إسلام ويب

الفاحشة وانتشارها سبب كبير لتضييع أوامر الله، ولتحطيم المجتمع النظيف من القاذورات، خاصة إذا كانت الفاحشة هي شرب الخمر الذي يذهب العقل، فالخمر مضاره كثيرة وجسيمة، وعواقبه وخيمة، وحكم الشارع فيه عظيم في الدنيا والآخرة، وعلى هذا فهو السبب الرئيس لانتشار الجرائم وتفكيك المجتمع.

فشو أم الخبائث

الحمد لله الذي خلق الإنسان من العدم، وعلمه بعد ألم يكن يعلم، وأرشده إلى ما فيه صلاح دينه ودنياه، وحرّم عليه ما يضره فزجره عنه ونهاه.. رحمة منه إنه هو الغفور الرحيم، فهو أعلم بالعباد من أنفسهم، وأعلم بمصالحهم وما يصلحهم، قال تعالى: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ [النجم:32] بيَّن لعباده الحلال والحرام على ألسنة الرسل الكرام، الذين ختمهم بسيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام، الموصوف في التوراة والإنجيل بأنه يحل لأمته الطيبات ويحرم عليهم الخبائث.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراًً.

عباد الله! اتقوا الله حق التقوى، ولا يخفى عليكم ما مني به المسلمون من الحالة السيئة التي وصلوا إليها من الانحلال الخلقي، والتحلل من قيود الدين حتى تهاونوا بالصلوات الخمس فأضاعوها، وبالجُمع والجماعات فقطعوها، وبالزكاة فمنعوها، وبفريضة الحج فنسوها، وفشت فيهم المنكرات، وظهرت الموبقات، والتي من أقبحها وأخبثها: شرب المسكرات، وتعاطي المخدرات، والتي عمَّ شرُّها وتطاير شررها، وطمَّ ضررها وأغرق بحرُها، وفشى شربها في سائر البلدان والأقطار، بعدما كان الكثيرون يستنكرون شرب الدخان، ويرونه فسقاً واتباعاً للشيطان، فضلاً عن شرب الخمر والحشيش والأفيون وغيرها من المخدرات والمسكرات، التي تجرأ بعض الفساق فصار يشربها مفتخراً منبسطاً إليها، ويقدم بعضهم لبعض كئوس الخمر في ولائم الأعراس والأفراح، ويضربون الكئوس حتى تتصدع الرءوس.

أما علم أولئك السِّكِّيرون أن عليهم لعائن الله ورسوله، وغضبه وسخطه ومقته؛ ذلك بأن الله حرمها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لعنها، كما في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد رحمه الله، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وبائعها، ومبتاعها، وشاربها، وآكل ثمنها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، ومستقيها) عشرة لعنهم الله، وطردهم من رحمته، وتوعدهم بعقوبته؛ لأنهم ساهموا في هذه الجريمة، وتآمروا على نشر هذه الرذيلة، فكان جزاؤهم أن لعنهم الله ورسوله.

تدرج الشارع في تحريم الخمر

عباد الله! إن الخمر محرم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة، وفي العقول الصحيحة، والفطر المستقيمة، وفي الطب: فقد ذكر الفخر الرازي في تفسير قوله تعالى: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [البقرة:219] فقال: نزلت في الخمر أربع آيات:

نزل بمكة قوله تعالى: وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقـاً حَسَناً [النحل:67] وكان المسلمون يشربونها وهي حلال لهم، ثم إن عمر ومعاذاً ونفراً من الصحابة قالوا: [يا رسول الله! أفتنا في الخمر، فإنها مذهبة للعقل، مسلبة للمال] فنـزل فيها قوله تعالى: قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [البقرة:219] فشربها قوم وتركها آخرون، ثم دعا عبد الرحمن بن عوف أناساً منهم، فشربوا وسكروا، فقام بعضهم يصلي، فقرأ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] أعبد ما تعبدون، فنـزلت: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى [النساء:43] فقلَّ من شربها، ثم اجتمع قوم من الأنصار، وفيهم سعد بن أبي وقاص، فلما سكروا افتخروا وتناشدوا الأشعار حتى أنشد سعد شعراً فيه هجاء للأنصار، فضربه أنصاري بلَحَى بعيرٍ فشجه شجة موضحة، فشكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: [اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً] فنـزل قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:90-91].

الحكمة من تدرج تحريم الخمر

قال القفَّال رحمه الله: والحكمة في وقوع التحريم على هذا الترتيب أن الله تعالى علم أن القوم قد كانوا ألفوا شرب الخمر، فعلم أنه لو منعهم دفعة واحدة لشق ذلك عليهم، فلا جرم أن استعمل في التحريم هذا التدرج وهذا الرفق.

يقول سيد قطب رحمه الله وعفا عنا وعنه: عندما يتعلق الأمر والنهي بقاعدة اعتقادية فإنه يقضي فيها قضاءً حاسماً منذ اللحظة الأولى، وذلك كمسألة التوحيد والشرك، فنراه يأمر بالأول أمراً جازماً، ويندد بالثاني تنديداً لا هوادة فيه، كقوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72] وأما ما كان من أمر الإلف والعادة، كالخمر والميسر فقد كان يحتاج إلى علاج؛ فلذا بدأ بتحريك الوجدان الديني في نفوس المسلمين بأن إثم الخمر والميسر أكبر من نفعهما، وفيه إيحاء بأن تركهما هو الأولى.

ثم جاءت الخطوة الثانية بآية سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْـتُمْ سُـكَارَى [النساء:43] وفي هذا تضييق لفرص المزاولة العملية لعادة الشرب، وكسر لعادة الإدمان، حتى إذا تمت هاتان الخطوتان جاء النهي الجازم الأخير بتحريم الخمر والميسر في قوله تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:90].

تعريف الخمر

عباد الله! إن الخمر: كل ما خامر العقل، أي: غطاه، سواء كان رطباً أو يابساً أو مأكولاً أو مشروباً، ومن أشنعها وأخطرها: شرب الحشيش، والأفيون، والكوكايين، والحبوب الحمراء والبيضاء والصفراء، وشرب الويسكي أسوده وأحمره وأصفره وأبيضه، بجميع نسبه وأسمائه، والتي ينقلب شاربها ومدمنها إلى حيوان كاسر، وشيطان مريد بين أهله ومجتمعه، قال صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (كل شراب أسكر فهو حرام) متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) رواه أحمد وغيره، وفي سنن ابن ماجة : (ما أسكر كثيره فالقطرة منه حرام).

ولما نزل تحريم الخمر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُراق في الأسواق، وتكسَّر أوانيها، فأريقت حتى جرت في سكك المدينة، وقال الصحابة: [لما نزلت: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ [المائدة:91] قالوا: انتهينا، ياربنا، انتهينا].

عواقب الخمر في الدنيا والآخرة

التأثير السلبي في الوراثة

الخمر له تأثير سلبي وسيئ في الوراثة، فقد شوهد الكثير من أولاد السكارى واهني الأجسام، ضعيفي الإدراك، مرضى القلوب وقد يكون لديهم ميل للإجرام، وفي المسند : قال صلوات الله وسلامه عليه: (مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن) أي: إن مات من غير توبة، نعوذ بالله من ذلك!

وقال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يُدار عليها الخمر) رواه أحمد.

الخسف

قال صلى الله عليه وسلم: (ليشربن أناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها، يُعزَف على رءوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير) وصدق صلى الله عليه وسلم، فكم في زماننا هذا من الاستراحات، تُدار فيها الخمور والمسكرات، وتُعزف عليهم الموسيقى، وتنبح لهم المغنيات، وترقص لهم الباغيات الزانيات، فالويل لهم، ولعنة الله عليهم إن لم يعودوا ويتوبوا إلى ربهم.

سبب رئيس لكل الفواحش والمضار

الخمر عظيمة المضار، جسيمة الأخطار، وخيمة العواقب على الصحة والعرض والمال والدين والدنيا والآخرة، فهي تنـزف المال، وتصدع الرأس.

وهي كريهة المذاق، مرة الطعم، وتوقع العداوة والبغضاء بين الناس، وتدعو للزنا واللواط وكبائر الذنوب والفواحش، وتذهب الغيرة والحياء, وتورث الخزي والندامة، وتقصر العمر، وتسهل قتل النفس، وإفشاء السر، وهتك العرض، فكم أهاجت من حرب، وأفقرت من غني، وأذلت من عزيز، ووضعت من شريف، وسلبت من نعمة، وجلبت من نقمة، وأوقعت في بلية، وعجلت من منية، وأورثت من حسرة، وأجرت من عَبرة، وكم فرقت بين رجل وزوجه.

فأي خير، وأي نفع يُرجى من شراب لعنه الله ورسوله؟! وأي جان على نفسه ودينه وعرضه وأهله مثل من استبدل الخبائث بالطيبات، والضار بالنافع، والضلال بالهدى، والعذاب بالمغفرة.

فيا شارب الخمر: إن كانت عقوبة الدنيا حقيرة في نظرك لا تَرْعَوي بها عن غيك، فاعلم أن الله تعالى محاسبُك وسائلُك عن عمرك فيم أفنيته؟ وعن شبابك فيم أبليته؟ وعن مالك فيم أنفقته؟ فبماذا تجيب يا مسكين وقد عصيت الله ورسوله، وتعديت على حدوده؟! وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:14].

العواقب الأخروية لشرب الخمر

يا شارب الخمر: هل ستسيغ طينة الخبال التي هي شراب من شَرِب الخمر، ومات من غير توبة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن على الله عهداً لَمَن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال، قيل: وما طينة الخبال؟ قال: عَرَق أهل النار، أو عصارة أهل النار) رواه مسلم.

يا شارب الخمر: هل تبيع نصيبك من الجنة الخالدة بكأس خمر نجسة زائلة مذهبة لعقلك، ضارة بدينك وصحتك وعرضك، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة مدمن خمر)؟!

يا شارب الخمر: أترضى أن يخرج منك الإيمان، وأنت تتجرع الخمر بالكيسان؟! قال صـلى الله عليه وسـلم: (ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن).

يا شارب الخمر: إنك لستَ متروكاً لذاتك ولا للذاتك، بل عليك تكاليف لربك ولنفسك ولأمتك ولأولادك.

سوء الخاتمة

يا شارب الخمر: إنك لا تدري ماذا يحدث لك في ليلك أو نهارك!! فحذارِ أن يأخذك الله وأنت على خمرك وذنبك! فلعلك تفارق الدنيا وأنت على سكرك، فتُرمى في جهنم على وجهك، وتشرب من عرق أهل النار، وتذوق مرارة صديدهم، وإن الإنسان يموت على ما عاش عليه، وقد أخبرنا الثقات عن نهايات بعض الفاسقين، وكيف خُتم لهم بسوء الخاتمة، والعياذ بالله.

يُحكى أن أحد المدمنين لشرب الدخان لما حضرته الوفاة، قيل له: قل لا إله إلا الله، فقال: دخان حار.. دخان بارد.. نسأل الله العافية والسلامة.

وقيل لأحد الربويين في آخر لحظة من حياته: قل لا إله إلا الله، قال: العشرة باثني عشر، العشرة بخمسة عشر.

وقيل لأحد المغنين والمدمنين على الطرب: قل لا إله إلا الله، قال -والعياذ بالله-: (أروح لِمِين؟) يتغنى بأغنية الفاسقين.

يا شارب الخمر: اتق الله في نفسك وأهلك قبل أن يُقال لك: قل لا إله إلا الله فتقول: صب في الكأس، واملأ الكأس؛ فإنه والله يُسمع عن المجرمين أخبارٌ تقشعر منها الأبدان، ويقف لها شعر الرأس.

يا شارب الخمر: اتق الله في نفسك وأهلك.. اتق الله في مالك وأولادك.. تب إلى الله واستغفر لذنبك.. فالتوبة واجبة، وبابها مفتوح، والحياة مرة، فإذا انتهت فلا رجوع ولا كرّة.

اللهم أصلح فساد قلوبنا، واغفر ذنوبنا، وتجاوز عنا إسرافنا.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

أضرار شرب الخمر على الفرد والمجتمع

الحمد لله رب العزة والجلال، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله القائل: (إن على الله عهداً لَمَن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال).

اللهم صلّ وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه خير صحب وأفضل آل.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى واشكروه على ما هداكم، وكلوا من طيبات ما رزقكم، واجتنبوا الخبائث الضارة بالأبدان والعقول، فقد أمركم الله بذلك: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [البقرة:172] واعلموا أن الخمر بأنواعها تيار من الخراب جارف، وبلاء من الهوان ماحق، ومن وقع في قبضتها هدم صحته، وحلل بُنيته، وأفسد عقله وعمله وبدد ثروته، وما الشهوات الآثمة إلا هدم للأبدان، وقتل للأخلاق، ووأد للأعراض، وشارب الخمر مضر لنفسه، مهمل لِبَناته، مسيء لأولاده وأهله، وإذا فسد الراعي فسدت الرعية.

إذا كان رب البيت بالدف ضارباً>>>>>فشيمة أهل البيت كلهم الرقصُ

شارب الخمر إذا دبت الخمر في رأسه زنى ولاط، وسب وشتم ولعن واستهان بكل فضيلة؛ حتى إنه لا يتورع عن فعل الفاحشة في أمه وأخته ورَحِمِه.

شارب الخمر شر على زملائه وأقرانه، وعضو مسموم في جسم الأمة إذا لم يعالجوه أو يقطعوه أصابهم ضرره، وكفى شارب الخمر بُعداً ومهانة وذُلاً وخسارة لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تلاحقه في الليل والنهار ما لم يتب، وعند الموت وفي القبر ويوم القيامة.

عباد الله: والله إنا نسمع بقصص نحسبها من ضرب الخيال؛ ولكنها في واقع المسلمين وفي مجتمعاتهم، وهذه قصة قديمة تُحكى عن عربيد من العرابدة والسكارى -نسأل الله العافية- دخل إلى بيته سكراناً، فوجد أمه التي احدودب ظهرها، وشاب شعرها، وهي تعد له طعاماً، وتخبز له خبزاً على الفرن، دخل فإذا هي قد انحنت على التنور تعد طعامه، فقام عدو الله بقذفها في التنُّور -والعياذ بالله- فاحترقت أمه وتفحمت، فلما أفاق من سكرته، وإذا الأغلال في يديه، والحديد قد أثقل رجليه، وإذا هو قد ارتكب أبشع جريمة، ألا وهي قتل أمه، والعياذ بالله.

ورجل يصحو من سكرته، ويفيق من عربدته؛ فإذا هو قد طلق زوجته، وآخر يفيق من خمره، ومن شره وبلائه, فإذا هو قد حاول أن يهتك عرض ابنته والعياذ بالله.

هذه هي الخمرة، وهذه فوائدها ونتائجها، كم من طلاق وقع بسببها.. كم من حوادث للسيارات.. كم من القتلى والموتى بسبب الخمرة.. كم من الخطف والسلب والسطو بدافع هذه الخمرة.. والإحصائيات تشهد بذلك.

نسبة الجرائم الناتجة عن شرب الخمر

عباد الله: سمعت بعض الإحصائيين يتحدثون عن جرائم المسكرات والمخدرات؛ حتى قالوا: إن نسبة تأثير الخمرة على الجرائم بنسبة (95%) حتى إنها دخلت لجنة على سجينات لتتحقق من جرائمهن، وتعرف الأسباب الكامنة خلف ذلك، فسألوا امرأة في قضية أخلاقية وقالوا لها: ما سبب فعلك لهذه الجريمة وإتيانك إلى السجن؟ اسمعوا عباد الله! وإن كانت الخمرة ليست السبب المباشر؛ ولكنها كانت سبباً في وصول هذه المرأة إلى هذه القضية الأخلاقية، وبالتالي إلى السجن والعياذ بالله! قالت: إن زوجها يتعاطى المخدرات، فألقي القبض عليه، فأودع في السجن، فانتظرته طويلاً ولكنه لم يأت إليها، فألمَّت بها السنين، واشتدت بها الكُرب والحاجة؛ فاستسلمت للشيطان وإغوائه؛ انظروا -عباد الله- كيف تؤثر المسكرات والمخدرات بطريق مباشر أو غير مباشر في وقوع الجرائم، وفي حصول الحوادث.

وصدق صلى الله عليه وسلم لما سمى الخمرة أم الخبائث، نعم. إنها أم الخبائث، فمن شرب الخمر فلا يأمن أن يترك الصلاة، ومن شرب الخمرة فلا يأمن أن يسب الله -والعياذ بالله- ووالله إن بعض السكارى والعرابيد إذا سقطوا -والعياذ بالله- من شدة السكر أخذوا يهذون ويسبون الله، تعالى الله عما يقولون علواً عظيماً.

فاحذروا الخمرة والمسكرات، وسائر المخدرات، فإنها سبب البلاء، وسبب انتشار اللواط والزنا، وسبب انتشار الطلاق، وضياع الأبناء والبنات.

قصصٌ كثيرة؛ ولكننا ذكرنا لكم منها بعضاً، لعل الله أن ينفعنا وإياكم بها.

وجوب التعاون في النهي عن المنكر

اتقوا الله عباد الله: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2] حاربوها في بلادكم، ولا تسكتوا على من تعاطاها بين أظهركم أو في بيوتكم.

أيها الآباء: اعلموا أن كثيراً منكم لا يعرفون شيئاً عنها أبداً، ولكن كم من قارورة مليئة دخلت في منازل بعضكم وخرجت فارغة بفعل بعض الأولاد هدانا الله وإياهم وأصلحهم، نعم أيها الأحباب! لعل قائلاً يقول: هل وصل الأمر إلى هذا الحد؟! هل المخدرات والمسكرات انتشرت؟! فنقول: إن السجون تشهد بذلك، والمصحات النفسية والعقلية التي انتشرت نتيجة انتشار المخدرات والمسكرات أكبر دليل على ذلك، فلنتعاون جميعاً على حربها، وعلى إزالتها من بلادنا.

وكم قرت العيون وفرحت القلوب لما قبض على مصنّع الخمرة فيما مضى من الأيام، يوم أن حكم عليه قضاة الإسلام، وصدق ولي الأمر القرار جزاه الله خيراً فضُربت عُنُقه؛ لأنه طالما صنَّعها، فنوصِح وسُجن وجُلد، ولكنه لم يَرْعَوِ، فكان أن قُتل وضربت عنُقه قتلاً، درءاً لفساده ومفسدته.

نعم. عباد الله: بلغوا عن شُرَّابها بعد أن تناصحوهم، لعل الله أن يهديهم على أيديكم، فإن لم يفعلوا فبلغوا عنهم السلطة، ولا يسعكم ولا تبرأ ذمتكم إلا بذلك، ونحن نقول من على هذا المنبر: اللهم اهد ضال المسلمين، اللهم اهد ضال المسلمين، اللهم إنا نسألك العافية والسلامة من الشرور والأشرار، ومن المخدرات والمسكرات، ومن الأضرار.

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد، كما أمركم الله في محكم التنـزيل بذلك فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

وقال صلى الله عليه وسلم : (من صلى عليَّ صلاةً واحدة، صلى الله عليه بها عشراً) اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، ودمر أعداءك أعداء الدين من اليهود ومن هاودهم، والنصارى ومن ناصرهم، والشيوعيين ومن شايعهم، والعلمانيين والقوميين ودعاة التبرج والسفور، ومصنعي الخمر، ومروجي المخدرات، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تُبْقِيَنَّ منهم أحداً.

اللهم وفق إمامنا إمام المسلمين لما تحبه وترضاه.اللهم اهده وأصلح قلبه وإخوانه ووزراءه وأعوانه وشُرَطَهُ، اللهم اجعلهم عزاً للإسلام والمسلمين، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، وأبعد عنهم بطانة السوء والنفاق يا رب العالمين.

اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء، فأشغله اللهم بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، وأدر عليه دائرة السوء، وافضحه شر فضيحة، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعَز فيه أ هل طاعتك، ويذَل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، اللهم أقم علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، اللهم قَوِّ الهيئات ورجالها، اللهم قوهم وزدهم نشاطاً، ووفقهم للقضاء على الشرور والأشرار، اللهم سددهم، وشد عضدهم بولاة الأمر يا رب العالمين، وكن لهم ولا تكن عليهم، وكن على أعدائهم يا حي يا قيوم يا قوي يا جبار يا منتقم.

رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23].. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

عباد الله: إن الله يأمر العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , كم أذلّت من عزيز للشيخ : متعب بن سليمان الطيار

https://audio.islamweb.net