.

أو رحمٌ: أي عن طريق الرحم، فيشتركون في الإرث بلا تفضيل للذكر على الأنثى ولا للقريب على البعيد.

فهي ثلاثة مذاهب: مذهب أهل التنزيل، ومذهب أهل القرابة، ومذهب أهل الرحم.

قال: وهجروا مذهب أهل الرحم.

توريث كل ذي رحم وعم

هذا إشارة إلى الأقوال الثلاثة: أولها: وهو الشاذ المهجور لننتهي منه وندخل في القولين المعتمدين المقبولين عند المذاهب الأربعة.

كيفية توريث ذوي الأرحام على مذهب أهل الرحم

القول الشاذ المهجور هو مذهب أهل الرحم: يورثونهم عن طريق الرحم، أولئك الرحم ينزلونهم منزلة من أدلوا به، وهناك عن طريق القرابة رحم وتنزيل قرابة، ومذهب أهل الرحم يشركون بين القريب والبعيد من ذوي الأرحام بالتساوي بلا تفضيل لأحد على أحد، يعني: لو مات وليس له وارث من العصبات أو صاحب فرض من النسب وترك خالة وعمة وبنت أخ، وبنت بنت، وأب أم فالمسألة من خمسة وانتهى الكلام، هذا مذهب الرحم، يشرك بين من يوجد من ذوي الأرحام قريباً أو بعيداً، يقول: بما أنه على هذا القول ليس لواحدٍ شيء محدد، وكلهم من أهل القرابات فلا تفريق بينهم، بل نجمع من له من ذوي الأرحام ونعطيهم المال على عدد رؤوسهم، وهذا من أسهل الحلول، أي: حل المسالة على هذا القول.

على كل حال: مذهب أهل الرحم قال به نوح بن دراج النخعي أبو محمد الكوفي القاضي ، وقد توفي سنة (182هـ)، وهو من أصحاب سيدنا الإمام أبي حنيفة رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين، ومترجم في التقريب ورمز له (فق) إشارة إلى أن ابن ماجه أخرج له في التفسير، قال الحافظ ابن حجر : ولم ينسبه يعني: روى عن نوح فقط في كتاب التفسير لـابن ماجه ولم يقل: ابن دراج ، وحكم عليه هذا الحكم الذي ينبغي أن نتأمله على حسب كتب التراجم، فقال: متروك، وكذبه ابن معين .

وقال الإمام الذهبي في المغني في ترجمته (3/702): كذاب يضع ليس بثقة؛ لأنه قال: ولي القضاء وكان أعمى وكتم ذلك على الناس، فلما ظهر أمره عزل، فظل ثلاث سنين يقضي وهو أعمى.

أقول: أي منقصة إذا قضى القاضي وهو أعمى؟ ما نعرف في ذلك منقصة، بل الأولى الثناء عليه، فمن شدة ذكائه يقضي ثلاث سنين وهو أعمى ولا يعلم أحد بأنه أعمى، فلما ظهروا على عماه فصلوه!

وقال في الميزان بعد أن نقل ما تقدم في المغني: قال النسائي وغيره: ضعيف، وقال ابن عدي : ليس بالمكثر، يكتب حديثه.

إخوتي الكرام! أما نوح بن دراج فقد أثنى عليه أئمتنا بما فيهم من صلاح وأدب وسكينة ووقار، في تاريخ بغداد (13/315) عوتب شريك في أولاده وقيل له: ألا تؤدبهم؟ لم لا تضع لهم مؤدباً يؤدب أولادك، يعني: أنت من أنت وأولادك فيهم شيء من السفاهة والطياشة والوقاحة.

ونوح بن دراج كان يضرب به المثل، فقال: من أدب نوحاً ؛ كان أبوه حائكاً من النبط! وكان له -أي: لأبيه وهو دراج - أربعة أولاد كلهم ولوا القضاء.

كأنه يريد أن يقول له: هي هداية بيد الله جل وعلا، إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص:56]، وقيل لـشريك لما تقلد نوح القضاء: فقال: ذهب العرب الذين إذا غضبوا كفروا، وما عندنا حمية الجاهلية، نوح أهل للقضاء ...

الآن بعد نحن سيأخذنا حمية الجاهلية، وبعد ذلك إذا غضبنا نكفر وننتقص الإنسان، ذهب العرب الذين إذا غضبوا كفروا، فقد أكرمنا الله بالإسلام، فلماذا تأخذنا العزة بالإثم؟

نعم من ناحية الناس على حسب النسب وكذا هي منقصة، لكن في صحيح مسلم لما قال سيدنا عمر رضي الله عنه لـعامر بن واثلة وكان أمَّره على مكة قال: (من خلفت على أهل الوادي؟ قال: خلفت عليهم ابن أبزى قال: من ابن أبزى ؟ قال: مولى من موالينا) هذا في صحيح مسلم . قال عمر رضي الله عنه: واستخلفت على أهل الوادي مولى؟ لهؤلاء أعظم، يعني: نفوراً من هذه المعاني وهم أهل أنفة وكبرياء وفخر في الأحساب والأنساب؟

قال: يا أمير المؤمنين! إنه عالمٌ بكتاب الله عالم بالفرائض قاضٍ، قال: أما إذ قلت ذاك، فقد قال نبيكم صلى الله عليه وسلم: (إن الله يرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين).

حقيقة يتبين القضاء في الشريعة الإسلامية، فيقدم الأكفأ ولا عبرة بعد ذلك بنسب ولا حسب ولا غير ذلك، فلما قيل لـشريك : ولي نوح قال: ذهب العرب الذين إذا غضبوا كفروا، ما لنا ولهذا فليتول.

إذاً: إخوتي الكرام! موضوع الأدلة المتفق عليها، وموضوع توثيقه استمعوا إلى ما سأحكي لكم وأنقله من كتب التراجم بشرط أن تقارنوا بين ما ذكره الحافظ في التقريب من أنه متروك، وبين ما ذكره في التهذيب.

قال الحافظ في التهذيب (10/483): قال محمد بن عبد الله بن نمير : ثقة، ومحمد بن عبد الله بن نمير هو الحافظ الحجة شيخ الإسلام الذي توفي سنة (234هـ)، انظروا ترجمته الطيبة في السير (11/455).

قال الذهبي : كان رأساً في العلم والعمل، وكان الإمام أحمد وابن معين رضي الله عنهم أجمعين يقولان بقول ابن نمير في نوح ، يعني: ما يقوله في الشيوخ من تعديل وتجريح يقوله الإمام أحمد وابن معين يتبعانه في ذلك.

وقال عنه الإمام أحمد : إنه درة بغداد، أي يقول ذلك عن محمد بن عبد الله بن نمير ، وهو يقول: نوح بن دراج ثقة.

ونقل الحافظ في التهذيب عن أبي زرعة أنه قال: أرجو ألا يكون به بأس، ونقل قول ابن عدي السابق: ليس بالمكثر ويكتب حديثه.

إذاً: ثقة، ليس به بأس، يكتب حديثه، وليس بالمكثر، هذه الأحكام الثلاثة هل تتنافى مع ما تقدم معنا من أنه متروك، كذبه ابن معين ، كذاب يضع، حقيقة الأمر هذا في منتهى القسوة، وأنا الذي أخشاه وهذا يقع بالكثرة في كتب التراجم أن يكون هذا من باب النفرة التي بين المحدثين وبين من يسمونهم أهل الرأي، وابن معين عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا إذا أطلق لسانه في الإمام الشافعي يقول: إنه ليس بثقة، تقدم معنا هذا في سنن الترمذي أنه يقول: الشافعي ليس بثقة، فمن الثقة؟

فلما قيل للإمام أحمد : ابن معين يقول الشافعي ليس بثقة قال: إن ابن معين لا يعرف الشافعي ولا يعرف ما يقول الشافعي لو حضر في مجلسه، أي: لا يعرف كلامه فاعذروه، وانتهى الأمر!

فإخوتي الكرام! لابد من وعي هذه القضية، فعندما يقول ابن معين هذا الكلام عنه، أنا الذي أخشاه أنه حضر بنفسه أو بلغه تفسيق نوح بن دراج للنسائي التي هم يعتبرونها من باب الرأي، فظن هذا من باب الكذب على الشريعة، والمسلك المذموم وفوق هذا فيه مقال.

إذاً: عندنا من هو رأس في العلم والعمل ونعت بأنه شيخ الإسلام يقول عنه ثقة، ونُص على أن الإمام أحمد وابن معين يتبعانه في نوح ، وهو هنا يقول: ثقة، وعندنا أبو زرعة يقول: لا بأس به، وابن عدي يقول: يكتب حديثه وليس بالمكثر، كيف يتناسب هذا مع قولهم: متروك وكذاب ويضع، حقيقة لا يتناسب! فأخشى كما قلت: أن يكون هذا من باب ما يوجد من نفرة بين المحدثين وبين من يسمونهم أهل الرأي، وقد جرى كما تقدم معنا في ترجمة سيدنا أبي حنيفة رضي الله عنهما ما جرى من الكلام، وقيل فيه أكثر من هذا القول؛ فلذلك لابد من إعادة النظر في هذا الأمر.

وانظروا ترجمة هذا العبد الصالح في الجواهر المضية في تراجم السادة الحنفية (3/562)، فلذلك القول بأنه متروك، وكذبه ابن معين ، وكذاب يضع، أخشى أن يكون من باب نقل الكلام من جهة والواقع كذلك دون الجهة الثانية، وإلا فالحافظ ابن حجر في التهذيب نقل أقوال لهؤلاء وهؤلاء، طيب لم في التقريب اقتصرت على قول صنفٍ واحد، يعني: لم طرحت تلك الأقوال؟ ما السبب في طرحها؟ عندما يقول: محمد بن عبد الله بن نمير : ثقة، كيف سنجمع بين ثقة وبين كذاب يضع؟ لابد لها إذاً من وعي، إما أن نقول: هذا وهم في التوثيق وذاك وهم في التجريح، أو أن ذاك جرح لاعتبار معين بناءً عليه الجرح يرد ولا يعتبر، هذه قضية لابد من البحث فيها، والعلم عند الله.

على كل حال: قال بهذا القول نوح بن دراج عليه وعلى جميع المسلمين رحمة رب العالمين.

وهذا القول إخوتي الكرام! يورث جميع ذوي الأرحام من غير ترتيب ولا تنزيل ولا تفضيل، فيسوي بينهم مهما كانت درجتهم وأصنافهم.

إذاً: كما قلت: جميع ذوي الأرحام يجمعون ويقسم المال عليهم بالحساب من عدد رؤوسهم، وهذا القول ليس له دليل خاص في القضاء المنقول قبله عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين، ليس له إلا كما قلت: أنه بما أنه ليس لهم فرض محدد، فينبغي أن يرث كل صاحب رحم ولا يحصل بينهم في ذلك تفاضل.

وكما قلت: هذا القول مهجور وما أخذ به أحد.

كيفية توريث ذوي الأرحام على مذهب أهل التنزيل

القضاء الثاني: مذهب أهل التنزيل: وبه قال الإمام الجليل أحمد بن حنبل أحد القائلين بتوريث ذوي الأرحام مطلقاً، فقد قلت: أبو حنيفة والإمام أحمد قالا بتوريث ذوي الأرحام، واختلفا على قولين: أبو حنيفة ورثهم عن طريق مذهب أهل القرابة، وهذا عن طريق مذهب أهل التنزيل.

قال الإمام ابن قدامة في المغني (7/86): مذهب أبي عبد الله في توريث ذوي الأرحام مذهب أهل التنزيل، وهو أن ينزل كل واحد منهم منزلة من يمت به من الورثة.

من يمت به: أي يدلي به من الورثة، أي: منزلة من ينتسب إليه من الورثة، يعني: الخالة تمت بالأم والعمة تمت بالأب، وابنة الأخ الشقيق تمت بالأخ الشقيق، وهكذا.

إذاً: ينزل كل واحد منهم منزلة من يمت به من الورثة، فيُجعل له نصيبه، وهذا القضاء الذي أخذ به الإمام أحمد عليه رحمة الله هو المعتمد عند الشافعية والمالكية على القول بتوريث ذوي الأرحام عندهم، مع أنه لكل واحدٍ من هذين المذهبين قول واحد يوافق به قول أبي حنيفة ، لكن المعتمد في المذهبين الميل إلى مذهب أهل التنزيل، انظروا روضة الطالبين للإمام النووي (6/45)، قال: أما توريث ذوي الأرحام فالذاهبون اليه منا -من الشافعية- اختلفوا في كيفيته: فأخذ بعضهم بمذهب أهل التنزيل، فنزلوا كل فرع منزلة أصله الذي يدلي به، قال: وهو الأصح الأقيس، أي فهذا هذا هو المرجح عند الشافعية، ويوجد عندهم قول كقول الحنفية تماماً كما سيأتينا ذكر قول الحنفية وكيفيته، لكن المعتمد عند الشافعية هذا، وهذا أيضاً هو المعتمد عند المالكية كما في حاشية الدسوقي (4/416) قال: وفي توريث ذوي الأرحام مذاهب أصحها مذهب أهل التنزيل، وحاصله: أننا ننزلهم منزلة من أدلوا به من ميت درجة درجة.

التفصيل في كيفية توريث ذوي الأرحام عند أهل التنزيل

كيفية مذهب أهل التنزيل، أي: كيف ننزل ذوي الأرحام والحكم في ذلك على التفصيل:

أولاً: أولاد البنات وأولاد بنات البنين بمنزلة أمهاتهم:

أولاد البنات من بنين وبنات، أي أولاد البنت ذكوراً وإناثاً، فالبنت أولادها: ابن بنت، وبنت بنت.

وأولاد بنات الابن، أي: ابن بنت ابن، وبنت بنت ابن.

بمنزلة أمهاتهم: وعليه ابن البنت بمنزلة البنت، ابن بنت الابن بمنزلة بنت الابن.

وعليه إخوتي الكرام! مثلاً لو مات وترك بنت بنت، وابن بنت ابن، على مذهب أهل التنزيل: فابن بنت الابن ينزل منزلة بنت الابن، وبنت البنت تنزل منزلة البنت، نضع هنا من أدلوا به حتى نقسم الميراث عليهم، فما يأخذونه يعاد إلى ذوي الأرحام إذاً: نقول: البنت لها النصف، وبنت الابن لها السدس تكملة للثلثين، المسألة من ستة للبنت ثلاثة ولبنت الابن السدس واحد، ترد إلى أربعة.

بنت البنت تأخذ ثلاثة أرباع لها، وابن بنت ابن يأخذ ربع المال الذي هو السدس.

إذاً: هنا أولاد البنت من بنين وبنات، وأولاد بنات الابن بمنزلة أمهاتهم، هذا مذهب أهل التنزيل.

ثانياً: العمات مطلقاً ومعهن العم لأم -وهو أخ أبيك من أمه- ينزلون منزلة الأب، وهذا كله سيأتينا.

فلو مات عن بنت بنت، وعمة شقيقة، فماذا تفعل: بنت البنت تنزل منزلة البنت، وعمة شقيقة بمنزلة الأب، إذاً: بنت البنت لها النصف، والعمة السدس مع التعصيب، المسألة من ستة: ثلاثة لبنت البنت فرضاً، وثلاثة للعمة فرضاً وتعصيباً.

إذاً: العمة لها النصف، وبنت البنت لها النصف.

لو مات عن ثلاث عمات متفرقات، فسنجعل كأن الأب مات عنهن، فالعمة الشقيقة لها النصف، والعمة لأب لها السدس، والعمة لأم لها السدس، فالمسألة تصبح ردية.

كما لو مات وترك أباً فقط، ثم اجعل الأب كأنه مات وترك أختاً شقيقة، وأختاً لأب وأختاً لأم؛ فالشقيقة لها النصف، والتي لأب لها السدس تكملة للثلثين، والتي لأم لها السدس؛ المسألة من ستة ترد إلى خمسة.

ثالثاً: الأخوال والخالات مطلقاً -يعني: شقيقاً كان أو لأب أو لأم- وأب الأم -وهو الجد الفاسد- وكل من أدلى به، ينزلون منزلة الأم.

ولذلك لو مات وترك خالة وعمةً، فكأنه ترك أباً وأماً، فله ثلثان ولها ثلث.

لو ترك بعد ذلك خالتين فإن كانت القرابة واحدة ونسبتهما واحدة وقوتهما واحدة فمن عدد الرؤوس، وكأنه مات عن أم لها جميع المال فرضاً ورداً، وتقسم المال بعد ذلك بين الخالتين: كل واحدةٍ لها النصف، وإذا اختلفت القوة، يعني: واحدة شقيقة وواحدة لأب، أو واحدة لأب وواحدة لأم، فإنها تختلف، فنجعل كما لو ماتت الأم وتركت أخواتها.

رابعاً: أخوال الأب وخالاته مطلقاً وأبو أمه وكل من أدلى به بمنزلة أم الأب.

لأننا قلنا: الخالة والأخوال بمنزلة الأم فأخوال الأب بمنزلة أمه.

خامساً: أخوال الأم وخالاتها مطلقاً وأبو أمها وكل من أدلى به بمنزلة أم الأم.

وهذه لها اختلاف كبير في الحال، يعني: إذا مات وترك خالة وخالة أم فالمال كله للخالة لأنها تنزل منزلة الأم، ولا ترث الجدة مع الأم، يعني: هذا لابد من أيضاً وعيه وضبطه.

سادساً: بنات الإخوة مطلقاً -يعني: أشقاء أو لأب أو لأم- وبنات بنيهم بمنزلة آبائهم، وأولاد الإخوة لأم.

بنات الإخوة لأنها شاملة للإخوة الأشقاء أو لأب أو لأم، فعندما نقول: وأولاد الإخوة لأم، لفظ (الأولاد) شامل للذكور وللإناث، فالإناث تقدم ذكرهن؛ لكن العبارة الفرضية نبقيها كما هي، فهي صحيحة؛ لكن وقع تكرار لصنف الذكور.

إذاً: بنات الإخوة وبنات بنيهم بمنزلة آبائهن.

وأولاد الإخوة لأم، وأولاد الأخوات مطلقاً -أخت شقيقة أو لأب أو لأم- ينزلون منزلة من أدلوا به من الأخوات.

يعني: أولاد الإخوة والأخوات بمنزلة الإخوة والأخوات، لكن عندنا ابن الأخ الشقيق ابن الأخ لأب هذا عاصب انتهينا منه، ولذلك لما أتينا للإخوة قلنا: بنات الإخوة، وقلنا: وبنات بنيهم لأن ابن الأخ مهما نزل عاصب.

إذا قلنا: بنات الإخوة وبنات بنيهم، ثم لما جئنا للإخوة لأم والأخوات أطلقنا، أي أولاد الإخوة لأم مطلقاً ذكراً أو أنثى، وماذا عندنا أيضاً؟ وأولاد الأخوات مطلقاً شقيقات أو لأب أو لأم، بمنزلة من أدلوا به، فابن الأخت الشقيقة بمنزلة الأخت الشقيقة، وابن الأخت لأم بمنزلة الأخت لأم وهكذا.

سابعاً: بنات الأعمام، وبنات بنيهم بمنزلة آبائهن.

الحكم في توريث ذوي الأرحام على التفصيل

الشق الثاني الذي معنا: الحكم في توريثهم على التفصيل.

أي: كيفية التنزيل والحكم في توريثهم على التفصيل، إذاً الآن الحكم في توريثهم على التفصيل:

ذوو الأرحام لهم في إرثهم حالتان:

الحالة الأولى: ألا يوجد معهم أحد الزوجين.

يعني: مات الزوج ولم يترك زوجة، أو ماتت المرأة ولم تترك زوجاً، لا يوجد إلا صاحب رحم فقط ممن ليس بعاصب ولا صاحب فرض نسبي.

إذاً: إذا لم يوجد أحد الزوجين فلها عدة أقسام:

القسم الأول: أن يكون صاحب الرحم فرداً فقط، فله كل المال بالاتفاق، كما مات وترك خالة أو عمة أو بنت أخ أو بنت عم، المقصود واحد من ذوي الأرحام ذكراً أو أنثى فله كل المال.

القسم الثاني: أن يدلي جماعة بشخص واحد، ولهذا القسم حالتان:

الحالة الأولى: أن تستوي منزلتهم ممن أدلوا به، فالمال بينهم بالتساوي؛ لأنهم يرثون بالرحم المجردة، فحالهم كحال الإخوة لأم يستوي ذكرهم وأنثاهم، وهذا هو المعتمد القوي عند مذهب أهل التنزيل، وهناك قول آخر.

وهناك قولٍ آخر: أن الذكر من ذوي الأرحام يأخذ ضعف الأنثى، هذا قولٍ آخر غير معتمد عند مذهب أهل التنزيل.

وهنا قولٍ آخر وهو ثالث نقله الخرقي كما في المغني (7/95)، وهو: التسوية بين ذوي الأرحام في هذه الحالة إلا في حق الخال والخالة فقط.

قال ابن قدامة : ولا أعلم له موافقاً، ولا علمت وجه قوله.

إخوتي الكرام! لو مات وترك ثلاث بنات بنت وابن بنت هو أخ لهؤلاء البنات؛ أي ليس من بنت أخرى لأنه لو كان من بنت أخرى تختلف يعني: لقلت: ثلاث بنات ابن وابن بنت أخرى فهذا يختلف؛ لأنك ستنزله منزلة من أدلى به فستجعل الميت مات وترك بنتين، فبنات البنت يأخذن حظ أمهن، وابن البنت يأخذ حظ أمه، لكن الآن مات وترك أربعة من ذوي الأرحام: ثلاثاً منهن بنات بنت، والرابع ابناً لتلك البنت أيضاً.

فالقول المعتمد: أن المال لهم بالتساوي فلا يفضل الذكر على الأنثى، وقول ثان: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، وقول ثالث: نقله الخرقي قال ابن قدامة : ما علمت لهذا القول وجهاً ولا أعلم من أين أتى به، ونسبه إلى الإمام أحمد ، وهو التسوية بين ذوي الأرحام في هذه الحالة إلا في حق الخال والخالة.

مثلاً: مات وترك خالة شقيقة، وخالاً شقيقاً، استوت منزلتهم ممن أدلوا به وهو الأم، لأن الخالة تدلي بأم، والخال يدلي بأم، فالأم الآن لها جميع المال فرضاً ورداً كما لو ماتت الأم وتركت هؤلاء.

نحن قلنا: إذا استوت منزلتهم ممن أدلوا به فالمال بينهم بالتساوي، فالخال له النصف، والخالة لها النصف، فالمال من عدد رؤوسهم، لا تجعل هذه أختاً شقيقة وهذا أخاً شقيقاً، بل المال من عدد الرؤوس، لأنك هنا لو جعلت الخالة أختاً شقيقة والخال أخاً شقيقاً ستجعلها الآن عصبة، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، والأمر ليس كذلك عند مذهب أهل التنزيل؛ لأنهم يرثون بالرحم المجردة، فصار حالهم كحال أولاد الأم، فيستوي الذكر مع الأنثى.

ويوجد قول كما قلت بالتفضيل: فنعطي الذكر ضعف الأنثى، فـالخرقي يقول بالتسوية في جميع ذوي الأرحام إلا في هذه المسألة، يقول في هذه المسألة: نجعل المال للأم ثم نقسم مال الأم بين أخويها كما لو ماتت وتركتهم، فهذه تعتبر أختاً شقيقة، وهذا أخاً شقيقاً، وعليه فالمسألة من ثلاثة في نهاية الأمر: الأخت الشقيقة لها الثلث واحد، وله الباقي.

إذاً: خلاصة الكلام: إذا أدلى جماعة بشخص فلذلك حالتان:

الحالة الأولى: استوت منزلتهم ممن أدلوا به، فالمعتمد التسوية بينهم في الإرث، فلا يفضل الذكر على الأنثى، وهناك قول بالتفضيل، وهناك قول بالتسوية إلا في حق الخال والخالة.

الحالة الثانية: إذا اختلفت منزلتهم ممن أدلوا به، فاجعل المدلى به كالميت، واقسم المال بينهم كأنه مات وتركهم.

إخوتي الكرام! المنزلة الآن اختلفت وما استوت، كما لو مات وترك ثلاثة أخوال متفرقين فهل منزلتهم مستوية؟ هم يدلون بأم، لكن منزلتهم ليست مستوية، فواحد يدلي بقرابتين، وواحد بقرابة الأب، وواحد بقرابة الأم، فمنزلتهم متفاوتة، فاجعل الأم كأنها ماتت وتركت ثلاثة إخوة: أخٌ شقيق هو العاصب له الباقي بعد ذوي الفروض، أخٌ لأب محجوب، أخٌ لأم له السدس.

ولو مات وترك ثلاث عمات متفرقة: عمة شقيقة، عمة لأب، عمة لأم فقد اختلفت منزلتهن.

فاجعل كأن الميت وهو الأب المدلى به مات وتركهم، إذاً: العمة الشقيقة أختٌ شقيقة، والعمة لأب أختٌ لأب، والعمة لأم أختٌ لأم، فالعمة الشقيقة لها النصف، والتي لأب لها السدس تكملة للثلثين، والتي لأم لها السدس، فالمسألة من ستة، ثلاثة، وواحد، وواحد، وترد غلى خمسة.

وهكذا لو ترك ثلاث خالات متفرقات أما ثلاثة أخوال فاختلفت لأنك هناك الخال لأب سيحجب بالشقيق، فهذا قرابته أقوى عن طريق الذكورة فحجب من بعده، وأما الذي لأم فيرث عن طريق الفرض، فما حجب!

إذاً: أدلى جماعة بشخص إن استوت منزلتهم ممن أدلوا به فالمال بينهم بالتساوي على المعتمد لا يفضل الذكر على الأنثى، وقول يفضل، وقول لا يفضل إلا في الخال والخالة، قولان كما قلت ضعيفان، والمعتمد عدم التفضيل.

الحالة الثانية: يدلي جماعة بشخص اختلفت منزلتهم ممن أدلوا به، إذا اختلفت منزلتهم ممن أدلوا به، فاجعل المدلى به هو الميت، واقسم المال كما لو مات وتركهم، والمسألة واضحة.

القسم الثالث: أن يدلي جماعة بجماعة، فاقسم المال بين من أدلوا به، فما صار له -أي: للمدلى به- أعطي للمدلي.

المدلى به هو الوارث في الأصل، يعني: من أم وأب وما شاكل هذا، فما صار للمدلى به أعطي للمدلي.

ونكمل في دروس آتية إن شاء الله تعالى، والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فقه المواريث - كيفية توريث ذوي الأرحام للشيخ : عبد الرحيم الطحان

https://audio.islamweb.net