إسلام ويب

رمضان محطة لتجديد الإيمان، وتغذية الروح، والتزود من معرفة الدين والعمل به، وحرام ما يفعله بعض الأشقياء من هتكٍ لحرمة هذا الشهر، بالسماع المحرم، والقول المحرم، والفعل الفاحش، وكلام الشيخ هنا يتضمن فضائل لصيام هذا الشهر، وآداباً حض على الالتزام بها، وبعض المميزات الهامة لهذا الشهر الكريم.

فضل صيام رمضان وآدابه

الحمد لله الذي منَّ على عباده بمواسم الخيرات، وجعلها غنيمة لهم تغفر فيها الذنوب وتكفر فيها السيئات, ويضاعف الثواب وترفع الدرجات، أحمده تعالى على جميع الإقبال والإنعام، وأشكره أن بلغنا بلطفه وكرمه شهر رمضان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أفضل من صلى وصام، وأتقى من تهجد وقام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.

أما بعـد:

أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى واشكروه على ما شرع لكم من العبادات العظيمة، وهيء لكم من المناسبات الكريمة، مناسبات البر والإحسان والرحمة والغفران؛ لتكون منهلاً عذباً للطائعين ليزيدوا في طاعتهم وإقبالهم على ربهم، وفرصة للمقصرين والمفرطين ليجددوا التوبة من ذنوبهم، ويفتحوا صفحة جديدة من حياتهم.

فضل شهر رمضان

عباد الله: تعيشون هذه الأيام شهراً كريماً، وموسماً عظيماً، تضاعف فيه الحسنات وتغفر فيه الخطايا والسيئات، وترفع فيه الدرجات وتقال العثرات، إنه شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].

شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، فيه ليلة خير من ألف شهر، أعطيت فيه هذه الأمة خمس خصال لم تعطهن أمة من الأمم قبلها: خلوف فم الصائم أطيب من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله كل يوم جنته، وتصفد فيه مردة الشياطين، ويغفر للصائمين في آخر ليلة منه، كما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه: {من صام هذا الشهر إيماناً واحتسباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قامه إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه }، كما صح في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفي هذا الشهر الكريم تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران.

وكم في رمضان من المحامد والفضائل والخيرات والبركات، فيجب على المسلمين اغتنام أيامه الغر، ولياليه المباركة بالأعمال الصالحة، وكثرة العبادة، والصلاة، وتلاوة القرآن وتدبره، والإحسان والصدقة، والدعاء والاستغفار، ونحو ذلك.

من آداب الصيام

أيها المسلمون الصائمون: احفظوا صيامكم عن النواقض والنواقص، وأدركوا حقيقته وأسراره، وتعلموا آدابه وأحكامه، فبعض المسلمين هداهم الله يجهل هذه الأمور، فلا يؤدي هذه الفريضة على الوجه الشرعي، فمن الناس من يقصر صومه على الإمساك عن الطعام والشراب فحسب ويطلق لجوارحه العنان تصول وتجول في المحرمات، قولاً وفعلاً، ونظراً واستماعاً، وهؤلاء قد فرطوا وضيعوا حقيقة الصوم، يقول صلى الله عليه وسلم: {من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه } أخرجه البخاري ، وقال عليه الصلاة والسلام: {فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب } أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.

وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: [[إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء، فطوبى لمن حفظ صيامه، وصانه عما يدنسه، وعمر شهره بالصيام والقيام وتلاوة الكتاب والإحسان إلى الفقراء والمساكين ]].

رمضان شاهد لك أو عليك

ويا سعادة من جعل من رمضان وقت تغير وتحول في حياته من المعصية إلى الطاعة، ومن البدعة إلى السنة، ومن الإصرار على الذنوب إلى التوبة النصوح.

ويا فلاح أمة عرفت ما صدره التاريخ الإسلامي من أمجاد وانتصارات في رمضان، في معارك الإسلام الفاصلة بين المسلمين وأعدائهم في بدر ، وفتح مكة ، وعين جالوت وحطين وحذت حذو أسلافها ونصرت دين ربها ورفعت راية الجهاد في سبيل الله، ضد أعداء الإسلام الذين تربصوا بالمسلمين، وغزوا ديارهم، وعبثوا بمقدساتهم!

ويا شقاوة من هتك حرمة هذا الشهر، ودنسه بالمعاصي! فنهاره نوم وخمول، وليله سهر على ما حرم الله، اجتماعات سيئة، ولقاءات فاسدة، الشهر عنده للموائد والتفنن بالمآكل والمشارب، يفطر في تناول أعراض المسلمين بالغيبة والنميمة واللمز والتنابز بالألقاب، لسانه لا يفتؤ يكذب ويظلم ويخاصم ويخوض في القيل والقال، يسمع ويبصر ما حرم الله، يستثقل الصيام، ويستطيل الأيام، فيا خسارة من حظه من صيامه الجوع والعطش، ومن قيامه السهر والتعب!

فلنتقي الله يا عباد الله! ولنحافظ على صومنا ونستغل أوقات شهرنا بالعمل الصالح الذي ينفعنا، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البقرة:185].

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين، وثبتني وإياكم على الصراط المستقيم، وتقبل منا صيامنا وقيامنا وهو السميع العليم.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه لعلكم تفلحون.

الحفاظ على الفرائض

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

أما بعــد:

فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم عليكم من إدراك مواسم الخيرات، وما حباكم من الفضائل والمكرمات، وعظموا هذه المناسبات، وقدروها حق قدرها بفعل الطاعات والقربات، واجتناب المعاصي والمحرمات، فمثل هذه الأوقات ما جعلت إلا لتكفير سيئاتكم، وزيادة حسناتكم، ورفعة درجاتكم.

واعلموا أنكم كما استقبلتم شهركم ستودعونه عما قريب، وهو شاهد لكم أو عليكم، وشافع لكم أو حجة عليكم، فاستودعوه أعمالاً صالحة تكن نافعة لكم يوم دفنكم، ويوم عرضكم على ربكم، وحافظوا على فرائض دينكم، من الصلاة والزكاة، فبعض الصائمين هداهم الله يتساهل في أداء هذه الفرائض كما شرع الله وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وتأسوا برسولكم عليه الصلاة والسلام، فقد كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان، وأكثروا من الصلاة والسلام عليه كما أمركم الله بذلك في قوله سبحانه : إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم على قدوتنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه.

اللهم ارض عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين.

اللهم أمنا في أوطاننا وأصلح واحفظ أئمتنا وولاة أمورنا، واستعمل على المسلمين في كل مكان خيارهم يا رب العالمين!

اللهم وفق المسلمين والمسلمات، واهدهم سبل السلام، وألف بين قلوبهم، وتجاوز عن سيئاتهم يا رب العالمين!

اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا، اللهم اجعلنا ممن صام فحفظ صيامه، وممن قام فداوم على قيامه، وأخلص لك في جميع تلك الأعمال.

اللهم اجعلنا في هذا الشهر الكريم من المرحومين، اللهم اغفر لنا في هذا الشهر الكريم، اللهم اجعلنا من عتقائك من النار يا رب العالمين!

اللهم أعد هذا الشهر الكريم على الأمة الإسلامية وهي ترفل بثوب العزة والكرامة، والنصر على الأعداء يا رب العالمين.

اللهم وفق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رضاك يا رب العالمين، وهيء له البطانة الصالحة، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , فضل رمضان للشيخ : عبد الرحمن السديس

https://audio.islamweb.net