إسلام ويب

بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام الخالدة، وقد سبق مبعثه عليه الصلاة والسلام بشارات الأنبياء قبله، ودعوة إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل، ومن الكتب السماوية التي جاءت بالبشارة عليه الصلاة والسلام؛ الزبور والتوراة والإنجيل، وبشر به علماء بني إسرائيل ممن خالطوا العرب قبيل بعثته صلى الله عليه وسلم.

تابع تباشير الصباح (البشارات بالرسالة المحمدية)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

قد انتهى بنا الدرس إلى هذه الشهادات وهي تباشير الصباح؛ الصباح الذي يولد فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهنا ألفت النظر إلى أن الغاية من دراسة السيرة النبوية والهدف منها والعلة المقصودة هي أن يزداد يقيننا في نبوته صلى الله عليه وسلم، وأن يزداد إيماننا ويقيننا برسالته صلى الله عليه وسلم، وفائدة ذلك -النماء والزيادة في اليقين- وثمرته: أن نحبه صلى الله عليه وسلم أكثر مما نحب كل شيء إلا ربنا عز وجل.

ثانياً: أن نطيعه طاعة الصدق، فنمتثل أوامره الموجهة المسعدة المعلية المعزة المكملة، ونجتنب ما ينهانا عنه؛ لعلمه ومعرفته وما أوحي إليه. فهذه بعض ثمرات دراسة السيرة.

وأعود فأقول: لِم ندرس السيرة؟ من أجل أن يقوى إيماننا، فيصل إلى مستوى اليقين في أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله إلى الناس أجمعين، وهذا اليقين الذي جنيناه وحصلنا عليه من دراسة السيرة ما ثمرته؟ إنه يثمر لنا حبه صلى الله عليه وسلم أكثر من حبنا لكل شيء سوى ربنا عز وجل، ويثمر لنا طاعته، والانقياد له، والمشي وراءه؛ لأنه من لم يمش وراءه والله ما أفلح ولا فاز ولا نجح، فلا بد من المشي وراءه، واقرءوا لذلك قول الله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31] وحب الله عز وجل أمل كل مؤمن ومؤمنة؛ لأن من أحبه الله أكرمه، وأعزه، ورفعه إليه، وأسعده، ومن أبغضه الله أذله وأشقاه وأرداه.

وكيف نحصل على حب الله؟

الحصول عليه يكون بالمشي وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا عن يمينه ولا عن شماله، وأعوذ بالله أن نتقدمه، وإنما نمشي وراءه، فنأكل كما أكل، ونشرب كما شرب، ونركب كما ركب، وننام كما نام، ونصلي كما صلى، ونحج كما حج، ونقاتل كما قاتل، ونتكلم كما تكلم، وننظر ونلحظ كما نظر ولحظ؛ إذ هو أسوتنا وقدوتنا، قال الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ [الأحزاب:21].

فليست دراسة السنة من أجل أن نقول: فهمنا وعلمنا، أو أن فلاناً عليم، لا والله! هذا عبث وضياع للوقت، وإنما من أجل أن يزداد إيماننا ويقيننا، فيثمران لنا حبه واتباعه والمشي وراءه صلى الله عليه وسلم.

هل فهم الأبناء هذه الحقيقة أو ليس هناك حاجة إلى هذا؟

دعوة إبراهيم عليه السلام

تقدم لنا في البشارات:

أولاً: دعوة إبراهيم عليه السلام. فإبراهيم عليه السلام سأل الله أن يرزق أولاده وذريته نبياً فماذا قال؟! قال الله تعالى: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129] متى قال هذا إبراهيم؟ قاله وهو يبني الكعبة مع ولده إسماعيل بن هاجر عليهم السلام، واستجاب الله بعد مئات السنين فبعث في ذريته محمداً صلى الله عليه وسلم، أي: تأخرت الدعوة أكثر من ثلاثة آلاف أو ألفين سنة.

أخذ الميثاق له صلى الله عليه وسلم من كل نبي ورسول

ثانياً: أخذ الميثاق له صلى الله عليه وسلم من كل نبي ورسول، فما أرسل الله رسولاً إلا أخذ عليه عهداً إذا بقي حياً وجاء محمد فيجب أن يؤمن به وأن يمشي وراءه، وجاء هذا في قول الله تعالى من سورة آل عمران: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81].

فكيف إذاً بالصعاليك من الناس لا يؤمنون به ولا ينصرونه؟! إن الأنبياء صفوة الخلق أُخذ عليهم العهد والميثاق أن يؤمنوا به صلى الله عليه وسلم وأن ينصروه.

بشارات الكتب السماوية

ثالثاً: بشارات الكتب الإلهية من التوراة والإنجيل والزبور، وقد تقدم لنا بشارة التوراة والإنجيل وما جاء فيهما.

والآن مع الزبور .

على من أنزل الزبور؟ أنزل على داود بن سليمان عليه السلام.

والزبور لا يتضمن أحكاماً، بل يتضمن قصصاً وأخباراً وتربية روحية، أما الأحكام فهي موجودة في التوراة.

[وجاء في الزبور:

ومن أجل هذا بارك الله عليك إلى الأبد] هذا الله يخاطب رسوله داود [فتقلد أيها الجبار بالسيف؛ لأن البهاء لوجهك، والحمد الغالب عليك. اركب كلمة الحق، وسمة التأله، فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك، وسهامك مسنونة، والأمم يخرون تحتك] هذا كلام الله لداود، والمقصود به وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذه صفات نبينا في الزبور:

قال: [من أجل هذا بارك الله عليك إلى الأبد] بارك على من؟ على محمد صلى الله عليه وسلم، إلى متى؟ إلى يوم القيامة، فكل الشرائع انقضت بعصورها وأزمنتها وقرونها وأممها إلا هذه الشريعة باقية إلى الأبد، وهذا دليل على خلود هذه الملة وبقائها ما بقيت الإنسانية.

قال: [فتقلد أيها الجبار] لأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ما كان مسكيناً ضعيفاً، بل حمل راية الجهاد من يوم أن قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ [التوبة:73]، وحسبك أن تعرف أنه خاض سبعة عشر غزوة بيديه ورجليه في مدة عشر سنوات، كانت النار فيها مشتعلة والرسول صلى الله عليه وسلم يقود الأمة إلى الجهاد. نعم، إنه جبار عظيم.

ثم قال: [فتقلد أيها الجبار بالسيف] أي: احمل السيف، قال صلى الله عليه وسلم: ( بعثت بين يدي الساعة بالسيف، وجعل رزقي تحت ظل سيفي )، هل قعد صلى الله عليه وسلم عن غزوة من الغزوات؟ ما قعد. حتى دانت الجزيرة كلها من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها بالإسلام، ومن ثَمَّ أدى مهمته وقبضه الله إليه ورفعه.

قال: [لأن البهاء] الجمال والحسن (جهك)، وهو كذلك، (والحمد الغالب عليك، اركب كلمة الحق) أي: الزمها، ولا تفارقها أبداً مهما كانت الدنيا، وهل يعدل الرسول عن الحق؟! اركبها ركوباً.

قال: [وسمة التأله] وهو التعبد. وكأنه راهب، وكأنه أبطل مخلوق في الأرض في الجهاد والقتال، ولهذا جيء الوصف لأصحابه بأنهم رهبان بالليل أسود بالنهار.

رهبان بالليل يبيتون يبكون بين يدي الله، ويعفرون وجوههم بالتراب والدموع تسيل على خدودهم، وفي النهار أسود، ليسوا بأولئك الذين كانوا يتململون في التراب راكعين ساجدين، فهم رهبان بالليل أسود بالنهار.

قال: [فإن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك] أي: وحيك وشرعك وما جئت به مقرون بهيبة يمينك، وإلى الآن إذا رفعت راية لا إله إلا الله وحملها الأسود وقادوها فإن القوة هي التي تخضع لهم غيرهم.

قال: [وسهامك مسنونة، والأمم يخرون تحتك] إي نعم، أين فارس والروم الدولتان العظميان؟! أيام بعثته كلتاهما خر تحت رجلي محمد صلى الله عليه وسلم.

هذه كلمات الله في الزبور في وصف النبي محمد صلى الله عليه وسلم، واليهود يقرءون هذا ويحرفونه كما حرف المسلمون كلام الله وكلام رسوله بحسب أهوائهم وأطماعهم وشهواتهم، فلا عجب أبداً.

بشارات بعض أنبياء بني إسرائيل بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم

قال: [رابعاً: قال أشعيا النبي عليه السلام] أشعيا هو نبي من أنبياء بني إسرائيل؛ لأن أنبياء بني إسرائيل قرابة العشرين ألفاً ليسوا بقليل [وُلد لنا غلام] أي: طفل [ يكون عجباً] متى قال أشعيا هذا؟ قبل ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مثل: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل:1]، وما زال هناك قروناً، ولكن لما كان الأمر مقطوعاً بوقوعه أخبر وأعلن عنه بصيغة الماضي.

[وبشراً، والشامة على كتفيه] والشامة هي علامة كالوشم الذي في الخد، والجهال يجعلونه في أيديهم أو في جباههم، هذه الشامة بين كتفيه شاهدة بأنه نبي الله ورسوله، وقد شاهدها المؤمنون وعرفها حتى المؤمنات من أزواجه صلى الله عليه وسلم.

[أركون السلام] والأركون معناه العظيم بلغة الإنجيل [وسلطانه سلطان السلم، يجلس على كرسي داود] لأن داود حكم وملك الشرق الأوسط بكامله ورسول الله كذلك جلس على كرسيه.

[وقال أيضاً] هذا أشعيا [قيل لي: قم ناظراً، فانظر ماذا ترى؟ قلت: أرى راكبين مقبلين، أحدهما على حمار، والآخر على جمل] هذا وحي أوحاه الله إلى أشعيا، هتف به هاتف سواء في المنام أو اليقظة؛ لأن رؤيا الأنبياء وحي. وهذه قاعدة محفوظة.

قال أشعيا: (قيل لي: قم)، بمعنى أنه كان جالساً أو نائماً (ناظراً، فانظر ماذا ترى، قلت: أرى راكبين مقبلين، أحدهما على حمار، والآخر على جمل) الذي على الحمار هو عيسى عليه السلام؛ لأن فلسطين ليس فيها جمال، وإنما الجمال في الصحراء، والعالم كله ما بين حمار وبغل إلا بلاد الصحارى يركبون فيها الجمال.

[ويقول أحدهما لصاحبه: سقطت أصنام بابل] وبابل هي أرض العراق، كانت أصنامها عدد الكواكب، فكلها وثنية [للبحر] أي: سقطت إلى البحر [إن الراكبين هما عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، وسقوط أصنام بابل كان على يد أمة محمد صلى الله عليه وسلم] وهذا حق فهل هناك من يكذب؟! إلا أحمق.

[وقال حزقيل عليه السلام] وهو أحد أنبياء بني إسرائيل [وهو يصف للناس أمة محمد صلى الله عليه وسلم] كان يصف لبني إسرائيل أمة محمد وهي ما وُجدت بعد ولا وجد نبيها، ولكن بوحي الله في كتابه وتنزيله به يعرفون.

لنسمع إلى حزقيل وهو يصف أمة محمد، أي: يصفنا نحن -والحمد لله- ماذا يقول؟

قال: [إن الله يظهرهم عليكم] أي: إن الله تعالى يظهر أمة محمد عليكم يا بني إسرائيل. وفعل أو لم يفعل؟ فعل. أظهر المسلمين على اليهود والنصارى [وباعث فيهم نبياً] وباعث في أولاد إسماعيل العدنانيين نبياً [ومنزل عليهم كتاباً] ضخماً عظيماً والتنكير للتفخيم، ألا وهو القرآن الكريم، هل هو كتاب عظيم أم لا؟! إنه عظيم، ومن شك نحن نقول له: تجتمع البشرية كلها على أن تأتي بسورة من مثل سوره، فهذا الكتاب حوى علوم الأولين والآخرين، والملكوت الأعلى والملكوت الأسفل، والغيوب التي ما وقعت ولم تقع إلا بعد آلاف السنين وفصلها تفصيلاً، فهل يقوى على هذا الكلام أحد؟!

قال: [ويملكهم رقابكم فيقهرونكم ويذلونكم بالحق] و(بالحق) هذه تزن الدنيا وما عليها، فنحن لا نذل ولا نملك رقاب البشر إلا بالحق، لأننا رسل ربهم؛ لإنقاذهم وهدايتهم وإسعادهم، فإن استجابوا دخلوا في رحمة الله وكملوا وسعدوا في الدنيا والآخرة، وإن لووا رءوسهم ورفضوا وأبوا إلا الشر والخبث والظلم والفساد أدبناهم، فنحن نذلهم حتى يذعنوا للحق ويستسلموا له.

آه لو كان الإسلام حاكماً وسائداً في الدنيا لما رأيت ظلماً، ولما شممت رائحة خبث، وعندما ساد الإسلام كان يمشي الرجل من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، وعندنا مثال صغير -وإن كان أكثر الناس لا يفهمون- والله لقد كنا نسكن في المدينة بلا أبواب، فكانت بيوتنا بلا أبواب، وكان بائعو الذهب -أبوابهم الآن من حديد- والله لا يضعون على الباب إلا خرقة بالية! ما سبب هذا؟ إنه تحكيم شريعة الله، والإذعان والخضوع لحكمه عز وجل.

إن عبد العزيز تغمده الله برحمته أقام هذه الدولة على أربعة أركان وضعها الله جل جلاله وعظم سلطانه، فهيا نندب حتى يسيل الدم من وجوهنا؛ ليستقل لنا نيف وأربعون دولة أو إقليماً -من إندونيسيا إلى موريتانيا- ما استطاع فيها شعب ولا حاكم أن يقيم دولته على هذه الأركان الأربعة، وكأننا لا نؤمن بالله ولا بكتابه ولا بلقائه، ثم نسأل ونقول: لِم أذلنا اليهود؟ لِم حصل لنا ما حصل؟ لو آخذنا الله بذنوبنا لمسخنا؛ لإعراضنا عن دينه وكتابه وشرعه.

لقد جاء الله بهذه الدولة على يد هذا الرجل لا لشيء، إلا لتقوم الحجة لله، ونقول للذين يكفرون بالقرآن ويسخرون بالسنة ويستهزئون بالتعاليم الإلهية: تعالوا نريكم الأمن والطهر والصفاء كيف تحقق على هذا المبدأ القرآني!

واستمعوا الآن إلى الأركان: يقول تعالى في سورة الحج: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] ماذا فعلوا؟ أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:41]، هل أقيمت الصلاة إجبارياً من إندونيسيا إلى موريتانيا؟ أسألكم بالله! أو أنكم لا تعرفون؟!

قال الله: وَآتَوُا الزَّكَاةَ [الحج:41] هل جبيت الزكاة رسمياً من الشعب المؤمن من إندونيسيا إلى الدار البيضاء؟ لا. أما الضرائب فنعم، فادحة، مثقلة، محطمة للأعناق والكهول. أما الزكاة لا، دعهم يزكون من أنفسهم، وكلامي هذا مسجل عند الله من أربعين سنة وزيادة، فمن يبلغ؟ ليس هناك بلاغ.

قال: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41] ماذا فعلوا؟ فتحوا أندية اللهو والباطل؟! لا. بل أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:41] وما معنى أقاموها؟ أي: إذا أذن المؤذن -في هذه المملكة قبلما تختلط وتصبح بهذه الصورة- لا يمكن أن تعود إلى بيتك بل تمشي رغم أنفك إلى المسجد ولو كنت على غير وضوء، حتى قيل: صلاة سعودية لا طهارة ولا نية. فإذا سئل أحدهم: هل صليت يا فلان؟ قال: صليت صلاة سعودية لا طهارة ولا نية؛ لأنه لم يكن متوضئاً ولا ناوياً الصلاة، ولكن الهيئة ألزمته فدخل المسجد وصلى حتى لا يألف الفرار والهرب.

قال: وَآتَوُا الزَّكَاةَ [الحج:41] وماذا فعلوا: وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] هل وجدت هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من إندونيسيا إلى موريتانيا؟ أليسوا بمؤمنين؟! أهم مسحورون؟! لا. لا يمكن أن يسحر شعب بكامله.

ثم نقول: كيف أذلتنا اليهود، ومزقت شملنا أوروبا وفعلت بنا ما فعلت؟ هل نحن في خير أم أننا نستحق بذنوبنا الخراب والدمار؛ لأننا عرفنا وأعرضنا؟!

إذاً: ومن يوم أن قامت هذه الدولة -وهي آية من آيات الله- والعرب والمسلمون والشياطين والدنيا كلها تريد إهباطها، وإلى هذه الدقيقة، يقولون: لمَ يبق هذا الوجود؟ وإذا قلنا هذا القول قالوا: هذا عميل! وهذا ذَنب! إنها لغة الهابطين.

تعالوا نتحداكم في العمالة، ما هي هذه العمالة، أتجحدون دين الله وتغطون ستر الله ونصره؟! خائفين من كلمة عمالة؟ أي عمالة هذه؟! لمَ لا نقوم غداً أو بعد غد ونسمع أن الإقليم الفلاني أو الدولة الفلانية عادت إلى الحق وأقامت الدولة على أركانها الأربعة، وأجبرت الشعب على الصلاة، المدني كالعسكري، الكل يقيمها.

إن إقام الصلاة يخفف من الزنا والعهر والباطل والشر والمنكر في المجتمع بنسبة خمسة وسبعين في المائة، هذا فقط إقام الصلاة.

عرفتم لماذا نغضب ونبكي؟ من حقنا أن نبكي حتى نموت، إلى متى ونحن مؤمنون غير مؤمنين؟ ومسلمون غير مسلمين؟ من ينقذ البشرية؟ إن ملايين اليابانيين والصينيين والأمريكان والأوروبيين سيذهبون إلى جهنم، فمن ينقذهم؟ من المسئول عنهم؟ إننا نحن الورثة، ولكنا أصبحنا بوضعية يقال عنها: إذا كان الإسلام كهؤلاء فلا نسلم، تجد فينا التلصص والإجرام والخيانة والخلق السيئ، فما الذي يدعوهم هؤلاء إلى الإسلام.

وقد أسلم فرنسي منذ زمن وكتب كتاباً، فقال: لو عرفت المسلمين قبل أن أعرف الإسلام ما قبلته ولا دخلت فيه، ولكن عرفت الإسلام من طريق الكتب فأعجبني وأسلمت، لكن لما دخلت بلاد العرب والمسلمين قلت: ما هو هذا الإسلام.

هل أنتم مقتنعون أن هذا هو الإسلام؟ هل يسمح الإسلام بثلاث وأربعين دويلة؟ هل يسمح لهم بالمقاطعة والعناد والحرب والتآمر على بعضهم البعض؟! أعوذ بالله.

وآيتنا أن أذلنا الله بأبناء عمنا اليهود، حفنة من اليهود عددهم خمسة ملايين أذلوا ألف مليون وأهانوهم وكسروا أنوفهم؛ علماؤهم وصلحاؤهم وأغنياؤهم، الكل راكع وساجد تحت سلطان اليهود، من فعل هذا اليهود؟ أعوذ بالله. وهل يقدرون على هذا؟! فعل هذا الله جل جلاله وعظم سلطانه، لعل المسلمين يفيقون من سكرتهم أو ينهضون من كبوتهم ويقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله. ولكن ما زال النوم مخيماً، فلا تقولوا كيف هذا؟!

إذاً: [قال حزقيل عليه السلام وهو يصف للناس أمة محمد صلى الله عليه وسلم: إن الله يظهرهم عليكم، وباعث فيهم نبياً، ومنزل عليه كتاباً، ويملكهم رقابكم فيقهرونكم ويذلونكم بالحق]. هذا الجار والمجرور (بالحق) يزن الدنيا وما فيها، فالإسلام لا يذل آدمياً ولا يهينه بالباطل، وإنما بالحق.

[ويخرج رجال من بني قيذار في جماعات الشعوب ومعهم ملائكة على خيل بيض متسلحين فيحيطون، وتكون عاقبتكم إلى النار] وبنو قيذار هم ربيعة ومضر من ولد إسماعيل، وكانت الملائكة معهم على خيول -والله العظيم- وشاهدوهم في بدر، وصدق حزقيل عليه ألف سلام وسلام.

قال: [وقال دانيال عليه السلام] ودانيال من أنبياء بني إسرائيل أيضاً وله كلام طويل:[فظهر لي الملك في صورة شاب حسن الوجه] هو يحدث بني إسرائيل بالذي شاهد في منامه أو في يقظته، والأنبياء منامهم وحي، فلنستمع إلى كلماته الطيبة، ونحن قد عرفنا عن دانيال -سابقاً- خط الرمل والسحر، وتعرفون خط الرمل والتدجيل الذي عندنا، قالوا: إنهم أخذوه عن دانيال، وحاشا دانيال أن يسحر ويدجل.

قال: [فقال: السلام عليكم يا دانيال] الله أكبر! هنيئاً له أو لا! نحن يسلم علينا ملك في النوم فقط، كيف نستطيع نحيا من الحب والولاء، [إن الله يقول] هذا جبريل يتكلم [إن بني إسرائيل أغضبوني] الله أكبر! وأمة محمد -في الجملة- من إندونيسيا إلى موريتانيا أغضبوا ربنا إلا من رحم الله، أيعاكسون ويعاندون ويتمردون على شرعه ولا يغضب؟! وعندنا أحاديث تدل على غضب الله في أدنى مسألة وجزئية، وليس الإعراض الكامل عنه.

قال: [وتمردوا علي، وعبدوا من دوني آلهة أخرى] ونحن عبدنا سيدي عبد القادر ، وسيدي مبروك ، وسيدي خالد ، وسيدي البدوي ، وسيدي رسول الله، وفاطمة ، والحسين ، وما تركنا شيئاً إلا وعبدناه، هذا في الجملة، ولا تقولوا: إن كل الأمة هكذا، لكن هذا الظاهر، فالزرد والمواسم والحفلات والذبائح والنذور ملأت الدنيا، وما زال هذا واقعاً في كثير من ديارنا.

قال: [وصاروا من بعد العلم إلى الجهل] سبحان الله! هؤلاء كأنهم نحن، فهذا دانيال يتكلم عن بني إسرائيل وإذا بالواقع ينتقل إلينا، فنحن صرنا من بعد العلم إلى الجهل، وليس من الآن فقط، ولكن من قبل ألف سنة ونحن هابطون.

قال: [ومن بعد الصدق إلى الكذب] كل صحفكم -يا قوم- ومجلاتكم مملوءة بالكذب على ألسنتكم، أما الكذب الشائع بيننا فادخل إلى السوق وماشي فلان أو اجلس مع فلان واسمعه، تجد أن نسبة الصدق فينا واحد إلى خمسين، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً )، ورغم هذا الإصلاح والحركة لا تزيد نسبة الصدق على خمسين في المائة، ولكم أن تجربوا ذلك، وقد عرفناه.

قال: [فسلطت عليهم بختنصر، فقتل رجالهم وسبى ذرياتهم، وهدم بيت مقدسهم وحرق كتبهم] ونحن ماذا فعل الله بنا؟ سلط علينا بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وهولندا فأذلونا، ومزقونا، وشردونا، أو ليس هذا بصحيح؟! لو كنا ربانيين أولياء لله صالحين فهل يسلط علينا الكفار ليحكموننا؟ هل يمكن هذا؟! مستحيل! قال الله عز وجل: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141] أي: أهل الإيمان الحق الذين ينطبق عليهم وصف الإيمان.

قال: [وكذلك فعل من بعده بهم] من الروم [وأنا غير راض عنهم] عمن؟ عن شعب الله المختار، عن بني إسرائيل أولاد الأنبياء وأحفاد المرسلين، لم لا يرضى الله عنهم ويسخط عليهم؟ لأنهم أحلوا الحرام وعطلوا الأحكام، وانجروا وراء الشهوات كما هو واقع المسلمين اليوم، يقول الله عز وجل: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ [النساء:160-161] هذا فيهم وقد لبسنا نحن ثيابهم.

قال: [ولا مُقيلهم عثراتهم] لأنهم أعرضوا عنا وتركونا فنتركهم [فلا يزالون مغلوبين، عليهم الذلة والمسكنة] ذاك الذل والهون والدون الذي كان في بني إسرائيل ما إن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وآمن به من آمن منهم ودخل تحت رايته أصبح بذلك أعز أهل الأرض وأسماهم وأطهرهم.

قال: [حتى أبعث فيهم نبياً من بني إسماعيل] أي: العرب العدنانيون إلى قريش وبني هاشم.

قال: [الذي بشرت به هاجر] وهي أم إسماعيل، بشرت بمن؟ بمحمد صلى الله عليه وسلم [وأرسلت إليها ملاكي فبشرّها. وأوحي إلى ذلك النبي وأعلمه الأسماء وأزينه بالتقوى] ليس بالملابس والعطر والصابون وإنما بالتقوى [وأجعل البر شعاره] والبر هو الخير، فيكون علامة تميزه [والتقوى ضميره، والصدق قوله، والوفاء طبيعته، والقصد سيرته، والرشد سنته، أخصه بكتاب مصدق لما بين يديه، وناسخ لبعض ما فيها، أُسري به إلي من سماء إلى سماء حتى يعلق فأدنيه، وأسلم عليه، وأوحي إليه، ثم أرده إلى عبادي بالسرور والغبطة] وهذا كان درسنا بالأمس.

قال: [حافظاً لما استودع، صادعاً بما أمر] فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ [الحجر:94] [يدعو إلى توحيدي باللين من القول، والموعظة الحسنة، لا فظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، رءوف بمن والاه، رحيم بمن آمن به، خشن على من عاداه] لين ولكن على من عاداه خشن، واقرءوا قول الله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح:29].

قال: [فيدعو قومه إلى توحيدي وعبادتي] إذ جاء بكلمة لا إله إلا الله [ويخبرهم بما رأى من آياتي فيكذبونه ويؤذونه] الله أكبر! عليك ألف سلام يا دانيال، فقد أشبعنا هذه الليلة، نسأل الله أن يجمعنا به في دار السلام، ونذكر هذه الجلسة.

شهادات أهل الكتاب بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم

قال: [شهادات أهل الكتاب] اليهود والنصارى يشهد علماؤهم بأن هذا رسول الله، وأن هذا دين الحق، وأن هذه هي أمة العز والكمال، فشهادة أهل الكتاب أي: شهادة علماؤهم ورجال الفضل فيهم.

قال: [قال بعض أهل المدينة ممن أنعم الله عليهم بنعمة الإسلام فأسلموا لله ظاهراً وباطناً] كـعبد الله بن سلام ، ماذا قالوا؟ [إن مما دعانا إلى الإسلام -مع رحمة الله وهداه لنا- أن كنا نسمع من رجال يهود؛ إذ كنا أهل شرك وأصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس عندنا] إذاً هذا قول المشركين من العرب، لما دخلوا في الإسلام وهذه شهادتهم. قالوا: [وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور -أي: حروب- فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون] بالسب أو الضرب أو الشتم أو أخذ المال [قالوا لنا: إنه قد تقارب زمان نبي يبعث فنقتلكم معه قتل عاد وإرم، فكنا كثيراً ما نسمع ذلك منهم، فلما بعث الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أجبناه حين دعانا إلى الله، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به، فبادرناهم إليه فآمنا، وكفروا به وكذبوه، وفيهم نزلت هذه الآيات من البقرة: وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة:89].

وقال ابن الهيبان اليهودي -عند موته بالمدينة وقد جاء من الشام-: يا معشر يهود! ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخبز إلى أرض البؤس والجوع؟] وأرض الخمر والخبز هي الشام، وأرض الجوع والفقر هي الجزيرة العربية. قال: [فقالوا له: أنت أعلم. فقال: إني قدمت هذه البلدة أتوقع خروج نبي قد أظل زمانه، هذه البلدة مهاجره، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه، إنه قد أظلكم زمانه فلا تُسبقُن إليه يا معشر يهود!!] أي: عجلوا وادخلوا في الإسلام، هذا ابن الهيبان جاء من الشام إلى المدينة وقال: يا يهود! لم جئت من بلاد الخبز واللحم والخنزير إلى بلد الجوع؟ فقالوا: أنت أعرف. فعلمهم أن نبياً قد أظل زمانه، وأن عليهم أن يؤمنوا به حتى يسعدوا ويكملوا ثم مات.

قال: [وقال صاحب عمّورية -وكان على دين المسيح- لـسلمان الفارسي وقد تنقّل إليه من رجل دين إلى آخر حتى انتهى إليه بوصية وُصي بها، وقد حضره الموت قال له: والله ما أعلم أنه أصبح اليوم أحد من الناس على مثل ما عليه هؤلاء -الرهبان الذين تنقل بينهم سلمان - آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظل زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم عليه السلام، يخرج بأرض العرب، مهاجره إلى أرض بين حرتين بينهما نخل -إنها المدينة ورب الكعبة- به علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق به بتلك البلاد فافعل].

وسلمان الفارسي كان والده مُوقد نار المجوسية في بلاد إيران -في الفرس- ولكن سمع بعض الكلام من أفواه الناس بأن نبياً قد أظل زمانه، فأخذ يتنقل من بلد إلى بلد حتى وصل المدينة في خلال عشرين سنة تقريباً، وبيع عبداً مرتين.

وعلى كل حال للحديث بقية، والله تعالى أسأل أن يزيدنا يقيناً في إيماننا واتباعاً لنبينا وحباً له صلى الله عليه وسلم، وصل اللهم عليه وسلم تسليماً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , هذا الحبيب يا محب 10 للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net