إسلام ويب

من نعم الله على عباده تسخير العباد بعضهم لبعض، وثمة ظاهرة متفشية هي ظاهرة الخدم، وقد أنعم الله على هذه الأمة بأن جعل غيرها خدماً لها عبر التاريخ.

والإسلام يوصي بالاستغناء عن الآخرين والتوكل على الله، وإن كان لا بد من وجود خادم فلا بد من مراعاة بعض الأمور الهامة.

نعمة تسخير العباد لبعضهم البعض

الحمد لله ولي الصالحين، وناصر المستضعفين، ومجيب دعوة المضطرين، نحمده سبحانه ونثني عليه الخير كله، نشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفجره، إياه نعبد، وله نصلي ونسجد، وإليه نسعى ونحفد، نرجو رحمته، ونخشى عذابه، إنَّ عذابه، الجد بالكفار ملحق.

وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بعثه الله رحمةً للعالمين بين يدي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فالذين آمنوا به وآزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه؛ أولئك هم المفلحون، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الغر الميامين، رضي الله عنهم ورضوا عنه إن الله لعليٌ حكيم.

أما بعــد:

فاتقوا الله معاشر المسلمين! اتقوا الله حقَّ تُقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، ومن ثَمَّ فلتعلموا أن نِعَمَ الله علينا كثرا، يكذب مدعي حصرها، ويعجز مؤمل عدها.

نِعَم تترادف حلقاتها، تقول اللاحقة للسابقة: أختي أختي، نعمٌ في شئون العبادات والدين: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً [المائدة:3] ونعم أخرى في وسائل الفهم وحسن التعايش، ونعم في تسخير البشر بعضه لبعض ونعمٌ... ونعمٌ.... ونعمٌ يخص ربنا بها هذا ويمنح ذاك، ويقدر على هذا ويمنع ذاك أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف:32] تسخير العباد بعضهم لبعض من أعظم منن الله على خلقه، وأكثرها ابتلاءً وامتحاناً في الوقت ذاته.

ظاهرة انتشار الخدم

ألا وإن ثَمَّ ظاهرة متفشية هي من نوع التفخير الذي منَّ الله به على عباده، ظاهرة استطالت جذورها، واتسع نطاقها حتى أصبحت من شرط اتخاذها عادة فحسب أن جعلت في منأى عن التأمل والتفكر، والنظر المنصف في حقيقتها وحسن الإفادة منها، بل التفكر فيما يجب لها وما فرض عليها، إنها ظاهرة ليست وليدة الحاضر ولكنها ليست قديمة الماضي، هي في مأزق من الأمر، تترقب الأطروحات الجادة، والبحوث المثمرة من على منابر التوجيه والإرشاد، أو في المنتديات العامة والتوجيه الإعلامي، أتدرون أي ظاهرة هذه؟

إنها ظاهرة الخدم! نعم. إنها ظاهرة الخدم! إنها بحق ظاهرة؛ ولكن ليس هذا هو العجب! وإنما أن تكون بهذا الحجم الكبير بين ظهرانينا دون أن تكون محلاً لحسن التكييف وصحة الأَسْلَمَةِ لها، يعبُّ الناس منها عبَّا، لا ينوي الكثير منهم على شيء سواء أنها عادة وطبع وتفاخر، وحب في الرفعة والشرف، وحب التسلط والتشبه ببلاط السلاطين ونحوهم.

إننا لو أمعنا النظر شيئاً يسيراً لوجدنا أن هذه الظاهرة مترامية الأطراف، وأن الحديث عنها يعوزه الوقت الطويل بعد سبرها وتشخيصها من خلال استقراء ميداني واسع النطاق؛ ولكن على حد قول القائل: ما لا يدرك كله لا يُترك جله، فلنكتفي إذاً بشذرات متفرقة التناثر حول ما يتعلق بهذه الظاهرة الجلية.

رحمة الله بهذه الأمة

فأقول أيها المسلمون! إن أول ما ينبغي أن يُذكر به هو أن الله سبحانه قد منَّ على أمة الإسلام فجعلها تابعة لا متبوعة، وأنه لم ولن يجعلها لقمةً سائغة لتسلط أهل الكفر عليها في الجملة، وذلك -عباد الله- يظهر بوضوح لما نرمي إليه من خلال سماع قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد في مسنده حيث قال صلوات الله وسلامه عليه: { سيكون في آخر أمتي رجالٌ يركبون على سروجٍ كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رءوسهن كأسنمة البخت العجاب، العنوهن فإنهن ملعونات، لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمن نساءكم نساءهن كما يخدمنكم نساء الأمم قبلكم }.

إذاً لقد رحم الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم إن لم يكن أمة أخرى وراءهم؛ يكن نساء المسلمين خدماً لهم كما صاروا خدماً لنا عبر التاريخ.

حال الخدم عبر التاريخ

لقد كان الخدم فيما مضى هم المملوكين لمن يخدمونهم؛ وذلك بسبب الحروب الناشبة بين أهل الكفر وأهل الإسلام، وبقاء راية الجهاد في سبيل الله تطاول الزمان شامخة، وفي عصرنا الحاضر قلَّ الرقيق، واضمحل أمره إلى درجة لا تكاد تذكرك في العيان، وصار الخدم كلهم من الأحرار، ولو فرزنا حقوق المملوكين التي أوجبها الإسلام على الأسياد، ورأينا ما لهم من حقوق وواجبات، وما عليهم من مثلها مما لم يحصل لكثير من الأحرار اليوم؛ لعلمنا صدق القوة وعمق الجرح الذي يعيشه كثير من المسلمين اليوم؛ ولحلت عبارة الرجل المسلم مع عمرو بن العاص -رضي الله تعالى- عنه حينما قال: [[متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرار؟ ]].

أهمية الاستغناء عن الآخرين

إننا -أيها المسلمون- قبل أن نخوض في غمرات هذه المعرة، وقبل أن نُدلل عليها ونكشف عوارها؛ يجدر بنا أن نذكر على اقتضاب إلى أهمية استغناء الفرد بنفسه، وتوكله على الله، وعدم سؤال الآخرين من خدم وغيرهم، وتلك لعمر الله مزية قلَّ أن توجد في أوساطها، فإلى الله المشتكى!

يقول أحد الصحابة فيما رواه صحيحه : [[بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: على ألا نسأل غير>الله شيئاً حتى إن أحدنا ليسقط سوطه على الأرض لا يقل لأحد: ناولني ]].

ومنها فإن الاستغناء عن الخدم والإكثار منهم غنيمة بارزة، ولو لم يكن فيها إلا السلامة من عواقبهم والوقوع من سلبياتهم التي يقل الفتاق لكفى.

ورحم الله الإمام أحمد نُرِشَد كل مسلم على ألا يلجأ إليهم إلا في حالات الحاجات الملحة مع عدم استغفال السلامة وأنها مطلب، ونقول -أيضاً- لكل مسلم شاخصة أحداقه، مشرئب إلى اتخاذ الخدم ولكن بينه وبين حصول ذلك مسكنةٌ وفقر تجعله أقرب في أن يَخدم مِنْ أن يُخدم، نقول له ولأمثاله: اسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم بعد هُنيهة؛ لتكون رضي البال شاكراً ولي نعمته.

اشتكى فاطمة -رضي الله عنهما- إلى النبي صلى الله عليه وسلم ما تواجهه من الطحن والعمل المجهد فسألته خادماً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما فسبحا الله ثلاثاً وثلاثين، واحمداه ثلاثاً وثلاثين، وكبراه أربعاً وثلاثين؛ فتلك مائة على اللسان وألف في الميزان } فقال صفين ؟ قال: ولا ليلة أحمد .

وليلة

متاع الدنيا قليل

بيد أن في الناس فئام لها ولعٌ بمشاكلة الآخرين، والسير في ركب الجمهور منهم، وُحبَّ التباهي مع قلة ذات اليد؛ فيطمعون في الإكثار من الخدم والتنويع فيهم، فلهؤلاء نقول: رويدكم مهلاً! فمتاع الدنيا قليل، ولتقنعوا بمثالين عظيمين يمكن من خلالهما حصل القناعة، والرضى بالمقسوم، والزهد في الدنيا، والاكتفاء من الخدم بما يسد الحاجة.

روى مسلم في صحيحه أن رجلاً قال لـعبد الله بن عمرو بن العاص : [[ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال له عبد الله : ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم، قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم، قال: فأنت من الأغنياء، قال: فإن لي خادماً، قال: فأنت إذاً من الملوك ]] فيا لله العجب! من قول ابن العاص رضي الله عنه.

إذاً ما أسهل ملك الدنيا وأحقره، فما بال أقوام لا يقنعون بمثل هذا؟

ألا تسمعون -حفظكم الله- المثل الثاني الذي رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {أدنى أهل الجنة الذي له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة } رواه الترمذي في جامعه .

إذا سمعتم ذلك فمنهم إذاً خدم الجنة؟

إنهم ولدان مُخلَّدون، وغلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون.

اللهم لا تحرم خير ما عندك بشر ما عندنا.

أمور ينبغي مراعاتها لمن كان له خادم

أيها المسلمون! من كان منكم متخذاً خادماً فليعلم أن عليه مراعاة أمور هامة:

اختيار الخادم الصدوق الأمين

أولاها: اختيار الأمين الصادق كما قال تعالى عن ابنتي شعيب حينما قالت إحداهما لأبيهما: يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ [القصص:26] ولا يغيب عن بالنا أثر الأمانة والصدق في ذوات الخدم من خلال موقف يوسف عليه السلام من امرأة العزيز حينما قالت له: وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ [يوسف:23] ، فكان الجواب: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [يوسف:23] كانوا يدعون السيد رباً؛ فهو يرى أن سيده أكرمه وأحسن مثواه، فلا يلوث ذلك بالتخون والفاحشة.

أين الكثيرين عن هذا الأمر الجلل؟

أين اختيار الخادم المسلم ذكراً كان أو أنثى؟

لله كم هم صرعى الخدم غير المسلمين؟ وماذا عسى أن يجنى منهم؟

دين غير ديننا، يحلون ما نحرم، ويحرمون ما نحل، فضلاً عما يقوم به جملة منهم إلى ما يسمى: التبشير والدعوة إلى مللهم إبَّان غفلة من الجمهور.

ألا وأن إحضار المحرم مع الخادم، الذي يكون سبباً -بإذن الله- في قلة الفواحش، والبعد عن الزلل، والأمن على النفس والعرض.

ألا إن الكثيرين منا لا يُبالون بالسائقين والخدم؛ امرأة مع سائق! ورجل مع امرأة الخادم! خادم تتكشف لمخدومها! وسائق تتكشف له مخدومته! وكأنه من أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء!! تساهل في الأمر واستخفاف به.

عدم الركون إلى الخدم في تربية الأطفال

ثانياً: تكمن أهميته في عدم الركون إلى الخدم في تربية الأطفال، وكثرة محاكاتهم، ويزداد الأمر تأكيداً إن كانوا غير مسلمين؛ لأن من الأمور المسَّلمة أن كثرة المحاكاة تحدث مشاكلة في الطباع، ومن هنا يقع التأثر والتأثير في بني آدم؛ بل إن الآدمي إذا عاشر نوع من الحيوان اكتسب بعض أخلاقه؛ فنجد الجمَّالين والبغَّالين فيهم أخلاق مذمومة من أخلاق الجمال والبغال، ونجد الحيوان الإنسي فيه بعض أخلاق الناس بسبب المآلفة وقلة النفرة، وقديماً قيل: " الطيور على أشكالها تقع ".

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين هم أقل كفراً من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى هم أقل إيماناً من غيرهم ممن جرد الإسلام ".

كل ذلك -أيها المسلمون- سببٌ في التأثير على الطفل؛ فضلاً عن كون صحة الطفل الدينية والنفسية والدينية ناتجة عن تفرغ الأم لطفلها وعدم إسلامه للأجنبي عنها.

ألا وإن تركها الساعات الطوال مع الخدم؛ لا يضمن تمتعه بالرعاية الدافئة التي يحتاجها كل حين، وثّمَّ دراسات نفسية كثيرة نشرت برامجها عبر جهات أكاديمية وأخرى تطبيقية كما يقال كلها تتفق على أن جُلَّ الأطفال والصغار من ذوي المشاكل النفسية هم الذين عانوا حرماناً عاطفياً كبيراً في طفولتهم المبكرة؛ بسبب غياب أمهاتهم عنهم وتسليمهم إلى الخدم.

ألا ترون -يا رعاكم الله- كيف يكون حال الطفل إذا غابت عنه أمه؟ ماذا يحدث عندما يشاهدها بعد فترة غيابها؟

إنه يشد إليها بقوة، وحين تدفع إليه لترضعه يلتقمها بلهفة ويحاول أخذ حاجته بلهفة، ولربما خانته حاسة البلع فشرغ وغص مع ما يصاحب ذلك من نظرات ازراء إلى أمه تدل على الشره واللوم دون استطاعته عن تعبير ذلك باللسان، فماذا عسى الخادمة أن تفعل؟

إن قلبها ليس كقلب الأم، وحنانها ليس كحنان الأم، ولا غرو -عباد الله- إذ ليس النائحة المستأجرة كالمرأة الثكلى.

التزام الخادم بالأحكام الشرعية

أما ثالث الأمور أيها الناس! فهو أن يتقي المرء ربه، وأن يعلم أن أمر الخدم محسوم في شريعة الله، وأن هناك حدود ينبغي ألا يتجاوزها المرء المسلم، ومن ذلك: الحجاب الشرعي للخادمة، فلا يجوز أن تتكشف لدخول المنزل، ولا أن تختلط برجاله أو أن تخلو بأحدٍ منهم، وإن التباهي بالخادمات النساء، وكشفهن للعيان في الأسواق والأفراح والمستشفيات من باب التباهي، وحب الظهور؛ لهو أمر جد خطير وفيه من الإثم والوزر الشيء الكثير، فضلاً عن كون ذلك مدعاة لفتنة الناس وجذب أبصارهم، ومن ثَمَّ الولوغ في حمأة هذا الموقف العظيم، ووقوعهم في النظر إلى ما حرَّم الله.

وكذا الرجل الخادم: لا يجوز أن يخلو بالمرأة لا في منزلها، ولا في سيارتها، ولا أن تكشف وجهها له، أضيفوا إلى ذلك أمر الخدم بالتزام شرع الله إن كانوا مسلمين، أو دعوتهم إلى الإسلام إن كانوا غير ذلك، مع التأكيد بحزم على وجود الاستغناء عن الكفار لا سيما في جزيرة العرب ؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراجهم منها، وكذا الظهور بمظهر القدوة الصالحة أمام الخدم، وذلك بالكرم والعطف والصدق والصفح.. إن الله يُحب المحسنين.

ثم الحذر الحذر! من التساهل مع من لا يخاف الله منهم أو التقليل من خطورة أمرهم، ويزيد الأمر تعقيداً حينما يكون بعضهم من مرضى الأفئدة، وممن يكون مضنة الانتقام، وحب الإفساد، من مثيري اللغط وهدم البيوت، واستخدام الشعوذة والسحر، وقلب ظهر المجن على البيت وأربابه، ونشر أسرار البيوت وأحوالها إلى خدم البيوت الأخرى، وكم هم صرعى هذا التقصير؟ وكم هم ضحايا هذا الإهمال؟ إذ بعض الخدم إذا شبع فسق، وإذا جاع سرق، ولا جرم! فقد قال مجاهد رحمه الله: [[ إذا كثرت الخدم كثرت الشياطين ]].

ووقائع المجتمعات وأحاديث المجالس تغص بها الحلوق، وتطفح بها الأذان، ألا وإن هذا ليُذكرنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن كان الشأم في شيء ففي الفرس والمرأة والخادم والمبسم } قال الخطابي وجماعة من أهل العلم: هذا الحديث هو في معنى الاستثناء من الطيرة: أي أن الطيرة منهي عنها في قوله صلى الله عليه وسلم: {لا عدوى ولا طيرة، وأحب الفأل الصالح } رواه مسلم ، إلا أن يكون للمرء دار يسكنها وهو كارهٌ لها، أو زوجة يكره صحبتها، أو فرس أو خادم فليفارق الجميع ببيعٍ أو نحوه.

قال أهل العلم: وشؤم الخادم سوء خلقه، وقلة تعهده لما فُوِضَ إليه.

وأقول حفظكم الله: هذا الحديث وأقوال أهل العلم؛ إنما هو فيما مضى من زمن الصدق والدين، فما ظنك في هذا الزمن! سبحان الله.. ما أبعد الليلة عن البارحة، وما أشبه اليوم بما هو على العكس من الأمر.

بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر والحكمة، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله وأتوب إليه، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

العدل في القضايا من سمات المؤمنين

الحمد لله حمداً لا ينفد، أفضل ما ينبغي أن يُحمد، وأصلي وأسلم على أفضل المصطفين محمد، وعلى آله وصحبه ومن تعَّبد.

أما بعـد:

فاتقوا الله -أمة الإسلام- واعلموا أن أحسن الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها المسلمون! العدل في القضايا من سمات المسلمين، وإعطاء كل ذي حق حقه هو مما أوجبه الله على عباده، وإن كان ثَمَّ مآخذ غير مرضية تصدر تارات كثيرة من الخدم؛ فإننا في المقام نفسه نشير إلى سماتٍ متعددة من الحقوق والواجبات التي يستحقونها، ومن ذلك: احترام قدرهم، وأنهم بشر مثلنا؛ فنتلطف معهم ونرحم غربتهم، وأنه لولا حاجتهم إلى المال واكتسابه؛ لما هان عليهم فراق العيال، والسفر آلاف الأميال، فلتطعموهم إذا طعمتم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم خادمه بطعام فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين أو لقمة أو لقمتين ) رواه البخاري ، ولا تحجرن إطعام الخادم ولو لم يكن ذلك في صلب العقد بينكما، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة ) رواه أحمد .

وإياك إياك أيها المرء! أن تتوانى أو تتأخر في إعطائه أجرته في حينها، فلنفسه بالذات ولعٌ بها كما تفرح بمحصلتك، يقول صلى الله عليه وسلم: (أعطي الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ) رواه ابن ماجة .

فعليك -أيها المرء- أن تتنبه لذلك، وإلا فاعلم أنك خصيم للنبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة -وذكر منهم-: رجلاً استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره ) رواه البخاري .

فاتقوا الله يا أهل البيوتات! واتقوا الله يا أصحاب الشركات والمؤسسات والتعهدات! وأعطوا العمال والخدم أجورهم في أوقاتها المحددة، وإلا فأعدوا لمخاصمة نبيكم -صلى الله عليه وسلم- جواباً، وللجواب جلبابا حين ليس ثم جواب ولا جلباب.

وإياكم وضرب العمال والخدم، فقد ضرب أبو مسعود غلاماً له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اعلم أبا مسعود أن الله أقدر عليك منه، فقال أبو مسعود : يا رسول الله فهو حر لوجه الله، فقال صلى الله عليه وسلم: أما إن لو لم تفعل لمستك النار أو للفحتك النار ) رواه مسلم والترمذي ، ولم يكن الأمر مقتصراً على مس اليد فحسب، بل وحتى اللفظ باللسان من شتم وسب، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (لا تدعوا على خدمكم ) رواه أبو داود .

وسمعتَ أم الدرداء عبد الملك بن مروان قد لعن خادمه، فقالت أم الدرداء : سمعتك الليلة لعنت خادمك حين دعوته، فقد سمعتُ أبا الدرداء يقول، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة ) رواه مسلم .

عباد الله! بما أن الشيء بالشيء يُذكر، وحيثُ إن الحديث عن الخدم والاستخدام؛ فاعلموا أن هناك ثلة من إخواننا المسلمين يعيشون حالاً لا يعرف من خلالها أيراد بهم أن يعيشوا خُدَّاماً أم يعيشوا بشراً؟ امتدت إليهم أيادي آثمة، أيادي أناملها صربية، ودماءها قد نزت من سلسلة حروب صليبية، ليس لهم هدف إلا قتل من يقول: ربي الله.

سر إخواننا المسلمين في كوسوفا المسلمة، شردوهم وأثخنوهم وشدوا الوثاق، مشردون.. هم أحياء في عِدَادَ الأموات، إذ ما الحياة بلا أمن ولا استقرار؟ ليس من مات منهم ذبيحاً؛ ولكن من يعيش منهم بالتشريد هو الذبيح!

ألا من محير جواباً! أو من محييٍ ألباباً! ألا من آمنٍ لمتألم ومن مستودع لمستصرخ! مسلمون مهجرون منبوذون في العراء وهم مذئومون سقوفهم واكفة، وجدرانهم نازة، وغرفهم متساقطة، جبالهم حممٌ من القنابل والشظايا، ووديانهم جثث وهال حتى غدت أباطح.

ألا تتقوا الله معاشر المسلمين! والبدار البدار بالجهاد في سبيل الله بأموالكم، بإيواء المضطهدين الذائدين عن حياض إسلامهم في أوطانهم، ألا وإن الإنفاق في سبيل الله والبذل فيه لإعلاء كلمة الله في طليعة أعمال البر التي وعد الله عليها الجزاء العظيم مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261].

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد؛ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد؛ كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

وارض اللهم عن خلفائه الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر صحابة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعدائك أعداء الدين، اللهم دمر أعدائك أعداء الدين، اللهم أهلك الصرب الحاقدين، اللهم عليك بهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم أهلكم بالسنين، واجعلها عليهم سنين كسنين يوسف يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم انصرنا على من عادانا، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، ا



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , الخدم بين الإفراط والتفريط للشيخ : سعود الشريم

https://audio.islamweb.net