إسلام ويب

إن ذكر الله عز وجل لعبده هو غاية رغبة العابدين، ومنتهى أمل القاصدين، وقد وعد الله عز وجل الذاكرين له بأن يذكرهم في الملأ الأعلى بين الملائكة، ووعدهم بمزيد من الإنعام والإكرام لهم إن هم أدوا ما عهد به إليهم من الأعمال والعبادات الظاهرة والباطنة، وإن هم لهجوا بشكره على تفضله عليهم، فنطقت بذلك ألسنتهم، وانعقدت عليه قلوبهم، وترجمته جوارحهم.

تابع تفسير قوله تعالى: (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون)

وعد الله تعالى بذكره عباده الذاكرين له

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

ثم أما بعد:

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت -كعهدنا بها- سورة البقرة، وها نحن مع الآيات المباركات التي ما زلنا نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها، والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:152-153].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! أمرنا الله تعالى بذكره ووعدنا بأن يذكرنا، فما أعلى درجتنا، ما أسمى مقامنا، ما أفضل مكاننا، سبحان الله، الله يذكرنا!

الحمد لله، وويل للكافرين، ويل للغافلين، ويل للمشركين، ويل للمعرضين، ويل للمتكبرين، ويل للناسين، وهنيئاً للذاكرين والذاكرات، فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152].

لقد قلت لك يا عبد الله ويا أمة الله: لو كنت تملك ما في الأرض وتريد أن تنفقه من أجل أن يذكرك الله لما استطعت ولن تظفر بذلك، فما أنت ومن أنت حتى يذكرك رب العرش العظيم، ملك الملوك، قيوم السماوات والأرض رب العالمين، من بيده كل شيء؟ يذكرك في الملكوت الأعلى، ويذكرك بإفضاله، بإنعامه، بإحسانه، برحمته.. بشتى أنواع الذكر، ومع هذا فنحن أشحاء، بخلاء، ما نذكر الله إلا قليلاً!

فضل الذكر الوارد دبر كل صلاة

وأذكركم بما عاهدتم عليه، من أنكم تأتون بتلك الأوراد، فهل وفيتم أو نسيتم؟ أم ليس عندكم وقت؟

وأعيدها تذكيراً للناسين، وتعليماً لغير العالمين:

أولاً: دبر كل صلاة، وهي خمس صلوات في اليوم والليلة، موزعة بتوزيع الحكيم بين ساعات الليل وساعات النهار، تقول: سبحان الله.. سبحان الله.. سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله ثلاثاً وثلاثين، الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر ثلاثاً وثلاثين، هذه تسع وتسعون تسبيحة، ختام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، هذه مائة في خمس صلوات بخمسمائة، والله! لأفضل من خمسمائة مليون دولار، حتى لا تستهينوا بها.

ونبهتكم إلى أن عدوكم لا يريد أن تسموا وتسعدوا، فلهذا إياك أن يلعب بك فتصبح كما يفعل الغافلون فتقول بسرعة: سبحان الله سبحان الله سبحان الله سبحان الله، املأ فاك وقلبك: سبحان الله.. سبحان الله.. سبحان الله، الحمد لله.. الحمد لله، الله أكبر.. الله أكبر، بكل جوارحك، أما الذين يركضون ركضاً فلا يستفيدون حسنة واحدة؛ لأنهم ما أكملوا الكلمة، ما أتموها، وتشاهدون هذا في إخوانكم رأي العين للغفلة.

فضل الذكر بـ(لا إله إلا الله وحده لا شريك له ...) مائة مرة

فهذه خمسمائة، أضفنا إليها ذكر الصباح، تلك الغنيمة الباردة التي لا تعدلها الأرض وما فيها، وهي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة، سواء ما بين أذان الصبح وصلاتها أو بعد صلاة الصبح إلى أن تعود إلى بيتك، إلى أن تتناول أداتك لتعمل، تستطيع أن تأتي بها وأنت ماش في طريقك على رجليك، أو وأنت راكب على دابتك أو سيارتك، فما يمنعك؟ لا شيء، تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأنت تذكر بقلبك معاني هذه الكلمات.

أتذكرون المثوبة؟ أتذكرون الأجر؟ ما هو؟ كان له كعدل عشر رقاب، كأنك أعتقت عشرة رقاب، وحررتهم في سبيل الله، وليس هذا فقط، بل كتبت لك مائة حسنة وحط عنك مائة سيئة، ولا تزال يومك ذلك كله في حرز من الشيطان، كأن الملائكة تحرسك، طول النهار وأنت في حرز من الشيطان، لن يصل إليك ليفسد قلبك، ولم يأت أحد بمثل ما أتيت به من الأجر في ذلك اليوم إلا الذي قال مثلك وزاد عليك، فهل هذا الورد يمكن أن نتركه ونحن أحياء عقلاء؟ هذه ستمائة.

فضل الذكر بـ(سبحان الله وبحمده) في الصباح والمساء

وهناك ورد الصباح والمساء: سبحان الله وبحمده.. سبحان الله وبحمده، لو قلته وأنت فاهم ما تقول، وتدرك معنى هذه الكلمة فإنك تكاد تطير بها: سبحان الله وبحمده.. سبحان الله وبحمده، مائة مرة في الصباح، ومائة مرة في المساء، نقولها ما بين أذان المغرب إلى الإقامة، بل أقل من ذلك، فمن موقف السيارات إلى المسجد النبوي نكملها.

وهذه جائزتها: أن تغفر ذنوبك ولو كانت مثل زبد البحر، هذا لا يأتي من طريق الأحاديث الضعيفة، إياك أن تفكر هذا التفكير، هذه أحاديث في الصحاح، لا نذكر حديثاً ضعيفاً، حتى لا يوسوس لك الشيطان، ففيما يخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ( من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة إذا أصبح وإذا أمسى حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر )، هذه سبعمائة.

فضل الذكر الوارد عند النوم

وهل تذكرون عطية رسول الله صلى الله عليه وسلم لـفاطمة الزهراء ولـعلي بن أبي طالب ، رسول الله هو الملك، هو السلطان، هو الأمير، هو الإمام، هو الحاكم، قل ما شئت، وتأتي الزهراء تطلبه عوناً لها على تعب حياتها فيعطيها الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الذكر، فبكم يقدر هذا؟ وهل الرسول صلى الله عليه وسلم واهم؟ أعوذ بالله، حاشاه صلى الله عليه وسلم!

يأتي إليها وهي على فراشها مع بعلها رضي الله عنهما فيقول: هل أدلكما على شيء إذا فعلتماه كان عوناً لكما على أتعاب الحياة، ويأخذ به علي ، ويسأله ابن الكواء أحد رجاله يقول: يا إمام المسلمين! هل تركت ذلك الذكر الذي أعطاك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً؟ قال: والله! ما تركته حتى ليلة صفين!

وأنتم تتركونه، فأعوذ بالله! ما المانع؟ تقولون: يا شيخ! مشغولون بشاشة التلفاز وسماع الأغاني وأصوات العواهر ومناظر الباطل والسوء، محجوبون، إلى متى؟ أما هناك رحلة إلى السماء؟ أنريد هبوطاً إلى الأرض؟ تقولون: لا، إنا راجون، إنا طامعون أن ننزل الملكوت الأعلى بعد ساعات أو أيام، أما تستطيع أن تتهيأ للعروج إلى الملكوت الأعلى؟ ماذا يتعبك وأنت على فراشك وأصابعك في يديك تقول: سبحان الله.. سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، الحمد لله.. الحمد لله ثلاثاً وثلاثين، الله أكبر.. الله أكبر أربعاً وثلاثين، هذه مائة.

وعلي من هو؟ لو جمعت هذه البشرية ما كانت كـعلي في إيمانها ولا صلاحها ولا علو درجتها، وما يترك هذا الذكر أربعين أو خمسين سنة، حتى في ليلة من أصعب الليالي مرت به، حرب أوقد نارها المجوس واليهود والنصارى، ما تركها، ونحن نأكل ونشرب كالضباع وننام كالبهائم بلا ذكر لله! من فعل بنا هذا؟ إنه الجهل، ما عرفنا الله ولا أحببناه ولا سألنا عنه ولا تعرفنا عليه، هذه هي جملتنا.

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

إذاً: تلك ثمانمائة، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تستطيع أن تستوفي بها الألف وتزيد، واسمع الله تعالى يقول: (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))[الأحزاب:56]، من قال: لا؛ تمزق وتلاشى، ولم يبق له مكانة عند الله، الله تعالى يقول: (( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ))[الأحزاب:56] وأنت تقول: لا؟! الله الذي يطوي السماوات السبع في يمينه وهذه الأرض في قبضته يصلي على النبي! وملائكته كم عددهم؟ والله! لا يعرف لهم عدد، لا يعرفهم إلا الله. أتريد أن تعرف عن الملائكة؟ جبريل عليه السلام تجلى لرسول الله فسد الأفق كله بستمائة جناح، ومدن سدوم وعمورة رفعها إلى السماء وقلبها.يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أذن لي )، أعطيت إذناً من ربي ( أن أحدث عن ملك رأسه تحت العرش ورجلاه في تخوم الأرض السابعة )، الملائكة يصلون على النبي، والبشري المسكين يقول: لا، ولا يصلي، فلهذا إذا ذكر محمد صلى الله عليه وسلم باسمه العلم أو بعنوان النبوة أو الرسالة ولم تصل عليه فإنك تتمزق: ( رغم أنف امرئ ذكرت عنده ولم يصل علي ) صلى الله عليه وسلم.ويقول مبشراً معلماً: ( من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً )، والعشر بمائة، والمائة بألف، والألف بعشرة آلاف، ومع هذا يمضي على ملايين المؤمنين والمؤمنات أربع وعشرون ساعة ما يقولون فيها: صلى الله عليه وسلم، أما أن يستقبل القبلة، أما أن يجلس، أما أن يذكر ويقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد؛ فقل من يقول هذا، مع أنها واجبة في كل صلاة، إذا صليت ركعتين أو فريضة ذات الأربع ركعات أو ثلاث فلا بد أن تصلي هذه الصلاة في صلاتك، وإلا فصلاتك ناقصة إن لم تكن باطلة.

أعلى صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ورد عنه فيها نيف وثلاثون صيغة من الصيغ، علمها أصحابه ونساءه وبناته، أعطيكم صيغتين: كبرى ما فوقها صيغة، وصغرى أدناها صيغة، وأنت خذ بما تستطيع، الكبرى هي الصلاة الإبراهيمية التي نصلي بها في كل صلاة نصليها، أعيدها ليسمعها الغافلون وليحفظوها من إخوانهم الليلة، فلا يبيتن رجل منا ولا امرأة الليلة وهو لا يحفظ هذه الصلاة، ولو أن يقرع باب جاره يقول: اسمع. هل صلاتي صحيحة أو لا؟

(اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد).

أنا أعرف أن السامعين بينهم من لا يحفظها، والسامعات كذلك، لكن لم؟ أرخيصة هذه؟ لو كانت دجاجة مشوية لفزعنا إليها، فكيف لا نحفظها؟ وهي واجبة في كل صلاة طول العمر: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

هذه أكمل صلاة وأسماها وأشرفها وأغلاها، الصلاة الإبراهيمية؛ إذ علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، قالوا: يا رسول الله! قد علمنا السلام عليك، فكيف نصلي عليك؟ هؤلاء القائلون جنرالات الدنيا لا أوساخ البشر، هؤلاء أبو بكر وعمر وعثمان ورجالات الإسلام، قالوا: يا رسول الله! أما السلام عليك فعرفناه، وهو: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فكيف نصلي عليك إذاً؟

فقال: ( قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ).

نقولها في كل صلاة بعدما نقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وبذا تشعرون أنكم تكلمون رسول الله، فملايين من العرب والمسلمين ما يفهمون هذا ولا ذاقوا طعمه، نعم قبل وجود هذه المخترعات التي فتح الله أبوابها وأنار الوجود بها ما كان المؤمنون إلا على مطية التسليم لله، ولذا فإنهم بعد وفاته قالوا: كيف نقول: السلام عليك أيها النبي وهو غائب، أيام كان يصلي بنا هو بين أيدينا، لكن بعدما مات كيف نقول: السلام عليك أيها النبي؟ نقول: السلام على النبي. فقال العلماء منهم: اسكتوا، علمنا رسول الله أن نقول هذا.

وتمضي القرون ونحن الآن موقنون أنا نقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فتصله على الفور ويرد السلام، ومن شك في هذا فلا عقل له؛ لأني أنا الآن هنا أقول: (ألو) وأتكلم مع شخص في أمريكا، فحين نقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فعلى الفور تكون عنده، لأن الله تعالى هو الذي خلق الهواء والأثير والموج، فلهذا إذا سلمت عليه وأنا غافل فإني أعيد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فتصل كل عبد صالح في الملكوت الأعلى والأرض.

ثم أقول: أشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ففي كل صلاة وأنت بين يدي الله تشهد هذه الشهادة وتكررها طول حياتك، ذلك معراجك إلى الملكوت الأعلى، في كل صلاة نعيد شهادة الدخول في الإسلام: أشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم نصلي على النبي: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. فهذه أعلاها.

أدنى صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

وأدناها: اللهم صل على محمد وسلم تسليماً. فهذه تؤدي بها الواجب؛ إذ بهذا أمرك الله فقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] فإن قلت: اللهم صل على محمد وسلم تسليماً فقد أديت الواجب.

فهذه تستطيع أن تقولها مائة مرة في خمس دقائق: اللهم صل على محمد وسلم تسليماً.. اللهم صل على محمد وسلم تسليماً.. اللهم صل على محمد وسلم تسليماً، وإن أردت أن ترقى إلى ما هو أفضل من هذه فزد كلمة: (وآله): اللهم صل على محمد وآله وسلم تسليماً.. اللهم صل على محمد وآله وسلم تسليماً، فكم تصلون على النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم؟

وسأعطيكم ورداً فيها لثلاثمائة مرة على الأقل، وقد تقولون: يا شيخ! شغلتنا عن دنيانا، أخذت منا نومنا، تركتنا في هذه! فأقول: هل تتعب حين تقول: اللهم صل على محمد وسلم تسليماً؟ هل تشعر بالإعياء؟ وأنت ماش، وأنت تنتظر الصلاة، فمن الأذان إلى الإقامة تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ألف مرة.

على الأقل ثلاثمائة مرة في اليوم والليلة، منها مائة نوزعها بعد الصلوات الخمس، بعد كل صلاة تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عشرين مرة في خمس صلوات بمائة، تقول: اللهم صل على محمد وسلم تسليماً.. اللهم صل على محمد وسلم تسليماً، ومائة في الصباح ومائة في المساء، فهذه ثلاثمائة؛ لأن حد الكثرة -كما قال علماء السلف- ثلاثمائة، لا تقل: أنا ذكرت الله كثيراً إذا ما ذكرت ثلاثمائة مرة في اليوم والليلة.

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي أعظم ذكر لله، فحين تقول: اللهم صل فقد ناديت الله وذكرته بأعظم ذكر، فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ذكر وصلاة، تنادي ربك: (اللهم) معناها: يا ألله، حذفت الياء وأبدلت عنها الميم؛ لأن الله ما هو بغائب حتى تناديه بـ(يا ألله)، فهذه الميم في (اللهم) عوض عن ياء النداء، فبدل أن تقول: يا ألله قل: اللهم، لم؟ لأن الله ليس بغائب أبداً، قل بشفتيك يسمعك، يعلم دقات قلبك ونبضات عروقك، قل: اللهم صل على محمد وسلم تسليماً، وأي مانع من ذلك؟ ما هناك مانع أبداً، من ساعة أن تصلي الصبح أو تمشي في طريقك إلى صلاة الصبح تأتي بالأوراد هذه، وأنت عائد من صلاة الصبح تأتي بها، وأنت جالس تنتظر إقامة الصلاة تأتي بها، بل إني إذا نسيت قول (سبحان الله وبحمده) آتي بها بين الإقامة والدخول في الصلاة: سبحان الله وبحمده.. سبحان الله وبحمده.. سبحان الله وبحمده، فما تتم الإقامة ويدخل الإمام في الصلاة إلا وقد انتهيت منها، أما تحبون أن يكون الله معكم دائماً؟ أما قال لنا: ( أنا مع عبدي إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ- جماعة- ذكرته في ملأ خير منه )، أفضل وأقدس، من الملائكة وليسوا البشر.

إذاً: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ذكر وزيادة، ذكر ودعاء، وهل تعرفون قيمة الدعاء؟ احفظوا هذا الحديث: ( الدعاء هو العبادة ) حصر العبادة في الدعاء، وورد ( الدعاء مخ العبادة )، وانزع المخ من الحيوان فهل يبقى حياً؟ انتهى، إذا بطل الدعاء بطلت العبادة.

أثر الذكر في الكف عن الجرائم

قد يقول القائل: أكثرت يا هذا من الذكر، الناس في حاجة إلى مقاومة الزنا والربا واللواط والخيانة والكذب والسرقة والإجرام وعقوق الوالدين، خمت الدنيا!

ونحن نقول: هل الذاكرون الله كثيراً والذاكرات يغشون هذه الكبائر من الذنوب؟ والله! ما كان، فالحصن الحصين هو ذكر الله عز وجل، الذي يذكر الله بقلبه ولسانه، فهو مشدود بالسماع ومربوط مع الله هل يزني؟ هل يقول كلمة سوء وهو ينطق باسم الله؟ والله! ما كان.

لو ذكرنا الله لانتهت الجرائم وانتهى الباطل والشر والفساد نهائياً، لا رشاش ولا بوليس، بذكر الله، قلوبنا مع الله، فكيف نقدم على معصيته ونحاربه ونحارب دينه وأولياءه ونحن معه نذكره؟

قل لي بربك: من يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر ويمد يده ليأخذ الباطل؟ يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله ويفتح عينيه في جارته ينظر إليها؟ والله! ما كان، وما وقعنا في الجرائم إلا بعد الإعراض عن ذكره تعالى.

أما أثنى الله تعالى على الذاكرين؟ أما قال: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ [الأحزاب:35]؟ خالق الطباع وغارزها هو الذي يقول.

وإليكم حادثة وقعت في بني إسرائيل أيام عيسى عليه السلام وابن خالته يحيى عليه السلام، فقد أوحى الله تعالى إلى يحيى بأربع كلمات أن يقولها لبني إسرائيل ويعمل بها، وفي ذلك الوقت كان بنو إسرائيل كالمسلمين اليوم، الكعب العالي، والربا، والزنا، والدنيا، والتكالب، مثل المسلمين الآن.

فخاف يحيى كيف يواجه بني إسرائيل بها، فتردد فقال عيسى: أعطنيها أنا أقولها وليكن ما يكون، والآن في العالم الإسلامي ما يستطيع العالم أن يقول كلمات، لأنه يمزق.

إذاً: لما خاف قال عيسى: أنا أقولها، فاضطرب يحيى وقال: يا ويحيى إذا لم أقلها، فصعد في شرفة منزل حتى لا يصلوا إليه بالحجارة، واجتمع بنو إسرائيل وهم يحبون التجمعات كالعرب والمسلمين الآن، إذا جاء مغن أو دجال امتلأ السوق عليه.

فاجتمعوا وقالوا: تعالوا انظروا إلى يحيى ماذا يريد أن يقول؟ وقالها وبرئت ذمته، هذه الأربع الكلمات منها: ( وآمركم بذكر الله، فإن مثل ذكر الله مثل حصن حصين )، كإنسان جرى العدو وراءه وهو هارب، فوجد حصناً فدخله وتحصن به، هذا مثل ذكر الله تعالى، الذي يريد أن ينجو من الشيطان فلا يزني، ولا يسرق، ولا يغتاب، ولا ينم، ولا يكذب، ولا يضجر، ولا يعق أمه، ولا يعصي الله ولا الرسول؛ فالحصن من الشيطان ذكر الله، الزم ذكر الله بقلبك ولسانك فما يقوى الشيطان على إفسادك.

إذاً: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لله ودعاء وصلاة على المصطفى.

الذكر بتلاوة القرآن الكريم

وأخرى: تلاوة كتاب الله عز وجل، هذا ذكر عظيم، ذكر وحصول على العلم، الذي يتلو كتاب الله متدبراً متأملاً يحصل على أنواع العلوم والمعارف المختلفة المتنوعة، وفي نفس الوقت هو يذكر الله سبحانه وتعالى، من ساعة أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إلى أن يفرغ من تلاوته وهو مع الله، يتلو كلامه ويتدبره ويذكر اسمه، قلما تمر آية ما فيها اسم الله، فهو نعم الذكر، ولهذا سماه الله ذكراً، أما قال تعالى: وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ [ص:1]؟ القرآن صاحب الذكر، ما قرأه عبد إلا ذكر الله، فكيف تقرأ القرآن ولا تذكره؟

فمن تلاوة القرآن إلى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بهذا تكون قد أتيت بورد يزيد على الألف، وأهنئكم وأحمد الله تعالى إليكم على ما فزتم به في ليلتكم هذه، ووفوا وانتبهوا، فما يبقى بيننا من يكذب، ولا يسرق، ولا يزني، ولا يأكل الربا، ولا يفعل جريمة أبداً؛ لأننا في عصمة الله ما دمنا ذاكرين لله، هذا معنى قوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [البقرة:152].

معنى قوله تعالى: (واشكروا لي ولا تكفرون)

وما معنى وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ [البقرة:152]؟

واشكروا لي: إنعامي، إفضالي، إحساني.. ولا تكفروه وتغطوه وتجحدوه، ومن مظاهر شكر الله على إنعامه: شكره على خلقك، فأنت مخلوق أم لا؟ وهل هناك من يقول: أنا لست بمخلوق؟ أعاقل يقول هذا الكلام؟ مخلوق اسم مفعول، فمن خلقك؟ الفطرة تصرخ وتقول: الله، الله هو الذي خلقني، فهذا الخلق كم يساوي؟ ديتك كم تساوي؟ ولو جزأناك فدية العين دية كاملة، ودية اللسان دية كاملة، وهكذا، كل هذا الإنعام لا تحمد عليه المنعم ولا تشكره؟ تعجز أن تقول: الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله؟

أركان الشكر

الشكر يكون بالقلب وباللسان وبالجوارح، وفي هذا المعنى يقول الحكيم:

أفادتكم النعماء مني ثلاثةيدي ولساني والضمير المحجبا.

فالشكر يكون بالقلب، واللسان، والجوارح، فكيف يكون الشكر بالقلب؟

الشكر بالقلب هو الاعتراف الباطني بنعمة الله، اعترافك في قلبك بأن هذا الريال من فضل الله، بأن هذا اللسان من عطاء الله، بأن هذه الحياة من فضل الله، هذا الاعتراف بالقلب هو الشكر؛ إذ كم جاحداً كافراً لا يعترف بقلبه لله بنعمة ولا بفضل ولا بإحسان أبداً، وهذا شأن كل كافر على الأرض، هل يعترفون بما أنعم الله عليهم بقلوبهم؟ لو اعترفوا لوقعوا ساجدين بين يدي الله.

فأولاً: أن تعترف بقلبك بهذه النعمة، سواء كانت في النطق، أو البصر، أو الريال، أو الصحة، أو الولد، أو الزوجة، والظل تحت شجرة، عندما تحصل النعمة اذكر الله بقلبك أن هذا من فضل الله، أما ألا تذكر بالقلب فهيهات أن تذكر باللسان، فأولاً القلب، وهو اعتراف قلبي باطني بنعم الله.

ثانياً: تترجم ذلك الاعتراف الباطني بلسانك الطيب الطاهر فتقول: الحمد لله.. الحمد لله، والشكر لله، هذه الكلمة الطيبة تزن الدنيا وما فيها، عندما تشعر بأية نعمة وأنت تقول: الحمد لله، فمن هنا إن شربت ماء أو لبناً أو عسلاً فبعدما تفرغ مباشرة يجب أن تقول: الحمد لله، إذا أكلت طعاماً أي نوع أكلت وفرغت فقل: الحمد لله، ولن تقول: الحمد لله إلا بعد أن تذكر إنعام الله عليك بقلبك، فقلت: الحمد لله، إذا ركبت ووضعت جسمك على الدابة أو مقعد السيارة أو الطيارة فقل: الحمد لله. إذا أكلت، إذا شربت، إذا ركبت، عندما تفرغ من النعمة تقول: الحمد لله.

ومما أذكره للصالحين أنه استدعانا لطعام أحد الإخوان في بريدة منذ سنوات، أستاذ دعانا على طعام، ووالده شيخ كبير، وضع المائدة وأخذنا باسم الله نأكل، وذاك الشيخ الكبير أبو هذا الأستاذ يقول: الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله، حتى فرغنا من الأكل بعد ساعة أو زيادة، كلما ذكر النعمة وفكر فيها فاضت نفسه: الحمد لله.. الحمد لله. فهل عرفتم قيمة الحمد لله؟

جاء في التوراة والإنجيل في صفات هذه الأمة أنهم الحمادون، صفاتنا في التوراة والإنجيل، أمة آخر الزمان، أمة محمد صلى الله عليه وسلم تعرف بالحمادين، ما معنى الحمادين؟

كثيرو الحمد، هيا معنا إلى المستشفى، إلى أسرة المرضى المؤمنين الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، تقول لأحدهم: كيف حالك يا إبراهيم؟ فيقول: الحمد لله وهو يموت، تلتقي به على عكازه وهو جائع، فتقول: كيف حالك؟ يقول: الحمد لله.

هؤلاء هم الذاكرون الحمادون، أمة محمد صلى الله عليه وسلم عندما نأخذ بهديه ونسلك سبيله ونتمسك بطريقه، أما إذا غفلنا كما غفل ملايين منا فما يعرف (الحمد لله)، ولا يقولها إلا الأحياء، أحياء القلوب والضمائر العارفون بالله الشاكرون الذاكرون.

فإن شاء الله لا يفارقنا لفظ: الحمد لله، نستيقظ من النوم: الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور، الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره. فهل هذه لا تطيقونها يا أبنائي؟ تأملوا: هذا ذكر رسول الله عندما يستيقظ من النوم، ماذا يقول؟ ( الحمد لله الذي رد علي روحي وعافاني في جسدي وأذن لي بذكره ).

ومعنى أذن لي: سمح لي أن أذكره، وإلا فما أنا ومن أنا حتى أذكر ذا الجلال والإكرام، لولا إذنه لنا فهل نحن أهل لأن نذكره؟

أنا عرفت هذا من العجائز في القرية، حين تغضب العجوز تقول: لا تذكر اسمي، أنا أجل من أن تذكرني.

فالله أذن لنا أن نذكره، ويثيبنا على ذكره، وأبو القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: ( الحمد لله الذي رد علي روحي )؛ لأنها فارقت الجسم، نعم التيار متصل بالملكوت الأعلى، ( وعافاني في جسدي )، قد يقوم الإنسان من نومه أعمى، أو مشلولاً لا يملك شيئاً، فحية قد تأكله، وعدو يغرز فيه حربة، فمن عافاك؟ الله، ( وأذن لي في ذكره )، هذه هي، سمح لي أن أذكره، وهو أجل وأعظم من أن نذكره نحن.

إذاً: شكر الله أولاً بالقلب، يذكر النعمة والمنعم، ثم باللسان فيلهج بكلمة: الحمد لله، هذان ركنا الشكر، والثالث: أن تصرف النعمة فيما أحب أن تصرفها فيه، وإلا فأنت كافر النعمة ولست لها بشاكر، أعطاك ريالاً أو ألفاً فأنفقها فيما يحب، فيما أذن لك، فإن أنفقتها فيما نهى وحرم فوالله! ما شكرته، واستهزأت وسخرت، ما أعطاك هذا الريال أبداً لتشرب به السم، أو تقتل به عمراً، أعطاك لتنفقه عليك أو على من تنفق من أجل أن يعبد الله بالذكر والشكر.

ذم صرف النعمة فيما لا يرضي الله تعالى

وهنا وقفة لو نتأملها، لو عرف إخواننا هذا فوالله! ما شربوا الأفيون ولا الكوكايين ولا الدخان ولا السجائر ولا الخمرة أبداً، كيف يعطيك هذا الريال وتعصيه به، أين يذهب بعقلك؟ إلا إذا قلت: أنا كافر فنعم، أما أن تقول: أنا مؤمن، ويعطيك الدينار والدرهم إفضالاً منه وإحساناً، وأنت ما خلقت ولا أوجدت، هو الذي سخر لك وأعطاك، ثم تعصيه به، فكيف هذا؟

والصحة البدنية من وهبكها، من أعطاك صحة بدنك؟ فكيف تستخدم هذه الصحة ضد ربك، ضد الذي أعطاها؟ فتذبح المؤمنين وتبقر بطونهم، أو تسلب أموالهم وتنتهك أعراضهم؟ هذه الصحة من الذي أعطاك إياها؟ أليست نعمة الله؟ أهكذا يكون الشكر؟ قوة البدن تستخدمها ضد أولياء الله؟

قد تقولون: يا شيخ! ما تعلمنا، ما عرفنا، هذه علتنا، ما علمتمونا! وأنا أقول: ما جئتمونا، ما قرعتم أبوابنا، ما اجتمعتم في بيت ربكم وناديتم أن: علمونا، أنتم شاردون تائهون في المقاهي والملاهي والملاعب، فكيف نتعلم إذاً؟

نعم العلة أننا ما تعلمنا، والله! ما تعلموا، ملايين ماتوا أحياء، ما جلسوا هذا المجلس ولا عرفوا ما عرفتم هذه الليلة أبداً، فما الحيلة إذاً؟

هيا نستأنف الحياة من جديد، ما زالت الحياة بأيدينا، فماذا نصنع؟

لن من هذا الكلام، ولن نمل حتى ننتهي، فنقول: بلغوا رجال الحكم عندكم، بلغوا رجال العلم، بلغوا البصراء، بلغوا الأذكياء أن الطريق هو أن نعرف أننا مسلمون مؤمنون نريد أن نسكن السماء في الملكوت الأعلى، وعليه فإذا مالت الشمس إلى الغروب وقف دولاب العمل، توضأ واحمل زوجتك وأولادك إلى بيت الله، بيت الله مسجد تبنونه في القرية أو في الحي، وتجلسون والله يفتح ويعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة البقرة (66) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net