إسلام ويب

لما راودت امرأة العزيز يوسف عليه السلام عن نفسه امتنع منها وجعل يحاول أن يصل إلى الباب وأثناء ذلك قدت قميصه عليه السلام من جهة ظهره، ولقيا صاحبها عند الباب فجعلت تدفع التهمة عن نفسها وتتهم يوسف عليه السلام بمراودتها، فأخبره يوسف أنها هي التي راودته، ولولا اتهامها له ما أخبر بمراودتها له، وأثناء ذلك أنطق الله عز وجل طفلاً رضيعاً إكراماً لنبيه وصفيه يوسف عليه السلام، فأشار بالحجة والبينة التي تبرئ يوسف وتدفع عنه التهمة.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة يوسف

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

وها نحن مع سورة يوسف الكريم ابن الكريم ابن الكريم، وها نحن مع هذه الآيات الأربع، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتها مجودة مرتلة، ونتدبر ونتفكر ثم نتدارسها إن شاء الله.

قال تعالى: قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ [يوسف:26-29].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! الآيات مرتبطة بسابقاتها، وقد درسناها بالأمس، وإليكموها فاسمعوها:

قال تعالى: وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ [يوسف:23]، علمنا من هي التي راودت؟ إنها زليخا امرأة العزيز، والمراود المطلوب منه هو يوسف الصديق ابن الصديق، والكريم ابن الكريم.

وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ [يوسف:23]، معناه: تعال.. هلم إلي وأقبل علي.

بم أجابها الصديق؟ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ [يوسف:23]، ألجأ إلى الله وأتحصن به أن آتي الفاحشة، مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23]، بالأمس بينت لكم أن هذا يصلح لله وللعزيز، يصلح للعزيز؛ لأن العزيز اشترى يوسف ثم أكرمه بأنواع الكرم، وأحسن مثواه.. إقامة كاملة، فقال: كيف أخونه وهو أحسن مثواي؟

وهو صالح لله: كيف أعصي ربي وقد أحسن مثواي؟ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [يوسف:23]، هذا قول أئمة التفسير، يقولون: إن الضمير عائد على العزيز وعائد على الله.

إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [يوسف:23] لا تنسوا هذه، والله! ما أفلح الظالم، ولا فاز ولا نجا من الخسران.

من هو هذا الظالم؟ الذي يضع الأمور في غير موضعها.. في المدينة المنورة يفتح حانة أو يفتح مخمرة، هل يفلح هذا؟! الذي يضع الأمور في غير مواضعها كيف يفلح؟!

ولفظ الظلم يعني: وضع الشيء في غير موضعه.

إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [يوسف:23]، رأى أنه إذا استجاب لهذه المرأة وقضى حاجتها ظلم، إي والله ظلم، ما هي بزوجته ولا بامرأته، وما اشتراه مولاه لأجل هذا.

وقوله تعالى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا [يوسف:24]، أكثر المفسرين -كما بينت لكم- يقولون: هم بها ليجامعها، وهمت به لتجامعه. وهذا القول مرغوب عنه، والعبارة القرآنية واللغة العربية لا تدل على هذا، وقلنا: همت به أن تضربه؛ لأنها راودته كذا يوماً، ممكن أن تكون شهرين.. سنة وهي تراوده، وليست قضية ساعة فقط، راودته أياماً وليالي، فلما استعصى وأبى وملت همت به أن تضربه؛ لأنه عبد لها، وهم بها هو أن يضربها، فلاحت الأنوار الإلهية وعرف أنه لا يفعل هذا.

لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ [يوسف:24]، هكذا نصرف عنه السوء والفحشاء، وبينا أن السوء هو ضربها، والفحشاء الزنا بها، وهذا يقرر معنى أن الهم هو الضرب وليس بالفاحشة.

كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ [يوسف:24] السوء: كل ما يسيء إلى النفس.. كل ما يخبثها من سائر الذنوب والمعاصي.

والفحشاء هي الزنا والخصلة القبيحة شديدة القبح.

والتعليل: إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24] وقد قلت لكم: أولياء الله يحفظهم الله تعالى، يعيش الرجل سبعين سنة لا يزني ولا يفجر أبداً، فهو معصوم بعصمة الله!

لا يكذب ولا يخون ولا يسرق ولا يغش، من عصمه؟ وليه، إذا اتخذك الله ولياً حفظك، صانك، منعك، فلا يقوى الشيطان على إفسادك، ولا على إغرائك وتضليلك.

إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24] الذين استخلصناهم لطاعتنا وولايتنا.

ثم ماذا حصل بعد؟ لما همت به تضربه وهم بها، ورأى برهان ربه كف يده وهرب ليتركها، هرب إلى أين؟ إلى الباب؟ وجاءت تجري وراءه وَاسْتَبَقَا الْبَابَ [يوسف:25] أيهما يصل إلى الباب، هو يريد أن يخرج، وهي تريد أن تغلق الباب، هو يريد من الباب أن يخرج ليشرد، وهي تريد ألا يخرج حتى لا تظهر الفضيحة أو يسوء موقفها.

وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ [يوسف:25]، فسرنا قوله تعالى: وَقَدَّتْ [يوسف:25] بمعنى: قطعت ومزقت. (من دبر) أي: من وراء. لأنه لما هرب إلى الباب جرت وراءه فجذبته من وراء، فتمزق الثوب من ورائه وتقطع.

وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ [يوسف:25] أي: لقيا ووجدا سيدها عند الباب الذي أراد يوسف أن يهرب منه، وهي أرادت ألا يهرب منه وأغلقته، وجدا العزيز عند الباب أراد أن يدخل.

قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا [يوسف:25] هذه عفريتة! مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا [يوسف:25] نعم هذه عفريتة حقاً، هي الظالمة، هي المدعية، هي كذا، ومع هذا قالت: ما جزاء من أراد بزوجتك سوءاً؟ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [يوسف:25] ما هناك غير هذا، حكمت.. هي القاضية، إما أن تسجنه في السجن كذا يوماً في البيت، وإما أن تضربه ضرباً مبرحاً، وخافت من أن يعتقه أو يبيعه فتحرم هي نفسها منه. هذا درسناه بالأمس.

تفسير قوله تعالى: (قال هي راودتني عن نفسي ...)

وآية الليلة: قوله تعالى: قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي [يوسف:26] لما قالت كلمتها: مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [يوسف:25] قال يوسف: هي التي راودتني عن نفسي. فاعترف بأنها راودته هي عن نفسه. إذاً: هي الظالمة ولست أنا. فما جزاء هذا؟ هي التي يجب أن تجزى بهذا؛ لأنها هي التي راودتني عن نفسي.

وقال تعالى: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا [يوسف:26] من هذا الشاهد؟

منهم من يقول: أحد رجالات أقرباء العزيز من أهل الفطنة والعلم والمعرفة، ولكن الحديث الشريف مسح هذا، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( تكلم في المهد أربعة: شاهد يوسف، وصاحب جريج ، وعيسى ابن مريم ) والرابع؟ ( وابن ماشطة فرعون )، فرعون كان له امرأة تمشط شعره في الأسبوع أو في اليوم مرة، هذه الماشطة لها ولد نطق وهو يرضع، فأربعة تكلموا في المهد:

أولهم: شاهد يوسف.

ثانياً: ابن ماشطة فرعون جاء بعد ذلك.

ثالثهم: صاحب جريج الذي اعترف بأنه بريء من الزنا وهم ادعوا عليه فقط.

ورابعهم: عيسى ابن مريم.

فهذا الطفل هو ابن عم زليخا ، هذا الطفل الصغير ابن عمها، فشهد عليها.

وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا [يوسف:26] ابن عمها ولد رضيع، فقال هذا الشاهد الصغير: إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ [يوسف:26] أي: قميص يوسف قُدَّ [يوسف:26] أي: قطع مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [يوسف:26] وهو كذلك، إذاً: (قد من قبل) معناه: جاء يضربها ويدفعها فمزقته، أما إذا قد من دبر فهو هارب وهي التي تجري وراءه.

تفسير قوله تعالى: (وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين)

وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف:27] ونظروا إلى القميص من أين قد، ونزلت البلية بـزليخا .

هنا يقول أهل العلم.. مالك خاصة -وقد تقدم هذا- يقول بالأخذ بالعبر أو بالعلامات أو بالأمارات. وفي المحكمة هذه شبه حجة، والقرآن يقرر هذا.

ما عرفوا من هو الظالم، لكن إذا كان الثوب مقطعاً من الأمام فمعناه: هو الذي أقبل عليها ومزقت ثوبه، وإذا كان مقطعاً من الوراء فمعناه: كان هارباً لا يريدها. وهذا هو الأخذ بالأمارات والعلامات.

تفسير قوله تعالى: (فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن...)

قال تعالى: فَلَمَّا رَأَى [يوسف:28] أي: العزيز الزوج قَمِيصَهُ [يوسف:28] أي: قميص يوسف عليه السلام قُدَّ مِنْ دُبُرٍ [يوسف:28] أي: من وراء قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ [يوسف:28] أي: هذا العمل، هذا المكر، هذه الحيلة مِنْ كَيْدِكُنَّ [يوسف:28]، ما قال: من كيدك، بل من كيد النساء، فالأحسن أن يعمم، ثم علل فقال: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يوسف:28].

قالت العلماء: كيد النساء أعظم من كيد الشيطان؛ لأن الله قال في كيد الشيطان: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النساء:76]، وكيد النساء كان عظيماً، وبعض أهل العلم ما يستسيغ هذا، ولو فكر لاستساغه، فالشيطان يفر من كلمة (أعوذ بالله)، لو أقبلت على المعصية والسكين في يدك وذكرت الله فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فسترجع إلى الوراء، أما مكر المرأة وكيدها وحيلها فلا، وكيف تربط الأشياء برباط واحد أعظم من كيد الشيطان: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يوسف:28]، ولولا أن الله علم هذا ما أقر هذه الكلمة، وما أبقاها في كتابه: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يوسف:28]، والكيد: المكر والتدبير لأجل الإضرار والأذى.

تفسير قوله تعالى: (يوسف أعرض عن هذا...)

ثم قال العزيز السلطان: يُوسُفُ [يوسف:29] أي: يا يوسف. ناداه وحرف النداء محذوف للاختصار، فلا حاجة إلى: (يا يوسف)، وهو مبني على الضم على أنه منادى مفرد علم.

يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا [يوسف:29] قالت العلماء: العزيز ما كان ذا غيرة كغيره، غيرته على امرأته هابطة، وليست ذات قيمة، فصاحب الغيرة لا يسمح لامرأته أن تتكلم ويسمع إنسان صوتها، وآخر لا يضره أن يُسمع صوتها.

ماذا قال؟ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا [يوسف:29] الذي جرى بينكما، اتركه، لا خير فيه، وأنت يا زليخا استغفري لذنبك، أي: اطلبي المغفرة مني.

هل هي مؤمنة مسلمة؟ هل العزيز مؤمن مسلم فيكون معنى الاستغفار: استغفري ربك وسليه التوبة؟ أو حتى لو كانت تعبد صنماً يقال: استغفري؟

الأقرب أن نقول: اطلبي المغفرة من زوجك لأنك أذنبت. (استغفري لذنبك): أي: اطلبي المغفرة بعد اعترافك.

ولماذا قلنا: زليخا ما هي بمؤمنة؟

ورد- ولعلنا ما ذكرناه- أنه لما راودته غطت الصنم بغطاء حتى لا يشاهد الجريمة.

والآن يوسف هو الرسول الذي بعث إليهم، ودخلوا في الإسلام بعد، إذاً: قبله من كان؟ الله أعلم!

على كل حال هذا تعليم الله لنا: من أذنب ذنباً فقل له: استغفر ربك. زوجتك، ابنك، صديقك إلى جنبك.

أذنب فقل له: استغفر ربك. أي: اطلب المغفرة منه. والاستغفار: هو طلب المغفرة. وكيف تطلب المغفرة؟

الجواب: تقول: يا رب اغفر لي! يا رب اغفر لي، غفرانك، اللهم اغفر لي.

هذا معنى الاستغفار. أي: طلب المغفرة من الله عز وجل، إذ لا يغفر الذنب إلا هو.

هل يستطيع أطباء الدنيا كلهم أن يمحوا الإثم من النفس؟ ما هو شأنهم، إذا تلطخت الروح بالذنب فالبشرية لو اجتمعت لا تستطيع أن تزيل هذا بغسله ومسحه؟ مستحيل! لا يقدر على هذا إلا الله، فإذا قبل منك الاستغفار وقلت: اغفر لي مسح ذلك من قلبك، وما بقي إثمه في قلبك.

وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ [يوسف:29] وعلل فقال: إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ [يوسف:29] ما قال: من الخاطئات، مِنَ الْخَاطِئِينَ [يوسف:29] اسم جنس، الذين يخطئون رجالاً أو نساء، كقولك: إنك لمن المتقين أيضاً، والشاهد عندنا في هذا التعليل: لماذا أمرها بالاستغفار والتوبة؟ علل فقال: إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ [يوسف:29] من هو الخاطئ؟ ومن هو المخطئ؟

المخطئ: الذي أراد شيئاً فأصاب غيره، أراد أن يأكل بيمينه فأكل بشماله، أخطأ أم لا؟ أراد أن يدخل رجله اليمنى إلى المسجد فبدأ باليسرى، ثم تذكر، أخطأ أم لا؟ أراد أن يقول: يرحمك الله فقال: لعنك الله. جرى على لسانه ما لا يقصد، هذا أخطأ أم لا؟ أراد أن يضرب غزالاً فضرب إنساناً فقتله، هذا خطأ أم لا؟ هذا هو القتل الخطأ.

يقال: أخطأ يخطئ: إذا أراد شيئاً ولم يصبه وأصاب غيره، أما خطئ يخطأ: إذا أذنب وارتكب الخطيئة، فهو خاطئ، خطئ يَخطِئ فهو خاطئ: إذا فعل محرماً أو مكروهاً، أو ترك واجباً أو مرغوباً فيه محبوباً، فهو خاطئ، فقال: مِنَ الْخَاطِئِينَ [يوسف:29] أي: المذنبين. ما قال: من المخطئين، بل من الخاطئين.

ملخص لما جاء في تفسير الآيات

قال تعالى: قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا [يوسف:26] من هذا الشاهد؟ هذا الطفل الرضيع.

أربعة من الغلمان تكلموا في المهد: أولهم: شاهد يوسف. ثانياً: ابن ماشطة فرعون. ثالثاً: صاحب جريج . رابعاً: عيسى ابن مريم عليه السلام.

فعيسى أما قال تعالى له: تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ [المائدة:110]، وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا [آل عمران:46] ؟ بلى.

فماذا قال هذا الشاهد وهو ابن عم زليخا؟

قال تعالى: وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا [يوسف:26] على ماذا؟ إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [يوسف:26] أي: يوسف وحاشاه! وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف:27] أي: يوسف عليه السلام.

فلما نظر رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ [يوسف:28] فماذا يقول العزيز؟ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ [يوسف:28] هذا الذي حصل، إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يوسف:28] ألهم هذه الكلمة وسجلت في القرآن: إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يوسف:28].

يُوسُفُ [يوسف:29] أي: يا يوسف! أَعْرِضْ عَنْ هَذَا [يوسف:29] هذا الذي حصل كله أغمض عينيك عنه ولا تلتفت إليه وأنت في بيتك ومع سيدك، وأنت اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ [يوسف:29] ما قام لها بالهراوة أو كذا، وانهال بالضرب عليها؛ لأنه اتضح أنها هي الظالمة

ومع هذا تأدب معها وقال: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ [يوسف:29] عاملها معاملة حسنة.

قيل: القائل هو الشاهد. وقيل: الزوج. والراجح حسب السياق والعادة أنه الغلام الذي أصبح حكماً بينهما.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

والآن إليكم شرح الآيات من الكتاب.

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآيات:

ما زال السياق ] سياق الحديث والكلام [ في الحديث عن يوسف وأحداث القصة ]، قصة يوسف نزل فيها قرآن أم لا؟ أحداث أربعين سنة.. سورة كاملة، مائة وإحدى عشرة آية.

[ فقد ادعت زليخا أن يوسف راودها عن نفسها، وطالبت بعقوبته، فقالت: مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [يوسف:25] وهنا رد يوسف ما قذفته به، ولولا أنها قذفته ما أخبر عن مراودتها إياه، فقال ما أخبر تعالى به في هذه الآيات: هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي [يوسف:26]، وهنا أنطق الله جل جلاله طفلاً رضيعاً إكراماً لعبده وصفيه يوسف، فقال هذا الطفل الذي سماه الرسول صلى الله عليه وسلم بشاهد يوسف ]، سماه نبينا صلى الله عليه وسلم بشاهد يوسف، [ إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف:26-27] هذا ما قضى به الشاهد الصغير ] هذا هو حكمه والذي قضى به، [ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ [يوسف:28] أي: قولها ] إنه قولها: مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا [يوسف:25] هذا قولها هي، [ مِنْ كَيْدِكُنَّ [يوسف:28] أي: من صنيع النساء إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يوسف:28].

ثم قال ليوسف: يا يوسف! أعرض عن هذا الأمر ولا تذكره لأحد؛ لكي لا يفشو، أي: ينتشر فيضر ] يترتب عليه ضرر في الأسرة، [ وقال لـزليخا : وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ [يوسف:29] أي: اطلبي العفو من زوجك ليصفح عنك ولا يؤاخذك بما فرط منك من ذلك.

إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ [يوسف:29] ] جائز أن يكون المعنى: تطلب المغفرة من الله أو من زوجها، هي أذنبت مع الجانبين، [ اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ [يوسف:29] أي: اطلبي العفو من زوجك ليصفح عنك ولا يؤاخذك بما فرط منك من ذنب إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ [يوسف:29] أي: الآثمين من الناس، هذا ما تضمنته الآيات الأربع في هذا السياق الكريم ]. وما زالت القصة متوالية.

هداية الآيات

قال المؤلف: [ هداية الآيات:

من هداية الآيات:

أولاً: مشروعية الدفاع عن النفس ولو بما يسيء إلى الخصم ]، من أين أخذنا هذا؟

من قوله تعالى: هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي [يوسف:26] دافع عن نفسه أم لا؟ وإن كان تعرضت بهذا للأذى، فقد آذاها بهذا وزوجها يسمع.

[ ثانياً: إكرام الله تعالى لأوليائه؛ حيث أنطق طفلاً في المهد فحكم ببراءة يوسف ] هذه كرامة ليوسف أم لا؟

هذا ولي الله أنطق الله له طفلاً، قد ينطق الحجر والشجر؛ ولهذا أنصح لكم -يا معشر المستمعين والمستمعات- بأن تصححوا ولايتكم مع الله، فمن والى الله ولاية حقة وأصبح ولي الله لا خوف عليه ولا حزن، واقرءوا: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62] لا في الدنيا ولا في البرزخ ولا يوم القيامة، من هم؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63].

أولاً: الإيمان الصحيح الذي إذا عرضناه على القرآن صدقه، وإذا عرضناه على السنة وافقت عليه.

هذا الإيمان بمثابة الروح للإنسان.

ثم التقوى، ونبهت وأعيد: لا يمكنك أن تتقي الله إلا إذا عرفت أوامره ونواهيه، وما لم تعلم فلن تكون ولي الله، وهذه أعرضت عنها أمة الإسلام قروناً، وتدعي الولاية في البهاليل والدراويش.

إذا لم تعرف أوامر الله ونواهيه، أوامر رسول الله ونواهيه فكيف تتقي الله؟ لأن التقوى فعل أوامر الله وترك نواهيه التي هي طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فلهذا لن تكون ولياً حتى يعلمك الله عز وجل، وبذلك تصبح ولياً، أما أن تكون ولياً وأنت جاهل فهيهات هيهات! لا يمكن أن يكون، ما اتخذ الله ولياً جاهلاً إلا علمه، يقودك.. يدفعك.. يوجد في نفسك رغبة أن تسأل أهل العلم: كيف تتوضأ؟ كيف تغتسل؟ كيف تصوم؟ كيف كذا؟ ما الذي يكرهه الله من الكلام؟ ما الذي يحبه من الحديث؟ وتأخذ تعمل.

الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا [يونس:63] بلا انقطاع يَتَّقُونَ [يونس:63] الله عز وجل، فلا يعصونه في أمر ولا في نهي.

[ ثالثاً: تقرير أن كيد النساء عظيم، وهو كذلك ]، تقرير أن كيد النساء -أي: مكرهن وحيلهن- عظيم، وهو كذلك، وليس معنى هذا: أن كل امرأة لها كيد ولها مكر، فإن كان لها كيد ومكر فمكرها وكيدها عجيب، أما التي لا تكيد ولا تحتال فليست من هذا، لكن إن أخذت في هذا الباب ودخلت فإنها تكيد وتمكر.

[ رابعاً: استحباب الستر على المسيء ]، استحباب الستر والتغطية على المسيء، [ وكراهية إشاعة الذنوب بين الناس ]، من أين أخذنا هذا؟ من قوله تعالى: يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ [يوسف:29]، ففيه استحباب الستر على المسيء الذي ارتكب ذنباً، يستحب أن تستره ولا تشنع عليه بين الناس، وكراهية إشاعة الذنوب بين الناس.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة يوسف (8) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net