إسلام ويب

حث القرآن الكريم كثيراً على السير في الأرض، والتفكر في آثار الأقوام السابقين، لما في ذلك من معرفة سنن الله الكونية في من خالف أوامر الله، وأشرك به، ولما في ذلك من دافعية إلى الاستقامة على منهج الله، والرجوع إليه قبل أن يأتي يوم الجزاء، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

تفسير قوله تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات من سورة الروم ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

قال تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ * فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ * مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ * لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [الروم:41-45].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الروم:41]. ما الفساد؟

الفساد: الشرك والكفر، الفجور والفسوق، الظلم، القتل والاعتداء .. معاصي الله كلها تسمى فساداً في الأرض.

ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ [الروم:41] حيث المدن، والقرى، والبوادي وَالْبَحْرِ [الروم:41] أيضاً حيث السفن، ومن يكتسب ويغنى من البحر. ونضيف إلى ذلك الجو، فالآن الجو يعصى فيه الله عز وجل .. ففي الطائرة يشربون الخمر، ويغازلون النساء العواهر، وينطقون بالسوء والباطل، بل والكفر.

ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الروم:41] بسبب ماذا؟ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41]أي: بسبب ما كسبت أيدي الناس.

الفساد -إذاً- في البر والبحر.. الأمراض المختلفة، وظلم الظالمين، والحروب، والقحط، والجدب، والمجاعة، كل هذا ظهر بسبب ما كسبته أيدي الناس من الكفر، والفسق، والفجور، والخروج عن طاعة الله.

ثم قال تعالى: لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا [الروم:41] يصيبهم بالبلاء الشديد إما بحرب.. إما بوباء.. إما بمجاعة.. إما بكذا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] إلى الله فيتوبون إليه، ويعبدونه وحده، ولا يشركون به سواه، ويطيعونه فلا يعصونه فيما أمرهم به، ولا فيما نهاهم عنه.

والآية صالحة إلى يوم القيامة، في كل زمان تطبق هذه الآية: لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41]، وقدمنا أن الله يبتلي بالمرض.. بالجوع بكذا.. لعل المذنبين يرجعون.

تفسير قوله تعالى: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم...)

ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ [الروم:42] .

قُلْ [الروم:42] يا نبي الله! يا رسول الله! يا محمد! قل لكفار قريش! قل للعرب المشركين الهابطين، قل لأهل الأرض: سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ [الروم:42] يريد قوم عاد وثمود.. ويريد المؤتفكات وفرعون.

هذه الأمم التي مضت كفرت بالله، كذبت رسل الله، أصرت على الشرك، على الظلم والشر والفساد، فماذا فعل الله بهم؟

قضى عليهم.. دمرهم.. أهلكهم بأنواع الهلاك: عاد بريح صرصر سبع ليال وثمانية أيام فما أبقى منهم أحداً، وثمود بصيحة واحدة فخرجت قلوبهم وضاعت أرواحهم، والمؤتفكات كذلك بالصيحة، وفرعون: أغرقه، وقوم لوط خسف بهم الأرض، ونزلت عليهم الصواعق من السماء.

أي: ليمش كفار مكة والمشركون وليقفوا على آثار هؤلاء الذين أهلكهم الله وليتأملوا: لم أهلكهم الله؟ لأنهم كذبوا رسل الله كما كذبوا هم محمداً صلى الله عليه وسلم، ولأنهم أصروا على الشرك كما أنهم مصرون على الشرك ويعبدون غير الله.

هكذا يقول تعالى لمصطفاه صلى الله عليه وسلم: قُلْ سِيرُوا [الروم:42] أي: قل للمشركين، قل للكافرين، قل للمصرين على الفساد والشرك: سِيرُوا فِي الأَرْضِ [الروم:42] شمالاً أو جنوباً أو غرباً فَانظُرُوا [الروم:42] بأعينكم كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ [الروم:42] ونهاية الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ [الروم:42] فعلّة الهلاك كانت: الشرك؛ لأن المشرك لا يؤمن بالله، ولا بلقائه، ولا برسوله، ولا يعرف عدلاً، ولا استقامة، ولا.. ولا.

تفسير قوله تعالى: (فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله...)

ثم قال تعالى موجهاً رسوله والمؤمنين: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ [الروم:43].

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ [الروم:43] يا رسولنا! أنت وأمتك.

نحن الآن مأمورون بهذا، فهيا نُقم وجوهنا للدين القيم الذي هو الإسلام، فلا نلتفت إلى دين غيره، ونعبد الله به، فنعبد الله وحده بما شرع من أنواع العبادات، ونقيم شرع الله، ونصل الأرحام، ونحسن إلى بعضنا بعضاً، ونتجنب كل المساقط والمهالك.

ما هي العاقبة إذا لم تمتثل لذلك؟ يقول تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ [الروم:43] وإذا كان الله لا يرده فهل البشرية ترد هذا اليوم؟ لا. لا يرد هذا اليوم غير الله، ألا وهو يوم القيامة، يوم نهاية هذه الحياة.

يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ [الروم:43] أي: ينشقون؛ هذا فريق مؤمن وهذا فريق كافر، هذا مؤمن تقي وهذا مؤمن فاجر، وهكذا يتصدعون في عرصات القيامة.

فأقم يا رسولنا وأمتك معك وجوهكم للإسلام وهو الدين القيم! عجلوا، اعبدوا الله وحده وأطيعوه، وطبقوا شرعه واعبدوه قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ [الروم:43] أي: يوم عظيم لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ [الروم:43]، فإذا كان الله لا يرده فمن يرد هذا اليوم ألا وهو يوم القيامة، وقد لاحت العلامات، وظهرت البينات، وعما قريب نسمع قامت القيامة؟!

يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ [الروم:43] يومئذ يكون هذا اليوم يَصَّدَّعُونَ [الروم:43] بمعنى: يتصدعون. والتصدع: تصدعت الجبل؛ سقط جانبيه أو شقيه. وتصدعت البشرية: جانب مؤمن وجانب كافر، أهل الجنة وأهل النار.

وهذا التصدع يظهر يوم القيامة، فينقسم أهل الموقف إلى قسمين: إلى سعداء، وإلى أشقياء، إلى مؤمنين موحدين أتقياء هم أهل الجنة، وإلى مشركين وكفرة وفساق هم أهل النار.

تفسير قوله تعالى: (من كفر فعليه كفره ومن عمل صالحاً فلأنفسهم يمهدون)

ثم قال تعالى: مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ [الروم:44] أي: لا يضر الله شيئاً.

من كفر فعواقب كفره عائدة عليه، ولا تعود على المؤمنين، ولا على الملائكة، ولا على الصالحين، ولا على الله رب العالمين، بل عواقب الكفر تعود على الكافرين.

مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ [الروم:44] أي: عواقب كفره، وجزاء كفره، وما يترتب على الكفر وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ [الروم:44] يفرشون ويهيئون.

هذا الخبر والله كما سمعتم: من كفر فعليه كفره، هو الذي يتلقى جزاءه في جهنم والخزي، ومن عمل صالحاً فلنفسه، وهي الجنة ونعيمها وأسرتها وما فيها.

اسمعوا هذا الخبر! يقول تعالى: مَنْ كَفَرَ [الروم:44] من بني آدم .. من الجن فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ [الروم:44] هو الذي يتحمل تبعته.

ما هي التبعة؟ اللعن، والخزي والعذاب في جهنم، والخلود فيها، ومن عمل صالحاً -قطعاً بشرط الإيمان- بعد إيمانه فلأنفس هؤلاء العاملين الصالحات .. لأنفسهم يمهدون.. يفرشون الفرش ويمهدونها.

تفسير قوله تعالى: (ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله...)

ثم قال تعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ [الروم:45] إذا تصدعوا وظهر أهل البشرية في الصعيد الواحد، ليجزي الذين آمنوا من فضله.

ومعنى هذا: أننا إذا أدخلنا الجنة بزكاة أنفسنا فنعيمها بم يشترى؟ حورها، قصورها، طعامها، شرابها؟ هل يكفي فيه عبادة مائة سنة؟ لا يكفي ولا ألف سنة، ولا مليون سنة.

إذاً: ما هو إلا فضل الله فقط، الإيمان والعمل الصالح ثمرتهما: تزكية النفس وتطهيرها، وصاحب النفس الزكية الطاهرة يدخل الجنة بزكاة نفسه: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] لكن إذا دخل الجنة بإيمانه وصالح أعماله فهل ذاك النعيم يعوضه عمله الصالح سنتين أو مائة سنة؟ لا يعوض، فليس إلا فضل الله.. ليس إلا إحسان الله.. ليس إلا كرم الله وجود الله، وأما نعيم الجنة فلو تعبد الله مليون سنة لا يكفي.

ثم قال تعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ [الروم:45] وإحسانه، ليجزيهم بنعيم الجنة المقيم الدائم إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [الروم:45] أي: ويجزي الكافرين بجهنم وعذابها ولعنة الله عليهم فيها، وما يصيبهم وينزل بهم؛ لأن الله لا يحب الكافرين؛ فلهذا لا يدخلون الجنة، ولا يرون الله، ولا يشاهدونه؛ لأنه يكرههم، وهم كانوا يكرهون الله ولا يؤمنون به ولا يحبونه، فهو كذلك لا يحبهم، فمصيرهم -إذاً- في جهنم.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

إليكم شرح الآيات من الكتاب؛ لتزدادوا علماً وبصيرة.

معنى الآيات

قال: [ معنى الآيات:

تقدم في السياق الكريم إبطال الشرك بالدليل العقلي؛ إلا أن المشركين مصرون على الشرك، وبذلك سيحصل فساد في الأرض لا محالة، فأخبر تعالى عنه بقوله في هذه الآية الكريمة: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الروم:41]. أي: انتشرت المعاصي في البر والبحر وفي الجو اليوم، فعبد غير الله، واستبيحت محارمه، وأوذي الناس في أموالهم وأبدانهم وأعراضهم، وذلك نتيجة الإعراض عن دين الله، وإهمال شرائعه، وعدم تنفيذ أحكامه ] وهذا كله في الناس اليوم، وستنزل المحن والبلايا.

[ وقوله: بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41] أي: بظلمهم وكفرهم وفسقهم وفجورهم. وقوله: لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا [الروم:41] أي: فما يصيبهم من جدب وقحط وغلاء وحروب وفتن إنما أصابهم الله به ] لماذا؟ [ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا [الروم:41] من الشرك والمعاصي لا بكل ما فعلوا، إذ لو أصابهم بكل ذنوبهم لأنهى حياتهم، وقضى على وجودهم، ولكنه الرحمن الرحيم بعباده، اللطيف بهم.

وقوله تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ [الروم:42] قل يا رسولنا! لكفار قريش المكذبين لك، المشركين بربهم: سيروا في الأرض شمالاً أو جنوباً أو غرباً، فانظروا بأعينكم كيف كان عاقبة الذين كذبوا رسلهم، وكفروا بربهم من قبلكم، إنها كانت دماراً وهلاكاً، فهل ترضون أن تكونوا مثلهم؟!

وقوله: كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ [الروم:42] أي: كان أولئك الأقوام الهالكين مشركين، فالشرك والتكذيب الذي أنتم عليه هو سبب هلاكهم وخسرانهم.

وقوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ [الروم:43] أي: استقم يا رسولنا! أنت والمؤمنون معك ] علام؟ [ على الدين الإسلامي، إذ لا دين يقبل سواه، فاعتقدوا عقائده، وامتثلوا أوامره، واجتنبوا نواهيه، وتأدبوا بآدابه، وتخلقوا بأخلاقه، وأقيموا حدوده، وأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وادعوا إليه، وعلموه الناس أجمعين، واصبروا على ذلك، فإن العاقبة للمتقين ] أما أصحاب رسول الله فوالله لقد امتثلوا هذا الأمر، وفعلوه كما هو، أما بعد فنائهم في القرن الثالث فقد هبطت الأمة، والواجب علينا: أن نحيا حياتهم، ونفعل ما أمرنا بفعله.

[ وقوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ [الروم:43] أي: افعلوا ذاك الذي أمرتكم به قبل مجيء يوم القيامة، حيث لم يكن عمل وإنما جزاء ] كما في قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ [الروم:43] ألا وهو يوم القيامة، وهو يوم الجزاء لا يوم عمل.

[ وقوله: لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ [الروم:43] أي: إنه لا يرده الله إذا جاء ميعاده؛ لأنه قضى بإتيانه لا محالة، من أجل الجزاء على العمل في الدنيا.

وقوله: يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ [الروم:43] أي: يوم يأتي اليوم الذي لا مرد له يَصَّدَّعُونَ [الروم:43] أي: يتفرقون فرقتين كما يتصدع الجدار فرقتين: فريق في الجنة، وفريق في النار.

وقوله: مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ [الروم:44] أي: من كفر اليوم فعائد كفره عليه يوم القيامة وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا [الروم:44] أي: اليوم فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ [الروم:44] أي: يوطئون فرشهم في الجنة، إذ عائدة عملهم الصالح تعود عليهم لا على غيرهم.

وقوله: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ [الروم:45] أي: يصدعون فرقتين من أجل أن يجزي الله تعالى أولياءه المؤمنين العاملين للصالحات من فضله، إذ أعمالهم حسبها أنها زكت أنفسهم، فتأهلوا لدخول الجنة، أما النعيم المقيم فيها فهو من فضل الله فقط.

وقوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [الروم:45] هذه جملة علة لجملة محذوفة، إذ التقدير: ويجزي الكافرين بعدله، وهو سوء العذاب؛ لأنه لا يحب الكافرين ].

هداية الآيات

قال: [ هداية الآيات: من هداية هذه الآيات:

أولاً: ظهور الفساد بالجدب والغلاء، أو بالحرب والأمراض يسبقه حسب سنة الله ظهور الفساد في العقائد بالشرك، وفي الأعمال بالفسق والمعاصي.

ثانياً: وجوب الاستقامة على الدين الإسلامي عقيدة، وعبادة وقضاء، وحكماً ]، كما في قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ [الروم:43]، فيجب أن يطبق شرع الله وأحكامه.

[ ثالثاً: تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحداثه ووقائعه ]. قرر تعالى عقيدة البعث والجزاء بهذه الأحداث التي ذكرها، وعرضها علينا، ومعنى هذا: والله لا بد من القيامة والجزاء فيه على الإيمان والعمل الصالح، وعلى الكفر والشرك والمعاصي.

[ رابعاً: ] وأخيراً [ بيان أن الله تعالى يحب المتقين ويكره الكافرين ]. وهذه حقيقة.

اعلموا أن الله يحب المتقين، فاللهم أحببنا، واجعلنا من محبيك، ويكره الكافرين والفاسقين فاللهم لا تجعلنا منهم، ولا تحشرنا في زمرتهم!

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الروم (10) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net