إسلام ويب

إن العبد المؤمن وقاف عند أوامر ربه عز وجل، ملتزم بالآداب التي يلزمه بها تجاه نفسه وتجاه غيره، ولما للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من الفضل والمكانة عند الله، فقد ألزم المؤمنين بالتأدب معه عليه الصلاة والسلام في سائر الشئون والمواقف، ومن ذلك لزوم استئذانه عليه الصلاة والسلام عند الحاجة للانصراف من الاجتماعات أو ما شابهها، ومن ذلك أيضاً: غض الصوت عند مناداته والتلطف في ذلك، وعدم مخالفة أوامره؛ لأن أوامره هي أوامر الله سبحانه وتعالى.

تفسير قوله تعالى: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور:62-64].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ [النور:62]، أي: بصدق وحق والكُمّل في إيمانهم الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النور:62]، وصدقوا الله وصدقوا رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم. وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ [النور:62] يجمعهم كصلاة الجمعة، وكاجتماع لتخطيط معركة، أو لدفع معركة، أو لاتخاذ إجراءات لابد منها لحماية البلاد والعباد، فهؤلاء يجب أن لا يتفرقوا أو يخرجوا أو يتسللوا من المجلس حتى يؤذن لهم.

إذاً: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ [النور:62] بصدق وحق الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ [النور:62]، أي: مع الرسول صلى الله عليه وسلم، أو من ينوب عنه عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ [النور:62] لهم كصلاة الجمعة، وكاجتماعات الحضر والتخطيط لها، وما إلى ذلك مما يتطلب اجتماعهم والتشاور بينهم. ففي هذه الحال لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ [النور:62] من رسول الله أو ممن ينوب عنه، فإن أذن لهم خرجوا لحاجتهم، وإن لم يأذن بقوا، ولا يحل أن يخرجوا كالمنافقين متسللين. وعمر رضي الله عنه في تبوك استأذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمرة، فقال: اذهب؛ فإنك لست والله بمنافق، وقال: اذهب ولا تنسني من دعائك.

إذاً: فهم لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ [النور:62] يا رسولنا! أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النور:62] حقاً، أي: الذين يستأذنون رسول الله يطلبون الإذن منه في الانصراف أو في الخروج أو عدم الحضور، وفي الاجتماعات العامة التي يجب أن يحضرها كل المواطنين. فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ [النور:62]. فإذا استأذنك مؤمن صادق الإيمان وطلب منك الإذن أن تسمح له أن يخرج أو لا يحضر، بل ائذن لمن شئت منهم، فإذا كان الذي استأذنك أنت في حاجة إليه، والاجتماع يتطلب وجوده وحضوره فلا تأذن، ولكن إذا لم يكن له علاقة كبيرة بالاجتماع فلا بأس أن تأذن له. فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ [النور:62]، إذ قد يعتذر الشخص بشيء كأنه متضرر، وهو لا ضرر فيه، فقد يطلب الإذن رجل بدعوى أن له شغلاً أو كذا وكذا والواقع ما هو بشيء، فيترتب عليه إثم، فاستغفر لهم يا رسول الله!

وقوله: فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ [النور:62]، لأن هناك من لا يأذن لهم، إذ الاجتماع يتطلبهم، ولابد من حضورهم في أمور هامة جمعتهم. وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:62]. وهذا فيه معنى أنه قد يستأذن أحد المؤمنين بحجة ولكنها ليست حجة، فيستأذن لأجل أمر ما، ولكنه ليس مهماً، فقد ما يتركه ويحضر. فمن هنا أمره أن يستغفر الله لهم.

فهو يأذن لمن شاء ويستغفر له الله، وما يأذن لشخص تترتب عليه الأحداث، فإذا أذن للمؤمنين بالله ورسوله فيستغفر لهم، إذ قد يكون استئذانهم ليس بحق، فقد يتخوفون من أشياء أو يظنون أن أشياء في بيوتهم أو كذا فيستأذنون، فيأذن لهم، فيأثمون، فيستغفر لهم رسولنا، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:62].

تفسير قوله تعالى: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً ...)

قال تعالى -وهذه المسألة لها علاقة بالأولى، ولكن تنالنا نحن- فيقول فيها الرب عز وجل: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور:63]. فانتبهوا أولاً، واحذروا معصية رسول الله، فقد يدعو الله عليكم فتهلكون، فاحذروا مخالفة رسول الله ومعصية رسول الله وإغضاب رسول الله وإزعاجه، فإنه إن دعا عليكم فدعاؤه ليس كدعائكم، فدعوته لا ترد، فـ لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور:63]. فأنتم قد تدعون ولا يستجاب لكم، ولكن هو إذا دعا استجاب الله له. ومعنى هذا: لا تغضبوه، ولا تقولوا ولا تفعلوا ما يزعجه وما يحمله على الدعاء عليكم.

والمعنى الثاني في قوله: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور:63]، أي: لا تقل: يا محمد! أو يا ابن عبد الله! ولا تدعه باسمه العلم محمد أو أحمد، بل ادعه بالصفة التي هي النبوة والرسالة. فـ لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور:63]. فلا تقولوا: يا محمد! ولا يا أحمد! ولا يا أبا القاسم! بل قولوا: يا نبي الله! ويا رسول الله! وأما أنتم بينكم فقولوا: يا أبا عبد العزيز! ويا أبا فلان! ولا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً.

فالوجه الأول في الآية: احذروا أن يدعو عليكم، فلا تجعلوا دعاءه لله كدعائكم أنتم.

والثاني: إذا ناديتموه لحاجة فلا تدعوه كما يدعو بعضكم بعضاً، بل ادعوه بيا نبي الله! .. يا رسول الله!

والثالث: أن لا يكون النداء يا رسول الله! فقط، بل لابد من اللين والرقة، والأدب والإجلال والإكبار، ولا تناديه كما تنادي أخاك أو يناديك أخوك. فلا نترك هذه الثلاث، وهي:

الأولى: نحذر من دعاء الرسول علينا، وإنه ليس كدعائنا.

ثانياً: إذا ناديناه فلنقل: يا رسول الله! .. يا نبي الله! ولا نقل: يا محمد! ولا يا أحمد!

ثالثاً: ليكن النداء بالرقة واللطف، واللين والأدب. وهذا كان مع الذين عاصروه ووعاشوا معه، والآن نحن ليس لنا هذا ليس لنا، فنحن إذا صلينا على الرسول نقول: اللهم صل على محمد وآله وسلم، ونقول: رسول الله أو نبي الله أمر بكذا وكذا. فهذا كان يتعلق بالحاضرين في مجلسه أيام حياته، وهو قوله: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور:63]. فلا يجوز للإنسان أن يقول: هذا محمد .. هذا قبر محمد، ووالله ما يجوز هذا، بل يقول: هذا قبر رسول الله .. هذا قبر نبي الله .. هذا مسجد نبي الله، ويقولها بأدب واحترام أيضاً.

إخبار الله بعلمه بمن يهرب من مجلسه صلى الله عليه وسلم

قال تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا [النور:63]. وهؤلاء هم المنافقون، فقد كان أحدهم في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأخيه: دعنا نجلس وراءك، وأنت قف وأنا أمشي أتسلل، ولا يجلسون في وسط المجلس، بل كانوا يجلسون في الطرف ساعة ربع ساعة أو كذا، ثم يأخذون في التسلل والخروج؛ لأنهم ما آمنوا بالله ولا برسوله، بل هم مشركون كافرون، ولكن نافقوا، وأظهروا الإيمان من الخوف؛ حتى تحفظ أرواحهم وأموالهم، فهؤلاء المنافقون قال تعالى لهم: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا [النور:63]. فهو يعلمهم، فاحذروا أن تتسللوا أيها المنافقون! فتنزل بكم عقوبة الله عز وجل. وهذا فيه تهديد ووعيد؛ لأنهم بالفعل فعلوا. واللواذ أن يقول أحدهم لأخيه: قف أنت وأنا وراءك، واسترني حتى أتسلل وأخرج من المجلس، فهم لا يريدون أن يحضروا مجلس رسول الله، ولا أن ينهضوا بواجب يوجبه عليهم، أو دعوة يقومون بها، فيتحللون ويتسللون، فهو تعالى يقول لهم: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا [النور:63].

التحذير من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ومعصيته

قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]. وهذا لنا معهم. فاسمع يا عبد الله! واسمعي يا أمة الله! احذري أن تخالفي أمر رسول الله! واحذر يا عبد الله! أن تخالف أمر رسول الله! أو أن يأمرك بكذا فتعصيه، أو ينهاك عن كذا ولا تبالي وتفعل، فاسمع الجزاء، فهو إما فتنة، فيصاب بالزيغ في قلبه ويكفر ويموت كافراً، وإما بعذاب، والعذاب أنواع، وإما بالجوع، وإما بالمرض، وإما بعدو يسلط عليه. فهذه يجب أن ترتعد لها فرائص المؤمنين والمؤمنات. فاسمع قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ [النور:63]. وهذا أمر. فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]، أي: فليحذر الذي يخالفون عن أمره، ولما يأمر بكذا يفعلون كذا، ولما ينهى عن كذا يفعلون كذا غير مبالين، فهؤلاء ليحذروا أن تصيبهم فتنة في قلوبهم، أو يصابوا بالزيغ والمرض في قلوبهم، فيرتدون ويكفرون والعياذ بالله، ويموتون كافرين.

أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] من عذاب الدنيا، بأي نوع من أنواع العذاب وما أكثرها.

ومعنى هذا يا أبناء الإسلام! إذا أمر رسول الله بكذا يجب أن لا نعصيه، وإذا نهى عن كذا فيجب أن لا نفعله؛ خشية أن نصاب بالزيغ في قلوبنا فنكفر، وخشية أن نصاب بالبلاء والعذاب فنهلك، وقد حل هذا بأمة الإسلام، فلما أعرضت عن أمر رسول الله وارتكبت ما نهاه أذلهم الله، وسلط عليهم الكفار، فحكموهم وسادوهم وأذلوهم والله؛ بسبب أنهم عصوا رسول الله في مئات من أوامره ومئات من نواهيه، وما بالوا بذلك، فصدق الله فيما أخبر به: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النور:63] في أي زمان وفي أي مكان أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]. فهيا نستعين بربنا، ونعمل ما استطعنا، ولا نعصي رسولنا أبداً، فنطيعه في مثل قوله: ( كل بيمينك ). فلا نأكل بشمائلنا أبداً، وهكذا في كل أوامره ونواهيه.

تفسير قوله تعالى: (ألا إن لله ما في السموات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه ...)

قال تعالى: ألا [النور:64]. ونفسرها للعامة بألو؛ لأن الناس ألفوا كلمة: ألو، ويفهمون معناها. وألا أي: انتبهوا. إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [النور:64]. فأنتم مملوكون لله عز وجل، فيجب أن لا تعصوا ربكم ومالك أمركم؛ لأن البشرية معتادة أن المملوك ما يعصي مالكه أبداً، والعبيد لا يعصون سيدهم، وبالإجماع لا يعرفون هذا أبداً؛ لأنهم مملوكون. فأعلم تعالى هنا أننا مملوكون له، وهو مالكنا، فيجب ألا نخرج عن طاعته، وألا نعصيه، وقد أمرنا بطاعة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فلنطعه ولا نعصيه.

ثم قال: قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ [النور:64] من الصواب أو الخطأ .. من الإيمان أو الكفر .. من الصلاح والفساد، ويعلم ما أنتم عليه من صفات، وسواء كانت ناقصة أو كاملة .. من خير أو شر. ثم ترجعون إليه ينبئكم بما عملتم، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور:64].

ملخص لما جاء في تفسير الآيات

مرة ثانية أسمعكم الآيات، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ [النور:62]، أي: المؤمنون بحق وصدق الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ [النور:62]. هؤلاء هم المؤمنون بصدق وحق. وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ [النور:62]. ومعنى أمر جامع أي: كصلاة الجمعة .. كالحرب .. اجتماع لمصالحة .. اجتماع لجمع مال .. اجتماع قرره الحاكم. وهذا كذلك يصح معنا مع حكامنا، فيجب أن لا تتسلل وتهرب؛ لأن هذا لصالح البلاد.

ثم قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ [النور:62] يا رسولنا! أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النور:62]، أي: الذين يطلبون الإذن من الحاكم معذورون؛ لأن لهم شغلاً أو غيره، فيجوز، وأما الذي يتسلل ويهرب ولا يريد أن يجلس فهذا هو المنافق.

ثم قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ [النور:62] يا رسولنا! لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ [النور:62]. وقد لا يأذن لبعض الأفراد للمصلحة الداعية إلى ذلك. وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:62]. إذ لضعف الإنسان قد يطلب إذناً بدون مبرر، وإنما من أجل أن يتغدى أو ينام، فيأثم، فقال لرسوله: استغفر لهم، إن الله غفور رحيم.

ثم قال لنا ولهم: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور:63]. فلنحذر أن نكون ممن دعا عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالهلاك والدمار؛ لمخالفته وارتكاب ما نهى عنه.

وثانياً: لا نقول: هذا قبر محمد، أو هذا مسجد محمد، فهذا والله لا يجوز أبداً، بل نقول: هذا قبر رسول الله .. هذا مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما النداء فلا نناديه، ولا نلعب بهذا، فلا نقول: يا رسول الله! فهو ليس موجوداً بين أيدينا حتى نناديه، بل هذا من فعل الجهال، فهم يقولون: يا رسول الله! جئناك لكذا وكذا، وينادونه. وهذا خطأ، فالرسول في الملكوت الأعلى. وإنما نقول كما قلت لكم: شريعة رسول الله .. دين رسول الله .. هذا قبر رسول الله .. هذا مسجده .. هذه أمة رسول الله ونبي الله، ولا نقول: محمد.

وقوله: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا [النور:63]، هذا الآن ليس عندنا، ولكن لو دعا الحاكم إلى اجتماع لمهمة اقتضتها الحاجة فيجب أن تحضر، ويجب أن لا تسلل، والذي يتسلل منافق، وليس هو موافق.

ومعنى التسلل: الهرب، واللواذ أي: يلوذ بعضهم ببعض، أي: يستر بعضهم ببعض، كما قلت لكم: أن يقف أحدهم والآخر وراءه يتسلل، وهو يغطيه، وهكذا كان المنافقون.

ثم قال تعالى وهذا لنا: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النور:63]. فيحذرون أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ [النور:63]. وقد فسرها ابن جرير وغيره: بالزيغ في القلب الذي يؤدي إلى الكفر والعياذ بالله تعالى. والعذاب الأليم بالمرض أو بالجوع أو بالبلاء يصيبه.

وأخيراً: قال تعالى: أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [النور:64]. ونحن من جملتهم، فنحن عبيد مملوكون، فيجب أن لا نعصي مالكنا، بل يجب أن نطيعه، ولا نخرج عن طاعته أبداً. قَدْ يَعْلَمُ [النور:64] هل أنتم صادقون في هذا أو لا، وقد يعلم ما أنتم عليه في هذه الأيام من خير أو شر .. من صلاح أو فساد. وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا [النور:64] مسألة مسألة، وقضية قضية، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور:64]. ولا يخفى عن أمره شيء. فلنتق الله معشر المؤمنين.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات

هيا بنا نسمعكم الآن شرح الآيات.

قال: [ معنى الآيات:

يخبر تعالى أن المؤمنين الكاملين في إيمانهم هم الذين آمنوا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا كانوا معه صلى الله عليه وسلم في أمر جامع يتطلب حضورهم، كالجمعة واجتماعات الحروب لم يذهبوا حتى يستأذنوه صلى الله عليه وسلم ] أي: يطلبوا الإذن منه [ ويأذن لهم. هذا معنى قوله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ [النور:62].

وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:62]. في هذا تعليم للرسول ] صلى الله عليه وسلم [ والمؤمنين، وتعريض بالمنافقين. فقد أخبر تعالى أن الذين يستأذنون النبي هم المؤمنون بالله ورسوله، ومقابله أن الذين لا يستأذنون ويخرجون بدون إذن هم لا يؤمنون بالله ورسوله، وهم المنافقون حقاً، وأمر رسول الله ] صلى الله عليه وسلم [ إذا استأذنه المؤمنون لبعض شأنهم أن يأذن لمن شاء منهم ممن لا أهمية لحضوره ] ولا له أثر يعني [ كما أمره أن يستغفر الله لهم؛ لما قد يكون غير عذر شرعي يبيح لهم الاستئذان، وطمعهم في المغفرة بقوله: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:62].

وقوله تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور:63]، هذا يحتمل أموراً كلها حق:

الأول ] منها: [ أن يحاذر المؤمنون إغضاب رسول الله ] صلى الله عليه وسلم [ بمخالفته، فإنه إن دعا عليهم هلكوا؛ لأن دعاء الرسول لا يرد، فليس هو كدعاء غيره.

والثاني: أن لا يدعو الرسول باسمه يا محمد! ويا أحمد! بل عليهم أن يقولوا: يا نبي الله! ويا رسول الله!

والثالث: أن لا يغلظوا في العبارة، بل عليهم أن يلينوا اللفظ ويرققوا العبارة؛ إكباراً وتعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا ما تضمنه قوله تعالى: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور:63].

وقوله: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا [النور:63]، أعلمهم تعالى أنه يعلم قطعاً أولئك المنافقين الذين يكونون في أمر جامع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتسللون واحداً بعد آخر بدون أن يستأذنوا، متلاوذين في هروبهم من المجلس، يستر بعضهم بعضاً، وفي هذا تهديد بالغ الخطورة لأولئك المنافقين.

وقوله: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النور:63]، أي: أمر رسول الله، وهذا عام للمؤمنين والمنافقين وإلى يوم القيامة؛ فليحذروا أن تصيبهم فتنة، وهي زيغ في قلوبهم، فيموتوا كافرين ] والعياذ بالله [ أو يصيبهم عذاب أليم في الدنيا، والعذاب ألوان وصنوف.

وقوله تعالى: أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [النور:64]، أي: خلقاً وملكاً وعبيداً، يتصرف كيف يشاء، ويحكم ما يريد، ألا فليُتق الله عز وجل في رسوله، فلا يخالف أمره، ولا يعصي في نهيه، فإن الله لم يرسل رسولاً إلا ليطاع بإذنه.

وقوله تعالى: قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ [النور:64]، إخبار يحمل التهديد والوعيد أيضاً، فيما عليه الناس من أقوال ظاهرة وباطنة معلومة لله عز وجل، ويوم يرجعون إلى الله بعد موتهم فينبئهم بما عملوا من خير وشر، ويجزيهم به الجزاء الأوفى. وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور:64]. فليحذر أن يخالف رسوله أو يعصي، وليتق في أمره ونهيه، فإن نقمته صعبة، وعذابه شديد.

هداية الآيات

قال: [ هداية الآيات:

من هداية هذه الآيات:

أولاً: وجوب الاستئذان من إمام المسلمين إذا كان الأمر جامعاً، وللإمام أن يأذن لمن شاء، ويترك من يشاء حسب المصلحة العامة.

ثانياً: وجوب تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحرمة إساءة الأدب معه حياً وميتاً.

ثالثاً: وجوب طاعة رسول الله، وحرمة مخالفة أمره ونهيه.

رابعاً: المتجرئ على الاستهانة بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم يُخشى عليه أن يموت على سوء الخاتمة، والعياذ بالله ] ولا ننسى هذه بالذات. فالذين يستخفون بسنة الرسول ويضحكون ويتهاونون بها والله ليخشى عليهم أن يموتوا على سوء الخاتمة، فلهذا فعلت السنة أو لم تفعلها لابد من احترامها، وإجلالها وإكبارها، وإكبار رسول الله وإجلاله، وأما الضحك منهاذ فصاحبه قد يموت على سوء الخاتمة، والعياذ بالله.

وهيا نرفع أكفنا ونحن في بيت ربنا ومسجد رسولنا واجتمعنا على كتاب الله وتعليم سنة رسول الله؛ عسى الله أن يستجيب لنا، ونحن موقنون بالإجابة.

اللهم يا حي يا قيوم! اللهم يا مالك الملك! يا ذا الجلال والإكرام! هذه أكفنا قد رفعناها إليك سائلين ضارعين فلا تردنا خائبين يا رب العالمين! فاللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم عجل سقياك لنا يا رب العالمين! اللهم إنا نشكو من القحط والجدب يا رب العالمين! هذه أكفنا قد رفعناها إليك يا رب العالمين! فلا تردنا خائبين، فاسقنا يا ربنا! وأغثنا، فاسقنا يا ربنا! وأغثنا، فاسقنا يا ربنا! وأغثنا، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب، رب! إنا نعرف أننا مذنبون، ولك عاصون، ولنبيك مخالفون، ولكن هذا الذي كتبت علينا وقدرت لنا، فلا تؤاخذنا بذنوبنا يا رب العالمين! اللهم اسقنا وأغثنا، سقيا عاجلة يا رب العالمين! عاجلة غير آجلة يا حي يا قيوم! اللهم اسقنا وأغثنا، ولا تجعلنا من القانطين، وتوفنا وأنت راضٍ عنا، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

وصل اللهم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة النور (17) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net