إسلام ويب

المنافقون أولياء بعضهم البعض، رجالهم ونساؤهم، فسلوكهم واحد، وتدبيرهم واحد، فأيما معروف أمر به الشرع وحث عليه فإنهم يمتنعون عنه وينهون عنه غيرهم، وأيما منكر حذر منه الشرع فإنهم يفعلونه ويتحاضون عليه، بالإضافة إلى أنهم لا ينفقون في سبيل الله، ويتعاونون مع المشركين لإطفاء نور الله سبحانه وتعالى، فتوعد الله كلاً من المشركين والمنافقين بالنار خالدين فيها أبداً.

تفسير قوله تعالى: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

ثم أما بعد:

أيها الأبناء والإخوة المستمعون ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه ألفاً وسلم، قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

وهانحن مع سورة التوبة المدنية -تاب الله علينا وعلى كل مؤمن ومؤمنة في هذه الحياة-، فهيا بنا نصغي نستمع إلى تلاوة هذه الآيات مجودة مرتلة، ثم نتدارسها إن شاء الله بعد ذلك.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ * كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [التوبة:67-70].

معاشر المؤمنين والمؤمنات! هذا السياق الكريم في هذه الآيات التي سمعنا تلاوتها هو في فضح وبيان ما عليه المنافقون، وهم الذين كانوا على عهد رسولنا صلى الله عليه وسلم في هذه المدينة، فقد كانوا يظهرون الإسلام بأن ينطقوا بالشهادتين، ويشهدوا الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخرجوا معه في الغزوة والغزوات، وهم في نفسهم لا يؤمنون بتوحيد الله ولا برسالة رسول الله، وأكثرهم لا يؤمن بيوم القيامة وما فيه، فهؤلاء هم المنافقون.

معنى قوله تعالى: (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر ...)

يقول تعالى عن هؤلاء المنافقين: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ [التوبة:67]، أي: ليس هناك فرق بين هذا وذاك فكأنهم أعضاء لجسم واحد، أي: منافق مع منافق كجسم واحد في السلوك والتدبير والمكر والفساد، والمخبر بهذا الخبر هو الله جل جلاله وعظم سلطانه، فهو خالقهم وخالق طباعهم.

بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ [التوبة:67]، فأيما منكر أنكره الشرع وتوعد عليه بالعذاب أو جعل له حداً؛ لأنه يضر بالنفس أو بالمال أو بالعرض المنافقون يأمرون به؛ لأنهم لا يريدون الإسلام ولا أهله، فيعاكسون المسلمين المؤمنين الصادقين في إيمانهم.

والمنكر ما أنكره الله ولم يأذن فيه، ولم يبحه ولا واعد بخير عليه، ككل المحرمات التي حرمها الله.

يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ [التوبة:67]، أي: يأمرون بالمنكر ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، قد يأمرون أولادهم ونساءهم، يأمر بعضهم بعضاً وهم في بيوتهم يجلسون فيها، أما علناً لا يقدرون على ذلك.

معنى قوله تعالى: (وينهون عن المعروف...)

قال تعالى: وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ [التوبة:67]، عكس المؤمنون! فالمؤمنون الصادقون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، والمنافقون يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف.

والمعروف: ما عرَّفه الله حقاً وخيراً وفيه هدى ونور، وشرعه في كتابه عز وجل وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من كل أوامر الله التي تسمو بالإنسان ويعز بها ويسود ويطيب ويطهر، كالفرائض والسنن والواجبات التي نتعبد الله تعالى بها.

وهذا الإخبار من الله عز وجل: الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ [التوبة:67].

امتناع المنافقين عن الإنفاق في سبيل الله ونسيانهم له سبحانه

ثم قال تعالى: وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ [التوبة:67]، أي: كناية عن عدم الإنفاق في سبيل الله، فالمؤمنون ينفقون وخاصة في الجهاد، وهؤلاء يقبضون أيديهم حتى لا ينفقون درهماً واحداً؛ لأنهم غير مؤمنين بدولة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بالدين الذي جاء به، فلماذا ينفقون وهم يريدون أن تسقط هذه الدولة وينطفئ هذا النور؟!

ولكن الله العليم الخبير يخبر بواقعهم: وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ [التوبة:67]، أي: لا ينفقون، على خلاف المؤمنين والمؤمنات.

نَسُوا اللَّهَ [التوبة:67] أي: لم يذكروه عز وجل ولم يؤمنوا به، ولم يؤمنوا بما أمر بالإيمان به، ولم يخافوه ويرهبوه، ولم يمتثلوا له أمراً ولا نهياً، فهذا هو النسيان، أي: إهمال وترك وعدم مبالاة، فعاقبهم الله بالمثل: فَنَسِيَهُمْ [التوبة:67]، أي: لم يهدهم الله عز وجل ولم يشرح صدورهم، ولم يأخذ بقلوبهم إلى النور الإلهي والهداية الربانية؛ عقوبة وجزاءً لهم ماداموا تعمدوا نسيان الله، ولا يريدون أن يذكر الله بينهم، ولا أن يقال: أمر الله أو نهى الله أبداً؛ لأنهم كافرون.

إذاً: فعوقبوا بنسيان الله تعالى لهم فتركهم في خوضهم يلعبون؛ في الفتن والباطل والشر والفساد.

فسوق المنافقين عن شرع الله

ثم قال تعالى كالتعقيب: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [التوبة:67]، أي: كل منافق فاسق، أي: هم الفاسقون عن شرع الله والخارجون عن حدوده، والعاملون بما يفسد الدين وما يضر به؛ الذين يتآمرون مع الكافرين على إطفاء نور الله، وإنهاء الإسلام والمسلمين.

إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [التوبة:67] بحق؛ لأن الكافر قد ما يعمل أعمالاً يحاد بها الإسلام والمسلمين، لكن المنافقين يتعمدون الفجور والظلم والشر والفساد، حتى ما ينتظموا في سلك الإسلام والمسلمين.

فهم فاسقون بمعنى الخروج عن الطاعة الكاملة، وما يفعلونه من أشياء ظاهرة فقط، فهي من أجل الإبقاء على أموالهم وأرواحهم، إذ لو أعلنوا عن كفرهم لقتلوا في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو لأجلوا وأخرجوا منها.

بيان علامات المنافقين لاجتنابها

معاشر المستمعين والمستمعات! وما يدرينا نحن هل نحن من المنافقين أو من المؤمنين؟!

نريد أن نعرف شيئاً عن المنافقين؛ حتى نتقي ذلك الشيء ونبتعد عنه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( آية المنافق ثلاث )، أي: علامة المنافق ثلاث علامات، والآية بمعنى العلامة الدالة على الشيء، يقول هذا لأصحابه وللمؤمنين في كل زمان ومكان؛ حتى يعرفوا المنافقين، فيتجنبوا خطر النفاق ويبتعدوا من ضلاله وفساده، ولا يثقوا فيه ولا يقبلوا عليه.

( آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب )، فإذا حدث بحديث فهو كاذب ولا يصدق فيه، فعلينا معاشر المؤمنين والمؤمنات أن نتجنب هذه الصفة؛ حتى لا نكون منافقين، فنصدق في أحاديثنا ولا نكذب أحداً أبداً، ونقول الحق وإن كان مراً، فإن عجزنا سكتنا، أما أن نكذب ونخبر بغير الواقع، فهذا الموقف لا يقفه المؤمن بحق.

الصفة الثانية: ( إذا وعد أخلف )، أي: إذا قال: يا فلان! لقاؤنا يكون الساعة السادسة مساءً في الباب الفلاني، أنت المؤمن تأتي تنتظر وهو في بيته يضحك ويقول: دعه يقف ساعة في الشمس أو في البرد، يتلذذ بتعذيب المؤمنين، فالمنافق لا يخلف الوعد مع منافق مثله، بل يخلف الوعد مع المؤمنين فقط؛ لأن صدره مملوء بالتغيظ والعداء لهم، فيريد -إذاً- أن يضر بمؤمن، فيقول مثلاً: في ساعة نصف الليل نحن على باب كذا لنسافر معاً، فيأتي المؤمن في نصف الليل ويقف في ذلك المكان ينتظر وينتظر فلا يأتي أحد، فهو على فراشه مسروراً أنه نكَّل وعذب هذا المؤمنين، وهكذا إذا وعد وعداً، ليأخذ أو ليعطي أو ليلاقي أو ليتلاقى؛ يتعمد الخلف؛ أذيةً للمؤمنين ونكاية بهم؛ لأنهم أعداؤه في قلبه، فيحاول أن يعذبهم ما استطاع، فلا يقوى على أن يعذب المؤمنين بالعصا.

إذاً: يحدثهم فيكذب عليهم، حتى يفتنهم في مصالحهم، يعدهم فيخلف الوعد؛ حتى يتعبهم ويرهقهم ويضر بأبدانهم.

الصفة الثالثة: ( وإذا اؤتمن خان )، أي: إذا ائتمنته على كلمة خانك فيها، أو ائتمنته على درهما واحداً خانك فيه، أو ائتمنته على عرضك خانك فيه، فإذا اؤتمن على أي شيء يحفظه أمانة عنده يخونها، ولا يقوى على حفظها إلى وقتها وتسليمها لصاحبها؛ لأنه يريد أن يعذب المؤمن وينكل به، ويريد أن يدخل الحزن والهم على قلب هذا المؤمن، فلا حيلة للمنافقين إلا هذه الصفات، فمستحيل أن يظهروا الكفر، ويحملوا السلاح ويقاتلوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذاً: المنافقون كافرون مدسوسون بين المؤمنين، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم علامات المنافقين؛ حتى تحتاطوا وتتجنبوهم وتعرفوهم، وهي ثلاث علامات، الأولى: إذا حدث كذب، والثانية: إذا وعد أخلف، والثالثة: إذا اؤتمن خان؛ وهذا بيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم للمؤمنين؛ ليعرفوا المنافقين المندسين بينهم وفي صفوفهم؛ ليحذروهم ويكرهوهم.

وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه خصلة منهن؛ كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها )، وهذا يتناولنا نحن أولاً.

معشر المستمعين والمستمعات! أربع خصال من كن فيه كان منافقاً كاملاً، ومن كان فيه خصلة واحدة كانت فيه خصلة من النفاق، وهذا يتناول المنافقين الذين يؤمنون بالله ولقائه، ولفساد قلوبهم ونياتهم يتورطون في هذه الخطايا.

أي: أربع خصال.. صفات من كن فيه كان منافقاً كاملاً تاماً لا يرى الله ولا يدخل دار السلام، ومن كانت فيه خصلة ففيه خصلة من النفاق يجب أن يتركها وهي:

أولاً: ( إذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر ).

(إذا عاهد غدر) أي: عاهدك على أن تفعل معه كذا، أو تعطيه أو يعطيك كذا، غدر بك ونكث، وإذا بعت له شيئاً كذا.. والغدر: هو خلاف الواقع؛ للضرر بالمؤمنين.

وإذا خاصم يفجر عن الحق ولا يلتزم به، ويكذب أمام القضاء، ويقول: كذا وكذا وهو كاذب في ذلك، فهذا طبعه، وإذا وعد أخلف الوعد، وإذا اؤتمن خان.

هنا لا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم بعلم الله تعالى أنه قد يوجد من المؤمنين من يخلف الوعد، ويوجد من المؤمنين من يفجر في خصومته ولا يلتزم بالحق، فمن باب هداية الأمة وإصلاحها وتطهيرها؛ لتكمل وتسعد وضع هذه الأربع الصفات لنحذرها طوال الحياة.

فإذا قدر لنا أن نتخاصم مع خصم نقول الحق ونلزمه ولا نفجر عنه، وإذا عاهدنا يهودياً أو نصرانياً.. بلشفياً أو روسياً فضلاً على أن يكون مؤمناً صادقاً، لا نغدر في عهدنا، وقد علمنا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان يعاهد ولا يغدر حتى يغدر به، فالذي عاهدته يجب أن تفي له بما عاهدت ولا تخون ولا تغدر، وكذلك إذا حدثنا في المسجد.. في المقهى.. في الطيارة.. في السوق.. نلازم باب الصدق.

ومن كانت فيه صفة من هذه الصفات، فليجاهد نفسه ليلاً ونهاراً حتى يتخلى عنها ويبتعد، فهذه الصفات الأربع كل صفة منها تدل على أن صاحبها فيه جزء من النفاق، وقد عرفتم مآل المنافقين ومصيرهم أنهم في جهنم خالدين فيها أبداً.

تفسير قوله تعالى: (وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم ...)

ثم قال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ [التوبة:68]، والله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد، وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ [التوبة:68] (والمنافقات) أي: النساء، فهناك من النساء من تكذبك في حديثها، وتخلفك في وعدها، وتخونك في أمانتها؛ لأن قلبها ما امتلأ بنور الإيمان، ولا آمنت بالله رباً وإلهاً لا رب غيره ولا إله سواه، ولا آمنت بلقاء الله والحساب الدقيق والجزاء الوافي الكامل على كسبنا وعملنا في هذه الحياة، فلابد أنها تلقنت النفاق من منافقين وعلموها.

وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ [التوبة:68]، إذاً: فالمنافقون صنف والكفار صنف، وكلهم كفار، ولكن هذا على رأسه برنيطة وهذا رأسه عارٍ مثلاً، إلا أن المنافقين كفرهم مخبأ ومدفون في قلوبهم لا يستطيعون أن يقولوا: لا نؤمن بالله أو لا نعترف بأن محمداً رسول الله، فهؤلاء كفرهم في باطنهم، والكافر علني الكفر، والكل نفوسهم خبيثة منتنة عفنة؛ لأنهم ما طيبوها ولا زكوها بالإيمان والعمل الصالح، فهم إذاً أهل الشقاء والخسران في عالم الآخرة الآتي لا محالة.

وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا [التوبة:68] أي: هو الله سبحانه وتعالى الذي وعد المنافقين والكفار بنار جهنم، وهو الذي لا يعجزه شيء، فإذا وعد ينجز ما وعد؛ لكمال قدرته وكمال علمه وحكمته، فيا ويل من وعده الله بالنار.

ثم لو قال: (أوعد الله) لكان.. لكن فيه معنى: إهانتهم والازدراء بهم، فوعدهم الله النار، خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ [التوبة:68] أي: تكفيهم، عالم لا نعرف له حداً يلقون فيها بلايين السنين، وهي حسبهم على جزائهم في هذه الدنيا بالكفر والتكذيب والنفاق وإشاعة الشر والفساد.

وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ [التوبة:68] أيضاً، وطردهم من رحمته وأيأسهم منها: وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [التوبة:68] أي: موجع.

فهذه الآيات يا أبناء الإسلام! هي التي قلبت القلوب، وحولت أولئك المنافقين إلى مؤمنين صادقين، وهذه هداية الله عز وجل، وبهذا الوعيد فقط: وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [التوبة:68]، فهذا البلاغ وهذا البيان، وهذه الهداية الإلهية هي التي حولت المنافقين إلى مؤمنين صادقين.

الحث على تعلم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم

ومن هنا: لو أننا نجتمع في بيوت ربنا، في مدننا وقرانا، في سهولنا وجبالنا.. كل ليلة كما كانوا يجتمعون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وندرس كتاب الله ويسمع إخواننا آيات الله، لانقلب الوضع من سيء إلى أحسن، ولزال من نفوسنا ما هو كدر وظلمة وعفن، لا حسد ولا بغضاء ولا كبر ولا رياء ولا نفاق ولا.. ولا..، إذ العلاج هو في آيات الله عز وجل، لا دواء ولا علاج إلا في هذا القرآن الكريم، وبيانات رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فهمتم عني؟

قلت هذا: آلاف المرات، كيف نستطيع الهداية ونهتدي ونشعر بأننا أولياء الله؟

لابد من العلم: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، فغير العالم لا يستطيع أن يخشى الله، فلا آمن به ولا عرف جماله ولا كماله ولا قدرته وسلطانه عليه، فكيف يخافه؟!

إذاً: أهل القرية سواءٌ كانوا عرباً أو عجماً، إذا دقت الساعة السادسة مساء يجتمعون بنسائهم وأطفالهم في بيت ربهم، إن ضاق وسعوه، المؤمنات وراء الستارة والمؤمنون وأطفالهم أمامهن، وليلة آية من كتاب الله كهذه التي ندرسها، وليلة حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك طول العام؛ لأن الذين اقتدينا بهم وفضلناهم عن أنفسنا.. اليهود والنصارى إذا دقت الساعة السادسة مساء وقف العمل، وذهبوا إلى المقاهي والملاهي والمراقص والملاعب؛ لأنهم لا إيمان لهم ولا رجاء في الله والدار الآخرة، آيسون قانطون.

أما نحن أهل الإيمان والبصيرة نذهب إلى بيوت ربنا، نتعلم الكتاب والحكمة، يوماً بعد يوم.. عام واحد ما يبقى في القرية جاهل، وإذا انتفى الجهل والله! انتفى الفسق والظلم والشر والفساد، فما المانع أن نفعل هذا يرحمكم الله؟!

حيرتنا هذه.. ما المانع أن يجتمع أهل القرية في بيت ربهم، أليسوا مأمورون بصلاة المغرب والعشاء؟ بلى.

إذاً: إذا صلوا المغرب يجلسون ليصلوا العشاء كجلوسنا هذا وطول العام، وبذلك يتعلمون ويعلمون، وإذا علموا وعرفوا الطريق خافوا الله عز وجل وطلبوا رضاه وبحثوا عن الوصول إليه، وإذا بهم كلهم أولياء الرحمن.

هل تبلغون هذا عملياً.. أنت في قريتك أو في حيك قل لإخوانك: تعالوا نجلس بعد المغرب إلى العشاء مع نسائنا وأطفالنا، وتجدون قطعاً من يعلمكم آية من كتاب الله أو حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فوالله! لا سبيل إلى النجاة إلا هذا الطريق إما وإما.

هذا والله تعالى أسأل أن ينفعنا وإياكم بما سمعنا وعلمنا.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة التوبة (23) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net