إسلام ويب

ولاية الله عز وجل يمنحها لعباده المؤمنين، ومن نال ولاية الله فهو السعيد في الدنيا والآخرة، ولكن هذه الولاية يشترط فيها الأ يدنسها الولاء لأعداء الله ممن يتخذون دين الله هزواً ولعباً، سواء كانوا من أهل الكتاب أو من عبدة الأوثان، فهم أعداء الله سبحانه وتعالى، يسخرون من أوليائه، ويستهزئون بشعائر دينه، فحالهم كحال الأموات الذين لا يشعرون ولا يعقلون.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

ثم أما بعد:

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

وها نحن مع سورة المائدة المباركة المدنية الميمونة، ومع هاتين الآيتين، فهيا نتلو الآيتين متدبرين معانيهما، ثم بعد ذلك يبين لنا مراد الله تعالى منهما، ونأخذ بما هدانا الله تعالى إليه.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ [المائدة:57-58].

غايات نداء الله تعالى لأوليائه المؤمنين

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هل بلغكم أن الله تعالى نادانا نحن عباده المؤمنين في كتابه تسعة وثمانين نداء؟ هل بلغكم هذا أو ما علمتم؟ كيف يناديك سيدك ومولاك والذي إليه مصيرك وبيده محياك ومماتك ولا تعرف كم مرة ناداك؟

الجواب: ما اجتمعنا على دراسة القرآن، مضت أعمارنا ونحن في المقاهي ومجالس الأكل والشرب والضحك، أو في دور السينما، أما أن نجلس في بيت الرب بنسائنا وأطفالنا كل ليلة من صلاة المغرب إلى العشاء ندرس كتاب الله وهدي رسوله، فهذا لا يخطر على بالنا، فلهذا لا تلمنا.

لن نلوم، ولكن هبطنا من علياء السماء إلى الأرض، كنا قادة البشرية وسادتها، فأصبحنا أذل منها وأحوج إليها، السبب: أننا ما عرفنا الله معرفة حقيقية يقينية حتى نتملقه ونتزلف إليه بفعل ما يحب وترك ما يكره، وفعل المحبوب وترك المكروه هو منهج السعادة والكمال للإنسان في الدارين، ومستحيل وهيهات هيهات أن يكمل آدمي أو يسعد بدون معرفة الله وطاعته في أمره ونهيه، ولا جدال في هذا، وحسبنا شهادة الواقع.

نادنا ربنا تسعين نداء، وقد تتبعنا هذا الموضوع وعرفنا بالاستقراء أن الله تعالى لا ينادينا بوصفنا المؤمنين به وبلقائه، وبكتابه وبرسوله إلا لواحدة من خمس:

الأولى: ينادينا ليأمرنا بفعل أو اعتقاد أو قول ما من شأنه أن يسعدنا ويكملنا.

الثانية: أن ينادينا لينهانا عن اعتقاد أو قول أو عمل فاسد من شأنه أن يخسرنا ويكسبنا الخراب والدمار.

الثالثة: أن ينادينا ليبشرنا فنزداد في طلب الهدى والمنافسة في الخيرات والمسابقة في الصالحات.

والرابعة: أن ينادينا ليحذرنا من المكروه، مما عواقبه الخسران والدمار.

والخامسة: ينادينا ليعلمنا ما لم نكن نعلم.

فاحمدوه، فالحمد لله، اللهم لك الحمد على ما أوليت وأنعمت، الحمد لله.. الحمد لله.

وهل تعلمون أن في ندائه عز وجل لنا أعظم كرامة يظفر بها الآدمي، أن يناديه سيده ومولاه، نداء الله لنا دل على رفعتنا وعلى علو منصبنا ودرجتنا، ألسنا أولياءه؟ بلى، وهو يقول: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، من هم أولياء الله؟ سيدي عبد القادر ؟ البدوي ؟ عيدروس؟ سيدي مبروك؟ لم لا نسأل ربنا: يا ربنا! من هم أولياؤك؟ ومع هذا أجاب الله ، وما سألنا، فقال عز وجل: الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63] هؤلاء هم أولياء الله، فكل مؤمن تقي هو لله ولي، وكل كافر فاجر فهو لله عدو.

عرفتم أولياء الله؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، إذاً: المؤمنون أحياء والحي يسمع، يبصر، يعقل، يفهم، إذا أمر فعل، إذا نهي ترك، وذلك لكمال حياته، والكافر ميت لا يؤمر ولا ينهى، لم؟ لأنه ميت والميت لا يسمع، ولا ينطق، ولا يبصر، ولا يأخذ ولا يعطي، هذا شأن الميت.

إذاً: الإيمان الحق هو بمثابة الروح، إي والله، فمن آمن إيماناً صحيحاً حقيقياً فقد حيي، فمره بأمر الله يفعل، انهه بنهي الله يترك، والذي ما آمن مره أن يصلي فهل يصلي؟ مره أن يغتسل من جنابة فهل يغتسل؟ مره أن يكف عن قول كذا فهل يكف؟ ميت.

هل عرف المؤمنون والمؤمنات هذا؟ ما عرفناه، مضت قرون ما نجتمع على كتاب الله، إلا إذا قرأنا على ميت حتى ولو كانت عاهرة لتدخل الجنة بقراءتنا عليها، إلى أين وصلت هذه الأمة بعدما كانت سائدة قائدة رائدة في العالم؟ ما سبب سيادتها وقيادتها وريادتها؟ الإيمان الصحيح وتقوى الرحمن عز وجل، أما العلم فهو ضروري حتمي، الذي ما يعرف ما يحب الله،كيف يفعله؟ الذي ما يعرف ما يكره الله كيف يتركه؟ الذي ما يعرف كيف يطيع ربه كيف يطيعه؟

فالعلم عندنا ضروري كالطعام والشراب، بل كالهواء والتنفس، تريد أن تكون ولياً بدون علم؟ مستحيل أن تكون ولي الله بدون علم، إلا أن العلم ليس شرطاً أن يكون بالقلم والقرطاس، وإنما هو بسؤال أهل العلم والعمل، لا تزال تسأل وتعلم وتعمل، فما يمضي زمان إلا وقد علمت محاب الله كلها، وعلمت مكاره الله كلها، وأنت في نفس الوقت تفعل المحبوب وتكره المكروه، وهذه ولاية الله عز وجل.

نهي الله تعالى المؤمنين عن موالاة المستهزئين بالدين

فالآن نادانا لماذا؟ قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [المائدة:57]، لبيك اللهم لبيك، مر نفعل، وانه نترك، فنحن مستعدون، لكمال حياتنا مؤمنون، ينهانا يقول: لا تَتَّخِذُوا [المائدة:57]، لا تجعلوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [المائدة:57] كاليهود والنصارى

وَالْكُفَّارَ [المائدة:57] من المنافقين وغيرهم أَوْلِيَاءَ [المائدة:57].

نهاكم فهل أنتم مستعدون أم لا؟ إذا رأيت من يسخر بدين الله، أو يستهزئ به فحرام أن تتخذه ولياً، لا يحل أن تحبه ولا أن تنصره في أي موقف من المواقف.

مكر اليهود والنصارى بالمسلمين في الولاية والأولياء

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ [المائدة:57]، أي: لا تتخذوهم أولياء، ما معنى أولياء؟ أي: لا تحبوهم ولا تنصروهم، لا بمعنى الولاية الهابط، ولاية الذين نبني عليهم القباب ونضع الشموع والأزر الحريرية، ونقول: أولياء الله، ونحلف بهم ونقسم بهم، هذا باطل باطل، ما أراده الله.

وفتح الله علينا، وعرفنا أن مكر اليهود والمجوس والنصارى هو الذي حصر الولاية في الذين ماتوا، أما الأحياء فلا، تدخل القاهرة المعزية ذات العشرين مليون نسمة من المطار أو من محطة القطار فتواجه مصرياً من أهل البلد فتقول: يا سيد! أنا جئت لأزور ولياً من أولياء الله في هذه البلاد، فوالله ما يأخذ بيدك إلا إلى قبر وضريح، ولا يفهم أن القاهرة فيها أولياء، هذا مثال، ودمشق كالقاهرة، وبغداد، ومراكش، وباكستان، وإسطنبول.. كلها سواء، تأملوا علكم تعقلون؛ لأننا لو اعتقدنا أن كل مؤمن ولي ما بقي والله من يزني ولا يسرق ولا يكذب ولا يشتم ولا يسب ولا يعتدي أبداً؛ لأن الله يقول: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، والواقع يؤكد ذلك: هل تجد مسلماً في عصور الهبوط يسب ولياً من أولياء الله الموتى؟ كلا. بل إجلال، إكبار، تعظيم، يحلفون بهم، يسرقون قطعان الغنم لهم، يتوسلون بهم، والأحياء كلهم أعداء الله، هذا يزني ببنت هذا، وهذا يزني بامرأة هذا، وهذا يسرق هذا، وهذا يكذب على هذا، هذا يقتل ابن هذا.

والله كما تسمعون، وأنتم أعلم مني بهذا، ما سبب ذلك؟ لأن العدو الحاسد الماكر أراد أن نهبط وهبطنا، قال: احصروا الولاية في الموتى، من وليك؟ سيدي عبد القادر ، أين هو؟ في بغداد، وأنت أين؟ في المغرب، كيف أصبحت تلميذه؟

قالوا: نحصر الولاية في الموتى فقط، وحينئذ يستبيحون نساء بعضهم، والكذب والسرقة والمجون والخداع والغش؛ لأنهم ما هم أولياء، ولو عرفوا أنهم أولياء لعرفوا أن الولي ما تقال فيه كلمة، بل يبجّل، يعظم، يحترم، أليس كذلك؟ وهكذا.

هل عرفتم هذه الحقيقة؟ من الذي مكر بنا؟ الثالوث الأسود المكون من المجوس واليهود والنصارى، ما يريدون أن نبقى سعداء أعزاء أبداً، قالوا: لا بد أن يهبطوا إلى ما نحن هابطون فيه، وحققوا مرادهم لأن الشياطين معهم، فسلطوهم علينا.

معشر المستمعين والمستمعات! اصدقوا الله، هل يجوز لأحدنا الآن أن يسب أحداً؟ هل رأيتم من يسب؟ أو يشتم؟ أو يضرب؟ أو يطلع على عورة أخيه؟ أو يحاول أن يفجر بامرأته؟ أو يغشه في شيء؟ أو يخدعه في معاملة؟ والله ما كان، لم؟ لأننا أولياء الله، ما يباح لنا أبداً أن نعتدي على أولياء الله ونظلمهم ونأخذ ما عندهم أو نؤذيهم؛ لأنهم أولياء الله، ولو لم يكن هناك بوليس ولا حكومة، مؤمنون في جبل، في قرية، في سهل عرفوا ربهم، والله ليسودنهم الأمن والطهر والصفاء بدون عسكر ولا بوليس، والله إني لعلى علم.

فمن هنا قالوا: جهلوهم، العلم هو النور، أعموا أبصارهم وقلوبهم. فماذا يصنعون؟ قالوا: القرآن تفسيره صوابه خطأ وخطؤه كفر، وشاعت هذه الفكرة في العالم الإسلامي، فأصبح لا يستطيع مؤمن يقول: قال الله، يقال له: اسكت، يقول: القرآن فيه الخاص والعام، والسنة النبوية الشارحة للقرآن، فيقال له: اسكت، اترك السنة نقرؤها في رمضان للبركة. ففقدت أمة الإسلام القرآن والنور المحمدي، وعاشت في الظلام وماتت، وهل استعمرتنا بريطانيا أم لا؟ وإيطاليا، وفرنسا، وبلجيكا، استعمرونا أم لا؟ فكيف يستعمروننا؟ لأننا متنا، أفقدونا الروح، القرآن نقرؤه على الموتى والسنة نقرؤها للبركة، صحيح البخاري يقرأ للبركة، لا لنعرف الحلال والحرام، أو الواجب أو المستحب أو المكروه، وحشرونا في كتيبات فقهية، هذا مذهب مالكي، هذا شافعي، هذا إباضي، هذا زيدي، هذا حنبلي، هذا كذا.. آلله أمر بهذا؟ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ [المؤمنون:52]، وأفصح عن هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر بما هو من آيات نبوته؛ إذ قال: ( افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة )، يتكلم بالوحي، فهل استطاع يهودي أن يقول: لا يا محمد ما افترقنا؟ بل طأطئوا رءوسهم وقالوا: نعم، قال: ( وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة ) صحيح، إنجيلهم بلغ خمسة وثلاثين إنجيلاً، وفي النهاية حصروه بخمسة أناجيل، أي صدق أي حق في هذا؟ أين كلام الله؟ قال: ( وستفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة )، وراجع تفسير القرطبي ، جعل لها قائمة من أعلاها إلى أسفلها في ثلاث وسبعين فرقة.

قال: ( كلها في النار إلا واحدة ففي الجنة )، تكلم بهذا رسول الله والمؤمنون أقل من الحجاج بخمسين مرة، حيث كانوا لا يملئون هذا البلد، وتم ما أخبر به أم لا؟ قال: ( كلها في النار إلا واحدة ففي الجنة )، فألهم الله أحد السامعين فقال: من هي الناجية يا رسول الله حتى نكون منها؟

فاسمع واحفظ، وإذا ما فهمتها فلا تبارح هذا المجلس حتى تفهم معناها، وحرام عليك ألا تفقه هذا ولا تفهم إن كنت تريد الملكوت الأعلى.

فقال صلى الله عليه وسلم: ( ما أنا عليه اليوم وأصحابي ) في العقيدة، في العبادة، في الأحكام، في الآداب، في الأخلاق، في التفكير والهم أيضاً.

وصدق رسول الله، وتفرقت هذه الأمة، وما زالت الفرقة إلى الآن قائمة، دويلاتنا نيف وأربعون دولة! أعوذ بالله، أيجوز هذا في الإسلام؟ كيف يجوز؟ مذاهبنا لا تسأل، أحزابنا بلا تعداد، هذا كيد أعدائنا.

طريق الخلاص من واقع المسلمين المؤلم

فهيا نتخلص، أدلك على أسهل الطرق وأيسرها، ولا تكلفك ريالاً ولا ولا درهماً، فقط قل: آمنت بالله، أدلكم فهل تبلغون هذا وتحققونه؟

الطريق هو أن أهل القرية في البلد الإسلامي في الجبل أو في السهل، مجموعة سكان تسمى ديارهم قرية في اصطلاح المعاصرين، أهل القرية يوسعون مسجدهم الذي يصلون فيه، نحن لا نشك أن في كل قرية مسجداً أو مساجد في بلاد العرب والعجم سواء، هذا المسجد يوسع إما بالحديد والإسمنت وإما بالخشب والطوب، حتى بالستائر، حتى يتسع لكل أفراد القرية نساء ورجالاً وأطفالاً، ثم إن إمامهم يوم الجمعة يقول: من الليلة لا يتخلفن رجل ولا امرأة عن صلاة المغرب أبداً، إلا مريض أو ممرض له، فيحضرون حضورنا هذا ويصلون المغرب صلاتنا هذه ويجلسون جلوسنا هذا، وباسم الله ليلة آية من كتاب الله يتغنون بها حتى يحفظوها، وتشرح لهم ويبين مراد الله منها، ويوصوا بالعمل بها، والليلة الثانية حديث من أحاديث الحبيب صلى الله عليه وسلم ويحفظ، ويبين مراد الرسول منه، ويعزم المؤمنون على العمل به، وهكذا طول العام، عام واحد فما يبقى في القرية فاسق ولا فاجر ولا ظالم ولا زان، لأنهم عرفوا، علموا وعملوا فكملوا، فكيف إذا كان طول العمر ونحن في هذا النور، من أين يأتي الظلام؟ هل هذا يكلف مالاً؟

إن اليهود والنصارى في أوروبا في اليابان في أمريكا إذا دقت الساعة السادسة ومالت الشمس إلى الغروب أوقفوا العمل وتنظفوا وحملوا نساءهم وأطفالهم إلى دور اللهو واللعب، والمقاصف والسينما، أليس كذلك؟ ونحن لم لا نذهب إلى بيوت الرب نستمطر الرحمات ونتعلم الهدى لنسمو ونكمل، ما المانع؟ لا شيء، والمدينة ذات أحياء، كل حي يوسعون مسجدهم؛ ليتسع لكل الأفراد، ويصنعون هذا الصنيع عاماً أو عامين أو ثلاثة، فما يبقي جهل لا في النساء ولا في الرجال، وإن كانوا لا يكتبون ولا يقرءون، ومن ثم تنتهي مظاهر الخلاف والفرقة والعصبيات والنزعات والأطماع والشهوات، تمحى.

وإن قلتم: ما الدليل؟ فالدليل: العصور الذهبية الثلاثة، من ساد البشرية وقادها؟ أليسوا أولئك الأميين؟ وقد تعلموا الكتاب والسنة.

ثانياً: يقول تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] وصدق الله العظيم، أروني عالماً فاجراً وأنا أريكم ألف جاهل فاجر، أروني عالماً سارقاً متلصصاً وأريكم ألف جاهل متلصص وسارق، وعلى هذا فقيسوا، أعلمكم في قريتكم أتقاكم لله بلا نزاع، أبعدكم عن الله وأجهلكم به أفسقنا وأفجرنا، أمور يقينية هذه ما تحتاج إلى جدال.

فمتى نرجع؟ ما سمحت لنا نفوسنا بذلك. قد تقولون: يا شيخ! ما عندنا كتاب في هذا الباب؟ أما بلغكم (كتاب المسجد وبيت المسلم)؟ درس في هذا المسجد في السنة كاملة، فيه ثلاثمائة وستون آية وحديثاً، في كل ليلة آية والثانية حديث، عام كامل، واسمه (كتاب المسجد وبيت المسلم)، وطبع ووزع بالآلاف، وقال محدثكم غفر الله له: لو بلغنا أن أهل قرية التزموا بهذا الكتاب وهم يدرسونه نساء ورجالاً لزرناهم إلى ديارهم، لنشاهد آثار الهدى الإلهي، ولكن لا شيء أبداً، العلماء ساكتون والجهال ميتون، ويبقى أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، من أصيب بمصيبة فليرجع إلى الله: إنا لله وإنا إليه راجعون.

يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ [المائدة:57]، أي: لا تحبوهم ولا تنصروهم، هذا هو الولاء، وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، المؤمن للمؤمن يحبه، وإذا احتاج إلى نصرته ينصره ولا يخذله أبداً.

وأعداء الإسلام يجب ألا نحبهم ولا ننصرهم أبداً؛ لأن الولاء في أمرين: في الحب، والحب يترتب عليه المساعدة وما إلى ذلك، وفي النصرة، فلا نقف إلى جنبهم ننصرهم على الإسلام والمسلمين.

قال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [المائدة:57] أيها المؤمنون، فإن من آمن حي، ومن حيي سأل عن الطريق وعرفها، ومن عرف الطريق سلكها وانتهى إلى ولاية الله عز وجل بحبه له وإكرامه له.

تفسير قوله تعالى: (وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزواً ولعباً...)

ثم قال تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة:58] أي: بالأذان، هذا حدث على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث يقول اليهودي: هذا نهيق حمار، والمنافق يقول: ما هذا الصوت، ما سمعنا به! فلما بدأ الأذى في المدينة ذمهم الله ولعنهم، يقول تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ أي: أذنتم، والنداء إلى الصلاة أليس الأذان؟ وهذا الأذان -كما تعلمون- فرض على أهل كل قرية ومدينة، ويكون سنة للجماعة التي ليست في مدينة ولا قرية، ويكون مستحباً للفرد إذا أراد أن يصلي يؤذن في بيته، وأما الذي يؤذن في الصفا وفي البر فإن الجن والإنس والشجر والنبات والمدر كله يشهد له يوم القيامة بأنه عبد الله ووليه، لا يسمع نداء المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة، هذه فضيلة عظيمة، هذا النداء يجب وجوباً كفائياً في المدينة والقرية، ولا يحل لأهل القرية ألا يؤذنوا.

هذا الأذان إذا سمعه أعداء الإسلام يسخرون ويضحكون، هذا يقول: هذا نهيق حمار، وهذا يقول: صوت كذا، ويقول: صوت كذا. فقال تعالى: وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا [المائدة:58]، وعلل لذلك فقال: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ [المائدة:58] إي والله ما يعقلون، لو كان لهم عقول يدركون بها الخير والشر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر فلن يفعلوا هذا، لكن لا حياة لهم، وهذا هو شأن الكافر، ميت لا يعقل ولا يفهم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة المائدة (27) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net