إسلام ويب

الحج عبادة من أعظم العبادات، وإن له من الشروط والأركان والواجبات ما يجب على كل من أمَّ بيت الله الحرام أن يعلمها؛ ليعمل بها؛ فيقبل حجه عند الله، كما له من المقاصد والمنافع والحكم والآداب ما ينبغي لكل حاج أن يستشعره، ليحصل له برُّ الحج، ويعود بشيء من منافعه وآثاره.

مقاصد الحج العظيمة

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، فرض على عباده حج بيته الحرام، ورتب عليه جزيل الأجر والإنعام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الأنام، وخير من صَلَّى وزكى وحج وصام، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه البررة الكرام ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أمة الإسلام! ويا حجاج بيت الله الحرام! اتقوا الله جل وعلا، واشكروه على ما هداكم للإسلام، وشرع لكم من مواسم الرحمة والغفران.

عباد الله! في هذه الأيام المباركة تشرئب الأعناق، وترنو الأبصار، وتنجذب القلوب، وتتجه الأنظار، وتهوى الأفئدة، وتتطلع النفوس المسلمة إلى هذه البقعة الشريفة التي هيأها الله لعباده، واختارها لتكون عرصاتها محلاً للمناسك، فهذه قوافل الحجيج وطلائع وفود الله أتت من كل فجٍ عميق ليشهدوا منافع لهم يدفعهم الإيمان، وتقودهم الرغبة، ويحدوهم الشوق، ويحفزهم الأمل فيما عند الله مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث، ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفيهما عنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة ).

إخوة الإسلام! حجاج بيت الله الحرام الحج عبادةٌ من أعظم العبادات، له من الشروط والأركان والواجبات ما يجب على كل من أمَّ هذا البيت أن يعلمها؛ ليعمل بها؛ فيقبل حجه عند الله، كما له من المقاصد والمنافع والحكم والآداب ما ينبغي لكل حاجٍ أن يستشعره؛ ليحصل له برُّ الحج، ويعود بشيءٍ من منافعه وآثاره.

الحج منطلق لإعلان التوحيد الخالص لله

فأهم المقاصد والغايات، وأعظم الحكم والواجبات، أن يكون الحج منطلقاً لإعلان التوحيد الخالص لله، فلا أنداد ولا شركاء، ولا شفعاء ولا نظراء، وأن يكون مرتكزاً لتجديد دعوة إبراهيم عليه السلام، وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، ودعوةً إلى الحنيفية السمحة التي لا تعلق لها إلا بالله وحده، استسلاماً لله، وانقياداً لعقيدة التوحيد، وإذعاناً لطاعة الله ورسوله، وبراءةً من كل مبدأ يخالف نهج الكتاب والسنة، ومن كل عقيدةٍ لم يكن عليها سلف هذه الأمة.

أمة الإسلام! ضيوف الرحمن، وفود الملك العلام إن القاعدة التي تبنى عليها العبادات والأصل الذي ترتكز عليه الأعمال، وبدونه تكون هباءً منثوراً هو أساس هذا الدين، تحقيق التوحيد لله رب العالمين، وإنه محادة الله بإشراك غيره معه، لهو أظلم الظلم، وأصل الضلال.

فيجب على كل مسلم يرجو ثواب الله، ويخاف عقابه، ويحب نجاته يوم العرض على الله أن يعلق آماله بالله وحده، وينبذ كل ما سواه كائناً ما كان، وإنه لمما يبعث على الأسى، ويدعو للأسف أن يغبن كثيرٌ من الناس، فيجهلوا هذا الأساس، يتعبون أبدانهم، ويتركون أوطانهم، ويتجشمون المصاعب، ويتكبدون المشاق، ولكن على غير النهج السليم المستقى من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هل استشعر كل من أراد شد الرحال إلى هذه البقاع الطاهرة هذا الأصل العظيم؟ وهل حقق هذا الأساس المتين؟

لا بد من وقفةٍ حازمةٍ مع النفوس أيها الحجاج، ألم تقرءوا آيات الحج الواردة في كتاب الله عز وجل، وتتأملوا أعمال الحج من الطواف والسعي والتلبية، والرمي، وما إلى ذلك؟ إنها تؤصل في النفوس المسلمة هذا الأساس العظيم، كلها تدور حول إفراد الله بهذه العبادة، والتحذير من الشرك، اقرءوا إن شئتم قوله سبحانه وتعالى: وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً [الحج:26] وقوله سبحانه وتعالى: وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ [الحج:30-31] وقوله جل وعلا: فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا... [الحج:34].

فهي دعوةٌ من الله سبحانه، ودعوة رسله عليهم الصلاة والسلام، ثم دعوة كل مؤمنٍ موحدٍ أن تُسْتَلْهم صحة العقيدة وسلامة التوحيد وإخلاص الدين لله من هذه الآيات الكريمة، وهذه العبادة العظيمة، وإنَّ تَوَجُّه العبد الضعيف إلى غير الله في سؤالٍ، أو دعاءٍ، أو ذبحٍ، أو توسلٍ واستغاثة، أو ادعاء أن أحداً من دون الله يشفع عند الله، لهو من مصادمة الفطرة، ومخالفةٍ للملة ، ومجانبة العقيدة والسنة: قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً [الزمر:44].

إن في الحج يا عباد الله ولاءً خالصاً لله، وانقياداً تاماً لدين الله، لا مجال فيه لدعوة غير الله، وإعلان ولاءات لغير الله، ورفع هُتافاتٍ وشعاراتٍ مخالفةٍ لشرع الله، وعمل تجمعاتٍ وتظاهرات تخرج بالحج عما شرع الله وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الحج منطلق للوحدة والتضامن

إن على الأمة الإسلامية وهي على أبواب هذا الموسم العظيم، أن تعمل بجدٍ وصدق للخروج من المحن والمصائب التي ابتليت بها، فطالما بكى الباكون، وتحدث الغيورون عن الأحوال المزرية التي يمر بها العالم الإسلامي.

أما آن لنا معشر المسلمين أن نأخذ من هذا التجمع الإسلامي العظيم الدروس والعبر في الوحدة والتضامن، والبعد عن الفرقة والتشاحن، وهو يجمع المسلمين، وإن بعدت الديار، ونأت الأقطار، وتباينت الألسن والألوان على عقيدة واحدة، وسنة واحدة في مكان واحد، وهدف واحد؛ لتكون الانطلاقة لحل مشكلات الأمة المتأزمة ضعفاً ومهانةً، واختلافاً وفرقةً، من هذا المكان المبارك، مهبط الوحي ومنبع الرسالة، الذي انطلقت منه عقيدة التوحيد ودعوة الإسلام، ورسالة الخير والسلام؛ لتعم الأصقاع والأنام.

وبذلك يتحقق أكبر منافع الحج، وإنها والله لرسالة عظيمة، وأمانة جسيمة في عنق كل حاج يمثل لبنة في هذا المجتمع الإسلامي الكبير، فيشاطره آماله وآلامه، ويشاركه أفراحه وأتراحه، ويسعى جهده، ليكون جندياً يحمل رسالة الإسلام، ويدافع عن عقيدة التوحيد، ويدعو إليها، وبذلك يتحقق الأمل المنشود، والعز المفقود وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

ما ينبغي على حجاج بيت الله الحرام

الحمد لله الحكيم الخبير، العليم القدير، العلي الكبير، خلق فأتقن، وشرع فأحكم، وهو أحكم الحاكمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه.

أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله! اتقوا الله يا حجاج بيت الله! واشكروه على ما تعيشونه هذه الأيام من الأشهر العظيمة والمواسم الكريمة، أخلصوا حجكم لله، ارعوا لهذا البلد الحرام مكانته وقدسيته ونظامه، وإياكم وإساءة الأدب في جواره، بارتكاب شيءٍ من المعاصي، واعلموا رحمكم الله أن عليكم أن تتعلموا وتتفقهوا في أحكام المناسك لتكونوا على وعيٍ وبصيرة، وبعدٍ عن الخطأ والزلل، واسألوا أهل الذكر عما أشكل عليكم، عاملوا إخوانكم الحجاج المعاملة الحسنة، احذروا إيذاءهم ومزاحمتهم في الحرم والطرقات والمشاعر، وسوء الخلق معهم قولاً وفعلاً.

اجتنبوا اللغو واللهو والرفث والفسوق والجدال بالباطل، ليكون حجكم مبروراً، وسعيكم مشكوراً، وذنبكم مغفوراً، وعملكم مقبولاً، تأسوا بنبيكم صلى الله عليه وسلم، فلا زيادة، ولا نقصان، قال صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم ) ثم صلوا وسلموا عليه، فقد أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحمِ حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم وفق حجاج بيتك الحرام، اللهم وفقهم على أداء نسكهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم تقبل منهم، واجعلهم متبعين لشرعك، مقتدين بنبيك صلى الله عليه وسلم.

اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والهدى يا حي يا قيوم، اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك، اللهم انصرهم في كل مكان يا قوي يا عزيز.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , نداءات للحجاج [1] للشيخ : عبد الرحمن السديس

https://audio.islamweb.net