اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الأنبياء (9) للشيخ : أبوبكر الجزائري
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ * وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ [الأنبياء:48-50].
وتجري المقادير والأقضية الإلهية، وينكل بيوسف، ويرمى في بئر من قبل إخوته الحاسدين، ثم يباع كعبد من العبيد، فيشتريه مصري، ويصبح في بيته. وتتم له أحداث ذكرت في سورة يوسف، منها: أنه ولاه أمر البلاد والعباد، وأسند إليه الملك. وقد كان يعقوب عليه السلام له أولاد يذهبون يتجرون، يستوردون البضائع ويوردونها، فشاء الله تعالى أن يعثر عليهم يوسف عليه السلام، ويأخذ أحد إخوانهم، ويدعي أنه سرق، وكان القضاء يحكم بقتل السارق أو بسجنه، وتجري الأيام ويوسف الحاكم العام في مصر، ويأتي أبوه وإخوته، فينزلون معه في الديار المصرية، ثم توالدوا حتى أصبحوا فرقة كبيرة في الديار المصرية.
فسمي موسى موشي لأنه وجد بين الماء والشجر.
ثم كان من تدبير الله عز وجل أنه كلما قدمت له مرضع ليرضع يرفض رفضاً رضعها، ولم يرضع إلا اللبن الأول الذي ولد قبله، ثم ألقته أمه في اليم، فكان كلما جيء له بامرأة حسناء نقية نظيفة طاهرة ذات رائحة طيبة وقدمت له ثديها يرفض ذلك، كما قال تعالى في هذا: وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ [القصص:12]. وهذه الفتاة هي أخت يوسف، وكانت قد بعثتها أمها تتحسس في البلاد وتتجسس؛ علها تعثر عن أخيها، فقالت بعد ما علمت أنه رفض النساء كلهن: فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ [القصص:12]. فاستنطقوها وقالوا: كيف عرفت أنهم ناصحون؟ وشكوا أن تكون أمه، ولكن دفعهم الله، وأخذت أخاها إلى أمها وأرضعته، كما قال تعالى: فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ [القصص:13]. ثم بعد ذلك لما فطم وانتهى من الرضاعة عادوا به إلى فرعون.
ومن الأحداث التي وردت: أنه وفرعون جالس أراد أن يقوم على رجليه، فأخذ بلحية فرعون وقام، فغضب لذلك فرعون، وتشاءم من أخذه بليحته، وأراد قتله، فشفعت زوجة فرعون للغلام، وقالت: لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا [القصص:9]. وقالت: امتحنه واختبره. فأتى بإناء فيه لبن أو تمر، وآخر فيه جمر، ووضعه بين يديه، حتى إذا أخذ التمر ورفض الجمر دل ذلك على علمه وبصيرته، وأنه يريد كذا، فشاء الله تعالى أن يلقي بيده على الجمرة، ويلقيها في فمه، فيصاب بلكنة في لسانه. فكانت اللكنة التي في فمه سببها: أنه أخذ جمرة، ورمى بها في فمه، وقد قال لله تعالى يوم أن أرسله: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ [طه:27-30].
وكان موسى عليه السلام يكبر ويشب، وكان مهيأً من صباه، ولما كان شاباً قبل أن ينبأ وقبل أن يرسل مر بإسرائيلي وقبطي يتقاتلان، فاستغاث به الإسرائيلي؛ ليخلصه من قبضة القبطي، فلكمه موسى فمات، فلما مات أعلمت الحكومة بذلك، وهرب موسى بعد أن أعلم بأنهم يريدونه، ومن ثم خرج عليه السلام متجهاً شرقاً إلى ديار مدين. ومن ثم نبئ، وأرسله الله تعالى إلى فرعون وملئه.
فعاش عشر سنوات في أرض مدين مع نبي الله شعيب يرعى غنمه له، وبعد ما أكمل العشر السنين أخذ أهله وأولاده ومشى متجهاً إلى أرض مصر؛ لأن والدته هناك، وفي الطريق نبأه الله وأرسله، وبعثه رسولاً إلى فرعون.
وهذه الأحداث كلها في سورة القصص وغيرها مفصلة تفصيلاً. وأنزل الله عليه التوراة، وهي كتاب عظيم، حوى بيان العقيدة والآداب والأخلاق، بعد الحلال والحرام والعبادات. وقد أسمى الله هذا الكتاب بالتوراة، كما قال تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ [المائدة:44]. وقد أشار إلى هذا في هذه الآية الكريمة، إذا يقول تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ [الأنبياء:48].
والفرقان كذلك: انتصار أهل التوحيد وخذلان أهل الشرك والعياذ بالله، ولهذا نزل في حرب بدر كلمة الفرقان، قال تعالى: يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ [الأنفال:41] ... الآية. فالفرقان هو: القوة الفارقة بين الحق والباطل. فمن أعطي عقلاً سليماً صحيحاً بحيث لا يلتبس عليه ولا يختلط الحق بالباطل، ولا الخير بالشر، ولا المعروف بالمنكر فقد أوتي فرقاناً.
ثم قال: وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي [طه:29]. لا معيناً من جهة أخرى أو من قبيلة أخرى، بل أخي هارون، وذكر لذلك علة هذه الدعوة المباركة، فقال: كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا [طه:33-34]. فهذه الطلبات كلها مقابلها وجزاءها أن يسبحا الله ويذكرانه. وهذا ما علمناه وكررناه بالأمس، فقد قلنا: إن علة الحياة كلها الذكر والشكر، وسر الوجود: أن يذكر الله ويشكر. فعرف موسى هذا وقال: كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا [طه:33-34]. إذا علم أن الله أمر بذلك، وأنه يحب ذكره، ويحب شكره. وهذه العبادات التي تقومون بها من الصلاة إلى الاعتمار .. إلى الرباط كلها والله ما خرجت عن كونها ذكراً لله وشكراً له عز وجل.
وقوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً [الأنبياء:48] الضياء: النور، فالتوراة فرقان وضياء ونور وذكر، فهذه الأربعة كلها في التوراة، كما قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ [الأنبياء:48]. وهي في القرآن من باب أولى.
وبالأمس عرفنا أن القرآن يسمى بالذكر، التوراة ذكر أيضاً؛ إذ كل من قرأ كلام الله ذكر الله، وكل من استمع إلى القرآن وهو يريد الاستماع إلا ذكر الله في قلبه في ذلك الاستماع. والتوراة كالإنجيل كالفرقان، فالكل فرقان وضياء وذكر، ولكن لِلْمُتَّقِينَ [الأنبياء:48]. وقد عرفنا بالأمس أن الكافرين أموات، والمؤمنون أحياء.
إذاً: فالفرقان أو القرآن فيه الفرقان والضياء والذكر للمتقين فقط، وأما الفاجرين والفاسقين والكافرين، فلا يجدون ذلك، ولا يحصلون عليه؛ لأن قلوبهم منتكسة منصرفة، لا يصغون ولا يسمعون، ولا يسمع الصم الدعاء. ولكنه ذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ [الأنبياء:48]، أي: موعظة للمتقين.
وقد بينا أن ما نخافه في الدنيا نتقيه بشيء يقابله، فأنت تتقي الشمس بجعل مظلة على رأسك، والبرد بلبس ثياباً غليظة تقيك منه، والعدو بأن تحمل السلاح في يدك تتقي به.
والله عز وجل يجب أن يتقى؛ إذ أمرنا بذلك، وفرض علينا ذلك في غير ما آية من كتابه، فقد قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ [البقرة:278]. فقوله: اتَّقُوا اللَّهَ ، أي: خافوه واجعلوا بينكم وبينه وقاية تقيكم سخطه وعذابه.
وأكرر القول -إذ كلما تكرر القول استقر في النفس-: أن الله يتقى فقط بطاعته وطاعة رسوله، لا بالحصون ولا بالأسوار العالية، ولا بالطيران والجيوش، وإنما يتقى فقط بشيء واحد، وهو طاعته وطاعة رسوله، فمن أطاع الله تعالى فيما أمره به ونهاه عنه وأطاع رسوله في ذلك فهو متقٍ وفي عداد المتقين.
والمتقون هم: المطيعون لله وللرسول. وهؤلاء المتقون هم ورثة الجنة. والجنة والله تورث، وورثتها -يرحمكم الله- المتقون، ووالله لهم الوارثون لها، وهذا قوله عز وجل: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63]. فهو لما وصفها ووصف نعيمها وحورها وقصورها في الآيات قال: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ [مريم:63]، بمعنى: نورّث مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63]. سواء كان أبيض .. أحمر .. أصفر .. عربي .. عجمي .. طويل .. قصير، فهذه الأوصاف لا قيمة لها أبداً إلا بتقوى الله عز وجل، كما قال تعالى: مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63].
فها نحن قد عرفنا من هم المتقون، ونحن منهم إن شاء الله، وفي القرآن ذكر لنا وضياء، وموعظة وطاعة.
فبين تعالى أن المتقين هم الذين يرثون الجنة، والذين ينجون من النار، والذين يجدون الموعظة والضياء والنور في الفرقان والتوراة، و الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ [الأنبياء:49]. ولم ير أحد منا الله تعالى، ولا الملائكة رأوه، ولم يره حتى جبريل أو محمد أو موسى، والبشرية كلها ما رأت ربها، ولكنهم عرفوه بصفاته التي هي صفات الكمال والجلال والعظمة. وقد عرفنا الله بأننا مخلوقون له، وليس لنا من خالق إلا هو، فهو الذي أوجد هذا الكون بعد أن كان غير موجود، فالذي أوجده هو الله. وهذه الشهادات العلمية كلها شاهدة بهذا، وهي كافية. أنت إذا شهد اثنان لك أنهما شاهدا فلاناً في لندن ما تكذبهم، وإذا كانوا جماعة عشرة .. عشرين رجلاً وقالوا: كنا في لندن ووقع كذا والله ما تكذبهم، ولا تستطيع أن تكذبهم. إذاً: فكيف إذا شهدت الأكوان كلها بأنها مخلوقة، وأن لها خالقاً، وهو الله عز وجل.
فأقول للعامي: إذا لم تعرف الله فاقرأ هذه الآية، واعلم أن الله شهد لنفسه أنه لا إله إلا الله، فاشهد بشهادة الله، والملائكة أيضاً شهدوا بأنه لا إله إلا الله، فاقبل شهادتهم، والأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرين ألفاً كلهم يشهدون أن لا إله إلا الله، والرسل ثلاثمائة وأربعة عشر والعلماء بالملايين كلهم يشهدون بهذا، وأنت تقول: لا؟ فأين عقلك؟ فهذه وحدها كافية.
هؤلاء هم المتقون الذين يجدون في القرآن الذكر والموعظة والبرهان؛ لأن قلوبهم مستنيرة، وأرواحهم طاهرة زكية، فقد قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ [الأنبياء:48]. فهو ذكر للمتقين، وهم الذين يخشون ربهم بالغيب أولاً، وهم من عذاب يوم الساعة مشفقون أي: خائفون.
وأقول لكم وكتاب الله بين أيدينا: الكافر بمعنى: الجاحد.
وهناك من ينكر رسالة محمد، ويقول: لا أقول محمد رسول أبداً ولكن أقول: رجل وإنسان وعاقل.
وهذا الكتاب نزل على محمد، ووالله لا يوجد من يقول: نزل على فلان وفلان دون رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا الكتاب العظيم القرن الكريم يشهد شهادة حق أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ووالله إنه لرسول الله، فقد أنزل عليه كتابه وهاهو بين أيدينا، حاوٍ للعلوم والمعارف والشرائع، والقوانين والآداب، والأخلاق والعلوم المشتملة على أخبار الملكوت الأعلى والغيب كله. فقد أنزل عليه هذا الكتاب، فلا يمكن أن يكون غير رسول الله.
وفي قوله تعالى: وَهَذَا ذِكْرٌ [الأنبياء:50] سمى القرآن ذكراً. وقد علمنا أنه والله ما من أحد يأخذ يقرأ من القرآن سورة .. سورتين إلا ذكر الله، وما من مستمع يستمع إلا ويذكر الله بقلبه لما يسمع كلام الله عز وجل، فهو ذكر أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم في ظرف ثلاث وعشرين سنة. أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ [الأنبياء:50]؟ ونقول: لا يا ربنا! لا ننكر أبداً. والمنكرون هم الهالكون؛ لأنهم ينكرون كتاب الله وهو بين أيديهم، وأنت لا تستطيع أن تنكر خاتماً فقط، وتقول: هذا ما وجد ولا صنع، ولا تستطيع والله أن تنكر رسالة مكتوبة، وتقول: هذه ليست رسالة، وليست مكتوبة، وتنكر هذا القرآن العظيم الذي بين أيديك. وقد أنكروه للحفاظ على وثنيتهم، وعلى شهواتهم وأطماعهم، وعلى عنادهم وكبريائهم، وأبوا أن يسلموا، ولكن ما هي إلا سنيات وأسلموا ودخلوا في رحمة الله.
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمنا وإياكم: [ يخبر تعالى أنه آتى موسى وهارون الفرقان، أي: الحق الذي فرق بين حق موسى وهارون ] التوراة [ وبين باطل فرعون، كما فرق بين التوحيد والشرك يوم بدر يوم الفرقان ] إذ فرق الله بين الموحدين والمشركين، فقد أهلك الكافرين، ونجى المؤمنين [ وآتاهما ] أي: موسى وهارون [ التوراة ضياء يستضاء بها في معرفة الحلال والحرام، والشرائع والأحكام. وَذِكْرًا [الأنبياء:48] ] أيضاً [ وموعظة للمتقين.
ووصف المتقين بصفتين:
الأولى: أنهم يخشون ربهم، أي يخافونه بالغيب، أي: وهم لا يرونه.
والثانية: أنهم مشفقون من الساعة، أي: مما يقع فيها من أهوال وعذاب.
وقوله تعالى: وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ [الأنبياء:50] يشير إلى القرآن الكريم، ويصفه بالبركة، فبركته لا ترفع، فكل من قرأه وعمل بما فيه نالته بركته، قراءة الحرف الواحد منه بعشر حسنات ] وليس هناك بركة أعظم من هذه، فأيما مؤمن يقرأ آية إلا وله بكل حرف عشر حسنات.
وهذا القرآن [ لا تنقضي عجائبه ] أبداً [ ولا تكتنه أسراره، ولا تكتشف كل حقائقه، هدى لمن استهدى، وشفاء لمن استشفى ] فهو هدى لمن أراد الهداية، وشفاء لمن أراد الاستشفاء.
[ وقوله تعالى: أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ [الأنبياء:50]؟ يوبخ به العرب الذين آمنوا بكتاب اليهود، إذ كانوا يسألونهم عما في كتابهم، وكفروا بالقرآن الذي هو كتابهم، فيه ذكرهم وشرفهم ] فالعجب أنهم يسألون اليهود في المدينة ويقولون: اليهود أهل كتاب، وهم لا يؤمنون بكتابهم! وإنما هم له منكرون. وهذا هو طبع الإنسان إذا أخطأ الطريق، فهم لا يؤمنون بالتوراة والإنجيل، ومع ذلك يسألون أهل الكتاب، وأما القرآن فقالوا عنه: هذا سحر وشعر، وليس بكلام الله.
من هداية الآيات:
أولاً: إظهار منة الله تعالى على موسى وقومه، ومحمد وأمته بإنزال التوراة على موسى، والقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم ] فمن فوائد هذه الآيات الثلاث: إظهار منة الله تعالى على موسى وقومه، ومحمد وأمته. وهذه المنة والنعمة هي: إنزال التوراة على موسى، والقرآن على محمد صلى الله عليه وسلم. وهذه نعمة، بل لا يوجد نعمة أعظم من القرآن أو التوراة.
[ ثانياً: بيان صفات المتقين ] وقد عرفناها [ وهم الذين يخشون ربهم بالغيب، فلا يعصونه ] لا [ بترك واجب، ولا بفعل محرم ] فالمتقون ليسوا البيض أو السود، ولا الطوال ولا القصار، ولا العرب ولا العجم، ولكنهم فقط الذين لا يعصون الله، لا بترك واجب ولا بفعل حرام [ وهم دائماً في إشفاق وخوف من يوم القيامة ] مع العبادة والطاعة. ففيهم مع هذا دائماً الشفقة والخوف من عذاب يوم القيامة، فهم يخشون أن يموتوا على سوء الخاتمة فيهلكوا.
[ ثالثاً: الإشادة ] والتنويه [ بالقرآن الكريم حيث أنزله تعالى مباركاً ] فهو مبارك، والآن قد مضى ألف وأربعمائة سنة وتسعة عشر سنة على نزوله ووالله ما ضاع منه آية ولا حرف. فليس هناك بركة أكثر من هذه، فهي لا تبرح من الخير، وإلى الآن كل من يقرأ كلمة واحدة يعطى على كل حرف عشر حسنات، وإلى الآن كل من يقرأه ويتدبره والله يصبح عالماً عارفاً.
[ رابعاً: توبيخ وتقريع من يكفر بالقرآن، وينكر ما فيه من الهدى والنور ] والعياذ بالله. آمنا بالله وبكتابه، وآمنا بالله ورسوله، وآمنا بالله ولقائه.
ربنا توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الأنبياء (9) للشيخ : أبوبكر الجزائري
https://audio.islamweb.net