إسلام ويب

الفتن والمحن وغيرها من الأحداث منبهات تدعو إلى مراجعة الموروث الحضاري، ثقافة وعلماً وعملاً.

وإذا كان هذا الموروث عظيماً، فإن تركيب الحضارة القادمة سيتضمن فيما يتضمن البقايا المشرقة من الحضارة السابقة.

ومن الظواهر المعاصرة التي ينبغي مراجعتها: التعلق بالماديات، الحروب البشعة ... وغيرها.

وفي هذا المادة بيان لما يلحظه المستقرئ للتاريخ الإسلامي مما قدمه الإسلام للبشرية خلال مراحله المختلفة.

الأحداث الكبرى دعوة إلى مراجعة الماضي

الحمد لله حمد الشاكرين، والشكر له شكر الحامدين، تبارك ربنا وتقدس، له جميع المحامد، وتعالى وتكرم، منه جزيل الفضل وجميع العوائد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تمت كلمته، وعمت رحمته، وفاضت نعمته، وهو الإله الواحد، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، فهو البشير والنذير والشاهد؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، السادة الأماجد، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله رحمكم الله، فمن اتقى الله وقاه، ومن أناب إليه تاب عليه وهداه، ومن رضي عن الله رضي الله عنه وأرضاه، ومن أذل نفسه في طاعة الله أعزه وأعلاه، من تاجر مع الله ربحت تجارته، ومن هاجر إلى الله صحت هجرته، تأملوا في حوادث الدهر وقوارع العبر، فإنهن صوادق الخبر، حوادث فيها مزدجر، ومتغيرات فيها معتبر، تعير مرة، وتسلب أخرى، وتفسد عامراً، وتعمر قفراً.

أيها المسلمون! الفتن والبلايا منبهات وموقظات، تحمل الأمم الحية على العودة إلى نفسها والقيام بهمة إلى مراجعة مواريثها العلمية، ومواقفها العملية، ومسيرتها الحضارية بجدٍ ومصداقية، وصراحة وشفافية.

مراجعة تفحص فيها مواريثها، وتقوم عملها، وتمحص ثقافتها، تلك المواريث والثقافات التي تؤثر في حياة الناس، وتوجه سلوكهم، وتصنع اهتماماتهم في محاولة جادة صادقة، لتحديد أسباب القصور ومواطن التقصير.

التحديات الكبرى والأزمات المتأزمة، توقظ الأمم، وتنبه الدول، وتشكل التحولات الكبرى في مسيرة الحياة، وتمحو الصور المشوهة، والعناصر الهرمة، والكيانات الرخوة في حياة الشعوب، وتحفزها للانطلاق من جديد.

إن إحباطات الماضي، وخيبات الأمل عند الأمم الحية لا تقضي على إمكانات المستقبل، ولكنها تنبه إليها؛ بل تؤكدها وتظهر فاعليتها، ولقد قال الله عز شأنه في ابتلاء يوم أحد : إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران:140-141].

إن الأحداث الكبرى حين تقع لا تخص أمة بعينها، أو دولة بمفردها، ولكنها تشمل رقعة واسعة من الدنيا، إن لم تشمل العالم بأسره، أفراداً وجماعات، وشعوباً ودولاً.

أحداثٌ كبرى، تتولد عنها تحولات، وتنتج منها مواقف في الشأن كله، في الاعتقاد والاقتصاد، والسياسة والاجتماع، والتربية والتعليم، وفي ميادين الحياة كلها.

وفي ظل هذه الأحداث والابتلاءات يجدر بالعقلاء إعادة قراءة المبادئ، واستعادة النظر في المقررات، كما تراجع النظم وأنماط الحياة، إنه لجميل أن تراجع المبادئ والمقررات، وأجمل منه مراجعة آثار هذه المبادئ، وما صنعته تلك النظم، وما أورثته من نتائج على الأمم والأفراد.

وإن من أولى ما يستحق المراجعة وإعادة النظر مبادئ هذا العصر ونظمه ومقرراته وسياساته.

آثار المبادئ المادية

وبادئ ذي بدء، فثمة إيجابيات ومحاسن يحسن التمسك بها، والاستزادة منها في ميدان الماديات والمكتشفات والمخترعات والمنتجات السلمية والعلمية، زراعةً وصناعةً، وتجارةً واتصالاتٍ، وطباً وأدويةً، وتقنياتٍ ومواصلاتٍ.

ولكن ما أثر هذه المبادئ والمقررات في تكوين الرجال وصناعة الأجيال، واحترام الحقوق، وعدالة التطبيق؟

إن كثيراً من رجال هذه المبادئ أشبه بآلاتٍ طاحنة، وكأن صفة الإنسانية قد نزعت منها نزعاً، ترفع شعارات، ثم توظف توظيفاً ضيقاً، بل تقصر على فئات دون فئات، وأقاليم دون أقاليم؛ من مبادئ الديمقراطية، ومفاهيم الحرية، ومقررات حقوق الإنسان، وما أشبه ذلك، يجب التوقف المتأني عند التناقض الظاهر بين هذه المثل وبين الممارسات.

التاريخ المعاصر معتمٌ وقاتم، فيه استعلاء واستكبار وإذلال وإهانة، وفيه استبداد وقهرٌ للشعوب والدول، وفيه سيطرة واحتكار.

إن من الأمانة والإنصاف والسلوك العاقل الجدُّ في طلب الحق، وتلمس الخير للبشرية جمعاء، ومراجعة المواقف، والتفكير بشكلٍ جاد في الدوافع الأساسية التي ملأت كثيراً من الشعوب كراهيةً، وولدت عنفاً.

أي مبادئ هذه التي تولد الكره؟! وأي مناهج هذه التي تسمح بإذلال الآخرين، وتقبل فيهم الدونية؟! أي مقررات هذه التي تغرس الغطرسة والاستعلاء؟! أي قيمٍ تخرجها هذه المبادئ؟! وأي سياسات ترسمها هذه النظم؟!

في مراجعة صادقة يحصل التأمل في هذا العنف الذي يغطي العالم شرقاً وغرباً بأشكاله وأساليبه.

إن العنف والتسلط غالباً ما يعبر عنه بأساليب عدوانية؛ كالكراهية والسيطرة على الضعفاء، واستغلالهم المادي والمعنوي، والاتهام بالباطل والاضطهاد.

وإذا ساد العنف والتسلط بدل الحوار والتفاهم، فحينئذٍ لا يبقى للضعيف صوتٌ ولا مكان، ولا يبقى للعدالة محلٌ ولا مقام، والأشنع والأفظع حين يكتسي التسلط والعنف بلباس الشرعية، فيأخذ شكلاً مبرمجاً وممنهجاً، تجب اليقظة من أجل إيقاف المد العدواني في العالم، وانتشار بذور الكراهية ومظاهر العنصرية والاستعلاء والتمييز.

الأضرار الفادحة للحروب المعاصرة

وإن مما يستدعي المراجعة والنظر هذه الحروب التي تنشب في هذا العصر بين الحين والآخر، كم حصدت من الملايين، وأزهقت من الأرواح، وألقت بأنواع القنابل، واستخدمت من صنوف السلاح أسلحة فتاكة مدمرة لا يقتصر ضررها على قتل من أصابته، ولا ينحسر أثرها في ميدان المعركة، ولكنها الأضرار والأمراض على الأحياء كل الأحياء؛ من إنسانٍ وحيوانٍ وشجرٍ وبيئة، بجرثوميتها، وكيميائيتها، ونوويتها.

في رمادها وغبارها وإشعاعاتها قتل وحرق وتدمير وخراب لمساحات هائلة طولاً وعرضاً وعمقاً، مما يهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد.

أي مبادئ؟! وأي سياسات تخرج منها الصانعون والمخترعون والمستعمرون؟!

سجلات حروبٍ مثقلة بالغضب، والظلم، والتعدي، والقسوة، والغلظة، لا تخضع لقانون، ولا يقرها عدل، وكتاب ربنا نحن المسلمين يحدثنا عن القتال في غايته وآدابه: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة:190].

حروب وأسلحة لا تعرف إلا الإبادات الجماعية، قتلاها بالمئات والألوف والملايين، ودمارها يلف المساكن والمزارع والمساجد والمعابد والأسواق والطرقات.

كوارث وحروب هي الأكثر تسميماً في التأريخ، والمستقبل في هذه الحروب مظلمٌ، إن استمر الحال على ما هو عليه.

إن الإحصاءات لتئن من الأعداد الهائلة لحصاد هذه الحروب، في قارات الدنيا كلها، إنهم بعشرات الملايين في وحشية مسعورة، وتقنيات مخيفة.

أثر النظرة المادية في الثقافة المعاصرة

أيها الناس! وبمراجعة متأنية ونظرة فاحصة، فإن للنظرة المادية السائدة في تلك المناهج وتفسير الأحداث وبناء الغايات ورسم الأهداف أثراً في ذلك عظيماً.

لقد بنيت فلسفات هذا العصر ومبادئه وثقافته وسياساته على مادية جافة، فالإيمان مقصورٌ على المحسوسات، لا أثر للغيبيات وما وراء الحس إنما هو التعلق بالدنيا، والإغراق في الاستكثار منها، وقصر العلوم والمعارف والمكتشفات في حدودها.

تأملوا هذه اللفتة العظيمة في هذه الآية الكريمة من سورة الروم: يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7].

ليس لأعمال القلوب مكان إنما هو اهتمامٌ باللذائذ، وإغراقٌ واستغراق في الشهوات والمستلذات.

ولهذا يتجلى الغلو في العناية بالرياضات البدنية، والألعاب الرياضية، والرقص، والغناء، والتمثيل، واللهو، والطرب، والنحت، والرسم، وما كان على هذه الجادة.

ليس للدين أي أثرٍ في الأخلاق والسياسات والفلسفات والمبادئ.

الدين عندهم تقليدٌ من التقاليد؛ ليس له أثرٌ في النفوس أو سلطانٌ على القلوب؛ خصامٌ نكد بين العلم والدين والروح والجسد، ليس في تلك الأنظمة الفكرية مكانٌ لله -تعالى الله وتقدس- ولا يشعرون بالحاجة إليه -تنزه وتعاظم- بل الإله في تلك الثقافات والتاريخ يُجَسَّد في آلهة متعددة، تنحت لها التماثيل، وتبنى لها المعابد والهياكل، حتى الأعمال القلبية والمعاني المجردة صنعوا لها آلهة في أجسامٍ وأصنام وأشكال وتماثيل، فللحب عندهم إله، وللجمال عندهم إله.

والدين طقوسٌ وترانيم جافة؛ فإذا أديت فتقليد ووراثة.

من أجل هذا كله، ظهرت القسوة، وساد العنف، وحل التظالم، واختلطت المبادئ، بل انتكست وانقلبت، إن كثيراً منهم لا يرجون لله وقاراً، وهم عن الآخرة هم غافلون.

المراجعة من أجل العدالة والإنصاف

أيها الإخوة في الله! تجب المراجعة الصادقة والجادة من أجل أن يسود العدل والإنصاف، ويحق الحق، ويزهق الباطل.

إن العالم بحاجة إلى صياغة سياسة رحيمة، تقطر أخلاقاً وإنصافاً وعدلاً وتديناً، سياسة تلغي هذه الأسلحة الجرثومية، التي تزرع الدمار في الديار، والدمار في الضمائر.

سياسة ترعى العدالة في حقوق الإنسان، وحق تقرير المصير، والحرية، والكرامة، والرحمة، والطمأنينة.

سياسة تنهي الاستعمار والهيمنة بكافة أشكالها الاقتصادية والفكرية والثقافية.

سياسة تقف بصدقٍ إلى جانب الضعيف والمظلوم، حتى ترفع مظلمته، فالعدل لا يحقق بالظلم، والأمن لا يستجلب بالخوف، يجب استبعاد منطق الثأر والانتقام إلى رحاب الحوار وهدوء النقاش.

العالم بدوله الصغيرة والكبيرة بحاجة إلى الترابط والتوافق والعيش بسلمٍ وسلام.

هذا هو الذي يجب أن يتنادى إليه العقلاء، ويأخذ به المخلصون الذين يقصدون إلى خير البشرية كلها، ولا يحسن بهؤلاء العقلاء والمخلصين أن يغالطوا التاريخ، ويخالفوا السنن، إنهم إن لم يفعلوا ذلك، فإن الضعيف لن يبقى ضعيفاً، والتاريخ حافلٌ بالأمثلة على صعود أمم وهبوط أخرى، وعلو حضارات وانحسار أخرى، وهو حافلٌ كذلك بمشاهد قدرة الشعوب على الصبر والصمود والمصابرة وطول الكفاح والمقاومة، والأيام دول، والزمن قلب، والأمر كله لله، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [الشعراء:227]، وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [الأحقاف:26].

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه .. إنه هو الغفور الرحيم.

استقراء التاريخ الإسلامي

الحمد لله الذي أوجد الكائنات بقدرته، وقهرها بقوته، وفاوت بينها بحكمته، أحمده سبحانه وأشكره على كريم فضله وجزيل نعمته.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نصب الدلائل على وحدانيته.

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، اصطفاه لرسالته، ورحم العالمين ببعثته، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى أصحابه وأزواجه وذريته، والتابعين ومن تبعهم بإحسان وسار على هديه والتزم بسنته.

أما بعد:

فإن المستقرئ لتأريخ أمة الإسلام، ولا سيما تأريخ الفتن الداخلية، والنكبات الخارجية، ابتداءً بفتنة الردة، ومروراً بالإعصار المغولي، ثم الغزو الصليبي، حتى الاستعمار الحديث والحقبة اليهودية القائمة.

إن هذا التأريخ الإسلامي العظيم بقدر ما حمل من الحضارة والإضاءة والعدل والإنصاف مع نفسه ومع الأمم والشعوب التي انضوت تحت حكمه، وانطوت تحت لوائه؛ فلقد أثرت هذه الفتن والأزمات وهناً حضارياً، وصوراً من الغثاء الاجتماعي، حتى ضعضع الدهر كثيراً من جوانب الأمة، وأشمت بها الأعداء، بل أصبح من سلوة النفس الشماتة بالذات، ولكن هذه الفتن وهذه الأزمات في الوقت ذاته شكلت تحديات، وأثارت استفزازات، وجددت عزائم، وشحذت همماً، وحرضت على استئناف الشئون الحضارية.

بصائر الحاضر وبشائر المستقبل

إن ما يلحق الأمة من إصاباتٍ وجراحات، إنما هو في الحقيقة منبهات ومحرضات حضارية، تحمل بصائر الحاضر وبشائر المستقبل، وهذه آية أخرى في ابتلاء يوم أحد ، يقول الله عز وجل: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:172-175]

ومع التسليم بأن ما يصيب الأمة هو بسبب نفسها وأعمالها، فإن من اليقين بأنها -بفضل الله- تمتلك قيم الوحي الثابتة والخالدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، تؤمن بها وتقوم عليها، وهي المقياس والنبراس الذي يكشف الخلل، ويحدد زاوية الانحراف، وبه -بإذن الله- تكون الأمة قادرة على التصويب والترشيد والنهوض والتجريب.

جهاز المناعة الفكرية

إن أصول الشريعة وثوابتها هي -بإذن الله- جهاز المناعة لأزمات الفكر وإصابات العقل وانحرافات المادة، هذا من جانب.

ومن جانبٍ آخر فإن من غير المنكور أن التيارات الوافدة المعاصرة حققت نجاحات من الغزو والاحتواء واسعة النطاق في مختلف أنحاء العالم، ولكن الإسلام والمجتمع الإسلامي رغم كل ما يعاني ظل وسيظل -بإذن الله- متماسكاً في مواجهة رياح التغيير، فالإيمان بالإسلام دين الحق راسخ الجذور لدى الشعوب المسلمة كافة، والمسلمون لا يرفضون الجديد المفيد، ولكن المشكلة في أصحاب التيارات الوافدة؛ حين يصرون على أنهم هم الأنموذج الأوحد الذي يجب أن يسود مع التوظيف السيئ للإعلام في التزييف، وقلب الأحداث، وتحليل المواقف، وتفسير الوقائع، والمغالطة في المفاهيم.

انحيازٌ وتلفيق، ومغالطة وانتقائية، وهجومٌ وتسفيهٌ واستنقاص.

إن المسلم متفتح متجاوب، لا يقف في وجه التقدم النافع، ولا يدعو إلى عزلة علمية أو مادية، ولا يعادي المفيد في الحضارات، ولكنه يرفض التبعية والدونية والاستفزاز، الإسلام عصيٌ عن الاحتواء أو الذوبان، فكثيرٌ من الديانات والمبادئ ذابت واضمحلت وحرفت، أما الإسلام فهو دين الله المحفوظ الخالد الخاتم، فلله الحمد والمنة.

كيفية خروج المسلمين من مشكلاتهم

وبعد:

فإن الإسلام -وبكل فخرٍ واعتزازٍ وقوة- قد قدم بعقائده وأحكامه وحضارته ومبادئه للبشرية ما لم تقدمه حضارة أخرى، والمسلمون قادرون -بإذن الله- على الخروج من مشكلاتهم، حين ينبذون الفرقة، ويرفضون التمزق، ويكون ذلك -بعون الله- بالإحساس التام بمسئوليتهم، ليس نحو أنفسهم فحسب، بل نحو الإنسانية كلها، إنهم بذلك ينقذون أنفسهم، ويصلحون البشرية، لا بد أن يعرفوا حقيقة دينهم، وطبيعة رسالتهم، ومن ثم يفقهون سنن الله في التغيير وبناء الأمم ومسالك الإصلاح إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11].

ألا فاتقوا الله رحمكم الله، وأقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه، كبر على المشركين ما تدعوهم إليه، الله يجتبي إليه من يشاء، ويهدي إليه من ينيب.

ثم صلوا وسلموا على نبيكم محمد رسول الله، فقد أمركم بذلك ربكم في محكم تنزيله، فقال جل شأنه وهو الصادق في قيله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحمِ حوزة الدين، واخذل الطغاة والملاحدة وسائر أعداء الملة والدين.

اللهم وانصر عبادك المؤمنين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك المؤمنين.

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا في من خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم أيد بالحق والتوفيق والتسديد إمامنا وولي أمرنا، ووفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه.

اللهم أعز به دينك، وأعلِ به كلمتك، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، واجعلهم رحمة لعبادك المؤمنين، واجمع كلمتهم على الحق والهدى يا رب العالمين.

اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك، اللهم انصرهم في فلسطين ، وفي كشمير ، وفي الشيشان ، وفي كل مكان يا رب العالمين.

اللهم إن اليهود المحتلين الغاصبين قد طغوا وبغوا، وآذوا وأفسدوا، وقتلوا ودمروا، اللهم فأرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم واجعل بأسهم بينهم، وأنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم فرق جمعهم، وشتت شملهم، واجعل الدائرة عليهم، يا قوي يا عزيز.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , نظرة ومراجعة لمبادئ الحضارة المعاصرة للشيخ : صالح بن حميد

https://audio.islamweb.net