إسلام ويب

إن من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال في المدينة أكثرهم على الإيمان والتقوى واليقين، لكن قلة قليلة لم ينفذ نور الإيمان إلى صدورهم، ولم تتخلل هداية آيات الله عقولهم، فما إن يسمعوا الآيات حتى يسخروا منها، وما إن يلامس أسماعهم الذكر حتى يهزءوا به، أفسد عليهم النفاق حالهم، وجعل النار وسعيرها مآلهم.

تفسير قوله تعالى: (ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفاً ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

وها نحن مع سورة محمد صلى الله عليه وسلم المدنية، ومع هذه الآيات، فلنصغ مستمعين تلاوتها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ * وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ * فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ * فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:16-19].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ [محمد:16] من هو هذا الذي يستمعون إليه؟ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يخبر بهذا الخبر هو الله منزل الكتاب، يقول تعالى: (ومنهم) أي: ومن المنافقين الذين بالمدينة، ويحضرون حلق الرسول صلى الله عليه وسلم، ويصلون معه، ولكنهم مؤمنون بألسنتهم كافرون بقلوبهم، ومنهم عبد الله بن أبي ابن سلول وفلان وفلان، منهم من يستمع إليك في درسك، في خطبة الجمعة، ثم إذا خرجوا من عندك حيث انتهت خطبة الجمعة وخرج الناس من المسجد يقولون لبعض المؤمنين من العالمين كـابن عباس وعبد الله بن مسعود ، يقولون لهم: مَاذَا قَالَ آنِفًا [محمد:16]؟ هذا كلام المنافقين، خبثاء، بدل أن يقولوا: ما قال رسول الله؟ أو: ما فهمنا ما قال نبي الله، بينوا لنا وعلمونا، يقولون: ماذا قال آنفاً؟ استهزاء وسخرية، والله! لقد قالوا هذا، فاسمع خبر الله تعالى عنهم.

قال تعالى: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ [محمد:16] لكثرة الكفر والفسوق والفجور والظلم والشر ختم الله على قلوبهم فما يدخلها النور أبداً ولا يسمعون كلام الله، وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ [محمد:16]، فهنا علتان: العلة الأولى التي حملتهم على أن يهزءوا ويسخروا ويستهزئوا هو أن قلوبهم مختوم عليها ما يدخلها نور الله.

والعلة الثانية: اتباعهم للشهوات والأهواء، ما يتبعون عقولهم أبداً، إلا ما تمليه أهواؤهم وشهواتهم.

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ [محمد:16]، معشر المؤمنين والمؤمنات! نبرأ إلى الله أن يطبع على قلوبنا، فهيا بنا نعبد الله ليلاً ونهاراً ولا نعصيه، ومن زلت قدمه فليبادر إلى استغفار ربه يسأل التوبة من الله ليتوب عليه حتى لا تتراكم الذنوب ويختم على القلب والعياذ بالله.

وأما الهوى فلا قيمة له عندنا، نحن نتبع ما أمر الله به، ما قاله الله، ما أخبر به رسول الله، أما أن نتبع هوانا ونخالف ما جاء به رسول الله فهذا لن يكون أبداً، أما أولئك المنافقون فاتبعوا أهواءهم والعياذ بالله.

هذا خبر أول أعيد تلاوته: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا [محمد:16]، ماذا قال تعالى فيهم؟

قال: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ [محمد:16] والعياذ بالله تعالى.

تفسير قوله تعالى: (والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم)

ثم قال تعالى في خبر عظيم آخر: وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ [محمد:17] الصنف الأول صنف المنافقين، والصنف الثاني صنف المؤمنين الموحدين.

والذين اهتدوا إلى صراط الله وإسلامه وعبدوا الله زادهم هدى فوق هداهم، وأعطاهم تقوى الله عز وجل، يسرها لهم، أعانهم عليها، وفقهم لها فهم يعيشون أتقياء بررة صالحين من فضل الله عليهم، فمن هؤلاء؟ الذين آمنوا بقلوبهم وألسنتهم وجوارحهم، وأطاعوا الله وأطاعوا رسوله صلى الله عليه وسلم، فاللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارض عنا كما رضيت عنهم.

تفسير قوله تعالى: (فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها ...)

ثم قال تعالى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد:18] هذا يتلاءم مع مشركي مكة، ولكن له لفظ عام، ولا بأس أن تنزل هذه الآية في مكة وتوضع في سورة مدنية.

فالمنافقون المكذبون بالبعث والدار الآخرة ماذا يقول تعالى عنهم؟

يقول تعالى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ [محمد:18]، هؤلاء المشركون الكافرون الفاجرون عبدة الهوى المطبوع على قلوبهم من كبار المنافقين ما ينظرون إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً [محمد:18]، أهذا الذي ينتظرونه؟

فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد:18] والمراد من الساعة ساعة نهاية هذه الحياة الدنيا، والإقبال على الحياة الآخرة، أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً [محمد:18] أي: فجأة.

ذكر بعض أشراط الساعة التي وقعت

قال تعالى: فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا [محمد:18] ومن أشراطها التي جاءت: الدخان الذي أصاب مشركي مكة وما حولها فأجدبوا وقحطوا سنوات حتى كانوا يرون في السماء دخاناً، آية من آيات الله.

ثانياً: انفلاق القمر وانشقاقه على جبل أبي قبيس، فانقسم القمر قسمين، قال تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ [القمر:1] أية آية أعظم من هذه؟

ثالثاً: بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم آية آخر الزمان؛ لأنه آخر الأنبياء، ولا نبي ولا رسول بعده، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( بعثت أنا والساعة كهاتين ) السبابة والوسطى، والآن كم مضى؟ ألف وأربعمائة سنة، وعما قريب تتجلى الحقيقة للناس، وهناك أشراط صغرى وكبرى، أما أشراطها الكبرى فعشرة ما ظهر منها شيء، فإذا ظهر شرط تتابعت واحداً بعد واحد.

هكذا يقول تعالى يلومهم ويعتب عليهم ويؤنبهم: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً [محمد:18] وبعد ذلك يسلمون ويوحدون ويتوبون؟ ماذا ينفعهم؟ فضلاً عن الساعة الكبرى، فإذا غرغرت وحشرجت النفس فهل يقبل من العبد أن يتوب؟ والله! لا يقبل ذلك.

معنى قوله تعالى: (فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم)

(( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ))[محمد:18]، كيف يذكرون إذا جاءت؟ كيف يتوبون؟ كيف يعبدون؟ انتهت العبادة والعمل وجاء الجزاء، (( فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ))[محمد:18] ما ينفعهم أن يذكروا أو يتوبوا أو يعلنوا عن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، والله! ما يجديهم.وهكذا الإنسان منا إذا غرغرت الروح في حنجرته لا تقبل له توبة أبداً، ولو قال: تبت يا رب، أنا من التائبين، آمنت فما يجديه ذلك ولا ينفعه، واقرءوا قول الله تعالى: (( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ))[النساء:17-18] هذه ساعة الموت، وساعة يوم القيامة من باب أولى.(( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً ))[محمد:18] أي: فجأة، (( فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ))[محمد:18] عرفنا ثلاثة منها: أولاً: انشقاق القمر: (( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ))[القمر:1]. ثانياً: البعثة النبوية، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( بعثت أنا والساعة كهاتين ). ثالثاً: الدخان الذي أصاب أهل مكة.

تفسير قوله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ...)

ثم قال تعالى مخاطباً رسوله والناس أجمعين: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19]، يجب على كل إنسان أن يعلم أنه لا إله إلا الله، وكيف يعلم أنه لا إله إلا الله؟

يجب أن يعلم بالسؤال، بالبحث، بالتدبر، بالتأمل، بالتفكر حتى يعرف أنه لا إله إلا الله، والطريق إلى ذلك -معشر المستمعين والمستمعات- هو أولاً: أن تذكر أنك مخلوق، ومن يقول: أنا لست بمخلوق، فذلك مجنون لا عقل له، فهل يوجد من يقول: أنا لست بمخلوق؟ انظر إلى هذه الحيوانات حولك فقط، هل هي مخلوقة أو لا؟ فإن كانت مخلوقة فهل لها خالق أو لا؟ وهل يوجد مخلوق بلا خالق؟

إن كأساً فيه شاي أو حليب والله! لا يوجد إلا بموجده، فكيف بهذه الحيوانات؟ انظر إلى السماء وما فيها من الكواكب والشمس والقمر، من أوجدها؟ ومن قال: لا، ما هي بموجودة فهذا مجنون لا عقل له، ما هو بعاقل أبداً، إذاً: هي موجودة ولها موجد، ومستحيل ألا يكون لها موجد.

إذاً: فالمخلوقات كلها لها خالق، ألا وهو الله، واسمه الأعظم: الله، هذه المخلوقات مخلوقة مرزوقة حياتها مدبرة، أليس كذلك؟ فهل يصلح أن يكون منها شيء إلهاً؟ مستحيل؛ إذ هي مخلوقات مربوبات، والله دبرها وأوجدها، فهل يوجد بينها إله؟ والله! لا يوجد ومستحيل، ومن ثم تعلم أنه لا معبود إلا الله، فلا إله إلا الله أي: لا معبود يستحق العبادة إلا الله.

يقول تعالى: فَاعْلَمْ [محمد:19] ماذا نعلم؟ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19] كيف نعلم؟

نقول: هذه الكائنات كلها مخلوقة مربوبة، لا يمكن أن يوجد فيها إله أبداً، فخالقها ومدبر أمرها هو الله، إذاً: هو الإله الحق، فلا إله إلا الله، والله! لا إله إلا الله، ومئات الآلهة المعبودة كلها آلهة باطلة، أصنام، وتماثيل، شمس، قمر، شياطين، عيسى، مريم؛ هؤلاء يؤلهونهم ووالله! ما هم بآلهة؛ إذ لا إله إلا الخالق الرازق المدبر ألا وهو الله، فلا إله إلا الله.

وبذلك علمنا أنه لا إله إلا الله، علمنا يقيناً أنه لا إله يستحق أن يؤله في هذه الأكوان إلا واحد ألا وهو الله، فقلنا: نشهد أن لا إله إلا الله.

معنى قوله تعالى: (واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات)

ثم يقول تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19] هذه موعظة؛ فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب منه أن يستغفر لذنوبه، ولا بأس أن تقول: ما كان منه قبل البعثة، قبل تنبئته وإرساله، قد يكون قارف شيئاً، ولكن من باب إياك أعني واسمعي يا جارة، أي: وأنتم استغفروا لذنوبكم وللمؤمنين والمؤمنات.

ومع هذا -والله- كان في المجلس الواحد يقول: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم سبعين مرة، وقال: ( إنه ليغان على قلبي ) وفي الحقيقة هو نور، ( إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة ).

إذاً: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19] ونحن مأمورون بهذا أو لا؟ نحن المقصودون، نحن المعنيون بهذا: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19] لا تستغفر لذنبك فقط، بل واستغفر للمؤمنين والمؤمنات.

فهنا ورد نذكره كل يوم فخذوه ولا تتركوه، فعندما تأوي إلى فراشك في الليل قل: أستغفر الله لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات.. أستغفر الله لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات.. أستغفر الله لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات، بيديك تعدها مائة مرة، تستغفر لك ولوالديك وللمؤمنين والمؤمنات، وتكون قد امتثلت هذا الأمر الإلهي: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19].

ولا تستغرق عشر دقائق ولا سبع دقائق: أستغفر الله لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات.. أستغفر الله لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات.. أستغفر الله لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات، بدون جهر وأنت على فراشك، وتكون قد امتثلت هذا الأمر الإلهي: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19].

معنى قوله تعالى: (والله يعلم متقلبكم ومثواكم)

ثم قال تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:19]، والله جل جلاله وعظم سلطانه يعلم متقلبكم في أعمالكم في المزارع والبساتين والمصانع والمتاجر، والأكل والشرب، ويعلم مثواكم على فرشكم، فهو معكم أينما كنتم.

إذاً: فأنتم تحت رقابة كاملة، إذاً: فراقبوا الله عز وجل، فإياكم أن تعصوه، إياكم أن تخرجوا عن طاعته بأية معصية، إنكم مراقبون: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:19].

ويعلم متقلبنا في الدنيا ومثوانا في القبر أيضاً، ويعلم متقلبنا في الدنيا ومثوانا يوم القيامة إما في الجنة وإما في النار. فاللفظ هنا عام، لكن التفسير الأول يتلاءم مع الموعظة، إذا علمت أنك مراقب في كل أعمالك، في متجرك، في بستانك، في مكانك، وأنك مراقب عندما تأوي إلى فراشك، في هذه الحال لا تعصي الله عز وجل، ما تقوى على الخروج عن طاعته.

وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ [محمد:19] مكان النزول والسكون والاستقرار والإيواء.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

والآن مع هداية الآيات.

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

[ هداية الآيات:

من هداية الآيات:

أولاً: من الجائز أن تكون السورة مكية وبها آية أو أكثر مدنية ].

هنا لطيفة علمية، قال: من الجائز أن تكون السورة مدنية وفيها آية مكية، أو تكون السورة مكية وفيها آية مدنية ولا حرج؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تنقل ما بين مكة والمدينة.

[ ثانياً: التحذير من اتباع الهوى؛ فإنه يعمي ويصم والعياذ بالله ]، يجعل صاحبه لا يسمع ولا يبصر أبداً، ما يسمع نداء ولا قولاً ولا وعظاً، ولا يشاهد آية من آيات الله في الدنيا، ويستمر على الفسق والفجور.

[ ثالثاً: بيان أن لقيام الساعة أشراطاً، أي: علامات تظهر قبلها فتدل على قربها ].

من هداية هذه الآيات: أن للساعة أشراطاً لا تقوم إلا بعد أن تقع تلك الأشراط ولا بد، وقد ذكرت لكم أن عشراً منها ما بدأت بعد، وإذا بدأت واحدة منها تتابعت وقامت القيامة، أما أشراط الساعة الصغرى فموجودة، وبينا منها ثلاثة أشراط.

قال المؤلف في الهامش: [ في صحيح مسلم عن حذيفة قال: ( كنا نتذاكر الساعة إذ أشرف علينا رسول الله صلى عليه وسلم فقال: بم تتذاكرون؟ قلنا: نتذاكر الساعة. قال: إنها لا تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات ) ].

أي: لا تقوم الساعة حتى تروا قبلها عشر آيات واحدة بعد واحدة.

قال: [ ( الدخان، ودابة الأرض، وخسفاً بالمشرق، وخسفاً بالمغرب، وخسفاً بجزيرة العرب، والدجال، وطلوع الشمس من مغربها، ويأجوج ومأجوج، ونزول عيسى، وناراً تخرج من عدن ) ].

والنار تخرج من عدن تسوق الناس إلى المحشر إلى فلسطين، هذه الأشراط العشرة يبدو أن أول شرط منها أن تطلع الشمس من مغربها، لماذا؟ لأنها إذا طلعت من المغرب ذابت القلوب، وعرفوا، ومن ثم لا تقبل توبة إلا لمن كان تائباً، فإذا ظهرت هذه العلامات فالمؤمن مؤمن والكافر كافر، البر بر والفاجر فاجر؛ لأن معناها أنه اقتربت الساعة، والله تعالى يقول: هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158].

فإذا طلعت الشمس من مغربها فمعناه أن الفلك ارتج وخرب، ما واصلت الشمس دورتها، وذلك إيذان بخراب العالم.

[ رابعاً: وجوب العلم بأنه لا إله إلا الله، وذلك يتم على الطريقة التالية:

الاعتراف بأن الإنسان مخلوق كسائر المخلوقات حوله، وكل مخلوق لا بد له من خالق، فمن خالق الإنسان والكون إذاً؟

والجواب قطعاً: الله. فما دام الله هو الخالق فمن عداه مخلوق مفتقر إلى الله خالقه في حفظ حياته، ومن يؤله ويعبد إذاً: الخالق أم المخلوق؟

والجواب: الخالق. إذاً: تعين أنه لا معبود إلا الله وهو معنى لا إله إلا الله، ولما كانت العبادة لا تُعرف إلا بالوحي وجب الإيمان برسول الله، فكان لا بد من زيادة (محمد رسول الله)، فنقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله ].

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة محمد (5) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net