إسلام ويب

من لا يعلم ما عند النساء ولا يكترث بهن يعد من غير أولي الإربة، ومثله لا بأس للمرأة أن تكشف أمامه الوجه والكفين وتستر الباقي احتياطاً. والطفل هو الولد ما دام ليناً ولم يغلظ صوته، فإن كان لا يستحضر أوصاف المرأة ولا يذكرها للرجال فلها أن تكشف أمامه ما شاءت؛ لأن وجوده كعدمه، وإن كان يميز أوصاف المرأة دون أن يشتهيها فله حكم المحارم، فإن ميَّز واشتهى فهو مراهق وحكمه حكم الأجانب البالغين، وليس لعورة الطفل حكم إذا لم يميز، فإن ميّز حرم النظر إلى قبله أو دبره، وكلما كبر اشتد المنع حتى يراهق فله حكم الرجال بعد ذلك.

حكم غير أولي الإربة من الرجال وما تبديه المرأة أمامهم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الصادقين المفلحين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك الله وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

إخوتي الكرام! المسألة الثامنة من مسائل بحثنا في العورات ما يتعلق بنظر غير أولي الإربة من الرجال إلى النساء، وفي الحديث أن مخنثاً كان يدخل على بيوت نبينا عليه وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، ويخالط أمهات المؤمنين حتى استبان أنه ليس بمخنث، وأنه يعلم ما عند النساء، ففصل وطرد، إذن كان يدخل.

والحديث ثابت في المسند والصحيحين وفي موطأ الإمام مالك وسنن أبي داود وابن ماجه من رواية أمنا الطيبة المباركة سيدتنا أم سلمة، وروي الحديث أيضاً في المسند وصحيح مسلم وسنن أبي داود والسنن الكبرى للإمام البيهقي من رواية أمنا الصديقة المباركة عائشة ، وأمنا أم سلمة رضي الله عنهن أجمعين، قالت: كان مخنث يدخل على بيوت أزواج النبي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ويخالط النساء، قالت: كانوا يعدونه من غير أولي الإربة من الرجال، وهذا حكمه حكم المحارم يخالطهن؛ لأنه لا يعلم ما عند النساء ولا يشتهيهن ولا يكترث بهن، وهن لا يبالين به، حتى قال يوماً لـعبد الله بن أبي أمية، وهو أخ لأمنا أم سلمة، وهذا ثابت في الصحيح وفي مرسل محمد بن المنكدر، قال لـعبد الرحمن أخي أمنا عائشة، ولعله تكرر ذلك منه، قال لـعبد الله بن أبي أمية أخي أمنا أم سلمة في بيت أمنا أم سلمة، ثم في بيت أمنا عائشة قال هذا لـعبد الرحمن ، قال له: إن فتح الله عليكم الطائف فعليك بـابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان.

إذاً هذا يعرف وصف النساء، تقبل بأربع، أي: عكل بطنها من سمنها وكثرة الشحم عليها، وهذا من الصفات المرغوبة في المرأة، إلا الآن حين مسخت أذواقهم يريدونها نحيفة ضعيفة جلداً على عظم، لكن من الصفات المرغوبة في المرأة أن يكون بها الشحم، ولذلك لما ذهب تلميذٌ للإمام أحمد رضي الله عنه ليشتري له جارية قال: ليكن عليها لحم! فعندما تقول: تقبل بأربع وتدبر بثمان، يعني عكل بطنها وظهرها متعددة، وهذا لا يقوله إلا من يشتهي النساء ويعرف ما عندهن.

وورد في رواية الكلبي زيادة عما في الصحيح قال: لها ثغر كالأقحوان، يعني كالورد المعروف المشهور، وما بين رجليها مثل الإناء المكفوت، ثم قال له أيضاً: أعلاها قضيب، وأسفلها كثيب، يعني كأنها كومة رمل من سمنها وضخامة عجزتها، إن قعدت تثنت، وإن تكلمت تغنت، فقال له نبينا عليه الصلاة والسلام: (يا عدو الله! أراك تعرف ما ها هنا)، ثم أمر بنفيه من المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه.

الشاهد أنه كان يدخل على النساء، وهو من التابعين غير أولي الإربة من الرجال، كانوا يعدونه كذلك، ثم استبان أنه ليس بمخنث، وأن عنده تصنع بأخلاق النساء والتشبه بهن، لكنه في واقع الأمر يدرك ما عند النساء، ويتطلع إليهن، ويصف أمور الفتنة فيهن، فنفي بعد ذلك وطرد من البيوت، واحتاط النساء منه.

وفيما تبديه المرأة أمام هذا الصنف قولان: القول الأول أحوط، وهو أنها لا تبدي إلا الوجه والكفين، نعم تتخفف أمامهم فليس حالهم كحال الرجل الفحل، فهؤلاء يتبعون النساء دائماً للمساعدة، فلو أدخل الإنسان إلى بيته مغفلاً لا يختلط بالنساء، وبعضهم يأتي بكثرة بمثل هؤلاء لإطعام ومساعدة، فلو أن المرأة دخلت ووضعت الطعام متحجبة، لا جلباب عليها ولا عباءة، لكنها ساترة لابسة الطويل والشعر مستور، والوجه مكشوف واليدان كذلك، ووضعت الطعام، فهذا ما ينتبه للمرأة، ولا يفكر فيها، مع وجود الزوج أو الأخ أو الولد، أما أن تتوسع أكثر فيطلع على زينة خفية فلا، وما قرره أئمتنا لا نعترض على شيء منه، وإجماعهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة، والأثر يدل على ذلك، لكن لا يدل على سبيل الوجوب، فلا يجب على المرأة أن تكشف أمام غير أولي الإربة من الرجال كما تكشف أمام المحارم، بل هذا يدل على الترخيص، والأخذ بالاحتياط أحسن، والعلم عند الله جل وعلا.

والقصة كما ذكرنا رواها الكلبي والكلبي متروك، لكن الرواية ذكرها الحافظ ابن حجر في الفتح في الجزء التاسع صفحة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وانظر أصل الحديث في جامع الأصول في الجزء السادس صفحة ستين وستمائة، وهي رواية ضعيفة، ورواية الصحيحين فقط قال: ( تقبل بأربع وتدبر بثمان ) والزيادة لا محذور فيها على الإطلاق، فالذي يعرف الأربع ويعرف الثمان يعرف أن ثغرها أيضاً كالأقحوان، ويعرف غير ذلك، والأثر ضعيف؛ لأنه من طريق الكلبي، والكلبي معروف حاله، لكن يشهد له خبر الصحيحين، والخبر الأول كاف في الدلالة على أنه ليس من غير أولي الإربة من الرجال، والعلم عند الله جل وعلا.

ما تبديه المرأة أمام الأطفال

المراد بالطفل

المسألة التاسعة: نظر الطفل، والطفل معناه في اللغة الولد ما دام ناعماً ولم يغلظ صوته، ولم تخرج له لحية وشارب، ويقع على المفرد والجمع كما قال الإمام الجوهري في صحاح اللغة، وقيل: أنه مفرد محلى بـ(ال) الجنسية فيعم كالدينار والدرهم، أهلك الناس الدينار الصفر، والدرهم البيض، والمراد من الدينار الدنانير، وقيل: إنه مفرد وضع موضع الجمع، فإما أن هذا اللفظ يقع على المفرد والجمع أصالة، أو أنه مفرد دخلت عليه (ال) الجنسية فأفاد العموم، أو أنه مفرد، لكن يوضع موضع الجمع، واستدل بقول الله جل وعلا: ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [الحج:5] ، لكن الإمام سيبويه من علماء اللغة رد هذا وقال: ثم يخرج كل واحد منكم طفلاً، فليس مفرداً وضع موضع الجمع والعلم عند الله جل وعلا.

على كل حال ما الذي تحجبه وتستره المرأة من جسمها أمام الطفل؟ وما الذي يرخص لها أن تبديه؟

أحكام الطفل في النظر والعورات

الطفل له عدة أحوال:

أولها: ألا يبلغ إلى حد يحكي ما يراه ويستحضره ويذكره لغيره، أي: قبل سن التمييز، وقبل سن التمييز الإنسان لا يحكي ما يرى، وبعد أن يميز يحكي ما يرى، فيقول: والدي أحضر كذا، وعمل كذا، وذهب كذا، وأعطى لأخي ما أعطاني، أما قبل سن التمييز فلا يميز، ولا يحكي ما يرى، ولا يستحضر هذا ولا يذكره للناس ولا ينتبه له، ما يقع بحضرته لا يبالي به، فهذا غيبته كحضوره، فالمرأة لا تتحجب أمامه مطلقاً، وجوده وعدمه سواء، وسن التمييز في الغالب يبدأ من سن الرابعة، وهذا هو النوع الأول من الأطفال.

النوع الثاني: إذا بلغ السن التي يحكي فيها ما يرى، لكن ليس فيه ثوران الشهوة، وتشوف للنساء، هو يحكي ما يرى، لكن ليس عنده تمييز، فيعلم أن هذه تشتهى، وأن هذه جعلها الله لاتصال الرجل بها، ويعلم شهوتها، لا يعلم هذا على الإطلاق، إنما يحكي ما يرى، فيقول: فلان طويل وفلان قصير دون أن يذكر الأمور التي تغري الرجل، فهذا حكمه حكم المحارم عند أئمتنا، بلغ سن التمييز ولم يراهق، والمراهقة تبدأ في سن التاسعة والعاشرة، إذاً قبل التاسعة وبعد الثالثة بعد الرابعة، هذا في سن التمييز دون مراهقة، يحكي ما يرى، لكن لا يفهم أماكن الشهوة ومفاتن المرأة، فقط يعلم أن هذه امرأة لا رجل، هذه كبيرة عجوزة، هذه صغيرة، لكن الصفات الدقيقة لا يحكيها لغيره فلا يصفها لرجل فيقول: هذه شكلها كبير، وهذه تقبل بأربع وتدبر بثمان، هذه فيها علامات فارقة مغرية.

وحقيقة يختلف حال الناس في هذه المرحلة على حسب تفتحهم ومعايشتهم، فالجيل السابق الذي عشنا فيه الإنسان لو بلغ عشر سنين لا يعلم ما عند المرأة، وكنا ندرس في أولى متوسط.. أولى إعدادي ما يتعلق بأمر الحيض وبأمر النساء، ولا نتعلم يعلم الله إلا لنحفظ، لكن ما معنى الحيض؟ ما معنى النفاس؟ نشرحه فنقول: هو الدم الذي يخرج من فرج المرأة، كلام نحفظه فقط، ونأتي بعد ذلك في موضوع الكفارة في فقه السادة الحنفية، ومن جامع أو جومع في نهار رمضان عامداً فعليه القضاء والكفارة مثل المظاهر، أي: كفارة الظهار.

أذكر أن شيخنا الشيخ بدر رجب رحمه الله ورضي عنه، قرأها لنا ونحن في أولى إعدادي في عمر ثلاثة عشر أو أربعة عشر، بعد أن قرأها نظر إلينا وأستحضر يعلم الله حركاته واحدة واحدة، لكن ما وراءها ما أعلم، يقول: كيف سأشرح هذه العبارة أمام الطلاب، من جامع أو جومع، فعل أو فعل به عامداً في نهار رمضان فعليه القضاء والكفارة مثل المظاهر، ظل ساعة يشرحها وما أحد منا حقيقة يخطر بباله معنى جامع أو معنى جومع.

الإمام النووي عليه رحمة الله حفظ كتاب المهذب لـأبي إسحاق الشيرازي ، ومن نواقض الوضوء خروج ريح، يقول عن نفسه: فكنت أظن أن المراد من خروج الريح القرقرة التي في البطن، فكان باستمرار يتوضأ، ويشق عليه، ما يعلم ما المراد من هذا حتى وضح له الأمر، فهذا حال سلفنا رضوان الله عليهم أجمعين.

على كل حال لا بد من هذا الضابط، وهو أنه يحكي ما يرى، لكن ليس عنده وعي بأمر النساء، فمتى ما وعى هذا فليس من الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء، هذا طفل يظهر، فحكمه حكم الكبار.

إذاً عندنا طفل لم يظهر ولم يميز، فوجوده وعدمه سواء، حضوره كغيبته، وطفل يميز ولا يعلم ما عند المرأة، فهو كالمحارم.

وعليه فعلى المعتمد أن المرأة تستر ما بين السرة والركبة أمامه، ويجوز أن تبدي ما عدا هذا.

النوع الثالث: إذا راهق ودبت فيه الشهوة، ميز وبدأ يعلم ما عند المرأة مما يرغب فيه الرجال، فحكمه حكم الرجل البالغ تماماً من حيث نظره إلى المرأة، وما الذي ينبغي أن تستره المرأة أمامه.

حكم النظر إلى عورة الطفل

أما من حيث النظر إلى عورة الولد فلذلك تفصيل، فإذا كان صغيراً جداً أيضاً قبل سن التمييز فليس له عورة على الإطلاق، يعني لو بدت منه السوأتان لا حرج في ذلك وهو قبل سن التمييز، ثلاث سنين، أربع سنين، سنتين سنة.

الحالة الثانية: إذا ميز لكن لم يشته، ما وصل إلى حالة مراهقة وما يقاربها، فعورته دبر وقبل، يعني عمره ست سنين أو سبع سنين، يستر السوأتين، فإذا بدا بعد ذلك فخذه فلا يقال فخذه مثل الرجل، قال أئمتنا: ثم تغلظ، يعني كلما زاد بعد سن التمييز تغلظ السوأتان وما قاربهما إلى أن يصل إلى الحد الذي يشتهى فيه كابن التسع أو ابن عشر، فتصير عورته كعورة البالغ ينبغي أن يستر هذا المكان من السرة إلى الركبة، وإذا كانت جارية فتتحجب كما تتحجب المرأة، إذا بلغت تسع سنين أو عشر سنين وجب عليها الحجاب، لا يقال هذه لا تميز ما عند النساء، هذه لو تزوجت تنجب، فلا بد من ضبط هذا، وهكذا الرجل إذا بلغ عشر سنين صار يشتهي ويشتهى، يشتهى من قبل النساء ويشتهي هو النساء، فحكمه حكم الرجال يستر عورته.

مرة كنت في أبها وكان موضوع حديثنا حول الحجاب، فقال بعض جيراني الكرام لأحد أولاد القرية وكان تلك الأيام في ثالث ثانوي، عمره أقل شيء سبع عشرة سنة: هذا نعتبره بدراً يدخل على النساء، فليس في وجهه شعرة، قلت: هذا لو زوجته من قبل سنتين لكان عنده ولدان، هذا تستتر المرأة منه، ويستر هو أيضاً عورته.

إخوتي الكرام! هذا مقرر عند المذاهب، انظروا رد المحتار في الجزء السادس صفحة أربع وستين وثلاثمائة، وروضة الطالبين في الجزء الثاني صفحة اثنتين وعشرين، والمغني للإمام ابن قدامة في الجزء السابع صفحة اثنتين وستين وأربعمائة.

تقدم معنا أن الطفل إذا دبت فيه الشهوة وبدأ يعرف ما عند النساء أن المرأة تستتر أمامه، وأن حكمه حكم المحارم، وأما قبل التمييز فوجوده وعدمه سواء كأنه بهيمة في البيت، لا تحتجب أمامه، ولا حرج عليها أن تكون بأي شكل كان، وأما بالنسبة لعورته هو، فقبل سن التمييز لا عورة له، وإذا ميز فعورته قبل ودبر، ثم تغلظ العورة إلى أن يبلغ إلى سن المراهقة تسع أو عشر سنين، فيصير حكمه حكم الكبار يؤمر وليه بأن يلزمه بتغطية فخذيه؛ لأنه الآن لا يوجه إليه الخطاب، لكن الولي مأمور بأن يراقبه إذا كشف عن فخذه. وهكذا الجارية وليها المسئول عنها يحجبها في هذا الوقت، أما من ناحية جريان قلم التكليف، فإنه لا يجري عليه ولا يوجه إليه الخطاب إلا بعد بلوغه، فإذا كشف فلا إثم عليه، لكن وليه هو المطالب، ينبغي أن يراقبه وأن يلاحظه، وهكذا يلاحظ الجارية ويحجبها في هذا الوقت.

النظر إلى المردان

المسألة العاشرة تتعلق بالأمرد ما حكم النظر إليه؟ فحقيقة لا بد من وعي هذا، وهي مسألة قررها أئمتنا، وقد يؤدي التساهل بها إلى محذورات كثيرة، ووقع كثير من الناس في مفاسدها، نسأل الله أن يصون أعراضنا، وأن يسترنا في الدنيا والآخرة بفضله ورحمته.

أسباب الحديث عن النظر إلى المردان

وهذه المسألة يتعلق بها حكم شرعي ينبغي أن نعيه، وأن ننتبه له.

أمر ثانٍ أيضاً دعاني إلى الكلام عليه ما سيأتينا ضمن مراحل البحث بعون الله جل وعلا: أن تقبيل الأمرد وما شاكل هذا أشنع من تقبيل المرأة كما سيأتينا، وبعض السفهاء ممن يعتبرون أنفسهم من السلفية الدعاة في هذه الأيام وهو جاهل، علق على قصة كنت ذكرتها سابقاً، وهي قصة تقبيل سهل بن عبد الله التستري للسان أبي داود والشرط عندي فقال هذا السفيه: الشريط عندي الطحان الآن يفتح الباب لتقبيل المردان، أين نحن؟ وأين هو؟ هنا رجل صالح، صاحب سنة راوي حديث النبي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، جاء هذا فقال: أرني لسانك الذي تحدث به حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام لأقبله فقبله.

نحن أمرنا أن نعدل مع المشركين، ألا نعدل مع عباد الله المؤمنين؟ ما الذي أخذك إلى المردان؟ هذا مثل إنسان قيل له: يجوز للإنسان أن يجامع زوجته، فقال: هذا يجوز للإنسان أن يجامع زوجة جاره، هذه امرأة وهذه امرأة، أما تميزون بين الحلال والحرام؟! أما تتقون الله؟! أنت كما قال الله: يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:146]، والله وتالله وبالله إنه ليعلم أنني لا أريد هذا، وما خطر على بالي، ووالله ما علمت به إلا لما ذكره.

وهذا ككلامه الثاني في نفس الشريط، هذا مخرف الإمارات، وكلامه الثاني في نفس الشريط حول قولي: إنه عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة، يقول: يعني إذا أردنا المطر ما نروح للاستسقاء، الطحان يقول: ما نروح للاستسقاء، نجلس ونقول: أبو بكر أبو بكر عمر عمر ، فكأن عمر ما يعرف هذه العبادة العظيمة لما أصيبوا بقحط ما جلسوا وقالوا: محمد .. محمد، أبو بكر.. أبو بكر، وهذا مثل المخرف الفتان الذي ألف كتابه تحذير الإخوان، وهما على مسلك واحد.

انظر إلى السفاهة وقلة الحياء وقلة الديانة وإن شاء الله سنتكلم على موضوع الأمرد، وأنه لا يجوز النظر إليه بشهوة ولا بغير شهوة كما ستسمعون فضلاً عن تقبيله، فلا بد من أن نقف عند حدودنا، وأن نتقي ربنا، أما أن يقبل الإنسان يد الشيخ للتبرك به، أو يقبل جبهته للتبرك به أو يقبل لسانه للتبرك به، أو يقبل سرته كما تقدم معنا فهو فعل سيدنا أبي هريرة مع سيدنا الحسن رضي الله عنه للتبرك به، هذا موضوع آخر.

وموضوع تقبيل اللسان هذا لم يقع فقط من سهل بن عبد الله التستري الذي توفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين مع سيدنا أبي داود الذي توفي سنة خمس وسبعين ومائتين، وهو إمام السنة في زمنه، بل وقع مع عدد من الأئمة، كان يأتي يقبل لسانه تبركاً بحديث النبي عليه الصلاة والسلام، منهم جابر بن رجاء وواحد آخر، الإمام الفراوي، وأئمتنا يقولون: للفراوي ألف راوي، وهو أروى الشيوخ في زمنه لحديث صحيح مسلم ، الإمام الفراوي توفي سنة ثلاثين وخمسمائة للهجرة، تقدم معنا قصة له جرت مع الإمام ابن عساكر عندما ذهب إلى بغداد ليتلقى العلم عنه، رأى أن الشيخ ما احتفى به كثيراً، فرأى بعض التلاميذ النبي عليه الصلاة والسلام وقال له: أبلغ أبا عبد الله محمد بن الفضل الفراوي أنه سيأتيه شاب أسمر من بلاد الشام فليعتن به، فكان بعد ذلك إذا جاء قام له وإذا انصرف شيعه، يجلس معه الفراوي يريه حتى ينصرف الإمام ابن عساكر ، ووالد الإمام الفراوي رأى النبي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه وقال: ولدك خليفتي! أي: هو الذي ينشر حديثي، هذا الإمام الصالح أوصى تلميذه الذي قرأ عليه صحيح مسلم سبعة عشر مرة، قال له: إذا مت فأدخل لسانك في فمي فإنك قرأت حديث النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ -صحيح مسلم- سبع عشرة مرة، والقصة ثابتة انظروها في سير أعلام النبلاء في الجزء التاسع في ترجمة الإمام الفراوي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا صفحة ثمانية عشر وستمائة، يقول: قال الإمام الصنعاني أيضاً: سمعت عبد الرزاق بن أبي نصر القبسي يقول: قرأت صحيح مسلم على الفراوي سبع عشرة مرة، فقال: أوصيك أن تحضر غسلي وأن تصلي علي في الدار وأن تدخل لسانك في في، فإنك قرأت به كثيراً حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإمام الفراوي لتعرفوا من هو، استمعوا فقط كلاماً موجزاً للإمام الذهبي يقول فيه: الشيخ الإمام الفقيه المفتي مسند خراسان، فقيه الحرم أبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي النيسابوري الشافعي ، ثم بعد أن ذكر في ترجمته ما ذكر نقل عن الإمام عبد الغافر أنه قال: هو فقيه الحرم، البارع في الفقه والأصول، الحافظ للقواعد، نشأ بين الصوفية، ووصل إليه بركة أنفاسه، درس الأصول والتفسير على زين الإسلام الإمام القشيري ، ثم اختلف إلى مجلس الإمام أبي المعالي إمام الحرمين، ولازم درسه ما عاش، وتفقه وعلق عنه الأصول، وصار من جملة المذكورين من أصحابه، وحج وعقد المجلس ببغداد وسائر البلاد، وأظهر العلم بالحرمين، وكان منه بهما أثر وذكر، وما تعدى حد العلماء وسيرة الصالحين من التواضع والتبذل في الملبس والعيش.

ثم قال: عقد مجلس الإملاء في الأسبوع يوم الأحد، والإملاء يعني أن يجلس والتلاميذ يكتبون ويملي من صدره، هذا إملاء، ومن يقال عنهم: محدثون يعني كذا وكذا نريد أن يعقدوا مجلساً من مجالس الإملاء، ويروي لنا الأربعين النووية ونحن نتبع وراءه، على علم الحديث ليبك من كان باكياً، وعقد مجلس الإملاء في الأسبوع يوم الأحد وله مجالس الوعظ المشحونة بالفوائد والمبالغة في النصح، حدث بالصحيحين وغريب الحديث للخطابي ، والله يزيد في مدته ويفتح في مهلته إمتاعاً للمسلمين بفائدته، قال السمعاني : سمعت عبد الرشيد بن علي الطبري بمرو يقول: للفراوي ألف راوي، والفراوي نسبة إلى فراوي من بلاد خراسان.

وهذه الجملة ضبطها الإمام النووي في مقدمة صحيح مسلم ، للفراوي ألف راوي، يعني من كثرة تلاميذه له ألف راوي، يقول الإمام النووي في بداية صحيح مسلم في المقدمة في الجزء الأول صفحة سبعة كان إماماً بارعاً في الفقه والأصول وغيرهما، كثير الروايات بالأسانيد الصحيحة العاليات، رحلت إليه طلبة من الأقطار وانتشرت الروايات عنه فيما قرب وبعد من الأمصار حتى قالوا فيه: للفراوي ألف راوي، وكان يقال له: فقيه الحرم لإشاعته ونشر العلم بمكة زادها الله فضلاً وشرفاً، وراوي بالياء من أجل السجع، وإلا فالأصل حذفها، وممكن أن يقال: درجة الفراوي تعدل ألف راوي.

فهذا هو إمام الدنيا، وشيخ الحديث في زمنه، فهل فعل بدعة؟ إلى الله المشتكى، أهواؤهم وآراؤهم يجعلونها سنة، وما قاله أئمتنا وفعلوه عندما تعرضه عليهم، كل واحد عنده نفور الدابة الشموس نحو ما يقرره أئمتنا رضي الله عنهم وأرضاهم.

البارحة في إذاعة نور على الدرب بعض المشايخ الكبار لما يفتي لا يسند الفتيا لا إلى آية قرآنية ولا إلى حديث نبوي، وكان الموضوع موضوع تقبيل المحارم ونحوه، يقول: الإنسان يقبل محرمه، ولا ينبغي أن يقبل إلا الجبهة فقط، لا يقبلها في مكان آخر، ثم قال: إلا الزوجة، قال: أما بعد ذلك فالمحارم فيما بينهم والنساء الأمر واسع لتقبل أي مكان شاءت، طيب ما الدليل على هذا وعلى هذا وعلى هذا؟ لما عندما ننقل عن أئمتنا تقولون: هاتوا الأدلة، ونأتي بالأدلة، وأنتم عندما تفتون لا تسندون هذه الفتيا، لا بأس أن يستدل بنص، أو يتبع الأئمة أحد الأمرين، ليس لك صفة التشريع، وعليه فإما أن تستدل بالنص، وإما أن تقول: هكذا قرر الأئمة، لكن لا هذا ولا هذا, ثم بعد ذلك يأتي أ؛دهم ويقول: لا يجوز أن تعترض عليه هذا من المشايخ الكبار، ولو تكلمت تضرب الرقبة، وإذا قلت له مثلاً: قال الإمام الفراوي، يقول: من الإمام الفراوي ؟ كل واحد يخطئ ويصيب.

قيل لبعض السفهاء في هذه الأيام ممن جلس يعدد أخطاء أبي حنيفة في المجلس، فقال له بعض الحاضرين: أبو حنيفة رضي الله عنه توفي عام مائة وخمسين، بيننا وبينه أكثر من ألف سنة، نريد أن تذكر لنا بعض أخطاء الشيخ ابن باز لنحذرها، فقال: الشيخ ابن باز لا يخطئ! قال: يعني معصوم؟ قال: هو يتبع الكتاب والسنة، فانظر هذه السفاهة التي لا تقل عن هذيان السكارى.

كان بعض السفهاء منهم وهو في الكويت، وبعد أن شاركوا في مشاكل الحرم يقول لي: أكثر من ثلثي المذهب الحنفي ضلال، الخطأ سهل، فما هذه الأمة التي ابتلينا بها في هذه الأيام؟! أبو حنيفة يخطئ خذ ورقة، وقل له: هات لنا أخطاء للألباني، يقول: الألباني هذا ناصر السنة كيف أخطأ؟! يا إخوتي أين تذهب عقولكم؟ لو أنصفت لقلت: أخطأ في كذا وكذا لأجل أن تحذر منه فهو خير ألا يتبع.

إذاً من الذي يقلد على عمى نحن أم أنتم؟ والله ما حالنا معكم في اتباع أئمتنا واتباع من نصبتموه إماماً لكم إلا كحالنا مع دعاة التغريب في موضوع حجاب المرأة، نحن قلدنا لكن ديننا وأئمتنا، وهم قلدوا الغربيين والملعونين، وهنا كذلك قلدنا أئمتنا الذين حققت أقوالهم وأنتم تقلدون من لا تعلم خاتمته.

لو أردنا أن نقتدي بقول سيدنا عبد الله بن مسعود المتقدم فلنقتد بالميت، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، لـأبي حنيفة أخطاء، وأخطاء الإمام مالك أكثر وأكثر، وأخطاء الإمام أحمد حدث ولا حرج، النظام أول من أنكر الإجماع، وخليفته بعد ذلك في هذه الأيام مشوش اليمن، يقول: الإجماع ليس بحجة على الإطلاق، استمع لهذا الهذيان، وما قال هذا إلا النظام كما سيأتينا عند حال النظام الذي ألف كتاباً في تفضيل النصرانية على الإسلام لأنه عشق أمرداً نصرانياً، ومات على الكفر، ومات وهو سكران، ثم بعد ذلك تنبش أقواله ويقول بها من يقولون إنهم سلفية، وأنا ما أعلم أحداً من أئمتنا إلا وقال: إن الإجماع هو أقوى الأدلة على الإطلاق، وهذا يقول: الإجماع ما لنا علاقة به، الإجماع ليس بحجة، القياس ليس بحجة، إذاً ماذا بقي؟ كتاب وسنة لكن على حسب فهمه، يخرف هو كما يريد أن يستنبط، وأنت تقول هذا ما قال به الأئمة هذا مخالف الإجماع، فيقول: ما الإجماع؟

حكم النظر إلى المردان

إخوتي الكرام! موضوع المردان حوله كلام فلنعيه ونسأل الله أن يلهمنا رشدنا، الأمرد إن لم يكن صبيحاً، أي: جميلاً، فحكمه حكم الرجال من حيث النظر، فيجوز أن تنظر إليه كما تنظر إلى الرجل، كما ينظر بعضنا إلى بعض، لحاجة أو لغير حاجة، وما أحد عندما ينظر إلى أخيه يشتهيه، وأما المرأة فمن نظر إليها لا يقال: ينظر من غير شهوة، لا يجوز أن ننظر إليها؛ لأن الطبع سيفرق، هذا محل الشهوة، وهكذا الأمرد الصبيح.

الأمرد له حالتان: إن كان صبيحاً جميلاً فسيأتينا أنه لا يجوز النظر إليه لا بشهوة ولا بغير شهوة، حكمه حكم المرأة، إذا نظرت تغض الطرف، أما إذا لم يكن جميلاً فحكمه حكم الرجل، لا حرج أن تنظر إليه، وإلا فإن كان صبيحاً جميلاً فحكمه كحكم النساء، وهو عورة من قرنه إلى قدمه لا يحل النظر إليه بشهوة كما قرر هذا فقهاؤنا، قال هذا السادة الحنفية في رد المحتار في الجزء السادس صفحة أربع وستين وثلاثمائة، وقاله الإمام الشافعي رضي الله عنهم أجمعين كما في الروضة في الجزء السابع صفحة خمس وعشرين، قال الإمام النووي : نص الإمام الشافعي على أنه يحرم النظر إلى الأمرد من غير حاجة، وهذا ما قرره الإمام ابن قدامة في المغني في الجزء السابع صفحة ثلاث وستين وأربعمائة فقال: يحرم النظر إلى الغلام الذي تخشى الفتنة بالنظر إليه، وأطال الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمات رب البرية في تقرير هذا الأمر وتفصيل الكلام عليه في مجموع الفتاوى في الجزء الخامس عشر من صفحة أربع وسبعين وثلاثمائة إلى صفحة سبع وعشرين وأربعمائة، يعني ثلاثاً وخمسين صفحة، وأيضاً ذكر هذا في الجزء الثاني والثلاثين صفحة سبع وأربعين ومائتين فما بعدها، وفي الجزء الحادي عشر صفحة اثنتين وأربعين وخمسمائة فما بعدها، فقال: التلذذ بالنظر إلى الأمرد حرام باتفاق المسلمين كما هو كذلك في حق الأجنبية.

وقال أيضاً: التلذذ بمس الأمرد حرام بإجماع المسلمين، وكذلك النظر إليه بشهوة، سواء كانت شهوة وطء أو شهوة تلذذ، ومن جعل ذلك عبادة فهو كافر؛ لأنه سيأتينا صنف من الإباحية من زنادقة الصوفية جعلوا النظر إلى المردان وإلى الأشكال المستحسنة عبادة، وفجروا بهم باسم التقرب إلى الله جل وعلا على زعمهم، ضل سعيهم وخاب عملهم؛ لأن من جعل ذلك عبادة فهو كافر مرتد.

وقال أيضاً في الجزء الخامس عشر صفحة ثماني عشرة وأربعمائة: ولا يصلح أن يخرج المردان الحسان في الأمكنة والأزقة التي يخاف فيها الفتنة بهم إلا بقدر الحاجة، فلا يمكن الأمرد من التبرج كما لا تمكن المرأة، تقدم معنا أن ولي الأمر ينبغي أن يمنع المرأة من الولوج والخروج، وهكذا الأمرد يمنعه من التجول هنا وهناك، والذهاب من جهة إلى جهة، ينبغي أن يوقف عند حده فهو فتنة يفتن به الناس، قال الإمام ابن تيمية : فكل ما كان سبباً للفتنة ينبغي أن يمنع ولا يجوز فعله.

وقال في الجزء الثاني والثلاثين صفحة سبع وأربعين ومائتين: الأمرد المليح بمنزلة الأجنبية في كثير من الأمور، ولا يجوز النظر إليه تلذذاً باتفاق المسلمين، ويحرم عند خوف الفتنة، لا يجوز أن تنظر إليه لا بشهوة ولا بغير شهوة، لكن إذا خشيت فتنة حرم عليك النظر وأثمت.

وقال الإمام الغزالي في الإحياء في الجزء الثالث صفحة تسع وتسعين: من يتأثر قلبه بجمال صورة الأمرد بحيث يدرك التفرقة بين الملتحي وبين الأمرد، لا يحل له النظر إلى الأمرد، ونظره إليه حرام. عنده الأمرد يختلف عن صاحب اللحية، لأنه ينظر بعضنا إلى بعض ولا يدور في النفس شيء، فالنظر إلى الأمرد يختلف، إما تتمتع بالنظر أو تشتهي ما هو أشنع من ذلك وأخبث منه.

وهذا أمر لا بد من وعيه، ولا بد من ضبط النفس عنده، وكثير من النفوس تتوسع؛ لأن مخالطة النساء صعبة، لا سيما من طالب علم مثلاً، لا يمكن هذا، ولا يصدر منه، وينفر منه المجتمع بعد ذلك ولا يقره، لكن هذا الحدث فلأنه من جنسه، فالاقتراب منه يسهل لوم الآخرين، فيفتن به أكثر مما يفتن بالمرأة، ويجعله الشيطان مصيدة له وهو لا يدري.

فلا يجوز النظر إلى الأمرد بشهوة ولا بغير شهوة، ومن ظن أو خشي الشهوة والفتنة حرم عليه وهو آثم بالنظر بالاتفاق، بل قرر أئمتنا أن حكم الأمرد كحكم المرأة بالنسبة لنقض الوضوء، عند الحنفية مس المرأة لا ينقض الوضوء، لكن يندب لمن مس امرأة أو أمرداً أن يتوضأ مراعاة للخلاف، كما في رد المحتار في الجزء الأول صفحة سبع وأربعين ومائة، فلو صافحت الأمرد يسن لك أن تتوضأ كما لو لمست المرأة.

وفي مجموع الفتاوى في الجزء الخامس عشر صفحة إحدى عشرة وأربعمائة: مس الأمرد بشهوة فيه قولان، يعني في موضوع إبطال الوضوء، فيه قولان في مذهب أحمد وغيره كمس النساء بشهوة، فالقول الأول ينقض الوضوء، وهو المشهور من مذهب مالك وأحد الوجهين في مذهب الشافعي ، يعني أن مسه بشهوة ينقض الوضوء كمس المرأة في المعتمد والأظهر والأقوى من مذهب الأئمة الثلاثة، الحنابلة والشافعية والمالكية، أما الحنفية فالأصل عندهم أن مس المرأة بشهوة لا ينقض الوضوء، ولو قبل زوجته لا ينتقض وضوؤه، وعليه فلو مس الأمرد فحكمه كحكم مس المرأة عند الحنفية وعند الجمهور، فأولئك بما أن مس المرأة عندهم ينقض قالوا: مس الأمرد ينقض، وأما عند الحنفية فمس المرأة لا ينقض، فكذلك مس الأمرد لا ينقض، وإنما يندب الوضوء له، قال: والأول أظهر، لم؟ قال الإمام ابن تيمية : لأن الوطء في الدبر يفسد العبادات التي تفسد بالوطء في القبل، فعبادة الصوم لو وطء في قبل أو دبر فسدت، وعبادة الاعتكاف، وعبادة الحج كذلك، ووجب الغسل على من حصل منه الوطء في قبل أو دبر، فمقدمات كل منهما ينبغي أن يكون لها حكم مقدمات الآخر، قال: وهذا أظهر، فكما أن الشارع اعتبر الدبر بمنزلة القبل، فمقدمة هذا كمقدمة هذا، وعليه لو مس الأمرد بشهوة فهو كما لو مس المرأة بشهوة ينتقض وضوءه.

وعمومات نصوص الشريعة تدل عليه، قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] ، يعني عن كل ما هو فتنة ومحرم ويجلب شهوة وهوى ومعصية، سواء كان نظراً إلى المرأة أو نظراً إلى أمرد أو إلى غير ذلك من المحرمات، هو مأمور بغض البصر، والعمومات تدل على هذا.

وقد ورد في ذلك آثار خاصة، أما الآثار المرفوعة فلا يثبت شيء منها، مع صحة الحكم وثبوته، الحكم صحيح، لكن الآثار التي وردت في هذا الموضوع ليست صحيحة، وأما الآثار الواردة عن سلفنا فجنسها متواتر كما ستسمعون، إن قيل: إذا لم يثبت في ذلك شيء مرفوع فكيف قاله سلفنا؟ نقول: استدلوا بالعمومات على تحريم النظر إلى الأمرد، أما خصوص النظر إليه فوردت أحاديث لا تصح ولا تثبت، وسأبدأ بالأحاديث التي وردت في أمر الأمرد، وأبين عدم ثبوتها ثم أنتقل إلى الآثار المتواترة القطعية عن سلفنا في موضوع النظر إلى الأمرد والتحذير من ذلك، وأنه أخشى وأخطر على الشاب الناسك العابد وعلى طالب العلم من السبع إذا جلس إليه، فلو جلس أمرد إلى طالب علم ففتنته أعظم مما لو جلس سبع مفترس بجانبه، هناك سيأكله وله أجر الشهادة، وهنا سيضيع دينه، فهذا من جند إبليس وهناك له أجر عند الله العزيز، حقيقة هذا أشنع، بل أئمتنا كما سيأتينا حذروا منه أكثر من المرأة، والفتنة بالأمرد تزيد على الفتنة بسبعين امرأة كما سيأتينا إن شاء الله.

والمسألة لا بد من بحثها، وهي ضرورية؛ لأنني لما كنت في أبها أخبرني عدد من الإخوة عن هذا الأمر، وطلبوا مني أن أتكلم عنه، وأخبرت أنهم يغارون على الأمرد كما تغار التيوس في الزريبة، وكل واحد عندما يخرجون في رحلة أو نحوها يتمنى أن ينام في المخيم الذي فيه أمرد! هم ينقلون الموضوع فيحتاج إلى معالجة، قلت لهم جروحنا كثيرة، ولعله في المستقبل يأتي الكلام عليه، وبما أننا وصلنا إلى هذه القضية عند موضوع النظر، فأرى أن نكمل البحث من جميع جهاته، ولعل أولئك يسمعون بعد ذلك هذا الأمر، وأمر الأمرد نتدارسه في أول الموعظة الآتية، فإن بقي شيء من الوقت دخلنا في الأمر الثاني الذي ينبغي أن نفعله لنحصن أنفسنا من الشيطان، فإذا انتهيت من هذه السبعة فالثمانية تلك سأوجز فيها غاية الإيجاز لندخل في سنن الترمذي رضي الله عنه وعن أئمتنا أجمعين.

اللهم ألهمنا رشدنا، واحفظنا من شرور أنفسنا، اللهم احفظنا من شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر لجيرانه من المسلمين، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح الترمذي - باب ما جاء في كراهية ما يستنجى به [60] للشيخ : عبد الرحيم الطحان

https://audio.islamweb.net