إسلام ويب

حضت الشريعة الإسلامية على التعلم والتفقه في أمور الدين، وجعلت لذلك آداباً يلزم المرء أن يحرص عليها، ومن ذلك ألا يسأل عما لا حاجة له إلى معرفته، ولا عما هو غير عازم على العمل به، فإن نبينا صلى الله عليه وسلم سكت عن أشياء رحمة بعباده، والسؤال عنها يفتح على الناس أبواب المشقة والعنت، وهذا ما لا يريده الله لعباده.

تابع النهي عن السؤال عما لا فائدة فيه ولا حاجة تدعو إليه والتحذير من عواقبه

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان، اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارض عنا كما رضيت عنهم. اللهم آمين.

في النداء السابق بقيت فقرات منه، فهيا نستذكر النداء، ونقرأ تلك الفقرات الباقية.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ [المائدة:101-102].

التحذير من كثرة الأسئلة فيما لا ينبغي للمسلم أن يأتيه

الفقرات المتبقية من الدرس من هذا النداء الإلهي الكريم: قال: [ ولذا فلنعلم أن الغلو والتنطع وكثرة السؤال مما لا ينبغي للمسلم أن يأتيه ويقوله، أو يفعله ] وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [المائدة:101] [ وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه: ( إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً ) ] أي: إثماً وذنباً [ ( من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم من أجل مسألته ) ] وهذا أيام كان القرآن ينزل، فقد يتنطع السائل فيسأل فيحرم ذاك الذي سأل عنه، ويعجز الناس عنه ويهلكون. ونعيد هذا الحديث لخطورته، يقول صلى الله عليه وسلم: ( إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم على المسلمين فحرم من أجل مسألته ) [ ويقول صلى الله عليه وسلم فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( إن الله حرم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنعاً وهات. وكره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال ) ] وهذه ست:

أولاً: حرم علينا عقوق الأمهات، وعقوق الأم هو مقاطعتها وعدم صلتها، وأما أذيتها فلا تسأل عنه.

ثانياً: ووأد البنات، وهو دفنهن أحياء قبل الموت. وكان هذا في الجاهلية، فقد كانوا يخافون الفقر أو المجاعة إذا انقطع المطر، واشتد القحط؛ فيئدون بناتهم، أو يخافون العار من أن تغزوهم قبيلة من القبائل فيسبون نساءهم، فتكون بنت فلان عند فلان، فيئدون البنات. وجاء الإسلام فأنار الدنيا، وأشرقت له الحياة، وأصبح من يئد البنات مجرماً. واذكروا لهذه الجريمة قول الله تعالى من سورة التكوير: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8-9]. فإذا سئلت الموءودة: بأي ذنب قتلت؟ فإنها تقول: ظلموني، فقد قتلني أبي ظلماً وعدواناً، ومع الأسف لقد اقتدينا بالغربيين الكافرين، ولم نبتعد عن عصر الجاهلية بل حاذيناه؛ إذ الشائع الآن أن الكثيرين يئدون ما في بطون أزواجهم؛ لأنهم فقط لا يريدون التعب من أجل الأولاد، وهناك أطباء من أهل النار يوافقونهم، ويجهضون النساء ويسقطون ما في الأرحام، لا لمرض قاتل ولا لعلة خطيرة، وإنما فقط لأنهم لا يريدون أن يحرموا أنفسهم من لذة الحياة. ويعنونون لهذا: تحديد النسل، أو تنظيم النسل، ونحن ليس عندنا تنظيم ولا تحديد، وكم من مؤمن عاش ستين سنة يرفع كفيه إلى الله ليرزقه ولداً؛ وما رزقه لعلم الله وحكمته، ونحن نحدد بخمسة أو بثلاثة أو بسبعة أو باثنين، أو ننظم، وكل سبع سنين نسمح لمولود، وهذا كما علمتم قلدنا فيه الغربيين؛ لأننا تتلمذنا لهم، وتخرجنا على أيديهم، وما تتلمذنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا لـأحمد ، ولا لـمالك ، ولا لغيرهم؛ لأن المساجد هجرناها من زمان.

فمن هنا القولة الفاصلة: لا تحديد ولا تنظيم، ولكن للضرورة أحكامها، فإذا كان هناك مرض مزمن مشق متعب، أو سفر، أو حالات خطيرة فإذا اعتزل الفحل أنثاه أو فصل ماءه فلا حرج، وأما أن يتكون الجنين ويتخلق وتنفخ فيه الروح بعد أربعة أشهر ثم يسقطه، فهذا والله إنه قتل نفس. ولن نكون بهذا أولياء الله. فأولياء الله يرحمكم الله الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]. وأعداء الله الذين ما آمنوا ولا اتقوا.

والثالثة: ( ومنعاً وهات ). وهذا خلق غير سليم ولا مُرض ولا مقبول، بل هذا خلق الشحيح الممسك البخيل، فهذا يطمع، فليس عنده إلا أعطنا فقط، وأما خذ فلا، والمؤمن ساعة وساعة، فإن احتاج أخذ، وإن استغنى أعطى، وأما أن لا تعرف إلا أنك دائماً طول حياتك تأكل فقط وتعطي فهذه صفة لا يرضاها الله عز وجل، بل حرمها على أوليائه.

الرابعة: ( وكره لنا ثلاثاً: قيل وقال )، أي: من ليس عنده إلا قيل كذا، وقال فلان كذا، بلا بينة ولا حجة ولا برهان ولا دليل ولا فائدة تجنى وتستثمر منه، بل فقط قيل وقال، وهذه عامة في مجالسنا من يوم أن هبطنا إلى الأرض، وقد كنا فوق الأرض في السماء ثم هبطنا، ولما هبطنا أصبحت مجالسنا الخاصة والعامة لا تخلو من قال فلان، وقيل كذا، ولا ثمرة ولا نتيجة ولا حسنة، إلا تمزيقاً للوقت وتضييعاً له، وإثارة النفوس والأحقاد والحزازات. فإذا لم تر الشيء فاسكت عنه، ولا تقله، ولا تقل: قيل، والآن قامت بهذا المركب الجديد الصحف، فهي تنشر ما هب ودب؛ لأننا نرضع كل لبنها.

والطريق وسبيل النجاة: أن نعرف هذا النهي ونلتزم به، ونقول: بلغنا عن رسولنا أن ربنا يكره لنا كلمة: قيل وقال، فلا أقول: قيل كذا وكذا، ولا قال كذا بدون ما أرى أو أسمع، وأرى لذلك نتائج تثمر الخير أو تبعد عن الشر، وأما مجرد التلذذ بالأخبار فهذا والله مفسدة، ولهذا حرمها الله وكرهها.

الحامسة: ( وكثرة السؤال ). فلا يتنطع العبد حتى يسأل عن أشياء لا تقع ولن تقع، أو يسأل عن أشياء ليس عنده استعداد ليعمل بها أبداً، أو لا يفيد من يسمعها من الحاضرين، وإنما فقط يمزق الوقت ويقطعه بلا فائدة، وكلماتنا كريالاتنا، فاعرفوا هذا. فإذا احتجت إلى الكلمة أخرجها وقلها، وإن لم تحتج فلا تقل، كريالاتك إن احتجت إلى الريال اشتريت البصل أو الثوم، وإن لم تحتج إليه فهو في جيبك. وكلماتنا أغلى وأعز وأكثر تأصيلاً من الريالات، وكم من كلمة أودت بحياة إنسان! والريال لا يفعل شيئاً.

السادسة: ( وإضاعة المال ). وقد وقفنا البارحة هنا. والمال ليس الذهب والفضة فقط، بل كل العمل الذي تعمله مال، فلا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يضيع ريالاً واحداً، وإضاعته ليس تقطيعه فقط، فهذا لا يفعله إلا من كان مجنوناً، وهذا نادر، إلا إذا غضب الأحمق فقد يمزق الألف الريال، وهذا نادر أيضاً، وفي المائة سنة يقع مرة، ولكن إضاعته هو أن تنفق مالك في ما يغضب ربك، فيا ويلك يا عبد الله! فالله أعطاكه وتعصيه به، وهذا والله موقف لا يطاق، فهو أعطاك المال لتحفظ عرضك وبدنك ودينك، ولتنفقه على بدنك، وأنت تنفقه ضده، وكأنك تقول له: افعل ما تشاء، والعياذ بالله. فكل من يشتري محرماً يلبسه أو يأكله أو يركبه أو يسكنه، أو يطلب به العزة أو الشرف بين الناس فهو قد عصى الله عز وجل مرتين، وتضاعفت جريمته.

حكم التدخين

أخيراً: اسمحوا لي! إن كان بيننا مدخن أن أقول له: من الآن لا تدخن؛ فإن التدخين حرام، ولا تقل: قال العلماء: لا بأس به، وهيا ندرس القضية على بساط نور الله وهداية رسوله:

اسمعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لجيشه المنتصر وقد أكلوا البصل والثوم للجوع فقال لهم: ( من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا ). فهو ممنوع، ولو كنت مريضاً وأكلت الثوم للعلاج فلا تأت المسجد، وصل في بيتك، وهذا في الثوم والبصل النيئان، لا المطبوخان المقتولان بالطبخ. وعلل ذلك وقال: ( إن الملائكة لتتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ). فبنو آدم يتأذون من الروائح الكريهة، والملائكة كذلك، وأنت أكرمك الله بحراس عشرة يحرسونك من الجن والشياطين، ووضع لك ملكان يدونان ويحصيان أعمالك؛ لتثاب بها وتجزى عليها، وأنت لا تبالي بهم، ولا تحترمهم، وتنفخ الرائحة الكريهة في وجوههم، والعياذ بالله، فهذا لا يقبل.

والملائكة تتأذى بالدخان والرائحة الكريهة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ). وقد بلغنا أن من أراد أن يبصق منا فلا يبصق عن يمينه ولا شماله، ولكن بين يديه وتحت رجليه؛ لأن عن يمينه ملكاً، وعن يساره ملكاً، وفي سورة ق: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]. هذا عن يمينه وهذا عن شماله. ولو تأتي إلى فحل من فحول الرجال وتنفخ في وجهه الدخان فقد يهشم عظمك.

وأزيدكم علماً: لم يجز الله أو رسوله أذية مؤمن أو مؤمنة، وهذا والله ما كان، وفي الحديث: ( من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ). فالذي يؤذي مؤمناً أو مؤمنة فقد أعلن الله الحرب عليه، والذي يجلس مع زملائه وإخوانه ويدخن وينفخ عليهم ويلطخ ساحتهم بالرائحة الكريهة فقد والله آذاهم. والمؤمنة ملكة البيت تلك الربانية الجالسة في قصرها تعبد ربها وتخدم زوجها إذا أتى زوجها ورائحته كريهة بالدخان يقبلها ويقول: زوجتي! فقد آذاها، وحرام عليه هذا، إلا إذا كانت صعلوكة مثله تدخن، وهذا نادر كالذهب.

وهناك قاعدة حفظناها وعلمناها وعرفناها، وهي: أن هناك خمس كليات جاءت شرائع الله من عهد نوح إلى اليوم بتحريمها، وهذه الخمس هي: أن كل ما يؤذي الإنسان ويضره في جسمه وبدنه حرام في جميع الشرائع، فلا يجوز إضرار المؤمن أو إسالة دمه أو ركله أو سحبه في الأرض أو أذية جسمه، ولذلك لا يجوز شرب السم؛ لأنه يمزق البدن. إذاً: كل ما يؤذي الآدمي في جسمه حرام. وليس هناك ما يستثنى؛ لأن الجسم هذا يعبد الله، فإذا عطلته فقد عطلت مراد الله، وما أقام الله السماوات والأرض إلا من أجل أن يعبد، فإذا عطلت هذا الجزء لم يعبد الله. فلهذا قاتل نفسه كقاتل غيره سواء بسواء. والدخان يضر بالجسم.

وقد انعقدت مؤتمرات في أوروبا من سنوات عديدة، وانتهت بالقرار الآتي: الدخان مضر بالإنسان، و(75%) من الذين يموتون بالسل والسرطان الرئوي يموتون بسبب التدخين. فالتدخين لا يجوز. ونقول: لو أن رحلة من كراتشي إلى جدة بالطائرة من كل (100) يسقط منهم (75) ويموتون لم تجدوا من يفتيكم بجواز ركوب هذه الطائرة. وإذا كان (75%) من المدخنين يموتون بسبب التدخين فإنه لا يجوز؛ لأنه يضر بالجسم.

والتدخين يضر بالعرض، والعرض هذا موضع في الإنسان إذا مدح انشرح وتهلل، وإذا ذم انكمش وانكسر، فموضع المدح والذم في الإنسان يسمى بالعرض، فهو ليس رأسه ولا عينه ولا يده ولا ظفره، هذا العرض. ولو أردت أن تعرفه أقول لك: لو أن شخصاً قال لك: فُعِلَ بك كذا وكذا وأنت ما فُعِلَ بك شيء فإنك تغضب، وأيما شخص يسبك في عرضك فإنك تحترق أو تكاد تهيج عليه. والدخان يمس بالعرض، ولو أن خطيب جمعة جلس على المنبر وخطب الخطبة الأولى ثم جلس جلسة الاستراحة وأشعل السيجارة ليخفف على نفسه فإن أهل المسجد يتغيرون عليه؛ لأن النفوس الفطرية الطبيعية تكره ذلك؛ إذ لا يليق بالخطيب على المنبر يخطب والناس موجودون ويقول قال الرسول وهو يفعل هذا.

وعندنا أدلة أخرى سهلة: بعض المدخنين الذين قلدوا تقليداً فقط، وما شعروا بضرره رأيناهم بالفطرة لا يستطيع أحدهم أن يدخن أمام أبيه وأمه، وهذا موجود، فهو يدخن، لكنه لا يستطيع أن يدخن قدام أمه أو قدام أبيه.

ورأينا بعضهم أيضاً يدخن، وإذا واجه عبدا صالحاً يستحي منه ويطفئ السيجارة في كفه، فمن الحياء يطفئها في كفه حتى ما يظهر أمام ذلك العبد الصالح من قريب أو بعيد أنه يدخن. وهذا علامة على أنه يضر بالعرض بلا جدال، فهو إذن حرام.

وثالثاً: فهو يضر بالمال. وهذه الكلية الثالثة. وأيام أن كان راتبنا في المدينة ثمانين ريالاً في الشهر كانت علبة السيجارة بريال أو بنصف ريال، والذي راتبه ثمانون ريالاً إذا أنفق منه على التدخين ثلاثين ريالاً يبقى خمسين، ولا يوجد إسراف أعظم من هذا، ثم لما يسرف في هذا المال فإنه لا يكتسب صحة بدنية بهذا التدخين، ولا وفر له سمعة وشرف بين العالمين، ولا نما ماله وزاد وتوفر، ولا يرضى بهذا إلا الشيطان، ويغضب ملائكة الرحمن. وتبذير المال حرام. وهو أنفقه فيما لا ينفع، وفيما لا يجدي، بل فيما يضر، فهو حرام بإجماع أهل الملة أهل البصائر والنهى، لا المقلدين. فالتدخين يضر بالمال.

رابعاً: كل ما يضر بالعقل حرام، فالحشيشة والخمر والأفيون والكوكايين والسحر وكل ما يضر بالعقل حرام بدون ما تتردد، وأي شيء يضر بالعقل الآدمي ويضعفه ويخففه ويفسده فهو حرام بدون ما تتردد. ولذلك حرم الله كل ما يضر بالعقل.

خامساً: وآخر الكليات: الدين، وقد عرفتم ضرره بالدين. ونزيد: إذا كان ممنوعاً علينا أن ندخل بيوت الله فقد أفسدنا ديننا، فيا من يدخن ويرمي السيجارة عند الباب ويدخل ورائحته كريهة! حرام عليك أن تدخل بيت الرب، فقد هجرناه وأبعدناه من بيت الله، فلم يبق له شيء، فقد طرد من رحمة الله، وستتخطفه الشياطين، ولا يمسي إلا في حلقات الباطل والفحش والمنكر. ولا ضرر أعظم من هذا.

وشيء أخر: كان المسلمون في العهد الأول من الرسالة النبوية يتوضئون مما مست النار، ومن أكل طعاماً مطبوخاً أو مشوياً وجب عليه الوضوء، ومن أكل خبزاً وجب عليه الوضوء، ولا وضوء في الفواكه والخضر. وكان هذا امتحاناً من الله عدة أشهر أو أعوام، ثم نسخ الله هذا على لسان رسوله، فكل ما شئت من الطعام واللحم ولا تتوضأ، إلا من لحم الجزور، إلا أن تتطوع، فهذا رسولك الكريم صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة.

والذي يدخن السيجارة ويرميها عند باب المسجد ويدخل هناك شك في وضوئه، فقد كانوا يتوضئون من الخبز واللحم، وهذا لا خبز ولا لحم، ولكن رائحة كريهة منتنة خبيثة، ورثها فينا الغرب أعداء الإسلام، وأنا أقول: أنصحه أن يمشي يتوضأ، ولا يتكلم مع الرب ويناديه ورائحة فمه كريهة، وهو ممنوع أن يدخل بيته، وليذهب يغسل فمه ويطهره، ثم يدخل المسجد ويصل. وهذه الدعوة نفع الله بها، ولو كان الناس يحضرون الدرس لتركك مئات الآلاف التدخين، ولكننا لا نستطيع أن نحبس أنفسنا ساعة ونصف أبداً من المغرب إلى العشاء، ونحبس أنفسنا أربع ساعات على طاولة العبث. آمنا بالله! وليس هناك مؤمن يتلقى هذه المعرفة بصدق ويدخن، فهذا والله ما كان. والذي يبيعه كالذي يدخنه، فالذي يبيع الدخان ويحضر هذا الدرس ويفهم هذا الفهم لا يبقِ غداً سيجارة في دكانه، ورزقه على الله.

النهي عن السؤال عما لا يعني

قال: [ ويقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضوان الله عليهم تعليماً وتربية وتأديباً: (إن الله تعالى قد فرض فرائض فلا تضيعوها) ] والفريضة كالصلاة [ ( وحد حدوداً فلا تعتدوها ) ] والحد كالسرقة وقتل النفس والزنا [ ( وحرم أشياء فلا تنتهكوها ) ] كالكذب وشرب الخمر [ ( وسكت عن أشياء رحمة بكم )] لم يقل: فيها حلال ولا حرام [ ( غير نسيان ) ] منه، وتعالى الله أن ينسى [ (فلا تسألوا عنها ) ] إذاً: فما دام الله قد سكت فلا تسأل. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [المائدة:101] [ ويقول ] رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) ] فنعرف أن فلاناً حسن إسلامه عندما نراه يترك ما لا يعنيه طول حياته، فالذي لا يجلب له الريال أو الحسنة لا يتدخل به؛ لأنه لغو، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون:3]. فاللغو هو كل عمل أو تفكير أو قول لا ينتج لك حسنة لمعادك يوم القيامة، ولا درهماً لمعاشك الآن. هذا اللغو. فهذا التفكير إن كان يولد لك حسنة ففكر، وإن كان يولد لك ديناراً أو درهماً ففكر، وإن كان لا ينتج لك حسنة لمعادك يوم القيامة، ولا معاشك الآن فلا تفكر به، ولا تضيع وقتك بهذا التفكير. وإذا كان القول أو النطق أو الكلمة التي تقولها تنتج لك حسنة لمعادك يوم القيامة فتكلم، فهذا يعنيك، وإذا كان ينتج لك ريالاً لمعاشك أو قرشاً أو خبزاً فتكلم لتحقق هذا، وإن كان لا ينتج لك حسنة ولا درهماً فهو لغو باطل. ولهذا نجلس مع جماعة عشر دقائق ربع ساعة لا نتكلم كلمة أبداً، حتى يأتي ما ينبغي أن يقال فيتكلمون، وأما الكلام المطلق وأن تقول ما شئت فهذا دال على أن فلاناً إسلامه ليس حسناً، وفيه نقص كبير. فهيا نحفظ هذه الحكمة: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )، سواء في القول أو في العمل وحتى في التفكير.

النهي عن سؤال الله تعالى ما لم تجر به سنته

قال:[ وأخيراً أيها القارئ ] الكريم! [ والمستمع ] المستفيد! [ علينا بالأدب مع الله، فلا نسأله ما لم تجر سنة الله تعالى به ] وهذه كلمة عامة، كأن تقول: اللهم إني أسألك أن تجعل لنا نبياً آخر الزمان، فهذا لا يجوز، أو كأن تقول إذا كان عمرك سبعين سنة: اللهم إني أسألك أن تردني إلى خمسة وثلاثين. وإن الله على كل شيء قدير، ولكن هذا الدعاء لا يجوز. أو تقول إذا ماتت أمك: رب! أحيي أمي ولو يوماً واحداً، وتلح عليه طول الليل، فهذا لا يجوز، فسنة الله لم تجر بإحياء الموتى، أو أن تكون كسولاً لا تتحرك إلا من الظل إلى الظل، ولا تمد يدك ولا رجلك وتقول: يا رب! اغنني، وأنت لا تعمل ولا تتحرك، فهذا سوء أدب مع الله، بل ابحث عن العمل واعمل، واسأل الله أن يغنيك عما سواه، وأما أن تعصيه بالكسل والقعود وعدم العمل ثم تقول: يا رب! اغنني فهذا والله لسوء أدب مع الله. وأوضح من هذا: أن يقال لك: تزوج يا فلان! فتقول: أنا مشغول لا أريد زواجاً، ثم تقول: اللهم ارزقنا ذرية صالحة، فهذا لا يجوز. وهذا من سوء الأدب مع الله.

الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع أهل العلم

قال: [ وعلينا بالأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا نرد عليه ما دعا إليه ونصح به، وعلينا بالأدب مع أهل العلم، فلا نسأل سؤال تنطع، ولا نسأل عما نحن به عالمون ] فإذا كنت تعلم أن هذا حرام وتسأل عنه فإنك تضيع وقت الشيخ [ ولا عما نحن غير عازمين على العمل به ] فهذا تضييع للوقت [ ولا نسأل الناس أموالهم، ولا نكلفهم ما لا يحسنون، ولا ما لا يطيقون. ولنلتزم الصبر والصمت والذكر. فهذا هو طريق الهداية الكمال، فلنسلكه. والله مع الصابرين والمحسنين ] هذا بقية نداء أمس، وهو قوله وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ * قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ [المائدة:101-102]. واليهود سألوا سؤالاً هلكوا به، فقد قالوا: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ [النساء:153]. وقوم صالح قالوا: ادع لنا ربك يخرج لنا ناقة من هذا الجبل، فهلكوا بها، والحواريون سمعتم ما هددهم الله به، ومن كفر ممن طلب المائدة يصبح أشد عذاباً من أي مخلوق يوم القيامة، فلا نسأل عما نحن غير عاملين به.

الأمر بإصلاح المؤمن نفسه وتطهيرها بالإيمان والعمل الصالح

الآن مع هذا النداء الجديد الكريم، وهو [ النداء الثاني والأربعون ] وهيا نتغنى به ساعة، وكلمة ساعة ليست في الدين ستين دقيقة، بل كل جزء من الوقت يقال فيه: ساعة، ومنه يوم الساعة أي: يوم القيامة. وهذا النداء [ في الأمر بإصلاح المؤمن نفسه وتطهيرها بالإيمان والعمل الصالح، وإعلامه بأنه لا يضره من ضل من الناس

الآية (105) من سورة المائدة

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [المائدة:105] ] فلنقرأ ولنتأمل معاني هذا النداء، وبعد التنبيه أو الإخبار فالجزاء إما الجنة وإما النار.

أمر الله عز وجل عباده المؤمنين بإصلاح أنفسهم

قال: [ الشرح: اعلم أيها القارئ الكريم! أن هذا النداء الإلهي الرحيم الموجه إلى عباد الله المؤمنين أي: المصدقين بالله رباً لا رب غيره، وإلهاً لا إله سواه، وبالإسلام ديناً لا دين يقبله الله تعالى غيره، وبمحمد نبياً ورسولاً من عند الله، هؤلاء المؤمنون حقاً وصدقاً يناديهم الجبار جل جلاله وعظم سلطانه ] الذي خلق الموت والحياة، والذي رفع السماوات الطباق، والذي أوجد العوالم كلها، والذي يعلم السر وأخفى، والذي لولاه لما نطقنا ولا سمعنا ولا وجدنا ولا كنا، فهذا الجبار ينادي أولياءه، وهم المؤمنون المتقون، وهو يناديهم [ رحمة بهم وإحساناً إليهم، فيقول لهم: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ [المائدة:105] ] وهذه قالها لنا، فيجب على كل واحد منا أن يطهر نفسه ويزكيها حتى ما تمسخ أو تعذب. فمعنى: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ [المائدة:105] [ أي: الزموا أنفسكم هدايتها وإصلاحها ] وتطهيرها وتطييبها وصيانتها وحفظها وتنظفيها وإصلاحها؛ فإنكم بنفوسكم تسعدون أو تشقون [ فاحفظوها من الوقوع في الذنوب والآثام؛ لتبقى طاهرة زكية محلاً لرضا الرحمن سبحانه وتعالى ] لأن الله لا يرضى إلا عن نفس طاهرة، كما قال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، أي: لطخها وغطاها بأوضار الذنوب والآثام.

قال: [ واعلموا أنه لا يضركم ضلال من ضل، ولا غواية من غوى؛ إذ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38]. وَلا تَزِرُ [الأنعام:164]يوم القيامة وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]؛ إذ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:123] ] هذه ثلاث آيات فاصلة، الأولى هي: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38]. والآن ما نفس تموت إلا وهي مرهونة بعملها.

ثانياً: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164]. والوازرة: حاملة الوزر، أي: الذنب، فحاملة الذنب هذه لا تحمل وزر أخرى، بل حسبها ذنبها. وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164].

ثالثاً: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123]. فإذا أكلت السم فأنت الذي تموت، وليس أنا، فـ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123]، أي: يجز به هو، ولا يجزى به غيره، فلهذا علينا أنفسنا نلزمها الطهارة والصفاء.

من صفات المؤمنين اللازمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قال: [ ولنعلم يقيناً أنه لا يضرنا ضلال من ضل إذا نحن اهتدينا؛ لقول ربنا في إرشاده لنا: لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105] ] أي: لا يضركم ضلال من ضل إذا اهتديتم [ إذا نحن أمرنا بالمعروف من تركه بيننا، ونهينا عن المنكر من ارتكبه فينا ونحن نراه ونشاهده؛ إذ ليس من الهداية الكاملة المنجية من العذاب والمسعدة للعباد ] والمحققة للسعادة [ أن لا نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر؛ إذ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صفة لازمة ] ثابتة [ من صفات المؤمنين الصادقين في إيمانهم، والمؤمنات الصادقات، ولنقرأ ] لذلك [ قوله تعالى من سورة التوبة في وصف المؤمنين بحق والمؤمنات بصدق، إذ قال: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]. فلنذكر قوله: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]. فهل من الولاية الواجبة التي هي الحب والنصرة أن يرى المؤمن أخاه تاركاً معروفاً يعاقب على تركه ولا يأمره به، أو يرى أخاه ووليه منغمساً في منكر يخبث نفسه ويسخط الله تعالى عليه ويتركه؟ والجواب: لا، لا، ليس هذا من الولاية، بل هو من العداوة. وهذا أولاً.

وثانياً: أليس من صفات المؤمنين والمؤمنات أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر؟ والجواب: بلى، وكيف والله يقول في صفاتهم: يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:71]. والرسول يقول: ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ).

وأمر آخر وهو عظيم وخطير: وذلك أننا إذا تركنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا نتمكن من الهداية، ولا نظفر بها أبداً؛ إذ الدار أو المجتمع إذا ظهر بينهم ترك المعروف وارتكاب المنكر لا يلبثون إلا قليلاً وقد عمهم الفساد، فتركوا طاعة الله وطاعة رسوله، وخبثوا وساءت أخلاقهم وفسدت أحوالهم، وعمهم العذاب والعياذ بالله تعالى. وها هو ] ذا [ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرر هذه الحقيقة فيقول: ( إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه يوشك الله عز وجل أن يعمهم بعقابه ) ] ولنا في هذا مثل: لو أن العمال الكناسين في المدينة النبوية الذين يعنون بحمل القمامة من أمام الأبواب عملوا إضراباً، وأصبح أهل المدينة كل من يأتي بزنبيل يرميه عند الباب وفيه قشور البيض والعظام وبراز الأولاد، وهذا زنبيل وهذا زنبيل فلا يمر يومين أو ثلاثة أو أسبوعاً أو عشرة أيام إلا وتصبح المدينة مزابل، ولا يمر شهر كامل إلا وقد انتشر البعوض القاتل، فيصابون بالمرض، ويموت من يموت، ويبقى جماعة تعودوا على ذلك الخبث. وهكذا حياة المجتمع إذا ترك فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولنبق هذا إلى غد إن شاء الله.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , نداءات الرحمن لأهل الإيمان 44 للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net