إسلام ويب

لقد أنعم الله عز وجل على عباده بوافر النعم، فأنزل لهم من السماء ماءً مباركاً فأنبت به من كل الثمرات، وخلق لهم الأنعام مختلفات، ولم يطلب منهم مقابل ذلك كله إلا أن ينصرفوا إلى عبادته، ويعمروا أيامهم بذكره وطاعته، ووعدهم إن هم فعلوا ذلك أن يجزل لهم الثواب ويسكنهم جنته، ويزيدهم من فضله وكرامته.

تفسير قوله تعالى: (ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه...)

الحمد لله نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

ها نحن الليلة مع سورة فاطر المكية، فهيا بنا نصغي مستمعين تلاوة هذه الآيات مجودة مرتلة، ثم نتدارسها إن شاء الله، والله نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

بسم الله الرحمن الرحيم: وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ * إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:28-30].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! تتجلى في هذه الآيات مظاهر قدرة الله سبحانه وتعالى، وعلمه وحكمته وعزته، فتتجلى هذه المظاهر -أولاً- في وجود الله الخالق العليم الحكيم، وتتجلى في ذلك مظاهر قدرته وعلمه وحكمته وحلمه، ورأفته ورحمته وصفات الجلال والكمال له عز وجل، فقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ [فاطر:27] أي: يا رسولنا: أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً [فاطر:27] ألا وهو ماء المطر، فهل الذي أنزله الأنبياء أم الأولياء؟ أم الفجرة الكفرة؟ أو السحرة الدجالون الكذابون؟ أم الأصنام والأوثان؟ أم الأهواء والشهوات؟ ألسنا نشاهده ينزل يومياً في العالم؟ ونسأل من أنزله؟!

نقول: أنزله الله سبحانه وتعالى، والله هو اسم الذات العلية، فهيا نتعرف عليه، وعن أسمائه وصفاته؛ حتى نعرفه فنخشاه ونحبه عز وجل.

بيان مظاهر القدرة والعلم الإلهي في اختلاف الألوان والطباع والذوات

قال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا [فاطر:27] (فأخرجنا) أي: نحن رب العزة والجلال والكمال، فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا [فاطر:27]، فكما عرفنا التمر فيه الأبيض والأسود والأصفر والأحمر، فكذلك التفاح والتين والعنب، وكل الثمرات مختلفة ألوانها، وحتى الجبال فيها طرق بيضاء وحمراء وسوداء، وهذا كله من خلق وصنع الله عز وجل، فكيف يُكفر بالله، وكيف يُجحد ويكذب به؟!

وقال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ [فاطر:28]، أي: ومن الناس أيضاً -فضلاً عن الجبال والثمار- مختلفة ألوانهم، فهذا أبيض وهذا أصفر، وهذا أحمر وهذا أسود، ولا تسأل عن طوله وقصره، وكذلك الدواب كالحمر والبغال والحمير، أيضاً مختلفة ألوانها، فهذه لونها أبيض وهذه لونها أسود... وغيرها، وهذا أيضاً كله من خلق وصنع الله سبحانه وتعالى.

وكذلك الأنعام كالإبل والبقر والغنم مختلفة ألوانها أيضاً، فالغنم فيها الأبيض والأسود والأحمر.. وهكذا، وهذا كله من خلق الله وصنيعه، فلنقل: آمنا بالله وكفرنا بالطواغيت، والشهوات والأهواء، والأصنام والأحجار، وما يعبده المبطلون وما يتقرب إليه الهالكون.

بيان انحصار خشية الله في العالمين به

ثم قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] أي: الذين استعملوا أفكارهم وعقولهم وأذهانهم، فنظروا في هذا الكون ووجدوا فيه عجائب المخلوقات، وآمنوا بأن الله هو الخالق، وأنه ذو علم فأحاط بكل شيء، وأنه ذو قدرة لا يعجزه شيء، وأنه ذو حكمة لا يخرج منها شيء، فأحبوا الله وأعلنوا عن إيمانهم به، وخافوه وخشوه؛ لأنهم علموا، أما الجهلة الضلال العميان الذين لا يفكرون ولا ينظرون في الكون، ولا يفكرون حتى في ذرة من أوجدها أنى لهم أن يخشوا الله عز وجل ويخشاهم الله؟!

فخشية الله محصورة في العلماء العالمون به، العارفون بأسمائه وصفاته، والعالمون بوعيده لأردائه ووعده لأوليائه.. هؤلاء هم الذين يخشون الله، أما الجهلة فلا يخشون الله ولا يخافونه، قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، أي: العلماء فقط من عباده.

فهيا نعلم.. وكيف نعلم ونحن في المقاهي والملاهي، وتمضي الأيام والأعوام ولا نجتمع ليلة واحدة على آية من كتاب الله؛ لنتفكر فيها ونتدبر؟

وكيف نعلم ونحن نعيش في الحر والبرد والظلام والضياء، ولا نقول: من أوجد هذا وكيف أوجده؟ فلا نسأل عنه، حتى يقال لنا: إنه الله عز وجل، ومن كانت هذه حاله لا يسأل ولا يتعلم، فلن يخشى الله، ولكن سيعصيه ويخرج عن صراطه.

ولهذا يجب أن نعلم بالله فنعرف أسماءه وصفاته؛ صفات الجلال والكمال، القدرة والحكمة، العظمة والجلال، حتى ينتج ذلك لنا حبه في قلوبنا وخشيته والخوف منه في نفوسنا.

إنما يخشى الله تعالى ويخافه فيعبده ويطيعه ولا يعصيه هم العلماء، أما الجاهلون فهم عميان صم بكم لا يعقلون، وهذا العلم ليس معناه أنك تدرس في كلية أربعين سنة، ولا تتنقل من عالم إلى عالم، وتقرأ كتاب الله وتتدبر آياته، وتسأل أهل العلم عن ذلك، وتجلس مجالس الذكر والقرآن فتتعلم وتصبح عالماً.

يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( إن فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، ثم تلا قوله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] ). فهيا نتعلم لنصبح علماء، فمن سينزل معنا في هذا المجلس كل ليلة، ويتعلم والله! ليصبحن عالماً -ولو كان لا يقرأ ولا يكتب-، عارفاً بالله وبمحابه ومساخطه، وبعبادته وطاعته، ويحب الله ويخشاه، ومن أعرض عن مجالس العلم والذكر أنى له أن يتعلم ويهتدي؟!

أما طلب العلم في المدارس لأجل الوظيفة عاقبته أسوأ ما تكون -وأنتم تعلمون هذا-، فالعلم يجب أن يُطلب من أجل أن نعرف الله معرفة حقيقية، فنعرف وعوده لأوليائه ومواعيده لعباده الكافرين به، حتى ينتج لنا ذلك الخشية في قلوبنا، فنصبح والله! لا نستطيع أن نعصيه.

إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، ( إن فضل العالم على العابد ) أي: العابد الجاهل، ( كفضلي على أدناكم ) أي: كفضل رسول الله على الناس.

وهنا أعيد القول وأكرره، والملائكة يكتبون وسوف تجدون هذا يوم القيامة، وهو ما قلته آلاف المرات: لا طريق إلى معرفة الله ومعرفة محابه ومكارهه، وكيف نعبده ونتقرب إليه إلا من طريق واحد، سلكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه في تلك الروضة يتعلمون الكتاب والحكمة ويزكيهم، قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]، فلهذا إذا أردنا أن نكمل ونسعد ونصبح أولياء الله العارفين به وجب على أهل الحي في المدينة أنه إذا دقت الساعة السادسة مساء أغلقوا أبواب العمل وتوضئوا وتطهروا، وجاءوا بنسائهم وأطفالهم إلى بيت ربهم، وكذلك أهل القرى إذا دقت الساعة السادسة توضئوا وجاءوا بنسائهم وأطفالهم في مسجدهم الجامع يصلون المغرب، ثم يجلسون بين يدي عالم بالكتاب والسنة، فليلة يتدارسون آية من كتاب الله، ويقرأها ويرددها فيتابعونه فيحفظ الجميع الآية، ثم يشرحها لهم ويبين المطلوب منها، ويضع أيديهم على ذلك، فسيخرجون من المسجد وهم حافظون للآية عالمون بما فيها، وكلهم استعداد للعمل بما فيها، وفي الليلة الثانية حديث من أحاديث المصطفى الصحاح، يتلوه ويردده فيحفظونه، ثم يشرحه لهم ويعودون به إلى بيوتهم، ويستمرون هكذا طول العام، فوالله! لن يبقى جاهل ولا جاهلة، فإذا انتفى الجهل وحل العلم لن يبقى بينهم فاسق أو فاجر أو زانٍ أو لص، وأما بدون العلم.. فالزنا، والربا، والفجور، والكذب، والخيانة، والغش، والخداع، وسفك الدماء، و.. و..، فالعالم خم بهذا الفساد الذي سببه الجهل بالله وبمحابه ومعارفه.

فإلى الآن ما بلغنا أن أهل قرية اجتمعوا على الكتاب والسنة، وقلت قديماً: لو بلغني أن أهل قرية اجتمعوا بنسائهم وأطفالهم في جامعهم طول العام والله! لحججناهم وزرنا ديارهم؛ لنشاهد ذلك الخير، وأعطيناهم جائزة ثلاثين ألف ليرة في باكستان، ولكن ما حصل هذا لا في العرب ولا في العجم-، فكيف سنصبح علماء؟!

وإذا لم نصبح علماء، فكيف سنخاف الله ونخشاه ونحبه، وإذا لم نخش الله ونحبه هيهات هيهات أن نطيعه، فلا طاعة أبداً مع عدم الخشية والحب.

وصف الله تعالى بالعزيز الغفور فتح لباب التوبة

قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر:28]، (عزيز) أي: قوي قادر، لا يمتنع منه شيء أراده أبداً، ولهذا قل للكافرين والمشركين والفسقة والفجرة: إن الله قادر على أن ينزل بهم عذابه وبلائه.

(غفور): باب مفتوح لهم إن شاءوا تابوا فليتوبوا، فإذا كان الرب قوياً قديراً عزيزاً، فهذا يرعبنا ويخيفنا، وإذا كان غفوراً تبنا إليه ليغفر لنا.

وفي هذه الآية فتح لباب التوبة، فيا أيها الناس! إن ربكم قوي عزيز لا يمانع فيه شيء، أقبلوا عليه وادخلوا في دينه، فإنه غفور يغفر ما مضى من الذنوب، فمن كفر سبعين سنة وأسلم يغفر الله له، فلهذا دخل العرب في مكة في الإسلام وفي الجزيرة بهذه الآيات.

تفسير قوله تعالى: (إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة... يرجون تجارة لن تبور)

قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر:29] أي: لن تكسد ولن تخسر أبداً.

قال علماء السلف: هؤلاء -أي: الذين يرجون تجارة لا تبور- هم القراء، وسموا هذه الآية بآية القراء، فإذا سئلت عن آية القراء فقل: هي في سورة فاطر، وهي قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً [فاطر:29] هؤلاء يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ [فاطر:29]، ولن تخسر أبداً.

فإن استطعت أن تقرأ القرآن في ثلاثة أيام فافعل وهذا أكمله وأعلاه، ودون ذلك سبعة أيام، ودون ذلك شهر، فتعتبر من قراء كتاب الله، أما الذي تمضي سنة ولا يقرأ كتاب الله فكيف يقال: هو من أهل القرآن، أو من القراء؟

والقراء: جمع قارئ، أي: الذي يكثر القراءة لكتاب الله، والحرف بعشر حسنات.

فيا من يريد أن يكون من القراء! اجتهد على الأقل أن تختم القرآن في الشهر مرة، والأفضل في الأسبوع مرة، والأكمل في ثلاثة أيام، فدون ذلك ليس بمحبوب؛ إذ ما ختمه الرسول صلى الله عليه وسلم في أقل من ثلاثة أيام.

يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ [فاطر:29] أي: كتاب الله الذي هو القرآن العظيم، أوله سورة الفاتحة وآخره سورة الناس.

وَأَقَامُوا الصَّلاةَ [فاطر:29]، أي: أدوها على الوجه المطلوب كما نزل بها جبريل وعلمها رسول الله في مكة، وكما صلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلم أمته، وأقاموها إقامة بالشروط والأركان والآداب والسنن في جماعة المسلمين.

وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً [فاطر:29] أي: الزكاة وغير الزكاة، يخرجون الزكاة سراً أو علانية، وينفقونها على الفقراء والمساكين.

وهؤلاء: يَرْجُونَ [فاطر:29] ومن يرجو الله لن يخيب. أي: يرجون عليماً حكيماً بهم، يرجون غنياً ذا غنى مطلقاً، فلا يخيبون أبداً.

يَرْجُونَ تِجَارَةً [فاطر:29] يصبح الدرهم بألف، فالحسنة بعشر أمثالها.. بسبعمائة إلى ألف ألف، تجارة لن تبور مع الله، ولن تخسر ولن تكسد أبداً، فكل ما أنفقوه وكل ما أقاموه، وكل ما تلوه من كتاب الله محسوب مسجل ومقيد يأخذونه كاملاً، اللهم! اجعلنا منهم.

تفسير قوله تعالى: (ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور)

قال تعالى: لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ [فاطر:30]، أي: من أجل أن يوفيهم أجورهم فلا يخسرون أبداً، فمن قرأ آية واحدة بل حرف واحد لن يضيع أجره.

لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ [فاطر:30] -وكما علمنا- الحسنة بعشر أمثالها.. بسبعمائة إلى ألف ألف. وكيف يزيدهم من فضله؟

قال: إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:30]، أي: يغفر الذنوب مهما عظمت، فإن رجل قتل مائة قتيل ومع هذا غفر الله له، فقط أعلن عن توبتك واقطع الماضي عن الحاضر، وأقبل على الله حباً وخوفاً، واعبده يغفر لك ما مضى من ذنبك.

غَفُورٌ شَكُورٌ [فاطر:30]، أي: الله شكور تعطيه حسنة يعطيك ألفاً، فاستعمل الشكر مع الله فإنه شكور، لن يضيعك أبداً، قم صل ركعتين تأخذ مائة ألف، يشكر لك ذلك ويزيد في عبادتك.

معشر المستمعين والمستمعات! لنصبح من العلماء علينا أن نلازم هذه الحلق في بيوت الله عز وجل، على شرط أن تكون الحلقة قال الله، قال رسوله صلى الله عليه وسلم.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات

من هداية هذه الآيات: [أولاً: بيان مظاهر القدرة والعلم الإلهي في اختلاف الألوان والطباع والذوات].

بيان مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته المتجلية في هذه الأكوان علوية وسفلية، في الإنسان والحيوان، بل في النباتات.. كل ذلك يدل على عليم حكيم قوي قدير، فلولا قدرته وحكمته ما خالف بين ألوانها، وأعجب ما يكون قوله تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ [الروم:22] أي الدالة على وجوده، وعلى علمه، وعلى قدرته، وعلى رحمته، وعلى ألوهيته لا إله غيره، وعلى ربوبيته ولا رب سواه خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الروم:22] هذا أولاً، وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ [الروم:22]، فكيف تختلف هذه الألسن، فإن كنت عجمي لن تستطيع أن تنطق بالعربية حتى يعلمك الله، وإن كنت عربي لن تستطيع أن تنطق بلغة أخرى حتى يعلمك الله، فهذه اللغات الله سبحانه وتعالى علمها عباده، وجعلها مختلفة.

وأعظم من هذا: وَأَلْوَانِكُمْ [الروم:22] فاختلاف الألوان أعجب ما يكون، فملايين البشر لا يوجد اثنان لا يُفرق بينهما، ولكل واحد صفة خاصة به وهيئة؛ إذ لو كانوا على شكل واحد لكان هذا يدخل على بيت هذا، ويقول: هذه امرأتي، وهؤلاء أولادي، وهذه مزرعتي وهذا دكاني، وهذه أعظم آية ما فوقها آية وهي اختلاف ألوان البشر، فليس فقط اختلاف باللون كأبيض أو أسود أو أحمر، وإنما اختلاف في الهيئات فكل شخص مختلف عن شخص، مع أن السمع والبصر والفم والشفتين كله واحداً، ومن شك ينظر هل يجد اثنين لا يميز بينهما؟

[ثانياً: العلم سبيل الخشية فمن لا علم له بالله فلا خشية له، إنما يخشى الله من عباده العلماء].

فالعلم هو سبب الخشية -وهذه لا ننساها أبداً-، وفاقد العلم بالله لا يخشى الله، قال تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم )، وكثيراً ما نقول: هيا ندخل إلى قرية بني فلان ونقول: دلونا على أتقاكم، والله لن يكون إلا أعلمهم، ولا يمكن أن نجد في قرية رجل أتقى وهو غير عالم أبداً، فلا بد من العلم.

[ثالثاً: فضل تلاوة القرآن الكريم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصدقات].

فضل قراءة القرآن وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والله عز وجل يعدهم فيقول: لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ [فاطر:30] وهذه الآية سماها العلماء: آية القراء، وهي في سورة فاطر، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ [فاطر:29] اللهم اجعلنا منهم!

[ رابعاً وأخيراً: في وصف الله تعالى بالغفور والشكور ترغيب للمذنبين أن يتوبوا، وللعاملين أن يزيدوا].

وصف الله تعالى نفسه بالغفور الشكور والحكمة في ذلك من أجل أن يزيد العابدون الصالحون فيعظم أجرهم، ومن أجل أن يتوب الجاهلون والفاسقون ليغفر الله لهم، ولهذا وصف نفسه بالغفور الشكور، فأهل الطاعة يزيدهم الله على طاعتهم؛ لأنه شكور، وأهل المعصية يغفر لهم إذا تابوا ورجعوا إليه.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة فاطر (7) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net