إسلام ويب

إن الصلاة هي الصلة بين العبد وربه، وهي النور الذي يستضيء به المؤمن، وهي الحجة والبرهان على صحة الإيمان، والوسيلة للنجاة يوم القيامة، وهي عمود الإسلام وآخر ما يفقده الناس من دينهم، وهي عون للعبد في مصالحه الدنيوية والأخروية.

والواجب علينا أن نهتم بها ونؤديها بجميع أركانها وشروطها كما أداها محمد صلى الله عليه وسلم وأن نحذر من التهاون بها أو تركها بالكلية فإن تركها بالكلية كفر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

منزلة الصلاة وفضلها

الحمد لله المحمود بفعاله، والمنعوت بصفات الجلال والكمال، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، أحمده سبحانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فرض على عباده الصلاة، ووعد من أقامها بخشوعها وآدابها بسكن الفردوس، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أوصى بالصلاة وهو يلفظ آخر الأنفاس، وهو يفارق الحياة صلوات الله وسلامه عليه، ويقول: (الصلاة.. الصلاة) اللهم صل على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، واعلموا أن للصلاة شأناً عظيماً؛ لأنها الصلة بين العبد وربه.. الصلاة هي النور الذي يستضيء به المؤمن. وهي البرهان على صحة الإيمان، والوسيلة لنجاة المؤمن يوم القيامة، كما ورد في الحديث: (من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة).

الصلاة -يا أمة الإسلام- هي ركن الدين، وعمود الإسلام، وهي آخر ما يفقده الناس من دينهم، فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام.

وقد تواترت الأحاديث الصحيحة عن نبينا صلى الله عليه وسلم في الصلوات الخمس، وتفصيل أوقاتها وشروطها ومكملاتها، وفضلها وكثرة ثوابها.

فمن فضائل الصلاة: أنها أفضل عبادة يحصل فيها الخضوع والذل لله رب العالمين، وامتلاء القلب من الإيمان به وتعظيمه، وذلك مادة سعادة القلب الأبدية ونعيمه، ولا يمكن تغذية القلب بمثل الصلاة أبداً..

فلا يفيد القلب الدم، ولا تفيده المرطبات، ولا تفيده كثرة المغذيات؛ إذا كان فاقداً للذة الصلاة، فلا يمكن تغذية القلب بمثل الصلاة، وأقصد بذلك حياته التي توصله إلى رب العالمين، أما الحياة البهيمية فإن القلب يكفيه ما يكفيه.

والصلاة -يا عباد الله- من أعظم الأغذية ومن أعظم ما تسقى به شجرة الإيمان، فالصلاة تثبت الإيمان وتنمي ما يثمره الإيمان من فعل الخيرات والرغبة إليها، وهي كذلك تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما أخبر المولى جلَّ وعلا: أَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ الله َأَكْبَرُ [العنكبوت:45] فأخبر بأن فيها الغذاء بذكر الله، والشفاء نهيها عن الفحشاء والمنكر، وأي شيء أعظم من هذا وأجل وأفضل.

ومن فضائل الصلاة: أنها أكبر عون للعبد على مصالح دينه ودنياه، كما حثنا الله على ذلك بقوله: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:45] أي: في كل الأمور.

المصالح الدينية للصلاة

أما عونها على المصالح الدينية: فإن العبد إذا داوم على الصلاة وحافظ عليها قويت رغبته في فعل الخيرات، وسهلت عليه الطاعات، وبذل الإحسان بطمأنينة نفس، واحتساب للأجر والثواب.

وبالمحافظة على الصلوات الخمس تذهب أو تضعف دواعي المعاصي، وهذا أمر محسوس مشاهد؛ فإنك لا تجد محافظاً على الصلاة بفروضها ونوافلها إلا وجدت تأثير ذلك في بقية أعماله، ولهذا كانت الصلاة عوناً على الفَلاح، يقول جلَّ وعلا: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة:18].

وهل المراد عمارتها بالزخارف، أو تصميمها كما تصمم الكنائس، أو بذل الأموال والبذخ فيها؟ لا. إنما المراد عمارتها بالصلاة والقربات، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان} ولو كان يصلي على الأرض، ولو كان يصلي على التراب، اشهدوا له بالإيمان ، فإن الله يقول: إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [التوبة:18].

أما نحن! فقد عمرنا مساجدنا، وباهينا بعمارتها، وزخرفناها، وقد بلغت من التكاليف كذا وكذا، ولكن كم يرودها من المصلين؟ كم يأتي إليها من المصلين؟! وإنا لنخشى أن يقع علينا الخبر في آخر الزمان: {مساجدهم عامرة وهي من الهدى خراب} ولا حول ولا قوة إلا بالله.

المصالح الدنيوية للصلاة

كما أن في الصلاة عوناً على المصالح الدينية؛ فإن فيها أيضاً عوناً على المصالح الدنيوية:

فمن مصالحها أنها تهون المشاق، فقد جاء في الحديث: {كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة} أما الكافر فإنه إذا ضاقت عليه الأرض ذرعاً وضاقت عليه نفسه انتحر والعياذ بالله، أما شريعتنا الإسلامية فهي تدل إلى كل خير.

والصلاة تسلي على المصاب، وهذا من أمر الله عز وجلَّ الذي لا يخالف: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:45] فيجازي الله صاحبها بتيسير أموره، وتفريج كرباته؛ لأنها الصلة العظيمة بين العبد وبين ربه.

ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله: "أن رجلاً كان يتجر للناس، وكان رجلاً تقياً عفيفاً، فهجم عليه لص وقال: أريد أن أقتلك وآخذ مالك، قال: خذ المال ولا تقتلني، فأبى إلا قتله، فقال: دعني أصلي ركعتين، فأخذ من ماء كان معه في شنة له، فتوضأ وقام إلى صلاته.. قام ليبتهل إلى رب العالمين.. قام ليُشغل الهاتف العاجل.. قام ليُشغل الحركة بينه وبين ربه، بينه وبين مغيث اللهفان، ومجيب الدعوات.. فلما سجد في الركعة الثانية توسل إلى المولى جلَّ وعلا وقال: اللهم يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعال لما تريد! أسألك بعزتك التي لا ترام وملكك الذي لا يضام أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني.. قالها ثلاث مرات، فرفع رأسه من السجود وإذا برأس اللص يتدحرج أمامه، وإذا برجل على فرس شاهراً رمحه فقال: من أنت؟ قال: أنا ملك من ملائكة السماء الرابعة، تخاصم فيك الملائكة فاخترت أن أنزل أنا".

عباد الله: بالقرب من الله تنال الحاجات وتلبى الطلبات.

ومن فضائلها: أن من أكملها وأتقنها، فقد فاز وسعد.. وللصلاة فوائد كثيرة كل واحدة منها خير من الدنيا وما عليها.

والصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وفيها تكفير للسيئات، وزيادة في الحسنات، ورفعة للدرجات.. وفيها زيادة القرب من رب الأرض والسماوات، وزيادة الإيمان في القلب ونوره.

وقد شرع الشارع الحكيم الاجتماع للصلوات الخمس والجمعة والعيد؛ لما في الاجتماع من حصول التنافس في الخيرات، والتنشط عليها والتعلم والتعليم لأحكامها، فإن العالم ينبه الجاهل، والجاهل يتعلم بالقول وبالفعل من العالم، ويقتدي الناس بعضهم ببعض.. كذلك يحصل في الاجتماع للصلوات في المساجد التعارف والصلات، والملاحظ أن أكثر الجيران لا يعرف بعضهم بعضاً، لعدم إتيانهم إلى الصلاة والعياذ بالله، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

والاجتماع للصلوات في المساجد يحصل به التودد والتواصل بين المسلمين، وعدم التقاطع، ويحصل -أيضاً- معرفة من يحافظ على الصلوات ممن يتهاون بها، ممن يتركها، فإن تارك الصلاة منبوذ كافر والعياذ بالله.. ويحصل بكثرة الخُطى إلى المساجد تكفير السيئات ورفعة الدرجات.

ومن فوائد الصلاة: ما فيها من الرياضة المتنوعة النافعة للبدن المقوية للأعضاء؛ من المشي والذهاب والمجيء والقيام والقعود والركوع والسجود المتكرر، وكذلك ما فيها من الداعي إلى النظافة، وهو تكرر الطهارة.. وكل هذه الحركات نفعها محسوس مشاهد، لمن أنصف من نفسه وأقر بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

أهمية الخشوع في الصلاة

أمة الإسلام! بقي أن نعلم أن روح الصلاة ومقصودها الأعظم هو حضور القلب بين يدي الله، ومناجاته بكلامه، وذكره والثناء عليه، ودعاؤه والتضرع إليه، وطلب القربة عنده ورجاء ثوابه، وإذا حصل ذلك فإنه بلا ريب ينير القلب ويشرح الصدر ويفرح النفس والروح.. يخبر رسول البشرية محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إن العبد إذا قام من الليل فذكر الله وتوضأ ثم صلى ما كتب له؛ انحلت عنه عقد الشيطان كلها، فأصبح طيب النفس نشيطاً، وإلا أصبح خبيث النفس كسلاناً).

عباد الله! حافظوا على الصلوات وأدوها في المساجد بقلوب حاضرة، وأريحوا أبدانكم وقلوبكم من المشاغل بإقامة الصلاة، اقتداءً بنبيكم صلى الله عليه وسلم حيث كان يقول: (أرحنا بها يا بلال) وقد كانت قرة عينه صلى الله عليه وسلم كما قال: (وجعلت قرة عيني في الصلاة).

فالله الله في إقامة الصلاة بشروطها وأركانها وواجباتها ومسنوناتها؛ حتى نفوز بالقرب من رب العالمين، حيث يقول: الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُون * أولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ [المعارج:34-35].

اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين، بارك الله لنا في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة

الحمد لله العظيم في سلطانه، أحمده سبحانه القائل في محكم التنزيل: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5] وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي لا ينطق عن الهوى القائل: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر).. (بين العبد والكفر ترك الصلاة) اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، وحافظوا على الصلوات الخمس، أدّوها كما أمرتم لقول نبينا صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) احذروا من الإخلال بأركان الصلاة وواجباتها، واحذروا من الإخلال بما ينبغي لها، واعلموا أن الصلاة نور كما أخبرنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال:(الصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها).

فمن باع نفسه للرحمن بطاعته واتباع شرعه والتمسك بدينه؛ فقد أعتقها من عذاب الله، ومن باع نفسه للشيطان والكرة والملاهي ولعب الورق ولعب الميسر والشطرنج والقمار، متتبعاً خطوت الشيطان، مستجيباً لإغوائه متبعاً لهواه؛ فقد أورد نفسه موارد الهلاك والعطب، وما أكثر من أطاع الشيطان -والعياذ بالله- فصار هو إمامهم يقودهم إلى كل شر وفساد ورذيلة، يهيمون في شهواتهم، قد أضاعوا الصلوات وأشغلوا أوقاتهم بما يعود عليهم بالخسارة الفادحة يوم القيامة.. يقول الله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5] والويل: وادٍ في جهنم، فكيف بِمنْ يتهاون بالصلاة، كيف حاله إذا بدأ يهيم في هذا الوادي؟! هذا لمن تهاون بالصلاة، وأخرها عن وقتها.

أما من ترك الصلاة بالكلية فهو كافر والعياذ بالله، والويل له من سقر وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ [المدثر:27-28] فالحذر الحذر يا عباد الله من ترك الصلاة، الحذر الحذر من التهاون بالصلاة، فإنها الفارقة بين الكافر والمسلم (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) [[لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة]].

واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، وصلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد القائل: (من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً) اللهم صلِّ وسلم وبارك وزد على سيدنا ونبينا محمد صلاةً وتسليماً إلى يوم القيامة، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى والشيوعيين، اللهم دمرهم تدميراً، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين يا رب العالمين.

اللهم أورثنا ديارهم وأوطانهم ، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين يا رب العالمين، اللهم انصر المجاهدين في برك وبحرك من المسلمين، اللهم أيدهم بنصرك، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم انصرهم على أعداء الإسلام والمسلمين.

اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وولاة أمور المسلمين أجمعين في مشارق الأرض ومغاربها.. اللهم أصلح أولادنا ونساءنا، اللهم اجعلهم قرة أعين لنا.. ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , منافع الصلاة للشيخ : عبد الله حماد الرسي

https://audio.islamweb.net