إسلام ويب

حكم الأخذ من طول اللحية

السؤال: أنا الحمد لله أعفي لحيتي وأقص من شاربي، غير أنني أقص من طول لحيتي بالمقص، ولا آخذ منها شيئاً بالموسى، لا من أعلاها ولا من أسفلها، مع أن الشعر الذي أقصه إذا تركته يضايقني ولا أستطيع تركه؟

الجواب: سؤال الأخ هذا يتضمن أمراً محموداً ثبت الأمر به من قبل الشارع، وأمراً غير محمود، أما الأمر المحمود فهو كونه يقص من شاربه، فإن قص الشارب من الفطرة التي فطر الله العباد على استحسانها، وعلى أنها مكملة للطهارة والنظافة، وهي أيضاً مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الأمر غير المحمود فهو كونه يأخذ من لحيته، فإن أخذه من لحيته مخالف لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أمر بإعفاء اللحية، وإحفاء الشارب مخالفة للمجوس والمشركين، وإذا كان في هذا مخالفة للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لا ينبغي للمؤمن أن يفعله؛ لقول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36] ، وهاهنا مسألة وهي: أن بعض الناس يظنون أن الأمر بإعفاء اللحى من أجل مخالفة المجوس والمشركين، ويقولون: إن من المشركين اليوم من يعفي لحيته، وعلى هذا فلا يكون في إعفائها مخالفة لهم؟

فنقول: ليس هذا فقط هو العلة في الأمر بإعفاء اللحية، بل هناك علة أخرى، وهي أنها من الفطرة كما ثبت ذلك فيما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( عشر من الفطرة -وذكر منها- إعفاء اللحية)، وعلى هذا فإعفاء اللحية من الفطرة، ثم إن كوننا يشرع لنا هذا العمل من أجل مخالفة المشركين في الأصل، لا يقتضي إذا وافقونا عليه في النهاية أن ندعه نحن؛ لأن الحقيقة أنهم إذا أعفوا لحاهم فهم الذين تشبهوا بنا في هذه الحال؛ لأن الأصل أننا مأمورون بمخالفتهم حين التشريع، على أننا لا نسلم أن كل المشركين اليوم يعفون لحاهم كما هو الواقع والشاهد.

بعض أحكام سجود السهو

السؤال: ما هو سجود السهو؟ ومتى يجب؟ وكيف أداؤه؟ وهل هو قبل السلام أو بعده؟ وكيف أعمل إذا كنت لا أدري هل أنا سجدت سجدتين أو سجدة، أو ركعت ركعتين أو ركعة، أو قرأت الفاتحة أم لا، أو قرأت التحيات؟

الجواب: سجود السهو هو سجدتان يسجدهما الإنسان إما ترغيماً للشيطان إن تبين انتفاء السبب الذي من أجله سجد، وإما تكميلاً لصلاته كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال عليه الصلاة والسلام: ( إن كان صلى إتماماً كانتا ترغيماً للشيطان، وإن كان صلى خمساً شفعن صلاته)، فهذا هو الأصل في سجود السهو، أنهما سجدتان يفعلهما الإنسان إما ترغيماً للشيطان، وإما إكمالاً لصلاته وإتماماً لها.

ويجب سجود السهو في الإطار العام لكل أمر يُبطل الصلاة تَعَمَدُه، فإنه إذا سها عنه وجب عليه سجود السهو من أجله، هذا هو الأصل العام فيما يجب به سجود السهو.

أما أداؤه فتارةً يكون قبل السلام، وتارةً يكون بعد السلام، فيكون قبل السلام في موضعين:

أحدهما: إذا كان سببه نقصاناً في الصلاة.

والثاني: إذا كان سببه شكاً تساوى طرفه ولم يترجح أحدهما على الآخر.

مثال ذلك: نسي التشهد الأول في الثلاثية أو الرباعية فلم يجلس ولم يتشهد، فهنا يجب عليه سجود السهو، ويكون قبل السلام؛ لأنه نقص في صلاته التشهد الأول، وقد ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن بحينة حين صلى بهم صلاة الظهر، فقام من الركعتين ولم يجلس، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتظر الناس تسليمه، كبر فسجد سجدتين وهو جالس ثم سلم، فهنا صار السجود قبل السلام، ودليله هذا الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن المعنى أيضاً يقتضي ذلك؛ لأن هذا النقص ينبغي أن لا يخرج الإنسان من صلاته حتى يتمه، فلهذا شُرع السجود له قبل السلام.

أما المسألة الثانية فهي: إذا شك شكاً تساوى طرفاه، ولم يترجح عنده أحد الأمرين، مثال ذلك: شك هل ركعته هذه هي الثالثة أو الرابعة، ولم يترجح عنده أحد الطرفين، فهنا يبني على اليقين، واليقين هو الأقل، فيجعل هذه الركعة الثالثة، ثم يأتي بالرابعة ويجلس ويتشهد التشهد الأخير، ويسجد سجدتين قبل أن يسلم، وإنما كان كذلك -أي: كان سجود السهو قبل السلام- لأن هذا الشك الذي طرأ على هذه الركعة حتى اشتبه على المرء أهي من صلاته أم زائدة، لاشك أنه يُخل بالصلاة، فلذلك شُرع أن يكون السجود قبله من أجل أن يجبر الصلاة قبل أن يخرج منها.

وأما السجود بعد السلام فيكون في موضعين أيضاً:

أحدهما: إذا زاد في صلاته.

والثاني: إذا شك شكاً ترجح عنده فيه أحد الطرفين، فالسجود هنا يكون بعد السلام.

أما الأول: وهو أن يكون سبب سجود السهو الزيادة، فمثاله: أن يصلي الإنسان خمس ركعات في الظهر مثلاً، فإذا جلس للتشهد ذكر أنه صلى خمساً، فهنا نقول له: أكمل التشهد وسلم، ثم اسجد سجدتين بعد السلام وسلم، وكذلك أيضاً لو ركع في الركعة الواحدة ركوعين، أو سجد ثلاث سجدات، فهذه زيادة، فيكون السجود لها بعد السلام، أو قام إلى زائدة، مثل: أن يقوم إلى الخامسة في الرباعية ثم يذكر فيرجع، فإنه إذا سلم سجد سجدتي السهو، ودليل ذلك: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر خمساً، فلما انصرف قيل له: يا رسول الله! أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صليت خمساً، فثنى رجليه صلى الله عليه وسلم ثم سجد سجدتين بعدما سلم، ثم أقبل على الناس وأخبرهم بأنه بشر ينسى كما ينسون) إلى آخره، فهنا سجد النبي صلى الله عليه وسلم بعد السلام؛ لأنه زاد في صلاته ركعة.

قد يقول قائل: إن السجود هنا بعد السلام أمر لابد منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بالزيادة إلا بعدما سلم، فلا يمكن أن نجعل هذا قاعدة ونقول: إذا كان سجود السهو عن زيادة، فإنه يكون بعد السلام، قد يقول قائل هكذا، فيبطل استدلالنا بهذا الحديث على أن سجود السهو للزيادة يكون بعد السلام، فنقول مجيبين عليه:

إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بعد السلام، ولما لم يقل: إنما سجدت بعد السلام لأني لم أعلم فاسجدوا قبله، علم بأن هذا محله، لأنه لو لم يكن محلاً له لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الناس سوف يقتدون به، ثم إن له شاهداً من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه حين صلى بهم الرسول صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي: إما الظهر وإما العصر، فسلم من ركعتين، ثم نبهوه فأتم صلاته وسلم، وسجد سجدتين بعد السلام، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم السجود لهذه الزيادة التي حصلت منه وذلك بالتسليم، وزيادة التشهد والجلوس مدة أطول مما لو كان جلوسه للتشهد الأول، جعل النبي عليه الصلاة والسلام محل سجود السهو في هذه الصورة بعد السلام، وهذا يؤيد تماماً ما فعله في حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وأن السجود يكون بعد السلام، ثم المعنى أيضاً يقتضي ذلك، فإن الزيادة الموجبة لسجود السهو، لو قلنا: بأن سجودها يكون قبل السلام، اجتمع في الصلاة زيادتان: الزيادة التي زادها سهواً، وسجود السهو، وهذا لا يتناسب، فلذلك جعلت السجدتان للسهو بعد السلام.

إذاً: ينبغي أن نضبط هذه الحال بأن نقول: إذا كان سبب سجود السهو الزيادة فعلية كانت كالركعة أو الركوع أو السجود، أم قولية كالتسليم قبل تمام الصلاة، ثم يتم بعد أن يعلم، فإن محل السجود فيها بعد السلام.

المسألة الثانية: إذا كان سجود السهو عن شك ترجح أحد طرفيه، فهنا يبني على ما ترجح عنده، ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين بعد السلام، ودليله حديث عبد الله بن مسعود الذي أشرنا إليه قبل، فإن في آخره: ( إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ثم ليبن عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين)، وأظنه قال: ويسلم، وعلى هذا إذا شك الإنسان هل صلى أربعاً أو ثلاثاً، وترجح عنده أنها ثلاث، أتى بالرابعة ثم سلم، ثم سجد للسهو ثم سلم، وإذا شك هل صلى أربعاً أم خمساً، ثم ترجح عنده أنه صلى أربعاً، فإنه يجلس ويتشهد ويسلم، ثم يسجد سجدتين ويسلم، فعلى هذا يكون حكم هذه المسألة إذا شك وترجح عنده أحد الطرفين، أن يبني على الراجح عنده، ثم يتم صلاته، ثم يسجد سجدتين بعد السلام، وإنما كان الأمر كذلك من حيث المعنى، أي: أنه إذا شك وترجح عنده أحد الطرفين يكون السجود بعد السلام؛ لأن هذا الشك طارئ على الصلاة، وهو سيبني على غالب ظنه، سيكون هذا الشك الطارئ الذي اعتبرناه وهماً لا عمل عليه أي: يكون زائداً، فهو كالزيادة القولية أو الفعلية، ولهذا جعل النبي عليه الصلاة والسلام محل السجود فيه بعد السلام.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فتاوى نور على الدرب [123] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net