إسلام ويب

هداية الله عز وجل قريبة من عباده، وهو سبحانه المتفرد بتهيئتها لمن شاء من أولياءه، فمن أراد له الهداية سبحانه شرح صدره للإسلام، وهيأ قلبه لقبول الحق والتصديق به، حتى يستحق أن يكون من ورثة جنة النعيم، وساكني دار السلام مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

تفسير قوله تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

ثم أما بعد:

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

وها نحن نواصل دراسة سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة التي زفت بسبعين ألف ملك ولهم زجل وتسبيح، هذه السورة التي تعالج القضايا العظمى في الإسلام:

أولاً: توحيد الله عز وجل في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، لا إله إلا الله.

ثانياً: إثبات النبوة المحمدية، وتقرير رسالته، وأنه حقاً رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والثالثة: عقيدة البعث الآخر، الحياة الثانية، قيام الساعة، النشور، أسماء متعددة وكلها تدور على مبدأ أننا سنعود أحياء في عالم آخر لنجزى على كسبنا وعملنا في هذه الحياة.

وها نحن مع هذه الآيات الثلاث من قوله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ [الأنعام:125]، إلى قوله: لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الأنعام:127]، فهيا نستمع إلى ترتيل الآيات الثلاث، ثم نأخذ في شرحها وبيان ما تحمله من الهدى والنور لأهل الإيمان.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ * وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:125-127].

اختصاص الله تعالى بالهداية والإضلال وبيان طريق تحصيل الهداية

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ [الأنعام:125].

في الآيات السابقة طالب المشركون بالآيات والمعجزات ليؤمنوا، والله يعلم أنهم لا يؤمنون، فما استجاب لهم فيما طلبوه، وها هو ذا تعالى يقرر هذه الحقيقة، وهي: أن الهداية بيد الله، والإضلال بيد الله، فمن فزع إلى الله ولجأ إليه واطرح بين يديه وذرف الدموع على خديه، سائلاً ضارعاً ليله ونهاره أن يهديه ويشرح صدره؛ استجاب الله تعالى له وشرح صدره ونور قلبه وزكى نفسه وهيأه لجواره في الملكوت الأعلى.

فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ [الأنعام:125] لهذا الطريق السوي المستقيم الموصل أولاً إلى رضا الله، ثم إلى جواره، فالله عز وجل لا يخيبه، فاطلب يا عبد الله، واطلببي يا أمة الله، لا بد من قرع الباب، لا بد من الضراعة والسؤال والدعاء والبكاء، هذه أنوار الله لا يهبها إلا لمن يطلبها في صدق، أما المعرض، أما المتكبر، أما اللاهي المشغول فكيف يفوز بهذا الرضوان الإلهي والله يقول: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ [الأنعام:125] إلى أين؟ إلى الإيمان بالله ولقائه، الإيمان برسول الله وما جاء به من شرائع الهدى، من يرد الله هدايته يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ [الأنعام:125]، يشرحه: يوسعه، أصل الشرح للكلمة: بيان ما فيها، ومنه الشريحة للحم، يشرحها حتى تتسع، وشرح الصدر توسعته.

يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ [الأنعام:125] فيرضى به ويقبل عليه ويطلبه، ويرحل من بلد إلى بلد ليظفر به ويحصل عليه، هذا الذي هو أهل لأن يهديه الله عز وجل.

بعد ضيق الصدر بتكاليف الشريعة عن الهداية الإلهية

أما الذي يأتيه الإسلام إلى بيته فيعرض عنه ويغلق بابه، يعرض عليه صباح مساء وهو لاو رأسه متكبر لا يريده؛ فكيف يهديه الله؟ حاشاه تعالى أن يهديه.

وهذا ظاهر قوله عز وجل: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125]، الصدر الضيق ما يتحمل أبداً أنوار الإيمان تدخل فيه، لا يستطيع أن يؤمن بوجود الله رباً وإلهاً، لا يستطيع أبداً أن يؤمن بأنه لا يعبد بحق إلا الله، لا يؤمن أبداً بأن محمداً رسول الله، لا يؤمن بأن البعث حق ولا بد من الجزاء على كسبه في هذه الدنيا، صدره ضيق عن هذا وحرج، والحرج: الضيق، ومثله كالذي يحاول أن يصعد إلى السماء، فليقم أحدنا وليقفز مرتين، أو سبعاً، أو عشرين.. فهل سيصعد إلى السماء؟ بل يهبط، كلما قفز هبط، هذا الذي يصعد في السماء.

ولهذا -معاشر المستمعين والمستمعات- يجب أن نقرع باب الله عز وجل في صدق، وأن نسأله الليل والنهار أن يشرح صدورنا وينور قلوبنا، وأن يقبلنا في عبيده وأوليائه الصالحين، ولا يكون فينا أبداً شيء اسمه غفلة أو إعراض أو تكالب على الدنيا وبعد عن الإنابة إلى الآخرة، هذه سنن الله عز وجل: الطعام يشبع، الماء يروي، النار تحرق، الحديد يقطع.. سنن لا تتبدل، كذلك من طلب الله وجده، من قرع باب الله فتح له، من أقبل على الله يطلب هدايته ونوره وحكمته ورحمته يظفر بها، أما المشغول اللاهي التائه الضائع فإنه لو يعرض عليه الإيمان لا يقبل، ضيق صدره، ما يطيق أبداً أن تستر امرأته وجهها وتمشي في الشارع، ما يقوى أبداً على فضيلة من فضائل الإسلام وعلى هداية من هدايات الرسول صلى الله عليه وسلم، لضيق صدره، فلهذا نكثر من الدعاء: اللهم اشرح صدورنا، ونور قلوبنا. اللهم اشرح صدورنا، ونور قلوبنا.

أعيد الآية الكريمة وتأملوا: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ [الأنعام:125] من أبيض وأسود، عربي وعجمي، في الأولين أو في الآخرين، من ذكر أو أنثى على حد سواء، يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ [الأنعام:125] ويوسعه، فيفرح بالصلاة والزكاة، يفرح بالواجبات، لا ضيق أبداً ولا هم لا كرب ولا حزن، بل يفرح إذا جاءه الأمر بفعل كذا أو بترك كذا.

وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ [الأنعام:125] لإعراضه وتكبره واستكباره وعناده وحربه لرسول الله وأولياء الله يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125].

معنى قوله تعالى: (كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون)

قال تعالى: كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام:125]، هكذا يشرح ويضيق، وهكذا يجعل الرجس -وهو النجس والوسخ والدرن- في قلوب الذين لا يؤمنون، فيا ويل الكافرين، يا ويل الذين لا يؤمنون، قلوبهم وسخة نجسة، أنى لها أن تقبل نور الله أو تقبل هداية الله عز وجل؟ حين تعرض عليه الهداية يتكبر ويلوي رأسه، قد يسخر منك ويضحك؛ وذلك لهذا النجس وهذا الرجس الذي في قلبه، من جعل هذا؟ الله عز وجل، كيف جعله؟ هل ظلم العبد فجعل في قلبه الرجس؟ لا. بل العبد أعرض عن الله، أبى أن يؤمن، أقبل على الأوساخ والزبالات فحصلت في قلبه، كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام:125]، لو آمنوا لنور قلوبهم وزكى أرواحهم وطهرها، لكن رضوا بالكفر والإلحاد والفسق والفجور والظلم والشر، إذاً: أصيبت قلوبهم بالنجس، أصبحت نجسة، هكذا يحصل للذين لا يؤمنون بالله، بلقاء الله، بشرع الله، برسول الله، بما أمر الله أن يؤمن به عبد الله وأمة الله، هذه سنته في خلقه: كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ [الأنعام:125] الوسخ والنجس، على من؟ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأنعام:125]، من هم هؤلاء؟ هم الكفار، الملاحدة، المشركون.. قل ما شئت من أنواع الكفر، كل من لا يؤمن بالله ولقائه، بالله ورسوله، بالله وشرعه فهو كافر، لا يقال فيه: مؤمن.

تفسير قوله تعالى: (وهذا صراط ربك مستقيماً ...)

ثم قال تعالى: وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا [الأنعام:126]، بين الآن فقال: هذا هو صراط ربك يا رسولنا مستقيماً، من سلكه نجا ومن أعرض عنه خسر وهلك، وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا [الأنعام:126] لا اعوجاج فيه، ألا وهو الإسلام، وهو المراد من قوله تعالى من سورة الفاتحة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] الذي لا اعوجاج فيه عن يمين ولا عن شمال.

وقد بينا للصالحين والصالحات أنك إذا أردت سلوك هذا الطريق فآمن أولاً، آمن بأن هذا صراط الله المستقيم، أي: ادخل في الإسلام بشهادة أن لا إله إلا اله وأن محمداً رسول الله.

ثانياً: لا تنحرف يميناً ولا شمالاً وامش، أي: أد الفرائض والواجبات، انهض بها لا تترك واحدة منها وأنت قادر على القيام بها.

ثالثاً: دع الجهة اليسرى، لا تلتفت إلى معصية الله بارتكاب ما حرم أو فعل ما نهى عنه وكره، وواصل سيرك إلى باب الجنة دار السلام، ما إن يأتي ملك الموت وأعوانه حتى تبشر في نفس اللحظة بأنك من أهل دار السلام.

وكثيراً ما أكرر وأقول: يا أبنائي! الإسلام أن تسلم قلبك ووجهك لله، فلا يكن في قلبك حب ولا ميل ولا رغبة إلا لله، هو الذي ترهب وهو الذي تحب وهو الذي من أجله تحيا ومن أجله تموت، ثم وجهك لا تلتفت به أيضاً إلى غير دين الله، فإذا أسلمت قلبك ووجهك لله هداك الله، وشرح صدرك وزاد في نورك وهدايتك.

وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا [الأنعام:126]، الخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صالح لنا ولكل مؤمن، وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا [الأنعام:126] لا اعوجاج فيه ولا انحراف، لا في العقائد ولا في الآداب ولا في الأخلاق ولا في العبادات ولا في الأحكام، والله لا اعوجاج فيه؛ إذ كل عبادة من شأنها أنها تزكي النفس وتطهرها، وكل منهي عنه ومحرم من شأنه أن يخبث النفس ويلوثها، فمنع الله منه وحرمه، وأوجب هذا وأمر به، كل هذا لنصل إلى ربنا ونحن أطهار أصفياء، فيقبلنا ولا يردنا.

معنى قوله تعالى: (قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون)

قال تعالى: قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ [الأنعام:126] إي والله، انظر فقط إلى هذه السورة من بدايتها، كل الآيات تفصيل عجب حتى تلوح أنوار الهداية لمن أراد الله هدايته، وحتى تلوح أيضاً ظلمات الشقاء لمن أراد الله شقاوته؛ إذ بينت كفر الكافرين ونفاق المنافقين، وشك الشاكين وترددهم، كما بينت أيضاً أنوار الهداية والإيمان لأهل الإيمان، من أولها إلى هذه الآية وإلى نهايتها.

وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ [الأنعام:126] لمن؟ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ [الأنعام:126]، أما الأموات الذين لا يذكرون ولا يذّكرون، تذكره فما يذكر، تفكره فما يفكر، جئ إلى هابط وذكره بالله فهل يذكر؟ قل له: من أين أتيت أنت؟ أمك من أين أتت؟ هل تموت أم لا تموت؟ كيف أنت حي؟ كيف تنطق؟ كيف تسمع؟ من أنت؟ فهل سيذَّكر؟ لا يذكر، ولكن الآيات فصلها الله وبينها وشرحها لمن ينتفع بها وهم الذين يتذكرون فيذكرون، أما أهل الغفلة والإعراض والأضاحيك والباطل طول الحياة فأنى لهم أن يذكروا.

قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ [الأنعام:126] أي: هم الذين ينتفعون بها.

تفسير قوله تعالى: (لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون)

ثم قال تعالى: لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الأنعام:127]، اللهم اجعلنا منهم، دار السلام: الجنة، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، لهم دار السلام والنظر إلى وجه الله الكريم، والدار: هي الجنة، والسلام اسم من أسماء الله تعالى، ولك أن تقول لهم: دار السلامة من كل عاهة، من كل آفة، فلا كبر، ولا هرم، ولا مرض ولا سقم، ولا موت.. السلامة بكاملها، فهي دار السلامة من كل العيوب والنقائص، من كل العاهات والآفات والآلام، وهي أيضاً قبل ذلك دار الله، والقرآن حمال الوجوه، وكلا الوجهين -والله- صحيح، هي دار الله أم لا؟ والله من أسمائه الحسنى: السلام، ودار السلامة أليست هي الجنة؟ هل فيها الصداع أو ألم الضرس؟ هل فيها كبر؟ فيها موت؟ فيها مرض؟ لا والله أبداً، فأية سلامة أعظم من هذه؟

لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الأنعام:127] أين ربنا؟ في السماء، كما في حديث الجارية حين سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أين الله؟ قالت: في السماء. قال: اعتقها فإنها مؤمنة )، وجاء الزنادقة وأصحاب الباطل بحيث لو أشرت إلى السماء قائلاً: الله قطعوا يدك؛ يقولون: لأنك حددت المكان! وهذه فلسفة كاذبة، ربنا فوق سماواته وفوق عرشه، والجنة سقفها عرش الرحمن. ‏

حاجتنا إلى الولاية وطريق تحقيقها

لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ [الأنعام:127]، ما معنى وليهم؟ وليهم: ناصرهم ومحبهم، أليس وليك ناصرك ومحبك؟ وهل يكون وليك وأنت عدوه؟

إذاً: والوه بالإيمان به وبتقواه، فوالاهم بنصرهم وأكرمهم، فهم أولياؤه وهو وليهم، هؤلاء أولياء الله لهم دار السلام عند ربهم والحال أنه وليهم، لو أنزلهم دار السلام وهو غضبان عليهم فهل سيسعدون؟ والله ما يسعدون، إذاً: وهو وليهم بسبب ماذا؟ بفعل المحاب وترك المكاره، وليهم بسبب ماذا؟ هل لأنهم أبناء أشراف؟ أبناء أنبياء؟ قال: بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:127] الباء سببية، هل بما كانوا يعملونه من اللعب في المقاهي والمراقص؟ من الرقص والشطح والباطل؟ إنما بما كانوا يعملون من محاب الله، ما كان عقيدة عقدوه في قلوبهم، وما كان قولاً رددوه على ألسنتهم وعاشوا عليه، وما كان عملاً بجوارحهم اكتسبوا وكسبوا.. هذا الذي خولهم ولاية الله، وهذا الذي تدرسونه، ولاية الله عز وجل متوقفة على أن تحب ما يحب وتكره ما يكره، وتفعل المحبوب ما دمت قادراً على فعله، وتترك المكروه وأنت قادر دائماً على فعله، بذلك تظفر بولاية الله.

ومن هنا نقول: لا بد من معرفة ما يحب الله وما يكره من العقائد، والأقوال، والأفعال، والصفات والذوات أيضاً، والذي لا يسأل عن هذا والله لا يكون ولياً لله، الذي لا يسأل عن محاب الله ليفعلها كيف يكون ولياً لله؟ هل رأيتم جهالاً ضلالاً طول حياتهم ما يسألون عن الله ولا يعرفون ما يحب يصبحون أولياء الله؟ فهم شر الخلق في الخيانة والتلصص والإجرام والكذب والكفر، لا بد من أن نعرف.

أهمية تعليم الكتاب والسنة في المساجد لتحقيق الولاية

ومرات نكرر القول -والله يشهد- أنه لا بد لأهل القرية من أن يجتمعوا كل ليلة في مسجدهم الجامع بنسائهم وأطفالهم، حتى نخرج من هذه الظلمة وننجو من هذه المحنة والفتنة، لا بد من العودة الصادقة إلى الله إن كنا حقاً نريد ولاية الله، ويجلس لنا عالم بكتاب الله وهدي رسوله، فليلة آية وليلة حديثاً، يتعلمون ويطبقون ويعملون، ففي سنة واحدة تتحقق ولاية الله، ونصبح لو رفعنا أكفنا إلى الله على أن يزيل الجبال لأزالها، أما أن نعيش على هذه الصورة الضائعة الهابطة فكيف نتعلم؟ كيف نعرف ولاية الله؟ كيف نحققها؟ هل بالتخمين والحزر، أو بالظن والخرص؟ لا بد من التعلم، إنما العلم بالتعلم.

وقررنا للحكام والمسلمين أجمعين وقلنا: انظروا نظرة صادقة: أعلم أهل القرية أتقاهم لله، أقلهم جريمة، أقلهم فسقاً، أقلهم ظلماً وشراً، أليس كذلك؟ كيف لا نفهم -إذاً- أنه لا بد أن نجمع الأمة على كتاب الله وسنة رسوله، كيف تنتهي الفرقة المذهبية والطائفية والعنصرية إذا لم نجتمع على كلام الله؟

وذكرنا ألف مرة وقلنا: لما بدأت الشيوعية تقرر مذهبها المادي الإلحادي كانوا يجمعون أهل القرى في أماكنهم العامة والخاصة، في عدن فقط كانوا يجلسون من العصر إلى نصف الليل وهم يغسلون أدمغتهم من الإيمان بالله، ونحن نريد أن نظفر ونفوز ونحن نائمون غافلون! كيف تزول قساوة القلوب وهذا الجمود، وهذا الشح وهذا البخل، وهذا الإسراف، وهذا وهذا كيف يعالج؟ هل يعالج بالحيلة؟ والله لا علاج إلا على نور الله:كتابه وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.

من يقوم بهذا؟ هل المسئولون، ما قام به المسئولون، فأنتم أيها المؤمنون لماذا لا تفعلون؟ لنفرض أننا في ظل حكومة روسيا، هل نحن مؤمنون أم لا؟ هيا نجمع نساءنا وأطفالنا ونعرفهم بالله ليحبوه وليطيعوه، ولتفيض أنوار الهداية علينا، فما يصبح بيننا كئيب ولا حزين، ولا عار ولا مكشوف السوأة ولا فقير.. إنا لله وإنا إليه راجعون.

لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:127] ليلاً ونهاراً، طول العمر في عمل، ما هذا العمل؟ هل يبنون العمارات، هل يعبدون الطرق، هل يحفرون الآبار؟ هذا عمل خاص، العمل هذا أن يعملوا بطاعة الله ورسوله، بالنهوض بالتكاليف والواجبات، وتعبيد الطرق وبناء المنازل قضية تابعة، نطفة من بحر، لا أن نوقف الحياة كلها على الدنيا ونعرض عن الآخرة.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الأنعام (38) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net