إسلام ويب

ستر المرأة لوجهها عنوان الفضيلة ودليل العفة، وهو واجب عند توقع الفتنة بكشفه، وقد اختلف العلماء في حكم ستره في ما عدا ذلك، وقد جمع بعض العلماء كابن تيمية بين القولين؛ أن من جوّز كشف الوجه كابن عباس فهو باعتبار ما كان في أول الإسلام، ومن منع كابن مسعود فهو باعتبار ما آل إليه الأمر آخراً.

حكم ستر وجه المرأة وفضله

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.

اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك.

اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فلا زلنا نتدارس الباب الخامس من أبواب الطهارة من جامع الإمام أبي عيسى الترمذي؛ باب ما يقول إذا خرج من الخلاء، وتقدم معنا أن الإمام الترمذي روى في هذا الباب حديثاً عن أمير المؤمنين وسيد المسلمين أبي عبد الله الإمام البخاري عليه وعلى جميع المسلمين رحمة رب العالمين، روى عنه حديثاً في هذا الباب عن أمنا عائشة رضي الله عنها: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك ). قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب، ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث أمنا عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد انتهينا إخوتي الكرام! من دراسة رجال الإسناد ووصلنا إلى أمنا الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله على نبينا وآله وأزواجه وصحبه صلوات الله وسلامه، وقلت إخوتي الكرام: سنتدارس ترجمة أمنا العطرة من خلال ستة أمور معتبرة:

أولها: فيما يتعلق بفضلها وأفضليتها على غيرها.

ثانيها: فيما يتعلق بحب نبينا صلى الله عليه وسلم لها حباً خاصاً زاد على غيرها.

الأمر الثالث: في أسباب حبها.

والأمر الرابع: في زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

والأمر الخامس: في قيام أمنا بأمور الدين حسبما يستطيع الإنسان من تعظيم للرحمن وشفقة على بني الإنسان.

وآخر الأمور وهو سادسها: حب الله لأمنا عائشة وغيرته عليها ودفاعه عنها.

إخوتي الكرام! كنا سابقاً نتدارس الأمر الخامس في قيام أمنا عائشة رضي الله عنها بأمور الدين على وجه التمام حسبما يستطيعه الإنسان من تعظيم للرحمن وشفقة على بني الإنسان، وتقدم معنا شيء من حالها مع ربها وعبادتها لله عز وجل، فكانت تصوم الدهر، وكانت تقوم الليل وتكثر من قراءة القرآن، وهي شديدة الخوف والوجل من الله عز وجل كما تقدم معنا أخبارها في ذلك، ثم انتقلنا إلى مدارسة ما يتعلق بحالها مع عباد الله من إحسانها إليهم وشفقتها عليهم، وذكرت قصصاً كثيرة ثابتة عنها رضي الله عنها في مساعدتها للخلق وإحسانها إليهم، ثم ختمت الأمر الخامس بأمر قلت: ينبغي أن نعيه تمام الوعي في ترجمتها؛ ألا وهو شدة حيائها ومحافظتها على عفتها وعرضها رضي الله عنها وأرضاها، وأجمل ما يزين المرأة الحياء، وقلت: هذا الخلق ينبغي أن يستفيده النساء من أمنا رضي الله عن أمنا وعن سائر أزواج نبينا على نبينا وآله صلوات الله وسلامه، فتقدم معنا أنها كانت تتحجب من الأموات والأحياء، من المبصرين والعميان على حد سواء.

إخوتي الكرام! بعد هذا كنا نتدارس تعليقاً يتعلق بحجاب المرأة وما ينبغي أن تكون عليه المرأة المسلمة في حجابها وحيائها وعفافها، وبينت الحكم الشرعي، وأن الوجه ينبغي أن يستر، ثم تعرضت لأربعة سفهاء غالب ظني أني ذكرت كلام سفيهين وبعد ذلك شرعت بعد ذلك في كلام سفيه آخر، ثم قدر الله أن ننتهي، وقلت: أرجئ الكلام إلى هذا اليوم، ولا أحب أن أبدأ هنا بكلام السفهاء، والرد عليهم واجب، لكن أحب أن أقدم بين يدي ردنا عليهم مقدمة ينبغي أن نعيها تمام الوعي في هذا الأمر، فانتبهوا لها إخوتي الكرام!

ستر أمهات المؤمنين لوجوههن واقتداء نساء الأمة بهن

أولها: ستر وجه المرأة هو شيمة النساء الصالحات، وهو خلق العفيفات، وهذا هو لباس الفاضلات، وهو شأن الطاهرات الحييات في جميع الأوقات، فعنوان حياء المرأة وعفتها وطهارتها وفضلها: سترها لوجهها مع التزامها بالحجاب الشرعي في سائر جسدها، لكن هذا الوجه هو أول ما ينبغي أن يستر من هذه المرأة الطاهرة الحيية العفيفة، ولا يجوز أن يظهر.

وقد تقدم معنا -إخوتي الكرام- أخبار كثيرة في ذلك تقرر هذا، فكيف كانت أمنا عائشة مع أمهاتنا أزواج نبينا عليه الصلاة والسلام الصحابيات الطاهرات وهن في أعظم العبادات في الأشهر الحرم، في الأماكن المعظمة المباركة، في أداء نسك الحج؟ كنَّ إذا مر بهن الرجال الركبان سدلن على وجوههن كما تقدم معنا، فإذا جاوزهن الرجال كشفن عن وجوههن رضوان الله عليهن أجمعين.

وتقدم معنا هذا الفعل وحكايته عن أحوال النساء من حديث أمنا عائشة ، وقلت: روي أيضاً عن أمنا أم سلمة وروي عن أسماء بنت أبي بكر وروي عن فاطمة بنت المنذر ، وقلت: إن الأخبار في ذلك صحيحة كما تقدم معنا تخريجها وبيانها.

إخوتي الكرام! المؤمنات بعد ذلك اقتدين بأمهاتهن أزواج نبينا على نبينا وآله وأزواجه صلوات الله وسلامه؛ فالنساء الصالحات في زمن التابعين إلى هذا الوقت وإلى يوم الدين يقتدين في حجابهن وتغطية وجوههن بأمهاتهن، ولذلك من أشنع ما قيل عن الحجاب قول هؤلاء السفهاء منهم هذا الضال المضل السفيه الفنجري الذي يقول: غطاء الوجه عادة تركية جاءتنا من الأتراك والمماليك، وما كان يعرف نساؤنا المسلمات الأول غطاء الوجه. يقول: هذا كله جاء من نظام الحريم عند الأتراك عند الاستعمار العثماني، أما أنه يوجد حجاب للوجه في الإسلام فلا.

أيها المخذول الضال! أنت إذا أنصفت قل: إن المؤمنات اقتدين بحجابهن بأمهاتهن؛ لأن إلزام أمهات المؤمنين بالحجاب هذا منصوص عليه في كلام الكريم الوهاب: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53]، فإذاً: المؤمنات اقتدين بأمهاتهن في حجابهن وستر وجوههن، ما اقتدين لا بأتراك ولا بمماليك، ولا جاءت هذه الخصلة الطيبة المباركة للنساء تأثراً بأحد إلا بأمهاتهن رضي الله عنهن وأرضاهن.

إخوتي الكرام! هذا الأمر لابد من وعيه، فنحن عندما نقول: النساء يتحجبن، لو لم يكن معنا دليل على إلزام النساء المسلمات بالحجاب إلا هذا الدليل لكفى؛ يقتدين بأمهاتهن، مع أن الأدلة ما أكثرها كما تقدم وكما سيأتي إن شاء الله.

أفضلية ستر الوجه لعموم النساء الكبار والصغار

إخوتي الكرام! وهذا الحجاب -أعني ستر المرأة لبدنها وعلى الخصوص وجهها- لا يستثنى منه امرأة سواء كانت شابة أو هرمة بلغت مائة سنة، بل من حيائها وفضلها أن تحجب وجهها، نعم يجوز كشف الوجه للهرمة، وللمسنة؛ للقاعدة، هذا أمر آخر، لكن الكمال خلاف ذلك وهذا محل اتفاق بين أئمتنا، ولا يخالف في ذلك إلا من غضب الله عليه ولعنه.

إذاً غطاء الوجه فضيلة، وعلامة طهر وحياء وكرامة في المرأة لا خلاف في ذلك، لكن هل هو واجب أو لا؟ هذا سيأتينا ضمن مراحل البحث لأنه قرر المسألة الأولى.

هذا علامة على فضل المرأة، وعلى حيائها، وعلى كرامتها، وعلى تقاها، وعلى عفتها، وهذا خير لها، لا خلاف بين أئمتنا في ذلك، ومن خالف هذا فهو مفتر على هذه الشريعة ولم يسبقه إلى قوله إلا إبليس وهو من أتباعه، أما أن غطاء الوجه فيه منقصة أو مرذول أو.. أو.. هذا ما أحد قاله إلا سفهاء هذا العصر.

إذاً: غطاء الوجه كمال، نبل، شرف، فضيلة، عفة، حياء، لو كانت المرأة تبلغ مائة سنة وتزيد فإذا سترت وجهها هذا خير لها، واسمع لهذه القصة التي يرويها سعيد بن منصور في سننه وابن المنذر في تفسيره والبيهقي في السنن الكبرى وإسنادها صحيح عن عاصم بن سليمان الأحول وهو أبو عبد الرحمن ثقة، وحديثه مخرج في الكتب الستة، تابعي، توفي سنة أربعين ومائة للهجرة.

قال هذا العبد الصالح: كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وهي أم الهذيل الفقيهة العابدة، هذا كلام أئمتنا قاطبة في ترجمتها، مكثت ثلاثين سنة لم تخرج من مصلاها.

وقال إياس بن معاوية : ما أدركت أحداً بالبصرة أفضله على حفصة بنت سيرين ، فقيل له: ولا أخوها محمد بن سيرين ، ولا الحسن البصري ؟ قال: أما أنا فلا أقدم على حفصة أحداً. هي أفضل من الحسن البصري وهي أفضل من محمد بن سيرين في العلم والتقى والعبادة والورع، حسبما يقول هذا العبد الصالح رضوان الله عليهم أجمعين، وقلت: حديثها في الكتب الستة، ثقة فقيهة عالمة عابدة.

يقول عاصم بن سليمان الأحول : كنا ندخل عليها رضي الله عنها وأرضاها، فكنا إذا دخلنا عليها تتحجب وتلبس جلبابها، فنقول لها: أليس قد قال الله في كتابه: وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ [النور:60]، فأنتِ امرأة كبيرة جاوزتِ السبعين وفقيهة عابدة لا تخرجين من مصلاكِ، وإذا جئنا لنتلقى العلم عنكِ لبستِ الجلباب وقابلتينا من وراء حجاب، لم؟ وأنت إذا كشفتِ الوجه قاعد بنص القرآن، ولكِ رخصة فيجوز أن تخلعي الجلباب، وأن تقابلي الرجال بالملابس الطويلة التي تستر البدن مع كشف الوجه واليدين، ولا يشترط أيضاً جلباب فضفاف خارجي كما هو حال المرأة عندما تخرج إلى الشارع؛ لأنك كبيرة والله نص على استثنائكِ ورخص لكِ في كتابه فقال: وَالْقَوَاعِدُ [النور:60] جمع قاعد، وهي من قعد سنها عن طلب النكاح وتطلع الرجال إليها، فإذا رأيتها تغض بصرك طبيعة لا ديانة، يعني: أنت عندما تراها طبيعتك تنكسر، لا خشية من الله؛ لأن وجهها صار ثلاثين طبقة وظهرها متقوس وليس في فمها سنٌ ولا ضرس، وأحياناً لعابها يسيل، هذه هي القاعد، فإذا بلغت المرأة هذا السن لا حرج عليها أن تظهر وجهها وكفيها، وألّا تلبس جلبابها الواسع، بل تكون بملابس طويلة أمام الرجال لمصلحة شرعية.

فكانت تقول حفصة بنت سيرين : اقرءوا ما بعدها، أنتم لم تقفون؟ وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ [النور:60] يعني: تقوم بلا غطاء للوجه ولا جلباب فضفاف وبدون أن يكون هناك زينة وتطلع للشهوة الإنسانية، قالت: اقرءوا ما بعدها: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60] يعني: أن تجعل الشيخة نفسها كأنها شابة بنت عشرين أو بنت أربع عشرة، فتحتاط في لباسها ولا تظهر شيئاً من بدنها، لا من الظفر ولا من الوجه هذا خير لها بنص القرآن. هذه القاعد التي زادت على السبعين وانقطع أمل الرجال منها في كل حين، من هذا الوقت إلى موتها ما أحد يفكر بزواجها، فإذا استعفت وسترت وجهها وقابلت الناس بجلبابها الواسع الفضفاض فهو خير بنص القرآن: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور:60]. فهي تقول: أكملوا الآية، فهو يرخص لي أن أقوم أمامكم بدون غطاء للوجه وبدون جلباب واسع، لكن الأفضل والأكمل والأحسن والأستر والأصون: وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور:60].

هذه حفصة بنت سيرين الفقيهة العابدة الحيية التقية الورعة المتوفاة بعد سنة مائة للهجرة رضي الله عنها وأرضاها تفعل هذا الفعل، وتلقت هذا حتماً من بينت النبوة؛ لأن مولاها أنس بن مالك رضي الله عنه ووالدها سيرين كان عبداً عند أنس وأنس خادم النبي عليه الصلاة والسلام، فإشعاعات النبوة ونورها في هذا البيت الطاهر عند حفصة بنت سيرين.

إذا كانت أمنا عائشة تتحجب من الأعمى كما تقدم معنا، وتتحجب من الميت، فكيف هذه لا تتحجب من الحي الذي يبصر؟ لا يمكن هذا أبداً، وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور:60].

تقرير الغزالي لوجوب ستر المرأة لوجهها وذكر بعض من وافقه

إخوتي الكرام! وهذا الخلق -أعني ستر وجه المرأة- هو الذي سار عليه عمل النساء الصالحات في سائر العصور حتى في هذا العصر الهابط، لا تتحجب إلا من كانت حيية صالحة طاهرة، فلا تكشف امرأة عن وجهها إلا لريبة فيها وخيانة في نفسها، الوجه ستره علامة الحياء، وهذا ينبغي أن يصاحب المرأة في كل وقت، ولذلك قرر الإمام الغزالي وانظروا كلامه في الجزء الثاني صفحة ثمان وأربعين إلى تسع وأربعين عندما بحث في موضوع خروج المرأة إلى المسجد في كتاب النكاح من كتاب الإحياء، يقول: الأصوب الآن المنع إلا للعجائز، والذي يظهر والعلم عند الله أن الحكم الشرعي يبقى جائزاً للعجائز وللصبايا بالضوابط الشرعية التي رخص فيها خير البرية عليه صلوات الله وسلامه، فيخرجن إلى المسجد وهن تفلات، أي: تاركات للطيب وللزينة، متحجبات مستورات.

ثم قال الغزالي -هذا محل الشاهد الذي أريده-: ولم يزل الرجال على مر الأزمان مكشوفي الوجوه والنساء يخرجن منتقبات -وهو من القرن السادس للهجرة، توفي سنة خمسمائة وخمسة-: عادة النساء على مر العصور منذ عهد النبي عليه الصلاة والسلام إلى القرن السادس للهجرة أن النساء يخرجن منتقبات، وأما الرجال فيكشفون عن وجوههم، أما المرأة فهي التي تستر لأنها عرض يصان وتلازم البيت، والرجل عمله خارج البيت، فلو أمر بالحجاب كما أمرت المرأة لشق عليه، فلا يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة ولا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجل، لكن المرأة خروجها للشارع قليل، ثم بعد ذلك هي مستورة وتغض طرفها، ولذلك ما أمر الرجل بالنقاب وأمرت به المرأة.

وهذا الكلام نقله عنه أيضاً الإمام الزبيدي في إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين وأقره عليه، ونقله قبله الحافظ ابن حجر في الفتح في الجزء التاسع صفحة سبع وثلاثين وثلاثمائة، وعلق عليه بما يفيد إقراره له فقال: استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال. يقول: هذا هو عمل المسلمين، نساؤهم في كل مصر وفي كل بلد وفي كل صقع وفي كل قرية يخرجن منتقبات لئلا يراهن الرجال.

توجيهات لحديث: (لا تنتقب المحرمة...)

المراد بحديث: (لا تنتقب المحرمة) والجواب عمن حمله على كشف الوجه

الحج لا تنتقب فيه المرأة كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام والحديث في المسند وصحيح البخاري ورواه أهل السنن الثلاثة: أبو داود والنسائي والترمذي ، ورواه ابن خزيمة في صحيحه، وهو حديث صحيح كالشمس لكن اختلف في رفعه وفي وقفه على ابن عمر ، والمعتمد أنه مرفوع من كلام النبي عليه الصلاة والسلام وإن رجح الحافظ في الفتح أنه موقوف على ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين، ولفظ الحديث عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام أنه قال: ( لا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين )، والنقاب الذي منعت منه المحرمة هو اللباس الخاص بالوجه وهو البرقع الذي يكون بحجم العضو، فهذا نهيت عنه كما تقدم معنا في كلام أمنا عائشة : لا تتلثم لكن تسدل، وهنا لا تلبس البرقع؛ لا تتلثم، لا تلبس شيئاً يحيط بالوجه كالقفازين تحيط بالكفين، إنما تستر يديها بشيء تسدله على يديها، وتستر وجهها بشيء تسدله على وجهها أيضاً دون أن تلبس البرقع، ودون أن تتلثم كما تقدم معنا، ففي الحج المرأة نهيت عن النقاب لحكمة يعلمها الله ولا نعلمها، كما أن الرجل نهي عن لبس السراويل وعن لبس المخيط لحكمة يعلمها الله ولا نعلمها، وهذه ليست من باب العقوبة بل من باب التكليف، فما كلفنا الله بشيء يعاقبنا عليه، والتكليف الجزائي مرفوع عن هذه الأمة، فرفع الله عنا الإصر والأغلال التي كانت علينا، نعم قد نكلف بما فيه امتحان للعبودية وتحقيق للتوحيد الخالص، حتى نرى هل سنلتزم أم لا نلتزم.

فالمرأة التي تلتزم بالبرقع وتلبس لباساً خاصاً لوجهها في الحج تزيله وتسدل، وهكذا الرجل الذي يستر رأسه بعمامة, وهذا كمال فيه وملابس يتزين بها فنهي عنها في الإحرام تذللاً لله جل وعلا وليس من باب التكليف الجزائي للمعاقبة كما حرم الله على بني إسرائيل ما حرم عليهم بظلم منهم، بل نحن إن منعنا عن شيء فغاية ما يقال: إن العلة فيه امتحان العباد وإظهار مدى صدقهم في توحيد ربهم جل وعلا، وهنا كذلك منعت المرأة عن لبس هذا اللباس الخاص في وجها وفي كفيها -القفازان والبرقع واللثام- وما عدا هذا فينبغي أن تستر وجهها به في الإحرام.

يقول الحافظ ابن حجر عليه رحمة الله في الفتح في الجزء الثالث صفحة ست وأربعمائة، واستمع لهذا النقل عن شيخ الإسلام وإمام المسلمين في زمنه محمد بن المنذر وهو من علماء القرن الرابع للهجرة في بدايته، توفي هو والإمام ابن جرير ومحمد بن خزيمة وهكذا محمد بن هارون الروياني أئمة الدنيا في زمنهم، كانوا في عصرٍ واحد.

الإمام ابن المنذر ينقل عنه الحافظ في الفتح في هذا المكان ويحكي الإجماع في ذلك فيقول: أجمعوا على أن المرأة تلبس المخيط كله -والرجل منهي عن لبس المخيط- والخفاف، وأن لها أن تغطي رأسها وتستر شعرها إلا وجهها فتسدل عليه الثوب سدلاً خفيفاً تستتر به عن نظر الرجال. هذا الإجماع إخوتي الكرام! قول أئمة الإسلام قاطبة، لا يستثنى من ذلك إمام من الأئمة.

قال: ولا تخمره. والتخمير كالتلثم؛ أن تشد الخرقة والثوب والغطاء والخمار على الوجه، فلا تخمره إلا ما روي عن فاطمة بنت المنذر ، وقد تقدم معنا حديثها في الموطأ بسند صحيح كالشمس: ( كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر ) رضي الله عنهن أجمعين.

ثم قال ابن المنذر : ويحتمل أن يكون ذلك التخمير سدلاً كما جاء عن أمنا عائشة . وهذا الاحتمال هو المراد من تخمير فاطمة والمؤمنات في ذلك الوقت لوجوههن رضي الله عنهن.

فمعنى نخمر وجوهنا: أي: نسترها، والخمار: هو الشيء الساتر، وليس المراد: تلثم أو برقع، فيقول: أجمع المسلمون على أن المرأة تسدل شيئاً على وجهها تستر به عن نظر الرجال ولا تخمر الوجه ببرقع أو شيء يلاصق، إلا ما روي عن فاطمة يقول: هذا ليس إجماع فيه، ثم قال: ولعل ما روي عن فاطمة هو من باب السدل أيضاً.

خلاصة الكلام: أن ستر الوجه تطالب به المرأة في الإحرام.

جواب ابن القيم على من فهم من حديث: (لا تنتقب المحرمة) لزوم كشف الوجه

إخوتي الكرام! وكل من قال: إن المرأة ينبغي أن تظهر وجهها في الإحرام كما يظهر الرجل رأسه فهو واهم غافل، لا يعي الحكم الشرعي ولا يعرف مقصود الشارع من كلامه، وقد أشار الإمام ابن القيم رحمه الله ونور الله قبره في بدائع الفوائد في الجزء الثالث صفحة اثنتين وأربعين ومائة إلى هذه القضية فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لها كشف الوجه في الإحرام ولا غيره، لكن الناس فهموا من حديث: ( لا تنتقب المحرمة ) خلاف ما يريده النبي عليه الصلاة والسلام فانتبه للتعليل الشرعي، وإنما جاء النص بالنهي عن النقاب خاصة كما جاء بالنهي عن القفازين، وجاء بالنهي عن لبس القميص والسراويل. يعني: أنت نهيت أن تلبس السراويل فهل تستر عورتك أو تخرج بادي العورة؟ تسترها لكن بغير سراويل، وليس معناه أن تخرج عارياً، وهنا (لا تلبس البرقع) ليس معناه أن تكشف الوجه، ومعلوم أن نهيه عن لبس هذه الأشياء لم يرد أن تكون مكشوفة لا تستر البتة، بل قد أجمع الناس على أن المحرمة تستر بدنها بقميصها ودرعها، وأن الرجل يستر بدنه بالرداء وأسافله بالإزار، مع أن مخرج النهي عن النقاب والقفازين والقميص والسراويل واحد، هذا نهينا عنه وهذا نهينا عنه، فكيف يزاد على موجب النص ويفهم منه أنه شرع لها كشف وجهها بين الملأ جهاراً؟ فأي نص اقتضى هذا؟ أو أي مفهوم أو عموم أو قياس أو مصلحة؟ بل وجه المرأة كبدن الرجل يحرم ستره بالمفصل على قدره وهو البرقع كما يحرم عليك أن تلبس قميصك، أما أن تلبس إزاراً ورداءً فلا حرج كالنقاب والبرقع، بل ويدها يحرم سترها بالمفصل على قدر اليد كالقفاز.

وأما سترها بالكم وستر الوجه بالملاءة والخمار والثوب فلم ينه عنه البتة، ومن قال: إن وجهها كرأس المحرم فليس معه بذلك نص ولا عموم ولا يصح قياسه على رأس المحرم لما جعل الله بينهما من الفرق، وقول من قال من السلف: إحرام المرأة في وجهها؛ إنما أراد به هذا المعنى، أي: لا يلزمها اجتناب اللباس كما يلزم الرجل، بل يلزمها اجتناب النقاب فيكون وجهها كبدن الرجل. ولو قدر أنه أراد وجوب كشفه فقوله ليس بحجة ما لم يثبت عن صاحب الشرع أنه قال ذلك وأراد به وجوب كشف الوجه، ولا سبيل إلى واحد من الأمرين. وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها -وهي ومن معها من أمهاتنا والمؤمنات الصحابيات أعلم الناس بالحكم الذي يتعلق بهن وبالحديث الذي وجه إليهن: ( لا تنتقب المحرمة )- : ( كنا إذا مر بنا الركبان سدلت إحدانا الجلباب على وجهها )، ولم تكن إحداهن تتخذ عوداً تجعله بين وجهها وبين الجلباب كما قاله بعض الفقهاء، ولا يعرف هذا عن امرأة من نساء الصحابة ولا أمهات المؤمنين البتة لا عملاً ولا فتوى، ومستحيل أن يكون هذا من شعار الإحرام، ولا يكون ظاهراً مشهوراً بينهن يعرفه الخاص والعام، ومن آثر الإنصاف وسلك سبيل العلم والعدل تبين له راجح المذاهب من مرجوحها وفاسدها من صحيحها، والله الموفق والهادي.

متابعة الصنعاني لابن القيم في قوله بوجوب ستر المحرمة لوجهها

إخوتي الكرام! هذا الأمر الذي قرره هذا الإمام الهمام هو ما تتابع عليه أئمة الإسلام، يقول الإمام الصنعاني في سبل السلام في الجزء الثاني صفحة ثلاث وخمسين ومائتين: يحرم عليها -يعني: على المحرمة- النقاب والبرقع وهو المفصل على قدر ستر الوجه؛ لأنه ورد به النص كما ورد بالنهي عن القميص للرجل مع جواز ستر الرجل لبدنه بغيره اتفاقاً -يعني: بغير القميص- فكذلك تستر وجهها بغير ما ذكر كالخمار والثواب، ومن قال: وجهها كرأس الرجل المحرم فلا دليل معه.

ثم تعرض أيضاً للوجه قبل ذلك في نفس كتابه سبل السلام عند أحكام العورة وما ينبغي أن تستره المرأة من بدنها في الصلاة في الجزء الأول صفحة ست وسبعين ومائة، فقال: يباح كشف وجهها -أي: عند صلاتها ومناجاتها لربها- حيث لم يأت دليل بتغطيته، والمراد كشفه عند صلاتها بحيث لا يراها أجنبي، فهذه عورتها في الصلاة، وأما عورتها بالنظر إلى نظر الأجنبي إليها فكلها عورة. والإمام ابن القيم في إعلام الموقعين في الجزء الثاني صفحة واحدة وستين أيضاً ذكر نحو هذا الكلام المذكور هنا، وأن المرأة ينبغي أن تحجب وجهها وأن تستره في إحرام أو في غيره لكنها في غير الإحرام إن شاءت أن تستره عن طريق السدل أو عن طريق البرقع وفوقه سدل أو عن طريق اللثام وفوقه سدل مبالغة في الحجاب والاحتياط فلها ذلك، وإن أرادت أن تستره بسدل فقط فلها ذلك، لأنها في الإحرام لا يجوز أن تستره إلا بسدل، ولا يجوز أن تلبس البرقع ولا أن تلثم كما تقدم معنا الروايات الدالة على ذلك.

كلام مصطفى صبري حول فضل الحجاب

إخوتي الكرام! وهذا الخلق -كما قلت- هو خلق فضيل وهو خلق النساء الفاضلات، والأمر كما قرر شيخ الإسلام مصطفى الصبري عليه رحمة الله في كتابه القول في المرأة، وهو آخر شيوخ الإسلام لهذه الأمة الإسلامية المرحومة في الخلافة الإسلامية المباركة الخلافة العثمانية التي قضي عليها من قبل الكفرة الملحدين سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة وألف للهجرة، ولم يجتمع المسلمون من ذاك الوقت للآن على إمام ولا على خليفة وأمرهم فوضى، ونسأل الله أن يحسن ختامنا بفضله ورحمته، وهذه أعظم مصيبة نزلت على الأمة الإسلامية بعد موت خير البرية عليه الصلاة والسلام، تفرقهم في هذا الحين إلى ما يزيد على سبعين دولة ما بين مملكة وسلطنة ومشيخة وإمارة ودولة، وحدث ولا حرج، وبعد ذلك بأسهم بينهم شديد، نسأل الله أن يؤلف بين قلوب المؤمنين، وأن يوحد كلمتهم، وأن يهيئ لنا من أمرنا رشداً إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

يقول هذا الشيخ المبارك -حقيقة من الحيف أن يكتب هذا الكلام في الورق، إنما ينبغي أن يسطر في القلوب- عليه رحمة الله في هذا الكتاب مقالتين يرد بهما على السفهاء، وقد توفي سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وألف للهجرة، يعني: صار له متوفى عليه رحمة الله قرابة أربعين سنة.

يرد في المقال الأول على حكم تعدد الزوجات ويرد على السفهاء في هذه القضية، والثانية في السفور ويريد به كشف الوجه الذي هو مطية لكشف العورة المغلظة، وإذا هان على المرأة أن تكشف وجهها فسيهون عليها أن تكشف ما هو أعظم بعد ذلك.

يقول في صفحة خمس وعشرين مبيناً أن الحجاب هو دليل الرقي والكمال والفضيلة وأن السفور -يعني كشف الوجه- هو دليل الرذيلة وهو دليل الانحطاط والتأخر، هذا بخلاف ما ننبز به، يقال للمتحجبة: رجعية وهي الفاضلة؛ لأن الرجعية التي تعود إلى الجاهلية والهمجية هي التي تكشف عن وجهها وتخرج كالبقرة، هذه هي الرجعية، أما التي تستر وجهها فهي حيية ولا يقال لها: رجعية.

يقول: لا خلاف في أن الشرق مهد العلوم والمدنيات، وسبب ذلك يرجع إلى كونه موطن الأنبياء ومهبط الوحي الإلهي، فالشرق فيه هذا النور الذي باركنا حوله كما قال الله: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ [الإسراء:1]، فالشرق فيه هذه البركات بركات الدين والدنيا، بركات الدين لإرسال الرسل وإنزال الكتب بالشرع.

يقول: حتى إن مدنية اليونان التي هي أقدم مدنية في أوروبا والتي استنار منها الغرب قبلما استنار من علوم الإسلام ومدنيته المنصبة إلى أسبانيا بأيدي العرب الفاتحين مقتبسة من اتصال اليونانيين بسكان سواحل آسيا المحاذية لسواحل اليونان بمناسبة التجارة وغيرها فضلاً عن كون أصل اليونانيين من المهاجرين الشرقيين، فأصلهم أيضاً من أحفاد وسلالة الأنبياء الذين اهتدوا برسالاتهم.

ثم يقول: ولا خلاف أيضاً في أن السفور حالة بداوة وبداية في الإنسان، والاحتجاب طرأ عليه بعد تكامله لوازع ديني أو خلقي يزعه عن الفوضى في المناسبات الجنسية الطبيعية، ويسد ذرائعها، ويكون حاجزاً بين الذكور والإناث، وقد خص الاحتجاب للمرأة دون الرجل لاشتغاله في خارج البيت؛ ولأن موقفه في المناسبات الجنسية موقف الطالب، وموقف المرأة موقف المطلوب، فيكون منه الطلب والإيجاب ومنها القبول والإباء، واحتجابها وسام إبائها، وهي متحلية به أمام الرجل كي لا تحتاج إلى الإباء والرفض باللسان أو باليد.

متى ما سترت الوجه، فالوجه يقول: ليس للخلق من أولهم لآخرهم حاجة، ومتى ما كشفت الوجه تقول: إلي إلي، ما فيكم من يفهم عني؟ ففيه صونها عن أن تكون عرضة للرجال، فإذا تصدى لها الرجل وراودها وأرادت هي قبول مراودته فإنها تسفر له، فهو ينم عن قبولها الطلب، وسفورها لرجل معين من غير سبق طلب منه شعار قبول متقدم على الطلب وإغراء له بالطلب، وانتبه للتي هي ثالثة الأثافي وهي: سفورها العام شعار القبول والإغراء العامين.

هذه عندما تكشف وجهها كشفاً عاماً فهو إغراء وقبول عام، كأنها تقول: أنا لا أمنع عرضي عن أحد. هذا لسان حالها يقول ذلك، تقصد أو لا تقصد هذا موضوع آخر، متى ما كشفت المرأة عن الوجه دل على رغبتها في من كشفت وجهها له شاءت أم أبت، وإذا أرادت أن تكون حيية نافرة فلا تكن ألعوبة بأيدي الرجال أمام هذا الحصن الحصين، والمرأة ما دامت متحجبة لها مكانة وهيبة، والله لو أن أكبر شخصية أرادت أن تتصل بالمرأة اتصالاً أحله الله وهي متحجبة لوسط الوسائط في الوصول إلى خطبتها، وإذا كانت كاشفة عن وجهها فلعله في السوق يقول لها أكثر من عشرين مرة: تريدين الحلال أو الحرام؟ ما رأيكِ؟ تذهبين معي؟ أعطيكِ دريهمات؟ أنتِ كذا؟ كما يحصل الآن، لأنها خلاص ما بقي عندها حياء، هي امتهنت نفسها، تاجها في غطاء وجهها، متى ما كشفت عن وجهها داست كرامتها هي برجليها فلن يكرمها الناس بعد ذلك، فيمتهنونها غاية الامتهان، وهذا الذي حصل.

وكشف الوجه عنوان على كشف الفرج لا شك في ذلك، شاء الناس أم أبوا، إذا كشفت المرأة الوجه فهي تقول: أنا مستعدة لكشف ذاك أيضاً، ولذلك عندما كشف الوجه في البلاد الإسلامية أخذاً من البلاد الغربية تبعه ما تعلمونه بعد ذلك.

إخوتي الكرام! كل من يدعو إلى كشف وجه فهو بين رجلين: إما مغفل جاهل لا يدري ما يقول، وإما خبيث عميل، لا ثالث لحال الإنسان أبداً.

الوجه عنوان حياء المرأة وكرامتها. وهذا حال النساء في كل وقت، حول هذا الحياء الآن محاولات ومحاولات لإخراج الأمة عن حيائها وعن عفتها.

يقول لي بعض الإخوة الكرام: يا شيخ! ما مضى عفا الله عنه لكن سأحجب زوجتي، قلت: بداية خير، حقيقة معاول التضليل هنا وهناك حتماً أثرت في الأمة الإسلامية وأظهرت أن كشف الوجه لا حرج فيه ولا عار، فلو أن امرأة تكشف وجهها ماذا جرى؟ هي حرة وأنت حر، وهي إنسانة وأنت إنسان، هل هي ضبع ستأكلك لو كشفت وجهها؟ ومن هذا الكلام البارد.

ولذلك بعض من يحضر معنا زوجته سافرة ولا يعلم، ولما صار التنبيه قال: يا شيخ! إن شاء الله نتدارك الأمر لكن ماذا نعمل؟ قلت: ما مضى عفا الله عنك وعامل زوجتك كما عامل الصحابة زوجاتهم عندما نزلت آية الحجاب، انقلبوا إلى زوجاتهم فتلوا عليهن آية الحجاب، فكل واحدة عمدت -كما سيأتينا- إلى أكثف مرطها فاختمرت به وخرجت بعد ذلك كأن على رأسها غربال.

ثم يقول بعد ذلك كلاماً في منتهى الجودة، يقول: ثم إن الاحتجاب كما يكون تقييداً للفوضى في المناسبات الجنسية الطبيعية ويضاد الطبيعة من هذه الحيثية؛ فهو يتناسب مع الغيرة التي جبل عليها الإنسان. يعني: الحجاب هو ضد غريزة الشهوة وهو يتلاءم مع غريزة الغيرة فأنت بين أمرين: غريزة حيوانية أن تسفر ولا تتحجب، وعفة ومروءة وشهامة وحياء أن تتحجب، يقول: إذاً يوافق الطبيعة من ناحية أخرى إلا أن الغيرة غريزة تستمد قوتها من الروح، والتحرر عن القيود في المناسبة الجنسية التي هي غريزة تستمد قوتها من الشهوة الجسمانية، فهي تُغِّلب السفور وتلك تبعث على الاحتجاب، وبين هاتين الغريزتين تجاف وتحارب يجريان في داخل الإنسان: شهوة هابطة وعفة فاضلة.

فالمدنية الغربية انحازت إلى الطبيعة الأولى وهي طبيعة الشهوة، وقررت ألا تحرم المنتسبين إليها التمتع الجاذب الحلو من سفور النساء واختلاط الجنسين في الأندية ومجالس الأنس والسهر، وضحت بالطبيعة الثانية وهي العفة والغيرة والغريزة التي تستمد قوتها من الروح في سبيل ذلك التمتع -وانتبه لهذا التعليل الذي يقوله هذا الإمام المبارك- فالرجل الغربي يخالط النساء ويقبل أيديهن ويجالسهن سافرات ونصف عاريات ويخاصرهن مقابل التنازل عن غيرته على زوجته وأخته وبنته، فيخالطهن غيره ويجالسهن ويخاصرهن، ويرى أن عدد ضحاياه قليل بالنسبة إلى ما يربح، يعني: خسر زوجته وخمس بنات عنده لكنه اصطاد مائة امرأة أو ألف امرأة ولاعبهن.

وربما لا يوجد من يضحي به؛ بألّا يكون عنده زوجة ولا بنات فيخلص له الربح، والحفلات الراقصة التي هي من لوازم المدنية الاجتماعية في الغرب ليست إلا تأييداً علنياً للمعاشرة المختلطة وتقريباً لأحد الجنسين إلى الآخر في الاقتران والالتصاق وقضاءً على الغيرة بين ظهراني من يتوقع منهم التحمس بها، فكأن تلك الحفلات أفراح القران العامة، قضي على الغيرة وعلى المروءة وعلى الشهامة فيها، وأصبح الغرب أخبث من الخنازير، فلا غيرة ولا حمية لا على عرضه ولا على بنته ولا على أخته ولا ولا.. هذا الضعف وهذا الخلق بدأ يسري في العرب عندما أرادوا تقليد المدنية الغربية.

وأقول لكم بصراحة: إذا كشف الوجه ورضيت لابنتك أن تكشف وجهها، فإذا كشف فرجها عما قريب فلا ينبغي أن يتمعر وجهك أبداً، هذا طريق إلى ذلك، والغربي لما كشف الوجه رضي بكشف الفرج، وهذا هو الطبيعة والتساوي والمنطق، أما أن تقول للبنت: اكشفي الوجه ولا يجوز أن تزني، فهذا في الحقيقة ظلم لها ولمن يخالفها؛ لأنها لما كشفت وجهها سيؤدي ذلك إلى بلاء وعناء فكيف بعد ذلك تقول: لا تفعلي ولا تفعلوا، هذا لا يصح.

قصة هشام بن عروة وغيرته من محمد بن إسحاق حين حدَّث عن زوجته

إخوتي الكرام! هذه الغيرة التي تدعو كما قلت إلى تغطية الوجه هي التي كان يلتزم بها المسلمون في العصر الأول، وقد كان أئمتنا إذا شعروا أنه يوجد شيء من الاطلاع على وجه إحدى محارمهم أو زوجاتهم تثور ثائرتهم.

استمع لهذه القصة واستفد منها هذا المغزى الجميل الجليل، محمد بن إسحاق حديثه مخرج في صحيح البخاري تعليقاً وفي صحيح مسلم مقروناً على المعتمد وفي السنن الأربعة، وهو صدوق وحديثه لا ينزل عن درجة الحسن، صاحب المغازي طعن فيه هشام بن عروة زوج فاطمة بنت المنذر ، لم طعن فيه؟ محمد بن إسحاق روى حديثاً عن فاطمة بنت المنذر ، وفاطمة بنت المنذر رضي الله عنها وأرضاها فقيهة أيضاً عابدة ثقة حديثها مخرج في الكتب الستة، وهي من التابعيات، جدتها أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين، وفاطمة بنت المنذر هي بنت الزبير بن العوام رضوان الله عليهم أجمعين.

ومحمد بن إسحاق روى عنها حديثاً، فـهشام بن عروة أخذته الغيرة والحمية، ثم قال: يتحدث محمد بن إسحاق أنه روى عن زوجتي فاطمة ! والله إن رآها قط -إن هنا بمعنى ما- يعني: والله ما رآها قط ولا اجتمع بها كيف يروي عنها؟ فاتهمه بالكذب ورد روايته من أجل روايته عن زوجته فاطمة .

فالإمام الذهبي قال لـهشام بن عروة : على رسلك، محمد بن إسحاق ما قال: إنه رآها ولا زعم أنه رآها، ولا يلزم من روايته عنها أن يراها، قال الذهبي : وقد سمعنا من عدة نسوة وما رأيتهن قط؛ لأنه إذا حدثت المرأة من وراء حجاب فلا يلزم أن أرى وجهها.

ثم قال: وقد روى عدة من التابعين عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم أجمعين وما رأوا لها صورة قط. أنت تغار لكنها غيرة زائدة في الحقيقة عن الحد الشرعي، فهذا الرجل روى عن زوجته وأنت تقول: ما روى وهو كذاب.

ثم قال الإمام الذهبي : لعله أيضاً أن تكون فاطمة بنت المنذر عمة أو خالة لـمحمد بن إسحاق من الرضاعة وهشام بن عروة لا يدري. لكن انتبه لهذه الأريحية، يقول محمد بن إسحاق : حدثتني فاطمة بنت المنذر ، أنت ما رأيت وجه زوجتي فيقول هشام بن عروة : إذاً أنت كذاب، ورأى أن هذه أكبر منقصة فيه أن يقال: محمد بن إسحاق رأى وجه زوجتي. حقيقة لو بلعته الأرض لكان أيسر عليه، فقيل له: خفف على نفسك، ما رؤي وجه هذه الحصان العفيفة الطاهرة، إنما حدث عنها دون رؤية، لا يلزم من التحديث الرؤية، لكن انتبه لهذه القصة ولما تدل عليه من معان، لو كان وجه فاطمة بنت المنذر وغيرها مكشوفاً كوجوه البقر فهل هناك داع أن يقول هشام بن عروة : من أين رأيتها؟ لأنه سيقول له: يا عبد الله! رأيت أهلك وأهل البلدة من أولهم إلى آخرهم رأوها، لأنها ذاهبة آيبة، وجهها كذا وكذا، فكيف تتهمنا بعد ذلك وجهها مسبل لكل أحد؟

إذاً: وجه مصون مستور، لذلك عندما حدث عنها ظن أنه يلزم من تحديثه عنها رؤية لوجهها، فقال: أنت ما رأيتها، وعليه فإنها ما حدثتك وروايتك عنها ليست ثابتة. فانظر هذه الغيرة وهذه الحمية وهذه العفة.

إخوتي الكرام! لا أريد أن أبحث الآن في قضية الوجه عورة أو لا، هذا سيأتينا ضمن مراحل البحث، إنما القضية الأولى: هي أن ستر الوجه فضيلة، وعلامة على الطهر والعفة والحياء والكمال، هذا محل إجماع، والمخالف في ذلك شيطان مريد.

حكم كشف الوجه للمرأة

آراء المذاهب والعلماء في كشف الوجه عند حدوث الفتنة

الأمر الثاني: الوجه إذا كان يخشى من كشفه فتنة وتوقعت محنة وسيترتب على ذلك بلايا ورزايا فيجب ستره أيضاً بلا خلاف، سواء كان عورة أو لا كما سيأتينا ضمن البحث: هل هو عورة أو لا؟

واستمع للسادة الحنفية وللمالكية وغيرهم ممن يرون أن الوجه ليس بعورة لكن ليس معنى هذا أنه يكشف كوجه البقرة، لا ثم لا.

يقول الأحناف كما في رد المحتار على الدر المختار في الجزء الأول صفحة سبع وأربعمائة، ومثل هذا في حاشية الطهطاوي في الجزء الأول صفحة واحد وتسعين ومائة، يقول: تمنع الشابة من كشف الوجه لخوف الفتنة من الفجور بها والشهوة إليها. إذاً تمنع، أما بعد ذلك كونهم لا يرون الوجه عورة فهذا موضوع آخر، إذا كان كشف الوجه سيؤدي إلى فتنة وجب ستره ولا يباح لها كشفه، وهكذا أيضاً المالكية كما في حاشية الدسوقي في الجزء الأول صفحة سبع وتسعين ومائة، يقول: إن خشي بالنظر إليها فتنة وجب عليها ستر وجهها على مشهور المذهب، ولذلك من ينقل بعض أقوال المذهب ويقول: إنهم لا يقولون بأن الوجه عورة ولا يتبعون نقلهم بهذا الحكم فهم لصوص خونة؛ لأنه إذا نقل قول الحنفية بأن الوجه ليس عورة ينبغي أن ينقل حكم الكشف عند الحنفية يجوز أم لا يجوز؛ لأنهم يقولون: إذا كان يخشى فتنة فيجب عليها أن تستره، وهكذا المالكية، بل قرر أئمتنا وجوب ستر المرأة لوجهها من المرأة أو من محارمها إذا خشيت فتنة لها أو لغيرها. فإذا كانت امرأة مساحقة خبيثة، كلما تنظر إلى المرأة تنظر إلى شعرها وعينيها وخدودها وتجلس تتحرق عليها وتشتهيها فنقول: لا يجوز أن تكشفي جسمكِ أمامها ولا وجهكِ أبداً، هذه اعتبريها كالرجل الكافر بالنسبة للنظر مع أنها امرأة مسلمة. كذلك لو كان عندها أخ لها، أو ابن زوج، أو ابن أختها لكنه شرير نعوذ بالله منه، وتراه يتجسس ويتلصص هنا وهناك، فإذا علمت منه الخيانة فإنها تتحجب منه مع أنها خالته أو عمته أو زوجة أبيه، وهذا مقرر عند أئمتنا ولا أعلم في ذلك خلافاً.

يقول الإمام ابن تيمية -رحمه الله ونور الله قبره وفي غرف الجنان أرقده- في الجزء الخامس عشر صفحة سبع وسبعين وثلاثمائة من مجموع الفتاوى في تفسير سورة النور، يقول: المرأة مع المرأة والمرأة مع محارمها كابن زوجها وابن أخيها وابن أختها متى خافت عليه أو عليها الفتنة توجه الاحتجاب عليها، بل وجب.

إخوتي الكرام! كشف الوجه في هذه الأيام فيه فتنة أم لا؟ والناس إذا نظروا يغضون الطرف أو ينظرون بقلة أمانة وخيانة؟ لذا فإذا كان النظر سيؤدي إلى فتنة فنحن متفقون الآن على وجوب الستر.

ينقل الإمام الشوكاني في نيل الأوطار -وهذا ينبغي أن يكتب ويعلق على جبين من لا يدرون هذه القضية وهذا الحكم لا في جدرانهم- في الجزء السادس صفحة مائة وأربع عشرة عن شيخ الإسلام ابن رسلان وهو أحمد بن حسن بن حسين ، توفي سنة أربع وأربعين وثمانمائة للهجرة، وهو من العلماء الربانيين الصالحين، شرح صحيح البخاري وسنن أبي داود ، وهكذا الشفاء للقاضي عياض ، وله كتب كثيرة، انظروا ترجمته إخوتي الكرام! في كتاب الضوء اللامع في محاسن أهل القرن التاسع للإمام السخاوي ، في الجزء الأول صفحة اثنتين وثمانين ومائتين، وانظروا ترجمته في شذرات الذهب في الجزء السابع صفحة ثمان وأربعين ومائتين في حوادث سنة أربع وأربعين وثمانمائة، وله كتاب ينبغي أن يحفظه الأولاد والنشء، وهو الزبد في الفقه الشافعي، نظمه وختمه بعد ذلك بأبيات لطيفة في التصوف، وأئمتنا يقصدون بالتصوف الزهد ومجاهدة النفس، ولا يقصدون به رسوماً فلسفية فارغة، ويقول في قصيدته التي في التصوف أبياتاً ينبغي أن يحفظها كل إنسان:

وزن بحكم الشرع كل خاطرفإن يكن مأموره فبادر

وإن يكن مما نهيت عنهفهو من الشيطان فاحذرنه

يقول هذا الإمام المبارك فيما ينقله عنه الشوكاني في الجزء السادس صفحة مائة وأربع عشرة: اتفق المسلمون على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساق. هذا كلام أئمتنا.

أقوال العلماء في حكم كشف الوجه لغير فتنة والجمع بينها

إخوتي الكرام! بعد هذين الأمرين يأتي مبحث: هل الوجه عورة أم لا، يعني إذا لم يخش فتنة، بأن وجد مصلحة من النظر، كحال الخاطب.

فعند الجمهور: أبي حنيفة ومالك والشافعي وهو أحد القولين للحنابلة أن الوجه ليس بعورة، والقول الثاني للحنابلة الكرام: أن جميع بدن المرأة عورة حتى ظفرها ولا يستثنى من بدنها شيء. إنما يرخص لها أن تكشف في صلاتها الوجه والكف، وأئمتنا عندما ذكروا هذا ذكروا له أدلة أريد فقط أن أجمع بين الدليلين من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ، وأن أجمع القولين في النهاية إلى قول واحد.

حقيقة إن الذين قالوا: إن الوجه ليس بعورة لكن قالوا: يجب ستره إذا خشي فتنة، وستره من علامة الصلاح والاستقامة والفلاح والحياء في كل وقت، وهو شيمة النساء المسلمات.

الإمام ابن تيمية أراد أن يجمع بين القولين -وحقيقة نعم ما قال- فمشى كل قول في توجيه شرعي، فقال: من قال: إن الوجه ليس بعورة ونقل هذا عن ابن عباس وغيره رضي الله عنهم أجمعين فقولهم صواب وهدى، ولكن قالوا هذا باعتبار ما كان في أول الأمر، ومن قال: إنه عورة ولا ينبغي أن يكشف قولهم صواب وهدى كقول عبد الله بن مسعود ، ولكن قالوا هذا باعتبارها استقر عليه الأمر، فذاك باعتبار ما كان وهذا باعتبار ما آل إليه الأمر، والقولان -كما قلت- للمذاهب الأربعة، وإذا كان هناك ترجيح للمتأخرين فهو القول الذي هو أحد قولي الحنابلة وهو الذي استقر عليه التشريع، ولا نقول: إن ذاك باطل، بل ذاك كان في أول الأمر ثم استقر الأمر على الأمر الثاني.

وهذا يذكره الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في المجلد الثاني والعشرين صفحة مائة وعشرة وما بعدها، وخلاصة كلامه عليه رحمة الله، هي: حقيقة الأمر: أن الله جعل الزينة زينتين: زينة ظاهرة وزينة غير ظاهرة، وجوَّز لها إبداء زينتها الظاهرة لغير الزوج وذوي المحارم، وكان النساء قبل أن تنزل آية الحجاب يخرجن بلا جلباب، يرى الرجل وجهها ويديها، وكان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين، وحينئذ يجوز النظر إليها لأنه يجوز لها إظهاره، ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب بقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59]، حجب النساء عن الرجال وكان ذلك لما تزوج النبي عليه الصلاة والسلام زينب بنت جحش رضي الله عنها وأرضاها، فأرخى الستر ومنع النساء أن ينظرن إلى الرجال، ويصح: ومنع النساء أن ينظرن من قبل الرجال.

يقول بعد ذلك: فلما أمر الله ألا يسألن -يعني: النساء- إلا من وراء حجاب وأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين أن يدنين عليهن من جلابيبهن، والجلباب هو الملاءة وهو الذي يسميه ابن مسعود وغيره الرداء، وتسميه العامة إزار، وهو الإزار الكبير الذي يغطي رأسها وسائر بدنها، وقد حكى أبو عبيد وغيره أنها تدنيه من فوق رأسها فلا تظهر إلا عينها، ومن جنسه النقاب، فكان النساء ينتقبن، وهو ستر الوجه بالنقاب وفي الصحيح: ( أن المحرمة لا تنتقب ). وكما تقدم معنا في المسند والبخاري والسنن الثلاثة وصحيح ابن خزيمة.

وقد كان الوجه واليدان من الزينة التي أمرت المرأة ألّا تظهرها للأجانب، فما بقي يحل للأجانب النظر إليه إلا الثياب الظاهرة. هذا في نهاية الأمر.

فـابن مسعود رضي الله عنه ذكر آخر الأمرين، وابن عباس ذكر أول الأمرين، فعندما قال ابن عباس في قوله: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]: الوجه والكفين، الكحل والخاتم فهذا باعتبار ما كان، وعندما قال ابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين في قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]: الجلباب فهذا باعتبار ما آل إليه الأمر.

وأثر ابن مسعود ثابت في تفسير الطبري ومعجم الطبراني الكبير ومستدرك الحاكم في الجزء الثاني صفحة سبع وتسعين وثلاثمائة بسند صحيح على شرط الشيخين وأقره عليه الذهبي قال: الزينة زينتان: زينة تظهرها المرأة وهي الجلباب فلا يحرم على الأجنبي أن يراها، وزينة باطنة لا تظهرها المرأة وهي الكحل والخاتم، ولا يطلع على هذا إلا الزوج والمحارم. فإذاً ماذا يظهر من المرأة؟ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]؛ جلبابها.

وعليه؛ لو أمكن أن تمشي بين الناس داخل صندوق لكان أستر لها ولغيرها، لكن ما يمكن، لذا فلا حرج إن وقع النظر على الجلباب من غير قصد ومع ذلك تصرفه.

وهذا القول هو الذي رجحه شيخنا عليه رحمة الله في أضواء البيان في الجزء السادس صفحة سبع وتسعين ومائة فقال: أظهر الأقوال وأحوطها وأبعدها عن الريبة وأسباب الفتنة قول عبد الله بن مسعود ، وهو الذي رجحه الإمام ابن الجوزي في زاد المسير في الجزء السادس صفحة واحدة وثلاثين فقال: هذا القول أشبه الأقوال وأقواها وأولاها بالصواب.

إذاً: نجمع بين القولين ويزول الخلاف بعد ذلك.

الرد على من استدل بحديث أسماء: (إن المرأة إذا بلغت...) على كشف الوجه للمرأة

فإن قيل: ماذا تفعل بالحديث الذي فيه الترخيص للمرأة بأن تظهر وجهها وكفيها، وهو ما رواه أبو داود والبيهقي من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد بن دريك رضي الله عنه عن أمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين قالت: ( دخلت أسماء على النبي عليه الصلاة والسلام وعليها ثياب رقاق، فأعرض النبي عليه الصلاة والسلام عنها وقال: يا أسماء! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا؛ وأشار إلى الوجه والكفين ).

إخوتي الكرام! هذا الحديث -أولاً- رواه أبو داود عليه رحمة الله ورواه من طريقه البيهقي قال أبو داود: هذا مرسل، خالد بن دريك لم يدرك أمنا عائشة ، وخالد بن دريك قال أئمتنا في ترجمته: ثقة يرسل، وحديثه مخرج في السنن الأربعة، قال الحافظ في تهذيب التهذيب: روى عن أمنا عائشة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين ولم يدركهما، فحديثه منقطع بالاتفاق، فهذه آفة أولى.

وآفة ثانية: سعيد بن بشير الأزدي ضعيف بالاتفاق، قال الحافظ في التقريب: ضعيف، توفي سنة ثمان أو تسع وستين بعد المائة، حديثه مخرج أيضاً في السنن الأربعة.

فإذاً: ضعيف ومنقطع. الذي رواه قال: هذا مرسل لم يتصل، جاء بعد ذلك المتأخرون وتصبب عرقهم لتصحيحه كما تصبب عرقهم لتضعيف حديث: ( أفعمياوان أنتما )، ذاك يرويه الترمذي ويقول: حسن صحيح، فيتصبب عرق المحدثين في هذا الحين لتضعيفه، وهذا يرويه أبو داود ويقول: هذا مرسل منقطع فيتصبب عرقهم لتصحيحه.

أمر ثالث: على التنزل بأن له شواهد وترقيعات من هنا ومن هنا، فنقول: تعالوا نبحث معكم في أمرين اثنين: أمر ذكره أئمتنا ويقدم على كلامي، وأمر أحب أن أذكره في الأمر الرابع.

أما الذي ذكره أئمتنا فهو أنهم قالوا: على التسليم بصحة الحديث وتواتره فهذا قبل نزول آية الحجاب؛ لأن آية الحجاب فيها أنه ينبغي للمرأة أن تستر وجهها، وعندنا هنا نص يبيح، فكل ما كان يبيح فهو باعتبار ما كان. وهذا يقوله شيوخ الإسلام ما يقوله عبد الرحيم الطحان ، يقوله الإمام ابن قدامة في المغني في الجزء السابع صفحة واحدة وستين وأربعمائة مع الشرح الكبير، يقول: إن صح فيحمل قبل نزول الحجاب. وهكذا يقول شيخنا عليه رحمة الله في أضواء البيان في الجزء السادس صفحة سبع وتسعين وخمسمائة، يقول: إن صح؛ إن قلنا ليس فيه آفة، وجبر ما فيه من ضعف فنقول: هذا باعتبار ما كان واسترحنا منه.

وأنا أقول: لو صح وثبت التاريخ أنه بعد نزول آية الحجاب فمعنى الحديث فيما يبدو لي والعلم عند ربي: ( إذا بلغت المرأة المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا ) أي: لأمر شرعي جائز من شهادة، أو خطبة، وهذا يقرر ما تقدم معنا من أقوال المذاهب الأربعة المتبعة، وأنه لا يجوز النظر إلى المخطوبة إلا إلى الوجه والكفين، وما عداه لا يجوز النظر إليه، خلافاً لما قال الظاهرية من أنها ترى عارية فهذه سفاهة ليس بعدها سفاهة، فهنا إذا بلغت المحيض لا يجوز أن تراها لسبب وحاجة إلا في هذين العضوين وهما: الوجه والكفان. هذا فيما يبدو لي، ولو رأيته عن أئمتنا حقيقة لقدمته على غيره وهو أقوى الأقوال لكن ما وجدته في كتاب، لكن فيما يبدو لي والعلم عند ربي، لو ثبت وليس هو قبل نزول آية الحجاب؛ إذا بلغت المرأة المحيض لا يصلح أن يرى منها في أمر يستدعي النظر إليها إلا إلى الوجه والكفين، كالقاضي ينظر إلى الوجه والكف في حاجة شرعية، والشاهد لحاجة شرعية، وهنا الخاطب لحاجة شرعية، فإذاً: كأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: المرأة إذا بلغت تصان عن النظر مطلقاً، وإذا دعت حاجة إلى النظر إليها فليقتصر الناظر على هذين الأمرين. هذا فيما يظهر من باب التنزل بعد الأول والثاني والثالث إلى الرابع.

وأنا أريد أن أقول: هل يعقل أن يثبت هذا الحديث وهو: ( إذا بلغت المرأة المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا ) وفيه أن النظر إلى وجه النساء جائز مطلقاً مع ثبوت الأحاديث المعارضة المتواترة التي تنهانا عن النظر؟ منها ما في المسند وصحيح مسلم وسنن أبي داود والترمذي ومستدرك الحاكم وسنن البيهقي والدارمي وإسناد الحديث كالشمس وهو في صحيح مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجاءة فقال: اصرف بصرك )، فلو كان النظر جائزاً فإلى أي شيء يكون نظر الفجاءة؟ وهل يشترط في النساء أن يمشين مكشوفات؟ أنت عندما تذهب إلى بيتك قد يكون بيت الجيران مفتوح، فيُطلق النظر فترى أحياناً ليس الوجه، بل ترى ما هو أشد من ذلك وأكثر، فلا يجوز أن تتبع النظرة نظرة أخرى؛ لأن لك الأولى وليست لك الثانية، فإذا وقع نظرك على ما لا يحل لك فاصرف بصرك. لكن على العمل بحديث أسماء : ( لا يصلح إذا بلغت المحيض أن يرى منها إلا هذا وهذا )، فإنه يجوز أن نأتي بامرأة تكشف الوجه وننظر إليها ونقول: رخص لنا. وهذا كلام باطل.

والحديث الثاني وسأقتصر عليهما في المسند وسنن أبي داود والترمذي ومستدرك الحاكم وسنن البيهقي من رواية بريدة رضي الله عنه، ورواه الإمام أحمد والحاكم في المستدرك من رواية علي رضي الله عنهم أجمعين، والطريقان صحيحان: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لـعلي: ( يا علي! لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة ).

إذاً: هذا مما يقرر خلاف معنى حديث: ( لا يصلح أن ينظر منها إلا هذا وهذا ) أليس كذلك؟

وأختم هذه الأمور الثلاثة بإشارة واحدة، فأقول لمن يطنطنون حول كشف الوجه وأنه يباح كشفه: هل يجوز كشف الرجلين؟ هذا بالإجماع لا يجوز إلا عند هؤلاء السفهاء الأربعة الذين يجوزون كشف الفخذين -كما سيأتينا- ليس الرجلين فقط، لكن الآن أقول للذين لا زال عندهم التزام، أو يقولون: نحن نبحث فقط على قدر علمنا, نقول: هل يجوز أن تكشف الرجلين؟ فإن قالوا: نعم، قل لهم: تخالفون النبي عليه الصلاة والسلام، وإن قالوا: لا، قل: يا إخوتي الكرام! هل الفتنة في الرجلين أكثر أو في الوجه؟ هل يجوز في حكمة الحكيم الخبير أن يحرم كشف القدمين ويبيح كشف الوجه؟ واستمع للحديث ولغيرة النساء ولمحافظتهن على أعراضهن.

ثبت في السنن الأربعة من رواية عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة )، أي: إذا جررت ثوبك فنزل عن الكعبين لم ينظر الله إليك، ( فقامت أم سلمة -وهذه من بيت النبوة، ونور النبوة دائماً سيفوق- وقالت: فكيف يصنع النساء بذيولهن؟ )، إذا نحن جررنا الذيول كيف سنفعل؟ هل نقصر الملابس مثل الرجال؟ قال: ( ترخينه شبراً، قالت: إذاً تنكشف أقدامهن )، القدم لا يجوز أن يظهر، ولو جعلنا شبراً لظهر القدم يمشي على الأرض، والنساء ما كانت تلبس الجوارب، فعندما تمد رجلها وتمشي سيبدو القدم، قال: ( يرخينه ذراعاً ولا يزدن ).

والحديث روي أيضاً من رواية أمنا أم سلمة مباشرة ليس من رواية ابن عمر في الموطأ وأبي داود والنسائي وابن ماجه رضوان الله عليهم أجمعين.

إذاً: ستر القدمين واجب بالاتفاق. والآن لو احتكمنا إلى من عنده عقل صريح وفهم صحيح وقلنا له: الشريعة حرمت كشف القدمين وأباحت كشف الوجه، لقال: يا عباد الله! ما عندكم عقول؟ الفتنة ما تحصل إلا في الوجه، يعني لو جئنا للخاطب وقلنا: هذه رجل مخطوبة انظر إليها والوجه لن تراه، لقال: مالي ولرجلها ولظهرها.

الرد على صاحب كتاب تذكير الأصحاب بتحريم النقاب وتبيين خطئه في بعض الاستدلالات

يا إخوتي الكرام! ما بقي عندنا عقول تزعنا عن غينا، أمر سبقنا إليه أئمتنا ونساء سلفنا وهن أعلم الأمة بالحجاب، فعلام لا نتبعهن في ذلك ونقف عند حدنا؟ بعد هذا التحقيق اسمعوا لسفاهة هؤلاء السفهاء، فهذا الطبيب البيطري صاحب: تذكير الأصحاب بتحريم النقاب وفق القواعد المستمدة من علمي الأصول والحديث.

ما شاء الله! أهل الطب والبيطرة بدءوا الآن في علم الحديث والأصول يحققون الشريعة ويستدركون على أئمة الإسلام، كنا نتكلم على أثر أسماء ، فماذا يقول فيه هذا السفيه الضال؟ يقول كما تقدم معنا في صفحة سبع وتسعين ومائة: هذا النص عن أسماء بنت أبي بكر : ( كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام ). تقدم معنا الأثر وقلنا: صحيح، وقلت لكم: رواه الحاكم في المستدرك بسند صحيح على شرط الشيخين وأزيد عليه: رواه ابن خزيمة في صحيحه أيضاً في الجزء الرابع صفحة ثلاث ومائتين.

ومن باب الأمانة العلمية أني حقيقة لما قرأت كلامه تعجبت، ورجعت إليه هذا اليوم؛ لأني البارح ما كان عندي علم من أين سرق هذا الكلام؟ وقلت: هذا عنده تحقيق لرجال الحديث، ومن أجل الأمانة العلمية أقول: إنه على شرط مسلم وحده، أوليس كذلك؟ وقلنا: إن كلامه باطل؛ لأن زكريا بن عدي تقدم معنا روى له البخاري ومسلم وأهل السنن الأربعة إلا أبا داود فلم يرو له في السنن إنما روى له في المرسيل، يقول: هذا زكريا بن عدي لم يرو له البخاري شيئاً في جامعه الصحيح بل في غيره، وبذلك لم يتحقق فيه إلا شرط مسلم وحده، أقول: وقد ذكرنا هذا من باب إتمام الفائدة لا أكثر، وقلت لكم: حدث البخاري عن زكريا بن عدي في صحيحه لكن بواسطة، فهو من رجاله كما نقلت ذلك عن الذهبي من مصدرين في السير وفي الكاشف.

هذا الكلام خلال بحثي في هذا اليوم، وقد تبين لي أن الشيخ الألباني قاله وهذا سرق كلامه منه، والألباني بعد ذلك ذكر ما يعارضه، وعلى أي شيء استقر الشيخ الألباني ؟ ما عندي علم حقيقة. الشيخ الألباني أورد هذا في كتاب الحجاب صفحة خمسين، يقول: أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، يقول: وإنما هو على شرط مسلم وحده. إذاً: هذا سارق من هنا؛ لأن هذا أقل من أن يعرف شرط الشيخين أو شرط غيرهما، لكن سرقها من كلام الألباني ؛ لأن زكريا بن عدي في إسناده إنما روى له البخاري في غير الجامع الصحيح. هذا يقوله الألباني في الحجاب، وانظر إرواء الغليل في الجزء الرابع صفحة مائتين واثنتي عشرة، حيث يقول: ( كنا نغطي وجوهنا ) أخرجه الحاكم ، صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وهو كما قالا.

إذاً هنا يقول: على شرط الشيخين وفي الحجاب: على شرط مسلم , على أي شيء استقر الشيخ الألباني ؟ لا أعلم، يعني هل لا زال يقول على شرطهما أو على شرط واحد منهما؟ يحتاج إلى اتصال به، إنما هذا الذي هو إسماعيل منصور هذا الكلام ليس من ذهنه ولا من بحثه وهو لا يعرف لا تقريب التهذيب ولا تهذيب التهذيب. هذه القضية الأولى.

القضية الثانية يقول: قد رأى البعض أن في الحديث دليلاً على غطاء الوجه وقاية لنظر الرجال لعموم النساء في الإحرام لإخبار أسماء بنت أبي بكر عن نفسها وعن عموم النساء اللائي كن معها بذلك، وهذا أمر لا يستقيم إطلاقاً من الناحية الشرعية، وذلك للأسباب العلمية التالية. انتبه! كيف سيترك محل البحث يقول: إنهم استدلوا على ما ذهبوا إليه بحديث آخر أخرجه أحمد وأبو داود إلى آخره: ( كان الركبان يمرون بنا ) الحديث. يقول: واتخذوا من هذا الحديث دليلاً لتقوية استدلالهم على ما ذهبوا إليهم من فهمهم لهذا الحديث الذي نحن بصدده، ذاكرين أن حديث عائشة رضي الله عنها يأخذ درجة الحسن بالشواهد، يقول: ومثله لا يقوى باعترافهم هم أنفسهم بقولهم لأنه حسن بالشواهد وليس حسناً لذاته ولا صحيحاً على إقامة حكم شرعي بحال من الأحوال، ثم إننا بعد التحقيق تبينا أن الحديث إنما هو ضعيف، ومثله يستحيل أن يقوم به حكم تكليفي بحال من الأحوال.. إلى آخر هذيانه.

ماذا تريد من حديث أمنا عائشة ؟ نحن الآن في حديث أسماء الذي تقدم معنا أنه على شرط الشيخين في المستدرك وفي صحيح ابن خزيمة .

يقول هنا ثالثاً: يبدو أن هذا التعارض الواضح قد ألجأ البعض إلى محاولة حل المشكلة، فزعم أن المفهوم من النص هو مجرد السدل -التغطية الخفيفة- وليس الانتقاب الثابت على الوجه، ولا ندري من أين أتوا بهذا القول، ولعلهم أتوا به من رواية أخرى عن فاطمة بنت المنذر : ( كنا نخمر وجوهنا ونحن محرمات مع أسماء بنت أبي بكر ) -والأثر رواه مالك بإسناد صحيح كالشمس- ونحن نقول تعقيباً عليها: إن قول فاطمة بنت المنذر عن جدتها أسماء لم يثبت ولا نعرف له سنداً.

يا نكرة من أنت؟ أنت تعيش مع البهائم ما الذي أدخلك الآن أن تعرف له سنداً؟ ما الذي أخذك لكتب السنة؟ وإذا ما عرفت له سنداً كان ماذا؟ ثم لماذا بوب عليه الإمام مالك : تخمير المحرم وجهه؟ يقول: لم يثبت ولا نعرف له سنداً اللهم إلا أنه ورد بصيغة التمريض التي لا يعتد بها في الإثبات، فضلاً عن معارضة معناها لعموم النهي النبوي الشريف عن تغطية وجوه النساء في الإحرام بالنقاب.

ثم انتبه لسفاهته بعد ذلك وهي التي ختم بها كلامه، يقول: إن السبب الحقيقي وراء هذه التخرصات والأقوال الشاذة والآراء الفاسدة هو أنكم تؤسسون أحكاماً شرعية على مجرد تفسيرات وتأويلات من تحبونهم من المشتغلين بعلوم الدين. وأي منقبة إذا أسسنا ديننا على ما قرره أئمتنا من أمثال أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والإمام النووي وابن القيم وابن تيمية ؟ يعني نحن سنأتي نعزل النصوص عن فهم هؤلاء ونتسور عليها مثلك يا دابة! هكذا تريد منا؟ يقول: أنتم الآن تفهمون الدين على حسب ما فهمه أئمتكم، وهذا مخالف تماماً لمنهاج الكتاب والسنة الذي يسير مع الدليل العلمي الموضوعي وليس الشخصي حيثما سار، فانظروا في أمركم وأعلوا منزلة دينكم عن الآراء والأقوال، فإن الوحي لا يستوي معه كلام سائر البشر مهما كانوا من أي شخص كان.

يبقى بعد ذلك كله أن تقولوا: فما معنى هذا الحديث الذي نحن بصدده؟ والله ذكر تأويلاً لحديث أسماء لو عرضناه على الحيوانات التي يعالجها لرفضت ورفعت رأسها وقالت: هذا ما نقبله ولا يمكن أن يقول به مخلوق. انتبه لتأويل أثر أسماء .

يقول: إن هذا الحديث الذي تقول فيه أسماء بنت أبي بكر : ( كنا نغطي ) يفيد شيئاً آخر هو: أنها رضي الله عنها تحكي بصدق ولا شك عن أمرين كل النساء يفعلنهما قبل ذلك في الإحرام ثم جاء الشرع بعد ذلك بالنهي عنهما، فامتنع الرجوع إليهما بعد تمام الدين، وهذا هو ما يجمع بين النصوص بلا تعارض، يقول: ( كنا نخمر وجوهنا ونمتشط قبل الإحرام ) يعني: كنا في أول الأمر. فنقول: كم حج النبي عليه الصلاة والسلام؟ هل حج أربعين حجة، وكانت معه أسماء تسعاً وثلاثين ونهاها بعد ذلك في الأربعين؟! لا أعلم ماذا أقول لهذا الدابة التي تمشي على رجلين، وهذا تحت عنوان: تذكير الأصحاب بتحريم النقاب. ويقول: ستر الوجه مثل الزنا، والتي تسفر أخف وزراً من التي تغطي وجهها، ليس الذي تسفر عن وجهها، الذي تسفر عن فخذيها يقول: لو كشفت عن فخذيها عاصية من وجه واحد، أما هذه عاصية من وجهين، يقول: بالحجاب صارت متكبرة على الناس وعصت الله، فكل واحدة خالفت الشرع، تلك كشفت عن الفخذين وهذه غطت الوجه، كل منهما عاص لكن المعصية في هذه أشد من معصية تلك.

ثم انتبه بعد ذلك لبلائه وهذا ما يتسع له المجال، جاء لقصة أمنا العابدة القانتة حفصة بنت سيرين وعلق عليها بكلام لا يدري الإنسان حين يقرؤه يبكي، أو يضحك، أو يتأثر، أنا أعجب من هذه الأمة الإسلامية كيف ابتليت بهؤلاء السفهاء، يأتي لقصة حفصة بنت سيرين التي ذكرتها وكيف كانت تتحجب وهي قاعد، فيقول: إن قول عاصم : يرحمكِ الله لم تتحجبين؟ هذا لا يقال إلا للعاصي. هذه هي نتيجة الجهل كما سأقرأ لكم كلامه، ويقول أيضاً: هذه عابدة لكن ليست عالمة، لا تعلم شيئاً في الفروع فضلاً عن الأصول. كلامه حقيقة الذي ذكره في هذه القضية الإنسان يعجب منه غاية العجب، ختم بذلك كتابه ولعلي أتكلم على هذا إخوتي الكرام! فيما يأتي، وعلى بقية هذه السفاهات التي ذكرت في هذه الكتب، وهي نماذج مما يذكر في هذا الحين ويراد منه تقويض الحياء عند المسلمات في هذا الزمن الذي نعيش فيه.

إخوتي الكرام! ختام الكلام: ستر الوجه هو علامة حياء المرأة في كل وقت، وإذا كشفت المرأة عن وجهها فقد نزعت حياءها، وخرجت عن النساء الكاملات الفضليات.

أما بعد ذلك ما حكم ذلك الكشف أيضاً يأتينا الكلام فيه ويأتينا الرد على من فيهم أيضاً إن شاء الله خير، لكن ضلوا وأضلوا في هذه القضية من حيث يدرون أو لا يدرون، وعلى هؤلاء السفهاء الذين هم في الأصل لا في العير ولا في النفير، تهجموا على شريعة الله المطهرة وبدءوا بعد ذلك يفترون عليها ويضللون عباد الله.

نسأل الله أن يكفينا شر كل ذي شر إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر لمن وقف هذا المكان المبارك، اللهم اغفر لمن عبد الله فيه، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح الترمذي - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء [7] للشيخ : عبد الرحيم الطحان

https://audio.islamweb.net