إسلام ويب

الخلق هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال الاختيارية الإرادية، وفضل حسن الخلق تواترت به الأدلة واستفاضت في الكتاب والسنة، وصاحب الخلق الحسن له علامات، منها أن يكون كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، براً، وصولاً، وقوراً، صبوراً، ويكفي في الترغيب في حسن الخلق أنه أكثر ما يدخل الجنة بعد تقوى الله تعالى.

حسن الخلق وبيانه

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم.

وقد درسنا الباب الأول في العقيدة والثاني في الآداب، وها نحن مع الباب الثالث في الأخلاق، ومع الفصل الأول، وهو: [ في حسن الخلق وبيانه ] وهذا مهم غاية الأهمية [ الخلق: هيئة ] وصورة [ راسخة في النفس ] فهو هيئة .. صورة .. ذات [ تصدر عنها الأفعال الإرادية الاختيارية ] أي: الأعمال التي لست مكرهاً عليها ولا ملزماً بها، وإنما باختيارك وإرادتك الحرة تصدر عن تلك الهيئة .. تلك الذات [ من حسنة وسيئة، وجميلة وقبيحة ] فالأعمال منها الحسن ومنها السيئ، ومنها الجميل ومنها القبيح [ وهي قابلة بطبعها ] حسب خلق الله لها [ لتأثير التربية الحسنة والسيئة فيها ] فهي متهيئة قابلة لأن تتأثر بما تربى عليه من سوء أو من حسن [ فإذا ما ربيت هذه الهيئة على إيثار الفضيلة والحق، وحب المعروف، والرغبة في الخير، وروضت على حب الجميل وكراهة القبيح، وأصبح ذلك طبعاً لها تصدر عنه الأفعال الجميلة بسهولة ودون تكلف قيل فيه: خلق حسن ] فتلك الهيئة إذا ربيت على الخير والجميل وأصبحت تصدر الأعمال عنها بدون تكلف قيل لها: هذا هو الخلق الحسن، وسميت بالخلق الحسن [ ونعتت تلك الأفعال الجميلة الصادرة عنه بدون تكلف بالأخلاق الحسنة، وذلك كخلق الحلم والأناة، والصبر والتحمل، والكرم والشجاعة، والعدل والإحسان، وما إلى ذلك من الفضائل الخلقية والكمالات النفسية. كما أنها إذا أهملت فلم تهذب التهذيب اللائق بها، ولم يعن بتنمية عناصر الخير الكامنة فيها، أو ربيت تربية سيئة حتى أصبح القبيح محبوباً لها والجميل مكروهاً عندها، وصارت الرذائل والنقائص من الأقوال والأفعال تصدر عنها بدون تكلف قيل فيها: خلق سيئ ] ضد الخلق الحسن [ وسميت تلك الأقوال والأفعال الذميمة التي تصدر عنها ] سميت [ بالأخلاق السيئة، وذلك كالخيانة والكذب، والجزع والطمع، والجفاء والغلظة، والفحش والبذاء، وما إليها.

ومن هنا نوه الإسلام بالخلق الحسن، ودعا إلى تربيته في المسلمين، وتنميته في نفوسهم، واعتبر إيمان العبد بفضائل نفسه وإسلامه بحسن خلقه ].

فضل حسن الخلق

[ وأثنى الله تعالى على نبيه بحسن خلقه، فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]. وأمره بمحاسن الأخلاق فقال ] تعالى: [ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصلت:34]، وجعل الأخلاق الفاضلة سبباً تنال به الجنة العالية، فقال ] تعالى: [ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:133-134]. وبعث ] الله تعالى [ رسوله صلى الله عليه وسلم بإتمامها، فقال عليه الصلاة والسلام: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ] وفي لفظ: ( صالح الأخلاق ) [ وبين صلى الله عليه وسلم فضل محاسن الأخلاق في غير ما قول، فقال: ( ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق ) ] فلنحفظ هذا الحديث: ( ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق ). وهذا الميزان هو ميزان الآخرة، فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية [القارعة:6-7] [ وقال ] صلى الله عليه وسلم: [ ( البر حسن الخلق ) ] وقد قال تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]. فالبر هو حسن الخلق والجنة أيضاً [ وقال صلى الله عليه وسلم: ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً ) ] فإذا أردت أن تعرف أن فلاناً إيمانه أقوى من فلان فانظر إلى خلقه، ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً ). و( البر ) هو ( حسن الخلق )، ( ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق )، فلنحفظ هذه الجمل القصيرة، والقائل لها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى [ وسئل ] رسول الله صلى الله عليه وسلم [ عن: (أي الأعمال أفضل؟ ) ] أي: سأله سائل: دلني عن أفضل الأعمال يا رسول الله! ما هي؟ [ ( فقال: إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ) ] فليسوا بنو هاشم ولا غيرهم، وإنما ( أحاسنكم أخلاقاً ) [ وسئل عن: أي الأعمال أفضل؟ (فقال -صلى الله عليه وسلم-: حسن الخلق ) ] فلو سألك سائل: ما أفضل الأعمال؟ فقل له: حسن الخلق أفضل أعمالك [ وسئل عن أكثر ما يدخل الجنة؟ فقال: ( تقوى الله وحسن الخلق ) ] فتقوى الله أولاً، وهي فعل المأمور وترك المنهي خوفاً من الله [ وقال ] صلى الله عليه وسلم: [ ( إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل، وإنه لضعيف العبادة ) ] فهو ليس صواماً ولا قواماً، بل عبادته ضعيفة، يعني: النوافل، ومع هذا يكون له أعظم درجات الآخرة وأشرف المنازل. فيقول صلى الله عليه وسلم: ( إن العبد) أي: المؤمن قطعاً ( ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل، وإنه لضعيف العبادة)، كـأبي هريرة لم يكن قواماً ولا صواماً، ولكن لا أحد يساويه.

آراء السلف في بيان حسن الخلق

والآن نسمع [ آراء السلف في بيان حسن الخلق ] فقد سمعنا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآن نريد أن نسمع من علماء الأمة وسلفها الصالح.

رأي الحسن البصري

[ قال الحسن البصري ] وهو من سادات التابعين [ حسن الخلق: بسط الوجه ] فلا يكون عابساً [ وبذل الندى ] بإعطاء الدرهم [ وكف الأذى ] فحصره في هذه الثلاثة، أولاً: بسط الوجه، فلا يعبس ولا يقطب وجهه، بل يكون وجهه مبسوطاً.

ثانياً: بذل الندى، فإذا فاض عنه خير يبذله.

ثالثاً: كف الأذى، فلا يؤذي بلسانه ولا بيده ولا برجله ولا بفرجه. وهذا تعريف حسن من الحسن البصري رحمه الله تعالى. وكف الأذى هو أن يكف أذاه عن كل المخلوقات، وليس عن أبيه وأمه فقط، بل عن كل المخلوقات، حتى عن الحيوانات، فلا يؤذيهم.

رأي عبد الله بن المبارك

[ وقال عبد الله بن المبارك ] وهو من سادات التابعين أيضاً في تعريف حسن الخلق: [ حسن الخلق في ثلاث خصال ] كما قاله الحسن في ثلاث خصال أيضاً، وهي [ اجتناب المحارم ] أي: اجتناب المحرمات من القول والفعل والاعتقادات [ وطلب الحلال، والتوسعة على العيال ] فالذي عنده عيال لا يضيق عليهم مثلنا بل يوسع، ولكن لا يسرف ويبذخ ويترف، وإنما توسعة لائقة.

فحسن الخلق هو ( اجتناب المحارم) كلها، ( وطلب الحلال) بدل الحرام، ( والتوسعة على العيال) وأفراد الأسرة، فيوسع عليهم ما دام قادراً على التوسعة، فلا يجيعهم ولا يعريهم، ولا يعرضهم للبرد في الشتاء، بل يوسع عليهم ما استطاع، فهذا دلالة على حسن خلقه.

آراء بعض السلف لحسن الخلق

[ وقال آخر ] من السلف [ حسن الخلق: أن يكون من الناس قريباً وفيما بينهم غريباً ] أي: لا يعرف ما يجري بينهم أبداً، فهذه مرتبة عالية، فيكون من الناس قريباً وليس بعيداً أبداً، يضحك مع هذا، ويعطي هذا، ويحسن إلى هذا، وفيما بينهم لا يسأل، بل يكون غريباً، من الغرابة والغربة، كأنه لا يعرف شيئاً، فلا يتحسس ويتجسس عن أفعالهم وأعمالهم وصفاتهم، بل يعرض عن هذا كأنه غريب الدار، فيجمع بين متضادين، فيكون قريباً من الناس وغريباً بينهم، فلا يعرف ما عند هذا، ولا ما عند هذا، ولا ماذا يأكل هذا، أو ما يشرب هذا أبداً، بل هو غريب الدار عنهم، وهو في نفس الوقت قريب منهم.

[ وقال آخر: حسن الخلق: كف الأذى، واحتمال المؤن ] وهذه تصحح، ففي النسخة المطبوعة مكتوب: المؤمن، والمؤن أي: النفقات، يعني: الطعام والشراب، فحسن الخلق أولاً: كف الأذى، لا يؤذي أحداً، والثانية: يتحمل النفقات التي يقدر عليها.

[ وقال آخر: حسن الخلق: ألا يكون لك هم غير الله ] وهذه مرتبة أخرى، ألا يكون لك في الحياة هم إلا الله، أي: كيف ترضيه وكيف يرضى عنك؟ وكيف تطيعه وكيف تتقرب إليه بأنواع العبادات؟ وصاحب هذا الهم والله لن يكون إلا حسن الخلق، فلا يؤذي ولا يفعل قبيحاً، وما دام همه الله فما بعد الله لا يبالي به، فلا أذى ولا ضرر، فحسن الخلق ألا يكون لك هم غير الله تعالى، بل لا بد أن يكون التفكير والعمل والجد والنهضة كلها دائرة حول الله عز وجل، وكيف يرضى عني ربي؟ وكيف لا يسخط مني؟ وما هي الأعمال التي يرضى بها عني ربي؟ وما هي الأعمال التي تسخطه علي؟ فيعمل الأعمال المحببة لله ويترك الأعمال المبغضة لله [ وهذا كله تعريف له ببعض جزئياته ] فهذه التعريفات ببعض الجزئيات وليس بكل الجزئيات [ وأما تعريفه باعتبار ذاته وحقيقته فهو كما تقدم سابقاً ] من قول الرسول صلى الله عليه وسلم.

علامة صاحب الخلق الحسن

[ وقالوا ] أي: العلماء [ في علامة ذي الخلق الحسن ] فتعرف أن إبراهيم أو موسى أو أحمد حسن الخلق [ أن يكون كثير الحياء ] فلا ينطق بالبذاءة، ولا ينظر إلى السوء، ولا يفحش في القول ولا في العمل [ قليل الأذى ] قلما يؤذي إنساناً أو حيواناً، أو لا يؤذي بالمرة [ كثير الصلاح، صدوق اللسان ] فلا يكذب أبداً، بل لسانه صدوق، لا يعرف إلا الصدق، سواء كان فيما بينه وبين أسرته أو فيما بينه وبين العامة من أبيض وأسود [ قليل الكلام ] لا يجلس دائماً يتبجح ويتكلم وكذا، بل هو قليل الكلام [ كثير العمل، قليل الزلل، قليل الفضول، براً وصولاً، وقوراً صبوراً، شكوراً رضياً، حليماً وفياً، عفيفاً، لا لعاناً ولا سباباً، ولا نماماً ولا مغتاباً، ولا عجولاً ولا حقوداً، ولا بخيلاً ولا حسوداً، بشاشاً هشاشاً، يحب في الله ويبغض في الله، ويرضى في الله ويسخط في الله ] والله نسأل أن يرزقنا هذه الأخلاق، فلا ندرسها فقط ولا نسأل الله إياها، اللهم ارزقناها واجعلها فينا يا رب العالمين!

وصاحب الحياء لا يكشف عن عورته ولا عن سوءة أحد، ولا يقول البذاء ولا الفحش، ولا ينطق بما يسيء لحيائه، وقليل الأذى قلما يؤذي، وكثير الصلاح أي: كثيراً ما يفعل الأعمال الصالحة، وصدوق اللسان لا يقول إلا الصدق أبداً، وقليل الكلام ما يكثر من الهرج والكلام من غير ما طائل ولا فائدة، والكلام كما علمنا كالدينار والدرهم، فإذا ما احتجت إلى الدينار فأخرجه من جيبك، وإن لم تحتج إليه فهو في جيبك، وكذلك الكلام، فإن احتجت إلى كلمة قلها، وإلا فلا تتكلم، وفي الحديث: ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ). فلا يتكلم في كل شيء، ولا يقول في كل شيء. فقليل الكلام تجلس معه الساعة والساعتين فلا تسمع منه الكلام إلا عند الضرورة، وما عدا ذلك فهو يسبح الله، ولا يتكلم إلا لحاجة. وهو كثير العمل، وليس كسولاً، يجلس في ظل الأشجار والجدران ويظل هناك، بل يعمل في الصلاة والعبادة، فالكسل ليس من صفات ذي الخلق الحسن، بل يعمل، حتى لو لم يجد إلا أن يساعد كناس الشوارع كنس معه. وهو قليل الزلل، قلما يسقط في زلة أو في كلمة أو في حركة أو عمل، ونادراً ما يقع هذا. وهو قليل الفضول، فالزائد عن الحاجة قليلاً ما يحتاج إليه. وهو بر يفعل البر لوالديه وللمؤمنين، وصول لأقاربه ومحارمه وإخوانه، وقور، والوقور هو الذي لا يستخف أو يستعجل في قوله أو مشيه أو عمله، صبور: كثير الصبر، شكور: كثير الشكور، رضياً: كثير الرضا ما يسخط، وهو قليل السخط، حليماً على من آذاه أو تعدى عليه، ولا يؤاخذه، وفياً إذا واعد أو عاهد، عفيفاً تمام العفة عن كل ما لا يحل له ولا يجوز له، لا لعاناً، فلا تسمعه يقول: فلاناً ملعون، أو لعنة الله عليه، ولا سباباً كالذين يسبون الناس هكذا، ولا نماماً، فلا ينقل الحديث للفتنة، ولا مغتاباً، ولا يذكر غائباً بسوء، ولا عجولاً في حركته وعمله، ولا حقوداً، فهو لا يحقد على أحد، ولا بخيلاً، والبخل والعياذ بالله معروف، ولا حسوداً، ولكن بشاشاً هشاشاً، يضحك في وجوه المؤمنين ويبتسم، يحب في الله ويبغض في الله، ويرضى في الله ويسخط لله، فحياته كلها لله [ وهذا أيضاً منهم تعريف لذي الخلق الحسن ببعض صفاته، وفي الفصول الآتية ] في كتابنا هذا [ كل صفة من صفات الخلق الحسن على حدة ] ففصل للصبر، وفصل لغيره، فكل صفة من صفات الأخلاق لها فصل خاص [ وباستيفاء مجموع تلك الصفات يتشخص الخلق الحسن باعتبار أجزائه ويظهر ويتميز ذو الخلق الحسن باعتبار صفاته ].

الخلق: هو هيئة راسخة في النفس تصدر عنها الأفعال الطيبة إذا كان الخلق حسناً، والأفعال الرديئة الخبيثة إذا كان الخلق سيئاً، وهذه الهيئة الموجودة في نفس كل إنسان تحتاج إلى تربية، فإن ربيت على الأخلاق الفاضلة اكتملت وأصبحت ذات خلق حسن، وإن ربيت على الأخلاق الخبيثة الرذيلة أصبحت كذلك، وأصبح صاحبها ذا خلق سيئ، فالخلق إذاً حسن وسيئ .. صالح وفاسد .. نافع وضار.

فالخلق هيئة في ذات الإنسان قابلة للتربية، فمن ربى نفسه على الخلق الفاضل اكتمل له الخلق الفاضل، وأصبح ذا خلق فاضل، ومن رباها على الخيانة والتلصص والإجرام والوقاحة وغيرها أصبح ذا خلق سيئ، والعياذ بالله تعالى.

الترغيب في الخلق الحسن

والرسول صلى الله عليه وسلم رغب في الأخلاق الفاضلة، فقال: ( البر حسن الخلق ). ومعناه: يا فاعل الخير! حسن خلقك، فإن حسن الخلق هو البر، كلمة واحدة.

وقال: ( أكمل المؤمنين إيماناً أحاسنهم أخلاقاً ). ( أكمل المؤمنين إيماناً) وأتمهم ( أحاسنهم أخلاقاً).

وقال: ( إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ).

( وسئل عن أكثر ما يدخل الجنة، فقال: تقوى الله، وحسن الخلق ). أكثر ما يدخل الإنسان الجنة هو تقوى الله وحسن الخلق، وقدم التقوى لأنه قد يوجد شخص ذو خلق حسن وهو فاجر .. فاسق .. كافر، فلا ينتفع بذلك، فلا بد من التقوى أولاً، وهو اجتناب ما حرم الله وفعل ما أوجب الله، وبعد ذلك حسن الخلق؛ إذ به يصبح المرء من أتقى الناس ومن أهل الجنة.

وقال: ( إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل، وإنه لضعيف العبادة ). مثل أبي هريرة ، ما كان يصوم يوماً بعد يوم، ولا ثلاثة أيام في الشهر فقط، وما كان يقوم الليل، بل يصلي العشاء والوتر، وقد أذن له الرسول في ذلك؛ لأنه لم يكن عنده قدرة، ولكنه كان صاحب أخلاق، فقد كان يجوع ويشتد به الجوع، ولم يكن يستطيع أن يقول لمؤمن: إنه جائع، وأي خلق أعظم من هذا؟ وقد كان يسقط في المسجد ولا يقوى على المشي فيأتي أولاد المدينة يركبون على ظهره ويقولون: جن أبو هريرة، جن أبو هريرة ، قال: والله ما بي جنون، وإنما بي الجوع فقط، وهذه هي العفة.

ومرة اضطر، فمر بـأبي بكر فأراد أن يسأله عن مسألة، ولم يقل: إنه جائع، وأراد يستضيفه فلم يفعل، ومر عمر فأراد أن يسأله ليستضيفه فلم يفعل، ومر الرسول فأراد أن يسأله فقال: تعال، وعرف ما يريد، ودخل معه الغرفة، وجيء للرسول بلبن، فرأى القدح كبيراً يكفي عشرة أنفار فيرويهم، فقال: ناد أهل الصفة، وهو لم يشرب، فجاء بثلاثين رجلاً فجلسوا في الدكة، فقال: اسقهم، قال: وأنا همي كيف يكفينا هذا، فأعطى الأول فشرب حتى روي وقال: الحمد لله، ثم الثاني والثالث والرابع والخامس، حتى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: اشرب، قال: فشربت حتى رويت حتى لا أجد له مسلكاً. هذا هو الخلق.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , سلسلة منهاج المسلم - (57) للشيخ : أبوبكر الجزائري

https://audio.islamweb.net